رقم ( 2 )
مقدمة الكتابة الأولى للكتاب


1 ـ منذ أن طرده المولى عز وجل وإبليس يعمل دون يأس في غواية بنى أدم إلى قيام الساعة ( فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ).الأعراف 12-)

مقالات متعلقة :

وقد أضل إبليس جيلا كثيرا من البشر في كل زمان ومكان، وسيتضح هذا يوم القيامة حين يقول رب العزة للبشر يذكرهم بالعهد القديم الذي أخذه عليهم بعدم التباع الشيطان وعبادته، وكيف أن معظمهم نسى وعصى، وتكرر هذا في أجيال كثيرة: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) يس 60 ـ62 )
إن أغلبية البشر أتباع له ،فأكثرية البشر موصوفة في القرآن بالوقوع في الشرك والضلال، وهم لا يعرفون ولا يعترفون بأنهم ضالون أو بتعبير القرآن الكريم "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)الكهف 104 ) إن الشيطان يزين لهم سوء عملهم فيجعله حسنا في تصورهم، الشيطان هو الحاضر الغائب في معادلة الضلال والإضلال ، والإنسان حين يختارا لضلال بنفسه يكون قد اختارا لشيطان وليا له دون أن يعرف ، بل يحسب نفسه مهتديا. يقول تعالى :( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) الأعراف 30 ).

2 ـ البداية انه يختار الإعراض عن كتاب الله تعالى، وساعتها يتولاه شيطان يقترن به يصده عن السبيل ويقنعه أنه على الصراط المستقيم (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) الزخرف 36 – 37 )

3 ـ كل ذلك التوجيه والسيطرة على الإنسان تتم دون أن يرى الإنسان ذلك الشيطان المسيطر عليه ، فطالما يرتدى الإنسان جسده المادي فلا يمكن أن يرى عوالم البرزخ من الملائكة والشياطين ، ولا يستطيع أن يرى ذلك القرين الذي يسيطر عليه ويقوده. عندما يموت ويبعث ينكشف عنه الغطاء، ويقال له: (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ق 22) عندها فقط يرى ذلك الشيطان القرين الذي أضله، يقول تعالى عن مفاجأة الإنسان برؤية ذلك القرين الذي أضله: (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) الزخرف 38 )
4 ـ وطريقته بسيطة وواحدة أن يقابل الوحي الذي ينزله على الأنبياء بوحي آخر منسوب لله والنبي؛ وأن يحول الناس إلى تقديس النبي نفسه بل وتقديس طواغيت من البشر ويزين لهم أنهم على حق فيحسبون أنهم مهتدون.

5 ـ والله عندما ينزل وحيا مكتوبا على نبي ينزله كاملا تاما مبينا واضحا فهكذا كانت التوراة (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف 145)
وهكذا القرآن الذي ما فرّط في شيء (الأنعام 38)والذي قال تعالى عن تفصيلاته (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأعراف 52) ولكن الشيطان صاحب السيطرة على أغلبية البشر يقنع الناس بأن كتاب الله ناقص موجز غامض ولا يكفى ويدفعهم إلى تحريف كتاب الله وإلى إنشاء منهج مزيف ينسبونه لله تعالى و للنبي، لتتم الضلالة باسم الدين والهداية .
يقول تعالى عن أعداء الأنبياء من أصحاب الوحي الشيطاني وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " ثم يتحدث المولى تعالى عن الأتباع من العامة لهذا الوحي الشيطاني: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ " ثم يقول تعالى عن كتابه الذي ينبغي أن تحتكم إليه وهو الكتاب المفصل الذي يعلم أهل الكتاب أنه الحق من ربهم " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " ثم يصف القرآن بأنه تام غير ناقص وصادق غير كاذب لأنه كلمة الله " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ثم يبين المولى عز وجل أن أكثرية البشر ضالة مضلة تتبع أحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين " وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ): الأنعام 112؛116"
العنكبوت 52لله على من لا يكتفي بالقرآن كلام الله " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) العنكبوت 51" فالاكتفاء بالقرآن كتابا يعادل الاكتفاء بالله تعالى إلا ها، والمؤمن الحقيقي هو من يكتفي بالقرآن كتابا وبالله تعالى إلا ها لا شريك له (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر 36 ) والله تعالى هو الحق، وقرآنه هو الحق، وفى ذلك الكفاية للمؤمن: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. العنكبوت 52 ")

6 ـ المكذبون بالقرآن الكريم لا يتوانون عن اتهام رب العزة وقرآنه الكريم بالتفريط والعوج والنقص والغموض، ويسارعون بالسعي في آيات الله تعالى معاجزين متسائلين أين تفصيلات الصلاة في القرآن ؟ أين كذا وكذا في القرآن.
نقول منذ البداية إن هذا الكتاب لن يفلح في إصلاح اعوجاجهم مهما تكاثرت الآيات القرآنية فيه لأنهم ببساطة لا يؤمنون بالقرآن الكريم.
تسلط إبليس على عقول أولئك " المسلمين " يتجلى في مواقفهم المختلفة حين قراءة هذا الكتاب.
منهم من يشعر بالملل من كثرة الآيات القرآنية، وتسارع عيناه بالهروب من قراءتها ضجرا أو اعراضا عن الفهم ناسيا عنوان الكتاب ( الصلاة في القرآن الكريم ) وما يستلزمه منهج البحث في هذا الكتاب من الاعتماد أساسا على القرآن ولو كره الآخرون.
بعضهم قد يقرأ الآيات ممتعضا ولكنها لا تجدي في إيقاظ ضميره الديني، ولا تؤثر على مشاعره الإنسانية طالما تناقض قدس الأقداس عنده وهو الأحاديث والسنة وما وجدنا عليه آباءنا.
وبعضهم يقرأ الآيات ويحاول فهمها وفهم ما يقوله المؤلف عنها ولكنه يعيش في انزعاج حقيقي، إذ كيف يضحى بكل ما توارثه مقابل ما يقرؤه لأول مرة في كتاب كهذا وكاتب هذا الكتاب تلاحقه اللعنات وتتوالى عليه الاتهامات..
في المقابل هناك بعض المؤمنين ممن يبحث مخلصا عن الحق داعيا الله تعالى بإخلاص وإخبات أن يهديه للحق وأن يعينه على الصبر عليه والتمسك به، فالحق في هذا الزمن الأغبر بالذات يستلزم صبرا ونضالا للتمسك به. فإذا قرأ هذا الكتاب استراح، وأحس بالتقصير في حق المولى جل وعلا. ومن منّا يستطيع أن يؤدى حق الله تعالى عليه كما يجب؟

7 ـ إلى هؤلاء المؤمنين بالقرآن حق الإيمان أهدى هذا الكتاب
د. أحمد صبحي منصور
القاهرة 1987

 

الصلاة بين القرآن الكريم والمسلمين ج1
دراسة أصولية وتاريخية توضح الشكل و الغرض و المفهوم الحقيقي للصلاة من خلال القرآن الكريم و ما ادخل عليها من تحريف على مر العصور.
2006

more