العرب و "حوار الطرشان"

مسعد حجازى Ýí 2007-02-16


;ضايا جدلية كثيرة أغلبها لا يمت للواقع العربى الحالى الأليم والمفجع بصلة ، ويدهشنى أكثر نبرة الحوار والخطاب الإعلامى خاصة فى كثير من البرامج التليفزيونية والذى هو أشبه ما يكون " بحوار الطرشان " ، وغالبا ما يتسم بالتشنج والإنفعال والتفكير العاطفى وخلط الأوراق والتعميم والتسرع فى إصدار الأحكام ، ويكاد يتوه فيه صوت العقل والحكمة والهدوء والتروى ، ونادرا جدا ما تقرأ أو تسمع أحد المتحاورين يقول للطرف الأخر ـ خاصة فى حوار حول قضايا خلافية سياسية أو دينية ـ " يبدو أن رأيى قد جانبه الصواب فلم أكن أعرف هذه المعلومة أو على بينه بتلك الحقائق والبراهين التى ذكرتها " مع ان الإعتراف بالحق فضيلة كما يقول المثل الشائع... الكل يريد أن يتكلم كثيرا ويسمع قليلا أو يسمع فقط ما يريد أن يسمعه أو يقاطع من يتحدث بأسلوب إستفزازى.

 

  وفى أغلب الأحيان يخرج الحوار عن القضية الأصلية ويتفرع الى قضايا فرعية أو منفصلة أو ينتقل من العام إلى الخاص فتحدث البلبلة والشوشرة ويتحول المتحاورون بقدرة قادر إلى أجهزة إرسال فقط دون إستقبال .!!


 لماذا تسود هذه الظاهرة فى مجتمعاتنا العربية أكثر من غيرها؟!

أليس غريبا أن تتفشى هذه الظاهرة المؤسفة المخجلة فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية على الرغم من أن الحوار هو قيمة إسلامية أكدها المولى عز وجل فى محكم آياته حيث يقول:

 (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

  هل هو هروب لا شعورى من الواقع المر الأليم والمهين؟

هل هو نتيجة لتزايد مشاعر الإحباط واليأس من تغيير هذا الواقع؟

 هل هو شعور الشخص بفقدان الهوية أم محاولة لتحقيق وإثبات الذات؟

هل هو شعور بالنقص أو الظلم أو هو حب الظهور على شاشة التليفزيون والسلام أم هو الرغبة والتطلع إلى زعامة ما من خلال ترديد شعارات جوفاء وعبارات رنانة طنانة كالببغاء قد مضى عهدها وثبت زيفها وأصبحت لا ترقى لمستوى الأحداث والقضايا المصيرية والأخطار الجسام التى تواجه أمتنا اليوم وغدا ؟!

 كيف يتشدق البعض منا فى العالم العربى ـ أفرادا كانوا أو أحزاب وحكومات ـ بالحرية والديمقراطية بينما هم يحجرون ويصادرون الرأى الأخر وينكلون به ؟!

 هل الخطأ أساسا يكمن فى أسلوب الحوار أم فى طريقة تفكير العقل العربى؟!

 وإذا كان هذا كله يحدث بين شعوب وأقوام يتحدثون لغة واحدة وبينهم الكثير من العادات والتقاليد المشتركة فماذا يفعلون وكيف يتحاورون مع شعوب أخرى أجنبية تتحدث لغات أجنبية غريبة ولها عادات وتقاليد وبيئات إجتماعية مختلفة؟!

كيف يستقيم حق حرية التعبير مع أسلوب القذف أو التشهير أو أسلوب الغمز واللمز والتنابز بالألقاب؟

ولماذا يتحاور بعضنا والكثيرون منا مع الأخر من منطلق أن هذا الآخر مدان إلى أن تثبت براءته لا العكس؟!

كيف يكون الحوار بناءا إذا إستسهل الكثيرون منا اللجوء إلى التفسير التأمرى لكثير من الأحداث والقضايا الملحة التى

تواجهنا عمال على بطال رغم إعترافى بأن عالم السياسة ملئ بالدسائس والمؤامرات؟! أو ليس فى هذا إعتراف منا بالعجز والقصور أو الكسل والتراخى عن البحث والتدقيق أو عن الفهم الصحيح ؟!!

إذن ما الجدوى من الحوار أصلا إذا ماتشبث كل طرف برأيه وموقفه رغم الخطأ الواضح أو النقص فى المعلومات؟!

حقيقة أنا لا أعرف الإجابة ولكنها كلها أسئلة أطرحها للجدل البناء والنقاش المفيد على الساحة العربية بأسرها.


وإذا كان لا بد من الخلاف ـ وهو أمر طبيعى يحدث بين البشر وحتى بين الأخ وأخيه ـ فلماذا لا نعرف أو حتى نحاول أن نتعلم كيف نختلف؟!

أتذكر أننى سمعت "تب أونيل" رئيس مجلس النواب الأمريكى المخضرم عن الحزب الديمقراطى يروى موقفا حدث بينه وبين الرئيس الأمريكى الجمهورى رونالد ريجان أثناء المناقشات الحامية فى الكونجرس حول صفقة بيع طائرات " الأواكس" الأمريكية للمملكة العربية السعودية ، وكان ريجان يتصل ببعض أعضاء الكونجرس الأمريكى المنقسم لإقناعهم بضرورة الموافقة على الصفقة ، وفى أحد الأيام إتصل الرئيس ريجان بـ " تب أونيل " الذى كان يعارض الموافقة على بيع طائرات الأواكس التى تحتوى على أدق وأحدث وأخطر الأسرار التكنولوجية الأمريكية لدولة أجنبية واحتد النقاش بينهما واستمر لأكثر من ساعة كاملة وكان ريجان رئيسا جديدا ولم يتفق الإثنان على موقف ، ويروى تب أونيل أنه إتصل تليفونيا بالرئيس رونالد ريجان فى السابعة من مساء نفس اليوم ليسأله عما إذا كان وقته يسمح لأن يدعوه إلى البيت الأبيض على فنجان قهوة أو أحد المشروبات (كلاهما من أصل أيرلندى) ويبدو أن ريجان كان لا يزال غاضبا من بعض ما دار بينهما أثناء النقاش قبل ساعات قليلة ولم يستطع أن يخفى مشاعره فقال لـ تب أونيل : " تب إننى حقا فى دهشة وإستغراب من طلبك هذا بعد أن إحتد النقاش بيننا وأغضب كل منا الآخر ظهر اليوم فكيف تريد أن تأتى للحديث والتسامر؟!!

فرد عليه السياسى المخضرم تب أونيل قائلا: " سيدى الرئيس لقد حدث هذا قبل الساعة السادسة مساء وأثناء مواعيد العمل الرسمية ونحن الآن فى السابعة مساء".

قضايانا كبيرة وشائكة ومعقدة ومعظمها عادلة وتحتاج الى قوة كبيرة للدفاع عنها وإيجاد حلول جذرية لها وهذا فى رأيى لا يتحقق إلا بإعمال العقل والتفكير لا التكفير، والإيمان القوى المستنير واتحادنا وتماسكنا لا بمزيد من الفرقة والإنقسام فنحن جميعا فى سفينة واحدة فى وسط محيط هذا العالم ، وأري الأمواج العالية والأعاصير تتلاطم على السفينة من كل جانب ، ورياح الخطر تهب على المنطقة بأسرها فى وقت أرى الكثيرين منا فى عالمنا العربى يخوضون معارك جدلية عقيمة لن تغير من واقعنا المأساوى الأليم أو تدرأ خطرا فمن أين لنا كل هذه الرفاهية؟!!


منذ ما يقرب من أربعين عاما قال المفكر الكندى الكبير مارشال مكلوهان كلمته الشهيرة:


" إن أكثر ما يقلقنى ويشغل تفكيرى هو أن ندخل كشعوب القرن الحادى والعشرين ونحن لا زلنا نجر معنا قيود وأغلال القرن التاسع عشر".

مسعد حجازى

كاتب وصحفى مصرى ـ كندى

Mossad_Hegazy@hotmail.com

اجمالي القراءات 14293

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   AMAL ( HOPE )     في   الأربعاء ٢١ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[2923]

الاخ مسعد حجازي المحترم , بعد التحية

اسعد الله كل ايامك ,
كم كنت اتمنى ان يكتب احدا في هذا الموضوع , واخيرا تحققت امنيتي . كلامك منطقي وواقعي جدا جداجدا .
طاب يومك

2   تعليق بواسطة   مسعد حجازى     في   الخميس ٢٢ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[2971]

الأخت الفاضلة أمل

إلى الأخت الفاضلة أمل هوب، أشكرك جزيلا على مرورك الكريم على صفحتى المتواضعة، وعلى تفضلك بالقراءة والتعليق.

أنتهز الفرصة لأحييكم على إنشاء الرواق الجديد وإختيار صديقى العزيز الأستاذ فوزى فراج مديرا له، حقيقى إختيار موفق وفى الصميم، كما أود أن أحييى جميع الكتاب والقائمين على الموقع على أسلوب الحوار المتحضر فى النقاش والذى أجده أفضل بكثير من الحوارات التى تجرى فى مواقع أخرى
تمنياتى لكم جميعا بالتوفيق والسداد.

مسعد حجازى

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-24
مقالات منشورة : 14
اجمالي القراءات : 222,951
تعليقات له : 14
تعليقات عليه : 38
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Canada