مناظرة القرن» بين جيجيك وبيترسون.. هل الماركسية أم الرأسمالية تُحقق السعادة؟

اضيف الخبر في يوم السبت ٢٠ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


مناظرة القرن» بين جيجيك وبيترسون.. هل الماركسية أم الرأسمالية تُحقق السعادة؟

جَرَت اليوم مناظرةٌ تاريخيّة شدّت أنظار الناس حول العالم، بين سلافوي جيجيك، الفيلسوف الماركسيّ الساخر وجوردان بيترسون، عالم نفسٍ ومفكر كنديّ لاذع. المناظرة حملت عنوانًا بسيطًا: «السعادة: الماركسيّة ضدّ الرأسمالية»؛ وعلى المنصّة جلس رجلان مُختلفان تمامًا إلا في أنّهما مثيران للجدل بأفكارهما.

في هذا التقرير نُلخص لكم موجز هذه المناظرة التي استلزمت عامًا كاملًا من الإعداد لها.

الافتتاحية: بيترسون أمام بيان ماركس

يبدأ بيترسون المناظرة بعكسه لمقولة ماركس: «الفقراء لا يزدادون فقرًا تحت الأنظمة الرأسمالية، بل يزدادون ثراءً أيضًا». ثم يتابع: «لقد كان حريًا بي أن أبدأ المناظرة بمناقشة أعمال سلافوي جيجيك، وهو مفكر عظيم وله الكثير من الأعمال القيمة إلا أنني فضلت أن أبدأ من الجذر الذي نبتت منه كل المشكلات وهو «مانفيستو الاقتصاد» لكارل ماركس، ما نعرفه باسم بيان الحزب الشيوعي.

لقد قرأته ولكي تقرأ شيئًا فأنت لا تتبع فقط الكلمات والمعاني، بل تتساءل شخصيًا عند تعمّقك فيما تقرأ عن مدى حقيقته، هل هو فكرٌ صلب ومتماسك يعتمد عليه؟ لكن عليّ أن أقول لكم أنني قرأته منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري، وهذا من حوالي 40 عامًا.

نادرًا ما أقرأ شيئًا وأجده مليئًا بأخطاء مفاهيمية، وأخطاء في بعض الجمل، وكان من الجيد قراءته من منظورِ «علم النفس»؛ إذ لا أعتقد أن ماركس قد توصل إلى الحقيقة الجوهرية التي تشير إلى أن «تقريبًا كل الأفكار خاطئة، ولا يهم إن كانت تلك هي أفكارك الخاصة أم أفكار شخص آخر؛ فهي تظلُّ خاطئة»؛ إذ لا بد للمرء من مقارنة أفكاره الأصلية مع أفكار الآخرين، كما يجب عليه انتقادهم بطريقة جوهرية لرؤية ما إذا كانت الأفكار تستطيع أن تنجو من هذا النقد أم لا».

بيترسون أثناء المناظرة

ثم لا يلبث بيترسون أن يُناقش مفاهيم رآها باطلة في البيان، ويقول: «هذا الكتاب كتب منذ 170 عامًا، وقد تعلمنا الكثير منذ ذلك الوقت عن الطبيعة الإنسانية وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، ويمكننا مسامحة الكاتب عما لم يكن يعرفه حينها».

  • من أين ننطلق لقراءة التاريخ: وجهة نظر ماركس في أن التاريخ يجب أن نراه أولًا على أنه صراع طبقي اقتصادي، وهنا يقترح ماركس أن ننظر إلى التاريخ بزاوية نظرٍ اقتصادية بحتة، وأعتقد أن هذا الأمر قابل للمناقشة، وذلك لأن هناك الكثير من الدوافع التي تحرك الجنس البشري، بجانب الدوافع الاقتصادية والطبقية، ويجب أخذها في الاعتبار.

قد يكون صحيحًا أنّ الصراع الهرمي أحد القوى الدافعة للتاريخ، ولكنه لا ينحصرُ في هذا الصراع. يعتقدُ ماركس أنّ رأس المال ينتهي في يد قلّة من المجتمع في المجتمعات الرأسمالية، وهذا لا يُعطي فهمًا صحيحًا عن طبيعة التسلسل الهرميّ. ومشكلةُ ذلك أنه اتهامٌ غير دقيق ويحوي بداخله تأبيد الصراع الطبقي، ويُقلل أيضًا من جدية الأزمة ذاتها.

  • مشكلة الصراع الطبقي: أزمة الصراع الطبقي ليست مرتبطة بالرأسمالية فحسب، فالترتيب الطبقيّ موجود في التاريخ الإنسانيّ قبل ظهور الرأسمالية بعصور، بل وسبقت التاريخ الإنسانيّ ذاته. فلماذا نربط الصراع الطبقي بالرأسمالية دائمًا؟ هذا الربط يضطرنا لمواجهة معضلة أكبر مما نواجه الآن.

هذه المعضلة موجودة عند اليمين واليسار: لم يضع ماركس في الحسبان دوافع أخرى للصراع تتجاوز الدافع الاقتصاديّ. بعضُ أسباب الصراع لا دخلَ له بالطبقات الاجتماعية، فالجنس البشري يتصارع مع ذاته، ومع قدراته الروحانية والنفسية، والإنسان جزءٌ من الطبيعة التي يبدو أن ماركس لا يرى أنّ لها وجودًا. الصراع الأساسي في وجهة نظري في الكفاح من أجل الحياة في عالمٍ طبيعيّ، قاسٍ وفظ، لا أجده عند ماركس.

وإذا كان الجنس البشري يعاني من مشكلة، فذلك لأننا نأتي إلى هذه الحياة في حالة جوع وَوحدة، وعلينا أن نحل هذه الأزمة باستمرار ولذا نبدأ بعمل ترتيباتنا الاجتماعية لنتخطاها. يُجادل بيترسون بأنّ التسلسل الطبقي بين البشر لا يعتمدُ في أساسه على القوة. ويشيرُ إلى معلومات من عِلمي الأحياء والأنثروبولوجيا ليُدلل على ذلك: لا يمكن كسب السلطة باستغلال الآخرين وإلا ستكون سلطةً مهزوزة.

  • طبقتك الاقتصادية تحدد طبيعتك: يشير ماركس إلى أن تاريخ المجتمعات حتى الآن يتكون من صراع طبقيّ بين البرجوازيين (الأغنياء ومالكي الاقتصاد) والبروليتاريا (العمّال).

لنفترض أن البشر نوعان: أخيار وأشرار؛ ماركس يصوّر البرجوزايين بوصفهم أشرارًا دائمًا مقابل العمال الخَيّرِين. وهذا بنظرِ بيترسون اعتقادٌ ساذج. إذ يُصنّف ماركس الأشخاص هنا أخلاقيًا بناءً على طبقتهم الاجتماعية.

يأتي ماركس بعد ذلك بفكرة «ديكتاتورية البروليتاريا»؛ والتي تعني السيطرة السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة، عن طريق ثورة عمالية، والتي غالبًا ما تكون ثورة عنيفة ودموية، والتي ينتج عنها إطاحة بكل البنى الاجتماعية القائمة، وعلى اعتبار أن «ديكتاتورية البروليتاريا» يمكن تطبيقها، إذا استبدلنا الطبقة الرأسمالية بالطبقة العمالية، ألن يكون هناك بينهم شخصٌ فاسد نتيجة وصولهم المفاجئ للسلطة؟ بالنسبة لماركس لا، لأنها ستصبح المدينة المثالية، اليوتوبيا التي يصل فيها الأشخاص الطيبين، أخيرًا، للحكم.

  • من يربح من الرأسمالية؟ يُجادل بيترسون بأنّه لو وُضع طيّبون في مراكز السلطة مكانَ الرأسماليين الفاسدين، فسيكون من الطيبين من هم أفسدُ من الرأسماليين وهذا ما حدث في كل مرة طُبّق فيها نظام شيوعيّ.

قالَ ماركس أنّ الأغنياء، في ظلّ الرأسمالية، سيزدادون ثراءً والفقراء سيزدادون فقرًا. ولكن في نظر بيترسون: تُقدّم الرأسمالية اللامساواة ولكن معها الثراء، أما الأنظمة الأخرى فتقدّم اللامساواة لوحدها. ويختتم بيترسون مداخلته التي امتدّت لـ45 دقيقة بالسؤال التالي: ماذا حدث للطبقات الفقيرة في الأنظمة الرأسمالية منذ 1800 وحتى عام 2000؟ وجوابه: تضاعف معدلُ نمو دخل الفرد 40 ضعفًا، إنهم يزدادون ثراءً اليوم أكثر من أي وقت مضى.

«القبلة إلى اليسار كثيرًا»..كيف اجتمع الإسلام وماركس؟

جيجيك: الحكم غبيّة

يبدأ جيجيك مداخلته بذكر النموذج الصينيّ مثالًا على محاور المناظرة الثلاثة: السعادة والماركسية والرأسمالية؛ الصين في العقود الأخيرة تعتبر من أعظم قصص النجاح الاقتصادي في تاريخ الإنسانية. ارتفع مئات ملايين الأفراد من الفقر المدقع إلى الطبقة المتوسطة، والسؤال: كيف استطاعت الصين فعل ذلك؟ جمعت بين جوهر الشيوعية، وديناميكية الرأسمالية، بهدف سعادة معظم الشعب.

ينقلُ جيجيك عن دالاي لاما: «أنّ السعادة، ورغمَ أنها هدف حياتنا، إلا أنها فكرة إشكاليّة، ودرسُ علم النفس يخبرنا أنّا نحن البشر مُبدعون في تدمير طرق سعينا نحوَ السعادة».

السعادة فكرة مشوّشة، في حياتنا العادية نتظاهر برغبتنا بأشياء لا نرغب بها حقًا، وأسوأ ما يمكن أن يحصل لنا أن نحظى بما تمنيناه.

بما أننا نعيش في حقبة حداثية لا يمكننا الإشارة ببساطة إلى سلطة لا جدال فيها، فالحداثة تعني أننا يجب أن نحمل عبئًا، والعبء الأساسي يكمن في الحرية نفسها، ونحن مسؤولون عن أعبائنا.

وبالحديث عن الحداثة: هل يمثّل دونالد ترامب سياسيًا محافظًا بقيمٍ تقليدية؟ لا، فمُحافظة ترامب رد فعل حداثي ودليل على الأنا المتضخمة. ترامب رئيسٌ ما بعد حداثيّ تمامًا. ويقول جيجيك: «لو قمنا بمقارنة ترامب بِبيرني ساندرز، لوجدنا ترامب سياسيًا ما بعد حداثيّ، والآخر سياسيّ أخلاقي من الطراز القديم».

يشير المفكرون إلى أن جذر ما نعانيه من مآسٍ يكمن في افتقادنا للقيم الروحانية العليا المرتبطة باللاهوت، ولو أن كل شيء يرتبط بالتاريخ بشكلٍ مشروط، فلا شيء يمنعنا من الانحدار نحو قاع ميولنا البشرية، هذا الدرس الذي يمكننا تعلمه من إقدام الجموع على القتل والحرق باسم الدين.

يُجادل أحيانًا بأن الديانات تجعل الأشخاص السيئين يقومون بأفعال حسنة. أما من تجربتنا اليوم علينا أن نأخذ ما رآه ستيفن واينبرج: «بدون الدين سيفعل الأشخاص الطيبون أفعالًا حسنة، والأشرار أفعالًا شريرة. ولكن بوجود الدين فحسب، يفعلُ الطيّبون أفعالًا شريرة».

يرسم جيجيك مشهدًا مثيرًا: حذَّر دوستويفسكي قبل قرن، في عمله الأخوين كارامازوف، من العدمية الأخلاقية وأنه دون وجود إلهٍ سيصبح كل شيء مباحًا.

أما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) فلا شكّ أن كلمة دوستويفسكي كانت خاطئة: «وجودُ الإله يُبيحُ كل شيء. فهم يتصرفون نيابةً عن الإله. وهذه الحالة تنطبقُ على الستالينيّة، إذ سمحت لنفسها بفعل كل شيء لأنها رأت نفسها أداةً للحتمية التقدميّة للتاريخ نحو الشيوعية. هذه أكبر مشاكل الأيديولوجيا: كيف تجعل الطَيبين المُحترمين يقومون بأفعال مروّعة!».

ثانيًا: نعم يجب علينا أن نحمل أعباءنا، باستثناء المعاناة التي تلازمها، لا تقع في حب معاناتك، ولا تتوقع أن معاناتك دليل على أصالتك.

انظر كيف تتعامل أوروبا مع المهاجرين اليوم، على الأقل الشعبويين المُعادين لللاجئين. السبب الرئيسي لتلك الطريقة في التعامل، وهي إحدى نتائج الرأسمالية العالميّة، في افتراض أن المهاجرين «دخلاء خارجيين».

عاش كثير من الألمان في عشرينيات القرن الماضي حالةً من التشوّش؛ لم يستوعبوا ما الذي حدث لهم، هزيمةٌ عسكرية وأزمة اقتصاديّة، وفي ذلك الوقت كان هتلر أحد أفضّل الحكّائين في عصره، حبكَ قصة، قصة يهوديّة، وأن كل ما حصل سببه اليهود. وهذا بالضبط ما نفعله نحن اليوم؛ نحن نروي لأنفسنا قصصًا عنّا لاكتساب تجربة ذات معنى في حياتنا. لكن ذلك ليس كافيًا، فواحدة من أكثر الحكم غباءً، وعموم الحكم غبية، تقول بأن: «العدو هو شخصٌ لم تسمع قصته من قبل. ومن السخرية اعتقاد أن شخصًا مثل هتلر كان عدوًا فقط لأن قصته لم تسمع».

يتابع جيجيك؛ «إن الهوس بالثقافة الماركسية يعبر عن رفض مواجهة حقيقة أن الظواهر التي ينتقدونها ما هي إلا حصيلة المجتمعات الرأسمالية. في هذا أودُّ أن أشير إلى ما قاله دانيال بيل، في كتابه «التناقض الثقافيّ للرأسماليّة»، والذي كتب عام 1976، يجادل فيه بأن التقدّم اللامُقيّد للرأسمالية الحديثة يقوّض الأسس الأخلاقية للأخلاق البروتستانتية الأولى، وهذا يكشف عن الصدع الثقافي الذي نواجهه اليوم في القرن الحادي والعشرين، إذ إن ثقافة العمل الرئيسية هي إعادة إنتاج للرأسمالية وما يصاحب ذلك من تسليع للحياة الثقافية ذاتها. ولذا أرى أن قصة «الثقافة الماركسية» تحل هنا محل قصة اليهود عند هتلر. وتصبحُ هي العدوّ الذي يُصب تجاهه الضغط بدلًا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة».

بالنسبة إلى المساواة، بعض المفكرين رأوا في الحقد روحانية أكثر من تلك التي تحيط بالخير، ولهذا فإن المساواة لا يجب أن تقبل بالقيم البائسة، وذلك لأن المساواة قد تعني بحكم الواقع الذي نعيش فيه، أنني سأتخلى عن شيء، حتى لا يحصل عليه الآخرون. لكن هل يجب أن نتخطى موضوع المساواة؟ لا فالمساواة قد تعني أيضًا -وهو الرأي الذي أؤيده شخصيًا، أن تقوم بصنع مساحات مختلفة للأفراد بقدر الإمكان مما يساعدهم على تطوير إمكاناتهم الخاصة والمختلفة، ولهذا فإن رأسمالية اليوم هي التي تساوينا بعضنا ببعضٍ بقدرٍ كبير، مما ينتج عنه فقدان العديد من المواهب.

ويضيف خلال مداخلته: «أقدر بعمق التفكير الثوري، وبالطبع نحن كائنات طبيعية، وحمضنا النووي يحتوي على أكثر من 98% من جينات القرود، -ردًا على بيترسون- وانتقادًا لغياب الطبيعة عن ماركس لكن الطبيعة ليست في حقيقة الأمر تسلسلًا هرميًا مستقرًا لكنها مليئة بالارتجالات. ففي فرنسا على سبيل المثال نجد أن أصل الكثير من الأطعمة أو المشروبات الفرنسية، هي أشياء قد يكونوا فشلوا في صنعها بطريقة صحيحة تبعًا للعالم، إلا أن فشلهم كان نجاحًا في حد ذاته، فالجبن الذي تعفن أصبح جبنًا مصنوعًا بشكلٍ أصلي في فرنسا، مثلًا، وعندما فسد منهم النبيذ، صنعوا منه الشامبانيا».

جيجيك أثناء المناظرة

ويتابع: «أنا لا أُلقي النكات هنا، ولكني أعتقد الأمر يشبه ذلك، وهناك الدروس التي نتعلمها من التحليل النفسي، والتي تشير إلى أن غرائزنا الجنسية على الرغم من أنها محددة بطريقة حيوية، لكن البشر اليوم لا يمارسون جنسانيتهم عبر الأعضاء المخصصة لذلك وفقط، بل استطاعوا تطوير هوس دائم تخطى الإيقاع البيولوجي المحدد، والذي جاء نتيجة اختلاف الثقافات. ت. س. إليوت كتب ذات مرة: الماضي يجب عليه أن يتبدل بالحاضر، بنفس قدر توجيه الماضي للحاضر». ويرى جيجيك أن البشر يحتاجون إلى مثل أعلى؛ ليجبرهم على أن يصبحوا أحرارًا، فالحرية والمسؤولية تتطلب بذل مجهود، وأقصى وظيفة يمكن أن يقوم بها هذا المرشد الأصيل هو إيقاظنا من السبات إلى الحرية.

أما عن القضايا البيئية، يقول جيجيك أن الرأسمالية فازت من قبل، وهنا يأتي السؤال: هل الرأسمالية العالمية في يومنا الحالي تحتوي على خصومات كافية قد تمنع إعادة إنتاجها مرة أخرى؟، ويقول: «أعتقد أن أهم هذه النزاعات يكمن في  الطبيعة الخارجية المهددة بواسطة التلوث والاحتباس الحراري. أنا على دراية تامة بكم التوقعات والتحليلات غير المؤكدة في هذا السياق، كما أنني على دراية بإغراءات الوضع الحالي، على سبيل المثال، عندما كنت صغيرًا نما في ألمانيا مصطلح «موت الغابات»؛ إذ أشارت التوقعات إلى أنه وفي غضون عقود ستصبح أوروبا بلا غابات أو مساحات خضراء، وطبقًا للبيانات الأخيرة، اليوم هناك غابات في أوروبا بمعدلات أكثر مما كانت عليه منذ 100 أو  50 عامًا. أعتقد أن البيانات العلمية في هذا الخصوص غزيرة بما يكفي، ولهذا يجب أن نبدأ في التصرف على نطاق واسع، ولهذا أعتقد وقد يبدو هذا رأيًا نقديًا بعض الشيء، إلا أن الرأسمالية في موقع المتهم اليوم بسبب مديريها، ولا علاقة لذلك بطبيعتهم الشريرة -كما أشار بترسون في الجزء الخاص به انتقادًا لماركس، لكن منطق اهتمام الرأسمالية يهتم بإعادة إنتاج مفاهيمهم ذاتيًا، والعواقب البيئية ببساطة ليست جزءًا من هذه اللعبة، وهذا ليس عتابًا أخلاقيًا».

كيف نتصرف أولًا بالاعتراف أننا في حالة من الفوضى العميقة، لا يوجد حل ديمقراطي بسيط هنا، والفكرة تكمن في أن الأفراد أنفسهم يجب أن يفكروا عما يودون فعله وهو ما يؤهلهم لتجنب الحكم المتسرع عليهم في تلك المسألة الحساسة بخصوص أزمة البيئة التي قد تبدو عميقة، إلا أن هناك بعض التدابير الجذرية التي دعا لها بعض علماء البيئة.

الرأسمالية العالمية لديها بعض الشخصيات العامة، الذين اهتموا بالمسائل الاجتماعية أمثال بيل جيتس وجورج سوروس، فهم يدعمون حقوق مجتمع الميم، ويوفرون المؤسسات الخيرية، لكن فيما يتعلق باللاجئين وفتح حدودنا لهم ومعاملتهم باعتبارهم أشخاصًا منا، فإنهم يوفرون فقط ما يسمى في الأدوية، العلاج العرضي، والحل لا يمثل مجتمعات الدول الغربية الغنية التي تتسلم حدودها كل اللاجئين، لكن في كيفية تغيير الوضع الذي يخلق موجات هائلة من المهاجرين، هل يمثل هذا التغيير بالنسبة إليكم يوتوبيا أو المدينة الفاضلة؟ لأن المجتمع المثالي الحقيقي هو الذي استطاع أن ينجو بنفسه من هذا الوضع برمته دون الحاجة لتغيير.

سوق الرأسمالية يفعل أشياء عظيمة، أعترف بهذا، إلا أنه يجب عليه أن يحد من ذاته، وإذا كنت تتحدث عن اليوتوبيا، دعنى أخبرك بأي طريقة يمارس السوق العالمي مهامه اليوم؟ لطالما اعتبرت أن الليبرالية الجديدة مصطلح زائف، لكن إن نظرت بعمق، الولايات المتحدة تلعب اليوم دورًا أهم من أي وقت مضى خاصة في الاقتصاديات الغنية للرأسمالية، وهو سوق محدود أيضًا ولكن ليس في النطاق الصحيح.

ثم يضيف: «في النهاية لدي استنتاج متشائم بعض الشيء، إذ عندما يحاول أحدهم إقناعي بأنه على الرغم من  كل المشكلات هناك ضوء في نهاية النفق يصبح ردي الفوري هو نعم، ضوء قطار آخر قادم ليدهسنا».

«تلك ليست منافسة رخيصة، أرجوك لا تضعها في هذا النطاق، نحن هنا لأننا -كما قلت في مقدمتك- نحاول مواجهة مشكلات جدية». *جيجيك موجهًا حديثه إلى بيترسون

مترجم: أخطأ بشأن موت الرأسمالية.. 13 معلومة غالبًا تريد معرفتها عن كارل ماركس

بيترسون: جيجيك لم يدافع حتى عن الماركسية

«أغلب ما سمعته أتفق معه، لكننا سنصل إلى هذا بعد قليل، ردي هو سمعت نقدًا عن الرأسمالية بلا دفاع حقيقي عن الماركسية، وهو أمر مثير للجدل، لأن دكتور جيجيك ركّز على مشكلات الرأسمالية، وأزمة السعادة الفردية بدلًا من التحدث عن منافع الماركسية.

لقد توقعت أن يتحدث جيجيك عن الماركسية التقليدية، ولهذا جهزت أكبر جزء من المناظرة لنقد فكر كارل ماركس، لكنني وبالحديث عن مشكلات الرأسمالية أدرك تمامًا أن هناك مشكلات حقيقة في الرأسمالية، ولم أكن أدافع عن الرأسمالية، في الحقيقة، إلا أنني أدافع عنها إذا ما قورنت بالاشتراكية». *بيترسون في مداخلته الثانية.

يمكنك أن تقول عن الرأسمالية أن أسوأ الأنظمة الاقتصادية التي يمكن لنظامٍ إدارتها، باستثناء كل الأنظمة الأخرى التي جربناها، لم يكن واضحًا بالنسبة إلى أننا سنقوم بحل المشكلات الآن، لكن ما أحاول إضافته هو أن الرأسمالية المطلقة بوصفها بناءً اقتصاديًا واجتماعيًا منعزلًا تشكل الإجابة المناسبة للمشكلات التي تواجهنا، ولذلك يقول جيجيك أنه من مشكلات الرأسمالية هي تسليع الحياة الثقافية، وهو أمر «عادل» كفاية، إلا أنه ليس من الصائب تقليص كل شيء وكأنه منافسة اقتصادية، من ناحية أخرى الرأسمالية تدفع في هذا الاتجاه، وثقافة الإعلانات تدفع في هذا الاتجاه، والمبيعات والتسويق أيضًا، وهناك أسباب لذلك لدي، كم من الإعجاب حول ضرورة ذلك بالنسبة إلى المعلنين ورجال المبيعات والتسويق، لكن هذا لا يعني أن تحويل كل العناصر في الحياة إلى عناصر تسليعية بالمعنى الرأسمالي، أعتقد أن الدليل على ذلك واضح إلى حد ما.

هناك شيء لم أشر له من قبل، وهو أن هناك علاقة ما بين الثروة والسعادة، وهي معروفة جيدًا  في كتابات علم النفس، ليس واضحًا تمامًا سواء كانت مقاييس السعادة، هي مقاييس للسعادة حقًا، أم هي مقاييس لغياب البؤس، وباعتباري متخصصًا أدرك تمامًا أن الأفراد يهتمون أكثر لكونهم غير بائسين، أكثر من رغبتهم في السعادة، وما أتحدث عنها هي حالات منفصلة تمت معالجتها بنظم مختلفة للبيولوجية النفسية. وهناك علاقة لا يمكن نكرانها ما بين معدلات دخل الفرد، وكونهم غير بائسين أو سعداء، فالتعاسة تبتعد عنك قدر الإمكان طالما أنك لا تتعرض إلى ضوائق مادية. فالقدرة على إنتاج الثورة والتي تعرف بشكل ما الرأسمالية يمكنها أن تنتج تهديدًا قاتلًا لبناء الأنظمة الاجتماعية والبيئية، وهو شيء لا أقتنع به، والأخبار عن الإطار البيئي ليست بهذه الكآبة التي يحاول كثير من الناس إقناعنا بها، ونحن لا نتنصل بهذا من المشكلات البيئية؛ إذ ندرك تمامًا ما فعلناه بالمحيطات، وندرك وجود مشكلات في نظامنا الاقتصادي، إلا أن ذلك لا ينفي احتمالية قدرة إبداع الإنسان على حل هذه المشكلات.

ويتابع بالقول: «أما بخصوص أن الرأسمالية تعمل على تضخيم عدم المساواة؛ وأن هذه النكبات هي جزء أصيل من الوجود الإنساني، وليست نابعة عن نظام سياسي بعينه خاصة، نظام يعرف بتوفيره لدخلٍ عادل وجيد لأفقر القطاعات بالمجتمع، ورفع مكانتهم الاجتماعية؛ إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى 5 آلاف دولار للفرد في العام. وفي وقتٍ ما قد نستطيع أن نجعل 9 مليار شخص أو أكثر وهو التعداد السكاني العالمي أثرياء بالشكل الكافي إلى الدرجة التي قد تجعلهم قادرين على الجلوس والتفكير في المشكلات البيئية وحلها. يقول البعض أننا بحلول هذا الوقت قد نكون خارج نطاق كوكب الأرض، نظرًا للمشكلات التي يعانيها، وانعدام الموارد، إلا أنني أود أن أذكركم بالخارطة الشهيرة ما بين جوليا سايمون وبول إيرليك، لقد راهنوا على أن التعداد السكاني على كوكب الأرض سيتعدى الحد بحلول عام 2000، وأن الأسعار ستزداد عواقب لذلك لأن الموارد الطبيعية تنفد، وعلى الرغم من ذلك جاء عام 2000 بلا خسائر، لذلك فإن ما تشيرون إليه بخصوص البيئة: خطر، لكنه يبقى بلا دليل متماسك».

جيجيك: ليس شخصًا حالمًا

«لماذا أظن أن هناك حاجة للحد الذاتي من الرأسمالية؟ أولًا بخصوص السعادة، هل تراني أمامك شخصًا حالمًا؟ لأنني أبعد ما يكون عن ذلك». *جيجيك

في مداخلته الثانية، تطرق جيجيك إلى تحقيق تناول كم رضا الأفراد عن سعادتهم الشخصية، وأنه كانت هناك إشارة إلى أن الأشخاص من الدول الإسكندفانية على الرغم من ثرائهم إلا أنهم أقل سعادة من أفراد في بنجلاديش على سبيل المثال، وبعد التدخل السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا عام 1970 و1980. فالسعادة يجب أن تحظى بديمقراطية كبيرة، وذلك لأن الديمقراطية تجلي معها عبء المسؤولية، فالسعادة تعني أن هناك شخصًا في الخارج يمكنك أن تلومه على كل شيء. قد أتفق معك بخصوص نقد الأنظمة الاشتراكية لكن يجب ألا تنظر فقط إلى الأنظمة الشمولية المطلقة؛ إذ كانت هناك بعض الأوقات التي تحقق فيها توازن ما بين الشعب والقوى الحاكمة، تلك التي كانت تهدف إلى ترك القوة في يد السلطات، في مقابل ضمان حياة آمنة ووظائف وغيرها من مقدرات الحياة الكريمة.

«إن كانت السعادة هي هدفك الأخير فأنت ضائع، لأنها يجب أن تأتي نتيجة ثانوية لجهدك المبذول في قضية معينة». *جيجيك

في الصين الحزب الاشتراكي هو أفضل من أدار الرأسمالية، وفي الوقت ذاته قام بحماية الطبقة العاملة، إذ لم يكن هدفه من الأساس مداعبة الأفكار الغربية، اليوم علاقة الزواج الأبدية التي طالما جمعت ما بين الرأسمالية والديمقراطية تختفي ببطء، النظم الرأسمالية تحتاج من وقت لآخر لبعض سنوات الديكتاتورية، وعندما تتحسن الأحوال الاقتصادية تعود الديمقراطية.

من أين أتيت بمفهوم المساواة عند ماركس، إذ أن هناك ورقة بحث وحيدة من حقبة متأخرة تابعة لـ«برنامج جوته»، تعتبر هي المرة الوحيدة التي تطرق فيها ماركس للمساواة، وقد رفضها مطلقًا تمامًا مثلما رفض نظام البرجوازية الصارم، وبالنسبة إليه المساواة ليست اشتراكية.

«لاحظت أنك ختمت آخر مشاركةٍ لك بإيجابية غريبة جدًا، تشبه الإيجابية الغبيّة لدى الماركسيين: لنتخلّص من شر الرأسمالية وسنكون جميعًا سعداء. أما أنا فمتشائم: لا أومن أن الإنسان خيّر. لا تقلل من شأن الشر والحسد. أنا أرى من حولنا المشاكل والمشاكل فحسب، لا أستطيع أن أرى أيّ بصيص أملٍ بإيجاد مخرج مما نحن فيه». *جيجيك

بيترسون: أنت ماركسيّ غريب. أثناء تصفّحي لأعمالك واضحٌ أنّك مفكرٌ أصيل وشجاع أخلاقيًا، ومن هنا يأتي سؤالي: مع الأخذ بالاعتبار أصالة أفكارك، لماذا تتابع الترويج للماركسيّة الآن بدلًا من الترويج للجيجيكيّة؟ إذ يبدو أن في طريقة تفكيرك وفي أفكارك أصالةً كافية تكفيك من الانحياز لعقيدة عمرها 170 عامًا كالماركسيّة، فلماذا؟

جيجيك: ماركس بالنسبة لي هو ماركس الأبعد من المانفيستو، ماركس التحليل السياسيّ والاقتصاديّ في كتابه «رأس المال»، وفي تحليله السياسيّ لثورات 1848، التحليل المركّب غير المبني على النظام الثنائي الطبقي. ولكن، أنا هيجيليّ أكثر من كوني ماركسيًا.

أُحبُّ في هيجل انفتاحه على المستقبل. الخطير في الماركسيّة هو بنيتها الغائية نحوَ نهايةٍ واضحة، حيثُ يعرف الماركسيّون القوانين التي تحكم التاريخ وما عليهم إلا استعمالها، في الماركسية واضحٌ لك ما يجب فعله وما سينتج عنه. بينما في الفكر الهيجلي، كما يوضّح هيجل أن الفلسفة لا تستطيع توقّع ورؤية المستقبل. والمأساة اليوم أنّا لا نملك خريطةً إدراكيّة مُتفقًا عليها: أين نقف الآن، وأين نتجه؟

ملاحظة لجيجيك: عندما تتحدثون عن الماركسية الجديدة ما بعد الحداثوية، أنا لا أرى فيها ماركسيّة أو شيئًا ذا ارتباط بالماركسيّة. سَمِّ لي شخصًا واحدًا من هذا التيّار! (بيترسون لم يفعل، ويظهر في المناظرة أنه لم يقرأ لماركس سوى البيان الشيوعي). وإذا كنت تعتبر فوكو ماركسيًا فهذه مشكلة ففوكو كان يستهدفُ الماركسيّة.

منظم المناظرة: مناظرة اليوم مؤطرة بسؤال السعادة: مم تتكون وكيف يمكن أن نسعى لها؟

بيترسون: السعادة ليست شيئًا في ذاتها وإنما عرضٌ جانبي. بيترسون ينطلق من خلفيته النفسية التحليليّة التي تقول أنّ الإنسان خاضعٌ لقوى داخليّة لا يمكن التحكم بها داخليًا، والسعادة إحداها: لا يمكنك إجبار نفسك على أن تكون سعيدة، ويمكنك فعلُ العكس، جعلها تعيسة.

بالنسبة لي: الوسيلة الأنجع لتحقيق الحياة الطيّبة، لا الحياة السعيدة، فهي أمرٌ مختلف، بتبنّي أقصى مسؤولية تجاه المعاناة والأذى الموجودين في العالم. وأؤمن أن هذا السَعي فرديّ في النهاية، فنحنُ نُعاني فرديًا، وهذا لا يعني أنّي لا أؤمن بالأُطر التنظيمية الأوسع كالسياسيّة والعائلية.

هنالك مسؤولية السعي لتصوّر أفضل ما يمكننا تصوره: بناء رؤية، ثم التأكّد من أن أفعالنا متسقةٌ معها. وعليكَ في هذا السعي أن تسمح لنفسك بأن تتعلم من معرفتك بجهلك ومن ضرورة التصرف والتحدث بصدق. وأعتقدُ أن هذه الأفكار مُشتقة من الأخلاق اليهودية المسيحيّة.

ليس الأمر في «السعادة» وإنما في «المعنى»، وعلينا البحث عن المعنى بتحمّلنا للمسؤولية.

وأداء المسؤولية لا يعني أن تفعل ما تعتقدُ أنه الصحيح، هذا يسمى «الواجب» فحسب، ولكن المسؤولية في نظري: أن تفعل ما تعتقدُ أنه صحيح بطريقة تسمحُ لك، بنفس الوقت، من توسيع قدرتك على فعل الصحيح. ما يعني: لا يمكنك أن تقف داخل دائرتك الأخلاقية بدلًا من الوقوف على حافة معرفتك لتصارع نتائج جهلك، بهدف توسيع نطاق معرفتك ومن ثمّ أنت لا تسعى بكفاءة فحسب، بل ترفعُ مستوى الكفاءة والإنتاجية والمعنى فيما تفعله. وأنا أعتقدُ أن الأدلة النفسية والعصبية تدعم ما أقول.

جيجيك: أتفق مع ما قلته عن الإرث اليهوديّ المسيحيّ. السعادة بالنسبة لي ليست في التوحّد مع شيءٍ علوي أو قيمة علوية. وإنما في المعاناة والصراع والسقوط.

لدى جيجيك مشكلة مع إيمان بيترسون الشديد بقوّة الخيار الفردي وأثره، ويعلق على إحدى نصائح بيترسون الشهيرة لمرضاه: رتّب بيتك أولًا. ويقول: لمَ لا نعتبر العشوائية التي في البيت نتيجة للعشوائية التي يعيشها المجتمع؟

هذه الحالة من الشخصنة أو الفردانية مُزيفة، ومثالًا على ذلك العمل البيئي: يسألونك هل وضعت قوارير الكوكاكولا في مكانها المخصص؟ هل أعدت تدوير الأوراق القديمة؟… إلى آخره، لكن السؤال بالنسبة لجيجيك: ماذا بعد ذلك؟ هل ستُحل المشكلة؟ بالنسبة له هذه طريقة للالتهاء عن المشكلة الحقيقية.

بيترسون: نحن نتفق في أنّ الحياة في أصلها معاناة وأذى. الحياة حملٌ وعِبء، ولكن أومن بأن -أعتقدُ أنّا نختلف هنا- الأدلة تُشير إلى أن النور الذي ينكشفُ لك في الحياة مُتناسبٌ مع كمية الظلام الذي تكون مستعدًا لمواجهته بشكل مباشر. ولا أرى أن لهذا الأمر حدًا.

لذا أعتقدُ أن على الفرد أن يبدأ بحل مشكلاته الشخصية التي تزعجه، وأزماته الأخلاقية التي يعرف أنها إشكاليّة، ومن ثم يجمع شتات نفسه ليكون قادرًا على معالجة مشاكل أكبر.

يتفق بيترسون مع رؤية جيجيك عن الأيديولوجيا، وأنها تجعل الإنسان يحملُ أفكارًا لمجرّد حملها، لا عن قناعة. ويقترح بيترسون أن يراقب الفرد نفسه كأنه لا يعرفها ولا يفهم تصرفاتها وأسبابها. ثم يلاحظوا الأوقات التي يفعلون فيها ما يجب عليهم فعله وما يصحّ أن يُفعل.

«دراسة نفسك في هذه الأوقات يمكن أن تُميّز لك ما يكوّنك فعلًا، وما يكوّن التراكمات الخارجية التي ترسم شخصيتك». *بيترسون

جيجيك: الضباط الألمان قادرين على فعل أشياء مريعة، هل تعلم كيف يتم إقناعهم بها دون أن يفقدوا جزءًا من أرواحهم أو يصبحوا كائنات مريعة؟ يتم تدريببهم على ترك مسافة آمنة بينهم وبين الضحية، وكأنهم ليسوا هناك حقيقةً.

الفكرة تكمن في أن تجعله يظن أنه لم يفقد روحه بقيامه بمثل تلك الأشياء، لكنه فعلها من أجل هدف أسمى؛ وهو التضحية في سبيل بلده. الحقيقة هي أن المرء سيرى في حياته أشياء فظيعة، أطفالًا تموت جوعًا وحروبًا، ولهذا عليه دائمًا أن يتذكر أن هناك هدفًا أسمى وأن واجبك الأخلاقي يكمن في أن تتخطى تلك العاطفية البرجوازية.

سأخبرك بشيء آخر، في ثلاثينيات القرن الماضي، ووقت اجتياج الجيش الياباني للصين، كانت نصيحة الجيش هو أن يدعموا تدريبات بوذية الـ«ZEN»، والتي تساعد الجنود على التخلص من ملاحظة أنفسهم بطريقة واقعية، لينفصلوا عنها ويصبحوا مراقبين محايدين للحياة، وهذا دليل على أن حتى أكثر الطرق الروحانية نورًا، يمكنها أن تساهم بشكلٍ أو بآخر في الأحداث المريعة التي تحدث حولنا.

في نهاية المناظرة؛ يقول جيجيك موجهًا حديثه إلى الجمهور: «إن كنتم من اليسار لا تخشوا من الصوابية السياسية، لا تخشوا من التفكير، إذ أن هؤلاء الذين يمارسون وجهة النظر العظيمة القائمة على عدم التفكير، إن لم يوافقوك الرأي يوصمونك بالفاشية، لكن حتى ترامب الذي أنتقده بشدة، ليس فاشيًا، فلا تخشوا من ارتكاب الصوابية السياسية».

اجمالي القراءات 1948
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more