سعد هجرس يكتب :مرحباً بكم... فى القرن الثامن عشر!

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠١ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً.


سعد هجرس يكتب :مرحباً بكم... فى القرن الثامن عشر!

 

سعد هجرس

مرحباً بكم... فى القرن الثامن عشر!

الأربعاء، 1 يونيو 2011 - 12:29

Bookmark and Share Add to Google

مفارقات كثيرة تبدو مستعصية على الفهم للعديد من الظواهر التى تحدث فى مصر الآن، فالبلاد تشهد منذ 25 يناير واحدة من أعظم الثورات التى عرفتها البشرية، سواء من حيث تنظيمها وقيادتها أو من حيث شعاراتها ومطالبها أو من حيث الفئات والطبقات الاجتماعية المنضوية تحت لوائها أو من حيث حرصها منذ اللحظة الأولى على أن تكون «سلمية».

ولم يكن من باب المصادفة أن يقف العالم كله مذهولاً وهو يتابع الوقائع الرائعة والمتحضرة للأيام الثمانية عشرة المجيدة التى كللت بتنحية الرئيس السابق حسنى مبارك.

وفك شفرة هذا الانبهار – المستحق – بالثورة المصرية يكمن فى حقيقة أنها ومن قبلها ثورة تونس – هى أول ثورة تعرفها البشرية بعد دخولها عصر ثالث ثورة بعد ثورة الزراعة وثورة الصناعة، هى ثورة المعلومات، بكل ما جلبته هذه الأخيرة من تغيرات دراماتيكية فى السياسة والاقتصاد والإعلام والاتصال والتكنولوجيا.

وجاءت ثورة 25 يناير لحمل بصمات هذه الثورة المعلوماتية فى كل تفصيلاتها، وجاءت «موقعة الجمل» لتجسد جوهر الصراع بين أبناء الفيس بوك الذين ينتمون الى ربيع الحضارة الإنسانية والحداثة والعلم والعقلانية والتسامح وبين «فرسان» النظام المترنح الذين ينتمون إلى عصور التخلف والظلام فلم يجدوا وسيلة يلجأون إليها لمواجهة الثوار سوى ركوب الحمير والبغال!

وبعد ان ارتفع سقف التوقعات بعد إجبار الرئيس السابق حسنى مبارك على التنحى، فوجئ المصريون بظواهر معاكسة تماماً، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بجوهر أدبيات ثورة 25 يناير، من ذلك – مثلا– تراجع المطالب الأساسية للثورة أمام زحف المطالب الفئوية التى انفجرت فى كل مكان دون ضابط ولا رابط حتى كادت البلاد تقع فى فوضى عارمة.

ومن ذلك أيضا، تراجع الوجه الحضارى المتسامح للثورة المصرية الذى عبر عنه إصرارها منذ اللحظة الأولى على «مدنية» الدولة، أمام هجمة طائفية ضارية تجعلك تشعر كما لو أنها – شكلاً ومضموناً - قادمة من القرون الوسطى، حيث تراجع مبدأ «المواطنة»، أمام انتماءات أولية دينية وطائفية.

وكنتيجة مباشرة لذلك أصبح من الممكن لقصص فردية تافهة – مثل قصة عبير وحكاية كاميليا – أن تشعل حريقًا فى نسيج الوحدة الوطنية، وأن تتصدر المشهد بدلاً من قضايا جدية وخطيرة مثل الدستور الجديد وطبيعة الدولة التى نريدها وبرامج التغيير الثورى المنشودة فى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وبالطبع وجدها الطائفيون والمتطرفون المتعصبون فرصة لجر البلاد إلى سكة الدولة الدينية، بالتوازى مع ممارسات معادية للحريات العامة والخاصة مرت دون ردع ودون إعمال للقانون، الأمر الذى كان من شأنه ترويع كثيرين من المصريين الذين تحمسوا فى البداية للثورة على أمل أن تؤدى إلى بناء دولة مدنية حديثة ففوجئوا بميليشيات قادمة من كهوف القرون الوسطى محملة بتراث من التعصب وثقافة الكراهية والإرهاب الفكرى... والمادى.

> كيف يمكن تفسير هذه المفارقة؟!
هناك أكثر من مدخل لحل هذا اللغز المحير.

أول مدخل يكمن فى الثنائية التى تعيشها مصر، فبينما تنتمى الطلائع التى أضاءت شعلة الثورة يوم 25 يناير إلى عصر وثورة المعلومات – كما قلنا- فإن النمو المشوه الذى شهدته البلاد فى العقود السابقة أبقى فئات لا يستهان بها من المصريين فى عصور ما قبل الحداثة، وما قبل الرأسمالية، تمثل جزءاً من الأساس الاجتماعى للثورة المضادة. وبهذا الصدد يجب أن نتذكر أن الرئيس السابق حسنى مبارك قد غادر السلطة – مرغماً- مخلفاً وراءه أربعين فى المائة من المصريين أميين ومعدل الفقر الذى يفترس البلاد أقل قليلاً من سبعين فى المائة.. فضلاً عن نظام تعليم هو الأسوأ فى العالم كله. 

أضف إلى ذلك أن البلاد لم تعرف فى تاريخها الحديث حركة إصلاح دينى، ولا غربلة للتراث، كما حدث فى باقى مشاريع النهضة فى شتى أنحاء العالم.

ثم لا يجب أن ننسى أن هذه التيارات الطائفية المتخلفة لا تعدم وجود ظهير إقليمى ودولى يدعمها ويمولها ويحرضها. وغنى عن البيان أن وجود دولة مدنية ديمقراطية حديثة على ضفاف النيل مشروع يزعج البعض إقليميا ودوليا، لأن ذلك من شأنه أن يقلب كل الموازين والمعادلات.

> المدخل الثانى لمحاولة تفسير هذه المفارقة، هو أننا لسنا إزاء ثورة مكتملة فى مصر بعد، بل نحن تحديداً إزاء «نصف ثورة» و«نصف انقلاب». وكل من النصفين لا يزال يبحث عن نصفه الناقص. وفى مساحة التماس والاحتكاك بين حدى معادلة «النصفين» توجد أرضية ملائمة للثورة المضادة، لكى تبث سمومها وتزرع شراكها وفخاخها، وهذه الثورة المضادة ليست عدوا وهميا أو متخيلاً، وإنما توجد لها قاعدة اجتماعية تلتقى على أرضيتها وتتساند وظيفياً ثلاثة مكونات رئيسية: 1 - شبكة قيادات الحزب الوطنى المنحل التى فى سبيلها لفقد نفوذها وما يستتبعه من منافع. 2 - شبكة قيادات جهاز مباحث أمن الدولة المنحل التى فى سبيلها لفقد سطوتها وما يرتبط بها من مصالح. 3 - الجزء الفاسد من كبار رجال الأعمال الذين ارتبطوا بنظام حسنى مبارك بـ «زواج مصلحة» فتح له تحالف الاستبداد والفساد أوسع الأبواب من خلال تقنين «تعارض المصالح» والزواج بين المال والسياسة. 

> وفى ظل هذه الدوائر المغلقة يتعين على ثورة 25 يناير أن تمضى قدماً من أجل تفويت الفرصة على من يحاولون الالتفاف عليها أو إجهاضها أو اغتيالها... رغم أن برنامجها المعلن والمتفق عليه حتى الآن لا يزيد على المطالبة بدستور ديمقراطى ودولة مدنية حديثة... وهو برنامج تبنته ونفذته شعوب أخرى فى ظل الثورة الصناعية المسماة بـ «ثورة المداخن».
ومع ذلك.. فإن هناك من يستكثر علينا دخول القرن الثامن عشر..!

اجمالي القراءات 1379
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق