فهم مقام المتكلم و دوره في القرأن الكريم :
مقام المتكلم في القرأن الكريم

كان هنا و راح Ýí 2017-08-16


                                                       بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقام المتكلم في القرأن الكريم






كنت قد شرحت في بحث سابق لي القواعد الايمانية لقراءة القرأن الكريم و كيف أن هاته القواعد تمنعنا من الوقوع في فهم خاطئ للكثير من أيات كتاب الله جل و علا.

اليوم سأتطرق لبحث مقامات المتكلم في القرأن الكريم و وظيفتها الغاية في الأهمية .


يقول رب العالمين :

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)

سورة طه

لو لاحظت أخي القارئ المتكلم في الأية هو فرعون لكن الأفعال التي جاءت في كلامه كلها أفعال لضمير المتكلم "نحن" مع أنه هو المتكلم الوحيد .

ثم في الأيات الموالية :

 قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ (71)

هنا المتكلم فرعون كذلك لكن الافعال كلها جاءت لضمير المتكلم "أنا" ,لماذا هذا الفرق ؟

هنا يظهر دور مقام المتكلم في القرأن الكريم و هو في غاية الأهمية , ففي الحالة الأولى جاءت الأفعال في جمع المتكلم لأن فرعون كان يتكلم من مقام "ملك مصر" وولي أمرها و في الحالة الثانية تكلم فرعون من مقامه الشخصي فجاءت الأفعال في مفرد المتكلم أي أنه هددهم شخصيا.


و ستلاحظ معي أخي القارئ الكثير من هذا المثال فيما يلي :

مثلا في قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام :

يقول ربنا جل و علا :

قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)


توجد هنا 3 حالات :

1.فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا: هنا يتكلم العبد الصالح من مقامه الشخصي , فقرار خرق السفينة كانت ارادته هو لوحده .

2.فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا:هنا يتكلم من مقام "ولي الأمر" ,فلقد قتل الغلام من مقام "ولي الأمر" أي انه كان ملكا أو ما شابه و نفذ حكم القتل من هذا الباب.

3.فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا: هنا ما فعله العبد الصالح كان من مقام "نبي" أو ما شابه فالأرادة هنا ربانية و الأمر من عند رب العالمين.

و نضرب مثلا أخر في قصة سيدنا سليمان عليه السلام :

يقول رب العزة:


فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)


هنا تكلم سيدنا سليمان عليه السلام من مقامه الشخصي و رد الهدية و تفهم من الأية أن ملكة سبأ حاولت رشوته شخصيا ,لاحظ معي في الأية الموالية مباشرة الرد , يقول رب العالمين :
 

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)

هنا تكلم سيدنا سليمان عليه السلام من مقام الملك ,لابد أنك لاحظت الفارق عزيزي القارئ.


عند التركيز في قراءة القرأن الكريم نجد أن قاعدة المقامات تخدم فهمنا بشكل رائع فتستنتج ظروف حوار ما أو أمر ما بمجرد ملاحظة الضمير و الأفعال التي تليه , و أحسن مثال على هذا حوار سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون فلاحظ معي :

 قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)


هنا يتكلم فرعون من مقام "ملك مصر" لكنه يتكلم عن أمر شخصي و هو تربيته لسيدنا موسى عليه السلام و جريمة القتل التي فر بسببها ,فبقليل من التفكير نجد أن الهدف من كلام فرعون هو تشويه صورة سيدنا موسى عليه السلام و اظهاره في شكل الجاحد و المجرم الفار بجريمته و بما أن مقام كلام فرعون في هاته الأية هو مقام الملك فأننا نستنتج أنها الصورة التي روجها لدى شعبه حول سيدنا موسى عليه السلام.

لمقام المتكلم في القرأن الكريم أهمية قصوى لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها ان كنا نريد فهما صحيحا لكتاب الله جل و علا .


و الله تعالى أعلم.

اجمالي القراءات 5628

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2017-04-25
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 7,925
تعليقات له : 3
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : أرض الله
بلد الاقامة : أرض الله