بعد ضجة الانسحاب البريطاني.. ماذا تعرف عن تأسيس الاتحاد الأوروبي؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٢٧ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


بعد ضجة الانسحاب البريطاني.. ماذا تعرف عن تأسيس الاتحاد الأوروبي؟

شكّل الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا قبل أيام، والذي أفضى إلى قرارٍ بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مفاجأةً صادمةً لكل المتتبعين، مفاجأة اعتبرها كثيرون أقوى ضربة يتلقاها الاتحاد منذ تأسيسه. لكن كيف ولد الاتحاد الأوروبي؟ وما هي الظروف التي واكبت تأسيسه؟ هذا ما سنحاول التعرف إليه في التقرير التالي.

مقالات متعلقة :

الفكرة والمحاولات السابقة

حدثت محاولات كثيرة لتوحيد أوروبا تحت قيادة واحدة منذ قرون خلت، وقبل ظهور الدولة القومية الحديثة، نتحدث هنا عن الإمبراطورية الرومانية الممتدة حول البحر المتوسط، ثم محاولة نابليون بونابرت في بداية القرن التاسع عشر، وأدولف هتلر في أربعينيات القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية، مرورًا بمعاناة الحرب العالمية الأولى، وهي محاولات لم تستمر إلا لفترات قصيرة وانتقالية، نظرًا لوجود مجموعة من اللغات والثقافات الأوروبية المتباينة، وأيضًا لما اتسمت به هذه المحاولات من صبغة عسكرية إجبارية لإخضاع الأمم الرافضة، فكان مصيرها الفشل في النهاية.

 

 

 

 

 

أما من الناحية السلمية، فقد كانت الوحدة الأوروبية مشروعًا فكريًّا تشكل في أذهان مفكرين وحكماء وفلاسفة ورجال قانون ومصلحين اجتماعيين، قبل أن يتحول إلى مشروع سياسي تسهم في بنائه مؤسسات تحظى بدعم رؤساء الدول والحكومات، وقطاع كبير من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول الأوروبية.

وهكذا كانت أول مبادرة لإنشاء الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بعد وضع أفكار حول إنشاء إطار لمنظمات إقليمية تؤمن الشعوب الأوروبية في مواجهة بعضها البعض، وتكفل لهم نوعًا من الأمن والتعاون؛ بما يحقق لشعوب القارة الأوروبية قدرًا أفضل من الأمن والرفاهية.

نشأة الجماعة الأوروبية

شهدت الفترة الممتدة بين عامي 1952 و1969 نشأة وبناء الوحدة الأوروبية، رغم الصعوبات التي واكبت هذه الانطلاقة، والتي أثرت في مسار البناء الوحدوي، وتكمن أبرز هذه الصعوبات في التأثير الشخصي لرؤساء الدول الأوروبية الذين قادوا دولهم خلال هذه المرحلة، وأيضًا عدم التوافق بين الدول الأوروبية، وعدم انسجام رؤاها حول بعض السياسات الموحدة، كالسياسة الزراعية على سبيل المثال.

لكن يمكن القول إن هذه المرحلة تميزت باستقرار نسبي، كما سادت رؤية سياسية تعترف بضرورة إعادة هيكلة النظام الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من منطلق نظام جماعي ينشد خلق ثلاثة اتحادات أوروبية على شاكلة جماعات متخصصة في مجالات تنموية تهم السوق الأوروبية الموحدة، ومجال الطاقة الذرية، فضلًا عن انشغال ذات الرؤية بميدان الصلب والفحم، كقاعدة اقتصادية صلبة تشكل قاسمًا مشتركًا للتكامل التنموي الوحدوي، يربط بين مجموعة من الدول الأوروبية.

وهكذا تكتلت دول أوروبا في شكل منظمات إقليمية لحل مشكلاتها، والنهوض بأوضاعها في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، فتم تأسيس المجلس الأوروبي عام 1949، لخلق أواصر قوية للترابط، وتدعيمها بين الدول الأعضاء ثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.

بعد ذلك، قامت الدول الأعضاء بإنشاء الجماعة الأوروبية للفحم الحجري والصلب عام 1951، بهدف تطوير هذه الصناعة في الدول الأعضاء، ويتعلق الأمر ببلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا وألمانيا الغربية، ليتبع هذه الخطوة تكوين الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957، بهدف إزالة الحواجز والقيود الضريبية والجمركية التي أعاقت في الماضي حركة السلع والعمالة ورأس المال والخدمات بين الدول الأعضاء.

 

 

 

 

 

اتفقت نفس الدول الستة في نفس العام أيضًا على إنشاء جماعة ثالثة، وهي الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية أوراتوم (euratom) وبدأت بالعمل مباشرة عام 1957، بالإضافة إلى جماعة الفحم الحجري والصلب، فأطلق على المجموعتين اسم السوق الأوروبية المشتركة .

فيما بعد، دُمجت الأجهزة التنفيذية للمجموعتين، وتشكّل نظام إداري موحد عام 1967، انضمت إليه لاحقًا كلٌّ من بريطانيا والدنمارك وإيرلندا عام 1973، ثم البرتغال عام 1981، وإسبانيا عام 1986، ثم ألمانيا الموحدة عام 1990.

وقد تزامن ذلك مع إنشاء منظمات إقليمية أخرى خاصة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، منها اتحاد التجارة الحرة الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة أبحاث الفضاء الأوروبية المعروفة حاليًا باسم وكالة الفضاء الأوروبية.

تأسيس الاتحاد الأوروبي

على إثر نجاح البناء الوحدوي أثناء فترة التأسيس، والذي استمر خلال عقدين من الزمن، تم شق السبيل نحو تحقيق وحدة أكثر اتساعًا، رغم ما واكب ذلك من صعوبات داخلية، وأزمات خارجية، فأدخلت تعديلات على المؤسسات الوحدوية القائمة لبلوغ طموح إقامة السوق الأوروبية الكبرى الموحدة في غضون عام 1992.

وقعت الدول الأوروبية الأعضاء في الجماعات الأوروبية الثلاثة جماعة الفحم والصلب، والجماعة الاقتصادية الأوروبية، وجماعة الطاقة الذرية الأوروبية في فبراير (شباط) عام 1986، على القانون الأوروبي الموحد؛ الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو (تموز) 1987، حيث عدلت بموجبه معاهدات الجماعات الأوروبية الثلاثة بإقرار إمكانية وجود تعاون أوروبي في الناحية السياسية، والاعتراف بالمجلس الأوروبي كإحدى منظمات الاتحاد الأوروبي، وتغيير اسم الجمعية البرلمانية إلى اسم البرلمان الذي أصبحت له إمكانية الاعتراض على قبول الأعضاء الجدد، وتم أخيرًا إنشاء المحكمة الابتدائية لمساعدة محكمة العدل الأوروبية .

اتفاقية ماستريخت 1992

في 7 فبراير (شباط) 1992، تم التوقيع على اتفاقية ماستريخت من طرف الدول الاثني عشر، بهدف إقامة وحدة أوروبية شاملة، تحل محل نظام الجماعات الأوروبية، لتدخل حيز التنفيذ ابتداءً من 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، ووقعت هذه الاتفاقية في مدينة ماستريخت الهولندية.

 

 

 

 

 

تضمنت بنود هذه المعاهدة التحقيق التدريجي للاتحاد النقدي والاقتصادي، واعتماد سياسة خارجية واحدة، وزمن مشترك يمكن تحويلهما إلى دفاع مشترك، وتأسيس مواطنة أوروبية، وتقوية الانصهار بين الدول الغنية والفقيرة بعد مساعدة الأخيرة، وتوسيع السياسات الهادفة إلى تعزيز السوق الأوروبية المشتركة، وتعزيز التعاون التنفيذي والقضائي.

معاهدة أمستردام 1997

وقعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على معاهدة أمستردام في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ في 1 مايو (أيار) عام 1999، وقد عدلت هذه الاتفاقية في اتفاقية الاتحاد الأوروبي والمعاهدات السابقة التي أنشأت الجماعات الأوروبية، ويرمي اتفاق أمستردام إلى وضع أسس اتحاد موسع بين الشعوب الأوروبية، بمنح الجماعة الأوروبية مسؤوليات جديدة، واستعمال الأغلبية الموصوفة فيما يخص بعض القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن المشترك، في حين لم يتم الاتفاق حول مسألة إصلاح المؤسسات، وتوسيع الاتحاد لأعضاء جدد. وفي المقابل اعتمد المجلس الأوروبي في أمستردام ميثاق الاستقرار والنمو؛ لضمان التلاقي الاقتصادي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي على المدى الطويل.

معاهدة نيس 2001

شكّل اتفاق نيس الموقع بتاريخ 26 فبراير (شباط) 2001، خطوةً مهمةً نحو إعداد توسيع الاتحاد الأوروبي أمام دول أوروبا الشرقية والوسطى والمتوسطية والبلطيقية، وبموجب هذا الاتفاق تم تعديل الاتفاقيات الموجودة، والذي دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة جميع الدول الأعضاء عن طريق التصويت عبر البرلمانات الوطنية، أو بواسطة الاستفتاء الشعبي.

الدستور الأوروبي 2001

شكّل الدستور الأوروبي خطوةً حاسمةً ومكملةً لما جاء في اتفاق نيس حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، وقد كانت لقمة المجلس الأوروبي بلاركن يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) 2001 مسألة اختزال وإعادة ترتيب الاتفاقيات الأوروبية، ومن ثم التوصل إلى إعداد مشروع اتفاق حول الدستور الأوروبي، الذي لقي توافق جميع الدول الأعضاء بتاريخ 13 يونيو (حزيران) 2003، وقد تم تقديم نص الدستور خلال اجتماع المجلس الأوروبي بتسالونيك يوم 20 يونيو (حزيران) 2003، ودخل حيز التنفيذ مع قمة روما بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ليحل بذلك الدستور الأوروبي محل مجموع الاتفاقيات الأوروبية.

 

 

 

 

وهكذا أصبح الدستور حدثًا بارزًا في تاريخ الاتحاد، الذي جاء نتيجة مراحل حاسمة، استمر فيها التطور الاتفاقي في تسريع البناء الأوروبي الذي بدأ منذ معاهدة روما، والاتفاق الأوروبي الموحد، واتفاق ماستريخت، وأمستردام، ونيس لينتهي المسلسل الاتفاقي مع الدستور الأوروبي. وقد أرست هذه الترسانة أسس المشروع الأوروبي القائم على مستويات مختلفة من الاندماج الاقتصادي والسياسي، يحكمه نظام قانوني أوروبي موحد.

اجمالي القراءات 1140
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق