رسالة إلى صديقي الملحد

غالب غنيم Ýí 2013-12-30


رسالة إلى صديقي الملحد

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كنت كتبت يوما ما، قصة رحلتي إلى الإسلام من بعد ضياع طويل وضلال وبحث عنه في صيغته الحق التي لا يشوبها ضلال ولا ظلم ولا افتراء، حتى وجدته يوما ما، في موقع اهل القرءان حينما قرأت ما كتبه الأخ الفاضل أحمد منصور، وكتبت حينذاك تلك القصة، ثم كتبت شيئا يسيرا عن الإلحاد، محاولا تعليله وتعليل سبب وجوده، وكذلك تحديد فهمي له!



مما أريد إعادة ذكره هنا هو فهمي لمسألة وقضية الالحاد بأنها لا تبدأ عند الشخص بلا سبب، بل ان أكبر سبب لها هو عدم وجود الأجوبة الشافية والكافية في ديانة ما، أي الديانة التي أتى منها أو ورثها، أو منع تلك الديانة معتنقيها من نقاش اصول دينهم، مما يؤدي إلى وجود ثغرة في فكر الشخص وتصوره عن الكون من حولنا وماهية الكون والخالق وما الى ذلك من أمور متعلقة تصبح بالنسبة له مصدر ازعاج دائم، حتى يصدر قراره الشخصي برفض كل ما هو حوله من افكار متعلقة بهذا الأمر بسبب نقصها او عدم شفافيتها او حصرها لفكرِه !

فالانسان الملحد حسب فهمي يرفض وجود الله تعالى ليس بسبب ذات الاله بل بسبب الفهم القائم لذاك الإله من حوله في مجتمعه او في الفكر الديني لمن هم من حوله !

المهم هنا هو أنني لا اريد فرض فهمي الشخصي لهذه المسألة، بقدر ما أريد التوجه الى هذه المجموعة التي اعتبرها أنا شخصيا بذرة خير لتقبل الفكر الانساني المحايد البعيد عن تكفير وتجهيل الآخر وفي ذات الوقت، الداعي الى العلم والتعلم كذلك ..
اي أنني هنا أبحث عن النقاط المشتركة بيني كرجل يعتنق دين الله تعالى من مصدره الأساسي – القرءان الكريم – وبين صديقي الملحد ...!

صديقي العزيز :
أولا لنتفق على الآتي بدون فرض رأي، ولكن هذا هو فهمي لواقعك، وهو أنّكَ الآن في مرحلة التضارب الفكريّ بين فقر المعلومات العلمية وعدم إجابتها على كل أسألتك، وبين كره للمعلومات الوراثية لهذا الدين بالذات، أقصد الإسلام ! ولهذا أنت دائم البحث بين هذا وذاك ! وهذا البحث الدائم، مما يشرفني !
وإلا فإن أنت فقدت الاهتمام بهذا الدين من الأساس ولم تعد تنظر إليه أبدا، أو تناقشه أبدا فأنت لا بدّ تخطيت مرحلة الالحاد إلى ما هو أعمق منها في اتجاه الكفر بالله تعالى، أي رفض فكرة الإله مطلقا، فأنت لن تتعرض أو تفكر أو حتى تقرأ عن هذا الإله أو شيئا مما يقوله في رسالته القرءان ! وهنا، هذا شأنك فلا علاقة لي بك ولاعتقادك الشخصي ولن أناقشه ابدا !
فما دمت أنت مهتما بما يُطرح من حولك من مواضيع دينية، فهذا لا بد يعني ان بذرة البحث ما زالت موجودة عندك، وهذا شيء جميل، وبشكل عام لن أناقش أبدا فكرة إيمانك من عدمه بالله تعالى، فهذا عائد إليك، كما هو عائد إليّ أنا شخصيا، أي إيماني به سبحانه!

المهم صديقي العزيز هو انني اتفق معك في أغلب إن لم يكن في معظم ما ترغب في نشره أنت من فكر منير وعلم مفيد وبناء وإعمار للأرض ونشر السلام والابتعاد مطلقا عن الإعتداء والظلم والجهل والتجهيل وتكفير الآخر !
وأنا أرى من هذه النقاط التي هي ليست كل ما نتفق عليه بل جزء يسير منه، أنه هناك الكثير الذي يمكنني ان اعمل معك عليه أو نعمل معا عليه! فديني أنا شخصيا الذي أعتنقه والذي يُطلَـقُ عليه اسم دين الله تعالى القيم – الإسلام منذ خلق الله تعالى الأرض والسماوات – أي منذ وُجِدَ خلق الله، هو دين يحتويني ويحتويكَ معا بغض النظر عن ماهيّة فكرك ! فإن هو احتوى الذي ينافق، والنصارى واليهود والذين رفضوا الإيمان بالله من الأصل فلم لا يحتويكَ ؟!

المهم صديقي أن تفهم ماهية ديني هذا، لكي تستطيع أن تتقبلني – كآخر – مثلما أنا اتقبلك !

فإن أنت تقبلتني كشخص يستطيع البناء معك للارض وتعميرها ونشر السلام فيها وعليها وعدم الظلم والغش والنميمة والسرقة والقتل فلم لا تعلن الهدنة معي وتبدأ حربك معي على من هو عدونا الحقيقي – إن سمحتَ لي بأن أجمع عدوّكَ مع عدوي – وهو العدو الذي يدعو للجهل ورفض الآخر والتكفير وبتر الأيادي ورجم من لم يأمر الله تعالى برجمه وإعلان الحرب على بشر لم يعتدوا عليه !

فحقيقةً، أنني حين أقرأ لك – للاسف – أجدكَ تجهل ديني هذا وتحاربه كما تحارب الدين الأرضيّ الوضعيّ الذي لا علاقة له بالله تعالى! فأجدُكَ مثلكَ مثل من أحاربهم، تنشر خرافات البخاري وما تم افتراءه على الله تعالى بغير علم ولا كتاب منير على أنه هو الإسلام، بينما هو لا علاقة له بالاسلام لا من بعيد ولا من قريب إلا بالمسمى ليس أكثر !
ومنه هنا أنا أجد نفسي أيها الصديق، في حيرة شديدة ! فأنت في نفس الوقتِ، تبحث بينما اجدكَ لم تقرأ أصلا عن الحق من الباطل! فالباحث دائما يتوخى الحذر والدقة في المعلومات! ولا يخلط هذا الدين بذاك! فالمِلل كثيرة والأديان تعددت وكثرت وخاصة الوضعية الأرضية منها، بينما دين الله تعالى القيم واحد منذ خلق السماوات والأرض! فتعال معي لنفهم الفرق بين دين الله تعالى القيم وبين تلك الاديان الأرضية الوضعيه باختصار شديد :
أولا إن دين الله الإسلام شدد على حرية الإنسان، وأول ما أقرّه هو حرية الإنسان الكاملة التامة غير المقيّدة إلا بما يرفضه أي انسان حرّ آخر وهو الظلم والإعتداء! فالإنسان في ديني حرّ بما يعتقد إن شاء أن يؤمن فليؤمن وإن كفر بالله فذاك شأنه وهو بينه وبين الله تعالى فقط ( الكهف - 29)، بل ديني يقول ان هناك من البشر من يؤمن ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ولم يقل ان نفعل معهم شيئا بل ترك الأمر كله لله تعالى (النساء - 137)!
أما الدين الأرضي الوضعي فهو من نادى بالاعتداء والظلم والحروب باسم الله متخفيا خلف عباءات التحليل والتحريم كما يطلب السلطان السياسي باستخدام كتابات تم وراثتها من بشر لا نعلم عنهم شيئا ولم ينزل الله تعالى بهم من سلطان ولا كتاب ابدا! وهو ما يسمونه بالتراث الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من عنعنات وفلان وفلان، وديني حارب كل هذا بكل قوة وشدد ان لا نفتري على الله تعالى الكذب ولا نحلل ونحرم كما نحب ولا نكفر الاخرين ولا نعتدي حتى في حروبنا بكل صراحة، نعم قالها بكل صراحة أن لا نعتدي حتى في الحرب ! فنحن نقاتل فقط من يقاتلنا بل ولا نعتدي عليهم ( البقرة – 190 ) !
في ديني الله تعالى وصف لنا المجتمع الذي عاش فيه النبي محمد آنذاك بكلّ صراحة ودقة! فقال لي ان محمدا عليه السلام كان من حوله مؤمنين ومنافقين ومنافقين مردوا على النفاق هو نفسه لا يعرفهم، ونصارى ويهود ومن هم اشد كفرا، ولم يفعل بهم شيئا ولم يأمر النبي بفعل شيء لهم، بل قال له أن أمرهم شورى بينهم، وهذا برايي أعظم حرية على مستوى المجتمع! فالنبي لم ينصب نفسه ولم ينصبه الله تعالى حاكما أو سلطانا أو ملكا عليهم!
برأيي صديقي الفاضل أن ديني النابع من القرءان الكريم وحده فقط، سيجعلك تتفق معي في كل ما فيه ولن تجد من خلاله ثغرة كي تحاربني وتجادلني، إلا إن أردت أنت خلق تلك الحالة، بخلطك بين ديني وبين بقية الأديان الوضعية الأرضيه التراثية الشخصية الهدف !

لا أريد أن أطيل عليك صديقي الفاضل، لكن كن واثقا أنني أحارب الجهل مثلما أنت تحاربه تماما! فديني وربي يدعوانني ليل نهار إلى أن أُفعِّل مقومات الوعي التي منحني الله تعالى إياها من سمع وإبصار وفؤاد، لكي اتدبر وأفكر وأدرس وأتعلم وأتعرف وأسير في الأرض لهذا الهدف بل وأهاجر لهذا الهدف ايضا !
أنا أرى كل ديني يدعوني للتعلم والعلم وتفعيل مقومات وعيي وأن لا اهملها وأتبع أبائي وأجدادي وراثة فقط لأنني ولدت بينهم على دين ما !
بل يدعوني لأكثر من ذلك، بأن أنظر للقرءان نظرة ناقد باحث عن الحق فيه، وليس مًتَـلَـقِّ يتم تلقينه من هذا وذاك ما معنى هذه وتلك (النساء - 82) !!!!
بل ويدعوني أن لا أؤمن بنبيي غيبا بدون تأكد منه – فأنا فعليا لم أر نبيي – وذلك بأن أبحث في هذا القرءان فإن وجدته من عند الله فنبيي صادق واؤمن به حينذاك فقط (الأعراف - 75)  (البقرة - 285) !
ما أجمل ديني صديقي إن رايته بعينيّ! فربي يطلب مني ان ابحث فيه وفي رسالته وفي رسوله!
ومنه صديقي الفاضل، أرجو ان تعيد النظر فيمن تحاربه وتوجه جهودك معي وليس ضد من يقف – حتى لو برايك شكليا – في صفك في الحرب على الجهل من حولنا !

والسلام عليك

اجمالي القراءات 16959

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   حسين الدوكي     في   الإثنين ٣٠ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[73579]

ما اجمل ذلك المقال


انا ما زلت في بداية عمري و لكني بسبب السلفية و الصوفية و الفهم الخاطئ للاسلام مررت برحلة مريرة ما بين الاديان و الالحاد هو الاخر و لكن انتهي بي المطاف عندما رايت كتابات الدكتور احمد صبحي و عرفت القرانيين و التيار القراني و الفكر القراني الاسلامي الصحيح و اصبحت و كانني اري نور الله في كتابه و اصبحت اخيرا افهم القران بعيدا عن التفاسير التي تجعله كالاحاجي فانا صراحة اعذر الملحد بسبب هذا المجتمع و لكن من يريد الحق يبحث عنه و لكن الجميل في هذا المقال انه يجعل الملحد يعرف ماهية ديننا.



فيجب ان احييك علي هذا المقال الرائع استاذي



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2010-11-13
مقالات منشورة : 65
اجمالي القراءات : 825,217
تعليقات له : 265
تعليقات عليه : 151
بلد الميلاد : Jordan
بلد الاقامة : Jordan