رقم ( 8 ) : ثلاثة ملاحق
الملاحق : فى الرد على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات

الملحق الأول :

مقدمة

 1 ـ  كان حمقى الحنابلة يتهموننا بالتشيع ، وكان الشيعة يهللون لما نكتبه نقدا فى الدين السّنى ، خصوصا مع تعرضنا لتحليل شخصيات ( ابى بكر وعمر وعثمان ). ثم كانت صدمة الشيعة قاسية عندما تعاملنا مع الاههم ( على بن أبى طالب ) بنفس الموضوعية بلا تقديس ولا تمجيد ، فكان نقدهم لنا . الآن لم تصبح لحمقى الوهابية حّجة علينا فى أتهامنا بالتشيع ، وهم لو قرءوا لنا أول كتاب أصدرناه عام 1982 عن ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) لرأوا أننا من البداية ضد التصوف والتشيع . وبالتالى فأن منهجنا واضح ، فى التعامل الموضوعى مع الشخصيات التاريخية بغضّ النظر عمّن يقدسها وفى الفصل الحازم والباتّ بين الاسلام (وهو القرآن الكريم فقط ) والمسلمين بتاريخهم البشرى وحضارتهم البشرية وتراثهم البشرى وأديانهم الأرضية . نحن نُنكر وبكل قوة أن يكون عمل المسلمين جزءا من الاسلام ، بل هو منسوب بخيره وشرّه لمن قام به ولمن قال به ومن إعتقده ، وليس لرب العزة جل وعلا شأن به ، بل سيحاسبهم جميعا على ما عملوه من صالحات وسيئات . ونؤمن بأن المسلمين لو قدروا الله جل وعلا حق قدره ما ارتفعوا بالبشر الى مصافّ التقديس الواجب لله جل وعلا وحده.

2 ــ ـ بالنسبة للشيعة بالذات فلنا تاريخ طويل فى الدفاع عن الشيعة المقهورين فى مصر والخليج، ولكن تبخّر هذا كله عندما تعرضنا بالتحليل التاريخى المحايد لشخصية (على بن أبى طالب ) . هذا النقد الشيعى لنا يعنى إما أن تكون معهم فى التبرى والتولى وإمّا أن تكون ضدهم ، ولا مجال للتوسط . لا يكفى أن تتبرّى أو أن تنتقد أبا بكر وعمر وعثمان ، بل لا بد أن توالى وتقدّس عليا ومن يزعمون أنهم آل البيت . ( آل البيت قرآنيا هنّ أزواج النبى ، وليس عليا وذريته ). هذا يذكرنا بشيمة أساس  لدى أصحاب الديانات الأرضية من اليهود والنصارى والسنيين والشيعة والصوفية والبوذيين والسيخ ..الخ ، وهى أنهم لن يرضوا عنك أبدا إن لم تتبع ملتهم ، وهذا ما قاله رب العزة جل وعلا لخاتم النبيين عليه السلام: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )البقرة (120).

3 ـ  أننا ( أهل القرآن ) ننقد عقائد الشيعة والسّنة والتصوف، ونؤكد تناقضها مع الاسلام. وبعد إقامتنا الحُجّة عليهم قرآنيا نحترم حرية كل انسان فى إختيار عقيدته طالما لا يقع فى الاكراه فى الدين. ثم إننا لا نفرض رأينا على أحد ولا نفرض أنفسنا على أحد ، ولا نطلب أجرا من أحد ، نقول ما نعتقده حقا طلبا للاصلاح وتبرئة للاسلام من أوزار المسلمين ، ولا نعتقد فى أنفسنا العصمة ، بل نحن باحثون عن الحقيقة ، نثمّن النقد الموضوعى ونستفيد به ونشكره.

3 ــ ـ والنقد المّوجه لنا منه ما هو هراء ( بالهاء وليس الخاء ) ، يشبه أنين المرأة الهلوك عند الجماع الجنسى ، وهذا لا نأبه به ، ضمن طريقنا فى الاعراض عن صعاليك الانترنت . ثم هناك نوع من التساؤلات سبق الرد عليها ، ولكن نُعيد الرد هنا لمزيد من التوضيح :  .

أولا : احاديث المناقب لا نأخذ بها :

1 ــ ـ بعضهم يحتج علينا بالأحاديث الواردة فى فضل أبى بكر وعمر وعثمان وتقديس (على ) . دينيا ، نحن لا نأخذ بهذه الأحاديث لأننا لا نؤمن إلا بحديث رب العزة فى القرآن الكريم :(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )الاعراف: 185،المرسلات : 50) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) الجاثية :6) .ثم أنها تحوى كلاما عن الغيبيات ، وطبقا للقرآن الكريم فلم يكن النبى يعلم الغيب :(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (الأحقاف 9 )( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الانعام 50 )(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ ) الاعراف (188).  

من ناحية البحث التاريخى ، نحن لا نأخذ بها ، لتعارضها وتناقضها ، فقد كانت من أساليب الحرب الفكرية المذهبية التى بدأت مبكرا على هامش الفتنة الكبرى ، وإشتعلت نيرانها وتأجّجت فى حمأة الصراع السنى الشيعى . ومثلا ، فإن (الأخ الاستاذ أبو هريرة ) أكبر كذاب فى تاريخ أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط أشاع أحاديث فى فضل معاوية والأمويين، فقابله الشيعة بأحاديث فى تقديس (على ) وذريته ، واستمر هذا فى العصرين العباسى والمملوكى . ولا تخلو كتب الشيعة من أحاديثهم فى التبرى والتولى . والباحث التاريخى المحايد لا بد أن يهمل هذا كله ، خصوصا وأن نبرة التعصب واضحة فيها. وطبقا لمنهج البحث التاريخى فإن أقرب المصادر التاريخية صُدقية فى الحديث عن الخلفاء ( الراشدين ) هى المصادر التاريخية الأقدم المكتوبة فى العصر العباسى الأول ، من مؤرخين أمثال الواقدى وابن سعد ثم الطبرى . ومن جاء بعدهم نقل عنهم . ومن الكذب الصريح أن ترى روايات عن (على ) وغيره تمت كتابتها فيما بعد وعبر إسناد مصنوع كما كان يفعل ابن الجوزى ت 597 فى ( المنتظم ) ، والأكثر منه جرأة على الكذب ما ارتكبه الشريف الرضى فى كتابه ( نهج البلاغة ).) .

  2 ـ ( نهج البلاغة )  من تأليف الشاعر العباسى البغدادى الشريف الرضى  ( 359 : 406 ) ، والذى كان نقيبا للعلويين الطالبيين فى زمنه ، وينتهى نسبه للإمام الكاظم . و قد جمع الشريف الرضى فى كتابه ( نهج البلاغة )  المتداول فى عصره من خطب وأقاويل نسبها الشيعة لعلى بن أبى طالب ، وكان من عادتهم نسبة كل مايحبون من الحكم والمواعظ الى ( على بن أبى طالب ) تعظيما لشأنه ، ووفق ما شاع فى العصرين والأموى والعباسى من أقاويل القُصّاص التى توجّه وعظا ونقدا بطريق ضمنى للحكام وقتها ، وهذا ما فعله الشريف الرضى إذ وجّه نقدا لبنى بويه على لسان ( على بن أبى طالب ) فى كتابه ( نهج البلاغة )، وقد كان نبو بويه شيعة ، ولم يمنعهم تشيعهم من ظلم بعض المنتسبين لآل البيت. لذا كان إصلاحهم مأمولا لو جاء على لسان ( على بن أبى طالب ) . ولأن عصر الشريف الرضى كان مثقلا بالمظالم فإننا نعتبر جمعه لهذا الكتاب نوعا من الاحتجاج على مظالم بنى بويه المتحكمين فى الدولة العباسية ، خصوصا وأن  والده أبو أحمد كان عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والبويهية، وقد لقبه أبو نصر بهاء الدين بالطاهر الأوحد، وولي نقابة الطالبيين خمس مرات، ومات وهو النقيب وذهب بصره، وأوجس منه خيفة عضد الدولة البويهى فقبض عليه وحمله إلى قلعة بفارس، فلم يزل بها حتى مات عضد الدولة فأطلقه شرف الدولة ابن عضد الدولة ،واستصحبه حين قدم بغداد. أى كان من ضحايا الظلم . ويعتبره الشيعة ( نهج البلاغة ) كما لو كان قرآنا مقدسا ،  ولذا وضعوا عليه الحواشى والشروح والتفسيرات . وأهمها شرح نهج البلاغة لأبى الحديد المعتزلى الذى أدرك العصر المملوكى ومات عام  656 هجرية

من الناحية التاريخية البحثية فليس ( نهج البلاغة ) مصدرا تاريخيا معتمدا فى التأريخ لعلى بن أبى طالب ، وإن كان فى نظرنا يعتبر صادقا فى التعبير عن معتقدات الشيعة وثقافتهم والمتداول عندهم فى عصر الدولة البويهية وسيطرتها على الخلافة العباسية ؛ فهو نتاج العصر العباسى ولغته وثقافته ، بما يجزم بأنه لا صلة لهذا الكتاب بعصر الخلفاء ( الراشدين ) بثقافتهم البدوية البسيطة الرشيقة السطحية . كما أن خلافة ( على ) المثقلة بالأحداث العظام لم تكن لتتيح له كل هذه الخطب والمواعظ . هذا يستلزم شخصا متفرغا جالسا فى بيته أو فى المسجد يعطى مواعظ ودروسا لطلبة طيبين مطيعين . لقد قام الشريف الرضى بخدمة عقيدته الشيعية بلا حرج فى وقت حكم بنى بويه الشيعة ، فذكر الأحاديث المعتمدة لدى الشيعة ، ووضع السّب فى حق أبى بكر وعمر ، ممّا ألهب محققّى الدين السنى،والحنابلة منهم بالذات.

وقد تنبّه بعض محققى السّنة فى طعنه على ( نهج البلاغة ) الى الفارق الزمنى بين إغتيال ( على ) وعصر المؤلف الشريف الرضى ، وهى فترة تقترب من ثلاثة قرون ونصف القرن ، وهاجم الشريف الرضى بأنه لم يلتزم بمنهجية السنييّن فى الاعتماد على السّند والعنعنة .   وهو كلام جميل يدل على عقل سقيم . فالسنيون نشروا أكاذيبهم عن النبى فيما يعرف بالحديث النبوى باصطناع أسانيد وعنعنات مزيفة ، وقد أراحنا منها الشريف الرضى ، فذكر الأقاويل المذكورة فى كتابه كما لو كان قد أخذها مباشرة من ( فم ) ( على بن أبى طالب ) بعد قرون من موت (على بن أبى طالب) . أما عن إحتجاج السنيين بالفترة الزمنية بين موت (على ) وتأليف ( نهج البلاغة ) فهى حجّة أكبر على السنيين الذين ظلوا يزيفون أحاديث وينسبونها للنبى عليه السلام من عصر الراشدين الى عصر السيوطى فى القرن العاشر الهجرى وبعده . ولم يحتجّ أحدهم بهذه الكثرة المليونية من الأحاديث التى تضخّمت بتوالى القرون ، وتوالى العصور . ولم ينتبه أحدهم الى الفترة الزمنية بين السيوطى وموت خاتم المرسلين عليه وعليهم السلام . أى كما يقول الشاعر ( رمتنى بدائها وإنسلّت  ).!

   

ثانيا : قضية الحق والاستحقاق بين السياسة والدين

1 ــ ـ ينطلق الشيعة من أرضية كاذبة هى ( أحقية) (على ) بالخلافة دون أبى بكر ، و( أحقية ) الحسين بالخلافة من يزيد بن أبى سفيان . هى أرضية كاذبة دينيا وسياسيا. ونشرح ذلك بإيجاز.

 فعلى فرض أن لك الحق فى شىء فليس معنى هذا أن تناله فى دنيا الواقع . الحصول على ( الحق ) لا بد له من ( الاستحقاق ) ، أى أن تتأهّل بالقوة المناسبة والوسائل التى تستطيع وتستحق بها الحصول على حقك . النبى محمد عليه السلام كان على الحق ، ولكنه لجأ الى وسائل الاستحقاق بالصمود والهجرة وتكوين الدولة والدفاع عنها . لم يجلس الى جانب حائط معتزا بالحق الذى معه منتظرا أن تنزل ملائكة السماء لتؤسس له إستحقاقا للحق الذى يؤمن به. وفى الصراع العربى الاسرائيلى يهتف العرب بأنّ لهم الحق ، ولكنهم لا يفلحون فى التمكين بالاستحقاق ، او الاعداد للحصول على هذا الحق . فعل الاسرائليون الصهاينة عكس ذلك ، إعتقدوا أن لهم حقا فى فلسطين لا يوافقهم عليه معظم العالم ، ولكنهم أعدوا العدة للاستحقاق فاعترف لهم العالم بالاستحقاق.

2 ــ ـ فى الاسلام ، هناك ( حق ) وهو القرآن الذى نزل بالحق واحتوى الحق : (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) الاسراء (105) . ولكن الحقّ القرآنى يحتاج إستحقاقا بالدعوة وبالجهاد ومواجهة أعداء الحق ، لذا يقول جل وعلا يأمر خاتم المرسلين بأن يجاهد بالقرآن الكافرين:(  فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) الفرقان(52) . على المستوى الفردى الشخصى ، فهناك الحق القرآنى المعروض للهداية ، وللبشر حرية الاختيار بين الهداية والضلال ، وبالهداية للحق ( يستحقون ) الجنة . فالجنة هى بالاستحقاق . والنار كذلك ، يستحقها من يسعى اليها بالفسوق والعصيان.

3 ـ  ومن هذا المنطلق يكون تقييم الصحابة دينيا وسياسيا : هناك صحابة وصفهم رب العزة بأنهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وأنه جل وعلا رضى عنهم ورضوا عنه ،  (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 100) ،  ومنهم من قال جل وعلا عنهم (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ) الأحزاب 24  ) . هؤلاء إستحقوا الجنة بعملهم الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا .  يقول جل وعلا عن أصحاب الجنة يوم القيامة (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الاعراف 43) . وهناك من الصحابة من أنبأ الله جل وعلا مقدما أنهم من اصحاب النار أى ( يستحقون ) عذاب النار بعملهم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة 101) . أى أن إستحقاق الجنة أو أستحقاق الجحيم هو بعمل الانسان فى هذه الدنيا . يسرى هذا على الصحابة وغيرهم.

4 ــ ـ  وبالفتوحات التى تناقض الاسلام وتحمل إسمه زورا وبُهتانا فإن صحابة الفتوحات قد كفروا بالله جل وعلا ورسوله ، وأرادوا الدنيا وباعوا الآخرة ، فاحتفل بهم التاريخ الذى يتراقص دوما فى مواكب الطغاة ، ولذا فقد إحتل الخلفاء الراشدون وغير الراشدين عناوين التاريخ ، وإمتلأت صفحاته بدماء ضحاياهم . وهم بها قد إستحقوا عذاب الجحيم وغضب رب العزة ولعنته التى تحيق بمن يقتل إنسانا بريئا مسالما واحدا، يقول جل وعلا :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(94)  النساء) ، فكيف بملايين الأبرياء ؟!  واقع الأمر أن صحابة الفتوحات قد تصارعوا على متاع الدنيا ، وفى سبيلها باعوا الاسلام والدار الأخرة ،وهنا يكون الاستحقاق السياسى بمدى النجاح أو الفشل. ليس هنا كلام عن ( الحق ) او ( النّص ) على خلافة فلان او علان . هو صراع على السلطة والثروة ، الناجح فيه هو الذى يصل الى الحكم ، ويكون قد أعدّ للأمر عُدّته باصطناع الأنصار وشراء العملاء ، ومراضاة هذا وخداع ذاك طبقا للقيمة السياسية الكبرى المنافية للأخلاق ، وهى ( المنفعة ). وقد أفلح معاوية فى فنّ الدهاء والرشوة والاغتيال ، بينما فشل (على ) لأنه ( رقص على السلم )، زعم انه يريد الآخرة ، وهو غارق فى الصراع على الدنيا ، بل أتاح لبعض أتباعه أن يزايدوا عليه وأن يخرجوا عليه مما زاد فى فشله وسبّب مقتله . ثم، إن الدولة الاسلامية تتناقض مع الدولة الدينية التى يقوم على أساسها الفكر الشيعى والسّنى، والتى تمت إقامتها قرونا ولا تزال . الدولة الاسلامية هى دولة الديمقراطية المباشرة ، وهذا ما أوضحناه فى مقال عن التناقض بين الدولتين الاسلامية والدينية . وطالما أن الاستبداد الفرعونى مرفوض قرآنيا فإن ( النّص ) على (إمام متألّه ) يحكم متمتعا بالعصمة الالهية هو خروج بشع عن الاسلام ، ويستوجب من قائليه حُمرة الخجل لو كانوا فعلا يؤمنون بالله جل وعلا واليوم الآخر.

نهاية المطاف أنه لا حق ولا إستحقاق لعلى وبنيه دينيا أو سياسيا . فقد كفروا بالله جل وعلا دينيا وفشلوا فى الدنيا سياسيا. ونعيد التأكيد هنا أننا نحكم طبقا لروايات تاريخية معروفة وشخصيات تاريخية معروفة ، ولكن لا محل لها فى عقيدة الاسلام .

 .

ثالثا : ألا يوجد صحابة أبرار ؟

1 ــ  . ولأن موضوعنا هو عن ( إنتهاك الأشهر الحرم ) فلا مجال هنا لأولئك الصحابة الأطهار فى الانتهاك بل المجال لصحابة الفتوحات . نحن نؤمن بوجود صحابة أطهار أبرار سابقين رضى الله جل وعلا عنهم ورضوا عنه .  بل إنّ من ينكر وجودهم فهو كافر بالقرآن الذى أكد فى آيات متفرقة على وجودهم ، ولكن المشكلة فى التاريخ أنه لا يأبه إلا بمجرمى الحرب والطغاة سفاكى الدماء . ومع ذلك فإن بين سطور التاريخ ترى نماذج لبعض الصحابة الذين نعتقد أنهم ـ طبقا للمكتوب عنهم ـ من الأبرار السابقين. ونعطى هنا  مثلا:

2 ـ مصعب بن عمير : سبق زمنا فى الدخول فى الاسلام . وإسلامه أحدث تغييرا جذريا فيه . كان فتى مترفا منعما ، وعندما أسلم فقد حنان أمه وعطفها ، وتعرض للتعذيب والحبس ، وعاش فقيرا رثّ المظهر بعد تنعمه ورفاهيته . وهاجر للحبشة ، ثم عاد الى مكة ، ثم كان أول من هاجر الى المدينة ،إذ بعثه رسول الله عليه السلام بعد بيعة العقبة الى المدينة ليدعو أهلها الى الاسلام ، فكان لهم إماما للصلاة ، وأسلم على يديه كبار الأنصار ، ومنهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير .  ثم كان مقتله فى موقعة (أُحد ) دفاعا عن النبى عليه السلام ، فقد حمل أُبيّ ابن خلف على النبى يريد قتله، فتصدى له  مصعب بن عمير مدافعا عن النبى وضرب وجه  أبى بن خلف وصرعه . وظل مصعب يحمل لواء النبى مدافعا عنه معرضا نفسه للقتل حتى قتله ابن قميئة ، وهو يظن أنه قتل النبى.وبعد مقتله لم تكن عليه من الثياب ما يستره ، مما أبكى الناس عى فتى قريش المدلل المنعّم المترف الذى ضحى بنعيم الدنيا فى سبيل الله جل وعلا. رحمه الله جل وعلا .

 

الملحق الثانى

    بعض الاحتجاجات موجزها : ( لماذا تنبش لنا فى تاريخ الصحابة . والله جل وعلا يقول (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). ؟؟. ونراها مناسبة لتدبر قرآنى فى (تِلْكَ أُمَّةٌ ) وسياقاتها القرآنية ، والتى لا علاقة لها مطلقا بموضوع الصحابة ، فالعادة أن كلمة ( تلك ) تشير الى ما قبلها بالتحديد ، وبالتالى فلا يصح الاستشهاد بها عن شىء آخر.  .

أولا :

1 ــ ـ فيما يخص الآية الكريمة: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). فقد جاءت فى سياق الحديث عن ابراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام ، يقول جل وعلا قبلها:( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133). بعدها قال رب العزّة عن ابراهيم وذريته : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) . ( البقرة ) 

2 ــ ـ وبدأ سياق آخر ، هو زعم اليهود والنصارى بإحتكار الهداية وملة ابراهيم ، ونزل الرد عليهم بوجوب الايمان بكل الرسل والكتب السماوية وعدم التفريق بين الرسل:( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) الى أن يقول رب العزّة : ( أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140). بعدها قال جل وعلا عن ابراهيم وذريته: ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) البقرة ). والواقع المرير أن المسلمين وقعوا فيما وقع فيه اليهود والنصارى فى موضوع التفريق بين الرسل وتفضيل رسول على الباقين . وهو بداية الكفر العقيدى وتأليه البشر.

3 ــ وهناك خطأ مشهور لدى (علماء /  جهلاء ) المسلمين . إذ يستدلون بتفضيلهم للنبى محمد بقوله جل وعلا (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )، يقطعون الآية من سياقها ، ويجهلون أن كلمة ( تِلْكَ الرُّسُلُ  ) تشير الى رسل سابقين مذكورين فى الآيات السابقة ، ولا علاقة لها بخاتم النبيين ، بل إن نفس الآية تؤكّد هذا . نرجع للسياق فى الايات قبلها وهى تتكلم عن بعض أنبياء بنى اسرائيل بعد موسى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (248). الى أن يقول رب العزّة جل وعلا :(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (252) .وبعدها يشير رب العزة الى تلك الرسل السابقين فيقول:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ.) (253) البقرة ).

 

 ثانيا : ( تلك ) إشارة للمفهوم ضمنيا من السياق.

وأحيانا تاتى الاشارة ب(تلك ) الى شىء مفهوم ضمنيا من السياق ، فموسى عليه السلام كان يسير حاملا عصاه ، فقال له جل وعلا : (  وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) طه ) .

وعن تدمير قوم ثمود ومفهوم بقاء مساكنهم خالية من بعدهم يقول جل وعلا :( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51). وتأتى الاشارة الى بقاء المساكن خاوية بعد هلاك أصحابها عظة لمن يعتبر:( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل ) .

 وعن أصحاب الجنة الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا يقُصّ جل وعلا المثل المناقض لهم فى قصة قارون : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81 ) الى أن يقول بعدها عن أصحاب الجنة :( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص). و ( تلك ) هعنا مفهومة ضمنيا فى السياق بدلالة التناقض بين من يريد الدنيا وفسادها ومن يريد الآخرة ويسعى لها سعيها وهو مؤمن .  .

ثالثا : الأغلب أن تأتى ( تلك ) إشارة للسياق الواضح فى الايات السابقة لها :

1 ـ ـ كقوله جل وعلا ( يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)النازعات) ( تلك ) هنا فى حديث المشركين إشارة للبعث.

2 ــ  وعن أمانى اليهود والنصارى بدخول الجنة يردّ جل وعلا بأنها ( تلك امانيهم ) : ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ .(111البقرة )

3 ــ  وذكر رب العزّة فدية الصيام فى الحج. يقول جلّ وعلا : (.. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (196) البقرة ).أى ( 3 ايام فى الحج + 7 بعد الرجوع = 10 )أو( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )

4 ــ ـ وعن تقلّب الأيام يقول جل وعلا:( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )(140) آل عمران ) فهنا إشارة واضحة للقرح والمصائب.

5 ــ  وذكر رب العزّة حُجّة ابراهيم على قومه :( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)  الى أن يقول جل وعلا :( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ )(83) الآنعام).

  ـ وذكر رب العزة مقالة المشركين : ( أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21). وردّ عليها ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)  النجم ).

6 ــ  وتأتى ( تلك ) إشارة عن تقسيم الناس فى الآخرة: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)، فيقول جل وعلا :( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ )(108) آل عمران ).

 : رابعا : ونعطى تفصيلات لمجىء ( تلك ) وهى تشير بوضوح الى سياقات سابقة :

( تلك ) تشيرالى ( نعيم الجنة) :  

  1 ـ عن نعيم الجنة يقول جل وعلا يضرب مثلا تقريبيا مجازيا :( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ) ثم يشير اليها بكلمة ( تلك ) :( تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) الرعد)

2 ــ  ونفس الحال عن الجنة : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (61) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (62)ثم يشير للجنة :( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ).

3 ــ ـ ونفس الحال فى سورة الزخرف عن نعيم الجنة :( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72 ) الزخرف ) .

( تلك ) لك ) فى القصص القرآنى:

1 ــ ـ بعد أن ذكر جل وعلا فى سورة الأعراف قصص الأمم السابقة يقول جل وعلا :( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)) ، وتكرر هذا فى سورة الكهف ، يقول جل وعلا :( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً ( 59 ) .

2 ــ ـ  وفى سورة القصص ، يقول جل وعلا عن مساكنهم : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) القصص ).

3 ــ ـ وهذا القصص هو إخبار بغيب ماض اندثر وانتهى العلم به ، كما فى قصة نوح فيقول جل وعلا : ـ ( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) لذا يقول جل وعلا :(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) (49) هود ).

4 ــ  يقول جل وعلا عن هلعهم عند الاهلاك ومقالتهم وقتها  : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)، ويقول جل وعلا عن مقالتهم : ( فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) الأنبياء ).

 

:تلك ) إشارة لآيات الله جل وعلا فى الكون(

1 ــ يتكرر فى القرآن الكريم التذكير بآلاء الله جل وعلا فى الكون ليؤمن الناس بأنه لا اله إلا هو الخالق لكل شىء . ويأتى هذا أيضا فى حث الناس على الايمان بالله جل وحده الاها وبالقرآن الكريم وحده حديثا ، يقول جل وعلا :( وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5). ثم يقول جل وعلا :( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ). وهى آية كريمة تصفع أصحاب الأديان الأرضية الذين يؤمنون بأحاديث مفتراة ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان.

( تلك ) إشارة للإعجاز الرقمى فى القرآن الكريم : (الحروف المقطعة آيات الله  )

وقد تميز القرآن الكريم بإعجاز رقمى يؤكد أنه محفوظ برسمه ونصّه برغم كل محاولات الذين يحاولون الالحاد فى آيات الله جل وعلا . ومن أوجه هذا الاعجاز الرقمى الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور ، وعادة يؤتى بها ثم يشير اليها رب العزة بأنها تلك آيات الكتاب . ومنها :   

  ( ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) يونس )(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) يوسف )، ( المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ) الرعد 2 )، ( طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الشعراء ) ( طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)القصص )، ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل )، ( الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) لقمان )، ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)( الحجر ).

 

(  تلك ) إشارة للأمثلة القرآنية

  1 ـ يقول جل وعلا يشبّه خسارة من يعبد القبور المقدسة (معتقدا فى جدوى التوسل بها وبأوليائها ) ببيت العنكبوت :( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41).ولأنه مثل يحوى إعجازا علميا عن أنثى العنكبوت التى تلتهم الذكر، فإن الله جل وعلا يشير الى تلك الأمثال بأنه لا يعقلها الا العلماء : ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت).

  2 ـ يقول جل وعلا عن قسوة قلوب المشركين خصوصا أصحاب الديانات الأرضية المسلمين :( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر)

 

( تلك ) إشارة الى حدود الله فى التشريع

1 1 ـ يقول جل وعلا فى تشريع الصيام :( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) بعدها يقول جل وعلا :( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة ))

  2 ـ ويقول جل وعلا فى تشريع الميراث : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ.. ) (11).وبعد تفصيلات يقول جل وعلا : (  تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ (14) النساء ).

3 ــ ـ يقول جل وعلا فى تشريع الظهار :( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم يقول جل وعلا : ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) المجادلة ).

4 ــ ـ يقول جل وعلا فى تشريع الطلاق :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ..) الى أن يقول جل وعلا : (  تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا (229)، ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) البقرة )، ويقول جل وعلا :( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ (1) الطلاق )  ).

أخيرا:

رجاء حارّ ممّن يسارع بالردّ علينا أن يتروّى .. ويقرأ كثيرا جدا لنا قبل أن يتساءل.

 

الملحق الثالث :

 درب العوالم : ردا على خصومنا فى الدين:

أولا : شيوخ العوالم

1 ــ ـ هناك ( عالم ) بكسر اللام ، أى متخصص فى مجال بحثى ، فى القرآن وتراث المسلمين ، فى التاريخ والعلوم الانسانية ، وفى العلوم الطبيعية . ولهذه العلوم مناهج بحثية . جمع ( عالم ) : ( علماء ).) .

وهناك دخلاء فى مجال العلم بالاسلام والمسلمين ، يدافعون عما وجدوا عليه آباءهم من أديان أرضية وآلهة بشرية وحجرية ، يرددون نفس الكلام التافه المتوارث من قرون ، ويسوقون نفس الحُجج الساقطة دون خجل أو حياء ، ويخلطون السّب والشتم والافتاء بالقتل بالدعوة أحيانا الى عدم قراءة ما يقوله العلماء الحقيقيون من إجتهادات علمية تستدعى المناقشة الجادة ، وليس رقص ( العوالم ) .!

2 ــ ـ فهناك فى اللهجة المصرية ( الرائعة حقا ) مصطلح ( عالمة ) بسكون اللام وفتح الميم ، وجمعها ( عوالم ) . و( العالمة ) فى اللهجة المصرية  ( الرائعة حقا ) هى الأنثى التى تحترف الرقص البلدى ، وهو أسوأ أنواع الرقص فى العالم كله . هو رقص جنسى يتخصص فى تحريك الأرداف والصدور والبطون بطريقة مقززة ، يتقايأ منها الرجل المحترم فى حالته الطبيعية ، ولكن ربما يهواه إذا تملكته حيوانية الشهوة . ومع هذا فإن بعض الذكور من المصريين يحترفون هذا الرقص العار ، وقد تعرض لهذا بالتفصيل العلامة أحمد أمين ( 1886 : 1954 )  فى كتابه ( الرائع حقا ): ( قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية ) ، وقبله العلامة الفرنسى المتمصّر ( كلوت بك ) ( 1793 : 1868 ) فى كتابه ( الرائع حقا ) : ( لمحة عامة الى  مصر). وكلاهما تعرض لرقص العوالم النساء ورقص الذكور، أو بتعبير كلوت بك (الخولات )، وكلاهما وصف هذا الرقص بما يستحق من تحقير.

3 ــ  هى فعلا ثقافة ، أقصد ثقافة العوالم ، لها عالمها الخاص وتعبيراتها الجسدية ، ولها محترفوها من النساء و ( الذكور ) ولا نقول الرجال . وهى ثقافة مستمرة باستمرار الفسوق والعصيان ، تزدهر حينا وتخفت أحيانا . وهى مهنة  إحتراف تدرّ  دخلا محترما عن عمل غير محترم . وقد خفت صوتها بعد حركة العسكر عام 1952  وحتى عصر عبد الناصر ، وبعد أن اشتهرت بالفجور فى القاهرة بركة الرطلى والكيت كات ومنطقة الجزيرة ، إنحسر هذا كله فلم يعد من مواطن درب الهوى وعالم العوالم سوى شارع ( كلوت بك ) الذى أطلق على العلامة الفرنسى المتمصر مكافأة له على أنه نهض بالطب المصرى فى عهد محمد على ، وكان علامة على تغلب الثقافة الفرنسية والنفوذ الفرنسى فى عصر محمد على . فلما إحتلت انجلترة مصر عاقبت كلوت بك بأن جعلت شارع ( كلوت بيه ) ماخورا كبيرا يتسكع فيه جنودها وجنود حلفائها فى الحربين العالميتين .

نهضت مصر بالراية القومية العربية فى عصر عبد الناصر وخفت فيها الانحلال الخلقى وخفت أيضا دور المؤسسات الدينية وصوت شيوخها لانشغال الجميع بالحُلم العربى ، وبسقوطه  عاد الفساد الخلقى والفساد الدينى يزلزل المجتمع المصرى بذاك النفط الملعون فأصبح  الانحلال الخلقى تجارة رائجة فى مصر ، يعززها النفاق الدينى والتدين السطحى و الاحتراف الدينى ، فإشتهر بالانحلال  شارع ( الهرم ) ، والذى يرتاده سياح الخليج الوهابيون ، ويعرفون خباياه أكثر من سكان هذا الشارع . المضحك أن الخليجيين الوهابيين الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها هم متخصصون فى شارع الهرم دون أن يزوروا الهرم نفسه ، لأن الذهاب للأهرامات ( الوثنية ) ( كُفر بواح ) ، اما الذهاب لشارع الهرم ففيه ( الشفاعة والسماح ).!

4 ــ  ولأنها ثقافة العوالم ، تنشد الرزق الوفير وتتأسس على الفسوق والعصيان ، ولا تحتاج الى موهبة ، فالشبه واضح بينها وبين الإحتراف الدينى . كلاهما يروج برعاية الشيطان ، وكلاهما يحارب الرحمن . وإن كان فسوق العاهرة العالمة الرقّاصة المحترفة أقل جُرما من  شيوخ الاحتراف الدينى فى الأديان الأرضية . فالراقصة العاهرة تأخذ المال وتقدم فى المقابل ( مُتعة ) حسية ملموسة بصرية وجسدية ، أما محترفو الأديان الأرضية فلا يبيعون سوى مخدرات عقلية وأكاذيب سنية وصكوك غفران وهمية . والراقصة العاهرة تعتزل عند المشيب ، أما شيوخ الدين الأرضى فتزدهر تجارتهم بالخبرة عند المشيب . والراقصة العاهرة قد تتوب فى الدنيا توبة نصوحا فيقبل الله جل وعلا توبتها يوم القيامة ، ولكن الله جل وعلا لا يغفر أبدا لمن يموت مشركا : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116)( النساء )( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65)( الزمر ). الراقصة العاهرة قد تهتدى ويهديها الله جل وعلا لو إختارت الهداية بإخلاص ، ولكن الله جل وعلا لا يهدى من يحترف إضلال الناس ، يقول جل وعلا لخاتم النبيين عن المشركين المُضلّين : (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ )(37) النحل ) . أى مستحيل هدايتهم مهما حرص النبى على هدايتهم .  وشيوخ العوالم محترفو إضلال ، فلا أمل فى هدايتهم . وبلا خجل ولا وجل وإبتغاء مرضاة الله جل وعلا نقول إن أى داعرة عاهرة راقصة محترفة متفرغة ليلها ونهارها للفسق هى أفضل من أئمة السنيين والشيعة والصوفية فى عصرنا الراهن . لا يهمنا هنا الشعراوى و لا القرضاوى ولا المحلاوى ولا ..ابن آوى ..  

5 ــ ـ هذا التشابه والتداخل بين (عوالم ) الراقصات والعاهرات وبين ( عوالم ) الشيوخ وأئمة الضلال يتضح فى  عصرنا حيث إرتبط سقوط المسلمين فى الحضيض بعلو شأن الشيوخ ( العوالم ) وسيطرتهم على الحياة الدينية اليومية للمسلمين ، فكل حركة تستلزم منهم فتوى ، وفتاويهم لا معقّب لها ، فهى (رأى الدين ).! .وهم المسيطرون على القنوات الفضائية ووسائل الاعلام والاعلان ووسائل الاتصال وحتى وسائل المواصلات ، ولا ينافسهم فيها إلا (عوالم ) الرقص والفن الهابط الجنسى . ويسير الانحلال الدينى جنبا الى جنب مع الانحلال الخلقى ، يمارسه الناس سرا أوعلنا حسب الظروف ودرجة السماح ومستوى النفاق . وكل هذا برعاية أساطير الشفاعات السّنية التى تنتظر العاهرين والعاهرات . يذيع هذا الإفك العوالم من الشيوخ ، وتستفيد به العوالم من الرقيق الأبيض.

6 ــ ـ وشيوخ العوالم نوعان فى الأغلب : منهم دعاة لتقديس ما وجدوا عليه آباءهم يرقصون تحميدا وتقديسا على أنغام الأئمة السابقين ، ومنهم شيوخ وأئمة إحترفوا أيضا ( الرقص ) فى مواكب السلطان . هؤلاء جميعا إنتماؤهم الأصيل ( للعوالم ) ، يحترفون مثلهن الرقص وحرق البخور، وينفق أحدهم حياته ووقته وطاقته نفاقا للمستبد القائم ، أو تقديس البشر والحجر. ولأنه لا وقت لديهم للتبحّر فى العلم ، ولأنهم ( عُراة ) من موهبة البحث فهم يكتفون بإجترار ما قاله السابقون فى العصور الوسطى.

7 ــ ـ وبعد جهاد إستمر قرنا من الزمان  نجح شيوخ العوالم فى عزل مجتمعاتهم عن الحضارة الحديثة ، وجعلوا تلك المجتمعات فى القرن الحادى والعشرين بعد الميلاد تعيش فى القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد .!! أراحوا أنفسهم من الاجتهاد فى إنتاج فكر إسلامى يواكب العصر ، هذا مع تسليمهم بأن الاسلام رسالة عالمية صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان .

8 ــ ـ ثم ، فوجىء أولئك ( العوالم )  بظهور تيار أهل القرآن الداعى الى الاصلاح السلمى والدينى من داخل الاسلام ، والذى يقوم عمله العلمى على أساس الهدم والبناء ، هدم خرافات الأديان الأرضية للمسلمين من الكفر العقيدى بتقديس البشر والحجر ، وهدم الكفر السلوكى للمسلمين الارهابيين الذين جعلوا جهادهم فى قتل الأبرياء . وبجانب الهدم يقوم أهل القرآن بالبناء ، برؤية قرآنية بديلة تؤكد القيم الاسلامية العليا فى السلام والحرية المطلقة فى الدين والفكر والسياسة ( الديمقراطية المباشرة ) والعدل والاحسان والتسامح والرحمة وحقوق الانسان وتكريم الانسان . ثم وصل إجتهاد ( أهل القرآن ) الى منبع الشرور الذى نبتت فيه طحالب الأديان الأرضية ، وهو المناقشة القرآنية والتاريخية للفتوحات وصحابة الفتوحات . عندها نسى أصحاب الأديان الأرضية خلافاتهم واتحدوا فى مواجهتنا .

هذا ، مع أنه لا خلاف معنا حول الاعتماد على القرآن ، ولا خلاف معنا حول الاعتماد على المصادر التراثية والتاريخية المعتمدة ،فنحن وهم نعتمد عليها . ولكن الفارق شاسع وهائل بين إجتهاد الباحثين العلماء ورقص الشيوخ العوالم . لذا تحملنا ـ ولا زلنا نتحمل ـ هجوم العوالم علينا ، هو هجوم أفظع من هجوم ( الفنانات الراقصات العوالم ) ، فهجومهن ناعم ( حُنيّن ) بالرقص والعُرى وألفاظ جنسية منتقاة تعرفها الحوارى المصرية وقاع المجتمع المصرى . أما هجوم ( العوالم ) من الشيوخ فهو فظّ  غليظ القلب ، من النوع السّام القاتل الدامى الداعى للقتل بتهمة الردة.

9 ــ ـ ونحن لنا خيارات قرآنية فى الرد عليهم ، بالعدل ( رد السيئة بمثلها )أو بالاحسان ، أى العفو : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)  ) ( الشورى ) . ونمارس هذا وذاك كما نشاء ، مع أننا لا نصل الى مستواهم فى التكفير والتخوين والافتراء والدعوة للقتل ، لأن منهجنا السلمى الاصلاحى يقوم بتوضيح الحق ومعالم الكفر العقيدى والاجرامى السلوكى ، للوعظ والتحذير والترغيب والترهيب ، وأملا فى هداية المخدوعين قبل الموت . ثم بعد التوضيح نحترم حق كل فرد فى اختياره العقيدى وننتظر الحكم علينا وعليهم يوم القيامة. منهجنا أن نقول لهم : (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام) (  وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود) (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر ).

10 ــ هؤلاء (العوالم ) من الشيوخ وأتباعهم لهم علينا حُجّتان بائستان ، ولكن لا يملّون من تكرارهما من  السبعينيات بلا سأم حتى الآن . الحجة الأولى : هل كل المسلمين على ضلال ، وأنت الوحيد الذى هو على الحق ؟ ولماذا تقول شيئا لم يقله من قبل الأئمة السابقون ؟ هل أنت أفضل منهم ، وهل كلهم مخطئون وحضرتك الذى تنفرد عنهم بالحق ؟.

11 ــ  أساس هاتين الحُجتين البائستين الساقطتين أنّ ثقافة شيوخ العوالم تعرف الحق بشخص قائله . وليس بكلمة الحق فى حد ذاتها بغضّ النظر عن قائلها . بمعنى لو قال القرضاوى شيئا فهو حقّ مهما خالف قول القرضاوى الاسلام والعقل  ، لأن القائل هو القرضاوى عليه سحائب الرحمة والرضوان . ولو نطق الخمينى بشىء فهو الحق ولو كره الكارهون . ومثلا ، فهم يصدقون البخارى فى زعمه أن النبى محمدا عليه السلام  أباح الزنا ، وأنه كان  مهووسا بالنساء وبالجنس . وقد ناقشنا هذا فى كتابنا ( القرآن وكفى ) وفى حلقات ( فضح السلفية ) .ولأن البخارى عندهم اله مقدس فكل ما يقوله صادق ، حتى لو خالف القرآن الكريم وطعن فى الرسول الكريم . فالحق عند شيوخ العوالم مرتبط بما يقوله أئمتهم ، سواء كانوا شيعة أو سنّة أو صوفية . وعندما يعترض أهل القرآن على هذا التخريف ويناقشونه مناقشة علمية يقال لهم : ومن أنتم ؟ . وكل ما نقوله بالقرآن الكريم فهو عندهم كذب وكفر وإزدراء للدين يستوجب السجن عند اللزوم ، أو القتل بحدّ الردة المزعوم . وليس مهما أننا نقول الحق لأن الحق عندهم مرتبط بالشخص الذى يقدسونه أو يبجّلونه.

12 ــ ـ وهو نفس منطق الكفرة الذى أورده رب العزّة ، فقد كانت حّجتهم ضد القرآن هو أنهم إستكثروا أن ينزل القرآن على ( محمد ) وهو بمقياسهم ليس عظيما ، فالعظمة عندهم هى لأبى سفيان ولأبى لهب والوليد بن المغيرة ، أى هى لكبار المجرمين . يحكى رب العزة قولهم : (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف).وأوضح رب العزّة أنها عادة فى أى ( قرية) أى مجتمع فى المصطلح القرآنى ، حين يسيطر على هذه القرية كبار المجرمين . وهم حين تأتيهم الهداية يستنكفون أن تأتى الهداية من شخص آخر ، ويكفرون عتوا وإستكبارا لأن رب العزة جل وعلا قد إختار غيرهم ليقود مسيرة الهداية : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) الانعام ) . ولذا عاملوا النبى عليه السلام بإحتقار ، وكانوا يسخرون من مظهره المتواضع ، يشيرون اليه قائلين ساخرين. يقول جل وعلا : ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (36)،( الأنبياء )(  وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) الفرقان) . لذا قالوا للنبى عليه السلام نفس ما يقال لنا : لماذا أنتم ؟ ولماذا لم يقل ذلك من قبلكم علماؤنا المبجّلون المقدّسون . قالتها قريش للنبى عليه السلام ، أنهم لم يسمعوا قبل ذلك بهذا الذى يقوله القرآن الكريم (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا (8) ص ) . وحين نستشهد بالقرآن يقال لنا نفس الكلام.!

  13 ـ أما حجتهم الأشد بؤسا فهى إعتبار الكثرة العددية دليلا على الهداية للحق : (هل كل المسلمين على ضلال ، وأنت الوحيد الذى هو على الحق ؟  )، وهذا طبقا لعقيدتهم الساقطة بخرافة الاجماع ، وقولهم البائس بأنه لا تجتمع أمتهم على ضلال ، بينما كلهم فى ضلال وفى شقاق بعيد ، وفى حروب يشيب لها شعر الوليد .

14 ــ ـ واقع الأمر أن المسلمين عددا قد جاوزا البليون ونصف البليون من كل أتباع الديانات الأرضية ( سنّة وصوفية وشيعة )، وأن الأغلبية الساحقة منهم ضالون متخلفون وفى الجهالة يعمهون . وهذا الواقع يؤكده رب العزة فى القرآن الكريم . فالله جل وعلا يصف ويصم أكثرية البشر بالضلال فى العقيدة ، وأنهم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يبصرون ولا يهتدون ، ولا يؤمنون ، وما يؤمن أكثرهم بالله جل وعلا إلا وهم مشركون . ويصف هذه الأكثرية بمصطلح ( الانسان ) ، ويوصف هذا الانسان بأنه ما أكفره ، وبأنه كفور وأنه كفور مبين وأنه خصم لرب العزة جل وعلا . ولسنا فى معرض استعراض آيات القرآن الكريم فهى كثيرة جدا ، ولكن نكتفى منها بقوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام : (  وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)( الأنعام )، اى إنّ أكثرية البشر ليسوا فقط ضالين بل ( مُضلّين )،وليسوا ( مضلين ) عاديين بل يستطيعون إضلال النبى نفسه لو أطاعهم .! فهل نقرأ هذه الآية الكريمة ونقول : ( صدق الله العظيم ) ؟ أم نظل نكذّب بالقرآن الكريم ونفترى على الله جل وعلا كذبا كما يفعل ( العوالم ).؟

14 ــ ـ ولقد وصف رب العزةهؤلاء الشيوخ العوالم وأئمتهم السابقين بالاجرام وبالظلم لرب العزة فقال جل وعلا: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)( يونس )( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ )(37) الاعراف ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) الانعام ) .).

وقال جل وعلا عن موقف شيوخ العوالم يوم القيامة وشهادة الأشهاد عليهم : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود ) وقد وعد رب العزة الرسل والمؤمنين المجاهدين والأشهاد بالنصرة فى الدنيا والآخرة فقال جل وعلا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) ( غافر ). ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من هؤلاء الأشهاد على أقوامهم يوم القيامة.!

15 ــ ـ وهؤلاء الأشهاد هم قليلون فى هذا العالم . وأيضا فإن أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أقلية وليسوا كثرة عددية : ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ  (24) ص) . وهذه القلّة المؤمنة الضئيلة من الأشهاد وغيرهم ستنقسم يوم القيامة الى نوعين حسب الايمان والعمل: السابقون المقربون وأهل اليمين. وكلاهما (ثلّة ) أى مجموعات قليلة العدد : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14) الواقعة ) (لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40)( الواقعة ).  ).

 أخيرا:

هذا هو وضع الكثرة ووضع القلة بالنسبة للهداية طبقا لما قاله رب العزة ..

مرة أخرى : هل نقول : صدق الله العظيم ؟ أم نكذّب رب العزة طاعة لشيوخ العوالم المحتجين علينا بكثرتهم العددية؟ وهم الذين بجهودهم  أصبح المسلمون بكثرتهم العددية أحطّ البشر فى هذا العصر ؟

هذا هو الواقع الذى يصدّق بالقرآن مهما قال الشيوخ العوالم .

أحسن الحديث :

يقول جل وعلا :  (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةًۭ ضَنكًۭا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِىٓ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًۭا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَ‌ ٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَ‌ ٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴿١٢٦﴾ وَكَذَ‌ ٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنۢ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِۦ ۚ وَلَعَذَابُ ٱلْءَاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰٓ ﴿١٢٧﴾ طه   ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء ( الراشدين ))
هذا الكتاب : ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء ( الراشدين ))
من يقرأ هذا الكتاب لن ينساه . ربما يلعن المؤلف ، وربما يمدحه ، ولكن لن يكون نفس الشخص بعد قراءة هذا الكتاب الذى يفضح الخلفاء ( الراشدين ) من خلال المكتوب عنهم فى التاريخ المعتمد لدى السنيين أنفسهم .
more