ستراتفور»: بدو سيناء.. عدو مصر الذي صنعته بنفسها

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٣ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


ستراتفور»: بدو سيناء.. عدو مصر الذي صنعته بنفسها

ستراتفور»: بدو سيناء.. عدو مصر الذي صنعته بنفسها

يتزايد العنف في شبه جزيرة سيناء في مصر باطراد على مدى الأعوام الـ7 الماضية، على الرغم من الحملات العسكرية المتكررة لقمعها.

وقد أعلن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» عن عملية جوية وبحرية وبرية ضخمة في 9 فبراير/شباط لإنهاء وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» في المنطقة، وقبل 6 أشهر، أمر الجيش بالقضاء على الجماعة الجهادية في أعقاب هجوم على مسجد مليء بالمصلين في شمال سيناء.

غير أن جميع الحملات قد أغفلت عاملا حاسما وراء الاضطرابات في المنطقة، ألا وهو فشل الحكومة في فهم واستيعاب بدو شبه جزيرة سيناء.

تاريخ الاغتراب

تاريخيا، كانت علاقة مصر غير مستقرة مع البدو الرحل في شبه جزيرة سيناء، وقامت الأسرة المملوكية، التي حكمت في الفترة من 1250 إلى 1517، بطردهم من أراضيهم إلى شمال السودان، بعد أن سئمت من مقاومتهم للسلطة وتعاونهم مع الصليبيين.

وبعد بضع مئات من السنين، اكتسب بدو سيناء سمعة كأشخاص خارجين على القانون لرفضهم الالتزام بالقوانين العثمانية، عندما بدأت الدولة تركيز السلطة.

وفي الواقع، لم تكن شبه جزيرة سيناء نفسها جزءا من مصر، بل كانت تعتبر امتدادا جغرافيا لفلسطين حتى عام 1906، عندما أجبرت المملكة المتحدة السلطان العثماني «عبدالحميد الثاني» على ضم الإقليم، وسقطت المنطقة مرة أخرى من أيدي مصر خلال حرب الأيام الستة عام 1967، هذه المرة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وعلى النقيض من مصر، استوعبت (إسرائيل) البدو، وتركتهم يعيشون حياتهم، شريطة ألا يتدخلوا في حكمها، وفي الوقت نفسه، سمحت الحكومة الإسرائيلية للبدو أن يتبعوا قوانينهم الخاصة، ومواصلة تهريبهم للبضائع والمخدرات وزراعة الخشخاش دون إزعاج.

وبدأت (إسرائيل) إنشاء المنتجعات الشاطئية في المنطقة، وهي شرم الشيخ وطابا ودهب، خلال فترة سيطرتها وأقامت قواعد عسكرية في سيناء، ما حسن الكثير من أوضاع البدو الاقتصادية في هذه العملية.

عودة غير سارة

وبعد أن تركت (إسرائيل) شبه جزيرة سيناء لتذهب إلى مصر من جديد، بموجب اتفاق كامب ديفيد عام 1982، زادت القاهرة من وتيرة الاستثمار في صناعة السياحة في المنطقة.

لكنها حظرت أيضا البدو من الاقتراب من مناطق الجذب السياحي في المنطقة، وعاملتهم كمجرمين وكطابور خامس يعمل ضد مصر، واحتفظت الحكومة بجميع المناصب في صناعات السياحة والفندقة للمصريين عدا البدو، بل قامت بتركيب سياج لإبعاد البدو، بالإضافة إلى ذلك، فرضت شروط تأشيرة للبدو الذين يحاولون عبور قناة السويس إلى مصر.

ومن هناك، بدأت حملات القمع، وأدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى موجة من الحركات الإسلامية المتطرفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك في سيناء.

ولقد تعرض البدو مرارا وتكرارا لهذه الجماعات في الأعوام التي تلت ذلك، واعتقلت قوات الأمن المصرية أكثر من 3 آلاف من البدو ردا على التفجيرات التي وقعت في طابا وشرم الشيخ عام 2004-2005، على سبيل المثال، رغم أن الجماعات الإرهابية غير الوطنية كانت قد أعلنت مسؤوليتها في الحالتين.

وبدأ أفراد الأمن يرهبون البدو، ويدمرون منازلهم، ويقتحمون الأسواق دون أدنى مبرر، ومن جانبهم، يعترف البدو بتزايد زراعة الخشخاش (البانجو) وتهريب المخدرات من أجل كسب لقمة العيش.

وتعاملهم الحكومة المصرية بدورها كتهديد أمني، دون بذل أي جهد ملموس لكسبهم أو لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.

وقد تفاقمت محنة البدو بعد أن استولى «السيسي» على السلطة في انقلاب يوليو/تموز عام 2013، وأمرت القاهرة الجيش المصري بتدمير نحو 1200 من الأنفاق التي كان البدو يهربون البضائع من خلالها من رفح في سيناء إلى قطاع غزة منذ أن بدأت (إسرائيل) ومصر في حصار الأراضي الفلسطينية عام 2007.

وبدون الأنفاق، فقد العديد من البدو في شمال سيناء مصدر دخلهم الرئيسي، وعلى الرغم من أن الحكومة قد تعهدت مرارا وتكرارا بتطوير المنطقة لتزويد سكانها بمزيد من سبل العيش الشرعية، فإن الوعود لم تتجسد أبدا.

وعود فارغة

وفي الأعوام 1994 و2012 و2016، كشفت القاهرة عن خطط لتعزيز الاقتصاد المحلي في شبه جزيرة سيناء، لكن في جميع الحالات الثلاث، لم تنطلق الخطط أبدا.

واستخدم «السيسي» منحة بقيمة 500 مليون دولار من المملكة العربية السعودية والكويت لأجل مشاريع البنية التحتية في سيناء قبل عامين للإنفاق على المشاريع السياحية والدفاعية في المنطقة بدلا من ذلك.

وبالنظر إلى سجل الحكومة الحافل، فمن الصعب أن نتخيل أن خطة «السيسى» الشاملة الأخيرة لتطوير شمال سيناء ستحقق المزيد من التقدم، خاصة أن الرئيس قال إن المشروعات الجديدة الطموحة لن تبدأ إلا بعد تطهير المنطقة من الإرهابيين.

منذ بدايتها، قامت الدولة المصرية الحديثة بتهميش البدو، وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف بكل بساطة بشبه جزيرة سيناء كجزء من تاريخ مصر القومي، ليس كافيا للتغلب على قرون من الإهمال وسوء المعاملة التي عانى فيها الكثير من سكان المنطقة.

وما زالت السلطات اليوم تعتبر البدو أعداء للدولة، وتعاملهم على هذا النحو، وبالمثل، تعتبر القاهرة شمال سيناء أرضا مهمشة وجالبة للمتاعب، مقارنة بالملاذ السياحي المزدهر والمربح في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة.

والآن، مع عودة خطط إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة إلى طاولة المفاوضات، فإن القاهرة قد يكون لديها حافز أكبر للوفاء بوعودها بالتنمية.

وكان هذا الاقتراح قد تم طرحه لأول مرة في الخمسينات من القرن الماضي، خلال فترة حكم الرئيس «جمال عبدالناصر»، لكنه أهمل بسبب الاحتجاجات في غزة (التي كانت تحت سلطة مصر آنذاك)، لكن يقال إنه عاد إلى الظهور كجزء من «صفقة القرن» لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وإذا كانت الشائعات صحيحة، فإن خطة الحكومة الأخيرة لتطوير شمال سيناء ستتجاوز احتياجات السكان في المنطقة، وعلى الرغم من كل شيء، لا يكاد يكون «مثلث الإرهاب» في سيناء مكانا مضيافا للترحيب بالفلسطينيين النازحين.

اجمالي القراءات 1268
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق