رئيس حكومة صاحب مزاج!

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١١ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


رئيس حكومة صاحب مزاج!

 

رئيس حكومة صاحب مزاج!

ا/عادل حمودة

كان عاطف صدقي لا يأكل سوي سندويتشات الفول والطعمية.. ولا يلعب سوي الطاولة.. ولا يصيف إلا في شاليه متواضع في زهراء العجمي.. بينما أحضر أحمد نظيف طباخا إلي مجلس الوزراء يقدم لمساعديه الكبار ــ وعلي رأسهم سامي سعد زغلول ــ بانتظام وجبة غداء ساخنة وشهية في الساعة الثانية.. تاركا تحت تصرف البعض منهم ثماني سيارات.. له وحده.

ولا يلعب أحمد نظيف الطاولة.. لكنه.. يلعب العابا أخري.. مثيرة.. ويحرص علي إجازاته مهما كانت مشاغله.. ويقضيها في أفخم المنتجعات.. كابينة في المعمورة.. شقة بنت هاوس في فور سيزونز سان ستيفانو.. جناح في سيدي عبد الرحمن.. أو سافوي شرم الشيخ.. فيللا في الغردقة.. أو المنطقة الملكية في ونتر بالاس الأقصر.. حيث تعرف علي عائلة زوجته الثانية.. قبل زفافها عليه.. ولم يشأ أن يؤخر موعده رغم الظرف الطارئ الذي تعرضت له البلاد لغياب رئيس الدولة عدة أيام كان يجري فيها جراحة ضرورية.

وهو رئيس الحكومة الوحيد الذي تزوج للمرة الثانية وهو في منصبه.. ولا جدال أنه يؤمن بحرية المرأة.. وحقها في المساواة.. لذلك ترك زوجته الثانية في مناصب متعددة.. ضاعف من نفوذها فيها أنها شريكة حياته.. وفي دولة عريقة البيروقراطية مثل مصر لابد أن تصبح كلمة سيدة الحكومة الأولي مسموعة.. مطاعة.. لا ترد.

عاطف عبيد كان هو أيضا لا يأكل سوي الفول والطعمية.. وقبل أن يذهب إلي مكتبه يبدأ في السادسة صباحا في فتح ملف البوستة.. وما أن يصل إلي مقر رئاسة الحكومة في الثامنة حتي يضع أجندة ببرنامج اليوم.. ويرتب القضايا حسب أولوياتها.. ويظل في مكتبه إلي منتصف الليل.

لكن.. أحمد نظيف منضبط كالساعة.. لا يبقي في مكتبه دقيقة واحدة بعد الساعة الرابعة.. ويسهل عليه تناول الغداء في وقت مناسب.. فالبيت قريب من المكتب في القرية الذكية.. خصوصاً في الأيام التي يعمل فيها هناك.. الأحد والثلاثاء والخميس.. والخميس غالبا نصف يوم عمل.. بخلاف يومي الاثنين والأربعاء في المقر القديم لرئاسة الحكومة.. وهما يومان عذاب ليس له وإنما لسائقي السيارات الذين يجبرون علي الوقوف أثناء مرور موكبه المصفح والمدجج بأكثر من سيارة حراسة.

ويسجل أحمد نظيف أنه رئيس الحكومة الوحيد الذي لا يدعو الوزراء إلي الاجتماعات الأسبوعية طوال شهر أغسطس.. وإن حدث ذلك ذرا للرماد ومنعا للحسد.. ففي المقر الصيفي بالإسكندرية.. عند بولكلي.

والحقيقة أنه موهوب في قراءة البوستة.. يعرف كيف يتخذ القرار المناسب فيها.. وإن كان مستشاره الأول في كثير من تصرفاته وزير المالية يوسف بطرس غالي.. سنده الأكبر بين الوزراء.. أما سنده الأكبر في الحزب ومجلس الشعب فهو أحمد عز.. هو لا يرفض له طلبا.. مثلا.. عندما طلب أحمد عز مساندة النائب مصطفي السلاب في خلافاته مع محافظ القاهرة عبد العظيم وزير استجاب رئيس الحكومة فورا.. فهو يعرف أن سكوت البرلمان عن ضعف حكومته له ثمن يجب أن يدفعه.. وفي حوار تليفزيوني أخير أدخل أحمد نظيف أمين التنظيم وملك الحديد في جملة تعمد إقحامها في كلامه : " أحمد عز غير محتكر ".. جميل مقابل جميل.

أما علاقته برشيد محمد رشيد فليست علي ما يرام.. وعلاقته بصفوت الشريف متقلبة.. غير مستقرة.. أما أحمد المغربي فقد انتقلت علاقته به من الاقتراب الشديد إلي الابتعاد الواضح.

ولو كان أقل رؤساء الحكومة في ساعات العمل فإنه منظم.. وذكي.. ومكثف في تركيزه.. وإن كان لا يجيد التعامل مع الإعلام.. وفي أعماقه يراه متخلفا.. فقد أبدي إعجابه ذات يوم بصحيفة الحياة.. واعتبرها أفضل جريدة عربية.

ويعتقد المقربون منه أنه سريع الغضب.. يمكن أن يفقد أعصابه بسهولة.. لا يتمتع بمرونة السياسيين المحترفين.. يبدو لمن لا يعرفه متعاليا.. وظهر ذلك واضحا عندما واجه أكبر أزمة في حياته.. أزمة جامعة النيل التي كنت أول من فجرها.. ولم يستطع الرد علي ما نشر عنها من مستندات أحرجته.. وقد أحيل الملف إلي الجهاز المركزي للمحاسبات الذي انتهي إلي تسجيل ملاحظات وتجاوزات توجب الحساب.. لكن.. كانت الرؤية تأجيل إعلان نتيجة الفحص إلي ما قبل رحيله.. أو ليكن التقرير أولي الضربات القوية التي يمكن أن تجهز عليه في الوقت المحدد.. المناسب.

ولا أحد يسمع صوته.. ولا يعرف رأيه في الأزمات المعلنة.. ولا أحد يعرف كيف يفكر في علاج المشكلات المستعصية.. وإن تزايد عدد الذين يعتبرونه قد فقد صلاحيته وأعلن إفلاسه.. فهو في الاجتماعات الأخيرة طار بعيدا عن كل ما نعاني منه وراح يتحدث عن تصوره للمستقبل في سنة 2050.. متصورا علي ما يبدو أنه سيظل في منصبه إلي ذلك التاريخ.. ولما لا وهو وافر الحظ.. لم يكن يحلم بما فيه.. والظروف من حوله خدمته.. وتخدمه.. فربما يبقي إلي ما بعد الانتخابات البرلمانية.. وربما يبقي إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية.. فلماذا نأتي بحكومة جديدة في المدة القصيرة بين الحدثين ؟.. وإن كان هناك اقتراح بتعديل محدود يطول خمسة وزراء ويضيف وزيرا جديدا للشئون الإفريقية.

وهو أطول رؤساء الحكومات عمرا في عهد مبارك بعد عاطف صدقي.. وأكثرهم فشلا في تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي.. فحالة الطوارئ التي وعدت بالغائها تجددت.. وتعديل قانون المحليات ليسمح بمساءلة المحافظين حسب التعديلات الدستورية لم يحدث.. والألف مصنع الجديد خرافة.. والطرق المطلوب رصفها بطول 12 ألف كيلومتر في ست سنوات لم ينفذ ثلثها.. ومتاعب الفلاحين التي كان يجب أن تنتهي تضاعفت.. فالمياه لم تعد تصل للترع.. والمحاصيل سعرها اقل من تكلفتها.. بل إن قضية الدعم التي اعتبرتها حكومته قضية حياة أو موت لا تزال جثة هامدة.

لكن.. في مصر لا يهم ذلك كله.. المهم الحظ.. ورقة اليانصيب التي يربح صاحبها منصبا رفيعا.. خاتم سليمان الذي يبقيه في مكانه.. مصباح علاء الدين الذي يحقق له أمنياته.. وليس لدينا دليل أفضل وأكبر واقوي من أحمد نظيف.. كان يتمني الستر في شقة صغيرة بالدقي فأصبح مالكا لعقارات بملايين الدولارات في سنوات قليلة.. كان يحلم بعمادة كلية فاصبح عميدا للحكومة المصرية.. لكن.. في مصر ايضا.. لا أحد يعرف لماذا وضعوه حيا في قبر بعد أن كان ساكنا في قصر؟.. إنها مشيئة الحكم.. ولا أحد يجرؤ علي ردها.. وإلاسخطوه قردا.. أعوذ بالله.

اجمالي القراءات 2246
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق