رقم ( 5 ) : فيه ستة فصول
الباب الثالث : مكر قريش مع صحابة الفتوحات

المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين

  الباب الثالث  : مكر قريش مع صحابة الفتوحات

 

الفصل الأول :  ( عُمر)  العميل الأكبر لأبى سفيان  ( مقدمة : أيهما الأعزّ والأقدس الاسلام أم عمر ؟ القرآن أم الروايات السّنية التى تقدس عمر كذبا وإفتراءا ؟.  أولا : نبدأ بتقرر الحقائق القرآنية  . ثانيا  : ابو جهل هو خال عمر بن الخطاب . ثالثا :إسلام عمر المفاجىء . رابعا : فرح المسلمين باسلام عمر .  خامسا :علاقة عمر بأبى سفيان فى حياة النبى . )

مقالات متعلقة :

 

 الفصل الثانى :  ( عُمر)  فى خلافة ابى بكر : ( مقدمة : رؤية للتخطيط السفيانى  . أولا : عُمر هو بطل تولية أبى بكر وتهميش الأنصار . عمر يقتل سعد بن عبادة . ثانيا : عمر وتهميش (على ) والهاشميين . ثالثا : عمر يهدّد بحرق بيت (علي ) والسيدة فاطمة الزهراء . رابعا : متى بايع (على ) أبا بكر ؟.  خامسا : حرمان السيدة فاطمة من ميراثها من أبيها . سادسا :  عّمر كان هو الحاكم الفعلى فى خلافة أبى بكر ، وكان المستفيد أبا سفيان . أخيرا . )

الفصل الثالث   :  ( عُمر)  هو قاتل أبى بكر : ( أولا : موت أبى بكر المفاجىء والغامض  .  ثانيا : إغتيال أبى بكر بالسّم  . ثالثا  : عمر هو قاتل أبى بكر . رابعا : عمر يسارع بدفن أبى بكر ليلا وبلا جنازة . رابعا : عمر يسارع بالاستيلاء على بيت مال أبى بكر. ).

الفصل الرابع :  خالد هو سبب قتل أبى بكر  :  (  مقدمة .  أولا : أبو بكر يرفض عزل خالد بسبب قتله مالك بن نويرة  . ثانيا : إنتصارات خالد وغنائمه فى العراق . ثالثا : اموال خالد  وإهانة أبى سفيان هما الأسباب المباشرة فى قتل أبى بكر . رابعا : توجّه خالد من العراق  للشام ثم عزله  . خامسا : موتة خالد الغامضة .

الفصل الخامس   : انتهاك الأشهر الحرم فى خلافة أبى بكر  ( مقدمة .  أولا : انتهاك شرع الاسلام فى الفتوحات فى عهد أبى بكر. ثانيا : إنتهاك الأشهر الحُرم فى خلافة أبى بكر وفتوحاته . ثالثا : لماذا إنتصر العرب ؟. أخيرا . )

الفصل السادس   :  أبو سفيان فى خلافة ( عُمر)  ( أولا : تولى عمر الخلافة بمجرد موت أبى بكر ودفنه. ثانيا : محاسبة عمر للولاة بالمصادرة والضرب والعزل . ثالثا : محاباة عمر ( العادل ) لمعاوية . )

الفصل السادس  : انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عمر  : ( مقدمة . أولا  :  أمثلة لانتهاك ( عمر ) الأشهر الحرم فى فتح فارس . ثانيا : فى فتح مصر . ثالثا : الانتقام الالهى  من عمر ومن العرب . )

 

 

 

 

  

الباب الثالث  : مكر قريش مع صحابة الفتوحات

 

الفصل الأول :  ( عُمر)  العميل الأكبر لأبى سفيان 

مقدمة : أيهما الأعزّ والأقدس الاسلام أم عمر ؟ القرآن أم الروايات السّنية التى تقدس عمر كذبا وإفتراءا . لا زلنا نتلقى السباب واللعنات بسبب مقالنا المنشور فى التسعينيات عن ( المسكوت عنه من تاريخ عمر فى التراث السّنى ) . كان التركيز على (عمر ) فى خلافته . وهنا نكشف المسكوت عنه فى عمر قبل خلافته أساسا . ونثبت فى ضوء القرآن الكريم ومن التراث السّنى نفسه أن عمر كان أكبر عميل لأبى سفيان .

أولا : نبدأ بتقرر الحقائق القرآنية الآتية  :

1 ـ  وجود منافقين مردوا على النفاق ، عاشوا عليه وكتموا أمرهم عن النبى فظل مخدوعا بهم حتى مات ، وهم لم يرتكبوا فى حياتهم حول النبى ما يشى أو يشير الى نفاقهم ، وبالتالى لم يكن هناك داع لأن يفضحهم رب العزة ، فلم يرتكبوا ما يستوجب فضحهم . ولكن لأن الله جل وعلا يعمل سريرتهم ويعلم غيب ما سيفعلونه فى المستقبل بعد وفاة النبى عليه السلام فقد أكّد رب العزة أنه سيعذبهم فى المستقبل مرتين فى الدنيا ، ثم بعدها فى اليوم الآخر : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) ) ( التوبة ).

2 ـ تناقض الفتوحات مع تشريعات الاسلام .ويترتب على ما سبق أن صحابة الفتوحات قد إرتدوا عن الاسلام طالما أن ما فعلوه باسم الاسلام يناقض الاسلام . هذا بالرغم المكتوب عنهم فى التراث السّنى .!

3 ـ إن من هؤلاء الصحابة من وصفهمرب العزة بأنهم (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ). وإن كان النبى لم يعرفهم فى حياته فقد فضحتهم سيرتهم بعد مماته عليه السلام . وبتطبيق ما سبق على سيرة عمر بن الخطاب فى التراث السّنى نراه ضمن الذين  ( مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ) . وأنه كان من عملاء أبى سفيان ، والدليل أنه كان فى حياة النبى أكبر عدو لأبى سفيان ، ثم أنقلب بعد موته أكبر حليف لأبى سفيان ، ولأنه فى بداية أمره كان أبرز أعداء النبى بل كان على وشك أن يقتل النبى ، ثم فجأة ـ أسلم .. هذا الاسلام المفاجىء تكرر فى سيرة خالد وعمرو . وهو دليل على أنّ أبا سفيان استعمل هؤلاء وغيرهم فى مكر تزول منه الجبال ، نتج عنه تغيير هائل فى تاريخ العالم ، لا تزال آثاره باقية حتى الآن ، وتؤثر فى تاريخ العالم واستراتيجياته حتى الان . ونعنى به الدين السنى وتجلياته الوهابية الارهابية المعاصرة .

4 ـ الروايات عن الصحابة خصوصا الخلفاء مُتخمة بالأكاذيب والمّبالغات ، وبعضها لا يخلو من الصدق ، وبعضها يتداخل فيه الصدق مع الكذب . وتمييز هذا من ذاك يحتاج الى باحث متخصص ليس فقط فى البحث التاريخى فى هذا العصر ولكن أيضا فى تاريخ علم التاريخ ومناهج المؤرخين القدماء ومدارسهم  وتنوع المادة التاريخية ، مع خبرة فى التدبر القرآنى .

5 ـ ونعطى لمحة تخص تاريخ أبى بكر وعمر . فقد كانت هناك لمحات من العدل فى عصرهما ، ولكن عندما تحكّم الأمويون لم تأخذهم فى الباطل لومة لائم ، فصادروا العدل وحرية القول ، وطاردوا من يعترض عليهم بمجرد القول ، وقضوا على حركات المعارضة ، وفى نفس الوقت أنشأوا وظيفة القصص أو ( القصّاصون ) الذين يجلسون فى المساجد يحكون الروايات ليجتذبوا قلوب الناس ، ثم ينشرون أكاذيبهم فى مدح معاوية وبنى أمية ولعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) . وبعد هزيمة القرّاء أو الفقهاء على يد الحجاج فى موقعة دير الجماجم أسرف الحجاج فى قتل من يشتبه فى ولائه ، وكان يقتل بمجرد الظن ، وخصوصا أن الذى عيّنه وهو عبد الملك بن مروان قد هدّد علنا فى المدينة عام 75 بقتل من يقول له: إتّق الله .! وأصبحت مطاردة أصحاب الرأى الحر سياسة أموية دينية إذ تعززت بالجبرية ، التى تجعل ظلم الخليفة قدرا الاهيا محتوما وأن الاعتراض عليه هو اعتراض على قضاء الله وقدره . ورفض هذه المقولة مفكرون أحرار مثل غيلان الدمشقى ، وأطلق عليهم لقب القدرية لأنه قالوا (لا قدر ، وإنما الأمر أنف) أى إن الظلم ليس بقدر الله ولكنه بالقمع والقهر وإرغام الأنوف . وحارب الأمويون ثم العباسيون ( القدرية ) لمقاومتها الظلم ، وسبكوا أحاديث فى لعنهم والتحذير منهم . والتفاصيل فى بحثنا المنشور هنا عن حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين .

ولنا سلسلة بحثية لم تكتمل عن ( وعظ السلاطين ) تبين لنا منها أن بعض الوعّاظ بسبب الرهبة من السلطان قاموا ومن خلال القصص بتأليف روايات عن عدل من جعلوهم ( الخلفاء الراشدين ) تمييزا لهم عن الخلفاء ( الظالمين ). أى كان القصص من جانب المعارضة المغلوبة على امرها نوعا من الحرب الفكرية بين الطرفين ، ففقهاء السلطان يسبكون روايات وأحاديث ترفع من شأن الحاكم ، والمعارضة تؤلف القصص عن عدل عمر بن الخطاب وعمر ابن عبد العزيز لتهاجم بطريق غير مباشر ظلم الخلفاء الأمويين والعباسيين .وما لبث أن تمّ تدوين روايات القصاص فى العصر العباسى الأول فى شكل أحاديث نبوية وروايات تاريخية . ولكن لم يتوقف القّصّاص فى عصر التدوين عن أختراعاتهم، ولم يتوقف المؤرخون اللاحقون فى النقل عنهم ، بل كان من الوعّاظ القصّاص من كان مؤرخا مشهورا كابن الجوزى، فكتاباته تعكس هذا التنوع بين التاريخ والقصص وكتب المناقب والوعظ والفقه والحديث . ولهذا نجد تضخما مطردا فى العصر العباسى الثانى فى تلوين شخصية عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز صنعته روايات القصّاصين . وفارق هائل بين المناقب القليلة التى كتبها ابن سعد  فى العصر العباسى الأول عن عمربن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وبين المكتوب عنهما فى عصور لاحقة . هذا يستلزم البحث التاريخى . وهذا ما نفعله الآن فى تجلية تاريخ عمر .

 ثانيا  : ابو جهل هو خال عمر بن الخطاب

1 ـ أم عمر بن الخطاب  هى حنتمة بنت هشام ، أخت أبى جهل ‏واسمه ( عمرو بن هشام ).‏ وحاول بعضهم التقليل من خطورة هذا الوضع فزعم أنها حنتمة بنت هاشم ، أى جعلها  بنت عم أبى جهل . ولا يعنينا أن تكون حنتمة أخت أبى جهل أو إبنة عمّه ، ولا يعنينا حتى أن يكون عمر إبنا لأبى جهل نفسه، فالنبى نفسه كان ابن أخ أبى لهب. الذى يعنينا  هل كان عمر عدوا أم صديقا لأبى جهل ؟ وهل كان عمر فى بدايته عدوا أم مُناصرا للنبى عليه السلام ؟

2 ـ وعمر ينتمى الى (بنى عدى) وهم ليسوا فى مكانة بنى هاشم أو بنى أمية أو بنى مخزوم هم فى نفس المستوى المتواضع لبنى تيم ، قبيلة أبى بكر ، لذا كان عمر فخورا بأخواله من بنى مخزوم ، وقد تزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية، وأنجب منها ابنته فاطمة. وكان عمر قرينا لخاله أبى جهل فى التطرف فى عداء النبى والاسلام وفى إيذاء المسلمين . لذا تقول الروايات أن النبى كان إذا رأى عمر وأبا جهل كان يدعو الله أن يهدى أحبهما اليه الى الاسلام :( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز الإسلامبأحب الرجلين إليك بعمر ابن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام . قال فكان أحبهما إليه عمر بنالخطاب )، ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بنالخطاب أو أبا جهل بن هشام قال اللهم اشدد دينك بأحبهما إليك . فشدد دينه بعمر بنالخطاب ) (.. اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلينإليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ). وعلى زعمهم فقد كان عمر هو الأحب الى الله فدخل فى الاسلام . المستفاد من هذه الروايات أن عمر كان قرينا لخاله أبى جهل فى التطرّف فى عداء الاسلام . ثم دخل ـ فجأة ـ فى الاسلام .....يا سلام .!!

ثالثا :إسلام عمر المفاجىء

1 ـ شخصية عمر الحازمة الجادة لا يتفق معها أن تكون هوائية عاطفية متقلبة تتحول فجأة من الشىء الى نقيضه . بل المناسب لها ان تكون خُطاها مرسومة ومضبوطة ومنضبطة . وهكذا فإنّ عمر ، لم يتغير موقفه الحقيقى . كان على وشك أن يضحّى بنفسه ويقتل النبى محمدا ، فالتقطه الداهية أبو سفيان ، وحوّل مسار التضحية بأن يدخل فى دين محمد بمظاهرة (إعلامية ) ليكون من أقرب أصحاب محمد اليه ، وليكون فى نفس الوقت عينا عليه.

 2. ـ والروايات عن اسلام عمر تؤكد نفس القصة . يروى ابن سعد فى الطبقات الكبرى تحت عنوان : (إسلام عمر رحمه الله ): (  قال أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك.. ) . لو سمحتم : نتوقف مع السّند هنا . فالراوى ليس عمر ، وليس واحدا من الصحابة من قريش ، بل هو ( أنس بن مالك ) الأنصارى ، وهو من أواخر من مات من الصحابة . وحين اسلم عمر فى مكة كان أنس طفلا فى المدينة لا يعلم شيئا عن النبى والاسلام ، فكيف يروى هذه الحكاية وهم لم يشهدها أصلا ؟   . لكن لا مانع من تصديقها ، فربما سمعها من بعض الصحابة المهاجرين . ونتابع ما يقول أنس : (  قال خرج عمر متقلدا السيف ، فلقيه رجل من بني زهرة ،قال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أنأقتل محمدا .قال : وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا ؟ قال فقال عمر : ماأراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه ؟ قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟ إن ختنكوأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه . ) . أى خرج عمر مصمما على قتل النبى ، وفى الطريق علم ( فجأة ) بأن أخته وزوجها قد أسلما ..يا للهول .!!. عندها تغيّر المسار ، وتوجّه عمر بسيفه الى بيت أخته . وجرى مشهد سينمائى يفوق أفلام حسن الإمام : ( قال : فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما ، وعندهما رجلمن المهاجرين يقال له خباب ) قال يعنى أن الراوى لا يعرف الصحابى خباب بن الأرت .!! . بل يصفه بأنه من المهاجرين ، وكان خباب وقتها فى مكة ولم يهاجر هو أو غيره... بعد ..!!( قال فلما سمع خباب حسّ عمر توارى في البيت ، فدخل عليهمافقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ قال كانوا يقرؤون طه.  فقالا : ما عدا حديثاتحدثناه بيننا. قال : فلعلكما قد صبوتما ؟ قال فقال له ختنه : أرأيت يا عمر إن كان الحق فيغير دينك ؟ قال فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدا ، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها ، فنفحهابيده نفحة فدمى وجهها .!! فقالت وهي غضبى : يا عمر إن كان الحق في غير دينك اشهد أن لاإله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله . فلما يئس عمر قال : أعطوني هذا الكتاب الذيعندكم فأقرأه . قال وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته : إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون،فقم فاغتسل أو توضأ . قال فقام عمر فتوضأ . ). ملاحظة : فرض الوضوء نزل فى المدينة ( النساء 43 المائدة 6 )وليس فى مكة . وقراءة القرآن لا تستوجب الطهارة ، وقوله جل وعلا :( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)الواقعة ) يعنى أن القرآن لا يمسّ ولا تصل أنواره إلّا للنفوس والقلوب المطهرة من الشرك ، أما القلوب التى عليها غُلف وحجاب فلا يمسها القرآن . نعود الى الرواية  :( ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى قولهإنني أنا الله لاإله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري، قال فقال عمر : دلوني على محمد) هنا ظهر خباب المختفى خلف الباب : (  فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسولالله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمروبن هشام . ). وتنتقل الكاميرا للشارع وعمر يسير فيه حاملا سيفه (فانطلق عمرحتى أتى الدار)، وتنتقل الكاميرا الى داخل الدار ونرى حمزة مع النبى وبعض الصحابة: ( قال وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأناس من أصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم . فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال حمزة : نعم فهذا عمر فإن يرد الله بعمرخيرا يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا . ..  قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتىعمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال : أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك منالخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة !. اللهم هذا عمر بن الخطاب. اللهم أعز الدينبعمر بن الخطاب . قال فقال عمر: أشهد أنك رسول الله .فأسلم.!!) . والرواية فى مُجملها صادقة ، ولكن بسبب تداولها عبر السنين لحقها تحريف وتخريف فى بعض تفصيلاتها ، وتؤكد أنّ دخول عمر الاسلام كان بمظاهرة علنية تجعل المسلمين المستضعفين يفرحون باسلامه ، وحتى لا يتشكّك أحد فى هذا التحوّل المفاجىء والخطير .

3 ـ هو بلا شك ( فيلم مبهر ) نرى الأبطال فيه ، ولا نرى المخرج . المخرج هو أبو سفيان . كان هناك توزيع للأدوار . أبو جهل هو للعداء السافر الفظّ الغليظ ، وكان معه ابن أخته عمر ابن الخطاب الذى لا يقل عن خاله فظاظة وغلظة . فى الجانب الاخر كان أبو سفيان للمكر والدهاء . وقد رأى تهورا من عمر يجعله على وشك أن يقتل النبى ، ولو حدث فسيضطر بنو عبد مناف ( أى بنوهاشم وبنو امية وعبد شمس ) للثأر من عمر وبنى عدى ، ويكون موقف بنى مخزوم أخوال عمر شائكا ، وتنقسم قريش بسبب تهور عمر . لذا كان التخطيط الأسلم هو أن يدخل عمر الاسلام ليكون عينا لهم على النبى والمسلمين .

رابعا : فرح المسلمين باسلام عمر

1 ـ ولأنّ عمر مشهور بعدائه الشديد للاسلام والمسلمين فلا بد من مسرحية مبهرة تجعل المسلمين يبتلعون هذه المكيدة . وهذا ما حدث. وبدلا من الريب والشكوك حلّ الفرح والسرور . وسمحت قريش للمستضعفين بالتعبير عن فرحهم باسلام عمر والتشفى فى قريش .!!

2 ـ تقول الروايات فى الطبقات الكبرى لابن سعد ( سمعت عبد الله بن مسعود يقول : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) ( قال محمد بن عبيد في حديثه:  لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر.فلما أسلم عمر قاتلهم حتىتركونا نصلي)أى إن عمر قاتل المشركين وهزمهم ( فى معركة وهمية تمثيلية طبعا ) حتى سمحوا للمسلمين بالصلاة فى البيت الحرام .. عظيم هذا المكر السفيانى .!!. 

3 ـ وانتهزها أبو سفيان فرصة فأدخل عملاء جددا له زعموا الاسلام وزرعهم بين المسلمين فى هذه الهوجة . تقول الرواية : ( ..فما هو إلاأن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة).أى ظهر الاسلام بمكة بعد إسلام عمر. وهذا هو الذى سمح به أبوسفيان ورضى به أبو جهل ..

4 ـ بل رضيت قريش بأكثر من ذلك ، تقول الرواية : (.. عن صهيب بن سنان قال لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية . وجلسنا حول البيت حلقا ، وطفنا بالبيت . وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به ). !! هل كل هذا بسبب عمر؟ أم إنّ إسلام عمر هو فى الأصل مكيدة قرشية ، آثرت معها قريش أن تُحنى رأسها لتنجح المكيدة ؟ .

 وانتهزالقصّاصون الفرصة فإخترعوا هوجة أخرى فى السماء، فزعموا أن أهل السماء حين وصلتهم الأنباء(عن طريق السى إن إن) باسلام عمر (انبسطوا وزقططوا ). تقول الرواية: ( أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصينقال وحدثني معمر عن الزهري قالا : أسلم عمر بن الخطاب بعد أن دخل رسول الله صلى اللهعليه وسلم دار الأرقم ،وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء قد أسلموا قبله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بالأمس اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلينإليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام . فلما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد لقداستبشر أهل السماء بإسلام عمر ). آه يا بقر.!!

5 ـ وكما أسلم فى ( زفة ) و ( موكب )  و (بالطبل البلدى )، فقد هاجر علنا ومتحديا لقريش ، فالرواية المشهورة تقول إنه  عندما خرج من مكة مهاجرا ، طاف بالبيت ، ثم اتجه لزعماء قريش ، فأعلن لهم عزمه على الهجرة ، وهددهم بأن من يريد أن تثكله أمه وأن يتيتم ولده فليلقه خلف الوادى.! وطبعا ارتعب زعماء قريش ، وربما حدث لبعضهم تبول لا إرادى.!

6 ـ وهناك رواية اخرى تضيف أن عمر قد صحبه فى رحلة الهجرة إثنان سرا، ربما ليحتميا به ، ولحقا به فى الطريق، وهما عياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص بن وائل ، ووصلوا الى قباء ونزلوا فيها ..(.. حتى أتينا قباء فنزلنا على رفاعة بن عبد المنذر ، فقدم علىعياش بن أبي ربيعة أخواه لأمه أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة . وأمهم أسماءابنة مخربة من بني تميم . والنبي صلى الله عليه وسلم بعد بمكة لم يخرج ، فأسرعا السيرفنزلا معنا بقباء . فقالا لعياش : إن أمك قد نذرت ألا يظلها ظل ولا يمس رأسها دهن حتىتراك . قال عمر : فقلت لعياش : والله إن يرداك إلا عن دينك فاحذر على دينك .! قال عياش : فإنلي بمكة مالا لعلي آخذه فيكون لنا قوة وأبر قسم أمي . فخرج معهما ، فلما كانوا بضجناننزل عن راحلته ، فنزلا معه ، فأوثقاه رباطا ، حتى دخلا به مكة ، فقالا : كذا يا أهل مكةفافعلوا بسفهائكم . ثم حبسوه ). هنا يهاجر رجلان مع عمر سرا ، أحدهما وهو عياش هو أخ من الأم لأبى جهل والحارث . وأبوجهل وأخوه يتعقبانهم فى هجرتهم السرية ، ثم يخدعان عياش ، ويعودان به الى مكة ، بينما يتركان عمر ، وهو كما نعرف ابن اختهما . فمن أخبر أبا جهل بموعد ومسار الرحلة ؟ ولماذا حرص ابوجهل على استعادة أخيه من الأم (عياش ) وترك ابن أخته عمر ؟ وما هى مصلحة أبى جهل فى ترك عمر يهاجر الى المدينة وعدم ترك أخيه يهاجر ، والمفهوم أن عياش إحتمى بعمر وهاجر سرا معه ؟! فمن الذى وشى بعياش ؟ 

7 ـ قبل أن نغادر هذه النقطة ، نقرّر أن عمر وثّق علاقته سريعا بأبى بكر الذى كان صاحبا للنبى ، ومن أوائل من أسلم ، وظلت صداقتهما مستمرة ، وارتبط كل منهما بالآخر . وقد قالوا  أن النبى حين هاجر آخى بين أبى بكر وعمر، وبعدها قام عمر بتزويج النبى من ابنته حفصة،  فأسّس له مكانة قريبة من النبى عليه السلام وبين ( كبار الصحابة ). ولم يكتف بهذا بل حافظ عمر على شخصيته المتطرفة ولكن فى الايمان، وبطريقة كان يزايد فيها أحيانا ليس على أبى بكر فقط بل على النبى نفسه . وهذا مفهوم ممّن يقوم باستزراع نفسه جاسوسا بجوار النبى.   

خامسا :علاقة عمر بأبى سفيان فى حياة النبى

1 ـ  كانت شبكة الجواسيس التى كوّنها ابو سفيان تحيط بالنبى وفى تواصل مستمر بأبى سفيان . ولا تسعفنا الروايات التاريخية بما يشفى الغليل الذى يفسّر هذا الانقلاب الذى حدث فجأة بموت النبى عليه السلام وأصبح  به أبو سفيان يقود المسلمين من خلف ستار ، ثم أسس ابنه أول ملكية وراثية فى تاريخ المسلمين ، وأكبر امبراطورية عربية فى التاريخ . نحن نرى النتيجة ساطعة مذهلة ، ولكن لا نرى من المقدمات سوى النُّذر اليسير .

2 ـ  وبرغم ما فيها من خلط ـ فإنّ فى السيرة المكتوبة ما يتفق مع القرآن الكريم ، ومنه أنه كان هناك جواسيس حول النبى ، يبعثون لأبى سفيان بالأخبار الحربية الهامة ، ومنها مثلا أن أبا سفيان وهو يقود القافلة جاءته أنباء بأن النبى مع أصحابه ينتظرونه عند بدر ، فأسرع بتغيير طريقه . فمن الذى أخبر أبا سفيان مقدما وحدّد له موقع النبى ؟ . كان مع النبى وقتها أبو بكر وعمر وعلى وجماعة من المهاجرين والأنصار. ولا نتصور أن يكون الخائن من الأنصار ، ولا بد أن يكون من المهاجرين . لا نستطيع الجزم بأنه كان عمر ، ولكن نؤمن بأنه كانت هناك خيانة وأن الخائن من بين المهاجرين ، لأن الله جل وعلا قال بعد موقعة بدر يحذّر : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)، وتأتى إشارة الى العامل الاقتصادى والقرابة فى الاية التالية ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)، ولأن الخطاب موجّه للمهاجرين فإن الله جل وعلا يذكّرهم فى البداية فيقول (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)( الانفال ).

3 ـ وقبيل فتح مكة نقض نفر من قريش العهد مع النبى . وحسبما تذكره السيرة فقد بدأت تحركات فى المدينة سرعان ما عرف بها أبوسفيان فأقبل الى المدينة يستوثق منها بنفسه . وقابل النبى كى يجدّد العهد فرفض النبى وتكلم أبو سفيان مع أبى بكر فرفض أن يساعده ، وتكلم مع عمر ، وحسب ما تقوله السيرة فإنّ عمر أغلظ لأبى سفيان وقال له مستنكرا : أنا أشفع لكم إلى رسول الله فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم .!. أما ( على ) فقد كان ليّنا مع ابى سفيان وخاطبه بأنه ( سيد كنانة ) أى سيد قريش . رجع ابو سفيان فقال لقريش نتائج مباحثاته   :( جئت محمدا فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئا . ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم، ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم ..). وأخفى النبى تحركاته الحربية عن قريش وهو متوجّه لفتحها ، ومع ذلك ، فقد وصل الخبر الى أبى سفيان ، فأسرع يتحسّس الأخبار ، والتقى بالجيش فى الطريق ( فمن أعلمه بسير الجيش )، وقابل أبو سفيان صديقه العباس عم النبى، وكان العباس يركب بغلة النبى فأركبه العباس معه ليستأمن له النبى ، يقول ابن عباس راويا عن أبيه العباس : ( فخرجت به أركض بغلة رسول الله نحو رسول الله ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا إليّ قالوا :عم رسول الله على بغلة رسول الله ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب ، فقال لأبى سفيان : الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد . ثم اشتد نحو النبي ، وركضت البغلة وقد أردفت أبا سفيان حتى اقتحمت على باب القبة وسبقت عمر ..فدخل عمر على رسول الله فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته . ثم جلست إلى رسول الله فأخذت برأسه فقلت : والله لا يناجيه اليوم أحد دوني . فلما أكثر فيه عمر قلت : مهلا يا عمر فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . فقال مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم اسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم . فقال رسول الله : اذهب فقد آمناه . ) . هنا نجد عمر يزايد على العباس ، ويطلب من النبى أن يقتل أبا سفيان ، بينما كان العباس حريصا على حياة أبى سفيان وتأمينه . وعمر يعرف أن النبى لا يمكن أن يقتل من يأتيه يطلب الأمان ، فلماذا صمّم عمر على طلب يعلم أنه مرفوض مقدما ؟ ولماذا يزايد عمر على عم النبى  ويتطرّف فى عدائه لأبى سفيان ؟ الأمر واضح ، فلأنه مرد على النفاق يريد أن يؤكّد للنبى إخلاصه. ويكفى قوله ينافق العباس:( فوالله لإسلامك يوم اسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم،وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم ).

4 ـ كان هذا فى حياة النبى . ولو ظل عمر على نفس موقفه من أبى سفيان بعد موت النبى وإنقطاع الوحى نزولا لوقف ضد أبى سفيان كما فعل مع سعد بن عبادة وسعد بن أبى وقاص والزبير وأبى هريرة، ولكن موقفه تناقض، فبمجرد موت النبى عليه السلام وتولية أبى بكر فى إجتماع السقيفة  بمساعدة عمر ـ كان عمر على وشك أن يحرق بيت السيدة فاطمة الزهراء ، وفيه زوجها وابناها الطفلان الحسن والحسين ، وبعض  المؤيدين لحق ( علىّ) فى الخلافة . كان هذا بتخطيط أبى سفيان . هنا ظهر  ( عمر ) على حقيقته .

5 ـ انتظرونا..

 

الباب الثالث  : مكر قريش مع صحابة الفتوحات

الفصل الثانى :  ( عُمر)  فى خلافة ابى بكر      

مقدمة : رؤية للتخطيط السفيانى 

كان عمر هو المسيطر على ( أبى بكر ) ، وكان أبوسفيان هو الذى يخطّط لعمر . وبدأ التنفيذ بمجرد موت النبى ، بل وحتى قبل دفن النبى واثناء تجهيز (على ) وآل بيت النبى لدفن النبى . أشعل أبوسفيان حرب الردة ، وشغل بها المسلمين ، وفى ظروف طارئة وعسيرة تمت بيعة أبى بكر فى إجتماع السقيفة ببطولة (عمر )، وظهر أبو سفيان فى مظاهرة يستنكر تولية واحد من أذلّ حى من قريش، ويدعو لتولية (على ) أو العباس ، وبهذا إقتنع أبو بكر برأى ( عمر ) فى تعيين يزيد بن أبى سفيان قائدا ضمن قواد المسلمين فى مواجهة المرتدين ، وهى التى تحولت بتأثير ( عمر / أبى سفيان ) الى فتوحات ، جنى ثمرتها معاوية فيما بعد .  وببيعة السقيفة جرى تهميش الأنصار وحصر الحكم فى قريش ، كما جرى تهميش أهل النبى بإجبار ( على ) على البيعة لأبى بكر ، وتولية أبى بكر تحت نفوذ ( عمر ) ظاهريا ، ونفوذ قريش فى الحقيقة ، والتى يمثلها هنا أبو سفيان . كان أبو بكر مرحلة إنتقالية قصيرة تمهّد لوصول عُمر للخلافة ليعطى نفوذ أبى سفيان مساحة أكبر ، ثم بعده كان تعيين عثمان الأموى فى أواخر أيام أبى سفيان ، وأصبح معاوية أقوى وال فى خلافته ، وبعد التضحية بعثمان حورب ( على ) ليصل معاوية للحكم ، ويتحقق أخيرا حُلم أبى سفيان . نُعطى هنا بعض التفاصيل

أولا : عُمر هو بطل تولية أبى بكر وتهميش الأنصار :

1 ـ أبن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) يلخّص تاريخ الطبرى ، وينتقى ما يراه صحيحا منه رواياته ، ويقوم بتجميع بعضها أحيانا فى رواية واحدة . نلتقط منها هذه الرواية الموجزة تحت عنوان ( حديث السقيفة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ) يقول ابن الأثير : ( لما توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: منا الأمراء ومنكم الوزراء. ثم قال أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمة. فقال عمر: أيكم يطيبب نفساً أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم؟ فبايعه عمر وبايعه الناس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا علياً. قال: وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة. وقال الزبير: لا أغمد سيفاً حتى يبايع علي. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر، ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة.). واضح هنا الظهور المفاجىء لعمر كشخصية طاغية ، وهى لا تتفق مع نفاقه السابق لأقارب النبى .

 2 ـ  كانت الحُجة القوية لأبى بكر وعمر فى إجتماع السقيفة أن العرب لا تخضع إلّا لقريش ، أى لا يمكن أن يخضع العرب للأوس والخزرج ، وهم من العرب القحطانية اليمنية . وطالما كانت الحجة هى الهيمنة القرشية فأبو سفيان هو من يمثّلها . تقول رواية عن عمر رواها ابن عباس :( حين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن علياً والزبير ومن تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار،  واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الأنصار، أحدهما عويم بن ساعدة، والثاني معن بن عدي، فقالا لنا: ارجعوا أقضوا أمركم بينكم. قال: فأتينا الأنصار وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة وجع، فقام رجل منهم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهط بيننا وقد دفت إلينا دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يغصبونا الأمر. فلما سكت وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك! فقام فحمد الله وما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه وقال: " يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، هم أوسط العرب داراً ونسباً ..  " .. فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال: أنا جذيلها المحكم وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير. وارتفعت الأصوات واللغط، فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك؛ فبسط يده ،  فبايعته وبايعه الناس، ثم نزونا على سعد بن عبادة، فقال قائلهم: قتلتم سعداً. فقلت: قتل الله سعداً..). أى إن أبا بكر هو الذى إحتجّ بهيمنة قريش فى استحقاق المهاجرين للخلافة دون الأنصار . 

3:ـ  عمر يقتل سعد بن عبادة

بعد هزيمته السياسية فى بيعة السقيفة إعتزل سعد بن أبى عبادة الناس ولزم بيته مغاضبا رافضا بيعة أبى بكر . تقول الروايات : ( ثم تحول سعد بن عبادة إلى داره فبقي أياماً، وأرسل إليه ليبايع فإن الناس قد بايعوا، فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي.)  وصمّم عُمر على أن يجعل أبا بكر يرغمه على البيعة : ( فقال عمر: لا تدعه حتى يبايع. ) وتدخل ابن سعد بن عبادة : ( فقال بشير بن سعد: إنه قد لجّ وأبى ، ولا يبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته، فاتركوه ولا يضركم تركه، وإنما هو رجل واحد. فتركوه.) . وآثر سعد بن عبادة السلامة ، ونفى نفسه الى الشام . ولم يتركه عمر هناك فبعث خلفه من قتله . تقول الرواية : ( وأما سعدُ بن عبادة فإنه رحل إلى الشام‏.‏) ( أبو المنذر هشام بن محمد الكلبيّ قال‏:‏ بعث عمرُ رجلاً إلى الشام فقال‏:‏ ادْعه إلى البَيعة واحمل له بكل ما قَدرت عليه فإن أبيَ فاستعن اللّهَ عليه‏.‏ فقَدم الرجل الشام فلقيه بحُوران في حائطٍ فدَعاه إلى البيعة فقال‏:‏ لا أبايع قُرشياً أبداً‏.‏ قال‏:‏ فإني أقاتلك‏.‏ قال‏:‏ وإن قاتلتَني‏!‏ قال‏:‏ أفخارج أنت مما دخلتْ فيه الأمة قال‏:‏ أمّا من البَيعة فأنا خارج‏.‏ فرَماه بسَهم فقتله‏.‏ ) ، ( ميمون بن مِهران عن أبيه قال‏:‏ رُمي سعد بنُ عبادة في حمّام بالشام فقُتل‏.‏) ( سعيد بن أبي عَروبة عن ابن سيرين قال‏:‏ رُمي سعد بن عُبادة بسهم فوُجد دفينا في جسده‏.‏ ) . وزعموا أن الجنّ هى التى قتلت سعد بن أبى عبادة ، وأنها قالت فى ذلك شعرا : ( فمات ، فبكته الجنّ ، فقالت‏:‏

وقَتلنا سيّد الخَزْ رج سعدَ بن عُبادة  ورَميناه بسهمي  فلم نُخْطِىء فُؤاده

ثانيا : عمر وتهميش (على ) والهاشميين

1 ـ هناك  رواية أخرى فى الطبرى لآبى عمرة الأنصارى عن بيعة السقيفة تؤكد أنّ عمر هو الذى إحتجّ على الأنصار بهيمنة قريش : ( لما قبض النبي، صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الأمر، وكان مريضاً، فقال بعد أن حمد الله: " يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لأحد من العرب، إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به إلا القليل، ما كانوا يقدرون على منعه ولا على إعزاز دينه ولا على دفع ضيم، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ورزقكم الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً وأعطى البعيد المقادة صاغراً فدانت لرسوله بأسيافكم العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير العين. استبدوا بهذا الأمر دون الناس، فإنه لكم دونهم.". فأجابوا بأجمعهم: أن قد وفقت وأصبت الرأي ونحن نوليك هذا الأمر فإنك مقنعٌ ورضاً للمؤمنين . ثم إنهم ترادوا الكلام فقالوا: وإن أبى المهاجرون من قريش وقالوا نحن المهاجرون وأصحابه الأولون وعشيرته وأولياؤه! فقالت طائفة منهم: فإنا نقول منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا أبداً. فقال سعد: هذا أول الوهن. ) وتمضى الرواية وتذكر حضور أبى بكر وعمر وأبى عبيدة ، وخطبة أبى بكر اللينة وقوله للأنصار: ( " فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفاوتون بمشورة ولا تقضي دونكم الأمور." . فقام حباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في ظلكم ولن يجترىء مجترىء على خلافكم ولا يصدروا إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز وأولو العدد والمنعة وذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم، أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير ومنكم أمير.) هنا إنبرى له عمر يؤكّد حق المهاجرين بهيمنة قريش : ( فقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته! فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب! أنا أبو شبل في عرينة الأسد، والله لئن شئتم لنعيدنها جذعةً.فقال عمر: إذاً ليقتلك الله! فقال: بل إياك يقتل. ) . وانتهى الأمر ببيعة أبى بكر بنفس الحجّة وهى أن النبى من قريش ، وهذا ما قاله أحد زعماء الأنصار : ( فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر فلا تكونوا أول من بدل وغير! فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار إنا والله وإن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضى ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فيما ينبغي أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به الدنيا، ألا إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، من قريش وقومه أولى به، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.) ( فلما كان الغد من بيعة أبي بكر جلس على المنبر وبايعه الناس بيعة عامة . ).

كل هذا وجثمان النبى لم يدفن بعدُ : ( فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل: بقي ثلاثة أيام لم يدفن.. وكان الذي يلي غسله علي والعباس والفضل وقثم ابنا العباس ...).!

ثالثا : عمر يهدّد بحرق بيت (علي ) والسيدة فاطمة الزهراء :

1 ـ قال عمر فى أحقية المهاجرين دون الأنصار : (هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته!  ). أى لم يحتج فقط بهيمنة قريش ولكنّ إحتجّ بالأهم ، وهو أن النبى من قريش ، فقال : ( ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته! ). وبالتالى فعلى كلامه فإن الأحق بالخلافة هو ( على ) وليس أبا بكر .! . ولأنّ عليا هو الأحق بالخلافة ـ حسب كلامه ـ ولأن عليا رفض البيعة لأبى بكر وأيده جماعة من المهاجرين إعتصموا مع ( على ) فى بيته ، كان لا بد لعمر أن يتطرّف فى تهديدهم حتى يبايعوا أبا بكر. تقول إحدى الروايات : ( بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة، رضي الله عنها، فبايعوه.). وهناك روايات أخرى مختلفة فى المدة التى ظل فيها (على ) رافضا لبيعة أبى بكر . ولكن أغلب الروايات وأصدقها تؤكّد رفض (على ) مبايعة أبى بكر ، وأنه إضطر لذلك خوفا من عُمر .

2 ـ ويذكر الطبرى رواية عن تهديد عمر بحرق بيت ( على )  : ( أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتا السيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه. ). وفى تاريخ الطبرى رواية عن ندم أبى بكر عن أشياء ، منها ( ..  فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ) .! 

3 ـ وبجانب الطبرى تواترت الروايات فى التراث السّنى تؤكد أن عمر كان على وشك أن يحرق بيت السيدة فاطمة الزهراء ، مع إختلاف فى التفاصيل . يروى البلاذرى فى ( أنساب الأشراف ): ( إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد بيعته، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب  فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب ! أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال : نعم ، وذلك أقوى ممّا جاء به أبوك.). وذكر ابن قتيبة  فى تاريخه (الامامة والسياسة ) أن عمر جمع حطبا ليحرق بيت (على ) لأن عليا تخلف عن بيعة أبى بكر ، فقيل له : إن فيها فاطمة . فقال : وإن .!). ويروى أبو الفدا فى ( المختصر فى أخبار البشر )  : ( فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها، وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا ؟  قال : نعم، أو تدخلوا فيما دخلت به الأمة ).. ويذكر الشهر ستاني في الملل والنحل :(وكان عمر يصيح:  أحرقوا دارها بمن فيها! . وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ).

رابعا : متى بايع (على ) أبا بكر ؟

1 ـ وهناك رواية تؤكّد أنّ  (عليا ) ظلّ رافضا لبيعة أبى بكر طيلة حياة زوجته السيدة فاطمة التى كانت تستحوذ على تعاطف الناس . وبموتها قلّ تعاطفهم مع ( على ) ، لذا إضطر ( على ) أن يبايع أبا بكر .

2 ـ يقول الطبرى : ( وكان لعلي وجه من الناس فى حياة فاطمة . فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي . فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ثم توفيت. ..)   ( .. فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فارسل إلى أبي بكر أن إئتنا ولا يأتنا معك أحد . وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر . فقال عمر : لا تأتهم وحدك . قال أبو بكر : والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي ؟ قال فانطلق أبو بكر فدخل على علي ، وقد جمع بني هاشم عنده . فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا . ثم ذكر قرابته من رسول الله وحقهم . فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر . فلما صمت علي ، تشهّد أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فوالله لقرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي ، وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ، ولكني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وإني أعوذ بالله لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله . ثم قال علي : موعدك العشية للبيعة . فلما صلى ابو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر ، ثم قام علي فعظّم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته . ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قالت فأقبل الناس إلى علي فقالوا : أصبت وأحسنت . ) . أى تمّ الصلح بين أبى بكر و( على ) فى غياب عُمر .

خامسا : حرمان السيدة فاطمة من ميراثها من أبيها :

1 ـ فى الرواية السابقة إعتذار أبى بكر عن منع السيدة فاطمة من أخذ ميراثها : (وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ، ولكني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وإني أعوذ بالله لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله .  )

2 ـ وفى تاريخ الطبرى رواية أخرى عن السيدة عائشة تقول ( أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر . فقال لهما أبو بكر :" أما إني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته . " قالت  فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر . ). وحديث أبى بكر الذى نسبه للنبى  ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة   ) هو حديث كاذب . ليس فى القرآن منع لتوريث تركة النبى . فمن حق ورثته أن يرثوا تركته ، وهما عمه العباس ، وابنته فاطمة .

3 ـ أى تم تهميش بنى هاشم مع بداية تولى أبى بكر ، ليس فقط لتأكيد خلافة أبى بكر ، ولكن أيضا ليتسع المجال لعّمر أن يستحوذ على النفوذ فى دولة أبى بكر ، توطئة لأن يرث الخلافة من بعده . فقريش تعرف أنه لو جاءت الخلافة بعد النبى لبنى هاشم فلن تخرج منهم ، وبالتالى سيضيع أمل أبى سفيان . لذا كان لا بد من تداولها بعيدا عن ( على ) لتصل فى النهاية لبنى أمية ، وهم الذين يمثلون الهيمنة القرشية . كانت خلافة أبى بكر مجرد قنطرة يصل بها عّمر للخلافة .

سادسا :  عّمر كان هو الحاكم الفعلى فى خلافة أبى بكر ، وكان المستفيد أبا سفيان

1 ـ لأنّ عُمر هو الذى قام بتعيين أبى بكر ، ومن أجله ارتكب ما ارتكبه ضد (على وفاطمة والهاشميين ) والأنصار وسعد بن عباده ، فقد أصبح النفوذ كله فى يد عّمر ، فهو المستشار  صاحب الأمر والنهى . وفى حرب الردّة توسّط طلحة بن عبيد الله الصحابى المشهور وقريب أبى بكر بين أبى بكر والزبرقان والأقرع بن حابس ، وعقدا صلحا ، واشترط الزبرقان والأقرع أن يشهد عُمر على العقد . وبعد توقيع أبى بكر وطلحة والجميع ، رفض عّمر ومزّق الكتاب . جاء فى ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه عن حرب الردّة : (وخرج الزبرقان والأقرع إلى أبي بكر وقالا :" اجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك ألا يرجع من قومنا أحد." ففعل وكتب الكتاب . وكان الذي يختلف بينهم طلحة بن عبيدالله . وأشهدوا شهودا منهم عمر . فلما أتي عمر بالكتاب فنظر فيه لم يشهد . ثم قال لا والله ولا كرامة . ثم مزق الكتاب ومحاه . فغضب طلحة فأتى أبا بكر فقال : أأنت الأمير أم عمر ؟ فقال : "عمر ، غير أن الطاعة لي ".! فسكت .! ) .

2 ـ عُمر هنا هو المسيطر على أبى بكر ظاهريا . لأن هذه السيطرة كانت لصالح أبى سفيان . ومن البداية هو تخطيط أبى سفيان ، وعمر مجرد منفّذ . وهنا نسترجع ما قلناه من قبل عن مظاهرة أبى سفيان وتهديده لأبى بكر بأن الخلافة هى حق لبنى هاشم ولا ينبغى أن تكون فى بنى تيم أقل حىّ فى قريش . ننقل الخبر من ( العقد الفريد ) : ( ُتوفي رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان غائب في مَسعاة أخرجه فيها رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم . فلما انصرف لقي رجلاً في بعض طرق مُقبلاً من المدينة فقال له مات محمد ؟ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فمن قام مَقامه قال‏:‏ بكر‏.‏ قال أبو سفيان‏:‏ فما فعل المُستضعفان عليّ والعبّاس قال‏:‏ جالسين‏.‏ قال‏:‏ أما واللهّ لئن بقِيت لهما لأرفعنّ من أعقابهما ثم قال‏:‏ إني أرى غَيرةً لا يُطفئها إلا دم‏.‏ فلما قدم المدينةَ جعل يطوف في أزقّتها ويقول‏:‏

بني هاشم لا تَطمع الناسُ فيكم ولا سيما تَيمُ بن مُرة أو عَدِي

فما الأمرُ إلا فيكمُ وإليكمُ         وليس لها إلا أبو حَسن عَلى ).

الجديد هنا أن عُمر هو الذى أشار على أبى بكر برشوة أبى سفيان لتفادى غضب أبى سفيان . تقول الرواية : ( فقال عمر لأبي بكر‏:‏ " إنّ هذا قد قَدم وهو فاعل شرًّا، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستألفه على الإسلام . فدَع له ما بيده من الصَّدقة . " فَفَعل‏.‏ فرضي أبو سفيان وبايعه‏.‏). وبعدها كان تعيين يزيد بن أبى سفيان رشوة أخرى . لم يقم عمر بتهديد أبى سفيان بالحرق كما فعل مع السيدة فاطمة الزهراء.!

أخيرا

1 ـ لأن عمر ( مرد على النفاق ) فإننا نرى إنقلابا هائلا فى شخصيته بعد موت النبى . كان متطرفا فى نفاق النبى وبنى هاشم ومتطرفا فى العداء لأبى سفيان ، فأصبح بعد موت النبى متطرفا فى العداء لبنى هاشم وصديقا لأبى سفيان . ومسيطرا على الخليفة أبى بكر .

2 ـ وعندما حاول أبو بكر التمرّد عليه وعلى أبى سفيان بادر عّمر بقتل أبى بكر..

 

 

 الباب الثالث  :   مكر قريش مع صحابة الفتوحات

الفصل الثالث   :  ( عُمر)  هو قاتل أبى بكر

أولا : موت أبى بكر المفاجىء والغامض :

1 ـ كل الروايات عن موت أبى بكر تؤكّد  أنه مات مسموما ، أو إنه إغتسل فى يوم بارد فأصابته الحمى فمات . وأنه فى مرضه كان عمر يصلّى بالناس بدلا منه ، فى إشارة الى أنه الذى سيخلفه . كما لازمه فى مرضه عثمان   .

2 ـ ونعطى نموذجا من الروايات . يروى ابن سعد ( عن بن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلانحريرة أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله ، والله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد . قال فرفع يده . فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة .)،( توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة في جمادىالآخرة يوم الاثنين لثمان بقين منه . قالوا وكان سبب وفاته أن اليهود سمته في أرزة ويقال في جذيذة ، وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كف ، وقال لأبي بكر : أكلت طعاما مسموما سم سنة ، فمات بعد سنة . ومرض خمسة عشر يوما. ) ،ويقول إبن الأثير ( وكان قد سمه اليهود في أرز، وقيل في حريرة، وهي الحسو، فأكل هو والحارث بن كلدة، فكف الحارث وقال لأبي بكر: أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة، فماتا بعد سنة. وقيل: إنه اغتسل وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة ، فأمر عمر أن يصلي بالناس. ) ويقول ابن الجوزى فى المنتظم : ( في سبب موته قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن اليهود سمته في حريرة أكل منها هو والحارث بن كلدة فأخذ منها الحارث لقمة ثم قال‏:‏ كف فقد أكلت طعامًا مسمومًا سم سنة فماتا جميعًا للسنة يوم مات أبو بكر‏.‏ وروى ابن سعد عن عبد العزيز بن عبد اللهّ الأويسي عن الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب‏:‏ أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث‏:‏ ارفع يدك يا خليفة رسول اللّه واللهّ إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد‏.‏ فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انتهاء السنة‏.‏ والقول الثاني‏:‏ ذكره الواقدي عن أشياخه‏:‏ أن أبا بكر رضي اللّه عنه اغتسل في يوم بارد فَحُمّ خمسة عشر يومًا فكان لا يخرج إلى الصلاة وأمر عمر أن يصلي بالناس وكان عثمان الزمهم له في مرضه‏.‏) .

ثانيا : إغتيال أبى بكر بالسّم

1 ـ فى البداية ، لا نعتقد أن موت أبى بكر بسبب أنه إغتسل فى يوم بارد فأصابته الحمى فمات. هذا لا يتفق مع تفصيلات دفنه ليلا وبسرعة وبدون جنازة ، بل فى صمت ، حيث منع عمر نساء أبى بكر من النواح عليه . لو مات ميتة طبيعية ما استلزم الأمر كل هذه الاستثناءات . ونحن نتحدث عن موت خليفة فجأة وفى ظرف دقيق.  إى إنه إغتيال وليس موتا عاديا .

2 ـ نحن نقول إنّه إغتيال لأبى بكر بالسّم . وهو الاحتمال الثانى الذى جاءت به الروايات . ولكن  أحيانا تكون الرواية صادقة فى مجملها مع إحتوائها على بعض تفصيلات كاذبة . وهذا ينطبق على رواية موت أبى بكر بالسّم . فلا دخل لليهود فى إغتيال أبى بكر بالسّم ، لأنه لم يكن فى حرب معهم ، ولم يكن لهم ثأر عنده ، بل لم يكن لهم وجود أصلا فى المدينة وقتها .  ولو مات فعلا بالسم من يهودى لكان سهلا معرفة من أهدى الطعام المسموم لأبى بكر ومعاقبته . ثم هذا الطبيب الحارث بن كلدة .. كيف يعرف أنه طعام مسموم سوف يقضى عليهما بعد سنة بالضبط ؟ ولو صحّ هذا فسيكون مؤثرا فى قرارت أبى بكر طالما يعرف يحمل فى أحشائه سمّا سيموت منه بعد عام ، ولقد كان وقتها فى خضم حرب الردة ويتجه الى الفتوحات ، فهل يفعل ذلك وهو يعرف أنه مسموم سيقضى عليه السّم خلال عام . ولكن أبا بكر كان يتصرّف خلال العام الأخير من حياته كقائد نشيط ملىء بالطموح وحّب الحياة  . ثم تزعم الرواية أن الطبيب العربى المشهور الحارث بن كلدة قد مات فى نفس اليوم مع أبى بكر متأثرا بهذا الطعام المسموم . وهذا خطأ فادح لأن الحارث بن كلدة عاش حتى أدرك خلافة معاوية . فى كتاب ( عيون الانباء فى طبقات الأطباء ) وهو كتاب متخصص فى تاريخ الأطباء يذكر إبن أصيبعة ، أن الحارث بن كلدة عاش وبقى (أيام رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية رضي اللَّه عنهم . وقال له معاوية : ما الطب يا حارث ؟  فقال :  الأزم ، يعني الجوع . )  يعنى لم يمت مع أبى بكر .

ثالثا  : عمر هو قاتل أبى بكر

1 ـ إنّ أبا بكر مات مسموما بمؤامرة ( عمر ) . فقد كان المسيطر على أبى بكر فى خلافته ، ثم كان المستفيد من موته فتولى الحكم بعده . وساعده طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف . وقد كانوا مع عمر فى مشهد موت أبى بكر ودفنه ومبايعة عمر بعده . وسنراهم فى مؤامرات تالية .

2 ـ  مات أبو بكر فجأة ، بعد خلافة قصيرة جدا ( 27 شهرا تقريبا ) ، وهى أقصر مدة خلافة بين أقرانه الخلفاء ( الراشدين ) . مات أبو بكر فى حياة أبيه أبى قحافة. مات أبو بكر وقت أن كان فى شدة حيويته وقمّة نشاطه ، يتابع الفتوحات فى العراق والشام ، ويمتلىء فخرا بانتصارات خالد ، ويراسل خالد بن الوليد وبقية القادة بالأوامر . مات فى وقت حاسم ، أثناء معركة اليرموك ، وفى غضون خلاف شديد مع عمر ، الذى كان يلحّ فى عزل خالد . ومع أن أبا بكر إعتاد طاعة عمر فإنّه أصرّ على الاحتفاظ بخالد قائدا ورفض إلحاح عمر بعزله . وكان عزل خالد قضية حياة أو موت بالنسبة لعمر وأبى سفيان ، فتم إغتيال ابى بكر ، وكان أول قرار  لعمر هو عزل خالد واهانته ومصادرة أمواله ومصادرة بيت مال أبى بكر الذى كان يتصرف فيه أبو بكر وحده بعيدا عن عمر .  

رابعا : : عمر يسارع بدفن أبى بكر ليلا وبلا جنازة

1 ـ ولأنها مؤامرة قتل فإن عمر أسرع بدفن الضحية ليلا ،وقبل صباح اليوم التالى ،  ودون جنازة يحضرها الناس ، بل ومنع النواح عليه . والروايات كلها تتفق فى دفن ابى بكر ليلا بمجرد وفاته ، دون أن ينتظر عمر للصباح . ونستعرض بعض الروايات  :

2 ـ عن دفنه ليلا بدون جنازة : يروى ابن سعد ( قال أخبرنا معن بن عيسى قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن بن أبي مليكة أن أبا بكر دفن ليلا ) ( قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا الوليد بن أبي هشام عن القاسم بن محمد قال دفن أبو بكر ليلا ) ( قال أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن أبا بكر الصديق دفن ليلا )( أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر دفن ليلا ) (.. توفي أبو بكر ليلا فدفناه قبل أن نصبح . )

3 ـ وغريب أن يتم دفن شخص ما ليلا فى الظروف العادية . فكيف بخليفة المسلمين ؟ التعجب من الدفن ليلا  ظهر فى هذا التساؤل : ( قال أخبرنا وكيع بن الجراح عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال سئل أيُقبر الميت ليلا ؟ فقال : قد قُبر أبو بكر بالليل .)

4 ـ (عمر ) هو الذى دفن أبا بكر ليلا : ( قال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال أخبرنا بن جريج عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن بن السباق أن عمر دفن أبا بكر ليلا ..)( قال أخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري قال أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن عبد الله عن بن شهاب بلغه أن أبا بكر دفن ليلا ، دفنه عمر بن الخطاب )( قال أخبرنا أنس بن عياض عن يونس بن يزيد الأيلي عن بن شهاب أن عمر دفن أبا بكر ليلا  ).

5 ـ و ( عمر ) هو الذى صلّى عليه . يقول ابن الأثير فى ( الكامل ) عن دفن أبى بكر ليلا وصلاة عمر عليه : ( ودفن ليلاً وصلى عليه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. )

6 ـ و(عمر) هو الذى أنزله قبره مع آخرين : يروى ابن سعد: ( قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن المطلببن عبد الله بن حنطب عن بن عمر قال حضرت دفن أبي بكر . فنزل في حفرته عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر. ). ويقول ابن الأثير فى ( الكامل ): ( ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة،)   

7 ـ وحتى يتم الأمر بهدوء فقد منع عمر السيدة عائشة من النواح على ابيها وهددها بالضرب بالدرة ،   يروى ابن سعد : ( قال أخبرنا عثمان ابن عمر قال أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيدبن المسيب قال :  لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح على أبي بكر ، فأبين أن ينتهين فقال لهشام بن الوليد أخرج إلى ابنة أبي قحافة ، فعلاها بالدرة ضربات،  فتفرق النوائح حين سمعن ذلك . ). ( قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن عائشة قالت توفي أبو بكر بين المغرب والعشاء فأصبحنا فاجتمع نساء المهاجرين والأنصار وأقاموا النوح وأبو بكر يغسل ويكفن ، فأمر عمر بن الخطاب بالنوّح ففرّقن،  فوالله على ذلك إن كن ليفرقن ويجتمعن ) .  ويذكر ابن الأثير فى ( الكامل ) ( وأقامت عائشة عليه النوح فنهاهن عن البكاء عمر فأبين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة، فأخرج إليه أم فروة ابنة أبي قحافة فعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوح حين سمعن ذلك. ) .

رابعا : عمر يسارع بالاستيلاء على بيت مال أبى بكر

 1 ـ فى بحث سابق لنا عن ( أبى بكر ) خدعتنا بعض الروايات عن أمانته المالية ، فأشدنا بأبى بكر ، واتخذناه حجّة ضد المستبد الحرامى فى عصرنا . والبحث منشور هنا ، وسبق نشره فى جريدة الدستور المصرية فى منتتصف التسعينيات . وحين دخلنا فى المقالات البحثية عن ( وعظ السلاطين ) تبين لنأ أن بعض الوعّاظ كان يختلق روايات تمدح أبا بكر وعمر بالعدل والأمانة ليطعن فى الخلفاء فى عصره ، وليعظهم بها إن أمكن . وهو نفس ما فعلته حين استشهدت بهذه الروايات مصدقا لها لآتخذ منها حُجّة على حرامية عصرنا . وأعترف هنا بخطئى فى موضوع أبى بكر بعد أن أعدت قراءة وتمحيص وفحص رواياته  .

2 ـ وتبين الآتى بايجاز : فوجىء أبو بكر والصحابة بالثروات التى وقعت فى أيديهم خلال المعارك الأولى لخالد بن الوليد فى العراق وما نهبه من المدن هناك ، وبعث بالخُمس منه لأبى بكر فى المدينة . كان هذا حدثا هائلا لم يروه من قبل . أبو بكر الذى إعتاد من قبل طاعة ( عمر ) أعطى نفسه حق التحكم فى توزيع هذه الأموال دون مشورة عمر ، وجعل لها مكانا خاصا . ولقد كان خالد بن الوليد هو محور الخلاف بين أبى بكر من ناحية وبين عمر وأبى سفيان من ناحية أخرى ، فمُعظم الغنائم جاءت من انتصاراته ، ومن البلاد الى أسرعت بالتسليم ودفع الجزية خوفا منه . واصبح خالد نجما ساطعا طموحا يهدد خطط أبى سفيان وعمر ، وأصبح بالتالى عنصر قوة لأبى بكر يستطيع به التحرر من سيطرة عمر وأبى سفيان ، وبالتحالف بين ابى بكر وخالد وبالغنائم يقوى أبو بكر فى مواجهة تسلط عمر وأبى سفيان . لذا رفض أبو بكر بكل إصرار عزل خالد ، ومعه كل الحق ، فلا يوجد سبب وجيه لعزل قائد عسكرى منتصر موهوب خصوصا إذا كان هذا العزل وسط معركة حاسمة يقودها هذا القائد . ولكن كل شىء يهون فى سبيل السلطة والثروة ،  ولذا أسرع عمر بقتل أبى بكر بالسّم ، واسرع بعزل خالد ، واسرع فى الاستيلاء على بيت المال ، وزعم أنه ليس فى بيت المال شىء ، وأن أبا بكر أنفقه فى سبيل الله .!! وذرف ( عمر ) دمعة على نزاهة أبى بكر الذى أتعب بأمانته من سيأتى بعده ..!!

3 ـ الروايات المصنوعة فى مناقب أبى بكر منها قول إبراهيم النخعي : ( كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته. ). هذا كلام إنفرد به ابراهيم النخعى الذى عاش فى عصر الحجاج بن يوسف ، فهو لم ير أبا بكر . وهو الوحيد الذى قال عن أبى بكر هذا :( كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته.  ) .

وهناك رجل مجهول من البصرة ذكر خبرا عن أبى بكر وعمر ، تقول الرواية فى ( الطبقات الكبرى لابن سعد : ( قال أخبرنا محمد بن عبيد قال حدثني وائل بن داود عن رجل من أهل البصرة ) لاحظ أننا لا نعرف هذا الرجل المجهول ، وكل ما نعرفه أنه رجل من البصرة ، ولم تكن البصرة موجودة فى عهد أبى بكر ..ما علينا .. دعنا نكمل الرواية عن هذا الرجل البصرى المجهول :  ( قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر ، فرآهما يوما مقبلين ، فقال : إن هذين لسيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين كهولهم وشبابهم إلا النبيين والمرسلين ) . وفى ضوء هدى القرآن الكريم  فهذه رواية كاذبة ، لأن النبى عليه السلام كان لا يعلم الغيب ، وكان مأمورا أن يعلن أنه ليس بدعا من الرسل وانه لا يدرى ماذا سيجرى له أو لهم فى الدنيا أو الآخرة ( الاحقاف 9 ) . ومع ذلك يصنعون رواية أخرة ينسبونها للشعبى تؤكد سابقتها : ( قال أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال أخبرنا ملك بن مغول عن الشعبي قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، فأقبلا ، أحدهما آخذ بيد صاحبه .  فقال : من سره أن ينظر إلى سيدي كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، فلينظر إلى هذين المقبلين. ).

4 ـ وفى الطبقات الكبرى لابن سعد روايات متناقضة فى ثروة أبى بكر أو تركته بعد موته : منها رواية تقطع أنه لم يترك شيئا : ( أخبرنا وكيع بن الجراح وأبو أسامة قالا أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب الله سكته . ).

وهناك روايات تقطع بأنّه ترك ثروة لورثته ، ومنهم أبوه أبو قحافة :( قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال ورث أبا بكر الصديق أبوه أبو قحافة السدس وورثه معه ولده عبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء وأم كلثوم بنو أبي بكر وامرأتاه أسماء بنت عميس وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج وهي أم أم كلثوم وكانت بها نسأ حين توفي أبو بكر رحمه الله ) ( قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة قال سمعت مجاهدا يقول : كلم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق رحمه الله .) .

5 ـ وهناك روايات مصنوعة زائفة تدافع عن ذمّة أبى بكر المالية . منها أنه أوصى قبيل موته بارسال ما زاد من ماله فى فترة خلافته الى الخليفة بعده ، أى عمر . فلما جىء لعمر بالمال بكى وقال :( لقد أتعب من بعده تعبا شديدا.). تقول الرواية :  ( قال أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير قالا أخبرنا الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت : لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي فإني قد كنت أستحله. قال وقال عبد الله بن نمير أستصلحه جهدي وكنت أصيب من الودك نحوا مما كنت أصيب في التجارة . قالت عائشة فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وإذا ناضح كان يسني عليه قال عبد الله بن نمير: ناضح كان يسقي بستانا له . قالت فبعثنا بهما إلى عمر. قالت : فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال : رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا. ) .

ورواية أخرى أنه أوصى بخمس ثروته التى جاءته من الفىء : ( أن أبا بكر أوصى بخمس ماله ، أو قال آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين .) ( قال أخبرنا عمرو بن عاصم قال أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة قال قال أبو بكر لي من مالي ما رضي ربي من الغنيمة فأوصى بالخمس .) ( قال أخبرنا عارم بن الفضل قال أخبرنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد : أن أبا بكر أوصى بالخمس ) .

ثم رواية مطولة فى نفس الموضوع : ( قال : جاءت عائشة إلى أبي بكر وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره ، فتمثلت هذا البيت‏:‏

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى    إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )

أى إن عائشة تتهم أباها ضمنا أن ما أغنى عنه ماله وما كسب . ولهذا غضب منها : ( فنظر إليها كالغضبان ثم قال : ليس كذلك يا أم المؤمنين ولكن : " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " ،  إني قد كنت نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا فرديه إلى الميراث قالت : نعم.  فرددته .) أى أعطاها بستانا وهى لا تستحقه ، فأمرها ان ترده الى ميراث العائلة ، فأطاعته . وتستمر الرواية وأبو بكر يمدح نفسه بعدها : (  فقال : أما إنا مند ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وأبرئى منهن ففعلت . ) . وهنا عبارة متناقضة ، كيف لم يأكل من بيت المال دينارا ولا درهما ، ثم فى نفس الوقت كان يأكل من طعامهم ويلبس من ثيابهم ، وكيف إقتنى عبدا وبعيرا ، وأمر بارسالها الى عمر وأن تتبرأ من ذلك عائشة ؟ ثم كيف تتفق هذه الرواية مع الرواية المشهورة التى قالوا أن أبا بكر فى أول خلافته خرج يمارس التجارة فمنعوه وفرضوا له مرتبا ، وطلب زيادته ( غلاء معيشة ) فزادوه .؟.. وتنتهى هذه الرواية الكاذبة بدموع عمر ـ كالعادة : ( فلما جاء الرسول عمر بكى ، حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ، ويقول : رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده . ) ومع ذلك ، يأمر عمر ـ ودموعه على خدّيه ـ  بقبض هذه الأشياء ، فيعترض عبد الرحمن بن عوف ويطلب إرجاعها الى ورثة أبى بكر فيرفض عمر ـ وطبعا كانت دموعه لا تزال تسيل على خده ، تقول الرواية : ( فلما جاء الرسول عمر بكى ، حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ، ويقول : رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده . يا غلام ارفعهن . فقال عبد الرحمن بن عوف : سبحان الله .! تسلب عيال أبي بكر عبدا حبشيا وبعيرا ناضحا وجرد قطيفة ثمن خمسة الدراهم ؟ قال : فما تأمر ؟ قال تردهن على عياله. فقال : لا والذي بعث محمدا بالحق ..لا يكون هذا في ولايتي أبدا ..خرج أبو بكر منهن عند الموت وأردهن أنا على عياله .؟ ! ..الموت أقرب من ذلك. ).

6 : الذى يتمشى مع المنطق وتسلسل الأحداث ، هو هذه الرواية ، مع وجود بعض خلل كالعادة فى تفاصيلها ننبّه عليه : ( .. وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن حنظلة بن قيس الزرقي عن جبير بن الحويرث قال وأخبرنا محمد بن هلال عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض ،) أى يقول ابن سعد أن تفصيلات أحاديثهم تداخلت مع بعضها ، ولهذا يحدث الخلل فى التفصيلات . ونقرأ الرواية : (  أن أبا بكر الصديق كان له بيت مال بالسنح معروف ليس بحرسه أحد . فقيل له : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجعل على بيت المال من يحرسه ؟ فقال : لا يخاف عليه .قلت :  لم ؟ قال : عليه قفل ) أى إتّخذ أبو بكر مكانا مّغلقا يحتفظ فيه بالمال دون حراسة ، إكتفاءا بوجود قفل عليه . ومفهوم هنا أن مفتاح القفل مع أبى بكر ، وأنه لا أحد غيره يدخل هذا المكان ، ولا احد يعرف مقدار مافيه ، ومقدار الوارد اليه والمنصرف منه . كل ذلك مع أبى بكر وحده . ولكن تقول الرواية بعدها :  ( قال وكان يعطي ما فيه حتى لا يبقى فيه شيء. )، فمن أعلمهم أنه يعطى كل ما فيه حتى لايبقى منه شىء ؟ وإذا كان الحال هكذا فلماذا يغلقه بالقفل ؟. وتمضى الرواية :  ( فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوّله ، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها .). أى أنشأ أبو بكر دارا جديدة فى المدينة وسكن الدار الجديدة ، وجعل منها جناحا لبيت المال ، وهذا طبعا بعد قدوم الغنائم بما لم يكن أبو بكر يتخيّله ، تقول الرواية : ( وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير ، وانفتح معدن بني سليم في خلافة أبي بكر ، فقدم عليه منه بصدقته ، فكان يوضع ذلك في بيت المال . فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقرا نقرا ، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا . وكان يسوي بين الناس في القسم الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير فيه سواء . وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله . واشترى عاما قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء .) أى إن أبا بكر هو الذى كان يتحكّم وحده فى المال ، وهو الذى يقوم وحده بتوزيعه . وكان عمر بعيدا عن هذا . وبالتالى لا بد أن تكون أول مهمة لعمر هى الاستيلاء على بيت المال ، وجرد ما فيه ، تقول الرواية : ( فلما توفي أبو بكر ودفن ، دعا عمر بن الخطاب الأمناء ، ودخل بهم بيت مال أبي بكر ومعه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهما ، ففتحوا بيت المال ، فلم يجدوا فيه دينارا ولا درهما . ووجدوا خيشة للمال فنقضت فوجدوا فيها درهما . فرحّموا على أبي بكر . ). دخل مع عمر أصحابه ممّن تآمر معه على قتل أبى بكر ، وبعد أن جردوا المال وصادروه أعلنوا أنه لا يوجد فيه شىء سوى درهم يتيم . وطبعا ترحّموا على ( أبى بكر ) . ولكن الشّك مع ذلك لم يفارقهم فى وجود المزيد ، فسألوا من كان يقوم بوزن الذهب والفضة : (وكان بالمدينة وزان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال ، فسئل الوزان : كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر ؟ قال : مائتي ألف .). هذا ما قاله الوزّان .

رواية أخرى فى نفس الموضوع تقول باختصار : ( وكانت له بيت مال بالسنح، وكان يسكنه إلى أن انتقل إلى المدينة، فقيل له: ألا نجعل عليه من يحرسه؟ قال: لا. فكان ينفق جميع ما فيه على المسلمين فلا يبقى فيه شيء، فلما انتقل إلى المدينة جعل بيت المال معه في داره. وفي خلافته انفتح معدن بني سليم، وكان يسوي في قسمته بين السابقين الأولين والمتأخرين في الإسلام وبين الحر والعبد والذكر والأنثى، فقيل له: لتقدم أهل السبق على قدر منازلهم، فقال: إنما أسلموا لله ووجب أجرهم عليه يوفيهم ذلك في الآخرة، وإنما هذه الدنيا بلاغٌ. وكان يشتري الأكسية ويفرقها في الأرامل في الشتاء.ولما توفي أبو بكر جمع عمر الأمناء وفتح بيت المال فلم يجدوا فيه شيئاً غير دينار سقط من غرارة، فترحموا عليه. ) .

نلاحظ هنا أن الرواية لم تتطرّق الى الغنائم التى جاءت لأبى بكر من خالد فى غزواته فى العراق ، والتى كانت سببا فى إصرار عمر على عزل خالد . فلما رفض أبو بكر قتله عمر .

وللحديث بقية مع خالد وعمر وأبى بكر وأبى سفيان .

 

الباب الثالث : مكر قريش مع صحابة الفتوحات 

الفصل الرابع :  خالد هو سبب قتل أبى بكر  

 مقدمة :

1 ـ يحتل بنو عبد مناف ( بنو هاشم وبنو عبد شمس وفرع بنى أمية بن عبد شمس ) موقع الصدارة فى قريش ، يليهم بنو مخزوم . ويأتى فى المؤخرة بنو تيم ومنهم أبو بكر ، وبنو عدى ومنهم عمر . وبدت  الحرب فى بدر وأحد والأحزاب وكانها صراع بين فرعى عبد مناف ؛ بنى هاشم وبنى أمية . ورضى بنو مخزوم السير فى ركاب أبى سفيان زعيم بنى أمية وبنى عبد شمس ، والذى أصبح سيد كنانة أى قريش كلها . واستخدم أبو سفيان كل أدواته فى حرب النبى ، ومنها جواسيسه وعملاؤه ، وكانوا من شتى بطون قريش ، منهم (عمر) من بنى عدى و ( عمرو ) من بنى سهم و ( خالد ) من بنى مخزوم .

2 ـ  وبدخول أبى سفيان الاسلام متأخرا أصبح عملاؤه سابقين له ، ومع ذلك كانوا يدينون له بالولاء خصوصا عمر وعمرو ، لأن بنى عدى وبنى سهم  ليسوا فى موضع المنافسة لبنى أمية بأى حال . الذى كان مرشحا للمنافسة هو خالد ، بنسبه المخزومى و عبقريته العسكرية التى ظهرت فى حرب الردة .

3 ـ وشعر أبو سفيان بخطورة وضع خالد وإعجاب أبى بكر به . وهو نفس شعور عمر الذى سيطر على أبى بكر وأقام له الخلافة بتهميش الأنصار وتهميش الهاشميين أسرة النبى . شعر عمر بأن خالد هو المنافس له بسبب إعجاب أبى بكر المتزايد به ، وشعر أبو سفيان بأن ولديه يزيد ومعاوية ليسا بشىء فى مجال الحرب مقارنة بخالد .  وكان أبو سفيان من قبل قد أرهب أبا بكر بتهديده بالحرب وإعلانه بأحقية بنى هاشم بالخلافة ، مما جعل أبا بكر يسترضيه بتعيين يزيد بن أبى سفيان قائدا فى حرب الردة ثم فى غزو الشام . ولكنّ تفوّق خالد فى حرب الردة أقلق أبا سفيان ، وجعل عمر يتسقّط خطايا  خالد ومنها قتله لمالك بن نويرة ، وطلب عزل خالد ، ولكن أبا بكر عصى عمر ، وعيّن خالدا قائدا لحرب بنى حنيفة ومسيلمة الكذاب . وكالعادة إنتصر خالد ، وأنهى حرب الردة . ووافق أبو بكر على التوسع عسكريا وغزو العراق والشام حتى لا يعود الأعراب الى الارتداد .  وهنا علا نجم خالد أكثر وأكثر ، وأصبح خطرا حقيقيا على مخططات أبى سفيان وعمر بن الخطاب .

4 ـ الواقع أنّ خالدا بعبقريته العسكرية وبعصبيته بقومه بنى مخزوم أصبح أكبر من ندّ لأبى سفيان ، وشتان بينه وبين إبنى أبى سفيان يزيد ومعاوية . ولو استمر خالد فى انتصاراته فسيحكم هو الشام والعراق ، ولن يكون فى المستقبل موضع للأمويين إلا بمقدار ما يسمح به خالد . وفى نفس الوقت فإن أبا بكر الذى كان يعمل حسابا لبنى أمية فسيمكنه الاستقواء ببنى مخزوم وبخالد . وفى كل الأحوال ففى وجود خالد فلا مكان لعمر بن الخطاب ونفوذه وسيطرته على ( ابى بكر ) . ومن هنا كان خالد هو مركز الصراع الذى أسفر عن التعجيل بقتل أبى بكر وعزل خالد وإهانته . هو  صراع مكتوم حول الثروة والسلطة  . 

5 ـ خالد هذا هو الذى يمثّل الثقافة الجاهلية فى السبى والسلب والنهب وقتل الأسرى . وهو الذى تبرأ النبى من عمله كما تقول الروايات . ولكن أصبح محور التنافس هنا لأن عبقريته فى الحرب المناقضة للاسلام هى أساس الصراع حوله . أما الاسلام فقد خرج من الساحة ، ببيعة السقيفة وتولية أبى بكر .

6 ـ ونعطى التفصيلات من مُجمل الروايات فى تاريخ الطبرى أساسا، والتى يغلب عليها التداخل والتقديم والتأخير ، والتناقض أحيانا .

أولا : أبو بكر يرفض عزل خالد بسبب قتله مالك بن نويرة 

 1 ـ كانت وصية أبى بكر لخالد فى حرب الردة  تخالف التشريع الاسلامى فى الحرية الدينية وفى القتال الدفاعى ، قال لخالد : ( ..إذا نزلتم منزلا فأذّنوا وأقيموا فإن أذّن القوم وأقاموا فكفوا عنهم . وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة ، ثم اقتلوهم كل قتلة ، الحرق فما سواه . وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم . فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم ، وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة ..)

وتم أسر مالك بن نويرة مع جماعة من قومه ، واختلف الشهود فى أمرهم هل أقاموا الصلاة أم لا . وفى كل الأحوال تنتهى الروايات بمقتل مالك وأصحابه بأوامر من خالد .وزاد من حرج موقف خالد أنه تزوج فى نفس الليلة من زوجة مالك أم تميم ابنة المنهال ، ( وتركها لينقضي طهرها ، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره.). وصمم عمر على عزل خالد : ( وقال عمر لأبي بكر : إن في سيف خالد رهقا ) وطلب قتل خالد قصاصا أو أن يؤدى الدية، وقال لأبى بكر :(" فإن لم يكن هذا حقا حق عليه أن تقيده ."  وأكثر عليه في ذلك.  وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ..فقال : هيه يا عمر .! تأول فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد. )ودفع أبو بكر دية مالك ورفاقه : (  وودى مالكا ، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ، فأخبره خبره ، فعذره وقبل منه. ) .

2 ـ وفى رواية أخرى: (  فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر ، وقال : عدو الله عدى على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته.  وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد ، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له ، قد غرز في عمامته أسهما . فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : " أرثاء ؟ قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ؟ والله لأرجمنك بأحجارك . " ، ولا يكلمه خالد بن الوليد .. حتى دخل على أبي بكر ، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك.  قال فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد ، فقال لهم : " هلم إلي يا ابن أم شملة".  قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه ، فلم يكلمه . ودخل بيته . )  . وكان خالد يشتم عمر بلقب ( ابن أم شملة ).

3 ـ بل كافأ أبو بكر خالدا فجعله قائدا لأكبر جيش توجه لحرب مسيلمة . تقول الرواية : ( فلما قدم خالد على أبي بكر من البطاح ، رضي أبو بكر عن خالد ، وسمع عذره ، وقبل منه ، وصدقه ، ورضي عنه ، ووجهه إلى مسيلمة وأوعب معه الناس ..) أى حشد له الناس جندا له .

ثانيا : إنتصارات خالد وغنائمه فى العراق

1 ـ وانتصر خالد وغنم وسبى بما لم يسبق له نظير ، وبعث بخُمس السبى والغنائم للمدينة ، تقول الرواية : ( وبعث خالد بالفتح وما بقي من الآخماس وبالفيل وقرأ الفتح على الناس .). أى بعث خالد للمدينة ببشارة النصر ، وخُمس الغنائم ، وبالفيل الذى كان مع جيش هرمز. وكان حجم الغنائم مبهرا ، ذاع به صيت خالد ، فى الجزيرة العربية ، وبين جنوده . فقد كان من الغنائم قلانس القادة الفُرس ، وكانت على قدر مكانتهم ، وبالتالى كانت قلنسوة القائد الفارسى هرمز مرصعة بالجواهر ، وقد وصلت ضمن الخمُس لأبى بكر فأهداها أبو بكر لخالد تقديرا له . تقول الرواية : (  كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قد أحسابهم في عشائرهم ، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف . فكان هرمز ممن تم شرفه، فكانت قيمتها مائة ألف ، فنفلها أبو بكر خالدا . وكانت مفصصة بالجوهر)  . وانبهرت نساء المدينة بالفيل وهو يُطاف به فى الشوارع : ( ولما قدم زرّ بن كليب بالفيل مع الأخماس ، فطيف به في المدينة ليراه الناس ، جعل ضعيفات النساء يقلن : أمن خلق الله ما نرى ؟!. ) . تخيّل شعور الأخ عمر بن الخطاب وقتئذ .!!.

2 ـ ونعم جنود خالد بغنائم ـ لم يتصوروها  ـ مع كل إنتصار:  ( وبلغ سهم الفارس في يوم "ذات السلاسل "و" الثني"  ألف درهم ، والراجل على الثلث من ذلك ). وكان خالد كريما مع جنوده:( وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت . وقسّم الفيء ، ونفل من الأخماس أهل البلاء ، وبعث ببقية الأخماس ، ووفد وفدا مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب . ) وكان هذا من موقعة واحدة هى موقعة المذار : ( وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة  . )، وكان إنتصاره فيها حاسما : ( وقتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق ، ولولا المياه لأتي على آخرهم . ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة ).

3 ـ وانفتح المجال لخالد فى العراق يتوسع فيه ، أو على حد قولهم ( تبحبح بشاطىء دجلة ) : ( كان أول من لقي خالد مهبطه العراق هرمز بالكواظم ، ثم نزل الفرات بشاطىء دجلة ، فلم يلق كيدا . وتبحبح بشاطىء دجلة ، ثم الثني ،ولم يلق بعد هرمز أحدا إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي قبلها ، حتى أتى دومة الجندل . ) . وبالتالى تعاظمت الغنائم وزاد السبى مع كل معركة : (وزاد سهم الفارس في يوم "الثني " على سهمه في " ذات السلاسل" . فأقام خالد "بالثني " يسبي عيالات المقاتلة ومن أعانهم .). ثم بلغ الأمر ذروته فى سلبهم لمدينة أمغيشيا:( لم يصب المسلمون فيما بين "ذات السلاسل" و"أمغيشيا "مثل شيء أصابوه في "أمغيشيا "، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء . ) وهتف أبو بكر باسم خالد حين وصله خُمس الغنائم ، وردّدوا جميعا مقالة أبى بكر فى مدح خالد ، تقول الرواية : (   وقالوا جميعا قول أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك : يا معشر قريش يخبرهم بالذي أتاه : عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله .! أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد .). يعنى عجزت نساء العرب أن يلدن مثل خالد .. يا ترى كيف كان شعور الأخ عمر بن الخطّاب ؟

 ثالثا : اموال خالد  وإهانة أبى سفيان هما الأسباب المباشرة فى قتل أبى بكر

1 ـ واضح أن خالدا كان يتصرف فى الغنائم بلا رقيب ؛ فهو الذى يحصيها ويحدد نصيب الفارس والجندى المترجل ، وهو الذى يقدّر الخّمس منها ويبعثه لأبى بكر . ومن المنتظر أن يستغل هذا المال فى إستقطاب الناس اليه ، وهذا ما أفرع عمر وأبا سفيان ، وهم يرون الناس يتوافدون على خالد يبتغون عطاياه . يقول الطبرى : ( لما رجع خالد ومعه أموال جزيلة من الصائفة، انتجعه الناس يبتغون وفده ونائله، فكان ممن دخل عليه الأشعث بن قيس، فأجازه بعشرة آلاف‏.‏ ) . وكان خالد يعطى زعماء القبائل ليضمن ولاءهم فى أى نزاع قادم ، وحين أعطى الأشعث بن قيس جُنّ جنون عمر . وكان هذا من أسباب التعجيل بقتل أبى بكر وعزل خالد . لذا كان من عقوبات خالد بعد عزله محاسبته على ما أعطاه للأشعث بن قيس . يقول الطبرى أن عمر  كتب إلى أبي عبيدة‏:‏ ( يأمره أن يقيم خالداً ويكشف عمامته، وينزع عنه قلنسوته، ويقيده بعمامته، ويسأله عن هذه العشرة آلاف، إن كان أجازها الأشعث من ماله فهو سرف، وإن كان من مال الصائفة فهي خيانة ، ثم أعزله عن عمله‏.‏ ) ونفّذ أبوعبيدة الأمر : ( فطلب أبو عبيدة خالداً، وصعد أبو عبيدة المنبر، وأقيم خالد بين يدي المنبر، وقام إليه بلال، ففعل ما أمر به عمر بن الخطاب هو والبريد الذي قدم بالكتاب‏.‏ هذا وأبو عبيدة ساكت لا يتكلم، ثم نزل أبو عبيدة واعتذر إلى خالد مما كان بغير اختياره وإرادته، فعذره خالد وعرف أنه لا قصد له في ذلك‏.‏)   

2 ـ واستقوى أبو بكر بخالد ، ورآها فرصة لاذلال أبى سفيان ، خصوصا وأن يزيد بن أبى سفيان ورفاقه قد هزمتهم الروم بينما يتنقل خالد فى العراق من نصر الى نصر .  وانتهز أبو بكر فرصة فبعث لأبى سفيان يهينه علنا على رءوس الأشهاد ، واضطر ابو سفيان أن يتملقه ويتذلل له . تقول الرواية : (  وبلغ ابا بكر عن ابى سفيان امر ، فاحضره واقبل يصيح عليه وابو سفيان يتملقه ويتذلل له . واقبل ابوقحافة فسمع صياح ابى بكر ، فقال لقائده : على من يصيح ابنى ؟ فقال له : على ابى سفيان . فدنا من ابى بكر ، وقال له : أعلى ابى سفيان ترفع صوتك يا عتيق ؟ وقد كان بالامس سيد قريش .! لقد تعديت طورك وجزت مقدارك.  فتبسم ابو بكر ومن حضره من المهاجرين والانصار، وقال له : يا أبت إن الله رفع بالاسلام قوما وأذل به آخرين .) .

أبو سفيان هذا كان من قبل أعزّ فرد فى قريش ، ونتذكر الرواية التى تقول : ( أهدى ملك اليمن عشر جزائر إلى مكة وأمر أن ينحرها أعز قريشي‏.‏ فقدمت وأبو سفيان عروس بهند بنت عتبة فقال له‏:‏ أيها الرجل لا يشغلنك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك فقال لها‏:‏ يا هذه دعي زوجك وما يختاره لنفسه والله ما نحرها غيري إلا نحرته‏.‏ فكانت في عقلها حتى خرج أبو سفيان في اليوم السابع فنحرها‏.‏ ). وتدور الأيام ويتعرض أبو سفيان لاذلال أبى بكر ، وهو الذى كان يهدد أبا بكر بعد السقيفة ويجعله يعين يزيد بن أبى سفيان قائدا . الآن تغير الوضع بانتصارات خالد فى العراق وتحالفه مع أبى بكر . لذا سارع أبو سفيان بالرحيل ولحق بابنه يزيد ، حيث يستعد العرب والروم للمعركة الفاصلة ، وهى اليرموك التى شارك فيها أبوسفيان محرّضا ، حرصا على مكانته هو وولديه يزيد ومعاوية . وكانت إهانة أبى بكر لأبى سفيان بمثابة إصدار الأمر بقتل أبى بكر ، والذى أسرع عمر بتنفيذه بالسم .

 رابعا : توجّه خالد من العراق  للشام ثم عزله    

1 ـ لا نتصور أن يجرؤ عمر على نصح أبى بكر بعزل خالد الذى ينتصر على الامبراطورية الفارسية فى كل معركة ،  ولكن هزم الروم المسلمين فى سوريا وقتلوا قائدهم خالد بن سعيد بن العاص ، وتفرقت جيوش المسلمين فى الشام ، مع استعداد الروم لحرب فاصلة معهم . هذه الظروف جعلت أبا بكر يأمر خالدا أن يترك العراق وأن يتوجه بجزء من جيشه لنجدة المسلمين فى هذه المحنة . تقول الرواية : ( ولما نزل المسلمون اليرموك واستمدوا أبا بكر قال : خالد لها ، فبعث إليه وهو بالعراق وعزم عليه واستحثه في السير ،  فلما أتى خالدا كتاب أبي بكر بذلك قال خالد : ( هذا عمل الأعيسر ابن أم شملة ـ  يعني عمر بن الخطاب ـ حسدني أن يكون فتح العراق على يدي ). أى فهم خالد أنها مكيدة من غريمه عمر . ومع ذلك أطاع خالد أمر أبى بكر ، واسرع بجزء من جيشه فلحق بجيوش العرب قبيل أن تنشب المعركة الفاصلة ( اليرموك ) .وقد حشد لها الروم 240 ألفا تحت قيادة باهان ، ومعهم (الشمامسة والرهبان والقسيسين يغرونهم ويحضضونهم على القتال . ووافق قدوم خالد قدوم باهان . فخرج بهم باهان  .. وتيمنت الروم بباهان وفرح المسلمون بخالد . ). وتولى خالد القيادة: ( وحرد المسلمون وحرب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف  .. والمسلمون سبعة وعشرون ألف ممن كان مقيما إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف فصاروا ستة وثلاثين ألفا . فولى خالد قتاله ، وقاتل الأمراء من بإزائهم ، فهزم باهان وتتابع الروم على الهزيمة فاقتحموا خندقهم . ) . أثناء المعركة وقبيل النصر مات أبو بكر ، تقول الرواية : ( ومرض أبو بكر رحمه الله في جمادى الأولى وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال .ومات أبو بكر رحمه الله مع الليل فدفنه عمر ليلا  .!!). وتولى عمر فكان أول قرار له عزل خالد . إتّخذ هذا القرار وقت اندلاع معركة اليرموك ، ووصل رُسل عمر بالقرار بعدها .

2 ـ وتختلف الروايات فى تفاصيل وصول الخبر بعزل خالد . ومنها : ( قدم بوفاة أبي بكر إلى الشأم شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري ومحمية بن جزء ويرفأ . فكتموا الخبر الناس حتى ظفر المسلمون . وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوهم من الروم وذلك في رجب .  فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبي بكر وولايته حرب الشأم . وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس . )   ( وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد . فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق ، وجرى الصلح على يدي خالد وكتب الكتاب باسمه. فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم الذي قاتل المسلمين بهرقل . وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب . وأظهر ابو عبيدة إمارته وعزل خالد بن الوليد. )

وهناك رواية لابن اسحاق يربط فيها عزل خالد بإهانته وتحقيره ومصادرة أمواله . يقول الطبرى : ( وأما ابن إسحاق فإنه قال في أمر خالد وعزل عمر إياه ...قال : إنما نزع عمر خالدا في كلام كان خالد تكلم به فيما يزعمون ، ولم يزل عمر عليه ساخطا ولأمره كارها في زمان أبي بكر كله ..فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله فقال لا يلي لي عملا أبدا ) أى تكلم خالد كلاما أغاظ عمر فأراد عمر من أبى بكر أن يعزل خالدا ، وحين تولى عمر الخلافة أسرع بعزل خالد : ( فكتب عمر إلى أبي عبيدة : إن خالد أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه، ثم انزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين . فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد قال : "أنظرني أستشر أختي في أمري ." ففعل أبو عبيدة . فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد ، وكانت عند الحارث بن هشام ،  فذكر لها ذلك . فقالت: " والله لا يحبك عمر أبدا وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. " ،  فقبل رأسها ، وقال : " صدقت والله. " ،  فتم على أمره وأبى أن يكذب نفسه ، فقام بلال مولى أبي بكر إلى أبي عبيدة فقال : "ما أمرت به في خالد؟ " قال : " أمرت أن أنزع عمامته وأقاسمه ماله.".  فقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه فقال أبو عبيدة : "إن هذا لا يصلح إلا بهذا" . فقال خالد : " أجل ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين فاصنع ما بدا لك ." فأخذ نعلا وأعطاه نعلا . )

خامسا : موتة خالد الغامضة

1 ـ ومات خالد معزولا ، مات على فراشه متحسرا ، سنة إحدى وعشرين بحمص. ونعتقد أنه مات مسموما كأبى بكر .

2 ـ وللتعتيم على ميتته الغامضة والسريعة قام معاوية بتعيين عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليا من لدنه على حمص . وكان معاوية هو الذى يحكم الشام كله . ومع ذلك فإن شبح خالد بن الوليد كان يؤرق معاوية ، خصوصا وإن إنتصاراته فى العراق كانت لا تزال حيّة بين العرب هناك ، ومعظمهم كان من جُند خالد فى الفتوحات ثم سكنوا الكوفة والبصرة بعد تأسيسهما . وكان العراق مركز المعارضة لبنى أمية . وكانوا يسخرون من معاوية ويتوعدونه ويفخرون بانتصاراتهم على الفرس فى غزوة ذات السلاسل . ولذا عاش عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مّحاطا باسطورة أبيه . وفى خلافة عثمان جاء اليه المغضوب عليهم من عثمان والذين عاقبهم عثمان بالتسيير ، فاستدعاهم عبد الرحمن بن خالد وهددهم قائلا : (أنا ابن خالد بن الوليد.!.  أنا ابن من قد عجمته العاجمات .!. أنا ابن فاقئ الردة .!. والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذل أن أحدا ممن معي دق أنفك ثم أمصك لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى ) .

وبنفس الغطرسة كان عبد الرحمن يتكلم مع معاوية نفسه ، تقول الرواية ( قال عبدُ الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة لمُعاوية‏:‏ أما واللّه لو كُنَّا بمكة على السواء لعلمتَ‏!‏ قال مُعاوية‏:‏ إذاً كنتُ أكون مُعاوية بن أبي سفيان مَنْزلي الأبْطح يَنشقّ عنِّي سَيْلُه وكنتَ عبدَ الرحمن بن خالد منزلُك أَجياد أعْلاه مَدَرَة وأسفله عَذِرة‏.‏) .

3 ـ  وكان معاوية كعادته يحلم ويتغاضى . ولكن عندما قرر أن يجعل إبنه يزيد ولى عهده فقد سار فى خطة مزدوجة ذات خطين متوازيين فى نفس الوقت ، هما التخلص من أى شخص محتمل أن ينافس ابنه يزيد فى الخلافة ، وإرهاب الشيعة و التخلص من قادتهم تمهيدا للتوريث .فكان قتل حُجر بن عدى الكندى ، وحمل عام 46 هجرية خبر إغتيال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، تقول الرواية : ( وكان سبب موته أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ، ومالوا إليه ، لما عندهم من آثار أبيه ، ولغنائه في بلاد الروم ، ولشدة بأسه ، فخافه معاوية وخشي على نفسه منه ، وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله ، وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن يوليه جباية خراج حمص‏.‏ فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربةً مسمومة مع بعض مماليكه ، فشربها فمات بحمص ، فوفى له معاوية بما ضمن له‏.‏ ). عاش عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يحمل شهرة أبيه خالد بن الوليد بطل الفتوحات . ولم يكتف بشهرة أبيه إذ أصبح من أبطال القواد فى الحرب المستمرة بين الروم والأمويين ، وكان يعود من غزواته بازدياد مستمر فى شهرته . وبهذه الشهرة يكون منافسا خطيرا ليزيد فى حالة التوريث . لذا كان لا بد من التخلص منه .وكان السم أفضل وسائل معاوية فى الاغتيال .

بالسم قتل معاوية الأشتر النخعى قائد (على) قبل أن يتولى حكم مصر من قبل (على ). وبعدها بالسم تم قتل (الحسن بن على) والذى كان مفروضا أن يلى الخلافة بعد معاوية تنفيذا للاتفاق بينهما فى عام الجماعة . وفى كل حالات الاغتيال يقوم طرف آخر بتلك المهمة القذرة .

4 ـ وبالسم مات من قبل خالد بن الوليد ، وقبله وبالسم مات أيضا أبو بكر . .

وقد تخصص الأمويون فى جريمة الاغتيال بالسّم ، حتى استعملوه فى صراعاتهم الداخلية . وسبق لنا نشر بحث عن إغتيال الخليفة سليمان بن عبد الملك بالسم ، تحت عنوان : ( التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ).

 

الباب الثالث  : مكر قريش وصحابة الفتوحات

الفصل الخامس   : انتهاك الأشهر الحرم فى خلافة أبى بكر    

مقدمة :

1 ـ الفتوحات هى من أكبر الكبائر فى شرع الرحمن ، ولكن أصبحت من معالم دين السّنة بالذات ، بل وأصبح كبار المجرمين الذين بدءوا بها كأبى بكر وعمر آلهة مقدسة لدى المسلمين  ، والدليل هو الفزع الذى يصيب القارىء لهذه المقالات التاريخية ، ويهرب بعضهم بإنكار التاريخ جملة وتفصيلا ، يعنى أما أن يكون التاريخ كما تعلمه تقديسا لأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وبقية الصحابة ، وإما فلسنا بلا تاريخ ، ولا يجوز عنده وجود علم إسمه البحث التاريخى ، حتى لو كان يبحث التاريخ المعتمد من الدين السّنى ذاته .

2 ـ هذا يؤكد فساد التعليم الذى نشأنا عليه ، ويؤكد بنفس القدر أهمية إعادة قراءة تاريخ العرب المسلمين بمنهج علمى كما يفعل الغرب . وبالنسبة لنا فيجب عرض هذا التاريخ على القرآن الكريم ، وهو الميزان ، كى نتخلص من تقديس البشر والحجر .

3 ـ فقد وصل بعضهم الى تقديس (عمر ) أكثر من تقديسه لله جل وعلا ، فالالحاد يصل الى سبّ رب العزة ، وأصبح هذا عاديا لا يلتفت اليه السنيون ، ولكنهم ينتفضون غضبا من بحث علمى يُظهر ( عمر ) على حقيقته التاريخية من خلال التراث السّنى نفسه .

4 ـ وهذه مصيبة عقلية ودينية لا يدانيها إلّا ما يفعله المسلمون بأنفسهم الآن ، وهم يسيرون على (سنّة الصحابة ) فى الفتنة الكبرى . هو نفس المسلسل الدامى البائس من معركة الجمل الأولى فى عهد ( على بن أبى طالب ) حتى الآن .!!.

5 ـ إن لم نبحث تاريخ الصحابة فى ضوء القرآن الكريم فسنظل نقتل بعضنا ، يهتف القاتل ( الله أكبر ) ويهتف القتيل ( الله أكبر ) . ويظل الاسلام متهما بالارهاب والتخلف والوحشية.!

أولا : انتهاك شرع الاسلام فى الفتوحات فى عهد أبى بكر

1 ـ نُعيد التأكيد بأنّ الاسلام هو دين العدل والقسط والحرية ، وأنّ الكفر هو دين الظلم والاستبداد والاستعباد . وقامت ثقافة العصور الوسطى على أساس الظلم والاستبداد والاستعباد ، وبها كان التواتر القرشى . ونزل القرآن يرسى دعائم العدل ويضع حلولا جذرية لاستئصال جريمة الاسترقاق ، منها المنع من المنبع ، وهى الاسترقاق ، فيحرم استرقاق الانسان من البداية . ولتحرير الرقيق الموجود فعلا نزلت تشريعات تشجع على هذا وتجعله ضمن الصدقات والكفّارات ، مع وجوب معاملة الرقيق كصاحبه تماما فى المال . ولكن سرعان ما عاد السبى والاسترقاق بعد موت النبى عليه السلام ، وكان خالد بن الوليد بطل حرب الردة والفتوحات ، وبطل استرقاق المنهزمين وقتل الأسرى والسلب والنهب . ونعطى أمثلة:

2 ـ تحت عنوان : ( ذكر ردة أهل عمان ومهرة ) يلخّص ابن الأثير فى الكامل روايات الطبرى ، يقول عن حرب خالد لقوم ربيعة بن بجير وأن خالد قاتله (.. وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب . ). أى سرعان ما عاد الصحابة الى تشريعات الجاهلية فى السبى بمجرد موت النبى ، وبداية من حرب الردة . وأصبح هذه شريعة عملية لا تستوجب إنكارا ، لأنها تتفق مع الشرع السائد فى العالم وقتها ، وتعامل بها المسلمون فيما بينهم وفى تعاملهم مع الروم ، فكان قتل الأسرى وسبى المقاتلين وذراريهم سائدا فى الحروب بين المسلمين ، وبينهم وبين الروم . ثم قام ابن اسحق فى سيرته فنسب هذا الإفك للنبى عليه السلام ، أنه كان يقتل الأسرى ، وأنه كان يسبى النساء .

3 ـ وفى موقعة ( الثنى ) التى هزم فيها خالد الفّرس فى العراق ، تقول الروايات (   وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً. وكان في السبي أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً. ). أى من أبناء السبى والسبايا جاء جيل أبناء الموالى الذين تزعموا الحركة العلمية فى العصر الأموى ، ومنهم ابن اسحاق والحسن البصرى وربيعة الرأى .

4 ـ وفى موقعة ( عين التمر ) انهزم العرب الموالون للفرس واسر خالد زعيمهم ( عقة ) وقتله ، تقول الرواية عن خالد :( وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم.فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى، وقتل عقة ثم قتلهم أجمعين،  وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء، منهم: سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى، وحمران مولى عثمان. وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس ). هنا قتل للأسرى وسبى للأطفال وسلب للأموال.

5 ـ وفى موقعة دومة الجندل ، رفض زعيمها أكيدر قتال خالد وأشار على قومه بالصلح فرفضوا ، فتركهم بمن معه ، وبعث خالد فرقة من جيشه أسرت أكيدر وقتلته وسلبت ما كان معه . ثم قاتل خالد من بقى بالمدينة وأسر قائدهم الجودى وقتله وقتل الأسرى ، واستولى على الحصن (  فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية .. فباعهم، واشترى خالد ابنة الجودي، وكانت موصوفةً.بالجمال ).

6 ـ وفى موقعة الثنى والزميل شرقى الرصافة ، تقول الروايات عن خالد وجنده وهزيمته للعرب الموالين للفرس : ( وجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، بنت ربيعة بن بجير التغلبي، فاتخذها فولدت له عمر ورقية. ) ( ولما انهزم الهذيل بالمصيخ لحق بعتاب بن فلان، وهو بالبشر، في عسكر ضخم، فبينهم خالد ( أى هاجمهم ليلا ) بغارة شعواء من ثلاثة أوجهٍ قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة، فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها وقسم الغنائم، وبعث الخمس إلى أبي بكر . )

7 ـ وفى موقعة الولجة بعد موقعة الثنى ( ...انهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ومضى الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً، وأصاب خالد ابناً لجابر بن بجير وابناً لعبد الأسود من بكر بن وائل، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم.). تأمين الفلاحين ليس شفقة بهم ولكن  لأنهم أدوات الانتاج المسخرين للزراعة.
8 ـ موقعة أليس : وفيها صمد العرب والفرس فى مواجهة خالد فنذر خالد إن ظفر بهم فلن يترك منهم احدا وسجعل النهر أحمر بدمائهم ، تقول الرواية : (
فاقتتلوا قتالا شديدا والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه فصابروا المسلمين ..وحرب المسلمون عليهم . وقال خالد : اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم .) وانهزموا ، ( فأمر خالد مناديه فنادى في الناس : " الأسر الأسر. لا تقتلوا إلا من امتنع " ، فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين ، يُساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر . ففُعل ذلك بهم يوما وليلة ، وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى انتهوا إلى النهرين ومقدار ذلك من كل جوانب أليس فضرب أعناقهم . ) مع ذلك فلم تكف دماؤهم لصبغ النهر باللون الأحمر .! ( وقال له القعقاع  .. : " لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم ..  فأرسل عليها الماء تبر يمينك ." وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده ، فجرى دما عبيطا فسمي : " نهر الدم " لذلك الشأن إلى اليوم. وكانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية عشر الفا أو يزيدون ثلاثة أيام .! ) ( وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من بني عجل وكان دليلا صارما ، فقدم على أبي بكر بالخبر وبفتح أليس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس وبأهل البلاء من الناس . فلما قدم على أبي بكر فرأى صرامته وثبات خبره قال : ما اسمك ؟ قال : جندل . قال : ويها جندل نفس عصام سودت عصاما  وعودته الكر والإقداما . وأمر له بجارية من ذلك السبي ، فولدت له ... وبلغت قتلاهم من أليس سبعين ألفا . جلهم من أمغيشيا ). أبعد هذا ..وحشية ؟!!

9 ـ وارتعب أهل أمغيشيا مما حدث فى أليس فتركوا مدينتهم هربا من خالد وخوفا من الفتل والسبى . تقول الرواية  ( لما فرغ خالد من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد . ومن يومئذ صارت السكرات في السواد . فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها . وكانت مصرا كالحيرة . وكان فرات بادقلى ينتهي إليها . وكانت أليس من مسالحها فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط . )، أى كانت الغنائم من مدينة أمغيشيا فوق التصور ، لأن أهلها نجوا بأنفسهم تاركين خلفهم كل ثرواتهم ، فنهبها خالد . وكالعادة بعث بالخُمس لأبى بكر ..

10 ـ موقعة الفراض ، وفيها ( اقتتلوا قتالا شديدا طويلا ) وانتصر خالد . ( وقال خالد للمسلمين :" ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم " ، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه ، فإذا جمعوهم قتلوهم . فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مائة ألف . وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة . )..قتلوا مائة الف ، جريمتهم أنهم كانوا يدافعون عن أوطانهم ...!!

11 ـ وفى طريق خالد الى الشام لنجدة المسلمين (  أتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم، وأتى المصيخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم.وكان من السبي الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن علي ابن أبي طالب. ) . يعنى أن عليا بن أبى طالب الذى لم يشارك فى الغزو ، تمتع بثمرات الغزو ، بعد موت السيدة فاطمة الزهراء فكان ( يتسرى) باجمل بنات السبى ، وأنجب منهن . نعود لخالد : (.. ، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى  ) ( ...ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد.. ثم سار حتى وصل إلى بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم، فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد.. وبعث بالأخماس إلى أبي بكر. ) . تُرى ... كم وصل لأبى بكر من (فتوحات ) خالد وومن سلبه ونهبه لثروات العراق والفرس ؟ لذا كان التعجيل بقتله ودفنه ليلا والاستيلاء على بيت المال.

ثانيا : إنتهاك الأشهر الحُرم فى خلافة أبى بكر وفتوحاته

 فى الفتوحات إنتهك الصحابة كل الأشهر الحرم . لا فارق بين ذى الحجة ومحرم . وروايات الفتوحات كانت تذكر بعض الأحداث بشهورها . ونشير الى بعض المعارك التى وقعت فى خلافة أبى بكر وقت  الأشهر الحرم ( ذو الحجة / محرم / صفر / ربيع الأول ) بالذات ، وفى النّص المنقول نضع الشهر الحرام بين قوسين.

 1 ـ  يروى الطبرى أن أبا بكر بعد إنصرافه من مكة أرسل الى خالد بن الوليد بعد هزيمة المرتدين يأمره بمتابعة الزحف لفتح الشام (.. ففيها وجه أبو بكر رحمه الله الجيوش إلى الشأم بعد منصرفه من ( مكة ) إلى المدينة .) (: لما قفل أبو بكر من الحج سنة اثنتي عشرة جهز الجيوش إلى الشأم فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشأم ). أى حين إنصرف من مكة ( البلد الحرام ) كان أبو بكر فى شهر حرام هو ذو الحجة ، وفيه أصدر قراره بانتهاك هذا الشهر الحرام بالعدوان على العراق والشام ولم يكن سكان هذه البلاد أو الفرس والروم  قد بدأوه بحرب . يقول الطبرى عن حملة خالد : ( .. أن أبا بكر رحمه الله وجه خالد بن الوليد إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني فسار في (المحرم) سنة اثنتي عشرة فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة السدوسي ) أى سار خالد يغزو باسم ابى بكر فى شهر حرام هو شهر المحرم .

2 ـ واشتعلت الحرب التى أعلنها ابو بكر من جانب واحد ، وجرت أنهار الدماء بداية من الشهر المحرم ( محرم) عام 12 هجرية ، وما تلاه من أشهر حرم وغير حرم . وفى المناجزات الحربية الأولية فى الشام بين الروم والعرب قبل مجىء خالد وموقعة اليرموك يروى الطبرى : (وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزل عليهم بحذائهم على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم فقال عمرو: أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم وقلما جاء محصور بخير. فأقاموا بإزائهم وعلى طريقهم ومخرجهم (صفر) من سنة ثلاث عشرة وشهري ( ربيع) ، لا يقدرون من الروم على شيء ولا يخلصون إليهم اللهب وهو الواقوصة من وراهم والخندق من أمامهم ولا يخرجون خرجة إلا أديل المسلمون منهم حتى إذا اسلخوا شهر (ربيع الأول ( وقد استمدوا أبا بكر وأعلموه الشأن في صفر فكتب إلى خالد ليلحق بهم وأمره أن يخلف على العراق المثنى فوافاهم في ( ربيع). ). وضعنا الأشهر الحرم بين قوسين .

3 ـ  وعن موقعة أمغيشيا يقول الطبرى إنها وقعت فى شهر صفر : ( في (صفر)، وأفاءها الله عز و جل بغير خيل . ) أى هرب أهلها منها رعبا من سيوف الصحابة . ترك أهل أمغيشيا بلدهم لينجو بحياتهم ، وكانت بلدا عظيمة وعاصمة للاقليم فنهبها خالد بن الوليد ثم دمّرها تماما حتى لم يعد لها وجود . حدث هذا فى شهر صفر الحرام .!! يقول الطبرى : ( لما فرغ خالد من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا ، وقد أعجلهم عما فيها ،  وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد ( أى ريف العراق ) ، ومن يومئذ صارت السكرات في السواد ، فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها . وكانت مصرا كالحيرة وكان فرات بادقلى ينتهي إليها . وكانت أليس من مسالحها . فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط ...لم يصب المسلمون فيما بين ذات السلاسل وأمغيشيا مثل شيء أصابوه في أمغيشيا ، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء . وقالوا جميعا : قال أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك : يا معشر قريش ـ يخبرهم بالذي أتاه ـ عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد. ! ) لم يفعل أهل أمغيشيا ضرا بأى بكر أو الصحابة ، ولكن أبابكر وصحابته سرعان ما ابتدعوا دينا يجعل الجهاد فى قتل المسالمين و سلب اموالهم وتدمير بلادهم ، ثم يفخر أبو بكر بما ارتكبه خالد من جرائم حرب ، بعد أن وصلت اليه بقية الغنائم .والطبرى المؤرخ السنى الحنبلى يجعل هذه الجريمة بأهل أمغيشيا الضحايا المساكين وبلدهم المنكوب عملا يرضى عنه رب العزة بل ينسبه لله جل وعلا ويجعله فيئا أفاء الله جل وعلا به على أولئك الغزاة المعتدين ، فيقول : ( في صفر وأفاءها الله عز و جل بغير خيل . ) .

والذى كان يسارع بالخنوع والخضوع ويبادر بدفع الجزية كان يحقن دمه ودم قومه فى دين خالد بن الوليد وأبى بكر الصديق . يروى الطبرى : ( أن أبا بكر رضي اللّه عنه كتب إلى خالد يأمره أن يسير إلى العراق ، فمضى خالد يريد العراق ، حتى نزل بقُريات من السواد يقال لها‏:‏ بانِقْيا وبارُوسْما وألَيْس ، فصالحه أهلها ، وكان الذي صالحه عليها ابن صَلوبا ، وذلك في سنة اثنتي عشرة ، فقبل منهم خالد الجزية وكتب لهم كتابًا فيه‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد لابن صلوبا السَّواديّ ومنزله بشاطىء الفرات إنك آمن بأمان اللّه إذ حقن دمه بإعطاء الجزية وقد أعطيت عن نفسك وعن أهلك خَرْجك وجزيرتك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلتها منك ورضي من معي من المسلمين بها منك ، ولك ذمة اللّه وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك‏.‏  ) .  صاحبنا دفع الجزية فنجا هو وقومه . إمّا إن أراد أن يدافع عن نفسه وشرفه وبيته وماله وممتلكاته ووطنه فحكمه فى دين أبى بكر وخالد القتل له ولأهله السبى والاسترقاق ولممتلكاته السلب والنهب . هذا إثم فظيع ، ولكنّ الأفظع أن يرتكبوا هذا ياسم الاسلام . وهو منهم برىء . فقبل سنوات أمرهم الله جل وعلا باتباع طريق السلام فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) وقد حذّرهم رب العزّة مقدما فقال ( فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)(البقرة )، ولكنهم ارتكبوا ذلك واتبعوا خطوات الشيطان يتمسحون باسم رسول الاسلام الذى بعثه الله رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)(الأنبياء)،فجعلوا الاسلام قتلا للعالمين .!!

4 ـ يقول الطبرى عن معركة أخرى فى شهر صفر الحرام : (وكانت وقعة المذار في (صفر) سنة اثنتي عشرة‏.‏)، وفيها هُزم الفرس : (وقتل من فارسثلاثون ألفًا سوى من غرق وأعطى خالد الأسلاب من سلبها وقسم الفيء وبعث ببقية الأخماس مع سعيد بن النعمان ) ، أى بعثها لأبى بكر فى المدينة . ولنتذكر أن الفىء هذا يشمل السبابا من النساء والأطفال ، أى ساروا بهم من فارس الى المدينة ، بعد فصل الامهات عن اولادهن وبناتهن والتفريق بين العائلات وقتل الرجال . ثم ينتهى المطاف بمن يبقى حيا ليكون رقيقا ومولى فى المدينة ، يقال له من أبناء الموالى ، والذين أصبحوا جيلا كاملا فيما بعد جاء من ذرية أولئك السبابا الأطفال والبنات . ومات أبو بكر أثناء فتوح الشام ، وقبيل معركة اليرموك ، التى حدثت فى شهر (ربيع ) الحرام سنة 13 .  

ثالثا : لماذا إنتصر العرب ؟

1 ـ  تقول الروايات : ( وقام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب ، وقال : ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب ؟!. وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه . وسار خالد في الفلاحين بسيرته ، فلم يقتلهم وسبى دراري المقاتلة ومن أعانهم ودعا أهل الأرض إلى الجزاء ( الجزية ) والذمة فتراجعوا. ) .

نحن هنا أمام قوم جوعى للثراء والنساء ، يريدون السلب والنهب وتسخير الفلاحين ، ويجعلون مبررا دينيا للغزو والسلب والنهب والسبى ، فيغلّفون شهواتهم باسم الجهاد فى سبيل الله .! وهو جهاد فى سبيل الشيطان ، استحلّ الأشهر الحُرُم ، واستحل قتل التفس التى حرّم الله جل وعلا قتلها إلا بالحقّ ، أى بالقصاص فقط .

أخيرا

1 ـ قاتل أبو بكر قوما مسالمين له ، لم يبدأوه بعدوان ، ولم يبعثوا بجيوشهم الى المدينة ، بل هو الذى أرسل جيوشه من المدينة لقتالهم ، وأسرف خالد فى قتل الأسرى من المقاتلين الأبطال الذين يدافعون عن أنفسهم وأهاليهم وأرضهم واموالهم ونسائهم . وسبى خالد ذراريهم ونساءهم ، وفرّقهم على جنده ، وبعث بخُمس السلب والسبى الى أبى بكر فى المدينة ، واستمتع الصحابة فى خريف العمر وعلى رأسهم ( على بن أبى طالب ) بهؤلاء النساء . وانجبوا منهن الذرية .

2 ـ  إن الله جل وعلا كما أوجب عدم الظلم فى الأشهر الحُرُم ، فإنه جل وعلا كذلك جعل من أفظع الجرائم قتل إنسان مسالم مؤمن مأمون الجانب ، وأى إنسان مُسالم مأمون جانبه لا يقتل الناس فإنّ قتله من أفظع الجرائم فى شرع الله جل وعلا .

 3 ـ وفى بحث ( الاسلام دين السلام ) قلنا : (  ومع وضوح الصلة بين المفهوم الاسلامي والايمان وتشريعات القتال ،الا ان تشريعات القرآن جاءت بتأكيدات اخرى حتى تقطع الطريق علي كل من يتلاعب بتشريعات القرآن ومفاهيمه ،ونعطي لذلك مثالا ساطعا في سورة النساء وهي تتحدث عن حرمة قتل انسان مسالم مؤمن مأمون الجانب ،تقول الاية 92 من سورة النساء (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً ) أي لايمكن ان يقتل مؤمن مسالم مؤمنا مسالما الا علي سبيل الخطأ، او بمعني اخر لا يمكن ان يتعمد المؤمن المسالم قتل المؤمن المسالم الاخر، ثم تتحدث الاية عن الدية المفروضة واحكامها .

وتتحدث الاية 93 عن عقوبة قتل المؤمن المسالم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) ) ، فالذي يقتل مؤمنا مسالما جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم ولعنة الله وغضبه ،وهي عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق رأس احد من الناس يوم القيامة . وتتحدث الاية 94 عن ذلك المؤمن المسالم الذي تحرص تشريعات القرآن علي حقه في الحياة: يقول تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ) ، أي في ساعة المعركة علي المؤمنين ان يتبينوا حتي لا يقعوا في جريمة قتل انسان مسالم شاء سوء حظه ان يوجد في الميدان. ويعطى القرآن مسوغا للنجاة لكل مقاتل في الجهة المعادية فيكفي ان يقول (السلام عليكم ) ، فاذا القاها حقن دمه واصبح مؤمنا مسالما  حتي في ذلك الوقت العصيب ،أي ان المسلم المسالم المؤمن هو من يقول (السلام) حتي في ساعة الحرب واذاتعرض للقتل فان قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه .

واذا كان محاربا يقتل المسلمين في الحرب ثم بدا له ان يراجع نفسه فما عليه الا ان يعلن الاستجارة ،وحينئذ تؤمن حياته او يعطي الامان، ويسمعونه القرآن حتي يكون سماعه للقرآن حجة عليه يوم القيامة ،ثم علي المسلمين ايصاله الي بيته في امن وسلام، وذلك معني قوله تعالي:( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)التوبة 6). انتهى النقل .

4 ـ لذا نؤكّد أن الفتوحات التى قام بها أبو بكر وعمر وعثمان ومن جاء بعدهم هى أكبر ردّة  عن الاسلام . قالوا للآخر (لَسْتَ مُؤْمِناً ) وهجموا عليه يقتلون ويسبون وينهبون يبتغون عرض الحياة الدنيا ، مع إن الله جل وعلا حذرهم قبلها بعدة سنوات فقال : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ) .!!

الباب الثالث  : مكر قريش وصحابة الفتوحات 

الفصل السادس   :  أبو سفيان فى خلافة ( عُمر)    

 أولا : تولى عمر الخلافة

 1 ـ بمجرد موت أبى بكر ودفنه ليلا تولى عمر الخلافة فى الصباح التالى مباشرة. تقول الرواية : ( توفي أبو بكر الصديق مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادىالآخرة سنة ثلاث عشرة ، فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر رحمهالله ) . وهذا يشير الى مؤامرة رتبت لكل شىء ، وهناك رواية تذكر أن أبا بكر وقت إحتضاره أملى على عثمان كتابا باستخلاف ( عمر ) ، فى حضور ( عمر )، وأن أبا بكر وهو يملى الكتاب فقد الوعى قبل ان يذكر إسم ( عمر ) خليفة له ، فسارع عثمان بكتابة اسم عمر ، فلما أفاق أبو بكر رضى بما كتبه عثمان . تقول الرواية ( ..  لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذُهب به قبل أن يسمي أحدا . فكتب عثمان : " إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ". ثم أفاق أبو بكر ، فقال : اقرأ علي ما كتبت ، فقرأ عليه ذكر عمر،فكبّر أبو بكر ، وقال : أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس ، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرا ، والله إن كنت لها لأهلا . " ثم أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان : للناس أتبايعون لمن في هذا الكتاب ؟ فقالوا نعم .).ولقد كان عثمان يلازم أبا بكر فى مرضه المفاجىء ، وهنا نرى ( عمر ) حاضرا ، وقت أن أملى أبو بكر كتاب استخلافه ، ، ومفهوم أنه كان إجتماعا خاصا حول أبى بكر وهو يحتضر لم يحضره سواهما ، ثم خرجا للناس بكتاب فيه استخلاف عمر . وهذا يشير الى وجود مؤامرة  حضرها عمر وادارها من البداية الى النهاية.

2 ـ وخارج تلك الغرفة المغلقة شاعت أنباء استخلاف عمر لتصل للناس فى المدينة وفى الجزيرة العربية وللجيوش التى تقاتل وقتها فى سوريا والعراق . ثم صيغت مختلف الروايات بناء على ما شاع وقتها . ومنها أن أبا بكر قد عهد بالخلافة الى ( عمر ) بعد إن إستشار (عبد الرحمن بن عوف ) وأنه أملى العهد على  عثمان ، فكتبه عثمان . تقول الرواية  : ( ذكر استخلاف عمر رحمه الله:  ..أن أبا بكر الصديق لما استعزبه دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال عبد الرحمن : ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني . فقال أبو بكر:  وإن . فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من رأيك فيه . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر. فقال : أنت أخبرنا به . فقال : على ذلك يا أبا عبد الله . فقال عثمان : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله . فقال أبو بكر : يرحمك الله ، والله لو تركته ما عدوتك . وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار.  فقال : أسيد اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضى ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه . وسمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر لعمر علينا وقد ترى غلظته؟  فقال أبو بكر : أجلسوني ، أبالله تخوفوني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم . أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك . ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال : اكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا . وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم . والخير أردت . ولا أعلم الغيب.وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . والسلام عليكم ورحمة الله." ثم أمر بالكتاب فختمه.) . ولا يمنع من قبول تلك الرواية تأسيسا على أن أبا بكر بعد أن تم تسميمه دون أن يدرى وشعر بالموت سارع باستخلاف عمر ، وهو المرشح الأقرب اليه يومئذ .

وهناك رواية تحكى إعتراض( طلحة بن عبيد الله) على ترشيح أبى بكر لعمر ، وتصميم أبى بكر على ترشيح عمر . تقول الرواية ( .. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال: استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه؟ ، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك! فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أبالله تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك.).

 ويعضد هذا روايتان عن السيدة عائشة باعتراض ( على ) و ( طلحة ) على ترشيح ( عمر ) : ( قال أخبرنا سعيد بن عامر قال أخبرنا صالح بن رستم عن بن أبي مليكةعن عائشة قالت : لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا : يا خليفة رسول الله ماذاتقول لربك إذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا بن الخطاب ؟ فقال : أجلسوني . أباللهترهبوني؟ أقول : استخلفت عليهم خيرهم. ) ، ( قال أخبرنا الضحاك ابن مخلد أبو عاصم النبيل قالأخبرنا عبيد الله بن أبي زياد عن يوسف بن ماهك عن عائشة قالت : لما حضرت أبا بكرالوفاة استخلف عمر، فدخل عليه (علي) و( طلحة ) فقالا : من استخلفت ؟ قال :عمر.  قالا : فماذا أنتقائل لربك ؟ قال : أبالله تفرقاني ؟ لأنا أعلم بالله وبعمر منكما . أقول استخلفت عليهم خيرأهلك .) ملاحظة :هل لله جل وعلا أهل ؟ سبحانه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، سبحانه الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ). ومهما يكن من تداخل الروايات وتناقضها فإن المفهوم أن أبا بكر مات سريعا وتم دفنه بسرعة ، وبسرعة فائقة وفى الصباح التالى كان ( عمر ) خليفة ، وصيغت من أجله هذه الروايات ، والله جل وعلا هو الأعلم بصحتها .

3 ـ ونعيد التأكيد على أننا بصدد روايات تاريخية إن صحّت بمنهج البحث العلمى التاريخى فهى حقائق تاريخية ، والحقيقة التاريخية ليست مطلقة ، بل نسبية ، وليست حقائق إيمانية إعتقادية كحقائق القرآن ، ولكنها أقوال بشر ، يصدقون ويكذبون. فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وسعد وعائشة وخالد وعمرو وابو هريرة ..الخ ..كلهم شخصيات تاريخية وليسوا مذكورين فى القرآن ، والعلم بهم جاء من تاريخ بشرى مكتوب . ولو أنكرت وجودهم فلا يُنقص ذلك من إيمانك شيئا . ولو انكرت كل تاريخ المسلمين فلن تكون مساءلا عن ذلك يوم القيامة . ولكن إذا أنكرته جملة وتفصيلا فلا مجال لك بين العقلاء . لك حق الاعتراض بمنهج البحث العلمى التاريخى ، ولكن لا بد ان يكون الرأى مدعما بأدلة تعبر عن تخصص فى البحث التاريخى .أما إذا إعترضت لأنك تقرأ كلاما جديدا لم تعرفه من قبل ، أولأنك عشت على تقديس أبى بكر وعمر والصحابة وترفض بحث تاريخهم فإن وجودك معنا مضيعة لوقتك ووقتنا ، فنحن نخاطب العقلاء المثقفين الراغبين فى العلم . 

ثانيا : محاسبة عمر للولاة بالمصادرة والضرب والعزل

1 ـ إشتهر عمر فى خلافته بالعدل بين العرب المسلمين ، مع ظلمه الفادح للشعوب الى غزاها واحتلّها وسلب خيرها واضطهد ابناءها . والتفاصيل فى بحثنا ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) . ولكنّ عمر  حابى معاوية بن أبى سفيان ، بما يؤكّد أنه كان عميلا لآبى سفيان من قبل ، وأنه ظل مخلصا لعمالته لأبى سفيان حتى وهو خليفة حازم شديد البأس يطارد الناس بالدرّة ويرهبه الناس جميعا. وتتجلى هذه المحاباة  فى معاملته للولاة الذين تعرضوا  للعزل ، أو العزل مع مصادرة الأموال ، أو العزل ومصادرة الأموال والضرب ...ما عدا معاوية . بل على العكس تمت ترقية معاوية ، وحقق عمر أمل أبى سفيان فى أن يصير معاوية هو المسيطر على الشام كله ، ويترسّخ فيه نفوذه الى أن أسّس فيما بعد أول ملكية وراثية فى تاريخ المسلمين مقرها الشام وعاصمتها دمشق .

2 ـ سعد بن أبى وقاص مع كل منزلته ومع انه فاتح العراق وقائد النصر فى القادسية عيّنه عمر واليا على العراق ثم عزله وصادر نصف امواله . وأشهر ولاة العراق وهو أبو موسى الأشعرى عزله عمر وصادر نصف أمواله .  وتقول الرواية أن عمر (  دعا الحارث بن كعب بن وهب فقال‏:‏ ما قلاص وأعبُد بعتها بمائتي دينار قال‏:‏ خرجت بنفقة معي فتجرت فيها‏.‏ فقال‏:‏ أما والله ما بعثناكم لتتجروا في أموال المسلمين‏!‏ أدها‏.‏) .!

3 ـ وهناك من تعرض لمصادرة نصف امواله دون عزل ، وأشهرهم عمرو بن العاص والى مصر . بعث اليه عمر بمحمد بن مسلمة الذى كان يمثّل ( جهاز المحاسبات فى عصر عمر ) ليحاسب عمرا على أمواله وليصادر نصفها . وغضب عمرو ، وتكلم بالسوء فى حق عمر بن الخطاب وأبيه الخطّاب ، ثم خاف عمرو من عاقبة أن يوصّل محمد بن مسلمة هذا الكلام لعمر فترجى محمدا بن مسلمة ألّا يبلغ عمر بما قاله فى حق أبيه . تقول الرواية : ( وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر‏:‏ " من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص . سلام عليك . أما بعد . فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد‏.‏ وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك . فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ولا تكتمه‏" .‏ فكتب إليه‏:‏ " من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين‏.‏ سلام عليك‏.‏ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد‏.‏ فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي‏.‏وإني اعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله ، وليس في رزق أمير المؤمنين سعة‏.‏ وبالله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك ، فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها‏.‏ ولعمري إن عندك من لا يذم معيشته ولا تذم له‏.‏ وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فأنى كان ذلك ولم نفتح قفلك ولم نشركك في عملك‏؟" .‏ فكتب إليه عمر‏:‏ " أما بعد . فإني ـ والله ـ ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع‏!‏ وما يغني عنك أن تزكي نفسك . وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك‏.‏ فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال ثم لم يعوزكم عذر ، تجمعون لأبنائكم وتمهدون لأنفسكم‏.‏ إنما تجمعون العار وتورثون النار .والسلام‏ ".‏ فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً‏.‏ فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئاً‏.‏ فقال له عمرو‏:‏ " أتحرمون طعامنا ؟ " فقال‏:‏ " لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنك قدمت إلى طعاماً هو تقدمة شر‏.‏ والله لا أشرب عندك الماء.  فاكتب لي كل شيء هو لك ولا تكتمه‏.". ‏ فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه‏.‏ فأخذ إحداهما وترك الأخرى‏.‏ فغضب عمرو بن العاص فقال‏:‏ " يا محمد بن مسلمة،  قبح الله زماناً عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل‏.‏ والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه ، والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزوراً بالذهب والفضة"‏.‏ قال له محمد ابن مسلمة‏:‏ " اسكت . والله عمر خير منك ، وأما أبوك وأبوه ففي النار‏.‏ والله لولا الزمان الذي سبقك فيه لألفيت مقتعد شاة يسرك غزرها ويسوءك بكؤها‏.‏ " فقال عمرو‏:‏ " هي عندك بأمانة الله "‏.‏ فلم يخبر بها عمر‏.‏ )

4 ـ ونتوقف مع أبى هريرة ، الحرامى وراوى الحديث المقدّس لدى السنيين جميعا . فهو أشهر من تعرض للعزل والمصادرة والسبُّ والضرب من عمر .

تقول الرواية عن ( عمر ): ( : ثم دعا أبا هريرة فقال له‏:‏ هل علمت من حين أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال‏:‏ كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت‏.‏ قال‏:‏ قد حسبت لك رزقك ومؤونتك وهذا فضل فأده‏.‏ قال‏:‏ ليس لك ذلك‏.‏ قال بلى والله وأوجع ظهرك‏.‏ ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال‏:‏ إيت بها‏.‏ قال‏:‏ احتسبتها عند الله‏.‏ قال‏:‏ ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً‏.‏ أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين‏!‏ ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر‏.‏ وأميمة أم أبي هريرة‏.‏) نلاحظ هنا أن عمر يقول لأبى هريرة (استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين )، وأن أبا هريرة رفض إرجاع المال ، وأن عمر قام فضربه حتى أسال دمه ، بل وسبّه قائلا عن أمه : ( ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر.).

ويعترف أبو هريرة بما حدث ، ولكنه كعادته يكذب فى التفاصيل ليبرىء نفسه ، وهذا طبعا بعد موت ( عمر ) . يروى أبو هريرة عن نفسه كما جاء فى الطبقات الكبرى لابن سعد : (  لما عزلني عمر عن البحرين قال لي‏:‏ يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله؟ قال‏:‏ فقلت‏:‏ ما أنا عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما،  ما سرقت مال الله‏.‏ قال‏:‏ فمن أين لك عشرة آلاف قلت‏:‏ خيل تناتجت وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت‏.‏ قال‏:‏ فقبضها مني‏.‏)      

أمام السنيين السلفيين ابن كثير ، عاش في العصر المملوكي وقد توفي سنة 774 ، احتفل بأبي هريرة في مؤلفاته ونثر فيها أحاديث أبي هريرة ، وخصوصا في تفسيره المشهور " تفسير ابن كثير". إلّا إنّ ابن كثير فى تاريخه ( " البداية والنهاية " ) ذكر قصة حياة أبي هريرة في الجزء الثامن في وفيات سنة 59 هـ  . ونأتي ببعض ما ذكره ابن كثير ونضع عليها بعض الملاحظات:

·       يعترف ابن كثير بأن أبا هريرة أسلم سنة فتح خيبر أي سنة 7هـ . وهنا نتساءل لماذا رووا أحاديث لأبي هريرة يتحدث فيها عن أمور وقعت في مكة مثل الإسراء وحديث النبي مع أبي طالب يعرض عليه الإسلام قبل موته ؟ ولماذا رووا أحاديث لأبي هريرة وقعت قبل أن يأتي للمدينة ويعلن إسلامه ومنها ذلك الحديث الذي يمدح فيه عثمان ويقول فيه أبي هريرة " دخلت علي رقية بنت رسول الله امرأة عثمان وبيدها مشط فقالت لي : خرج رسول الله من عندي آنفا وقال لي عن عثمان: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي خلقا وقد قال " الحاكم" في كتابه " المستدرك" أن ذلك الحديث واهي المتن فإن رقية ماتت سنة (3) من الهجرة في غزوة بدر وأبا هريرة أسلم بعد فتح خيبر فكيف يكون موجودا في المدينة حينئذ. 

·       ويعترف ابن كثير أن الرسول عليه السلام " بعث أبا هريرة إلي البحرين مع العلاء بن الحضرمي وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 هـ ، وظل أبوهريرة في البحرين حتى توفي النبي ." ، أي أن أبا هريرة صحب النبي في المدينة سنة واحدة وتسعة أشهر فقط . ونتساءل هنا: هل يتفق ذلك مع آلاف الأحاديث التي رواها عن النبي ؟ .

·       وقد كان الصحابة يستنكرون كثرة رواياته . ويروي البخاري وابن كثير دفاع أبي هريرة عن نفسه وقوله " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله .! والله الموعد .!! أني كنت امرأ مسكينا اصحب رسول الله علي ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم الصفق ـ أي التجارة ـ في الأسواق وكان الأنصار يشغلهم القيام علي أموالهم " ومعني كلامه أن المهاجرين والأنصار انفضوا عن النبي وتركوه وحده مع أبي هريرة .. فهل  هذا معقول ؟ وحتى لو كان ذلك معقولا فهل تكفي صحبته للنبي مدة (21) شهرا ليروي عنه آلاف الأحاديث ؟.

·       ويعترف ابن كثير أن السيدة عائشة أنكرت روايات أبي هريرة واستنكرت كثرة مروياته عن النبي فقال لها : أني والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ولكن أري ذلك شغلك !!.  هنا نتساءل : أيهما كان أكثر ملازمة للنبي أم المؤمنين عائشة أم أبوهريرة ؟ وأيهما كان علي الحق ؟ وهل يجوز أن يخاطبها هكذا ؟.   

·       ويعترف ابن كثير بان الخليفة عمر اتهم أبا هريرة بالسرقة وعزله عن البحرين وضربه وصادر أمواله . وقد ذكر ابن كثير دفاع أبي هريرة عن نفسه ولم نسمع وجهة نظر الفاروق عمر.  ونتساءل : أيهما كان علي الحق عمر أم أبو هريرة ؟ وإذا اعترف أبوهريرة بنفسه بان عمر اتهمه بالسرقة وضربه فهل يصح وصف أبي هريرة بالعدالة ونأخذ عنه الحديث ؟.

·       ويعترف ابن كثير بان عمر هدد أبا هريرة وقال له: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو ألحقنك بأرض دوس "أي أرض قبيلته ،  وأنه قال لكعب الأحبار اليهودي:" لتتركن الحديث عن الأول " أبي هريرة " أو ألحقنك بأرض القردة " أي أرض اليهود .!. ويذكر أن عمر قال : " أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به " أي السنة العملية . ويذكر ابن كثير قول أبي هريرة أنه لم يستطع أن يروي أحاديث عن النبي في خلافة عمر خوفا من أن يضربه عمر ، ويذكر ابن كثير قول عمر لأبي موسي الأشعري حين بعثه للعراق إنك تأتي أقواما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوى النحل فدعهم علي ماهم فيه ولا تشغلهم بالأحاديث .. ونتساءل أيهما كان علي الحق عمر أو أبوهريرة ؟.

·        ويعترف ابن كثير بأن أبا هريرة كان يدلس في الأحاديث وأنه كان ينسب ما يسمعه من كعب الأحبار للنبي وإذا عرفنا أن كعب الأحبار هو مصدر الإسرائيليات  في تراث المسلمين فمن الذي كان بوقا لكعب الأحبار ؟.

·       أخيرا ..يعترف ابن كثير بأن معاوية في خلافته كان يعطى أبا هريرة ،وأنه ولّاه علي المدينة وأنه عندما مات أبو هريرة أعطي معاوية ذريته أموالا لأن أبا هريرة كان من حزب عثمان والأمويين ، أي أنه بالتالي كان ضد "علي" وحزبه . ومعروف أن أبا هريرة شارك في معركة صفين مع معاوية ضد علي .أى كان أبو هريرة بوقا للأمويين يصنع لهم الأحاديث ، وهذا ما توسعنا فيه فى بحث ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) .

ومعذرة لأننا دخلنا فى تفصيلات عن أبى هريرة ، ولكنها ليست بعيدة عن الموضوع لأن أبا هريرة هو أكثر من خدم الأمويين ، فقد أعتمد معاوية على ( عمر ) ثم على ( عثمان ) ثم على ( أبى هريرة ) .!

 

ثالثا : محاباة عمر ( العادل ) لمعاوية   

1 ـ وتتجلى هذه المحاباة بأن معاوية هو الوحيد من ولاة عمر الذي لم يتعرض للمصادرة أو الاهانة أو العزل . بل أكرمه عمر بأن جعله والى الشام كله . فى البداية قسّم عمر الشام بين إبنى أبى سفيان ، فكان الابن الأكبر يزيد واليا لدمشق ، وكان معاوية واليا على الأردن . ومات يزيد بن أبى سفيان فى طاعون عمواس عام 19 ، فعيّن معاوية أخاه معاوية محله فى دمشق ،أى جمع له الشام كله ، وبعث عمر بالخبر لأبى سفيان ، تقول الرواية :( ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان عام 19 فى طاعون عمواس أمّر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها )، إستأثر معاوية بقيادة الجيش وبالخراج ، أى جمع بين السلطة والثروة فى الشام كله . وتقول رواية أخرى: ( ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه معاوية ، ونعاه لأبي سفيان ؟فقال : "من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين؟"  فقال:" معاوية." فقال : "وصلتك رحم ". فاجتمعت لمعاوية الأردن ودمشق  )، وتقول رواية أخرى ( وكانت الشام قد جمع جمعها لمعاوية ابن أبي سفيان ).وظل معاوية واليا على الشام حتى مات عمر:( ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردن ). وظل معاوية مستقرا بالشام فى خلافة ابن عمه عثمان ، بل كان معاوية هو الذى يعيّن من لدنه ولاة على مدن الشام، كأى حاكم مستقل ، تقول الرواية عن موت عثمان وولاته : ( مات عثمان وعلى الشام معاوية وعامل معاوية على حمص عبدالرحمن بن خالد بن الوليد ،وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة ، وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان ، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني ، وعلى البحر عبدالله بن قيس الفزاري ).

2 ـ وعن علاقة عمر بأبى سفيان فى خلافته تقول الرواية : ( وكان عمر بن الخطاب ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏ يُفْرش له فِراش في بَيْته في وَقْت خلافته فلا يجلس عليه أحد إلا العبَّاس بن عبد المطّلب وأبو سُفيان بن حَرْب‏.‏ ).

3 ـ وهناك روايات حيكت وراجت بهدف التغطية على محاباة عمر لمعاوية وعلاقة عمر بأبى سفيان . ونعطى منها :   ( زار أبو سفيان معاوية بالشام فلما رجع من عنده دخل على عمر‏.‏ فقال‏:‏ أجزنا أبا سفيان‏.‏ قال‏:‏ ما أصبنا شيئاً فنجيزك منه‏.‏ فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول‏:‏ قل لها‏:‏ يقول لك أبو سفيان‏:‏ انظري إلى الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما‏.‏ فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم‏.‏ فطرحهما عمر في بيت المال‏.‏ فلما ولي عثمان ردهماً عليه‏.‏ فقال أبو سفيان‏:‏ ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر‏.‏ ). لو صحت هذه الرواية لكان عمر أسرع الى محاسبة معاوية قبل أبى سفيان.

هى روايات كاذبة ، ولا تستقيم مع سؤال هام : لماذا عزل عمر كبار الصحابة كسعد بن أبى وقاص و أبى موسى الأشعرى وصادر أموالهم وتعقّب الجميع بالتفتيش على أموالهم وتغاضى عن معاوية فلم يرسل اليه رسوله ( محمد بن مسلمة )؟. فهل كان معاوية ملاكا لا تمتد يده الى الأموال التى يجبيها ؟ وهل كان معاوية خيرا من سعد بن أبى وقاص ؟ بل ورقاه عمر وترك له الشام يتصرف فيه حيث شاء ، فقد تميّز معاوية بسلطة مطلقة فى الشام بحيث كان يجهّز الجيوش ويبنى أول اسطول فى الشام ، يغزو الروم ، ويرجع بالغنائم ، ويعطى ويمنح .. ويسكت عمر ولا يسائله .وعلى سبيل المثال ففى سنة 22 ، غزا معاوية بلاد الروم ودخلها في عشرة آلاف فارس من المسلمين‏ ، ورجع بالأسلاب والغنائم . فهل حاسبه عمر على ما أنفق وعلى ما غنم ؟ ..

ألا يؤكد هذا أن عمر كان عميلا لأبى سفيان ؟ وأنه ظل مخلصا لأبى سفيان حتى وهو خليفة ؟

الباب الثالث  : مكر قريش وصحابة الفتوحات 

الفصل السادس  : انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عمر    

مقدمة :

 اتسعت الفتوحات العربيةفي عهد عمر فيما بين ( 14 : 23 هـ ) لتمتد فيما بين اصفهان في شرق ايران الي طرابلس ليبيا ، ففي سنة 14 كانت فتوحات دمشق وحمص وبعلبك وموضع البصرة وهي الابلة ، وفي سنة 15 تمت فتوحات الاردن وانتصر العرب علي الروم في اليرموك ، وعلي الفرس في القادسية ، وفي سنة 16 تمت فتوحات الاهواز والمدائن والانتصار في جلولاء وهزيمة الامبراطور الفارسي يزدجر وهروبه ، ثم فتوحات تكريت شمال العراق ، ثم تسلم عمر بن العاص بيت المقدس ، وتمت فتوحات قنسرين وحلب وانطاكية ومنسج وسروج وقريقساء ، وفي سنة 18 تمت فتوحات جندياسبور وحلوان و الرها وسميساء وحران ونصيبين والموصل والجزيرة فيما بين العراق وسوريا ،وفي سنة 19 فتوحات قيسارية ، وفي سنة 20 فتحوا مصر غربا ، وتستر في ايران ، وفي سنة 21 فتح الاسكندرية ، ثم  نهاوند في ايران ، وفتح برقة في ليبيا ، وفي سنة 22 فتح اذريبجان والدنيور وماسبذان وهمذان والري وعسكر وقومس في اواسط اسيا ، وفتح طرابلس الغرب في ليبيا.وفي السنة التي قتل فيهاعمر كان فتح كرمان وسجستان ومكران واصفهان سنة 23هـ.وخلال هذه السنوات العشرسالت دماء مئات الالوف من الابرياء في كل تلك المناطق ظلما وعدوانا تحت اسم الاسلاموالجهاد ، وتشتت مئات الالوف من العائلات والاسر فيما بين اواسط اسيا الي ليبيا ،ونهب العرب كنوز المنطقة بعد المعارك وقسموا بينهم الذرية والنساء.وبسبب هذا الإفراط فى الإجرام يحتل عمر مكانة أكثر تقديسا فى دين السّنّة القائم على استحلال دم الأخر وماله وعرضه تحت راية الجهاد ( السّنى العُمرى ). ويضيق المجال لو تتبعنا هذا المسلسل الدموى فى الفتوحات ، لذا سنقتصر فيه على أمثلة تخصّ ما حدث خلال الاشهر الحُرُم فقط فى فارس ومصر ، مع التذكير بأن الفتوحات استمرت بلا توقف فى شهر حرام أوغيره . وكالعادة نضع الشهر الحرام بين قوسين .

أولا  :  أمثلة لانتهاك ( عمر ) الأشهر الحرم فى فتح فارس  :

 1 ـ فى شهر ذى الحجة الحرام عام 13 هجرية أعلن الخليفة عمر فى أول خلافته التعبئة العامة السريعة لكل القبائل العربية لتحارب فارس بعد تولى الحكم فيها كسرى يزدجر ، فأتته جحافل القبائل. يقول الطبرى :( قالوا كان أول ما عمل به عمر حين بلغه أن فارس قد ملّكوا يزدجر أن كتب إلى عمال العرب على الكور ( أى القرى ) والقبائل وذلك في ( ذي الحجة ) سنة ثلاث عشرة ، مخرجه إلى الحج وحج سنواته كلها : " لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه ثم وجهتموه إلي . والعجل العجل.! " .  فمضت الرسل إلى من أرسلهم إليهم مخرجه إلى الحج . ووافاه أهل هذا الضرب من القبائل التي طرقها على مكة والمدينة...). أى جعل عمر من مناسبة بدء الحج موعدا للحشد العسكرى لكل القبائل . وهذا بالتناقض مع فريضة الحج وحُرمة الشهر الحرام .

 2 ـ وتلبية لدعوة عمر تجمع حشد هائل من القبائل تحت قيادته ، فسار بهم  عمر فى شهر ( محرم ) الحرام عام 14 ، يقول الطبرى:( ثم دخلت سنة أربع عشرة ، ففي أول يوم من ( المحرم ) سنة أربع عشرة.. خرج عمر حتى نزل على ماء يدعى صرارا، فعسكر به،ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم. )

3 ـ  وانتهى الأمر بأن يبقى الخليفة عمر فى المدينة وأن يعين سعد بن أبى وقاص قائدا للحملة التى تتوجه لفتح فارس .وأرسل عمر جيشا آخر الى موضع البصرة ، وكانت تسمى أرض الهند ، ليمنع خروج إمدادات فارسية منها الى عاصمة فارس ، يقول الطبرى : ( وقال عمر لعتبة‏:‏ إني أريد أن أوجهك إلى أرض الهند - وكانت البصرةتدعى أرض الهند ..لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس، فنزلها في (ربيع ) الأول سنة أربع عشرة ، وفيها سبع دساكر. فكتب إليه عمر‏:‏ اجمع الناس موضعًا واحدًا وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة ، وهو ذو مكايدة للعدو ، فإذا قدم عليك فاستشره . وادع إلى اللّه فمن أجابك فاقبل منه ومن أبى فالجزية وإلا السيف..). جعلهم عمر عدوا (وهو ذو مكايدة للعدو) ، وهو الذى بدأهم بالعداء وبالعدوان ، وهم لم يعتدوا عليه ولم يرسلوا جيوشهم لغزو المدينة . ثم هو يأمرهم بتخييرهم أو إجبارهم تحت ضغط جيوشه بين الإسلام أو الجزية أو الحرب.

 4 ـ هذا بينما سار سعد بن أبى وقاص بالجيش الأساس فهزم الفرس فى موقعة القادسية ، وبهذا كان فتح فارس وتدمير الامبراطورية الفارسية. بدأ هذا بشهر محرم الحرام، وفي محرم كانت موقعة القادسية ، يقول الطبرى : (كانت يعني وقعة القادسية في (المحرم ) سنة أربع عشرة في اوله ). ولقد لقى حتفه الصحابى سلمة بن هشام بن المغيرةالذى قتل  بمَرْج الصُفَر في (محرم) هذه السنة‏.‏ وتتابعت المعارك هادرة بعد القادسية خلال الأشهر التالية من الأشهر الحرم وغيرها ، يروى الطبرى عن تحركاتهم عام 16 هجرية أنهم (أقاموا ببهرسير أيامًا من ( صفر) ) ‏.‏

5 ـ ويقول الطبرى عن فتح المدائن عاصمة فارس فى شهر صفر المحرم : ( حديث المدائن القصوى التي كان فيها منزل كسرى : قال سيف : وذلك في ( صفر) سنة ست عشرة . قالوا : ولما نزل سعد بهرسير وهي المدينة الدنيا ، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى ، فلم يقدر على شيء، ووجدهم قد ضموا السفن ، فأقاموا ببهرسير أياما من (صفر ) يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين ، حتى أتاه أعلاج ( أى أعاجم من الفرس )  فدلوه على مخاضة تخاض إلى صلب الوادي ، فأبى وتردد عن ذلك. وفجئهم المد .  ففجئوا أهل فارس بأمر لم يكن في حسابهم فأجهضوهم وأعجلوهم عن جمهور أموالهم ، ودخلها المسلمون في ( صفر) سنة ست عشرة ، واستولوا على ذلك كله مما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف ومما جمع شيري ومن بعده ) أى كل ما جمعه الأكاسرة وكنزوه استولى عليه العرب (الثلاثة آلاف ألف ألف ومما جمع شيري ومن بعده ) أى 3 بليون .  

6 ـ ونكتفى ببيان ما سباه العرب بمثال واحد ، هو المدائن . تحت عنوان : (ذكر صفة قسم الفيء الذي أصيب بالمدائن بين أهله وكانوا فيما زعم سيف ستين ألفا ) أى 60 الفا من السبى من أطفال ونساء ورجال مدينة واحدة هى عاصمة فارس ، المدائن .!! . فلا عجب أن يحتفظ الايرانيون بكل هذه الكراهية لأبى بكر وعمر .!!

7 ـ ونكتفى أيضا بالمدائن دليلا على ما سلبوه من فارس .  تحت عنوان  ( ذكر ما جمع من غنائم أهل المدائن وقسمتها : ) يذكر الطبرى ببعض التفصيل ما سلبه العرب من الفُرس بعد هزيمتهم والاستيلاء على عاصمتهم ( المدائن ) ، يقول : ( كان سعد قد جعل على الأقباض عمرو بن عمرو بن مقرن وعلى القسمة سلمان بن ربيعة الباهلي ) أى من كثرة الغنائم تعين شخص لجمعها وتعين شخص آخر لقسمتها بين الجنود ، بعد تخصيص الخُمس لعمر . يقول الطبرى:( فجمع ما في القصر والإيوان والدور ، وأحصى ما يأتيه به الطلب . ) أى نهبوا البيوت والقصور وإيوان كسرى ، وجمعوا ما نهبه الأفراد إذ أن أهل المدائن فى هزيمتهم الأولى قد أفلتوا ببعض أموالهم ، وفى الهزيمة الثانية قبض عليهم العرب وأخذوا منهم ما فى أيديهم . ( وكان أهل المدائن قد نهبوها عند الهزيمة وهربوا في كل وجه فما أفلت أحد منهم بشيء إلا أدركهم الطلب فأخذوا ما معهم . ).

ورأى العرب عجائب من الكنوز مخبأة داخل قباب قد ملئت بسلال مختومة بالرصاص مليئة بالذهب والفضة : ( ورأوا بالمدائن قبابًا تركية مملوة سلالًا مختومة برصاص فحسبوها طعامًا فإذا فيها آنية الذهب والفضة . ) ومن كثرة ما حصل عليه الجندى العربى هوى سعر الذهب فى شوارع المدائن : ( وكان الرجل يطوف ليبيع الذهب بالفضة متماثلين‏.‏ ). والعرب بهمجيتهم ظنوا هذا القباب مليئة بالطعام فإذا هى مليئة بالذهب والفضة ، وأيضا يقول الطبرى : ( ورأوا كافورًا كثيرًا فحسبوه ملحًا فعجنوا به فوجدوه مرًا‏.‏ ).

ووضع العرب أيديهم على كنوز كسرى وتيجانه وجواهره ، يقول الطبرى : ( وأدرك الطلب مع زهرة جماعة من الفرس على جسر النهروان فازدحموا عليه فوقع منهم بغل في الماء فعجلوا وكبوا عليه ، فقال بعض المسلمين‏:‏ إن لهذا البغل لشأنًا . فجالدهم المسلمون عليه حتى أخذوه ، وفيه حلية كسرى ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي فيها الجوهر وكان يجلس فيها للمباهاة‏.‏ ولحق العلج بغلين معهما فارسيان فقتلهما وأخذ البغلين ، فأبلغهما صاحب الأقباض وهو يكتب ما يأتيه به الرجال فقال له‏:‏ قف حتى ننظر ما معك‏.‏ فحط عنهما فإذا سفطان فيهما تاج كسرى مرصعًا وكان لا يحمله إلا أسطوانتان وفيه الجوهر ، وعلى البغل الآخر سفطان فيهما ثياب كسرى التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجًا منظومًا‏.‏ وأدرك القعقاع بن عمرو فارسيًا فقتله وأخذ منه عيبتين وغلافين في إحداهما خمسة أسياف وفي الأخرى ستة أسياف وأدراع منها درع كسرى ومغافره ودرع هرقل ودرع خاقان ملك الترك ودرع داهر ملك الهند ودرع بهرام جوبين ودرع سياوخش ودرع النعمان استلبها الفرس أيام غزاهم خاقان وهرقل وداهر . ..وفي أحد الغلافين سيوف من سيوف كسرى وهرمز وقباذ وفيروز وهرقل وخاقان وداهر وبهرام وسياوخش ...فأحضر القعقاع الجميع عند سعد ، فخيره بين الأسياف ، فاختار سيف هرقل وأعطاه درع بهرام . ونفل سائرها في الخرساء إلا سيف كسرى والنعمان بعث بهما إلى عمر بن الخطاب لتسمع العرب بذلك . وحسبوهما في الأخماس . وبعثوا بتاج كسرى وحليته وثيابه إلى عمر ليراه المسلمون‏.‏ وأدرك عصمة بن خالد الضبي رجلين معهما حماران فقتل أحدهما وهرب الآخر ، وأخذ الحمارين فأتى بهما صاحب الأقباض فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب بسرج من فضة وعلى ثفره ولباته الياقوت والزمرد المنظوم على الفضة ولجام كذلك وفارس من فضة مكلل بالجوهر وفي الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب ولها زمام من ذهب ، وكل ذلك منظوم بالياقوت ، وعليها رجل من ذهب مكلل بالجواهر ، كان كسرى يضعهما على أسطوانتي التاج‏.‏ ).

 8 ـ وعن توزيع هذه الأسلاب يقول الطبرى : ( فلما جمعت الغنائم قسم سعد الفيء بين الناس خمسة ، وكانوا ستين ألفًا ، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفًا . وكلهم كان فارسًا ليس فيهم راجل . ونفل من الأخماس في أهل البلاء . ). وقام سعد بتقسيم مساكن المدائن بين الجنود العرب ( وقسم المنازل بين الناس وأحضر العيالات فأنزلهم الدور فأقاموا بالمدائن . ) .وأراد سعد أن يُبهر عمر وأهل المدينة فأرسل نماذج لهم داخل الخُمس:( وأرسل سعد في الخمس كل شيء أراد أن يعجب منه العرب ومن كان يعجبهم أن يقع . ) .

وواجهت سعد بن أبى وقّاص مشكلة تقسيم ( القطف ) وارسال خُمسه الى المدينة الى عُمر . واستقر الرأى على أن يرسله كله الى عُمر بحالته . ( وأراد إخراج خمس القطف فلم تعتدل قسمته ، وهو بهار كسرى ، فقال للمسلمين‏:‏ هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماسه ينبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء فإنا لا نراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعًا ؟  فقالوا‏:‏ نعم‏.‏ فبعثه إلى عمر‏.‏ ).

و( القطف ) هو من التُّحف الفارسية (التى) لا تقدّر بثمن ، و(التى) كانت تدل على عظمة الحضارة الفارسية و(التى) دمرها العرب الهمج ضمن ما دمروه من حضارة فارس . فهو نموذج مجسم يتكون من بساط مساحته ( جريب ) ، طوله 60 ذراعا وعرضه مثلها ، ونستكمل وصفه مما قاله الطبرى : ( والقطف بساط واحد طوله ستون ذراعًا وعرضه ستون ذراعًا مقدار جريب . كانت الأكاسرة تعده للشتاء ، إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه ، فكأنهم في رياض.  فيه طرق كالصور ، وفيه فصوص كالأنهار ، أرضها مذهبة ، وخلال ذلك فصوص كالدر ، وفي حافاته كالأرض المزروعة والأرض المبقلة بالنبات في الربيع والورق من الحرير على قضبان الذهب ، وزهره الذهب والفضة ، وثمره الجوهر . وأشباه ذلك.)‏.‏ ووصلت ( اقطف ) الى عمر مع أخماس الأسلاب ، يقول الطبرى : ( فلما قدمت الأخماس على عمر نفل منها من غاب ومن شهد من أهل البلاء ثم قسم الخمس في مواضعه . ) وإحتار عُمر فى قسمة ( القطف ) فقال ( :‏ أشيروا علي في هذا القطف.! ) وإحتاروا مثله (  فمن بين مشير بقبضه وآخر مفوض إليه‏.‏ ) وإقترح على بن أبى طالب رأيا أخذ به عُمر : ( فقال له علي‏:‏ لم يجعل الله علمك جهلًا ويقينك شكًا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت وإنك إن تبقه على هذا اليوم لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له‏.‏ فقال‏:‏ صدقني ونصحتني . فقطّعه بينهم،  فأصاب عليًا قطعةٌ منه ، فباعها بعشرين ألفًا . وما هي بأجود تلك القطع‏.‏ ). أى أشار (على بن أبى طالب ) بتقطيعه وتوزيعه ، وكان نصيب ( على ) قطعة منه باعها بعشرين ألف دينار. هنيئا لك هذا المال السُحت يا أبا الحسن .!!

9ـ ـ وفى نفس الشهر صفر الحرام عام 16 كانت موقعة جلولاء التى انهزم فيها الفرس وفقدوا مائة الف قتيل ، يقول الطبرى ( ففصل هاشم بن عتبة بالناس من المدائن في ( صفر) سنة ست عشرة في اثنيعشر ألفًا فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن ارتد وممن لم يرتد ، فسار من المدائن إلى جلولاء ) وينقل ابن الجوزى فى المنتظم :( وانهزموا واتبعهم المسلمونوقتل منهم يومئذ مائة ألف ، فجللت القتلى المجال وما بين يديهما حوله فسميت جلولاءلما جللها من قتلاهم‏.‏وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين فأدرك مهران فقتله . ولما بلغت الهزيمةيزدجرد سار من حلوان نحو الجبل . واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة منالدواب‏.‏)، أى كان نصيب الفارس 7 ألاف دينار و9 من الدواب ، فى هذه المعركة وحدها . ولم يذكر عدد السبايا .

ثانيا : فى فتح مصر :

1 ـ يقول الطبرى (وافتتحت مصر في ( ربيع الأول) سنة ست عشرة )، وكان هذا بعد أن هزم عمرو بن العاص المقوقس فى موقعة عين شمس . وهناك من يقول رأيا آخر : ( وقال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ فتحت مصر يوم الجمعة مستهل (المحرم ) سنةعشرين ) . السبب أن مصر تم احتلالها على مراحل ، ولكن فى الرأيين أن الفتح كان فى شهر ربيع أول الحرام أو شهر محرم الحرام .  

2 ـ بعدها إنساح جيش الغزاة فى الريف المصرى المُسالم ينهب ويسبى النساء ويغتصبهن فى كل قرية ، ويبعثون بأربعة أخماس الغنائم ومن السلب والنهب والسبى الى عمر بن الخطاب فى المدينة ، ومنها يتوزع السلب والنهب فى الجزيرة العربية على الأعراب هناك . وتكاثر هذا السبى من الفتيات المصريات حتى ملأ مكة والمدينة واليمن . هذا ما يذكره الطبرى راويا عن جندى كان ممّن حضر فتح مصر .يقول الطبرى:( حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال وحدثني القاسم بن قزمان رجل من أهل مصر ، عن زياد بن جزء الزبيدي ، أنه حدثه أنه كان في جند عمرو بن العاص حين افتتح مصر والإسكندرية قال : افتتحنا الإسكندرية في خلافة عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين أو سنة اثنتين وعشرين .قال : لما افتتحنا باب اليون تدنينا قرى الريف فيما بيننا وبين الإسكندرية ، قرية فقرية ، حتى انتهينا إلى بلهيب قرية من قرى الريف يقال لها قرية الريش.وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن ).!!. وحاول المقوقس عقد صلح يسترجع به السبى فرفض عمر طبقا لما رواه الطبرى .

ثالثا : الانتقام الالهى  من عمر ومن العرب

1 ـ بسبب هذا السبى والقتل والسلب والنهب باسم الاسلام فى الشهر الحرام وغير الحرام إنتقم الله جل وعلا من عمر والعرب عام 18 هجرية ، وذلك بطاعون عمواس ومجاعة الرمادة ثم بقتل عمر بعدها فى الشهر الحرام .

2 ـ من القرآن نعرف أن هناك عذابا فى الدنيا يلحق بمن يستحقه كنذير له وموعظة لعله يتوب . يقول جل وعلا : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة ). ومن المسكوت عنه فى السيرة تعرض قريش لعذاب أو إهلاك جزئى ، وردت عنه إشارات قرآنية ، وتجاهلته روايات السيرة . يقول جل وعلا عنهم وهم فى مكة : ( وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون ). وعن أفراد المنافقين ذكر رب العزة أنه كان جل وعلا يبتليهم بفتنة العذاب مرة أو مرتين سنويا ليتوبوا ويتذكروا ، ولم يتوبوا ولم يتذكروا . وقال هذا جل وعلا لينبههم : (  أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة ). كما قال جل وعلا عمّن مرد على النفاق إنه سيعذّبهم مرتين ـ أى بعد موت النبى ـ ثم ينتظرهم عذاب عظيم يوم القيامة . ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). وكالعادة ما تابوا وما تذكروا .

3 ـ وروايات التاريخ لعمر قامت بتحويل عذاب مجاعة الرمادة وطاعون عمواس الى مناسبة لتقديس عمر وأصحابه ، دون أن ينتبه أحد الى أنه إنتقام الاهى من الله عزّوجلّ . ولا نستغرب هذا ، فهم يعتبرون هذا الغزو والاحتلال جهادا ، ويعتبرون السلب والنهب فيئا أفاءه الله عزّ وجلّ على العرب ، وبالتالى فهم اتخذوا لهم الاها غير الله يأمرهم بالإثم والعدوان والفحشاء والمنكر ، هذا بينما يأمر الله جل وعلا بالعدل والاحسان . وصدق الله العظيم إذ يقول عن العرب واستحلالهم الحرام وينسبون ذلك لله جل وعلا (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(29) ( الأعراف)، ويقول جل وعلا عن دينه الحق الذى خالفه الخلفاء (الراشدون):(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)( النحل ).

4 ـ فى عام 18 حدث طاعون عمواس ومجاعة الرمادة، يقول الطبرى تحت عنوان  : ( ذكر الأحداث التي كانت في سنة ثمان عشرة ) : ( قال أبو جعفر وفي هذه السنة أعني سنة ثمان عشرة أصابت الناس مجاعة شديدة ولزبة وجدوب وقحوط ، وذلك هو العام الذي يسمى عام الرمادة . حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : دخلت سنة ثمان عشرة وفيها كان عام الرمادة وطاعون عمواس فتفانى بها الناس )( وحدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كانت الرمادة سنة ثمان عشرة قال وكان في ذلك العام طاعون عمواس . ). ( وفيه أيضًا كان طاعون عمواس : في هذه السنة كان طاعون عمواس بالشام ، فمات فيه أبو عبيدة بن الجراح وهو أمير الناس ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان والحارث ابن هشام وسهيل بن عمرو وعتبة بن سهيل وعامر بن غيلان الثقفي مات وأبوه حي ، وتفانى الناس منه‏.‏  ) ( دخلت سنة ثمان عشرة وفيها كان عام الرمادة وطاعون عمواس فتفانى بها الناس. ) أى فنى الناس من هذا الطاعون وتلك المجاعة فى عام الرمادة.

5 ـ وتحت عنوان (  ذكر القحط وعام الرمادة ) يقول الطبرى : ( في سنة ثماني عشرة أصاب الناس مجاعة شديدة وجدب وقحط وهو عام الرمادة . وكانت الريح تسفي ترابًا كالرماد فسمي عام الرمادة . واشتد الجوع حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس ، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافيها من قيحها‏.‏ ) أى أجدبت الأرض ، ونتنت المواشى ، أى كتب الله جل وعلا عليهم الجوع ، ولم تغن عنهم أسلابهم الذهبية شيئا .!. تقول الروايات ( قالوا اصابت الناس في إمارة عمر رضي الله عنه سنة بالمدينة وما حولها فكانت تسفى إذا ريحت ترابا كالرماد ، فسمي ذلك العام عام الرمادة  ) ( كانت الرمادة جوعا أصاب الناس بالمدينة وما حولها فأهلكهم حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها وإنه لمقفر ).  ويرى المؤرخ ابن كثير أن هذه المجاعة سميت بعام الرمادة بسبب اسوداد الأرض من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهاً بالرماد ، أو لأن الريح كانت تسفي تراباً كالرماد،  أو لأن ألوان الناس أضحت مثل الرماد.، أو بسبب قله الامطار لعام كامل . وقد روى أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحداً يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: "يا أمير المؤمنين، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون". و احتشد الناس من خارج المدينة وقدموا إليها يطلبون العون ، حتى قيل أنه خيّم في أطراف المدينة حوالي ستون ألفاً من العرب لا يجدون إلا ما يقدم لهم من بيت المال أو من أهل  المدينة. وذكر أن عمرً كان يولم لهم كل ليلة حتى حضر في وليمة واحدة أكثر من عشرة آلاف . ولجأ الناس إلى  عمر فانفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفذه. واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر. . )( قالوا كتب عمر إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها ويستمدهم . ) ( وكان عمر عن ذلك محصورا...فكتب إلى أمراء الأمصار أغيثوا أهل المدينة ومن حولها ، فإنه قد بلغ جهدهم وأخرج الناس إلى الاستسقاء . ). وكتب يستغيث بعمرو بن العاص فى مصر يقول له ( يا غوثاه يا غوثاه ) .وإرسال الحبوب من مصر الى المدينة كان يستلزم حفر خليج يصل النيل بالبحر الأحمر ، وخشى عمرو أن يؤثر هذا على مصر وعلى الخراج ، وبعث بهذا التخوّف الى عمر ، (.. فكتب إليه عمر : " اعمل فيه وعجل ، أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها ". ). هذا هو ( عمر ) الذى يعبده السنيون المصريون .!

5 ـ وعن طاعون عمواس يقول الطبرى : ( ثم دخلت سنة ثماني عشرة ، ففيها كان طاعون عمواس فتفانى فيها الناس، فتوفي أبو عبيدة بن الجراح وهو أمير الناس ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وعتبة بن سهيل وأشراف الناس . )  ( وقال مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا .)   ( قالوا كان ذلك الطاعون ، يعنون طاعون عمواس موتانا لم يُر مثله ، طمع له العدو في المسلمين ، وتخوفت له قلوب المسلمين ، كثر موته وطال مكثه . مكث أشهرا حتى تكلم في ذلك الناس . )  الحقيقة المذهلة بين السطور والتى تقطع بأن هذا الطاعون كان إنتقاما الاهيا أنه أصاب العرب فقط فى الشام والعراق ، ولم تصل عدواه للسكان أهل البلاد المحتلّة . نجا منه ( العجم ) أو الموالى بينما مات العرب ، وحاول بعضهم الهرب منه فلحقهم الطاعون وماتوا : ( أصاب البصرة من ذلك موت ذريع ، فأمر رجل من بني تميم غلاما له أعجميا أن يحمل ابنا له صغيرا ليس له ولد غيره على حمار ثم يسوق به إلى سفوان حتى يلحقه فخرج في آخر الليل ثم اتبعه وقد أشرف على سفوان ودنا من ابنه وغلامه ، فرفع الغلام عقيرته يقول : لن يعجزوا الله على حمار ولا على ذي غرة مطار قد يصبح الموت أمام الساري فسكت حتى انتهى إليهم فإذا هم هم قال ويحك ماقلت قال ما أدري قال ارجع فرجع بابنه وعلم أنه قد أسمع آية وأريها . قال وعزم رجل على الخروج إلى أرض بها الطاعون فتردد بعدما طعن فإذا غلام له أعجمي يحدو به يأيها المشعر هما لا تهم إنك إن تكتب لك الحمى تحم . وخرج الحارث بن هشام في سبعين من أهل بيته فلم يرجع منهم إلا أربعة . ) .

6 ـ وكان الانتقام الالهى من عمر بأن قتله أبو لؤلؤة الفارسى فى شهر حرام .وقد إختلفت الروايات فى شهر مقتله بين شهر ذى الحجة الحرام عام 23 هجرية و شهر محرم الحرام عام 24 . أى إعتدى فى الشهر الحرام فجاء القصاص الالهى منه فى الشهر الحرام . وصدق رب العزّة (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ )(194)( البقرة ).

7 ـ السبب فى قتل عمر هو السبي . يقولابن سعد ان عمر كان يكتب الي امراء الجيوش ( لا تجلبوا علينا من العلوج احدا جرتعليه المواسي ، فلما طعنه ابو لؤلؤة قال : الم اقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوجاحدا فغلبتموني )( الطبقات الكبري 2/ 253 ) أي كان يصف ابناء البلاد المفتوحة بأنهمعلوج جمع علج ، وذلك احتقارا لهم ، وينهي عن احضار الشباب والرجال منهم الي المدينةخوفا من ان ينتقموا منه ، فكل من استعمل الموسى في حلاقة لحيته كان محرما عليه انيأتي الي المدينة . وكان ابو لؤلؤة قد اتي بتوصية من سيده المغيرة بن ابي شعبة . وابولؤلؤة المجوسي ( الفارسى ) كان من سبي نهاوند اضاع العرب المسلمون بيته واسرته واطفاله ووطنهدون ان يقدم لهم اساءة ، وبعد ان فقد كل شئ جئ به اسيرا الي المغيرة بن شعبة ليعمللديه ، ثم ارسله الي المدينة ، حيث كان يؤرقه منظر الاطفال من السبي وهم يملأونطرقات المدينة ، ولعله كان يبحث فيهم عن ملامح اطفاله واطفال عائلته ، يطوف بينهميستمع الي بكائهم وصراخهم ويتخيل معاناتهم حين كانوا يساقون ويحشرون علي طول الطريقمن بلادهم الي صحراء الجزيرة العربية حتي يصلوا الي المدينة ،وهذه المعاناة ضمنالمسكوت عنه ، ويذكر ابن سعد ان ابا لؤلؤة اعتاد ان يلتقي بأطفال السبي ، وانه حينكان يراهم يبكي ويتحسس رءوسهم ويقول ( ان العرب اكلت كبدي) ثم قتل عمر انتقاما ممافعله بالسبي .

8 ـ معذرة ..فأنا أعتبر أبا لؤلؤة الفارسى بطلا .. وأتمنى لو كان مصريا ..

( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء ( الراشدين ))
هذا الكتاب : ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء ( الراشدين ))
من يقرأ هذا الكتاب لن ينساه . ربما يلعن المؤلف ، وربما يمدحه ، ولكن لن يكون نفس الشخص بعد قراءة هذا الكتاب الذى يفضح الخلفاء ( الراشدين ) من خلال المكتوب عنهم فى التاريخ المعتمد لدى السنيين أنفسهم .
more