إنها الحرية الأمريكية أيها الأبله!

سليم عزوز Ýí 2007-09-16


`عندما كنت أقرأ عن التصرف الأمريكي الجريمة بتسليم نفر من مواطني الدول العربية للجلادين فيها ليقوموا معهم بالواجب، كنت اندهش، ليس لأنني من الذين انخدعوا بالدعاية الأمريكية، التي تريد ان توحي كما لو كان البيت الأبيض هو الراعي الرسمي للحريات في المنطقة، ولكن لأنني كنت علي يقين من ان القوم أساتذة في فنون التعذيب والإكراه، وانهم يتفوقون علي السادة وزراء الداخلية العرب، وانهم تلاميذ في مدرسة حمزة البسيوني وغيره، من الذين أجادوا فنون التعذيب وأبدعوا فيها، حتي أصبحت أسماؤهم علامة تجارية مميزة في هذا المجال!.



ومن هنا فان قيام الأمريكان بتسليم المواطنين العرب إلي أجهزة الأمن لتعذيبهم، حتي تحصل منهم علي اعترافات تحت وطأته، ليس له ما يبرره، الا اذا كان الأمر مرده إلي تزايد عدد المعتقلين، أو كان القوم يريدون ان يشركوا الأحبة العرب في عمل كهذا، للتأكيد لهم انهم نالوا الرضا الأمريكي السامي، والدليل ان الأمريكان يدعونهم إلي المساهمة معهم في الخدمات النبيلة التي يقدمونها للبشرية، والتي يهدفون منها ان يقدموا سابقة أعمال تؤكد السطوة الأمريكية علي العالم، وكما أشاعوا النموذج الأمريكي في الملبس والمأكل، فهم يسعون إلي إشاعة النموذج الأمثل في إخضاع الأعداء، ومن في حكمهم!.

بالأمس القريب نشرت جريدة الحياة اللندنية اعترافات محمد القحطاني رجل الأعمال الذي ساقه حظه العاثر للوقوع في قبضة القوات الامريكية التي لا تقهر، والتي قررت بدون دليل انه من المتورطين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسعت بالتعذيب إلي الحصول علي اعترافات منه تؤكد هذه النتيجة التي توصلوا إليها بعبقريتهم الأمنية الفذة، ولعل هذه العبقرية هي التي جعلت لهم مريدين في المنطقة من أمثال زميلنا في هذه الجريدة الدكتور عبدالحميد الأنصاري، وهو وأمثاله مغرمون صبابة بصراحة!.

القحطاني تعرض للضرب والإهانة والتحقير في سجنه، وتحت وطأتهم حصلوا علي اعتراف منه علي جريمة لم يرتكبها، ولعله فعل هذا لينجو بجلده من العذاب، وقد تمثل الاعتراف في انه شارك في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانه سافر لأفغانستان في عام 2001 وتلقي تدريبات علي العمليات الإرهابية، والتقي بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، واتفق معه علي القيام بعملية استشهادية لصالح التنظيم، الأمر الذي جعل الأمريكان يؤكدون انه الخاطف رقم (20) بضمير مستريح، وقلب سليم، وهل هناك دليل اقوي من الاعتراف الذي هو سيد الأدلة؟!

ممارسة التعذيب ضد السجناء في المعتقلات الخاضعة للنفوذ الأمريكي لم تلفت انتباهي، فمبلغ علمي ان القوم لم يصطحبوا هؤلاء الضحايا في نزهة برية ليشاركوهم في اصطياد حيوانات البراري، لكن نوعية التعذيب التي مورست علي القحطاني - وبالضرورة علي غيره - هي التي لفتت انتباهي إلي حد الدهشة من أن يكون الضباط الامريكان علي هذه الدرجة من الاحتراف، ومع هذا يقومون بتوريد بعض العناصر إلي البلدان العربية، لتقوم أجهزة الأمن بتعذيبهم خدمة للسيد الأمريكي!.

لقد قال القحطاني انهم اجبروه علي خلع ملابسه، والوقوف عاريا أمام السجانات الأمريكيات، وإرغامه علي ارتداء ملابس نسائية، وهو امر يتضاءل دونه ما قاله بعد ذلك من انه مكث في الحبس الانفرادي 160 يوما، وانه في إحدي المرات كان يتم استجوابه ما بين 18 إلي 20 ساعة يوميا، ولمدة تتراوح بين 48 إلي 54 يوما.

هناك قول مأثور نصه: لا تلقنوا اولاد السفلة العلم، واذا فعلتم فلا تولوهم المناصب ، وفي سنوات الانحطاط التي عاشتها بعض الأقطار العربية، وبفضل ابناء السفلة هؤلاء، كان التعذيب يقوم علي قهر الرجال. البداية كانت في عهد الاحتلال وعبر عنها الفيلم المصري الشهير، الذي كان بطله الفنان الراحل محمود المليجي، الذي قهره المحتل عندما أزال شاربه، الذي يعد رمز الرجولة بتعبير الثقافة السائدة في هذه الايام. ثم تطور الامر علي حمل المساجين علي أن يختاروا لانفسهم أسماء نسائية، بغرض الاهانة والتشفي.

ومن قرأ مذكرات المساجين السياسيين في أيام خالد الذكر جمال عبدالناصر، سيقف علي مخطط كسر النفوس ، الذي قد لا يبرأ المرء منه علي مر الأيام، علي العكس من التعذيب البدني، فالجراح البدنية تلتئم بمرور الوقت، في حين ان جراح النفس البشرية صعبة الالتئام!

لقد قرأنا كيف حمل قادة السجن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين علي ان يغنوا: يا جمال يا حبيب الملايين، وكيف حملوا المرشد المسن الوقور والقاضي السابق حسن الهضيبي علي ان يمسك عصا في يده، ويتصرف علي طريقة قائد الفرقة الموسيقية. ولم يكن التعذيب قد جري للإخوان وحدهم، وانما وقع أيضا علي الشيوعيين، وكان الهدف ان تعن الوجوه للزعيم الخالد فلا تسمع حتي همسا، والذي لم يجبره عن التخلي عن استبداده الا هزيمة يونيو 1967، ومن عجب ان الناصريين ظلوا يمارسون الابتزاز ضد الشيخ الشعراوي، لانه قال انه سجد لله شاكرا عندما وقعت الهزيمة، حتي سحب كلامه بالتحايل، اذ كيف يسجد لهزيمة الجيش المصري؟!، مع ان الذي انهزم لم يكن الجيش ولكنه الزعيم الأوحد، فالجيش لم يخض معركة، وانما ظل هو (يجر شكل) العدو بلسانه وبتهديداته العنترية، ولم يكن مستعدا لقتال، وكان قد أفسد الجيش بأن وضع ضابطا شابا اهوجا، مشغولا طوال الوقت بالتعرف علي الفنانات، علي قمته، الأمر الذي دفع بكثير من قيادات الجيش للاستقالة احتجاجا علي هذا التصرف الأرعن!

وفي سجونه شاعت لغة الغطرسة إلي جانب عملية قهر الرجال، ولو انتصر عبدالناصر في معركته لنصب نفسه إلها، ولنادي: يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري، ولتم حلق شوارب كل خصومه، ولتم حملهم علي ان يختار كل منهم اسم امرأة ليضعه أمام خانة الاسم في شهادة ميلاده!

ومن عجب أن الأمريكان استلهموا هذه الخبرات العظيمة، من إمبراطوريات الاحتلال الغاربة، ومن الأنظمة التي جاءت علي أنقاضها، وأعني به أسلوب قهر الرجال عند تعذيبهم، ومع هذا فإن هناك من كان يظن بهم ظنا حسنا ويعتقد بأنهم غلابة في مدرسة التعذيب، ولهذا فانهم يستعينون بنا باعتبارنا اكثر عراقة.. جميل ان نتفوق علي الأمريكان في شيء، حتي ولو كان في ممارسة فنون التعذيب، لكن ها هي الايام تثبت ان القوم يقفون علي أدق التفاصيل فيها، علي النحو الذي ذكره محمد القطحاني، ودفعه للاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وبالشكل الذي دفع معتقلة في العهد الناصري التليد ان تعترف بانتمائها للإخوان المسلمين وتكتب قصصا في طريقة تجنيدها، وأعضاء الجماعة الذين تعرفهم، مع انها مسيحية، وقد ظلت هكذا إلي ان ماتت في نهاية الثمانينيات، في أكلة فسيخ مسممة، وفي أحد أعياد شم النسيم التي تصادفت مع شهر رمضان، حتي لا يقول أحد ربما أسلمت في السر، وجندها الإخوان، وان رجال الزعيم الملهم كان يأتيهم نبأ دبة النملة، وكانوا يعلمون ما تخفي الصدور!

لقد جري ما جري للقحطاني في معتقل جوانتانامو سيئ الصيت، وهو المعتقل الذي شهد انتهاك أعراض الرجال الأبرياء فيه، والذي اضر بالسمعة الأمريكية، مما دفع العقلاء في واشنطن ان يطالبوا بإغلاقه، لكن الرئيس بوش متمسك به، نفس تمسكه بقراره الخاطئ بغزو العراق، والبقاء هناك إلي اجل غير مسمي، علي الرغم من الهزائم التي مني بها، والتي تلحق بجيشه عشية ونهارا، وهو الذي كان يظن ان العراقيين سيستقبلونه بالطبل البلدي، وتصور انه بمجرد ان قام بالفيلم السينمائي الخاص بتحطيم تمثال الرئيس صدام حسين، فإن الحرب قد انتهت، فاذا به يفاجأ بما لم يطق عليه صبرا، وكيف يصبر علي ما لم يحط به علما، بعد ان وقع ضحية لجماعة من النصابين العرب، الذين تتعامل معهم أوكار أجهزة الامن هناك علي انهم خبراء عرب يعرفون دقائق النفس البشرية العربية!

لقد أصبحت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية في الحضيض بسبب معتقل جوانتانامو الرهيب، وجاء دفاع بوش عنه مهزوزا لا يستطيع ان يصلب طوله، فقد ابدي موافقة علي صرف من فيه، وهم أبرياء لم تتم محاكمتهم، لكنه عاد وقال ان المشكلة في ان البلدان العربية لا تريد استلامهم. مع أننا نعلم، وهو يعلم، والجنين في بطن أمه يعلم، انه لو أمرهم فانهم لا يملكون حيال أوامره سوي السمع والطاعة، وقد سمعوا وأطاعوا وسعدوا عندما أرسل لهم نفرا ليتولوا نيابة عنه تعذيبهم، والحصول علي اعترافات منهم تحت وطأة التعذيب الرهيب، ففعلوا إثباتا للحب العذري، فهل يمكن ان يرفضوا له طلبا ان طلب منهم استلام العرب المعتقلين في سجن جوانتانامو؟!

لا بأس فزميلنا بقناة الجزيرة سامي الحاج تم خطفه وإيداعه السجن سالف الذكر، بينما كان يؤدي عمله ولم يشارك في قتال، ولم يثبت انه شارك فيه ولو بشطر كلمة، وقد طلبت قطر استلامه، كما طلبت بلده السودان نفس الطلب، وعلي الرغم من الرضوخ لكل المماحكات الأمريكية الا ان الأمر ليس سهلا كما كنا نتوقع!.

هل أذكركم بما جري في سجن ابي غريب الخاضع للإدارة الأمريكية، وكيف تبين تعذيب الرجال فيه جنسيا، وانزعج الرئيس بوش كما انزعجنا، وقال انه أحال المتهمين للمحاكمة، وتبين ان قراره هو لاحتواء ثورة الغضب، ولا يزال التعذيب مستمرا، كما ان الجناة تم الإفراج عنهم بعد محاكمة شكلية، كتلك التي تعرض لها قادة الحكم في العراق، لكن شتان بين المحاكمتين ففي الأولي تم تبرئة من قام الدليل علي ارتكابهم جريمة في حق الإنسانية ولا تسقط بالتقادم، وفي الثانية تم الحكم بالاعدام علي من عجزت المحاكمة علي اثبات الاتهامات عليهم، ولم يكن أخرهم وزير الدفاع العراقي السابق سلطان الهاشم، الذي تعد جريمته، وجريمة غيره من أمثال طه ياسين رمضان وطارق عزيز، سوي انهم قرروا ان يكونوا رجالا حتي اللحظة الأخيرة، ولم يبيعوا صدام حسين ويكسبوا أرواحهم، والبيت الأبيض يريد ان يحلق لهم شواربهم كما كان يفعل الاحتلال القديم، والأنظمة التي جاءت من بعده، ويريد ان يلبس الجميع ملابس نسائية كما فعلوا مع محمد القحطاني في معتقل جوانتانامو الرهيب.

هذه هي الحرية الأمريكية التي بشرونا بها أيها الأبله.

اجمالي القراءات 11846

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-06-30
مقالات منشورة : 12
اجمالي القراءات : 163,764
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 2
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt