رقم ( 4 )
الباب الأول : عن الضعف والضعفاء

المحور الأول : 

عن الطفولة : ( الضعف الأول )

الفصل الأول : 

تحديد فترة الطفولة  

مقالات متعلقة :

مقدمة 

1 ـ حين نقول ( الطفل ) نقصد الذكر والأنثى .

2 ـ على النقيض من كوكب ( المحمديين ) أدرك الغرب أهمية تعليم الطفل باعتباره ( صناعة الانسان ). 

3 ـ كل انسان يولد وقد هيأه الله جل وعلا لأن يتعلم ويدرك . هذه القابلية للتعلم قد تجد مجتمعا يرعاها ويقوم بتنشئة الطفل على أحسن ما يكون محققا بذلك ( صناعة للإنسان ). وبهذه الصناعة يضمن المجتمع تقدما وازدهارا مضطردا . القابلية للتعلم لدى الطفل في المجتمعات المتخلفة تتجلى في ناحيتين : ألا يتعلم الطفل ، يعيش في جهل ويموت به . الأسوأ أن يتعلم الجهل . وهذا حين تسيطر الأديان الأرضية وكهنوتها على المجتمع ، فتنشر الخرافات على أنها دين ، وتمنع التعقل وتعتبر استعمال العقل والتساؤل خروجا عن الدين وكفرا . 

4 ـ الطفل ضعيف ، ولكن تعليمه تعليما واعيا صحيحا يحوّل ضعفه الى قوة نفسية . سنتعرض فيما بعد في الباب الثانى للاستضعاف ، أو الضعف النفسى الذى يصيب شعبا فيجعله ( مُستضعفا ) مملوكا لأكابر المجرمين من مستبدين ورجال الدين . تعليم الطفل وتوعيته هو أساس النجاة من هذا المصير . في نفس الوقت فليس التعليم فقط بل تسبقه وتعايشه رعاية ، تعطيه حقوقه ، وتضمن له مناخا نظيفا يتنفس فيه ويتعلم . 

5 ـ بهذا ترقى الأمم ، وتعيش حاضرها وتعمل لمستقبلها 

6 ـ وبهذا أيضا تتحكم الأمم المتقدمة المتحضرة القوية في الأمم المتخلفة التي لا تزال تعيش في الماضى ، تقدس السلف ( الصالح )، ويتحكم فيها المستبدون ورجال الدين ، وتجترّ أكاذيب دياناتها الأرضية ، وتمنع أي رؤية نقدية لهذا الماضى تاريخا ودينا .

7 ـ نعطى لمحة عن رعاية الطفل في رؤية قرآنية 

أولا : تحديد فترة الطفولة 

 1 ـ  يقول سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (الحج5):

ونستعرض الآية الكريمة بالتدبر والتحليل:

1 / 1 : ( فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ )  إشارة إلى الخلق الأول ؛ خلق آدم ، وأيضا فإن الطعام الذى نأكله هو من تراب الأرض ، ويتحول الى حيوانات منوية وبويضات . وبعد موت الانسان يتحول جسده الى التراب الذى جاء منه .!

1 / 2 : (  ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ  ): إشارة إلى خلق الجنين من نطفة ، أي البذرة الأولى أو (الزيجوت) الذي يتكون من اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة ، ثم تكبر وتتحول الى ( علقة) بعد تكاثر خلايا الجنين لتصبح قطعة صغيرة معلقة بجدار الرحم ، ثم يزداد حجمها الى ( مضغة) أي تكبر حتى تصبح مقدار قطعة اللحم  التي يمضغها الإنسان ، وهنا تتحول الأنسجة إلى جزء مخلق وهو الجنين ، وجزء آخر غير مخلق، وهو المشيمة وفى ذلك تقول الآية الكريمة : ( ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ). 

1 / 3 : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى   ) وقد يستقر الجنين فى بطن أمه إلى موعده ( أَجَلٍ مُسَمًّى )، وقد يسقط .. 

2 : كل هذه التطورات بعلم الله جل وعلا وقدرته وتقديره . قال جل وعلا : 

2  / 1 (  اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)  الرعد )

2  / 2 ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)  المرسلات )

2  / 3 : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)   فاطر  )

3 ـ  ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) . أي بمشيئته تعالى وتقديره تبدأ المرحلة التالية ، مرحلة الطفولة ، حين يخرج الجنين من بطن أمه مولودا ، وتستمر مرحلة الطفولة إلى  أن يبلغ الطفل أشده ، أي أقصى قوته ، وقد يموت ، وقد يطول به العمر إلى أن يصل إلى المرحلة الأخيرة وهى الشيخوخة .

4 ــ إذن فالطفولة طبقا للآية الكريمة تبدأ بالميلاد إلى استكمال قوة الصبي ، أو ( بلوغه ) ودخوله مرحلة الرجولة والفتوة . 

5 :  ويقول جل وعلا أيضا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى) (غافر67) . ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) هي نهاية الطفولة ، وتحمّل مسئولية التكليف ، فالصبي الذي بلغ أشده هو الذي ودع مرحلة الطفولة ودخل مرحلة الرجولة .. ولذلك فإن القرآن يكرر هذا التعبير، يقول جل وعلا :

5 / 1 : عن اليتيم :(  وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ  ) (152)   الانعام )( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)  (34)   الاسراء ) وعن ولدين يتيمين لرجل صالح : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )  (82) الكهف )  

5 / 2 : عن يوسف عليه السلام (  وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف ) وعن موسى : (  وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص   ). هنا وصف مرحلة الشباب التي تخالف الطفولة وضعفها.

6 ـ وسبقت الإشارة الى أن ميزان الضعف والقوة يستخدمه القرآن الكريم فى وصف مراحل الحياة العمرية للإنسان من طفولته إلى شيخوخته ، يقول سبحانه وتعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة ) (الروم 54"). ( خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) : أي مرحلة الطفولة . ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ): أي مرحلة الشباب والفتوة .( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة  ): أي مرحلة الشيخوخة والوهن فالضعف هو أبرز ملامح الطفولة .

7 ـ والقرآن الكريم يعبر أيضا عن دخول مرحلة الشباب باكتمال القوة الجنسية للصبي وقدرته على الإنجاب ، فيقول سبحانه وتعالى عن بلوغ الطفل اليتيم مرحلة الشباب: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء 6.). ( حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ  ): أي بلغوا الرجولة والقدرة على الانجاب .  

8 ـ  ولقد أوجب الله جل وعلا على الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم أن يستأذنوا قبل الدخول على الكبار من الذكور والإناث فى أوقات الخلوة المعتادة : قبل صلاة الفجر ، وحين النوم فى القيلولة وبعد صلاة العشاء. واعتبرها رب العزة جل وعلا ثلاث عورات ، فاذا ( بلغوا ) الحلم أو النكاح أصبحوا ( بالغين ) وجب عليهم أن يتصرفوا كالكبار ، أي يستأذنوا . قال جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور). فالطفل قبل البلوغ يتمتع بالبراءة والنقاء والطهر، ,ومن أسس تربيته وتعليمه أن يستأذن على الكبار فى أوقات الخلوة والراحة ، حتى لا يرى ما يخدش حياءه وبراءته . فإذا بلغ الطفل مرحلة  الحُلم وأصبح رجلا أو امرأة فقد  دخل مرحلة جديدة تستوجب الاستئذان.  

هذا يدخل في تعليم الأطفال . 


الفصل الثانى 

 حق الطفل في الحياة قبل أن يولد  

 أولا : عن قتل الأطفال 

 1 ـ  تعود العرب فى الجاهلية وأد البنات المولودات خشية العار ، وقتل الأولاد خشية الفقر. وقد استنكر القرآن الكريم قتل الطفلة البريئة ودفنها فى التراب حيّة فقال سبحانه وتعالى ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) (التكوير )، وجاء ذلك فى سياق الحديث عن قيام الساعة  وحساب الآخرة . ويصور القرآن الكريم حال أولئك المجرمين حين يعرف احدهم أنه رزق بمولود أنثى فيقول: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل )  . وقال جل وعلا : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17)  الزخرف ). كانوا يفضلون الذكور على الإناث، والذى يرزق بأنثى كان شعوره بالعار يحيل لونه إلى سواد ويجعله يتوارى من القوم، ويحتار بين أن يبقى على حياة وليدته محتفظاً بها وبالعار أم يدفنها في التراب.

2 ـ وحرصاً على حق الأنثى في الحياة فإن القرآن يقرر أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذى يهب لمن يشاء إناثاً أطفالاً أو ذكوراً أطفالاً، أو يهب له إناثاَ وذكوراً معاً، أو يجعل من يشاء عقيماً . قال جل وعلا : ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) الشورى  ) وإذن فلا ذنب على الزوجة إذا أنجبت أنثى كما كان الاعتقاد في الماضي ، كما أن للطفلة الأنثى نفس الحق في الحياة الذي لأخيها الذكر.

3 ـ  إن الفقر كان يدفع بعضهم إلى قتل الأولاد بسبب الفقر أو تحسباً للفقر.. فقال سبحانه وتعالى يحذر من ذلك ضمن الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ  ) (الأنعام151).فالوصية الثالثة من الوصايا العشر تنهى عن قتل الأولاد "من إملاق" أى بسبب حلول الفقر، لأن الله تعالى هو الذي يرزق الوالدين والأبناء معاً. ويتكرر نفس التشريع في قوله سبحانه وتعالى:   (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) الإسراء ). فالنهى هنا عن قتل الأولاد خشية فقر سيأتي ،لأن الله تعالى هو الذى يرزق الأولاد كما يرزق الآباء. وتقرر الآية أن قتل الأولاد خطأ كبير. وقلنا إن الله سبحانه وتعالى يساوى بين الآباء والأطفال في الحاجة للرزق، فيقول في سورة (الأنعام 151). ( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ  ) ويقول في سورة (الإسراء31)( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) ، فالأب سبب لرزق الابن الطفل، والطفل سبب لرزق الأب، والأب والابن سواء فى الاحتياج لله تعالى الرازق. وذلك يلغى الفكرة السائدة التى تجعل رزق الأولاد مرتبطا بسعى الأب ، لأنه طالما أن الله تعالى هو الرازّق فإن سعى الأب في الرزق مهما سعى مرهون بالنجاح والفلاح والمكسب، وذلك في علم الله وتقديره ، وهو جل وعلا الذى يبسط الرزق لمن يشاء أو يقدره . والله تعالى يخبرنا بأنه يراعى في ذلك وجود الأبناء ، بل ويجعل وجود الأبناء سبباً إضافياً لزيادة الحصة في الرزق المقدر للإنسان.

4 ـ  الله سبحانه وتعالى ينعى على أولئك الذين يقتلون أبنائهم بسبب الفقر أو خشية احتمال الفقر، فقال : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)الانعام ) ، فالله سبحانه وتعالى يصف الذين يقتلون أبنائهم بأنهم خسروا، وبأنهم سفهاء مفترون على الله وضالون وغير مهتدين ، وأنهم حين قتلوا أولادهم  قد حرموا ما رزقهم الله جل وعلا ، أى أن الذرية رزق من الله أو سبب من أسباب الرزق.

5 ـ وقد يقال أن قتل الأولاد خشية الفقر وقتل البنات خوف العار عادات سيئة انقرضت وأصبح التشريع القرآنى بشأنها يدخل ضمن التاريخ الماضى الذى لا شأن له بعصرنا الراهن. إلا أن معطيات عصرنا تؤكد أن ما سبق عادات إنسانية سيئة لا تزال موجودة ، بدليل الكراهية لإنجاب البنات وشيوع الإجهاض وخوف العار أو خوف الفقر، وخصوصاً إذا علم أن الجنين أنثى كما في الصين. 

ثانيا :  الإجهاض : متى يكون الإجهاض حراما وقتلا للنفس ؟

خلق الأنفس ، ثم دخول كل نفس جسدها ( الجنين )

قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف ). هنا خلق الأنفس كلها مرة واحدة قبل خلق آدم ، ثم أمر الملائكة بالسجود له . وفى هذا الخلق للأنفس كان تصوير كل نفس بملامحها .

2 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) (1) النساء ). كانت نفسا واحدة ثم انبثقت منها كل الأنفس ، كل نفس لها ملامحها الخاصة.

3 ـ ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (98) الانعام ). كل نفس بشرية فيها مستقر لما سبقها من أنفس ، وهى مستودع لما سيأتى بعدها من أنفس . وكل نفس بشرية تدخل الجنين المقدر لها سلفا في الموعد المحدد ، وفى موعد محدد تولد إنسانا بنفس تسيطر على جسدها ، وفى موعد محدد تفارق هذا الجسد نهائيا بالموت أو بالقتل .

4 ـ ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) آل عمران ). الجنين في الرحم يأخذ صورة النفس بمشيئة الخالق جل وعلا . 

5 ـ (  يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس ) . لأن كل نفس تحمل ملامح جسدها فإن الأنفس في الآخرة تتعارف ، فيعرف الشخص أخاه ووالديه وبنيه وزوجته.

هذه النفس البشرية يحرم قتلها ظلما وعدوانا 

 تكرر تحريم قتل (النفس ) البشرية البريئة في قوله جل وعلا :

  1 : في الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الانعام )

  2 : في وصايا للمؤمنين : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (33) الاسراء )

  3 : في صفات عبد الرحمن ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (68) الفرقان )  

في موضوع الجنين فهل فيه ( نفس ) أي دخلت فيه ( نفس ) أم لا يزال كتلة من الخلايا تتكاثر وتتشعب ولم تصل الى مرحلة دخول النفس فيها . يكون الإجهاض قتلا إذا كانت فيه نفس ، أي أصبح الجنين انسانا ، لكن لم يحن بعدُ خروجه الى النور . 

متى تدخل النفس في الجنين ويصبح بها إنسانا ؟ 

  يقول سبحانه وتعالى : 

  1 :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) الحج 5 ). 

  2 : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون ).

نلاحظ :

1 ـ ( العلقة ) تكون في الأسبوع الرابع من الحمل حين تلتصق النطفة بجدار الرحم وتتعلق به. ثم تستمر الخلايا بالانقسام لتصبح قطعة لحم صغيرة ، أو ( مُضغة ) ويتكون حولها كيس الحمل ( المشيمة )، أو كما قال جل وعلا : ( ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) الحج 5 ). الجنين داخل هذا الكيس ينمو ، وتبدا أعضاؤه في الظهور مع الأسبوع الخامس الذى يبدأ فيه تكون العظام .( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً  ) . أي تتَحَوّل قِطعَةِ المُضغَة وَهِيَ عِبارَة عَن قِطعَةِ لَحِم إلى هيكَل عَظمِي فِي الأسبوع السابعِ تَحديداً ليكُونَ على شَكلِ صُورَةٍ آدَميّة. في هذا الأسبوع السابع ، يتضاعف حجم الجنين ثلاث مرات، ويتشكل الدماغ ، بما يمكن تسجيل موجاته ، وينمو الدماغ بشكل أكثر تعقيدًا، وتتكاثر الخلايا العصبية بمعدّل مذهلٍ قد يصل إلى 100,000 خلية في الدقيقة، وينبض القلب بانتظام بمعدل 150 نبضة تقريبًا في الدقيقة أي بما يعادل ضعف متوسط ​​معدل ضربات قلب البالغين، وتتطوّر ملامح وجه مميزة للجنين. وَيبقَى هذا الطور إلى نِهايَةِ الشهر الثاني (الأسبوع الثامن)، وَيبدأ بعدَها تَكوّن الجنين ونشأتهِ، وينتَهِي طَورِ الأجنّة بِحَسَبِ ما يَصِفَهُ العُلماء.

2 ـ ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ).  فِي بِدايَةِ الأسبوع التاسع تُصبِحُ الأعضاء جاهِزَةً بأن تَقُومَ بِوظائِفِها، وفي هذِهِ المَرحَلَة تدخل  النفس في الجنين بَعدَ مرورِ أربعةِ أشهر من الحمل فيصبح إنسانا مختلفا ( خلقا آخر ) عن وضع الجنين الذى كان مجرد قطعة لحم حيّة ـ كأى كائن حى مثل الدودة أو الأميبا . هنا أصبح ذلك الكائن الحى داخل الرحم إنسانا داخله ( نفس ) . يكون الإجهاض هنا قتلا للنفس . الجنين قبل ذلك لم يكن إنسانا ذا نفس ، لذا لا يكون الإجهاض في هذه المرحلة قتلا للنفس. الإجهاض يكون قتلا بعد مرور أربعة أشهر من الحمل.  

ثالثا :  تحديد أو ( تنظيم ) النسل  

1 ـ زيادة النسل مرغوبة مطلوبة في مجتمع حُرّ ديمقراطى ونشاط اقتصادى تحكمه الشفافية والمُساءلة . الانسان هنا أساس التنمية والرقى ، فهو بالتعليم والتدريب والتأهيل يكون منتجا للثروة . هناك دول فقيرة في الموارد وفقيرة في عدد السكان مثل سويسرا وإسرائيل ودول اسكندنافيا ، ولكنها تحقق الدخل الأكبر بسبب ( جودة الانسان فيها ) ، وهناك دول كثيفة السكان وكبيرة في الموارد ولكن تعانى من الفقر والتخلف ، مثل دول المحمديين .!. 

2ـ  في دول الاستبداد التي تعانى من كثافة السكان وزيادة المواليد يعمل المستبد على تحديد النسل لأنه يراه عبئا عليه . إن المستبد يحتكر هو وقومه المترفون الثروة والسلطة ويتداولون الفساد فيما بينهم ، ولا ينفقون على التعليم والخدمات ، ويرون زيادة المواليد عبئا على الميزانية الدولة التي هي في جيوبهم . ينفقون البلايين بذخا وإسرافا ومشروعات وهمية ودعائية ، ولا ميزانية حقيقية للتعليم والرعاية الاجتماعية والصحية . المستبد هو أعدى أعداء الشعب ، وهو الأخطر على أطفال الشعب . 

أخيرا

هذا فيديو عن تجميع أطفال الشوارع في مصر وقتلهم وبيع أعضائهم :. 

https://www.youtube.com/watch?v=vtgXXBvRhBU

لو كان ما فيه صحيحا فإن عبد الفتاح السيسى قد تجاوز كل مستويات الاجرام .


الفصل الثالث : 

العفة الجنسية حماية للأطفال 

خطورة الزنا على الأطفال 

1 ـ الزنا أكبر عدو للأطفال . إذا شاع الانحلال الخلقي في مجتمع شاعت معه الأسر المحطمة والبائسة والمشاكل داخل الأسرة . الزنا حين ينتشر لا يهدد فقط وجود الأسر السعيدة حين يغوى الزوج والزوجة ولكنه أيضاً يمنع تكوين العلاقة الزوجية في الأساس حين يصبح الزواج أمراً مكروهاً والحياة المنطلقة المتحررة البهيمية أمراً مطلوبا .   

2 ـ وتتجلى خطورة الزنا قرآنيا في :

2 / 1 : أنه بعد النهى عن قتل الأولاد يأتي الأمر بعدم الاقتراب من الفواحش . يقول جل وعلا:

2 / 1 / 1 : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) بعدها : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)  الاسراء )  

2 / 1 / 2: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) بعدها : ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (151) الانعام  )

2 / 2 : وصف الزنا بأنه ( وَسَاءَ سَبِيلاً  )، أي إن تأثيره سىء على المجتمع ، وهذا يتجلى في شيوع الأمراض الجنسية ووجود أطفال غير شرعيين و( أطفال الشوارع ) يكونون عبئا ونقمة على المجتمع ويشكلون خطورة عليه ، تنتشر فيهم الأوبئة وبهم تتكون جماعات من المجرمين ، بل قد ينتج عنه جرائم التخلص من الطفل غير الشرعى بالاجهاض أو بالقائه بعد ولادته في أي مكان ، وهذا شائع معروف . الأطفال هم أبرز الضحايا لجريمة الزنا ، سواء كانوا أطفالاً شرعيين انفصل أبواهم بسبب الزنا، أو كانوا أطفال غير شرعيين عاشوا يحملون حقداً على المجتمع الذى احتقرهم بسبب لا دخل لهم فيه.

 رؤية قرآنية في الحدّ من انتشار الانحلال الخلقى حماية للأطفال 

1 ـ ممارسة الجنس غريزة لدى الحيوانات والانسان ، وبها يستمر النوع . الحيوان يمارسها بلا محاذير شرعية شأن الأكل والشرب . أما في الانسان فعليه محاذير وتشريعات ومحرمات في الطعام وممارسة الجنس . كل من الانسان والحيوان لا يملك جسده ، ولكن الحيوان مُسخّر مخلوق للإنسان ، أما الانسان فهو مملوك بجسده ونفسه للخالق جل وعلا ، ولكن ابتلاه الخالق جل وعلا بالحرية في الطاعة أو المعصية . أباح له جل وعلا الأكل من كل الطعام وحرّم عليه أنواعا معينة ، وأباح له الزواج بأكثر من واحدة ،وحرّم العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج . ويلاحظ  سهولة تشريع الزواج ، وتشريعات القرآن الكريم في حل الخلافات الزوجية ، وهذا موضوع طويل سنتعرض له في كتاب قادم بعون الله جل وعلا عن تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السُنّى . 

2 ـ ولا يمكن مطلقا في أرض الواقع منع الزنا ، وقد فشلت في ذلك القوانين الوضعية ، والمذاهب الدينية المتزمتة . هناك مجتمعات متحررة جنسيا تؤمن بأن الانسان يملك جسده ، وله حرية التصرف فيه . وعلى النقيض هناك مجتمعات الحجاب والنقاب ، وتحت النقاب تسود العلاقات الجنسية العادية والشاذة .

3 ـ ونعطى هنا رؤية قرآنية سريعة للحدّ من تحول جريمة الزنا الى انحلال خلقى يدفع ثمنه الأطفال .  

التوبة 

العقوبة سبيل للردع والإصلاح بإسقاط العقوبة على من يتوب 

1 ـ ليس الرجم ولكنه ( الجلد) عقوبة للزانى والزانية ، فإذا تابا سقطت العقوبة ، فالعقوبة ليست للانتقام ولكن للإصلاح . وهناك أيضا عقوبة القذف بالزنا للمحصنات ، وتسقط أيضا بالتوبة ، قال جل وعلا : ( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) النور  ). 

2 ـ وهناك عقوبة سلبية لمن تشتهر بالفاحشة دون ضبطها متلبسة ، بعد أن يشهد أربعة عليها يكون حبسها الى أن تتوب أو تموت ، وبالتالي تكون التوبة هي الحل الأمثل . قال جل وعلا : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) النساء )

3 ـ تقسيم الذنوب الى صغائر من السيئات وكبائر . ومن يجتنب الكبائر ( كالزنا ) يغفر له الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء )

  3 :   تحريم جريمة الزنا ومقدماته ، وغفران ( اللمم) أي مقدمات اللمم لمن يجتنب الزنا . 

3 / 1 : فى تحريم لكل مقدمات الزنا يأتي معنى : ( لا تقربوا ) و ( اجتنب ). قال جل وعلا : 

  3 / 1 / 1 : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ) (32)  الاسراء )  

3 / 1 / 2: ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (151) الانعام  )

3 / 3 / 3 : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ )(37) الشورى )

2 / 3 / 4 :( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )(33)الأعراف )

3 / 2 : ويأتي بتحريم أي نشاط جنسى خارج الزواج . قال جل وعلا : 

3 / 2 / 1 :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) المؤمنون ) 

3 / 2 / 2 : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) المعارج ). أي إن كل نشاط جنسى ـ قلّ أو كثُر ــ هو حرام طالما كان خارج العلاقة الزوجية الحلال .

3 / 3 : ولكن يستحيل على الانسان الامتناع تماما عن اللمم أو مقدمات الزنا ، فذلك ( يلُمُّ ) بكل البشر ، يفكر فيه ، يمارسه مع نفسه ( الاستمناء ) يقترب من الزنا بالملامسة والتقبيل ..الخ دون الزنا الكامل المعروف . هذا ( اللمم ) حرام ولكنه من السيئات التي يغفرها الله جل وعلا إذا إجتنب الانسان كبائر الإثم والفواحش أي الزنا . قال جل وعلا في صفات الذين الحسنى والذين سيجزيهم جل وعلا بالحسنى : ( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32) النجم ). فالذين أحسنوا لا يخلو أحدهم من الوقوع في اللمم ، ولكن يغفره الله جل وعلا ، وهو الأعلم بنا ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك  )

4 ـ  باب التوبة مفتوح لمن يقع في الزنا ثم يتوب توبة نصوحا . خصوصا لمن يسارع بالتوبة مبكرا . قال جل وعلا :

4 / 1 : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران ). هنا أمر بالمسارعة الى التوبة وطلب المغفرة . الله جل وعلا يغفر لمن وقع في الفاحشة فعلا ، وأسرع بالتوبة واستغفر ولم يكن لديه إصرار على العودة اليها .

4 / 2 : (  إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)   النساء ). واضح إن هذا عن فترة المراهقة ، وفيها الجهالة . إذا تاب فهى توبة قريبة .             

4 / 3 : (  وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام   ). هنا توبة قريبة يعقبها إصلاح وعمل للصالحات .

4 / 4 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)  النحل )

5 ـ الوصول الى منتصف العُمر ( الأربعين ) مؤشّر يوجب على الانسان أن يفكر في إصلاح نفسه والتوبة . قال جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) الاحقاف  )

6 ـ ويظل باب التوبة مفتوحا . قال جل وعلا :

6 / 1 : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ). هذا من ضمن صفات عباد الرحمن ، إنهم ( لا يزنون ) ، وإذا وقعوا في الزنا تابوا توبة نصوحا مرتبطة بتصحيح الايمان والعمل الصالح . ويغفر الله جل وعلا بأن يبدّل عملهم السيء القديم بالعمل الصالح  التالى ، بالتالى لا يكون زانيا بل تائبا من عباد الرحمن . 

6 / 2 : (  قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  الزمر ). أي لا ييأس الفرد من رحمة ربه الغفور الرحيم ، كل ما عليه أن يتوب ويعمل صالحا . قال جل وعلا في الآيات التالية : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) الزمر ).

7  ـ عند الاحتضار على فراش الموت لا يقبل الله جل وعلا توبة الفاسق والكافر. قال جل وعلا : ( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء )

8 ـ ونلاحظ في الآيات السابقة أن التوبة هي تعامل مع الله جل وعلا ، أي إصلاح للنفس من الداخل .

المجتمع الاسلامى المثالى يخلو من الانحلال الخلقى حماية للطفل .

قال جل وعلا :

1 ـ في صفات هذا المجتمع : ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) الشورى ). من ضمن صفاته إجتناب كبائر الإثم والفواحش .

2 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة  ). كان النبى محمد عليه السلام يأخذ العهد على النساء الداخلات في دولته الإسلامية ألا يقعن في الزنا ولا في قتل أولادهن ، ولا نسبة مولود الى غير أبيه .

3 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) النور ) توعّد الله جل وعلا بعذاب أليم في الدنيا والآخرة كل من ( يُحبُّ ) أن يشيع الانحلال الخلقى في المجتمع المُسلم . والله جل وعلا هو الذى تكفّل بذلك ، وهو الذى يعلم ونحن لا نعلم . والعذاب الأليم يشمل الدنيا والآخرة . ويلاحظ أن التهديد بالعذاب على مجرد النية القلبية جاء مرتين فقط ، هنا فيما يخص ( حُبُّ إشاعة الفاحشة )، والأخرى فيمن يُريد بقلبه الالحاد والظلم في المسجد الحرام. قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ). 

ودائما : صدق الله العظيم .!!





الفصل الرابع :

رعاية المولود في فترة الرضاعة 

أولا :

1 ـ كما وضع القرآن الكريم مراحل العمر من الحمل إلى الطفولة إلى الشباب فالشيخوخة، فقد وضع مراحل أخرى جزئية في فترة الطفولة. بعد الحمل تكون الولادة والتلازم بين الأم والوليد وينتهي هذا التلازم بالانفصال بينهما، فيترك الطفل بعد الرضاع ذراعى أمه ليجرى ويلعب ويكتشف ما حوله ، ويريد الخروج من البيت ، وهنا يبدأ مرحلة التنشئة والتعلم..

 2 ـ والقرآن الكريم يلحق فترة الرضاعة بفترة الحمل، وبعدهما (ينفصل) الطفل عن أمه ويجرى بعيداً ويفك الحبل السرى بينه وبينها. يقول سبحانه وتعالى: ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (14) (لقمان ). ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ): هذا وصف بليغ لمشقة الحمل عند المرأة. ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) ، أى أن فترة الرضاعة والتلازم بين الأم والرضيع وتمام الرضاعة للمولود عامان كاملان، أو كما يقول سبحانه وتعالى: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )(البقرة 223). ومن حق الطفل أن يتمتع بصدر أمه أربعة وعشرين شهراً يظل فيها ملازماً لأمه وتحت رعايتها، وبعد هذه الفترة ينطلق يجرى ويلعب ويبدأ دورة جديدة من مراحل طفولته.

3 ـ وتشريعات الإسلام وضعت كل التدابير ليتمتع الرضيع الضعيف بكل حقوقه. والأغلب أن الأسرة السعيدة لا يجد الرضيع فيها مشاكل في موضوع الرضاعة. والأغلب أيضاً أن تأتي المشاكل للرضيع الضعيف حين تكون أمه منفصلة عن أبيه ، وقد أخذت حقوقها في النفقة أو المتعة من زوجها السابق، ولكن تشريعات القرآن الكريم تلاحق الزوج السابق وتلزمه بنفقة الرضيع والإشراف على تمويل رضاعته، سواء كان يرضع من أمه أو من مرضعة مستأجرة، ولذلك فإن الله جل وعلا يفرض أن تكون مدة الرضاعة حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وعلى الأب أن ينفق على المرضعة بالغذاء والكسوة مدة الرضاعة، سواء كانت المرضعة أم المولود أم لم تكن، وأن تتدخل الجهات المختصة في تحديد مقدار النفقة لتكون بالمعروف دون مشقة على الأب ودون إضرار بالأم، وإن كان الأب متوفياً فعلى من يرثه أن يحل محله في المسئولية، وحين يريد الأبوان فطام الرضيع فلابد أن يكون ذلك القرار عن تشاور وعن تراض بينهما ، فلا يصح لأحدهما أن ينفرد بالقرار، أو أن يجبر الآخر عليه، وإذا اتفقا على استئجار مرضعة فلابد من أن تأخذ حقوقها بالمعروف . يقول جل وعلا :

3 / 1 ـ ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)  البقرة 223 ) 

3 / 2 : وفى حقوق الزوجة في النفقة وموضوع الرضاعة وكرامتها وعدم التضييق عليها قال جل وعلا : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق 6، 7).

4 ـ ومن عجائب القرآن الكريم أن يلحق فترة الرضاعة بفترة الحمل، وبعدهما ينفصل الطفل عن أمه ويصبح حراً طليقاً يلهو ويلعب ، يقول سبحانه وتعالى يجمع بين فترتى الرضاعة والحمل : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(15) الأحقاف )  

إن أقل مدة للحمل ستة أشهر، وأقصى مدة للرضاعة عامان، ومجموع مدة الحمل والرضاعة معاً ثلاثون شهراً. وبعدها يكون الفصال والانفصال بين الأم ووليدها.. وقبل هذا الفصال بينهما كان المولود معتمداً على غذائه عن طريق الحبل السرى وهو جنين، ثم عن طريق ثدى أمه وهو رضيع، وكانت تحمله في أحشائها وهو جنين ثم أصبحت تحمله على كتفها وبين ذراعيها وهو رضيع.. ثم يبدأ الانفصال بينهما.

5 ـ والتعبير القرآنى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) غاية في الاعجاز . نفهم هذا من عكس كلمة ( الفصال ). وهو أن يكون الطفل جزءا من أمّه ، وهذا يكون على مرحلتين : في الحمل يكون جزءا داخليا في رحم الأم ، يتغذى من خلال الحيل السرّى ، ثم بعد ولادته إذ يظلُّ جزءا من الأمّ يتغذى من ثديها . الفارق هو في مشاعر الأم . في وقت الحمل والولادة آلام ووهن على وهن ، ثم هي لا تحسُّ بطفلها ولا تراه ولا تلمسه . يتغيّر هذا بمجرد الولادة، ليس هناك ما يعدل فرحة الأم وراحتها وهى تضم وليدها لأول مرة، وحين يلمس جسده جسدها ، وحين يبحث بفمه عن ثديها . وحين تلقمه ثديها تتفجر في داخلها ينابيع الحنان ، ويرتبط هذا الحنان بفيضان اللبن لرضاعته . فترة الرضاعة أروع فترة في حنان الأم وعلاقتها برضيعها . لا نجد أروع من قوله جل وعلا : 

5 / 1 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج ). وقت قيام الساعة فقط هو وقت ذهول المرّضعة عما أرضعت. قبل ذلك يكون تركيز المرضعة على رضيعها حنانا واهتماما .

5 / 2 ـ ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10)  القصص ). في هذه الآيات الكريمة وصف لحال أم موسى ، جاءها الوحى الالهى أنها إذا خافت عليه فلا تضمُّه الى صدرها ، بل تلقيه في نهر النيل . هذا مع التأكيد الالهى لها بحفظه وأنه لا داعى لأن تخاف عليه ولا أن تحزن . ومع ذلك أصبحت في حاجة لأن يربط الله جل وعلا على قلبها. هي لم تعلم إن الله جل وعلا أرسل الطفل الصغير الى قصر الفرعون رأسا ليتولى الفرعون رعايته .

6 ـ وتدبرا في قوله جل وعلا : ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) نلاحظ أنه جل وعلا لم يقل ( تذهل كل أمّ عما أرضعت ). التعبير بالمرضعة يشمل من تقوم برضاعة الطفل من غير الأم . ليس الرضاعة المؤقّتة السريعة بل رضاعة شرعية تستمر الى حولين كاملين أو أقل قليلا . نلاحظ هنا أنه لا مشكلة بالنسبة للأم الوالدة التى ترضع طفلها، فهى أمه بالولادة وأمه بالرضاعة ، ولكن المشكلة في الأم التى أنجبت وعجزت عن إرضاع طفلها الوليد فاحتاج إلى مرضعة أخرى تكمل معه المشوار إلى أن يتم الانفصال. هنا يكون للطفل أمان، أم والدة، وأم مرضعة. لأنه بالفعل سيكون ابناً للأم الأخرى التى لم تنجبه ولم تقم إلا برضاعته وتغذيته من لبنها وصدرها. فاللبن الذى يرضعه منها يدخل في استكمال جسده وفي تكوين مخه، وإذا كان وزنه عند الولادة خمسة كيلو جرامات أخذه من أمه الوالدة، فإن وزنه بعد اتمام مرحلة الرضاعة سيتضاعف ، وذلك الوزن الأساس المُضاف في جسده ومخه أتى إليه من جسد تلك المرضعة ومكونات لبنها ، أى أصبحت شريكة فيه مثل أمه التي أنجبته تماماً. بالإضافة إلى أن الرضاعة ليست مجرد تغذية بيولوجية ، بل هى جرعة حب وحنان وأحضان، وعلاقة حميمة بين الرضيع ومرضعته تخفق فيها القلوب والعقول. ومن الطبيعى أن ذلك كله لا يمكن أن يأتى في حالة رضعة واحدة أو بضع رضعات وإنما بفترة رضاعة كاملة ينشأ فيها الطفل وقد أعتبر تلك المرضعة أماً له. يتلهف لمرآها ويصرخ طالباً ثديها ويسعى حبوا لها ويفتح عينيه يطلب منها الغذاء والأمان والحب والحنان أى يعتبرها أمه ،ويعتبر بناتها مألوفين له مثل أخواته من أمّه الطبيعية التي ولدته .

7 ـ هذه الأم المرضعة هى التى جعلها رب العزة جل وعلا من المحرمات في الزواج ، وألحق بها ابنتها . حرّم اللله جل وعلا زواج رضيعها منها شأنها شأن الأم التى أنجبت، بل وحرم القرآن الزواج من ابنتها، لأنها أخت في الرضاعة.. يقول سبحانه وتعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ..)(23)  النساء ) أى يحرم زواج الأم المرضعة والأخت التى أنجبتها المرضعة أيضاً، ولم يقل رب العزة جل وعلا ــ وهو الأعلم بما خلق :  "النساء اللاتى أرضعنكم" وإنما قال : ( وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ )   ليؤكد جل وعلا على أن المرضعة التى يحرم الزواج منها هى التى أصبحت مثل الأم، أي التى قامت بالإرضاع طيلة مدة الرضاعة حتى اعتبرها الرضيع أمه وناداها بذلك بعينيه وصراخه ولهفته وتعوده عليها ، فأصبحت أُمّه بهذا التلازم، وأصبحت بناتها أخوات لذلك الرضيع يحرم عليه الزواج منهن .

8 ـ ومن التعبيرات المأثورة أن يقول الأخ لأخيه (يابن أمى) وذلك ما قاله نبى الله هارون لأخيه موسى حين غضب موسى على أخيه هارون بعد أن رجع موسى من لقاء ربه فوجد بني إسرائيل قد عبدوا العجل الذهبي ووجد أخاه هارون عاجزاً معهم ، فأخذ برأس أخيه يجُرُّه إليه غاضباً، حينئذ قال هارون : ( قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي )(94 ) طه ) (  قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)(الأعراف ). أى أن هارون في هذا الموقف العصيب أخذ يذكّر أخاه بالأم الطيبة (أم موسى وهارون ) التي رعتهما وأرضعتهما . لم يقل ( يا ابن أبى ). وللعلم فلا نجد ذكر أب موسى في قصة موسى ، فالبطولة المطلقة من مولده الى أن كلّمه الله جل وعلا عند جبل الطور كانت للنساء؛ وهنّ : أم موسى ، أخت موسى ، المراضع ، زوجة فرعون ، ثم الفتاتان، وإحداهما أصبحت زوجته .  

أخيرا : 

1 ـ فارق هائل بين روعة الإسلام في موضوع الرضاعة وهجص الدين السُّنّى فيها حيث أختلفوا في عدد الرضعات وقالوا برضاعة الكبير ، وكنتُ أول من أثار موضوع رضاعة الكبير في مصر، وقد زاد هذا بعض شيوخ الأزهر طغيانا وكفرا فانبروا في وسائل الاعلام يؤكدون صحة حديث البخارى في رضاعة الكبير ، فأثاروا سخرية الناس . هم من ( شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) ينطبق عليهم قول الله جل وعلا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الأنفال ). 

2 ـ وهذا يطرح سؤالا : الى متى تحتفظ مصر بالأزهر ؟ لقد قضيت ثلاثين عاما أقوم فيها بتطهير عقلى بالقرآن الكريم من رجس الأزهر .. الى متى يظل رجس الأزهر عارا على جبين مصر ؟ 


الفصل الخامس : 

تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )  

أولا : 

 1 ـ هناك قبائل بدائية تعيش منعزلة في مجاهل غابات الأمازون ، لم يتغير حالها من مئات القرون ، ترفض التواصل مع الغرباء ، وتتمسك بما عاشت عليه . نفترض أن بعثة مستكشفين أخذوا طفلا رضيعا من احدى هذه القبائل ، ونقلوه ليعيش في لندن ، ليتعلم فيها كبقية أطفالها ، سينشأ في لندن طفلا انجليزيا ، لا يختلف في سلوكياته ومعيشته عن بقية الأطفال . وحين يبلغ أشُدّه سيكون شابا انجليزيا ، وهكذا في مراحل حياته الى الموت . سيكون مختلفا عن بقية أهله في تلك القبيلة الأمازونية . هنا طفل وُلد في مكان متخلف، ثم انتقل الى مكان مُتحضّر ، فتمت صناعته وفق تعليم هذا المكان المتحضر .   

2 ـ يتأسّس الطفل على ما تعلّمه وما تشرّبه من بيئته الأولى . في سنواته الأولى يكون مثل الاسفنجة يتشرب سريعا ما يسمع وما يرى وما يحس ، ويقوم بتخزين ذلك في ذاكرته ، ويتطور عقله وفق المعطيات السارية في بيئته ، فإن نشأ في قرية صعيدية عاش بنفس القيم ونفس اللهجة ، وشبّ صعيديا ، يرى الأخذ بالثأر فرضا لا بد من الوفاء به مثلما تشرّب من بيئته ، وإن نشأ في السويد كان سويديا حتى لو جىء به من موزمبيق !. 

3 ـ يولد الطفل ضعيفا جسديا في أي زمان وفى أى مكان . يختلف وضعه حسب ما يتعلمه من مجتمعه . إن كان مجتمعه متحضرا قويا تعلم في طفولته كيف يكون واعيا قويا معتمدا على ذاته يعرف حقوقه مستعدا لأن يدافع عنها بحياته ، ومدركا أن قوته هي بقوة الآخرين من نفس القوم والوطن ، وهم معا شركاء متساوون في نفس الوطن ، وبالتالي يكون الوطن ديمقراطيا لا سبيل لوجود فرعون فيه . إن كان مجتمعه متخلفا تعلم منه ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ؛ أن يخضع لمن فوقه ، وأن يستأسد بمن هو دونه ، وأن يستبعد الآخر المختلف عنه في العرق والدين والمذهب ، وأن يعيش بالمذهب القائل : أنا وبعدى الطوفان . 

4 ـ لنتخيل أن مصلحا ذهب الى هذه القبيلة الأمازونية المنعزلة  وحاول إصلاحها وتعليمها . سيقف ضده زعيم القبيلة وساحر القبيلة . الزعيم هو الفرعون ، والساحر هو الكاهن . وهما معا أكابر المجرمين المتحكمين في القبيلة ، ويرون بقاءهم في استمرار ( الثوابت ) التي توارثوها من أسلافهم ، أي عبادة ما وجدوا عليه آباءهم و ( السلف الصالح )، وهم على آثار أسلافهم ( يهرعون ) كما قال رب العزة جل وعلا ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات ) . بهذه الثوابت الدينية الاجتماعية ـ التي تعلموها أطفالا ونشأوا وعاشوا بها وعليها كبارا ــ أصبح لهم النفوذ والقوة فوق مجتمع ضعيف متهالك ، أصبحوا المترفين ينهشون شعبا من المستضعفين . لا فارق هنا بين قبائل الأمازون وقبائل المحمديين في مصر والعراق والسعودية ولبنان وليبيا .الخ ألخ . ولقد جعلها رب العزة جل وعلا قاعدة سارية فوق الزمان والمكان ، أن القلة المُترفة إنما تكتسب ثراءها وسطوتها بالحفاظ على الثوابت الدينية المتخلفة ، قال جل وعلا : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ). لذا لا بد في هذه المجتمعات المتخلفة أن يتعلم أطفالها ثوابتها الدينية ، وممنوع عليهم النقاش ، وإذا كان هناك تعليم فهو تعليم الجهل بتقديس الخرافة والبشر والحجر ، وعبادة الأبطال في السياسة ودينهم الأرضى . لا بد أن يكون العلم تحفيظا وتلقينا دون تعقل وتساؤل وابتكار . بهذا يكبر الطفل ويتطور جسديا من الشباب الى الشيخوخة وقد تجمّدت عقليته وتخشّبت في طفولة عقلية . إذ ارتبط التخلف العقلى بدين أرضى ، وقد تمر عشرات القرون وهم تحت سيطرة الفرعون والكهنوت كما حدث في العصور المظلمة في أوربا ، وكما يحدث حتى الآن في كوكب المحمديين . والمثل الأعلى في غابات الأمازون . هنا وهناك ترى عقلية الأطفال المتخلفة لا فارق بين طفل وشاب وكهل . جميعهم ( لا يعقلون ).!!

5 ـ هناك ما يعرف بالصدمة الحضارية التي يعانى منها المهاجرون المحمديون الى الغرب .  في طفولتهم نشأوا على ثقافة التخلف ، ثم هاجروا للغرب فصعقتهم ثقافة جديدة تستلزم أن يتأقلموا معها . لو أنجب أحدهم طفلا في بيئته الجديد فسينشأ طفله وقد استوعب البيئة الجديدة في المدرسة وفى الشارع ومع أصحابه ، بينما يظل أبواه في منطقة الحيرة بين ثقافة متأصلة فيهم منذ الطفولة والبيئة الجديدة الى لا بد أن يتكيفوا معها . وقد تكون هذه مشكلة بين الوالدين والأبناء ، وربما تقيم حاجزا بينهم . ونعطى أمثلة :

5 / 1  ـ مهندس كومبيوتر من أعماق الصعيد استقر في أمريكا ، وتعرف على شخص من بلدياته وتصادقا ، ولأن هذا المهندس لا يريد أن يتزوج أمريكية لا يفهمها ولا تفهمه فقد تزوج شقيقة صديقه ، وجاء بها من القرية لتعيش معه في شقة اشتراها في منطقة راقية ، ومنعها حتى من الاتصال بشقيقها ، وجعلها تعيش ثقافة الصعيد في البيت ، لا تعرف عن أمريكا شيئا . وكان سعيدا بهذا ، يشعر أنه يملكها ، فهى تعتمد عليه في كل شيء ، وهذا ما تعلمته في طفولتها ، وهذا هو أيضا ما تعلمه في طفولته . عاشا بلا مشاكل الى أن أُصيب المهندس في حادث سير . ووجدت الزوجة المسكينة نفسها غارقة . استنجدت بشقيقها تطلب أن ترجع لقريتها ، فرفض ، وذكّرها بعادات الحداد القاسية هناك والحياة الخانقة التي تنتظرها لو رجعت للقرية ،  وظل معها يراجع الفواتير والمستحقات ويعلمها الإنجليزية وكيف تشترى وكيف تتنقل ثم كيف تقود السيارة الى أن رسا بها على حافة التأقلم . هذه الزوجة صناعة صعيدية وأبقاها زوجها على ما نشأت عليه في طفولتها . 

 5 / 2  ـ اللاجئون المحمديون يتمتعون في الغرب بما يحسدهم عليه أهاليهم في بلادهم الأصلية . ولكن معظم هؤلاء اللاجئين الذين لم يتكيفوا مع ثقافة الغرب وهم  يعالجون هذا النقص بكراهية دينية مقدسة للغرب الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، تراهم يستغلون الحرية التي يتمتعون بها ــ والمحروم منها أهاليهم في بلادهم الأصلية ـ في المظاهرات الصبيانية التي تطالب بتطبيق شريعتهم السنية ، أو بالصلاة الجماعية في الشارع ليعطلوا المرور . تصرفات صبيانية تؤكد أنهم لا يعيشون المراهقة العقلية بل الطفولة المتخلفة التي نشأوا عليها باعتبارها ثوابت دينية . وهم في تمسكهم بها قد يندفعون الى أعمال إرهابية . هم قد تمت صناعتهم في طفولتهم على كراهية الغرب ، واصبح هذا دينا لديهم ، ولا تزال ثقافة طفولتهم حيّة فيهم . 

6 ـ إن تنشئة الطفل بتعليم حقيقى يعنى مستقبل أمة قوية . وتنشئته بتعليمه الجهل وتقديس الثوابت وأن ( يعضّ عليها بالنواجذ ) لن يصنع إلا ما هو ماثل اليوم في كوكب المحمديين . وحتى لو هاجر بعضهم بهذه الثقافة المتخلفة فسيكون صعبا عليه التخلص من أوزارها . لأن الشعار الذى يتمسك به هو ثوابت ( الأمة ) أو : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ). 

ثانيا : نعطى بعض أمثلة لما يفعله تعليم الطفل 

1 ـ انجلترة برغم قلة عدد سكانها من قرنين فقد أصبحت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، من أمريكا وكندا الى الهند وأستراليا مرورا بالشرق الأوسط . حدث هذا بعد تحول ديمقراطى ونهضة تعليمية . عدد سكان انجلترة عشرات الملايين ، ولكن مستعمراتها بمئات الملايين ، ولكنهم أصفار على الشمال .!

2 ـ اليهود هم بضع وعشرون مليون نسمة فقط ، ولكنهم يسيطرون على العالم علميا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا . السبب هو تعليم الأطفال . حافظ اليهود على تراثهم التوراتى في بيوتهم وفى حاراتهم ومؤسساتهم الدينية ، وساعدهم هذا في تماسكهم وشعورهم بالتميّز . ونشّأوا أطفالهم على هذا. يتعلم الطفل اليهودى عدة لغات بجانب لغة الوطن الذى يعيش فيه ، ويستوعب أضعاف غيره في العلم والتعليم . اليهود في سيطرتهم على الغرب أسّسوا دولة إسرائيل ، ولأن مصر هي الأكبر والأكثر سكانا فقد حرصوا على تحطيمها من الداخل . وستثبت الأيام أنهم هم الذين صنعوا فراعنة مصر من عبد الناصر الى السيسى ( وربما من سيأتى بعدهم ) . ولقد بات واضحا الآن أن عبد الناصر هو الذى أنهزم أمامهم طواعية عام 1956 ، وعام 1967 ، والشعب المصرى في طفولته العقلية كان ـ ولا يزال ــ يقدس هذا الفرعون الذى صنعته إسرائيل . قبل عبد الناصر وحكمه العسكرى كانت أنجلترة التي تحتل مصر مدينة لمصر ب 55 مليون جنيه استرلينى . ( كم يساوى هذا المبلغ في أيامنا هذه ) . الآن تمخّض جبل عبد الناصر فولد فأرا اسمه السيسى ، وقد بلغت ديون مصر في عهده مئات البلايين من الدولارات ، وأصبح يستدين ليس لسداد الديون بل لدفع فوائد الديون ، ومطلوب من الأجيال القادمة أن تسدد هذه الديون . حكومة إسرائيل تحرص على حياة الفرد الاسرائيلى ، بل تحرص على دفنه في إسرائيل لو مات أو قُتل خارج إسرائيل . والعسكر المصرى ـ المنهزم دائما ـ ينتصر ــ دائما ــ على الشعب المصرى الأعزل ، ولا يتورع هذا العسكر عن إقامة المذابح للمصريين ، لارهابهم والمزيد من خنوعهم . إسرائيل بعدد سكانها وقلة مسحتها هي جزيرة صغيرة وسط محيط شاسع في كوكب المحمديين . هذا من حيث الكمّ والعدد والمساحة . ولكن من حيث الكيف فهى الأكبر . عدد الإسرائيليين بضع ملايين ، ولكنهم لا يواجهون سوى حوالى عشرين من الأفراد فقط ، هم عدد الفراعنة في كوكب المحمديين . الشعب المصرى الآن يزيد قليلا عن مائة مليون ، ويعيش منهم مائة مليون ( فقط ) في ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ، يرقص ــ بلا وعى ــ على أنغام العسكر ..والأزهر .. 

3 : بين سويسرا ونيجيريا  

3 / 1 ـ سويسرا : عدد السكان 8 مليون ونصف المليون تقريبا . متوسط عُمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى لانتاجية الفرد حوالى 80 الف دولار أمريكى في العام . الدولة السويسرية مؤسسة على الديمقراطية المباشرة وسُلطة الشعب على دور البرلمان في سنّ القوانين . من الصعب أن يعرف العالم خارج سويسرا إسم رئيس الاتحاد السويسرى ، ولكن المشهور عن سويسرا أنها دولة فقيرة الموارد صعبة المناخ ، ومن أغنى دول العالم . السبب هو الشعب السويسرى والفرد السويسرى والتعليم السويسرى .

  3 / 2  ـ نيجيريا : عدد السكان حوالى 219 مليون ، متوسط العمر للفرد حوال 53 عاما ، الناتج المحلى للفرد حوالى 5 آلاف دولار في العام . هذا مع تنوع انتاجها الزراعى ، ووجود البترول والمعادن والأنهار والغابات ، ولكن تعانى من انحطاط التعليم وانتشار الجرائم والفساد والفقر والاضطرابات العرقية والدينية بين ( المحمديين والمسيحيين ) واهدار حقوق المرأة وحقوق الانسان . السبب هو الديقراطية المزيفة التي أنتجها وأسّسها إنتشار الأمّية وتعليم الجهل . 

 4 : من تانى : إسرائيل ومصر 

4 / 1 : إسرائيل دولة ناشئة وصغيرة وقليلة السكان وضئيلة المساحة ، ولكن بدأت بانتخابات ديمقراطية وجلب اليهود المتعلمين من شتى بلاد العالم ، وتعيش في حالة توجّس من جيرانها وخوف على مستقبلها وتوقع عمليات ( إنتحارية ) ، أي في حالة حرب وطوارىء مستمرة ، ولكن لم يحدث أن فرضت قوانين للطوارىء . تعداد السكان حوالى 10 مليون ، منهم حوالى الخُمس من العرب الاسرائيليين . برغم ظروفها الأمنية والحربية فمتوسط عمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى للفرد حوالى 39 آلاف دولار في العام ، بسبب نفقات التسليح والرعاية الاجتماعية والإنفاق على التعليم والبحث العلمى ، وهى أكبر أول دولة في العالم في الإنفاق على البحث العلمى على المستوى الفردى، وتحتل المرتبة الخامسة في العالم في البرمجيات والاتصالات وعلوم الحياة ، ويوجد فيها 140 عالما لكل عشرة آلاف مواطن ، وهو أعلى رقم في العالم ، بينما يوجد في الولايات المتحدة 85 فقط .! ، وحصل فيها ستة على جائزة نوبل في العلوم من عام 2004 . والحديث في هذا يطول ، ولكنه يدخل في صناعة الانسان ، منذ طفولته ،وليس صناعة الديكتاتور .

   4  : مصر : أقدم دولة في العالم ، وهى دولة محورية ، وفيها أكثر من 100 مليون نسمة ، وتزيد مساحتها عن مليون كم مربع ، وفيها إمكانات هائلة زراعية وسياحية ومناخية وثروات بترولية ومعدنية وبحرية . ولكن الناتج المحلى للفرد حوالى 12 آلاف دولار فقط في العام ، وبها أكبر نسبة فقر ، وأقل مستوى في جودة التعليم وفى حرية التعبير وفى الشفافية . ومتوسط العمر فيها حوالى 24 عاما فقط .! النظام العسكرى قام بتضييع الثروة المصرية وقهر المواطن المصري  مع تضييع لجزيرتين مصريتين وحقوق مصر في غاز البحر المتوسط والنيل . ثم ما شاع مؤخرا عن قيام العسكر  بخطف آلاف من أطفال الشوارع ، وقتلهم وبيع أعضائهم . وهذا يتسق مع إهمال متعمد للتعليم والصحة وإهدار البلايين المُقترضة من الخارج في رفاهية المترفين وترك مدارس الأطفال بلا مقاعد للجلوس عليها .  

أخيرا 

هيا بنا نلطم .! 


تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية    

أولا : القابلية للتعلم في الطفل 

 خلق الله جل وعلا آدم وعلّمه الأسماء كلها : ( البقرة 31 ) . الأسماء هنا تعنى معرفة الشىء ، ثم تعريفه باسم خاص به . وبهذا التعليم توارث أبناء آدم القابلية للتعرف على الأشياء و ( المعرفة ) وتدوينها بالقلم ، والله جل وعلا هو الذى علّم الأنسان ما لم يعلم ، وعلّمه بالقلم : ( العلق 4 : 5 ) وهو جل وعلا الذى علّم الانسان البيان ، وهو الذى علّم القرآن ( الرحمن 1 : 4 ) .

ثانيا : الفطرة في داخلنا 

 ولقد أخذ الله جل وعلا العهد على الأنفس البشرية واشهدهم على أنفسهم أنه جل وعلا لا إله إلا هو ، سيسألهم عن هذا العهد يوم القيامة ( الأعراف 172 : 173 )( 60 : 61 يس ). هذا العهد هو الفطرة التي فطرنا الله جل وعلا عليها ( الروم 30 ) والتي يغطيها المشركون بتقديس البشر والحجر ، و( الكفر ) يعنى التغطية ، وجاءت كلمة الكفار ) بمعنى الزُّراع في الآية 20 من سورة الحديد ، لأن من يزرع ( يكفر ) أي يغطى البذرة بالتراب . ولكن الانسان عندما يتعرّض للخطر تستيقظ فيه هذه الفطرة المُغطّاة فيستغيث بربه جل وعلا ، وبعد النجاة من الخطر يعود الى كفره وضلاله : ( الانعام 63 : 64 )( يونس 12 ، 22 : 23 ) (الروم 33 ) ( الاسراء 67 : 69 ) ( لقمان 32 ) ( الزمر 8 ، 49 ).

ثالثا : النفس بين الفجور والتقوى 

1 ـ سوّى الله جل وعلا النفس البشرية على الفجور والتقوى ، وله أن يطهرها ويزكيها ويرتفع بها ، وله أيضا أن يهبط بها لما دون الحيوان ( الشمس 7 : 10 ) . ولكن الفطرة المنيرة في داخله ــ مهما تكاثفت فيها ـ فتظل ( الضمير ) أو ( الأنا الأعلى ) الذى يتبين به الانسان الصواب ، إذا احتكم اليه ، فإذا كان ظالما فهو يرفض أن يقع عليه نفس الظلم الذى يوقعه بالمظلوم . بهذا يكون الانسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره ( القيامة 14 : 15 ) . ـ هنا حرية الانسان في الطاعة أو المعصية ، وهنا أيضا الاختبار والابتلاء .  وبهذا يتميّز الانسان على الحيوان ، فليس للحيوان ( نفس ) تتعلم وتختار عن علم .  

رابعا : التسخير للإنسان 

كل ما في هذه الأرض من جماد ونبات وحيوان وبحار قد سخرها الله جل وعلا للإنسان ، بل كل ما فى هذا الكون جميعا منه ( الجاثية 12 : 13 ). وهذا التسخير يعنى مقدرة على التحكّم في الأشياء المُسخّرة . وهى مقدرة يولد بها الانسان ، ويتعلمها ، وهو يستعملها بدرجات متفاوتة ، من القبائل البدائية في غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية الى علماء ( ناسا ) في أمريكا الشمالية . وبهذا يختلف الانسان عن الحيوانات . الحيوانات لا تزال كما هي ، بينما تعلّم الانسان أن يسخرها وغيرها لمصلحته . 

خامسا : الاستعداد للتعلم 

في البداية يعبّر الطفل عن حاجته بالبكاء . يساعده البكاء في التبول والتبرز ، وبه يعبّر عن جوعه وآلامه ورغبته في الالتصاق بأمه وأبيه . لكنه يولد مستعدا للتعلم . وبعد فترة الرضاع وانتهاء مرحلة الالتصاق بالأم يكون قد بدأ يمتصُّ مفردات الكلام وبنفس طريقة النطق ، ويعرف ( الأسماء ) لهذا وذاك ، مما توارثه من علم أبيه ( آدم ). ففي داخل كل نفس بشرية ( مستقر ) لما سبقها من ( أنفس ) أجدادها ، وفى داخلها أيضا ( مستودع ) لأنفس أحفادها  ( الأنعام 98 ). هذا هو مخزون يبدأ به الطفل بالتعرف على ما حوله ومن حوله من بشر ومواد ، وخلال عدة سنوات يتعرف على حوالى ثلث المعلومات الأساس من البيئة المحيطة به . ويتشكّل بها . 

سادسا : بداية التعلم : الأسئلة ووسائل الإجابات  

1 ـ يبدأ الطفل في طرح أسئلة ( فلسفية ) عن الوجود ولماذا وكيف ومتى وأين .. هي أسئلة تظل محور حياة المفكرين والفلاسفة ، بينما ينشغل عنها بقية البشر . الإجابة عليها تكون معتمدة على ما في الطفل من فطرة ، يجب تنميتها ، في ناحية الأخلاق الحميدة و ( لا إله إلا الله ). 

2 ـ الوالدان عليهما توصيل المعلومة للطفل مُحمّلة بالتربية الخُلُقية والتعقّل . وافضل طريقة هي والقصص وما يتخللها من نقاش محترما عقلية الطفل . بهذا يتغذى خيال الطفل ويتعلم .   

سابعا : تعليم الطفل الأخلاق الحميدة : عدم الشُّح  ( الأنانية )  

1 ـ الطفل يعبّر في إدراكه المبكر عن انانية مفرطة ، يتصور كل شيء ملكاً له بدءاً من الاستحواذ  على أمّه الى الاستحوذ على الألعاب التي يرفض أن يشاركه فيها احد ، يلعب الكرة ويغضب إذا شاركه فيها أحد ، ويريد أن يأخذ اللعبة من غيره . ثم يتعلم بالتدريج انه يحتاج لمن يلعب معه الكرة فيضطر للمشاركة او ان يشاركه طفل آخر في كرته . وبالتدريج يدرك أن من مصلحته وسعادته فى المشاركة . 

2 ـ سبقت الإشارة الى النفس البشرية التي ألهمها الله جل وعلا الفجور والتقوى ، وقابليتها لهذا وذاك ، ثم يختار الانسان هذا أو ذاك . أساس الفجور في النفس هو الأنانية في تعبيرنا ، أو ( الشُّح ) بالتعبير القرآنى .

3 ـ وعن غريزة الأنانية أو الشُّح المتأصّلة فى النفس البشرية  يقول جل وعلا : ( وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ) النساء:128 . والله جل وعلا يجعل ( الشُّح ) مرضا ، من يتخلّص منه يكون مُفلحا . جاء مرتين قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر9 )     التغابن 16 ). 

4 ـ وجعل رب العزة جل وعلا الاحسان والتصدُّق والتقوى علاجا لهذا المرض . قال جل وعلا : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن ).   

5 ـ مرض الشُّح ( الأنانية )

5 / 1 : يفسد العلاقات الزوجية وعلاجه الاحسان والتقوى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) النساء )

5 / 2 : يفسد العلاقة بين الأخوة والأقارب والأصدقاء وبين أفراد المجتمع في الجيرة والعمل وشئون المال والاقتصاد والسياسة ، وبين الدول وبعضها البعض. 

5 / 3 : ومرض الشح يتجلى أكثر لدى المستبد ، وهو أكبر (أنانى ) في قومه وبلده . لذا فإن نقيض (الشُّح ) هو ( المُشاركة ). المشاركة هي أساس ثقافة الديمقراطية ، المشاركة السياسية تتنافى مع وجود مستبد .

6 ـ عليه فالشُّح الغريزى فى داخل النفس البشرية يمكن علاجه مبكرا عند الطفل بتعليمه :

6 / 1 :مبدأ المساواة بين البشر جميعا ، فهم أبناء آدم وحواء مهما إختلفت الأعراق والألسنة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية، وان أكرمهم عند الله جل وعلا هم أتقاهم ، وهذا سيُعرف يوم القيامة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)الحجرات ).

6 / 2 : التعاون على الخير وليس على الشّر، قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (2) المائدة )

6 / 3 : قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)  النحل )

7 ـ هذا التعليم يكون بالقصص ، ومنه قصة عظماء الصحابة الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم مع ما بهم من فقر وخصاصة . قال عنهم جل وعلا : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر :9 ) 

ثامنا : ( لا إله إلا الله ) جل وعلا : هنا دور التعقل والتفكر . 

1 ـ يولد الفرد على  الفطرة النقية البيضاء لا تعرف تقديس البشر أو الحجر ، وقد يتعلم من المجتمع بعض ذلك ، وقد يطرح هذا في أسئلته ذلك كله مرتبطا بالفكر الديني الشعبي المتوارث وبالقيم الاجتماعية السائدة . هنا تكون أهمية التعقل والتفكر التي توقظ الفطرة السليمة النقية في داخل الطفل . إن تقديس البشر والحجر يتعارض ليس فقط  مع الفطرة ولكن أيضا مع التعقل والتفكر . لذا يكون سهلا تعليم الطفل وتوعيته بضرب الأمثلة والحكايات . حكاية الطفل إبراهيم الذى وصل بفطرته الى رفض عبادة قومه الكواكب والشمس (  الأنعام 75 : 78 ) ، والذى قال لقومه ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) الصافات ). ويعطى للطفل مثلا ببناء قبور من نفس الأحجار ومواد البناء في أي مكان ، ثم يتبركون بها ، يزعمون أن تحتها إله ميت . وتنبيه الطفل أن يتعقّل ويدرك أن كل البشر سواء كونهم مخلوقات تولد وتعيش وتموت ، وتأكل الطعام وتتبرّز وتتبول وتمرض ، وحين تموت تصبح جيفة يجب دفنها إتقاء سوء شكلها وسوء ريحتها . فكيف نقدس بشرا موتى أو أحياء . وأن يعلم أن الخالق جل وعلا هو وحده المستحق للعبادة ، فهو وحده خالق البشر وخالق الكون وما فيه ومن فيه .  

2 ـ  وللقرآن الكريم وسائله في التعليم والتي يُستفاد بها في تربية الطفل وتعليمه . منها :.

2 / 1ــ التعليم الحسي :ــ أي بالتجربة العملية ، بشرح قوله جل وعلا : 

2 / 1 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ) الأعراف 194 : 195) أي فالذين يعبدون القبور المقدسة ويعتقدون فيها النفع والضرر يوجه إليهم هذا الخطاب بطلب العون من تلك العظام الميتة ... وهذا هو الأسلوب الحسي التجريبي . 

2 / 1 / 2 : كلمة ( أرونى )  : أن يقال لهم : أرونى هذه الآلهة الموتى ، وما خلقوه قال جل وعلا : ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)  سبأ )  ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) فاطر )( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الاحقاف   ) 

 3 / 2 ــ ومنها الأسلوب العقلي البسيط :ــ  بشرح مبسّط لقوله جل وعلا : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء:22 )، ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد ) 

أخيرا 

1 ـ بتربية الطفل وتعليمه إسلاميا وقرآنيا يتحول ضعفه الى قوة نفسية ، وينشأ غير خاضع لخرافات الكهنوت . 

2 ـ حيث يسيطر الكهنوت يكون الاستبداد والفساد والظلم الذى يمارسه القوى على من هو أقل منه قوة ، والضعيف على منه أضعف منه . 

3 ـ لا يمكن أن ينجح التحول الديمقراطى في مجتمع يسيطر عليه قادة الكهنوت .

4 ـ لا سبيل للتخلص من الاعتقاد في الكهنوت إلا بالوعى الدينى . وبه يكون التخلص من الخضوع لمستبد ، فالعادة أن يتحالف أكابر المجرمين من الكهنوت والمستبدين ، ويتعاونون على استضعاف الأغلبية حين تركن الأغلبية الى ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد. 



الفصل السادس

  تشريعات خاصة بالطفل اليتيم     

 من هو اليتيم ؟ 

1 ـ ليس يتيما كل من فقد والديه أو أحدهما، وإلا أصبح كل الرجال والنساء تقريباً أيتاما ، وإنما اليتيم هو الطفل الذى فقد أحد الوالدين أو كليهما. وذلك المفهوم وارد في السياق القرآني في أكثر من موضع، مثلاً يقول سبحانه وتعالى :

1 / 1 : في الوصايا العشر : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام ) 

1 / 2 :وتكرر هذا في قوله جل وعلا : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (34) الاسراء ).  

فهو يتيم طالما ظل طفلاً، فإذا بلغ أشده وأصبح رجلاً زالت عنه صفة اليُتم وصفة الطفولة أيضاً، وحينئذ يجرى له اختبار للأهلية، يقول تعالى:  ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )(6) النساء ). أى فإذا بلغ مبلغ الرجولة والقدرة على الزواج لم يعد يتيماً أو طفلاً. ويقول تعالى في قصة موسى : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا" (الكهف82) فهما غلامان يتيمان، وحين يبلغان أشدهما ويصبحان رجلين يستطيعان استخراج كنزهما. 

2 ـ والطفل عموماً ضعيف ، وهو أحوج الناس إلى الرعاية والاهتمام والعناية، ولكن عندما يفقد الطفل أبويه أو أحدهما يكون أكثر ضعفا ، وأكثر حاجة من الطفل العادي للاهتمام، وأكثر منه استحقاقاً للمعاملة الخاصة التى تعوضه عن فقدان الأب والأم، وتحفظ له حقوقه وتضمن له ( عند تطبيق التشريعات الإسلامية )   تنشئة سليمة تجعل منه عضواً نافعاً في المجتمع.

3 ـ وتشريعات الإسلام في رعاية اليتيم تتمحور حول حقوقه المالية وحقوقه الاجتماعية والنفسية .

حقوق اليتيم المالية 

1 ـ اليتيم سواء كان غنياً أو فقيراً له حقوق مالية أوجبها له القرآن على المجتمع، فله حق في الزكاة المالية أو الصدقات التى يتطوع بها الأفراد بصفتهم الشخصية . قال جل وعلا : 

1 / 1 : من صفات المتقين الأبرار : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 )

1 / 2 : عن مستحقى الصدقة الفردية : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )

 2 ـ  وله حق في الغنائم التى تحصل عليها الدولة : قال جل وعلا :(  وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (41) الانفال ).

3 ـ ، وله حق في كل ما  ( يفىء ) أي يدخل بيت المال العام من الضرائب والمساعدات الخارجية مثلاً . قال جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ). 

4 ـ وإذا حضر اليتيم مجلساً تقسم فيه تركة أو ميراث أصبح من الواجب على الورثة إعطاؤه نصيباً من الميراث مع تطييب خاطره بكلام جميل يشرح صدره ،  قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء ) . 

5 ـ ونعيد التأكيد على أن تلك الحقوق المالية لليتيم لا تتأثر بكونه غنياً ، لأن المقصود منها أن يشعر بأن المجتمع كله يقوم له بدور الأب والأم وينفق عليه بمثل ما كان أبوه أو أمه تنفق عليه.

6 ـ والعادة السيئة لأغلب البشر هى الطمع في مال اليتيم وأكله بالباطل حتى إذا بلغ مبلغ الرجال ضاعت حقوقه وميراثه. والله جل وعلا :

6 / 1 : يحذر من ذلك أشد تحذير فينذر الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً بأنهم يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا في جهنم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) النساء ) .

6 / 2 :  ويوجب إعطاء اليتامى أموالهم لأن أكل أموالهم بالباطل يعتبر ظلماً كبيرا،  قال جل وعلا : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً (2) النساء ) . 

6 / 3 : وسبق قوله سبحانه وتعالى مرتين : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام ) ، (34) الاسراء ).   

 7 ـ واليتيم الوارث الغنى يحتاج إلى وصىّ يقوم على تنمية ماله . وذلك الوصىّ قد يكون غنياً وقد يكون فقيراً، وقد أوجب القرآن الكريم على الوصيّ الغنى أن يتعفف عن أخذ أجرة مقابل رعايته لمال اليتيم، وأباح للوصىّ الفقير أن يأخذ أجره بالمعروف في مقابل إشرافه على مال اليتيم، وذلك معنى التحذير من الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن في قوله جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ). أي حين يبلغ اليتيم مبلغ الرجال تكون قد أجريت له عدة اختبارات لمعرفة أهليته للتصرف في أمواله، فإذا اجتازها وثبتت أهليته لإدارة أمواله حصل عليها، وإن ثبت أنه سفيه قام المجتمع من خلال الوصى بإدارة أمواله وتنميتها مع الإنفاق على السفيه اليتيم وتغطية كل احتياجاته من ريع أمواله والإحسان في معاملته ، قال جل وعلا : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء ).

8 ـ وكما يحذر رب العزة جل وعلا الوصىّ من التلاعب بأموال اليتيم واستهلاكها قبل أن يبلغ اليتيم أشده، فانه جل وعلا  يمنع الوصىّ من الطمع من الزواج من اليتيمة الغنية لاستغلال أموالها إذا كانت تلك اليتيمة يحل له الزواج منها، وفرض أن يكون القسط والعدل هو أساس التعامل مع الأيتام، وهو جل وعلا الرقيب على كل شيء . قال جل وعلا : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً (127) النساء ) 

رعاية اليتيم إجتماعيا ونفسيا  :  

عملت شرائع الإسلام على رعاية اليتيم اجتماعياً ونفسياً وإشباع حاجاته العاطفية ورغبته في الحنان والانتماء، وهذا عن طريق :

1 ـ  الإحسان لليتيم ، والإحسان درجة فوق العدل ، والطفل اليتيم أحوج الى العطف ، مع حفظ حقوقه المالية . والله جل وعلا أمر بالإحسان للوالدين والأقارب واليتامى سواء كانوا من الأقارب أو من الأجانب ، قال جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(36) النساء). قد يكون اليتيم من ذوى القربى ومسكينا وجارا ، فهو يتمتع بمزايا عدّة . 

2 ـ والإحسان في مفهوم القرآن يشمل كل مبادرة بالعمل الحسن وكل سلوك مهذب في التعامل مع الوالدين والأقارب والجيران والأيتام، ومع أنه مفهوم عام في التعامل إلا أن تشريعات القرآن الكريم بالنسبة للإحسان لليتيم أوضحت الخطوات التفصيلية في كيفية التعامل الاجتماعى الحسن مع اليتيم. فاليتيم شديد الحساسية لأى كلمة أو أى إشارة، وهو يشعر بالقهر عندما يتعرض لإساءة عادية قد لا يشعر بها طفل آخر، وبسبب جوعه للحنان وشعوره الدائم بالاحتياج للصدر الحنون فإنه سريع الاستجابة للعطف بمثل سرعة حساسيته للإهانة وعدم الاكتراث، وقد تتضخم لديه ردود الأفعال وقد ينتج عنها تقوقعه داخل عالمه النفسي مما يؤدى به إلي الوقوع في الأمراض النفسية والأحقاد على المجتمع. ولذلك فإن الله جل وعلا ينهى عن قهر اليتيم ، وأي إساءة لليتيم قهراً له وتكذيبا بالدين وتضييعا لثمرة الصلاة ، قال جل وعلا : 

2 / 1 :( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) الضحى ) 

2 / 2 : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) الماعون ).

3 ـ ومن الاحسان إكرام اليتيم : 

3 / 1 :  ويجعل الله جل وعلا عدم إكرامه من صفات أصحاب النار يوم القيامة، ، قال جل وعلا : ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) الفجر )

3 / 2 : ومن إكرام اليتيم أيضاً الحرص على إطعامه وإن كان غنياً ، حتى يشعر بجوّ الأسرة وحنان المجتمع، ويعظم الثواب حين يكون اليتيم فقيراً أو قريباً في النسب أو الجيرة من المؤمن الذي يكرمه بالإطعام والرعاية، قال جل وعلا من صفات أصحاب الجنة :

3 / 2 / 1 : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)الإنسان ). هنا إطعام بأفضل الطعام الذى يحبه المُتصدّق ،( على حُبّه ) وليس من فضلات الطعام . 

3 / 2 / 2 : ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) البلد ). أي إطعام اليتيم القريب في يوم غلاء ومجاعة 

4  ـ ومن رعاية اليتيم تعويضه بإقامة أسرة بديلة له ترعاه وتشبع حاجاته للانتماء.

4 / 1 : ولذلك فإن تعدد الزوجات في الإسلام مرتبط بشيئين : العدل مع اليتيم، والعدل بين الزوجات. يقول تعالى بعد الحث على إعطاء اليتيم حقوقه المالية : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) النساء ) . ومعناه أن يكون التعدد في الزوجات على نحو يخدم قضية اليتيم ويوفر له القسط والعدل. بأن تتزوج أمه رجلاً يكون له أباً يرعاه، أو يتزوج أبوه زوجة أخرى إذا كانت الزوجة الأولى- بعد موت أم اليتيم- تسئ معاملة الطفل اليتيم. ولا بد من مراعاة عدم قهر اليتيم وظلمه من زوجة الأب أو من زوج الأم . 

4 / 2 : ومما يلفت النظر دعوة القرآن الكريم إلى زواج الأيم التي فقدت زوجها بالموت أو بالطلاق ، حتى يكون لأولادها أب بديل يرعاها ويرعاهم. قال جل وعلا : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) النور ). وكلمة ( أرملة ) لم تأت في القرآن الكريم . 

5 ـ  وقد يؤدى الاسراف في رعاية اليتيم الى تدليله وإفساده ، ولذا يأمر رب العزة جل وعلا بإصلاح اليتيم ، بتربيته وتأديبه ليكون عضوا نافعا في المجتمع ، وأن يختلط بهم الآخرون على أساس الأخوة والمساواة والإصلاح وعدم الإفساد، وإلا فإن الله تعالى يحذر من ظلم اليتيم وتضييعه. قال جل وعلا :  ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) البقرة )

5 ـ ويقول جل وعلا : (  وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) النساء ) . كل من لديه أطفال عليه أن يتقى ربه جل وعلا وفى تعامله مع الأيتام . فالذى يكون بارّا بالأيتام سيعوضه الله جل وعلا لو مات وترك أطفاله أيتاما . 

أخيرا 

1 ـ هذا هو التشريع القرآنى الذي يجعل اليتيم عضواً نافعاً في المجتمع. وبدون هذا التشريع قد يتحول اليتيم إلى قنبلة بشرية موقوتة تنفجر في وجه المجتمع فساداً وتدميراً.

2 ـ  ومن ضمن الطغاة في تاريخ العالم من كانوا في طفولتهم أيتاماً عرفوا الظلم والحرمان، فلما كبروا صبّوا جام غضبهم وحقدهم على الناس قتلاً وتدميراً ، يستوى فى ذلك جنكيزخان وصاحب الزنج ورئيس القرامطة في العصور الوسطى ، وهتلر وصدام حسين في التاريخ المعاصر.



الفصل السابع 

  جريمة قتل الأطفال الضعفاء  بين الإسلام و ( المسلمين ) في لمحة سريعة 

أولا : إسلاميا : 

  قتل الأبناء هو بوحى شيطانى . 

قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الانعام ). هو وحى شيطانى مفترى ، به زيّن الشيطان لهم قتل أولادهم لتقديمهم قرابين لآلهتهم الشيطانية ، يعتقدون أنهم يحسنون صُنعا . 

2 ـ ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) الانعام ). هؤلاء السفهاء خاسرون جاهلون مفترون ضالون. 

تحريم قتل الأولاد في تشريع الإسلام . 

قال جل وعلا : 

1 ـ ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الانعام ) . جاء هذا في الوصايا العشر . وهى الوصية الثالثة ، ثم جاء في الوصية الخامسة تحريم قتل النفس البريئة .

2 ـ ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31)  الاسراء ).

نلاحظ : 

1 ـ القتل هنا للأولاد سببه الاملاق ، أي الفقر . مع فارق دقيق . قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ) أي بسبب الوقوع في الاملاق أي الفقر . بينما قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ  ) يعنى تحسبا وخوفا وخشية من إملاق قادم . 

2 ـ قوله جل وعلا : ( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) يساوى قوله جل وعلا : ( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ  )، مع اختلاف تركيب الجملة . والمقصد هو أن الوالدين سبب في رزق الأبناء ، والأبناء سبب في رزق الوالدين ، كل من الجانبين محتاج للآخر في الرزق . والرزق يأتي لهم من الرزّاق جل وعلا ، فلا يمتنّ الوالدان على الأبناء في موضوع الرزق ، فما من دابة في الأرض إلا على الله جل وعلا رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها ، وكل شيء مسجّل في كتاب مبين .!. 

3 ـ عن قتل العرب البنات خوف العار . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل )

كانت عادة فظيعة في الجاهلية . دفن الطفلة الوليدة وهى حيّة تصرخ ، وذلك خوف العار ، حيث شاع سبى البنات في الغارات .

3 / 2 : ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير ). ستأتى الموءودة يوم القيامة ليسألها ربها جل وعلا عن سبب قتلها ، فهى لم ترتكب ذنبا ، ولم تقتل نفسا حتى تُقتل قصاصا .!!

ثانيا : في القصص القرآنى 

1 ـ في تآمرهم على أخيهم يوسف اقترح بعضهم قتله : ( اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) يوسف )

2 ـ فرعون موسى كان يذبح أبناء بنى إسرائيل الذكور ويستبقى الاناث :

2 / 1 : قال جل وعلا عنه  : (  إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )

2 / 2 : وأنجى الله جل وعلا الطفل الوليد موسى من الذبح . قال جل وعلا : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) القصص ). 

2/ 3 : وبعد مجىء موسى رسولا الى فرعون استمر فرعون في جريمته : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الأعراف )

2 / 4 : ثم كان الانتقام من فرعون وقومه :

2 / 4 / 1 : ( وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) الأعراف ) 

2 / 4 / 2 :( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة  ) 

2 / 4 / 3 : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)  إبراهيم ) 

ثالثا : عن قتل الأطفال فى تاريخ الصحابة 

 فى عام 61 هجرية وفى الصراع بين (على ) و( معاوية ) وحيث كانت ( المدينة ) تتبع سلطة (على بن أبى طالب )  بعث معاوية ( بسر بن أبي أرطاه ) بجيش تعداده ثلاثة آلاف ، فهرب والى المدينة وهو أبو أيوب الأنصارى ، ودخل ( بسر بن أرطاه ) المدينة ولم يقاتله أحد، وهدم بيوتا فيها ، وارغم بعض أهلها على البيعة لمعاوية . ثم سار الى مكة غير عابىء بحرمة البيت الحرام ، فهرب منه واليها أبو موسى الأشعرى ،   وأكره ( بسر بن أرطاه ) الناس على البيعة . ثم سار إلى اليمن، وكان عليها ( عبيد الله بن عباس )  فهرب منه ولحق بابن عمه الخليفة )علي بن أبى طالب ) واستخلف ( على بن أبى طالب ) على اليمن واليا آخر هو ( عبد الله الحارثى ). فقتل ( بسر بن أبى أرطاه ) هذا الوالى  (عبد الله الحارثى ) وقتل ابنه معه .  وقبض على ابنين طفلين صغيرين لعبيد الله بن عباس ، وهما ( عبد الرحمن ( و ( قثم ) فقتلهما، وكان الطفلين عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: " لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! " ، فقتله وقتلهما بعده.. كان هذا أول تقرير تاريخى عن قتل الأطفال في تاريخ ( المسلمين ).

رابعا : قتل الأطفال فى مذبحة كربلاء :   

 حيث كان الحسين بأهله ومنهم شباب صغير ونساء وأطفال ، رأوا القتال يدور حولهم ، والمهاجمين يقتربون منهم ، وقاتل مع الحسين  شباب صغير من أبنائه وابناء أخيه فلقوا حتفهم سريعا . وقتل المهاجمون أطفالا آخرين لا شأن لهم بالقتال .  تقول الروايات عن القتلى من الأطفال من آل الحسين : 

1 ـ ( ودعا الحسين بابنه عبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه . (  

2 ـ (  وجعل شمر( ابن ذي الجوشن ) يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهم أحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله ، فقام إلى جنبه ، وقد أهوى بحر بن كعب بن تيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام : يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟ فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام  بيده فأطّنها إلى الجلدة، فنادى الغلام : يا أبتاه ! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ..( . 

3 ـ وحاول شمر بن ذى الجوشن حرق فسطاط الحسين الذى يحتمى فيه أطفال الحسين ونساؤه ، تقول الرواية : ( وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى: " على بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله."! ، فصاح النساء وخرجن، وصاح به الحسين: " أنت تحرق بيتي على أهلي؟ حرقك الله  بالنار!" فقال حميد بن مسلم لشمر: " إن هذا لا يصلح لك، تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء، والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك! " . فلم يقبل منه، فجاءه شبث بن ربعي فنهاه فانتهى. )

 خامسا : قتل الأطفال فى دين الخوارج 

1ـ إستباح الخوارج فى العصر الأموى قتل المسلمين ، دون اهل الكتاب . وعندهم في دينهم تشريع ( الاستعراض ) أى القتل العشوائى للجميع بلا تمييز . وبعض الخوارج نصّ ــ علنيا ـ على قتل النساء والأطفال من المسلمين ، مثل نافع بن الأزرق . 

2 ـ وظل أثر الخوارج حتى أوائل العصر العباسى . ويقول الملطى الفقيه الُسنّى فى القرن الرابع الهجرى عن الخوارج فى كتابه ( التنبيه والرد ) : ( وهم يقتلون الناس بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ عجوز  ) . ويقول عن الفرقة الأولى من الخوارج وهم ( المُحكّمة ) أي المشهورون بصيحة ( لا حكم إلا لله ) : انهم كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق ، حيث يجتمع الناس على غفلة ، فينادون :(  لا حُكم إلا لله  ( ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقتلون حتى يُقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل، فكان الناس منهم على وجل وفتنة .). ويقول الملطى عن الاباضية فى بداية أمرهم : ( والفرقة الخامسة من الخوارج هم الاباضية ، اصحاب إباض بن عمرو ، خرجوا من سواد الكوفة (أى من ريف الكوفة )، فقتلوا الناس ، وسبوا الذرية ، وقتلوا الأطفال . )

 سادسا ـ تيمورلنك المتدين بالدين السنى يذبح أهالى الشام ومنهم الأطفال عام 803 

نكتفى بمشهد واحد على سبيل المثال ننقله من تاريخ السلوك للمقريزى : رحل تيمورلنك (  يوم السبت ثالث رجب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري، بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلها.. وامتلأت أرضها بجثث القتلى، ولم يبق بها دابة تدب، إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف، فيهم من مات، وفيهم من يجود بنفسه. ). قاموا بتجميع هؤلاء الأطفال الذين لم يموتوا، واحتار تيمورلنك في أمرهم ، ثم أمر بالخيل فسارت فيهم حتى قتلتهم ..!

سابعا : الوهابية وقتل الأطفال 

  1 ـ  أسس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة بسواعد شباب الأعراب النجديين المحاربين ، وقد أعدهم جنودا في معسكرا خاصة سمّاها ( الهُجر )، وسمّاهم ( الاخوان ) وتشربوا الوهابية على أنها الإسلام   وكرروا مسيرة الخوارج فى القتل بلا تمييز ، واشتهروا بالوحشية المفرطة وقتل الأطفال والنساء . وقد تعرضنا لهم بالتفصيل فى كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) ، ومقالاته منشورة هنا. 

2  ـ كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة، يدمرون معسكر العدو ، ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة بما فيهم الأطفال والنساء ، كما حدث في هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة ، وفى غاراتهم المتكررة علي شرق الأردن و الطائف  ، وكان معروفا أن الاخوان النجديين لا يحتفظون بالأسرى وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم.  وقد قتلوا الكثير من الرجال والنساء والأطفال في المنطقة ما بين المدينة  وشرق الأردن. وقال حافظ وهبة مستشار عبد العزيز آل سعود تحت عنوان) الاخوان ) : ( إذا ذُكر الإخوان علي حدود العراق او شرق الأردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رُسل الذعر والرعب في بلاد العرب.).

3 ـ  وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الإسلام في نظرهم  تحمل التهديد لمن لا يستجيب بقتل اسرته وأطفاله ، وأن من ينضم اليهم يأمن علي ممتلكاته واسرته ، أى يأمن على نسائه وأطفاله من الذبح .! 

4 ـ  وعندما تمردوا على سيدهم ( عبد العزيز آل سعود ) هاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، وقتلوا منهم الشيوخ والنساء والأطفال.  

5 ـ قضى عليهم عبد العزيز آل سعود في موقعة السبلة 1929 : 1930 ، ولكنه قبل ذلك كان قد أسّس في مصر جماعة بديلة هي الاخوان المسلمون الذين نشروا الوهابية في مصر وخارجها على أنها الإسلام . وأسّس حسن البنا خلال عشرين عاما ( 1928 : 1948 ) خمسين ألف شعبة للاخوان مع التنظيم الدولى والجهاز السّرى للاغتيالات ، ومن عباءة الاخوان ظهرت تنظيمات كثيرة . وبالبترول ومن عهد الملك فيصل انتشرت الوهابية وسيطرت ، وظهر منها جماعات شتى من القاعدة الى داعش ، تحترف القتل العشوائى باعتباره جهادا مفروضا . والأطفال والنساء من أبرز ضحاياهم .

6 ـ والارهابى الوهابى يفجر نفسه والآخرين وهو يهتف ( الله أكبر ) معتقدا أن الحور العين تنتظره تفتح له ساقيها . 

أخيرا 

1 ـ العالم يتقدم الى الأمام ، والمحمديون فى ثقافة السلف المتخلفة يعيشون .

2 ـ هيا بنا نلطم .!!.





  شهامة العسكر المصرى العفيف في تعذيب الطفل المصرى الضعيف 

 أولا :  

1 ـ فيما يُعرف بحادثة دنشواى في 13 يونية عام 1906 كان الضحايا بضعة أفراد من الفلاحين المصريين وضابط انجليزى واحد . قام مصطفى كامل بفضح انجلترة في عُقر دارها وفى فرنسا والغرب ، بسببه تم عزل اللورد كرومر المندوب السامى البريطاني في مصر ، ورجع مصطفى كامل الى مصر معزّزا مُكرّما . لم يحبس الانجليز مصطفى كامل بالتهم المطّاطة التي اخترعها العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 . إشتعلت الصحف المصرية غضبا في فضيحة العسكرى الأسود ، وهو جندي شرطة إغتصب بعض السجناء ، وقد كتب الراحل د يوسف ادريس رواية عنه .   نظام العسكر الذى يحتل مصر من عام 1952 جعل إغتصاب المحبوسين المصريين ضمن وسائل التعذيب والاذلال ، يتم تطبيقها روتينيا ـ بكل إخلاص ـ في مراكز الشرطة والسجون ، وضحاياها الأكثر من الأطفال المحبوسين .   

2 ـ العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 أقام مذابح للمصريين لاخضاعهم لجبروته ، ومنعهم من التّفوّه بكلمة ، وافتتح مئات السجون إمتلأت بأبرياء بلا تهمة منهم آلاف الأطفال ، وبلا أي مبرر سوى الإرهاب والتخويف . وفيها اصبح التعذيب عملا بطوليا للعسكر الذى قام بتغيير عقيدة الجيش المصرى ، حين جعل الوطن المصرى ( جبهة داخلية ) والشعب المصرى عدوا محتملا .!،  العسكر المصرى يتصاغر ويتضاءل أمام إسرائيل ويستأسد ويفترس المصريين ، رجالا ونساءا وشيوخا وأطفالا. بهذا يتجلى ( شرف العسكرية المصرية ) في أروع صورة .!!

3 ـ  سجن مئات الألوف طيلة حكم العسكر ــ بلا جريرة ـ كان عقوبة لعائلات هؤلاء المساكين ، ولزوجاتهم وامهاتهم ولأطفالهم . وتكفى معاناتهم في السفر للسجون ومحاولة رؤية المحبوسين احتياطيا ، في حبس يتجدد . على أن الأطفال الأبرياء لم يكونوا بمنجاة من السجن ومن التعذيب . كان هذا معروفا في عهد عبد الناصر ، الذى جعل السجن الحربى ( والمفترض أنه للعسكريين المحاربين ) مفتوحة أبوابه للمدنيين . شهد عبد الناصر امتداد القهر بالسجن الى جميع الأطياف ، وشمل هذا رموز السياسة السابقين وزعماء الأحزاب وكل المعارضين وغير المعارضين، وامتلأت السجون بشباب وبنات وأطفال وشيوخ ونساء ، دون تفرقة بين أحد منهم، كلهم قاسى التعذيب . وبالتعذيب اشتهر ضباط جيش من جميع الرتب ـ لواء فما دونه ، وأيضا صف ضباط وجنود. ( صفوت الروبى ) رقّاه عبد الناصر من رتبة جندي صول الى ضابط ملازم ، بالمخالفة للقواعد العسكرية ، وهذا لأن صلاح نصر أشاد بمهارته في التعذيب. اللواء حمزة البسيونى  مدير السجن الحربى في عهد عبد الناصر كان اشهر من قام بالتعذيب . قال : ( أنا أستلم المسجونين بغير إيصال ، ولست مسؤولا عن حياتهم . ) . حمزة البسيونى ملأ صحراء مدينة نصر بجثث الكثيرين من الكبار والصغار.  وتكلم عن التعذيب في عهد عبد الناصر كثيرون ، منهم مصطفى أمين وعلى جريشة وزينب الغزالى وأحمد رائف وحسن الهضيبى وعلى عشماوى ومحمود السعدنى وأحمد فؤاد نجم . وقد شرحوا وسائل التعذيب الفظيعة التي تعرضوا لها .  

4 ـ لم يكن عبد الناصر محتاجا لتعذيب أحد ، فقد كانت الأغلبية الساحقة من الشعب تؤيده ، وكان شهرته طاغية خارج مصر ، أي كانت له شرعية سياسية جماهيرية تجعله ينام مطمئنا على زعامته . ثم إن من جعلهم خصوما له كانوا ضعافا بلا حول ولا قوة ، لا يملكون سوى أفكار سياسية منعهم من التصريح بها ، ولم يكتف بالمنع فوضعهم في السجون ، ولم يكتف بالسجن فسلّط عليهم زبانيته من العسكر ينكلون بهم تعذيبا . وهذا مع تواطؤ الأزهر والكنيسة وسكوتهم ورضاهم عما يحدث .

5 ـ بعد عبد الناصر ظل التعذيب سياسة مستقرة ومعتادة ، وتسببت في الثورة على ( مبارك) . الشاب ( خالد سعيد ) قام بقتله في الشارع إثنان من المخبرين ، وهشما وجهه ورأسه يوم 6 يونية 2010 . انتشرت صورة وجهه المحطم المشّوه فثارت احتجاجات أشعلت الثورة على ( مبارك ) يوم 25 يناير 2011 . وبكل شهامة تصدى جيش العسكر وقواته الأمنية لقتل الثوار في ميدان التحرير ، وكان معظم القتلى من الشباب والأطفال . ضابط قنّاص مُفعم بالشهامة ــ يعبر عن العقيدة القتالية التي تشربها ـ تعقب أحد المتظاهرين وفقأ عينه اليمنى يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 في ميدان التحرير ، وعاد المُصاب بعينه الباقية ، فوجد نفس الضابط القناّص الشهم ينتظره ففقأ عينه الأخرى في أحداث مذبحة شارع محمد محمود في 19 نوفمبر 2011 . شاهدت فيديو لهذا الضابط الشهم والجنود حوله يهتفون ( تسلم إيدك يا باشا ). المُصاب الذى فقد عينيه هو الطبيب أحمد حرارة ، وله موقف ضد العسكر وضد الإخوان ، وقد شرفت بلقائه في زيارته واشنطن في حفل أقمناه لتكريم رموز ثورة 25 يناير . . وارتكب العسكر المصرى بشهامته المعهودة مذابح شتى في القاهرة وغيرها ، منها مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر 2011 ، حيث حطمت مدرعاته رءوس المعتصمين ، وكان بينهم أطفال ونساء من المستضعفين المصريين ، ومنها مذبحة أستاذ بورسعيد في أول فبراير 2012 . 

6 ـ جرت مياه كثيرة في نهر العسكر المسيطر على الدولة العميقة في مصر أفشلت أنبل ثورة شعبية مصرية ، وانتهى الأمر بوصول السيسى للحكم ، ليقوم باجرام غير مسبوق في تاريخ مصر الطويل ، من تعذيب وقتل وسلب ونهب وسجن وتجريف للثروة المصرية وافقار وقهر للمصريين وبيع أجزاء من الوطن وتفريط في حقوق مصر في النيل وفى بترول البحر المتوسط وفى تقزيم مصر لتكون تابعة للإمارات والسعودية وإسرائيل . وتكاثرت في عهده السجون وامتلأت بالأبرياء ، وهو الآن قد فرغ من أكبر مجمع للسجون ، بالإضافة الى تحويل مراكز الشرطة الى سجون خاصة . و استقبلت هذه السجون آلاف الأطفال ، بعضهم اتخذهم رهائن ، ولم يرحم الأطفال من التعذيب زبانية عبد الفتاح السيسى . 

ثانيا :

 وننقل من الانترنت بعض المنشور عن السنوات الأولى فقط من حكم السيسى : .

 1 ـ (“وراء الشمس”.. أطفال مصر في سجون السيسي ):  ( أطفال لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة عامًا يقبعون خلف الجدران وقضبان الزنازين رغم صغر أعمارهم، يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الممنهج عقابًا لهم فقط على إبداء آرائهم السياسية والتهم جميعها معروفة.. "التظاهر دون تصريح، ومحاولة قلب نظام الحكم ." .  ومنذ الثالث من يوليو 2013م وحتى نهاية 2015م اعتقلت قوات الانقلاب 4000 طفل دون 18 عاما، قامت بتعذيب أكثر من 1000 منهم، وتعرض 80 منهم لاعتداءات جنسية، و60 للإخفاء القسري، وما زال 600 في سجون الانقلاب حتى اليوم. وأصدر القضاء الانقلابي في تلك الفترة أحكامًا بإعدام 3 أطفال بالمنيا، والمؤبد لثلاثة بالدقهلية والمنيا، والسجن المشدد لخمسة بالإسكندرية والبحيرة وسوهاج. واعتقلت سلطات الانقلاب آلاف الأطفال منهم على سبيل المثال لا الحصر، الطفل "محمد عادل"، ووضعته في قسم شرطة "السادات" بالمنوفية ، وسط المدمنين وتجار المخدرات والمسجلين خطر، ولم يكتفوا باعتقال والده وحرمانه منه، فقاموا باعتقاله ليقبع خلف القضبان فى أقذر قسم شرطة على مستوى المنوفية ، وسط المخدرات ودخان السجائر ومسجلى الخطر ، بدلا من أداء امتحاناته ، أو لعبه فى الشارع كسائر الأطفال.)

2 ـ  ( "مازن حمزة" : طالب في الصف الثاني الثانوي اعتقل في 28 يناير من العام الماضي 2015، في ذكرى جمعة الغضب مع عشرات ممن كانوا في شوارع مدينة المنصورة في ذلك اليوم، وكان في طريقه لحضور أحد دروسه، تعرض بعد اعتقاله لما يتعرض له المعتقلون من حفلات تعذيب وضرب، على الرغم من أنه لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. أصدرت النيابة قرارا بحبسه 15 يوما، ثم نقلته من المنصورة إلى قسم دكرنس باعتباره حدثا، وفي منتصف مايو من العام الماضي 2015 أصيب بمرض معد، هو الغدة النكافية، حيث ينتقل الفيروس عبر استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء من فم أو أنف شخص مريض، وجاء ذلك نتيجة اكتظاظ أقسام الشرطة بالمعتقلين. وقد رفضت الشرطة نقله للمستشفى إلا بعدما تدهورت حالته ، ولم يعد يقوى على المشي. " مازن" الذي اعتقل منذ أكثر من عام وجهت له قائمة من التهم أكبر من التي وجهت لمعتقلي غوانتانامو، ويحاكم الآن أمام محكمة عسكرية مع اثني عشر آخرين، في واحدة من المهازل الكثيرة الموجودة في مصر. قصة مازن حمزة هي قصة الآلاف من الأطفال المصريين المعتقلين في سجون النظام  ، والذين يتعرضون لألوان من التعذيب والقهر تفوق الوصف والخيال، حيث أصبحت صورهم وهم مقيدون بالأغلال على أسرة المرض أو أثناء نقلهم للمحاكمات دليلا على انتهاكات منظمة تسعى لتدمير آدمية الأجيال الجديدة من أبناء مصر. وقد أوضح الفريق المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة أن اعتقال الأطفال في مصر منهجي وواسع الانتشار، وأنهم يتعرضون للتعذيب والضرب الممنهج، وأن التهم التي توجه إليهم غير منطقية.)

3 ـ ( محاكم عسكرية ):  ( الصعق بالكهرباء والضرب بالكرباج والتعليق على الحائط أبرز صور تعذيب الصغار في معتقلات الانقلاب، تضاف جريمة مقتل الطفل مازن الطالب بالصف السادس الابتدائي على يد مليشيات الانقلاب، نتيجة تعذيبه بالكهرباء بعد اعتقاله أثناء مشاركته في إحدى المسيرات المؤيدة للشرعية بمنطقة السادس من أكتوبر، إلى سجل جرائم الانقلاب الدموي ضد الأطفال، حيث سبقتها جرائم قتل متعددة لا تقل في بشاعتها عن هذه الجريمة. كما أن كثيرا من هؤلاء الأطفال يحاكمون أمام محاكم عسكرية، على الرغم من أنهم قصر وأعمار بعضهم لا تتجاوز 15 عاما، وتشير كثير من التقارير إلى أن عدد الأطفال المعتقلين في مصر يزيد على أربعة آلاف طفل معظمهم في المراحل الإعدادية والثانوية، وقد أشار كثير من الحقوقيين إلى أن ما يحدث في مصر هو سابقة في التاريخ القضائي، حيث تتعامل معهم النيابات والمحاكم على أنهم بالغون. كما أن التهم التي توجه لهم تفوق تصورهم الطفولي، وللأسف لا تتجاوز المؤسسات الحقوقية الدولية حدود التنديد وإصدار التقارير، ولا يحظى الأمر بالاهتمام الكافي من الحكومات الغربية التي تتشدق بحقوق الطفل فيما توجه الدعم الكامل للنظام الاستبدادي في مصر. وقد نشرت صحيفة «التلجراف» البريطانية تقريرا قالت فيه إن السجون المصرية مليئة بالفتيات والأطفال الصغار الذين يتعرضون للانتهاكات البشعة، ويحشرون في زنازين ضيقة، ويجبرون على تناول طعام مليء بالصراصير، ويتعرضون لانتهاكات وتحرشات يومية، هذا بعض ما يحدث للأطفال في سجون مصر. بعد تناقل هذه الجرائم، خرجت داخلية الانقلابية تنفى هذه الحقائق، حيث صرح هاني عبداللطيف -المتحدث باسم وزارة داخلية الانقلاب-: "نحن لا نحتجز القاصرين في السجون، وجميع الأشخاص المقبوض عليهم ممن هم دون سن الـ 18 عاما محتجزين في مراكز الأحداث وفقا للقانون"! 

4 ـ (رسالة مسربة.. معتقلون سياسيون بسجن العقرب المصري أشعلوا النيران في زنازينهم ) جاء ضمن الرسالة : 

( فور وصولنا إلى مبنى س6، تم استقبالنا بحفل من الضرب وخلع الملابس والانتهاكات، بعدها جرى أخذ بياناتنا وتسكيننا حسب التصنيف، ثم قام الحراس بإملاء التعليمات علينا، وكانت، كالآتي: عند فتح الباب يقف الجميع ووجوههم تجاه الحائط منكسي الرؤوس، وعدم الحديث مع الزملاء النزلاء، وعدم التحرك إلا بتعليمات... وأغلب الموجودين، حسب ما عرفت، كانوا من أهل سيناء بلهجتهم المعروفة، وكان هناك أطفال نعرفهم من صوتهم وصرخاتهم أثناء التعذيب . !).

أخيرا

1 ـ هنيئا للعسكر المصرى إنتصاره العظيم على الشعب المصرى وعلى الطفل المصرى .! 

2 ـ  هل هناك عسكر في العالم بمثل شهامة العسكر المصرى ؟

3 ـ هيا بنا نلطم .!!


المحور الآخر : عن بقية الضعفاء 


الفصل الأول 

عن ضعف الوالدين في شيخوختهما 

 

أولا : ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا )

1 ـ  كنت أشهد فيلما أمريكيا ، أفزعني مشهد فيه ولا زلت أتذكره . جلسة عشاء يجلس الابن الشاب مع زوجته وطفله وزوجته ، وفى طرف المائدة يجلس الأب ذاهلا ، يأكل وعيناه زائغتان ، ويتساقط الطعام من فمه على صدره وقميصه ، تنظر الزوجة له باشمئزاز ، فيصرخ الابن زوجها في أبيه ينهره ، و في قرف يمسح الطعام من على فم الأب ومن على قميصه ، وهو يسب ويلعن . والأب لا يزال في ذهوله . 

2 ـ دار بعقلى وتخيلت هذا الابن الجاحد حين كان طفلا يتعلم الأكل ، وهذا الأب يحنو عليه وينظفه في طعامه وشرابه ، وفى تبوله وتبرزه ، وفى استحمامه ونظافته ، ومعه الأم . تمضى الأيام والسنوات ويكبر الابن ويصبح قويا بعد ضعف ، وفى نفس الوقت تتراجع صحة الوالدين وتتحول الى وهن وضعف . يحتاجان الى رعاية الابن كما كان الابن يحتاج الى رعايتهما حين كان طفلا ضعيفا . ولكن الابن لا يتذكر وقت طفولته ولا يعيها ، ربما يتذكر قسوة والده عليه في التعليم والتهذيب ، ولكن لا يتذكر الأهم ، وهو الرعاية الفائقة والحب الطاغى له في طفولته . 

ثانيا : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) الواقعة )

1 ـ لقد قال جل وعلا في خطاب مباشر لنا : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) الواقعة ). 

2 ـ كل منا يعرف فترة الطفولة من الولادة والرضاعة وما بعدها من ( فصال ) أو انفصال الطفل عن أمه وأبيه ، ولكن لا نتذكرها . وهذا غريب ؛ أن تعرف شيئا ولا تتذكره . أنت تعرفه في الآخرين ، ولكن لا تتذكر حدوثه بالنسبة لك . قد ترى طفولتك في فيديو أو صور ، وتتعجب كيف كنت بهذا الشكل ، ولكن لا يمكن أن تتذكر حين كنت بها الشكل . 

ثالثا : بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة 

1 ـ إن الخالق جل وعلا خلق الطفل ضعيفا ، وجعل في ضعفه أكبر قوة . من منّا يتحمل صُراخ طفل يبكى أو تألم طفل يتأوه مرضا ؟ .! . لقد رأيت مشهدا لغزالة مع وليدها ، وقد أحست بهجوم مباغت من أُنثى الأسد ، فهربت تاركة وليدها . اللبؤة ــ مع شراستها ـ لم تفترس الغزال الصغير، أخذت تلاعبه وتتحسس جسده ثم تركته . 

2 ـ بعض البشر يتفوقون على الوحوش . الوحوش تفترس بغريزتها ، وهى تفترس لتأكل وتعيش . ليس لها طريق آخر . وبعضها لا يفترس إلا عند الجوع . ولكن من البشر من قلوبهم اشد قسوة من الوحوش والصخور . ترى هذا في حروب البشر ، حيث يكون أغلب الضحايا من المدنيين الضعفاء ، وخصوصا الأطفال والشيوخ والنساء . وفى العصور الوسطى كان يتم سبى النساء والأطفال في حروب علمانية لا تتمسّح باسم رب العالمين جل وعلا . الأفظع في الفتوحات العربية التي حملت اسم الإسلام ظلما وزورا وبهتانا ، وفيها كان يتم تقسيم السبى من النساء والأطفال الى الربع وثلاثة أرباع ، يفرقون بين الأم وأطفالها وبين الأطفال بعضهم بعضا ، يوزعون ثلاثة ارباع السبى على المقاتلين ، ثم يتم شحن ربع السبى من أرض المعركة في الشام والعراق وفارس شرقا وشمال افريقيا غربا ، الى مقر الخليفة في المدينة ثم في دمشق . وبالطبع يموت في هذه الرحلة الشاقة عشرات الألوف من الأطفال الضعاف ، ثم يوضعون في معسكرات الى ان يتم توزيعهم .!. وكان السبب الذى جعل أبا لؤلؤة المجوسى يغتال عمر بن الخطاب أنه كان يذهب خلسة الى معسكر أطفال السبى في المدينة ويتسلل الى داخله يسمع بكاءهم ، ويهوّن عليهم . وبكاؤهم جعله يغتال عمر بن الخطاب .! أكابر المجرمين من الخلفاء الفاسقين لم يرحموا المستضعفين من الأطفال والنساء . عليهم لعنة الله جل وعلا .!

رابعا : أمر الله جل وعلا بالاحسان للوالدين ، ولم يأمر الوالدين بالاحسان لأطفالهم . لماذا ؟ 

1 ـ  في الطفولة ضعف وفى الشيخوخة ضعف . ولكن ضعف الطفولة تحميه غريزة أودعها الخالق جل وعلا في الوالدين ، وهذا حتى تستمر الحياة ، فيكبر الطفل ويقوى وينجب فتستمر الحياة جيلا بعد جيل . ولكن في شيخوخة البشر إقتراب من الموت وعجز وعُقم وعدم قدرة على الانجاب . هنا يتدخل التشريع الاسلامى بفرض الاحسان للوالدين ورعايتهما في ضعفهما . 

2ـ على الأبناء أن يتذكروا :

2 / 1 : ـ أن فى الاحسان للوالدين أجرا عظيما .!

2 / 2 : رعاية الوالدين لهم في طفولتهم ، وهم مدينون بهذا للأبوين .

2 / 3 : أنه سيأتى وقت يصلون فيه الى الشيخوخة ويحتاجون الرعاية . وما تقدمه في شبابك لوالديك من خير ستجده من أبنائك خيرا في شيخوختك . 

3 ـ هنا تحضرنى قصة : 

شاويش في قسم شرطة ، كان يلمع الفخر في وجهه وهو يقف أمام باب غرفة الضابط الشاب ، ويقوم بتحية الضابط الشاب في دخوله وخروجه ووجهه غاية في السعادة . هذا الضابط الشاب هو ابن لهذا الشاويش . كان الضابط الشاب طموحا ويشعر بالعار من أبيه الشاويش . في طموحه تقرّب من بنت واحد من لواءات الشرطة ، وتزوجها . أصبح الشاويش والد الضابط مشكلة ، لأن الزوجة ( بنت الأكابر ) تشعر بالعار لأنه ( حماها ) ، لا زالت بزوجها حتى أرغم أباه على الاستقالة ، بل وجعلته يقاطع أباه . مرض الأب ومات بسبب عقوق ابنه . لم يعش الابن العاق طويلا ، فقد حياته في حادث سير . ومات عاقّا لأبيه . 

4 ـ هنا نتذكر قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) التغابن )

4 / 1 :الله جل وعلا أمر الوالدين بالعفو والصفح عن أولادهم إذا كبروا واصبحوا أعداءا لمن ربّاهم وهم صغار . أمرهم الله جل وعلا بالحذر ، ووعدهم الله جل وعلا بالمغفرة والرحمة إذا عفوا وصفحوا.

4 / 2 : قوله جل وعلا ( من أزواجكم ) تعنى الزوج الذكر والزوج الأنثى . والمعنى أن تعفو الزوجة عن زوجها ، وأن يعفو الزوج عن زوجته ، وأن يكون عفو الوالدين عن الأولاد إذا تصرفوا بتصرف الأعداء . 

4 / 3 : إن من المُفجع عقوق الوالدين .

خامسا : وبالوالدين إحسانا 

1 ـ الاحسان درجة تعلو العدل . القصاص عدل ، ولكن العفو إحسان وأرقى من العدل . قال جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) فصلت  ) . السيئة بمثلها عدل ، يعلوه العفو ، واجره عند الرحمن جل وعلا . 

1 / 1 : هذا يعنى أن ترد أو أن تدفع السيئة بالتى هي أحسن ، وهذه درجة عليا في السمو الخُلُقى . قال جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون ) ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت  ) .

1 / 2 :  بهذا نفهم معنى الاحسان للوالدين الذى تكرر في القرآن الكريم ، ألّا ترد فضلهما بالمثل ( وهو عدل ) بل بأكثر من المثل ، وهو الاحسان . 

2 ـ لقد تكرر الأمر بعبادة الله جل وعلا وحده والنهى عن الاشراك به ، ويأتي بعده الأمر بالاحسان للوالدين . هذا الاقتران ، دليل على أهمية الاحسان لهما . قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )   (83) البقرة ). 

2 / 2 : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (36) النساء )

2 / 3 : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (151) الانعام ) 

2 / 4 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان )

3 ـ والإحسان للوالدين يجب :

3 / 1 : ألّا يتعارض مع ( لا إله إلّا الله ) . فلو ضغطا على المؤمن ليكفر ، فعليه عصيانهما لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، قال جل وعلا : (  وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت  )، ولكن يظل عليه أن يصاحبهما في الدنيا معروفا ، مع إختلاف الدين . قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان ) 

3 / 2 : ألّا يتعارض مع العدل . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء ) 

4 ـ وفى الاحسان للوالدين جاءت تفصيلات في قوله جل وعلا : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) الاسراء ). الطفل مزعج ويحتاج الى رعاية كاملة في كل شيء . ويقوم بها الوالدان بكل سرور وسعادة . ثم يأتي وقت يصل فيه الوالدان أو أحدهما الى الشيخوخة ، هنا ضعف واحتياج وربما نسيان وإزعاج لأولادهما الذين بلغوا مرحلة القوة والشباب . التشريع يوجب على الأبن ( والبنت ) الاحسان اليهما ، وتحملها دون تبرم أو ضيق ، والتذلل لهما رحمة بهما ، بل والدعاء لهما أن يرحمهما كما ربياه صغيرا ، فهذا بعض حقهما . 

5 ـ  وكان الأنبياء يدعون لوالديهم . وذكر رب العزة جل وعلا منهم :

5 / 1 : نوح عليه السلام قال : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28) نوح )

5 / 2 : إبراهيم عليه السلام قال : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم )

5 / 3 : وقال عيسى عليه السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) مريم ) 

5 / 4 : وقال جل وعلا عن يحيى عليه السلام : ( يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14) مريم ) 

6 ـ وهناك حديث وضيع يقول :  ( من أحق الناس بحسن صحابتى ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال ثم من ؟ قال أبوك ). هذا ينافى الاحسان للوالدين في تشريع القرآن الكريم ، إذ لا تفرقة بين الأب والأم ، فهما متساويان في كلمة ( الوالدين ) و ( الأبوين ). فالأم ضمن ( الوالدين ) و ( الأبوين ). ومع أنه جل وعلا ذكر معاناة الأم في الحمل إلا إن الأمر بالاحسان جاء لهما معا بوصفهما بالوالدين ، لأن الأب مشارك للأم في معاناتها . قال جل وعلا :

6 / 1 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(15)   الاحقاف )

6 / 2 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان ). 

أخيرا : مع الاحسان لهما : حقوق الوالدين : 

 قال جل وعلا : 

1 ـ ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ). 

هذا في  النفقة والانفاق عليهما في الصدقة الفردية .

2 ـ قال جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ). هذا في الوصية قبل الموت وتنفيذها يكون قبل توزيع الميراث .

3 ـ ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) النساء ).

 نلاحظ :

3 / 1 : هنا التأكيد على زيف الحديث الوضيع الذى يزعم أنه لا وصية لوارث . فللوالدين ميراث ، ويجب أيضا لهما الوصية .

3 / 2 : موضوع للذكر مثل حظ الأنثيين تنطبق على الأولاد ، ولا تنطبق على الوالدين . فهما متساويان في الميراث بالسدس أو الثلث حسب وجود أولاد من عدمه . 

 

الفصل الثانى 

التيسير في التشريع مراعاة للضعف والضعفاء 

أولا : بين تيسير شريعة الإسلام وتغليظ شريعة السُّنّة 

1 ـ تشريعات الأديان الأرضية مؤسّسة على العنت والمشقّة والتغليظ والتزمُّت والحظر والنكد ، أو ما كنا نطلق عليه ( فقه النكد ) . فاذا أحب الناس شيئا مُباحا بادروا الى تحريمه ، ويسرى هذا على فتاويهم الغليظة في تحريم نقل الأعضاء وفى أنواع الفنون . وعموما فكل ما لا يعرفونه يسارعون بتحريمه ، وكل جديد يأتي به العلم فهو حرام لأنه لا وجود له في تراثهم الفقهى القديم الذى ولّدته العصور الوسطى . 

على النقيض من ذلك فإن مبنى الشرع الاسلامى هو التخفيف ، لأن الله جل وعلا خلق الانسان ضعيفا . قال جل وعلا :( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) النساء ) .

ثانيا : مظاهر التخفيف في التشريع الاسلامى  : 

  لا وجود للحرج أي العنت والمشقة في تشريع الإسلام . قال جل وعلا : 

  1 : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(78) الحج ).هذا في عموم التشريع .  

 2 : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة  ) هذا في تشريع الطهارة . 

  الله جل وعلا لا يكلف الله نفسا الا وسعها . تكرر هذا في قوله جل وعلا :

  1 : عموما : 

  1 / 1 : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )  ثم في نفس الآية : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا )  (286) البقرة ) 

1 / 2 : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) 152 الانعام ). هذا في سياق الوصايا العشر. 

2  : في تشريع الرضاعة :

2 /  1 :(  لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ) 233 البقرة )  

2 / 2  : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )(7) الطلاق )

3 : عن أصحاب الجنة الذين تمتعوا في حياتهم بهذا التخفيف :

3 / 1 : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) 42 الأعراف )   

3 / 2 : ( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (62)  المؤمنون ).  

4 : جاء أمرا للنبى محمد عليه السلام :

4 / 1 :  ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) ص ) ، أي لا يكلفهم أجرا ، ولا يأخذ منهم أجرا . 

4 / 2 :(  فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ )(84) النساء )، أي ليس مؤاخذا بما يفعله الآخرون من المؤمنين المتكاسلين عن القتال الدفاعى . ومنه قوله جل وعلا له عن الكافرين : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) البقرة ). 

المؤاخذة على التعمد فقط ، ولا مؤاخذة على الخطأ غير المقصود ، ولا على النسيان . قال جل وعلا : 

1 :( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم ْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الأحزاب ) 

2 : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا  286 البقرة )

3 : معاقبة من يتعمد قتل الصيد في الحرم ، مع العلم بأن ( التعمُّد ) هو في داخل النفس ( من يتعمّد ) ، أي إن تقدير التعمُّد يرجع للشخص نفسه ، إذا كان تقيا يبادر بتقديم الكفارة . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ )  (95) المائدة ) 

عفوه جل وعلا ( عمّا سلف ) وغفران ما سبق عند التوبة وعقوبة من يعود لنفس المعصية 

قال جل وعلا : 

1 ـ الآية السابقة :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة ) . هنا عفو عمّا سلف مع تغليظ العقوبة الإلهية على من عاد . 

2 : في ربا الصدقة : يحرم تقديم قرض للفقير بربا ، مع استحقاق الفقير الى صدقة . ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة ). من اتعظ بهذا عفا الله جل وعلا على ما سلف منه . والعقوبة الإلهية تنتظر من عاد .

3 ـ ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) الانفال ) . الكافرون المعتدون إذا كفُّوا عن عدوانهم وأخلصوا لرب العزة جل وعلا دينهم غفر الله جل وعلا ما سلف من أمرهم . 

4 ـ في نكاح المحرمات :

4 / 1 : ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) النساء ) . هنا عدم سريان التحريم بأثر رجعى . أي لا تفريق بين زوجين قبل نزول هذا التشريع : ( نكاح من نكحها الأب )

4 / 2 : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) النساء ) . 

هنا عدم سريان التحريم بأثر رجعى . أي لا تفريق بين زوجين قبل نزول هذا التشريع : ( نكاح من جمع بين أُختين ). قارن هذا بالخبل السُنّى بالتفريق بين زوجين على أساس ان الزوج في نظرهم مرتد . عار وقع فيه السنيون المصريون المعتدلون بالتفريق بين د نصر حامد أبى زيد وزوجته د ابتهال يونس.!. رحم الله جل وعلا د نصر .!

 إباحة المحرمات عند الضرورة 

قال جل وعلا :

 في تشريع المحرمات في الطعام 

1 ـ (  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة   ) 

2 ـ (  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة   ) 

3 ـ ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) الانعام   ) 

4 ـ ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الانعام ) 

5 ـ ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) النحل ) 

عن التصريح بالكفر عند الإكراه :

(  مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل )

عن التقية عند الاضطرار :

( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)  آل عمران )   

قبول الأعذار :

في القتال الدفاعى 

( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة  )  

( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)  التوبة )

(  لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً (17)  الفتح ) 

في الصيام

(  أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة ) 

إباحة الفطر مع القضاء للمسافر والمريض ، وإباحة الفطر بدون قضاء للعاجزين عن الصيام مع دفع فدية ، وتأكيد هذا بقوله جل وعلا :( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ).

في الحج : 

هو فرض على المستطيع فقط : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (97) آل عمران ).

 إسقاط العقوبة عند التوبة 

وهذا في حالات : 

الزنا والقذف للمحصنات . قال جل وعلا : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)  النور )

السرقة . قال جل وعلا : (  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)   المائدة )

قُطّاع الطريق ( قبل القدرة عليهم ) . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة )

في القصاص في القتلى : دفع الدية في بعض الحالات تخفيفا ورحمة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة )

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمعنى الرجوع للإسلام السلوكى والكفّ عن القتال ونقض العهد  ، وعندها يكونون أُخوة في دين الإسلام ، أو دين السلام . قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ) . التوبة عن الاعتداء هي إقامة للصلاة وإيتاء للزكاة بمفهوم الإسلام السلوكى السلمى . 

أخيرا 

يكفى أن نتدبّر قول رب العزة جل وعلا : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)  النساء  ) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

الفصل الثالث 

 حقوق النساء  

مقدمة 

قلنا إن في الضعف قوة ، والبكاء أقوى علامة على الضعف ، وبه تُظهر المرأة ضعفها فتكون قوية . وهكذا يفعل الطفل بالغريزة ، ولكن تفعله المرأة عن دراية بتحويل ضعفها قوة . في الأغلب يتحكم الرجال ، أو هذا ما يبدو . لأن الأقوى في المجتمع هو المستبد سواء كان امبراطورا / سلطانا / خليفة / رئيسا ، ولكن قد يكون تابعا أو خاضعا لامرأة ، قد تكون زوجة أو محظية أو الأم . يختلف الأمر في تشريعات الأديان الأرضية ، فالمشرعون فيها ــ لا نقول ( رجالا ) بل ( ذكورا ) . يفرضون ذكوريتهم في تشريعاتهم ، فيظلمون المرأة ، خصوصا في التشريعات الخاصة بها في الزواج والطلاق والميراث والعمل . سيأتى لنا كتاب قادم بعون الرحمن جل وعلا عن تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السُنّى . ولكن نعطى هنا لمحة عن تشريعات التي تحمى حقوق المرأة من ظُلم الأديان الأرضية .

 أولا 

هناك المقاصد التشريعية التي تدور في إطارها القواعد التشريعية والتي تخضع لها الأوامر والنواهى التشريعية . الخلط بين هذا وذاك يوقع في سوء الفهم . في تشريعات المرأة نرى المقاصد التشريعية في العدل ومنع الظلم . قد يكون الزوج ظالما وقد تكون الزوجة ظالمة ، وهذا معروف في الحياة . ونزلت تشريعات القرآن الكريم لتعالج هذا .

يقول جل وعلا فيما يجب أن يكون : 

1 ـ ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم ). كلمة ( أزواج ) هنا تفيد الزوج الذكر والزوج الأنثى ، وهذا من مصطلحات القرآن الكريم ، إذ لم تأت فيه مطلقا كلمة ( زوجة ) . والمفهوم من الآية الكريمة أن الزوج الذكر مخلوق للزوج الأنثى ، وأن الزوج الأنثى مخلوقة للزوج الذكر ، وبالتساوى . وبالتساوى أيضا ( يسكن ) كل منهما للآخر ، وتكون بينهما مودة ورحمة . لكن تعبير ( لتسكنوا اليها ) غاية في الدلالة ، إذ أنه ليس ( سكن في ) كمن يسكن في بيت ، ولكن ( سكن الى ) بمعنى أن يكون كل منهما راحة للآخر ، يسكن اليه ويرتاح في قُربه ، ويأنس اليه . 

2 ـ ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) 187 البقرة ). هنا المساواة أيضا بين الزوجين ، هي لباس له ، وهو لباس لها . أي هي وطن له ، وهو وطن لها .

3 ـ في وصف للزواج قال جل وعلا في بعض حقوق الزوجة :( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) النساء ). الزواج ميثاق غليظ ، وبه أفضى هذا الى هذه ، وأفضت هذه الى هذا . 

4 ـ وعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وحتى إن كرهها فليصبر عليها، وإن صبر عليها فإن الله تعالى يعده بأن يكون فيها خير كثير له في ماله وأولاده وحياته : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء). الى هذا الحدّ يبلغ الحرص من رب العزة جل وعلا على معاملة الزوجة بالمعروف !!

5 ـ وحتى في تشريع القوامة وتأديب الزوجة الظالمة يأتي التحذير الالهى من البغى على الزوجة إن لم تكن ظالمة . قال جل وعلا : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) النساء ) . القوامة تعنى مسئولية الزوج على الزوجة لأنه الذى ينفق علي البيت وعليها وهو الذى يحمى أسرته ويدافع عنها، وعلى الزوجة الصالحة أن تحفظ بيتها وزوجها وأولادها. والله تعالى رقيب عليها. وله أن يؤدبها إذا كانت ناشزا ظالمة ، ولكنه جل وعلا يحذر من ظلمها . مع ملاحظة أنه في عقد الزواج يمكن أن تشترط أن تكون العصمة في يدها أو أن تكون لها القوامة على زوجها ، ولو رضى بذلك أصبح واجبا الوفاء بالعقود ، فالزواج ( ميثاق غليظ ) وعلاقة تعاهد يكون الله جل وعلا شهيدا عليها، ويتعين فيه الوفاء بالعقود والعهود . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) المائدة ). ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الانعام ) ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل  ) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء  ). أمّا تفاصيل ( وَاضْرِبُوهُنَّ ) وغيرها فستأتي في الكتاب المُشار اليه عن تشريعات المرأة . 

ثانيا : 

قبل نزول القرآن الكريم لم تكن للمرأة حقوق في الميراث ولا في الزواج . فرض لها رب العزة جل وعلا صداقا في الزواج ، وجعله باتفاق بين الطرفين عن تراض بينهما بعد فرض المهر ، وهذا مع النفقة .  وجعل  رب العزة حقا لها في الميراث .  

قال جل وعلا : 

1 ـ ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء )

2 ـ ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )

3 ـ ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء ) 

3 : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)  النساء  ). 

4 ـ ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)  البقرة ). 

ونلاحظ :

1 ـ البدء بتقرير حق الرجال والنساء في التركة ، مهما قلّ أو كثُر : ( النساء 7 )

2 ـ قبل توزيع التركة يكون الآتى : 

2 / 1 : إعطاء جزء من التركة لمن يحضر من الأقارب غير الورثة واليتامى والمساكين ، مع قول معروف . والنساء ضمن هؤلاء . 

2 / 2 : قضاء الديون وتنفيذ الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) 11 النساء    ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (  مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ )  12  النساء  ) 

3 ـ في توزيع التركة يكون للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسبة للأولاد والزوج والزوجة ، ثم الأخوة والاخوات ( عند الكلالة وعدم وجود أولاد ). وهنا أيضا نلاحظ استعمال ( أولاد ) للذكور والاثاث: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) . الذكور هنا هم الذين يدفعون المهر في الزواج . فالولد عليه مسئولية الزواج من صداق ونفقة . أما البنت فهى التي تتلقى الصداق والنفقة . فالمساواة بينهما في الميراث ظلم .

4 ـ لا يكون هذا بالنسبة للوالدين . هما يتساويان في التركة . والتعبير عنهما بالمساوة في الاستحقاق وفى الوصف ، فهما ( أبوان ) الأم ( أب ) والوالد ( أب ) :( وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ )

5 ـ أنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والثُمن والسُّدس . وتأتى الوصية للأقربين الورثة لتعالج ظروفا خاصة . قد تكون ظروف البنت تستدعى المساعدة أكثر ، فيمكن الوصية لها ، ولكن بدون ضرر . قال جل وعلا عن الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء ). ويلاحظ أن الوصية للأقربين ، أي الورثة ، ومنصوص فيها الوصية للوالدين . فلهما حق في الميراث ، وحق في الوصية تحديدا وتعيينا . أما عن الأقربين من الورثة فهو للمستحق منهم ، ولكن بالمعروف ، بدون ظلم . 

6 ـ تشريعات المواريث من ( حدود ) الله جل وعلا. ومن يتعداها يتوعّده رب العزة بالخلود في النار . المُخاطب بهذا هم ( المؤمنون ) . يمكن أن يخلد بعضهم في النار بسبب ظلم في موضوع الميراث 

أخيرا 

لم يفهم هذا أصناف من الناس : 

1 ـ أئمة الدين السُنّى الذى جعلوا في دينهم أنه: (  لا وصية لوارث ).

2 ـ بعض العلمانيين الذين يطالبون بالمساواة في الميراث بين الأبناء . لا يعرفون أن المساواة على إطلاقها قد تكون ظُلما . 

3 ـ الأغلبية التي لا تعطى النساء حقوقهن في الميراث . 


الفصل الرابع 

حقوق بقية الضعفاء

مقدمة 

بعد الأطفال والوالدين واليتامى المحتاجين للرعاية والإحسان يتبقى حقوق الضعفاء من المساكين والسائلين والمحرومين وابن السبيل والأقارب والأتباع والجيران ، والإحسان اليهم . ونعطى لمحة سريعة: 

أولا :  عن السائل والمحروم 

هناك فقراء لا يسألون تعففا ، ولكن أحوالهم تعبّر عنهم ، هؤلاء يجب إعطاؤهم . قال جل وعلا عنهم : ( لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) البقرة ). وهناك من يتسول و ( يسأل ) ، وهناك المحروم . قال جل وعلا عمّن يريد أن يكون من المتقين المستحقين للجنة :

 1 ـ ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ) 

2 ـ ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25 ) المعارج )

 ونلاحظ :

1 ـ إن للسائل حقا لمجرد أنه يسأل الصدقة والعون ، بغض النّظر عن مظهره ، وعمّا إذا كان صادقا أو كاذبا مُدعيا للفقر محترفا للتسول متهما باكتناز المال . لو كان كذلك إعطه القليل ، لكن لا تحرمه حقا منصوصا عليه في القرآن الكريم . يكفى أنه أظهر ضعفا يستجدى به العون فلا تحرمه من العون . وتذكر إن الله جل وعلا ينهى عن أن تنهر السائل .  قال جل وعلا : ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) الضحى ) 

2 ـ قد تعرف حال السائل أو لا تعرف . لكن من المفترض أن تكون عارفا بالمحروم المحتاج فعلا للعون . 

3 ـ تعبير ( السائل والمحروم ) شامل ، لا يقتصر على المال بل كل شيء . هناك فقير يحتاج المال ، وهناك مريض يحتاج العلاج ، وهناك مديون يحتاج العون ، وهناك من يمرُّ بأزمة نفسية أو إجتماعية يحتاج لمن يقف الى جانبه . المهم أن السائل والمحروم من حالات الضعف الانسان التي تستوجب حقا ، وعلى من يتقى الله جل وعلا أن يؤدى هذا الحق إبتغاء مرضاته جل وعلا . 

4 / 1 ـ تعبير ( حق  ) يعنى إن له عندك حقا ، عليك أن تعطيه حقه عليك . 

4 / 2 : و تعبير ( حق معلوم )، يعنى أنك تجعل نسبة مما يأتي اليك من رزق للوفاء بهذا الحق . وهذه النسبة تكون لكل مستحقى الصدقة والإحسان المالى . 

4 / 3 : هو ( حق معلوم ) بالنسبة للمؤمن الذى يتقى الله سبحانه وتعالى . ومتروك تقديره له . 

5 ـ ليس في الشرع الإسلامي تحديد لمقدار الزكاة المالية أو التبرع في سبيل الإسلام جهادا . لأن بذل المال هو تزكية وتطهير للنفس ، به ينجو المؤمن من الجحيم . قال جل وعلا : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) الليل) . 

6 ـ والله جل وعلا يقول تعبيرا غاية في الدلالة والتأثير في قلب المؤمن الذى يتقى ربه ، إنه تعبير : ( إقراض الله جل وعلا قرضا حسنا ) . الله جل وعلا الغنى عن العباد الصمد الذى لا يحتاج الى أحد ويحتاج اليه كل أحد يستعمل هذا التعبير ، بل وهو جل وعلا يعد بأن يضاعف لمن يقرضه في الدنيا والآخرة . وهو جل وعلا لا يخلف وعده . قال جل وعلا :

6 / 1 : عن التبرع للجهاد في سبيل الله جل وعلا :

6 / 1 / 1 :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)   البقرة ) 

6 / 1 / 2 :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) الحديد )

6 / 2 : عن التبرع عموما : 

6 / 2 / 1 :( إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)  التغابن )

6 / 2 / 2 :(  وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) (20) المزمل )

7 ـ وقال جل وعلا : عن المتقين الأبرار: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 ). 

7 / 1 :هنا نوعيات من مستحقى العون المالى والإحسان ، ومنهم ( السائلون ).

7 / 2  ويلفت النظر قوله جل وعلا : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ  )، أي التبرع بأحبّ ما لديه من مال . وقد جاء هذا المعنى أيضا في قوله جل وعلا :

7 / 2 / 1 : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) آل عمران  )

7 / 2 / 2 : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) الانسان  )

ثانيا : عن بقية المستحقين 

قال جل وعلا في الصدقة الفردية : 

 1 ـ ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ) 

2 ـ ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) البقرة 177 )

بالإضافة الى  الحق المالى فهناك ( الإحسان ) أي الود والعطف . وهذا يشمل أصنافا أخرى ، جاءت في قوله جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(36) النساء ). هنا الجيران مع الوالدين وذوى القربى وغيرهم . 

ثالثا :ونتوقف مع المسكين . 

وهو الأكثر ضعفا ، لأن المسكين من المسكنة أي الذل ، فهو أفقر الفقراء الذى يحتاج الى الطعام . ونلاحظ ارتباطه بموضوع الطعام ، في  : 

  فرضية الحضّ على إطعامه . قال جل وعلا :

1 ـ ( وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر )

2 ـ   ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) الماعون)

4 ـ (  إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) الحاقة )

وإطعام المسكين من صفات المتقين أصحاب الجنة . قال جل وعلا :

1 ـ (  وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)  الانسان )

2 ـ (  أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد ). 

وعدم إطعام المساكين هو من صفات أصحاب النار . سيُسألون : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) وستكون إجابتهم :( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) المدثر ) 

ويأتي حق المسكين مقرونا بذوى القربى ، لتكون الشفقة به والمسئولية عنه مثل الوالدين والأهل والأقارب . قال جل وعلا عن حقه قبل توزيع التركة في إعطائه جزءا منها مع القول المعروف : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8)   النساء )

ويأتي معه ابن السبيل . قال جل وعلا :

1 ـ ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (26) الاسراء )

2 ـ (  فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38)  الروم ). وابن السبيل يعنى الغريب المسافر الذى يمر ببلد ليس له فيه بيت أو مستقر .  وهو الآن يشمل أطفال الشوارع ومن لا بيت له ..الخ .

رابعا : وعن حقوقهم المفروضة على الدولة الإسلامية 

1 ـ في الصدقات التي تجمعها . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ). هنا ( العاملون عليها ) أي الموظفون القائمون بتحصيلها . ثم هناك طوائف على مستوى الدولة : الفقراء والمساكين ( حسب مستوى الدخل ). ويدخل في الفقر العلاج ، فالفقر يعنى الافتقار والحاجة اى شيء . وهناك مرضى محتاجون للعلاج ، ثم هناك ( المؤلفة قلوبهم ) ، وهذا شبيه بما تفعله الدول الكبرى في مساعداتها للدول الفقيرة وعند الكوارث والأزمات في دول أخرى . والغارمون الذين يضمنون من ضمن شخصا فعجز عن السداد فتعين عليه أن يقوم عنه بالسداد . وفى سبيل الله أي في الجهاد دعوة سلمية أو قتالا دفاعيا ، ثم رعاية أبناء السبيل . أبناء السبيل الآن هم : أطفال الشوارع ، والمُشرّدون و الشباب المحتاج الى سكن ليتزوج . والأرامل والعجائز ذكورا وإناثا ، والذين لا أقارب لهم يهتمون بهم . 

على الدولة الإسلامية أن تقيم مؤسسات لأولئك جميعا ، وأن تجعل تأمينا صحيا للفقراء ، ومطاعم مجانية للمساكين ، ومساكن شعبية مخفّضة الثمن وعلى أقساط مريحة للمحتاجين من العائلات والأُسر والذين إنهارت مساكنهم ويحتاجون الى إيواء . هؤلاء جميعا ضعفاء لهم حق على الدولة الإسلامية . جدير بالذكر إن هذا ما نرى معظمه يتحقق في أمريكا . 

ويمكن للأفراد رعاية الفقراء والمساكين والسائلين والمحرومين من النساء والأطفال وكبار السّن بتكوين جمعيات متخصصة .  

2 ـ عما ( يفىء ) أي يؤول الى خزينتها ، قال جل وعلا :( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ). ذوو القربى هنا هم أقارب الجنود المقاتلين دفاعا عن الدولة . 

3 ـ عما تحصل عليه من غنائم ، قال جل وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الانفال ) 

أخيرا 

1 ـ نلاحظ فيما سبق أن المستحقين لا يشترط فيهم أن يكونوا مسلمين ، هم يحصلون على حقوقهم ليس بصفتهم الدينية بل بصفتهم المحددة ، أقارب وجيرانا وأيتاما وفقراء ومساكين وأبناء سبيل . لا عليك أن كان المستحق ضالا أو مهتديا ، مؤمنا أم ملحدا . ليس عليك هداهم لأن الهداية مسئولية شخصية . الذى عليك أن تعطيهم حقوقهم تبتغى مرضاة الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) البقرة )

2 ـ وحتى يرتبط إعطاء المال بالإحسان فانه جل وعلا لا يقبل صدقة فيها منُّ واذى . يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة ) 

3 ـ ولقطع الطريق على الذين يجمعون المال بالظلم ثم يتصدقون منه قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) البقرة )

4 ـ وطالما تبتغى رضا الله جل وعلا وحده فليس مهما أن تكون صدقتك علنية أو سرية . قال جل وعلا : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة ). الصدقة المقبولة يكون بها تكفير السيئات . 

ضعف البشر في رؤية قرآنية
هذا الكتاب خلاصة لتجربة حياة ، استخلصت منها كيف يهزم الضعيف عوامل الاستضعاف والإحباط واليأس ، وأن يواجه ظروفه الاجتماعية التي جعلته ضعيفا بعزيمة قوية ، ثم لا يكتفى بذلك بل يواجه ضعف المجتمع والناس ويواجه أكابر المجرمين من المستبدين وشيوخ الأزهر ورجال الدين .
more