رجال الرئيس»: وحدة استخباراتية سرية تابعة للرئاسة تتولى مراقبة رموز النظام والمعارضة في مصر

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٥ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


رجال الرئيس»: وحدة استخباراتية سرية تابعة للرئاسة تتولى مراقبة رموز النظام والمعارضة في مصر

نشرت منظمة الخصوصية الدولية (privacy international) أمس الأربعاء الموافق 24 فبراير/ شباط تحقيقا قالت إنه مبني على وثائق أصلية تم منحها إلى المنظمة بخصوصية تامة، إضافة إلى معلومة جمعت من البيانات المتوفرة علنا على الإنترنت حول شبكات التنصت، إضافة إلى مقابلات أجريت مع رجال مرتبطين بجهاز الاستخبارات في مصر. يتناول هذا التقرير بالتفصيل أنشطة وحدة تعرف باسم “إدارة البحوث التقنية” يصفها التقرير بأنها جهاز الاستخبارات الخاص بالرئيس. نستعرض في هذا التقرير أهم ما أورده تحقيق الخصوصية الدولية حول دور جهاز الاستخبارات المصري وعلى وجه التحديد وحدة البحوث التقنية (المستقلة إلى حد كبير) في إحكام النظام السياسي لسيطرته على المعارضة (داخل النظام وخارجه) عبر تطوير منظومة المراقبة والتنصت بالاستعانة بمعدات متطورة توفرها عدد من كبرى الشركات العالمية.

(1) أولا: أعطني خلفية عن أهم أجهزة العمل الاستخباراتي في مصر

وفقا لتقرير الخصوصية الدولية، فإن نفوذ وكالة الاستخبارات المصرية يرتبط بتاريخ الحكم الاستبدادي للبلاد. تحتوى مصر على 4 أجهزة تقوم بمهمات استخباراتية مختلفة أو متداخلة. وهذه الأجهزة هي جهاز المخابرات العامة، ثم إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وثالثها هو جهاز الأمن الوطني، أما آخر هذه الأجهزة فهو هيئة الرقابة الإدارية. ويشير التقرير إلى أن بنية الاستخبارات المصرية قد تأسست بشكل موسع في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لتأسيس أجندة لتنفيذ عمليات سرية ليست ذات طابع عسكري.

يعتبر جهاز الأمن الوطني أسوأ أجهزة الاستخبارات المصرية سمعة لأنه يعد امتدادا لجهاز أمن الدولة؛ أحد الأسباب المباشرة لقيام انتفاضة يناير، وهو الوحدة الاستخباراتية المرتبطة بوزارة الداخلية المصرية والتي تم تفكيكها بشكل صوري عقب انتفاضة يناير قبل أن تتم إعادة كل رموزها للعمل مرة أخرى في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور. أما جهاز الاستخبارات الرئيسي في جهاز المخابرات العامة فهو غير تابع لأي وزارة، ويتبع مباشرة رئيس الجمهورية، وله ميزانية مستقلة ولا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة.

ويسلط التقرير الضوء أن هناك وحدة تدعى “إدارة البحوث التقنية” وهي وحدة شديدة السرية في جهاز المخابرات العامة، لا تعترف الحكومة المصرية بوجودها بأي صورة. لا يعرف بالتحديد متى تم تأسيس هذه الوحدة إلا أن التقرير يرجح أنها تأسست في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بهدف السيطرة على المعارضة السياسية، وهي ذراع مباشر للرئيس يستخدم أحيانا في العمليات التي يتم تنفيذها دون الرجوع للجهاز.

ويشير التقرير إلى أن المنظمة اطلعت على بعض الوثائق التي تشير إلى احتمالية وجود هذه الوحدة أو وحدة مشابهة في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. وتشير المعلومات إلى أن عمل الوحدة لم يتأثر بأي شكل من الأشكال بمسار أحداث الثورة المصرية لدرجة أن الإدارة قد قامت بشراء مركز للمراقبة ونظام لاعتراض الاتصالات في عام 2011 بعد تنحي مبارك.

(2) ما الذي نعرفه عن إدارة البحوث السرية تلك؟

إضافة لكونها إدارة سرية ليست مثبتة في الوثائق الرسمية لجهاز الاستخبارات، ومع كونها تتمتع بميزانية سرية أيضًا، فإنه يرجح أن الإدارة تمتلك مكتبا في مبنى جهاز المخابرات المصري الكائن في ضاحية كوبري القبة في القاهرة وفقا للمراسلات التي تم تسريبها بين الإدارة وبين بعض شركات التقنيات العالمية التي تعد الإدارة أحد زبائنها. والجدير بالذكر أن أيا من هذه الوثائق لم يأت على ذكر جهاز المخابرات العامة في دلالة على مدى استقلالية وسرية الوحدة وفقا للتقرير.

يؤكد التقرير أنه من غير الواضح ما إذا كانت الوحدة تتمتع بموازنة مستقلة عن موازنة جهاز المخابرات (وموازنة الجهاز تعد سرية في جميع الأحوال). توضح المراسلات السرية الخاصة بشركة هاكينج تيم (إحدى الشركات الموردة لهذه التقنيات) أن الإدارة سرية وأنها لا تخضع لمحاسبة من أحد سوى رئيس الجمهورية. وهي تعمل وكالةَ استخبارات شخصية لرئيس الجمهورية حيث تشمل قائمة مهامها التجسس على موظفي الحكومة والوزراء والخصوم السياسيين، ولا يوجد أي قانون أو قرار ينظم آلية عملها.

يكشف التقرير أن السير الذاتية لبعض العاملين في هذه الإدارة توضح أنهم أفراد حاصلون على الدكتوراه في مجال الحوسبة، وهم يجمعون بين شهادات تقنية مرتفعة وبين رتب عسكرية. ترجح بعض الوثائق أن امرأة حاصلة على الدكتوراه يشار إليها بـ”اللواء ليلى” أو “الدكتورة ليلى” ربما تكون هي من تدير هذه الوحدة. وغالبا ما يمنح المدنيون الذين تتطلب مهاهم إدارة أفراد عسكريين درجات عسكرية فخرية وفقا لما تشير به مصادر التقرير.

(3) ما هي أنواع التقنيات التي تمتلكها الإدارة وفقا لما ورد في التقرير؟

1- تقنيات إنترنت متطورة وشبكة لمراقبة الاتصالات الأرضية والمحمولة

يشير التقرير إلى أن إدارة البحوث التقنية قد حصلت على هذه التقنيات من قبل تكتل مشترك للأعمال بين شركتي نوكيا وسيمنز، وهو يقدم محفظة حلول استخباراتية تحت اسم “شبكات نوكيا سيمنز” وهي تشمل تقنيات عتيقة تسمح بالوصول للإنترنت عبر الاتصال الهاتفي حتى في حالات إغلاق البنية التحتية للإنترنت في البلاد كما حدث أثناء الثورة المصرية.

حصلت إدارة البحوث أيضًا من التكتل الذي سبقت الإشارة إليه في عام 2011 على نظام إدارة اعتراض الاتصالات ومركز لمراقبة شبكات الهواتف الأرضية والمحمولة. وهما تقنيتان تسمحان باعتراض الاتصالات وإدارة برامج واسعة النطاق للتنصت على المكالمات الهاتفية. ويشير التقرير إلى أن إدارة البحوث التقنية حصلت على هذه التقنيات عبر مجموعة وسطاء، أولهم شركة تدعى شركة الأنظمة الكونية المتقدمة وهي شركة تقدم نفسها على أنها وكيل حصري لعشر شركات دولية في هذا المجال (لا تظهر نوكيا أو سيمنز ضمنها رسميا) أما الشركة الأخرى فتعرف باسم “المصرية الألمانية لصناعة الاتصالات” وتوصف بأنها شراكة بين الحكومة المصرية وسيمنز الألمانية. وتتولى هذه الشركة رسميا مسؤولية تركيب سنترالات إي.دبليو.إس.دي وهي أنظمة سنترالات للهواتف الأرضية والمحمولة.

2- تقنيات اعتراض الاتصالات

وهي تقنيات يتم تركيبها بشكل رسمي داخل الشبكات (تختلف عن أدوات التنصت المحمولة التي سبقت الإشارة إليها والتي لا تركب داخل الشبكة)، ووفقا للتقرير فإن الحصول على هذه التقنية وتركيبها يتطلب تعاون 3 أنواع من الشركاء الجارين: الأول هو مصنع المعدات وهي شركة نوكيا سيمنز في هذه الحالة، أما الثاني فهو مزود خدمة الاتصالات الذي يدير الشبكة وغالبا ما يخضعون لسيطرة أجهزة الاستخبارات التي تشترط السماح لهم بممارسة أنشطتهم من أجل منحهم رخصة العمل، أما الشريك الثالث فهي شركة تقنيات التنصت التي توفر البرامج والحلول اللازمة لإدارة المعلومات التي يتم جمعها عبر هذه التقنيات.

 

 

 

 

ويشير التقرير إلى أن إدارة البحوث قامت بشراء بعض التقنيات الألمانية الحديثة لاعتراض الاتصالات من قبل وكالة يشار إليها بشركة التقنيات الألمانية الحديثة بمبلغ يقدر بـ50 ألف دولار أمريكي.

ويشير التقرير إلى أن المادة 64 من قانون الاتصالات الحالي في مصر يلزم كل من مقدمي الخدمة أن يوفروا على شبكاتهم ما يسمح للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي الأخرى بممارسة اختصاصاتها في حدود القانون، ما يعني أن جميع مزودي الخدمة في مصر مجبرون على التعامل مع هذه الأجهزة بنص عقودهم.

3- معدات وتقنيات هاكينج تيم

 

 

 

 

في يوليو/تموز من العام الماضي، تم اختراق رسائل البريد الإلكتروني لشركة هاكينغ تيم؛ واحدة من أكبر الشركات في مجال البرمجة الخبيثة ونظم الاختراق والمراقبة، حيث تم تسريب مجموعة من الوثائق شديدة الحساسية التي تشير إلى قيام الشركة ببيع منتجات المراقبة واعتراض البيانات للعديد من الأنظمة الديكتاتورية حول العالم. فيما يتعلق بمصر، فقد أظهرت هذه الرسائل تعاملات بين هاكينج تيم وشركة تدعى جي إن إس إيجيبت تابعة لمجموعة منصور والتي يرأس مجلس إدارتها يوسف لطفي منصور. كما لفتت المراسلات أيضا إلى شركة أخرى تعمل وكيلًا لإدارة البحوث وهي شركة إيه سكس ولكن عقدها كان قد انتهي في يونيو/حزيران 2015. وأشارت الرسائل المسربة إلى أن إجمالي مبيعات هاكينج تيم إلى وزارة قد بلغت 564 ألف يورو ما بين عامي 2011 إلى 2015، كما كشفت الشركة عن صفقات محتملة مع مجموعة منصور بقيمة 412 ألف يورو وصفقات أخرى بقيمة 1.1 مليون دولار مع وكلاء آخرين في مصر بينهم جهاز الأمن الوطني، إضافة إلى 750 ألف يورو مسجلة بشكل مباشر كتوقعات للعمل مع إدارة البحوث التقنية.

 

 

 

 

ما هي الأنظمة التي ترغب مصر في الحصول عليها من هاكينغ تيم؟ وفقا لتقرير الخصوصية الدولية، فإن إدارة البحوث قد طلبت توفير 3 أنواع مختلفة من الأنظمة تسمح هذه الأنظمة بمراقبة أجهزة أبل وأنظمة تشغيل ماك وويندوز على أن تشكل أنظمة التحديث الشاملة، وذلك بتكلفة 800 ألف دولار لكل نظام بما يعني 2.4 مليون دولار للأنظمة الثلاثة.

4- البرمجيات الخبيثة

وقد أشار التقرير أيضا إلى دراسة نشرها سيتزن لاب في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، وأشارت إلى استخدام إدارة البحوث التقنية لبرنامج فن فيشر (fin fisher) وهي عدوة برمجية خبيثة يمكن من خلالها استهداف نطاقات ويب معينة. وأشارت سيتزن لاب إلى احتمالية وجود علاقة بين إدارة البحوث التقنية وبين مجموعة إجرامية إلكترونية تدعى مول راتس تدعي أنها تستهدف كلًّا من الإسلام السياسي وإسرائيل.

ويختم التقرير بالإشارة إلى مدى خطورة الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها إدارة البحوث التقنية وبخاصة مع عدم خضوعها لأي رقابة. إضافة إلى قلة المعلومات المتوفرة عنها مثل تاريخ إنشائها، وطبيعة المهام التي تؤديها على وجه التحديد، ومن يرأسها ومن يراقبها. مشيرا إلى دعوة البرلمان الأوروبي في يوليو/ تموز من العام 2014 إلى حظر تصدير تقنيات المراقبة إلى مصر بوصفه خطوة صحيحة. وتدعو الخصوصية الدولية الحكومة المصرية أن تعلن بشفافية عن طبيعة عمل هذه الإدارة وأن تلتزم بتقنين أنشطتها وفق الإجراءات القضائية وبالتوافق مع القانون الدولي ووثائق حقوق الإنسان الدولية.

(4) توسع برامج المراقبة المصرية

منذ استيلاء الجيش على السلطة من جديد في 3 يوليو/تموز 2013، أشارت عدة تقارير عالمية إلى استثمارات كبرى للأجهزة الأمنية المصرية في مجال المراقبة الإلكترونية. أحد هذه التقارير هو ما نشره موقع بازفيد الأمريكي الشهير في سبتمبر عام 2014 عن تعاقد الحكومة المصرية من خلال وكيل لها يعرف باسم شركة “رؤية مصر” مع شركة رقابة أمريكية، تقدم للحكومة المصرية إمكانيات غير مسبوقة للاطلاع على بيانات مواقع التواصل الاجتماعي: فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب، وبرامج المحادثات: كسكايب، وواتس آب، وغيرها.

تعرف الشركة الأمريكية باسم “بلوكوت” شركة أمريكية متخصصة في مجالات الأمان الإلكتروني ومعدات وبرامج الرقابة على الإنترنت، يقع مقر الشركة في مدينة “سينيفل” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تستخدم أدوات الشركة في مراقبة تدفق البيانات عبر الإنترنت عبر تقنية تعرف بـ “Deep Packet Inspection” تستخدم في إدارة حركة الشبكة، والكشف عن الاتصالات المراد قمعها، وهي شركة تقدم خدماتها إلى أكثر من 15 ألف عميل حول العالم، بينها العديد من الأنظمة القمعية وعلى رأسها بورما وسوريا وإيران والسودان.

وفقًا لتقرير “Citizen lab” الذي سبقت الإشارة إليه، فإن مصر امتلكت جهازًا واحدًا من نوع “ProxySG” مملوكًا للشركة المصرية للاتصالات، وهو الأمر ذاته الذي سبق أن كشفت عنه مجموعة القراصنة “Telecomix-Collective” إبان أحداث الثورة المصرية وانقطاع الإنترنت في عام 2011، حيث تم الكشف عن استعانة السلطة في مصر بشركة عالمية – لم تفصح عنها آنذاك – من أجل تشديد الرقابة والتحكم في التدفق عبر الإنترنت.

سعيُ السلطات المصرية إذًا لتطوير إمكاناتها في المراقبة والتنصت ليس أمرًا جديدًا، ويبدو أنه لم يتم الكشف عن أبرز تفاصيله بعد. تشير المعلومات المتناثرة التي بدأت تتضح خيوطها إلى أن برامج المراقبة في مصر تتم من خلال جهات مختلفة وعبر مستويات متعددة، بداية من برامج المسح الشامل (screening) التي تستهدف بشكل كبير توجهات عموم المستخدمين ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى برامج أكثر تخصصًا تستهدف النشطاء والصحفيين والرموز المعارضة، إلى تقنيات الأجهزة الخاصة المرتبطة برأس النظام السياسي والتي تستخدم لتأمين النظام حتى من معارضيه المحتملين داخل أجهزة الدولة نفسها، وكما يشير تقرير الخصوصية فإن بعض هذه الأجهزة تخضع للإشراف المباشر لرئيس الدولة.

اجمالي القراءات 2355
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق