رقم ( 6 )
الاخوان المسلمون فى مصر صناعة وهابية

الفصل الثانى
الاخوان المسلمون فى مصر صناعة وهابية
حاجة عبد العزيز لضم مصر للوهابية
قامت الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وخلال سنوات التأسيس هذه كانت لعبد العزيز رؤيته الواضحة فى إرساء دعائم الدولة الثالثة حتى تستمر ولا تسقط مثل الدولتين السابقتين . وتتلخص هذه الرؤية فى التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية، وتستطيع من خلالها السيطرة على العالم الإسلامى. وكانت النتيجة نجاح عبد العزيز آل سعود فى تحويل التدين المصرى القائم على التسامح حتى فى العصور الوسطى إلى تدين وهابى متشدد فى عصر حقوق الإنسان. ونأتى للسؤال التالى، وهو: كيف؟ كيف تم هذا التحول؟


فى الوقت الذى كان فيه عبد العزيز وآله لاجئين تحت رعاية آل الصباح فى الكويت كان الإمام محمد عبده فى مصر يعلن تطليقه للسياسة والثورة وتفرغه للإصلاح الدينى والفكرى، واعتبر التصوف خرافة كما وقف موقفاً حازماً من الفقه والأحاديث، واعتبر الأحاديث كلها أحاديث آحاد، وأعاد للأذهان ما قاله الأئمة المجتهدون فى عصر الازدهار الفكرى. وكان محمد عبده يأمل فى تأسيس مدرسة فكرية للاجتهاد الدينى تقوم بإصلاح عقائد المسلمين وتسهم فى تطورهم العقلى والعصرى، وكان هذا اقتناعه بعد تطليق السياسة ولعنها.
ولم يكن محمد عبده يدرى أن حركته سيقوم بإجهاضها تلميذه رشيد رضا لصالح السعوديين وأيديولوجيتهم السلفية الثورية.
مات محمد عبده سنة 1905، وفى ذلك الوقت كان عبد العزيز قد هرب من الكويت بأربعين من "إخوانه" وبهم استولى على الرياض سنة 1902 ثم سيطر على أواسط نجد سنة 1904. وبعد موت محمد عبده فى مصر ورثه رشيد رضا. وكانت الأنباء تأتى إلى مصر بانتصارات الشاب ابن سعود ونجاحه فى ضم الإحساء والمنطقة الشرقية، ثم نجح بعدها فى ضم عسير، وحاصر الشريف حسين فى الحجاز، ثم انتزع منه الحجاز سنة 1926 ليحتل ابن سعود بعدها موقعاً متميزاً جفف به دموع الملايين الذين حزنوا على إلغاء الخلافة العثمانية. ثم قام ابن سعود بإعطاء مملكته الوليدة اسم أسرته السعودية سنة 1932 بنفس المنهج السائد فى العصور الوسطى حين يطلق الحاكم على دولته اسمه أو اسم أسرته، كالدولة الأخشيدية والطولونية والفاطمية والعباسية.
ومع هذا النجاح لابن سعود فقد كان يدرك أن توسعه فى شبه الجزيرة العربية قد أضاف ألغاماً كثيرة تحت عباءته، فأعدى أعدائه وهم الشيعة يرتكزون فى المنطقة الشرقية، كما أن الأشراف والصوفية فى الحجاز لا ينسون ثأرهم عنده بعد ما فعله بالحجاز وأسرة الشريف حسين، وفى الخارج يقف أعداؤه الشيعة الزيدية فى اليمن بعد أن استولى على عسير، وهناك شيعة إيران والعراق والخليج وهم لا ينسون ما فعله وما سيفعله بالمشاهد الشيعية فى العراق، علاوة على أن أبناء خصمه الشريف حسين كانوا يحكمون العراق والأردن، أى أن أعدءه يطوقونه من كل الاتجاهات، ولهم جماهير فى أهم منطقتين فى مملكته، المنطقة الشرقية بجوار نجد، والحجاز، وهم لا يغفرون له أنه محا وجودهم حين جعلهم سعوديين، أى موالى وعبيداً لأسرته . وهكذا لم يعد أمام ابن سعود إلا مصر يتكئ عليها فى صراع البقاء وفى أمل الاستقرار والاستمرار أيضاً. فمن مصر جاء الخطر الذى دمر الدولة السعودية الأولى، ومنها يمكن أن يأتى الخطر الذى سيقضى على الدولة السعودية الثالثة، خصوصاً وأن التصوف هو التدين المصرى الأساسى والدعاية ضد الوهابيين على أشدها فى مصر، ومن الممكن أن تتطور ثقافة الكراهية ضد الوهابية إلى تحالف عسكرى أو سياسى خصوصاً مع طموح ابن سعود للسيطرة على الحجاز والذى كان دائماً تحت السيطرة المصرية.
ومن الممكن أن يتفادى ابن سعود هذا الخطر المصرى، بل يستغل مصر إلى جانبه إذا تحول التدين السنى الصوفى المصرى المعتدل إلى تدين سنى وهابى متطرف. وليس ذلك مستحيلاً، فالمهم هو العثور على الشخصية المناسبة التى تقوم بخلق هذا التحول، وكان سهلاً العثور على هذه الشخصية، وهنا بدأ دور الشيخ رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده والذى خان مسيرته الاصلاحية وعمل عميلا لابن سعود.وكانت الأحوال مناسبة لذلك التحول.
جاء الشيخ رضا إلى مصر يحمل بين جوانحه الفكر السلفى مع كراهية موروثة للمسيحيين استقاها من بيئته الشامية، ولكنه كتم هذه الثقافة الشامية داخله أثناء تبعيته لشيخه الإمام محمد عبده. وبعد موت الإمام لم يكن رشيد رضا مؤهلاً للسير فى طريق شيخه فى معاداته لشيوخ الأزهر، إذا كان محمد عبده بفكره ومصريته وأزهريته وتاريخه ومكانته وشخصيته أقدر على الصدام مع شيوخ الأزهر، فهو منهم وهم منه، وهو أعلاهم قدراً وأرجحهم عقلاً وأكبرهم علماً وأكثرهم شهرة، ومع ذلك فقد عانى منهم ما عانى فى جهاده الإصلاحى، فكيف بتلميذه الوافد من الشام إذا كان فعلاً يريد السير فى طريق شيخه الإمام؟
على أن رشيد رضا قد يوافق فكر الإمام محمد عبده فى الهجوم على التصوف وأوليائه إلا أنه لا يوافقه فى انتقاد الأحاديث وفى انتقاده لتحجر الفكر الوهابى . وعندما مات شيخه الإمام وجد فرصته فى الزعامة ميسورة إذا تحالف مع ابن سعود، خصوصاً وقد جرت مياه كثيرة فى النهر، إذا علا نفوذ ابن سعود فى شبه الجزيرة العربية وبدأت الأحلام تتجمع حوله خصوصاً مع استقلاليته وشبابه ومقدرته، ثم بدأ تيار الشيوخ يميل إلى التعصب بعد إلغاء الخلافة وشدة التيار العلمانى فى تركيا ثم فى مصر والشام، وارتفع صوت الإلحاد متشجعاً بالليبرالية الفكرية والنفوذ الاستعمارى، وكل ذلك أثار حفيظة الشيوخ العاديين والصوفيين والسلفيين وقرب المسافة بينهم . خصوصاً وقد كان أئمة العلمانيين فى مصر من مثقفى الشوام المسيحيين والذين هاجروا لمصر بعد المذابح الطائفية في لبنان . وكان لابد أن تشتعل المعركة بين رشيد رضا وبينهم، وفى هذا الجو أتيح لرشيد رضا أن يثمر تحالفه مع ابن سعود فى نشر الفكر الوهابى بعد أن سيطر عبد العزيز على الحجاز وجعل من مناسبة الحج منبراً لنشر الدعوة وتجميع الأمصار وإعداد الكوادر وإعداد الخطط وتنفيذها. ودليلنا على ذلك أن عام 1926 الذى شهد أول موسم للحج بعد سقوط الحجاز هو أنشط الأعوام فى نشر الفكر السلفى فى مصر وخارجها.
نبذة عن أحوال مصر الثقافية فى النصف الأول من القرن العشرين
كانت التصوف هو التدين السائد تحت شعار السنة في العالم الاسلامي السني، وكانت الوهابية السنية هي الاستثناء في هذه القاعدة مع وجود انصار لها في مصر وشمال افريقيا، وكان الوهابيون ينقمون علي الشيعة والصوفية عبادتهم للأضرحة وتقديسهم للبشر ،وكان الوهابيون علي حق في ذلك ،وكان الشيعة والصوفية ينقمون علي الوهابيين استحلالهم لدماء المسلمين المسالمين وهدمهم لما يعتبرونه مقدسات ،وكانوا علي حق في ذلك.
 وبين هؤلاء واولئك برز صوت مجتهد لم يلبث ان ضاع في الزحام ،هو صوت الامام محمد عبده( ت 1905 )الذي انتقد الصوفية في تخلفهم العقلي كما انتقد الوهابية في تزمتهم وتشددهم، ووضع اصولا للاسلام تخالف الايدولوجية الوهابية ،هي:
1-  قيام الايمان علي العقل.
2- تقديم العقل علي ظاهر الشرع عند التعارض بينهما .
3- الابتعاد عن التكفير .
4- التفكر بسنن الله في الخلق ،أي الاستدلال العلمي .
5- هدم السلطة الدينية والدولة الدينية  فليس في الاسلام سلطة دينية .وانما دولة مدنية ،ولم يجعل الاسلام لأي فرد او جماعة سلطة علي العقائد وتقرير الاحكام .
6- حماية الدعوة لمنع الفتنة ،فالقتال في الاسلام لرد الاعتداء وليس في التكفير والاكراه في الدين .
7- ومودة المخالفين في العقيدة .
  8- والجمع بين مصالح الدنيا والاخرة ،والنبي لم يقل بع ما تملك واتبعني ،ونهي عن الغلو في الدين ،واباح الزينة والطيبات . [الامام محمد عبده :الاسلام بين العلم والمدنية :2/124:101.سلسلة التنوير .مصر: الهيئة العامة للكتاب :1993 .]
ومع علو مكانة الامام محمد عبده الدينية والسياسية ووجوده في مصر الاكثر انفتاحا الا ان المناخ العام السائد اجهض دعوته ،فمات يلعن الشيوخ الذين اضاعوا الاسلام .
ومن عجب ان يحاط عبد العزيز باثنين من اصدقائه كلاهما ادرك هذه الحقائق الاسلامية التي ارساها محمد عبده في مطلع القرن العشرين ،والاثنان وهما حافظ وهبة و الصحفي النمساوي المسلم محمد اسد ، وقد حاولا معا اختراق حاجز المستحيل الذي اعجز الامام محمد عبده .
حافظ وهبة هو مستشار عبد العزيز آل سعود والذى رسم له سياسته من الألف الى الياء. وقد تجاهل حافظ وهبة التناقض بين منهج محمد عبده والمنهج الوهابي ،وزعم ان الامام محمد عبده كان يشيد بابن عبد الوهاب ،وقد كانت مشورة حافظ وهبة ضرورية لعبد العزيز، واقامت فجوة بين عبد العزيز والمستوى الفقهي لعلماء الوهابية المشهورين بتزمتهم وجمودهم، وحافظ وهبة بذلك حقق بدهائه بعض ما كان الامام محمد عبده يدعو اليه من نبذ الجمود والتخلص منه [الامام محمد عبده :نفس المرجع :2/174:151.].واعان عبد العزيز علي مواجهة جريئة لاحد اهم المستحيلات في عصره وهو المناخ السياسي السائد .
اما محمد اسد فقد عرف الاسلام عن طريق القرآن ،وبالفهم المباشر للايات ادرك من حقائق الاسلام ما لم يدركه علماء الاسلام في القرون الوسطي والعصر الحديث ،ومع انه لم ير الامام محمد عبده ،ولم يظهر في كتابه (الطريق الي مكة )انه قرأ شيئا من مؤلفاته الا ان الاتفاق بينهما واضح لأن منهجهما اتفق في الرجوع الي القرآن والاحتكام اليه واعتبار سنة النبي  تطبيقا للقرآن وليس مختلفة عنه او مناقضة له .
وفيما بعد قابل محمد اسد الشيخ المراغي قبل ان يكون شيخا للازهر بعدة سنوات،وننقل من كتاب محمد اسد وصفه للحركة العلمية في الازهر وتعليق الشيخ المراغي وقتها عليها ،يقول محمد اسد :
( وفي اجتهادي لأخذ صورة أكمل عما كان الاسلام يعنيه في الحق،اخذت فائدة كبري من الايضاحات والتفسيرات التي تمكن من تزويدي بها اخواني المسلمون القاهريون .وكان من ابرزهم الشيخ مصطفي المراغي ،وهو من اشهر علماء الاسلام في ذلك الوقت ،والمع علماء الجامغ الازهر ،بما لا يقبل الشك (وقد قدر له ان يصبح شيخه بعد ذلك ببضع سنوات ).ولابد انه كان في منتصف العقد الخامس من العمر في ذلك الحين ،الا ان جسمه الممتلئ العضلي كانت له خفة ابن العشرين وحيويته .وبالرغم من علمه وسعة اطلاعه ووقاره فانه كان دائما فكها بشوشا .واذا كان الشيخ المراغي تلميذا للمصلح المصري العظيم محمد عبده ،ورافق في صباه تلك الجذوة المتقدة ،جمال الدين الافغاني ،فقد كان هو نفسه مفكرا وناقدا ثاقب الرأي. انه لم يتواني قط عن ان يشعرني بأن المسلمين في العصر الحديث قد قصروا في الحق تقصيرا كبيرا عن مثل دينهم ..
دخلنا الي صحن الجامع فوجدت التلاميذ،وكانوا يرتدون الجبات الطويلة السوداء ويضعون العمامة البيضاء فوق رؤوسهم ،جالسين علي حصر من قش ،يقرأون في اصوات منخفضة في كتبهم ومخطوطاتهم ،وكانت المحاضرات تلقي في قاعة المجلس الكبري حيث كان عدد من المدرسين يجلسون ،علي حصر كذلك تحت الدعامات التي كانت تقطع القاعة في صفوف طويلة .وفي شبه دائرة امام كل مدرس كان فريق من الطلبة يجلسون القرفصاء .ولم يكن المدرس ليرفع من صوته ابدا ،وهكذا فقد كان واضحا ان الانتباه والتركيز الي اقصي الحدود كانا ضروريين بسبيل التقاط كل كلمة تخرج من فمه ،وكان لابد لي من الاعتقاد ان مثل هذا الاستغراق من شأنه ان يفضي الي المعرفة الحقيقية ،ولكن الشيخ المراغي سرعان ما بدد اوهامي حين قال : (هل تري الي هؤلاء العلماء هناك ؟انهم مثل تلك البقرات المقدسة في الهند ،التي تلتهم ،كما قيل لي ،كل ما تستطيع العثور عليه في الشوارع من اوراق مطبوعة ..اجل انهم يزدردون كل الصفحات المطبوعة من الكتب التي كتبت منذ قرون عدة ،ولكنهم لا يهضمونها .انهم لم يعودوا يفكرون لأنفسهم .انهم يقرأون ويرددون ،يقرأون ويرددون – والتلاميذ الذين يصغون اليهم لا يتعلمون الا ان يقرأوا ويرددوا ،جيلا بعد جيل .)وقاطعته قائلا : (ولكن الازهر ،يا شيخ مصطفي ،علي كل حال ،مركز العلوم الاسلامية واقدم جامعة في العالم !، ان المرء لتقع عينيه علي اسمه كل صفحة تقريبا من التاريخ الاسلامي الثقافي .وما قولك بالمفكرين ورجال الدين والفلاسفة والمؤرخين والرياضيين العظام الذين اخرجهم الازهر خلال القرون العشرة الاخيرة ؟)
فأجابني بمرارة : (لقد انقطع عن اخراجهم منذ عدة قرون .لربما كان في ذلك بعض المبالغة، ذلك ان مفكرا مستقلا كان يظهر من الازهر بين الحين والحين حتي في الازمنة الحديثة .ولكن الازهر ،بصورة عامة ،اصيب بالعقم الذي يشكو منه العالم الاسلامي كله اليوم ،وانطفأت جذوته المتقدة .ان اولئك المفكرين المسلمين المتقدمين الذين ذكرتهم لم يحلموا قط بأن افكارهم ،بعد هذه القرون العديدة ،بدلا من ان تستمر وتنمو وتتطور ،يقدر لها ان تعاد وتعاد ،كأنما هي حقائق الاسلام غير القابلة للخطأ .فلو اردنا ان نبدل حالتنا بأحسن منها ،فان علينا ان نشجع التفكير الحي بدلا من تقليد ما سبق من افكار ..)
ولقد ساعدني وصف الشيخ المراغي الحاسم للازهر علي ان ادرك سببا من اعمق اسباب الانحطاط الثقافي الذي يبهر المرء في كل مكان في العالم الاسلامي .الم يكن هذا التحجر العلمي لهذه الجامعة القديمة منعكسا ، الي درجات مختلفة في العقم الاجتماعي للحاضر الاسلامي ).[ محمد اسد :المرجع السابق :233:231]
وتولي الشيخ المراغي مشيخة الازهر وظلت المناهج العقيمة كما هي ،ولم يفلح في تغييرها لأن المناخ لم يسمح ..وعندما حاول شيخ الازهر الحالي في اواخر القرن العشرين تخفيف بعض المقررات الدراسية في الازهر ثار عليه الجميع واتهموه بما يشبه الكفر حتي اضطر في مجلس الشعب الي ان يقسم انه يفعل ذلك لمصلحة الاسلام .

جيل الاحتجاج المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين

تمتع المصريون بنوع من الليبرالية السياسية بدأت مع عصر اسماعيل وتطورت بعد دستور 1923 فى قيام حركة حزبية نشطة وبرلمان نشط وانتخابات وحرية صحافة لم يعرفها العالم العربى وقتها، بل ربما حتى الآن.  الا ان هذه الليبرالية المصرية الفوقية فى دنيا السياسة حصرت العمل السياسى فى الطبقة العليا من المجتمع ومعها بعض الشرائح العليا من الطبقة الوسطى. وجاء الجيل الجديد المتعلم من أبناء الطبقة الوسطى فلم يجد له متسعا فى التوظيف أو العمل السياسى . وبجانب هذا القصور عن استيعاب الأجيال الصاعدة الطموحة كانت هناك  ظاهرة أخطر هى انعدام العدل الاجتماعى ووجود فجوة هائلة بين الأغنياء والفقراء ، قيل عنه ( مجتمع النصف فى المائة ) حيث كان يملك الثروة فى مصر نصف المائة من عدد السكان. ( وهو نفس الحال الآن ). اسهم القصور الليبرالى والظلم الاجتماعى عن ظهور جيل جديد متنمر متمرد ساخط ، استغل الليبرالية السياسية وقتها فى اثراء حركات التطرف بكل أنواعها، الشيوعية ، ومصر الفتاة والاخوان المسلمين.
أى ان التخلف الثقافى فى الفكر الدينى مع حركات الاحتجاج الشبابية جهزت مناخا ملائما لنجاح الوهابية فى غزو مصر دينيا لتغير تاريخها وتاريخ العالم. كانت تلك البيئة المريضة هى المناسبة لنمو حركة الاخوان المسلمين وتطورها وتوسعها.وهى نفس البيئة التى نعيشها الآن.

نشأة حركة الاخوان المسلمين فى مصر بين حافظ وهبة ورشيد رضا:

وقد كان حافظ وهبة مهتما بتوثيق العلاقات بين الملك عبد العزيز ومصر ،يقول مثلا في تاريخه لأحداث الصراع بين الملك عبد العزيز والشريف حسين (وفي سبتمبر سنة 1925 وصل فضيلة الشيخ المراغي وكان رئيسا للمحكمة العليا الشرعية ومعه عبد الوهاب بك طلعت من موظفي السرايا ومعهما كتاب رقيق من جلالة ملك مصر جوابا لكتاب سلطان نجد بمناسبة عزمه علي زيارة مكة ،ويقول حافظ وهبة معبرا عن مشاعره (انه ظرف ملائم جدا وفرصة نادرة لتوثيق العلائق بين مصر ونجد ،وسلطان نجد كان ولا يزال معترفا بزعامة مصر من وجهة الثقافة والمدنية ويجب ان توطد العلائق بينه وبين مصر) [حافظ وهبة :المرجع السابق :268] .
ومصر في حد ذاتها هي المشكلة الكبري لعبد العزيز، فهي التي كانت تسيطر علي الحجاز في العصر المملوكي ،واستمر نفوذها الادبي فيه الي ان اصطدم بأخوان عبد العزيز في حادث المحمل،ومن الطبيعي ان يقوم بتطبيع العلاقات معها بعد استيلائه علي الحجاز ،ونلاحظ حرصا زائدا من  عبد العزيز ومستشاره حافظ وهبة علي استمالة مصر بكل طريقة الي السلطة الجديدة .كما ان مصر هي التي اسقطت الدولة السعودية الاولي واسهمت بالايجاب والسلب في سقوط الدولة الثانية ،وبالتالي فان مصير الدولة السعودية الثالثة لابد ان يرتبط بمصر ايجابا وسلبا ،فمصر هي اقدم دولة في المنطقة وكانت دولة عبد العزيز وقتئذ احدث دولة في المنطقة (قبل قيام اسرائيل ) ومن الممكن ان يكون العمق المصري رصيدا للكراهية والحرب ضد الدولة الجديدة يتعامل ضدها مع الاردن والعراق حيث الاشراف (فيصل وعبد الله )،وفي اليمن بالاضافة الي الشيعة في الاحساء وفي الحجاز ،فيتم بمصر ذلك الحصار وتختنق دولة عبد العزيز.
ومن الممكن ايضا ان يكون العمق المصري رصيدا لدولة عبد العزيز ترتكز عليه في مواجهة اولئك الخصوم المتربصين بها في الشرق والشمال والجنوب . ومن هنا كان لابد من كسب مصر الي جانبهم بكل وسيلة ،وقد حاول عبد العزيز ومعه مستشاره الداهية حافظ وهبة ونجح ..علي المستوي الرسمي امكن تفادي حادث المحمل ،وعلي المستوي الشعبي والثقافي بدأ انقلاب خطير منذ سنة 1926 تمثل في بداية تحويل التدين المصري السني الصوفي الي تدين سني وهابي ،ليكون العمق المصري الشعبي والحضاري امتدادا للدعوة النجدية والدولة السعودية الثالثة وكان سمسار هذا التحول في مصر اثنين من الشيوخ الشوام وهما محب الدين الخطيب ورشيد رضا وعن طريق رشيد رضا ، بالذات تسلل الفقه الوهابي الي مصر عبر الطرق الاتية .
الجمعية الشرعية ،أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي سنة 1913 علي اساس الولاء المطلق للتصوف ،وفي اخضاع الفقه للتصوف كتب الشيخ محمود السبكي اولي مؤلفاته : اغلب المسالك المحمودية في التصوف والاحكام الفقهية .في اربعة اجزاء .ولكن في 1926 اتخذت مؤلفاته طابعا جديدا تحت شعار الدفاع عن السنة ،وبالطريقة الوهابية اخذ يهاجم التصوف تحت هذا الشعار ،وفي هذا الاتجاه الجديد كتب 26 كتابا الي ان مات سنة 1931 وعلي طريقه سار ابنه امين السبكي فقد كتب في الدعوة الوهابية تسعة من الكتب وتوفي سنة 1968 ،وهكذا .
وبالنفوذ السعودي الذي ارساه رشيد رضا انتشرت مساجد الجمعية الشرعية ،وهي الان اضخم جمعية في مصر ،تسيطر على اكثر من الفي مسجد والوف الائمة الوعاظ ،وملايين الاتباع ،وكانت ولا تزال الاحتياط الاستراتيجي للاخوان المسلمين ، وهم – أي الجمعية الشرعية والاخوان المسلمون-هم مادة الفكر السلفي وحركته في المجتمع المصري
جمعية انصار السنة في نفس العام 1926 اقامها الشيخ حامد الفقي احد الازهريين ،وقد انشأ له عبد العزيز آل سعود منزلا في حي عابدين كان مقرا للدعوة الوهابية ،وتخصصت هذه الجمعية في نشر الفكر الوهابي ومؤلفات ابن تيمية وابن القيم ،كما انشأ مجلة الهدي النبوي سنة1936 ولا تزال تصدر .
جمعية الشبان المسلمين :أنشئت سنة 1927 بتخطيط محب الدين الخطيب رفيق الشيخ رشيد رضا الشامي في الدعوة السلفية ،وتولي رئاستها د.عبد الحميد سعيد ،والاتجاه الحركي يغلب علي هذه الجمعية وانتشرت وسط الشباب ،وكان حسن البنا هو اهم الشباب فيها ،ومع انه انشا الاخوان المسلمين علي غرار جماعة الاخوان التي انشأها عبد العزيز آل سعود،الا ان حسن البنا كان دائم التردد علي جمعية الشبان المسلمين ،وقد قتل امام ابوابها سنة 1948.
جماعة الاخوان المسلمين :سنة 1928 وهي الاتجاه الحركي السياسي المسلح ،وكان انشاؤها بعناية رشيد رضا وتوجيهاته . ورشيد رضا هو الذي قام بتقديم الشاب حسن البنا الي اعيان السعودية واعمدة الدعوة الوهابية،ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز ،ومحمد نصيف اشهر اعيان جدة ،وابنه عبد الله نصيف هو الذي يتزعم رابطة العالم الاسلامي ،والتي يتغلغل من خلالها النفوذ السعودي الى العالم الاسلامي حتي اليوم ،وهي التي لعبت دورا في تجنيد الشبان للذهاب الي افغانستان وتدريبهم هناك .
ونعود الي الشيخ رشيد رضا وجهوده خارج نطاق الجمعيات لنلمح الي تأسيسه مدرسة الدعوة والارشاد لتخريج الدعاة في جزيرة الروضة سنة 1912 وكانت تجاوره مؤسسة الزهراء للسلفي الشامي محب الدين الخطيب في نفس المنطقة ،كما كانت مجلته (المنار)ذائعة الصيت متخصصة في الدعوة الوهابية والسعودية ،هذا بالإضافة الي مؤلفاته المتخصصة (كالخلافة والسنة والشيعة ) ،وفيها يدعو الي الخلافة الاسلامية، ويري في ابن سعود المؤهل الوحيد للخلافة .وعن طريق مطبعة المنار نشر رشيد رضا الكثير من مؤلفات ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب ،وتوفي رشيد رضا بعد ان قام بتوديع الامير سعود ولي العهد في ميناء السويس سنة 1935 وترك الراية يحملها وراءه تلميذه حسن البنا مؤسس الاخوان . .( د. محمد أبو الإسعاد: السعودية والإخوان المسلمون: نشر مركز الدراسات والمعلومات القانونية: 27، 41.)

والشيخ حسن البنا اعترف في مذكراته(الدعوة والداعية) بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية، والاستاذ جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الاكبر ووالده والسلطات السعودية ،في كتابه (خطابات حسن البنا الشاب الي ابيه )والدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته عن السياسة المصرية يشير الي معرفته بالشاب حسن البنا في موسم الحج سنة 1936 ،وكيف ان حسن البنا كان وثيق الصلة بالسعودية ويتلقي منها المعونة، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فان الانشقاقات عن الاخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالي واخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الاعضاء الكبار في مجلس الارشاد (جمال البنا: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: 62، دار الفكر الإسلامى.د. محمد أبو الأسعاد: السعودية الإخوان المسلمون 67: 79.)
وعن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع ألى جانب ذلك أن ينشئ التنظيم الدولى للإخوان عن طريق الفضيل الورتلانى الجزائرى المساعد الغامض لحسن البنا، وهو الذى فجر ثورة الميثاق فى اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة فى قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية، ورفضت استقبال الفضيل الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى فى سفينة فى البحر ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره فى اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان تهريبه فى أحد موانى لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثانى فى قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها فى القاهرة سنة 1955 وكان بن بيلا فى ذيل القائمة. واكتشفت الحكومة المصرية بعد ما حدث فى ثورة اليمن سنة 1948 خطورة حسن البنا وتنظيمه السرى وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة فى اليمن بالريموت كنترول. ولذلك كان التخلص من حسن البنا سياسياً بكشف أسرار التنظيم وما جرى إبان ذلك من حوادث عنف متبادلة.
ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة والخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وتحالف السادات مع الإخوان، وعودة التيار الدينى السياسى للسيطرة على أجهزة الدولة فى التعليم والثقافة والإعلام مع عصر الثورة النفطية، ثم خلافهم مع السادات، وقتلهم له، واستمرار سيطرتهم فى عصر مبارك الذى آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع التصالح مع الفكر السلفى الذى أصبح يقدم نفسه على أنه الإسلام. ..[ د.احمد  صبحي منصور :التدين المصري والتدين النجدي: 28:26.منشور في (الانسان والتطور العدد 61/ابريل مايو ويونية /1998.)].
اذا استعاض عبد العزيز آل سعود عن الاخوان البدو المشاكسين بإخوان اخرين مصريين يدينون له بالولاء ويعملون في نشر الايدولوجية الوهابية في اكبر عمق عربي واسلامي يلاصقه ،وينتظر منهم ان ينشروا هذه الدعوة الي افاق ارحب في العالم العربي –وهذا ما حدث –وينتظر منهم ايضا ان يحولوا دعوتهم الدينية الي حركة سياسية في المستقبل –وهذا ما حدث –وربما ينجحون في الوصول الي الحكم ،وبذلك تعود الدولة الاسلامية الاولي ليحكمها آل سعود بدون الفتح العسكري الذي تمنعه الدول الكبري
ومع المنهج الوهابي انطلق به الي آفاق ارحب ،حين ركز علي مصر فانطلق به الاخوان المسلمون المصريون من خلال سيطرتهم على الأزهر ومناهجه الدينية الي العالم العربي والاسلامي ،وتحول التدين المصري من التصوف الي الوهابية علي مهل خلال النصف الثاني من القرن العشرين ،خصوصا بعد أن سقطت الأيدولوجية القومية والأيدولوجية اليسارية .
باختصار صدر عبد العزيز مشكلته في المنهج الايدولوجي الوهابي الي مصر في نفس الوقت الذي قام فيه بتحجيم دور الفقهاء السعوديين مع الانفتاح علي الغرب ،وجاء البترول وعوائده الضخمة فانشغلت مملكته باستهلاك المنتجات الغربية التي لم تعد رجسا من عمل الشيطان ،بينما تسلل الفكر الوهابي الي مصر المنفتحة بطبيعتها علي الغرب ،فاصبح للفقهاء السعوديين مجال مصري وعربي اوسع يسمع لهم خارج المملكة ،واستعاضوا به عما كان لهم من نفوذ سابق داخل المملكة ،وظهر اثر ذلك التطرف والتعصب والتزمت الوهابي خارج السعودية منذ السبعينات من القرن العشرين ،حين اخذ الاخوان الجدد ( الاخوان المسلمون المصريون ) يكررون-بعد نصف قرن- ما كان يفعله اخوان نجد من قبائل مطير وعتيبة والعجمان…
رحلة داخل عقل الاخوان المسلمين
عن طريق مصر انتقلت الوهابية والنفوذ السعودى إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام واليمن والهند شرقا، ولا ينبغى هنا نسيان دور الحج بطبيعة الحال، وعزز من هذا الانتشار أن حجة الوهابيين قوية وحقيقية فى الهجوم على عبادة الأنصاب والقبور، وأن منهجهم يعتمد أساساً على الأحاديث المنسوبة للنبى عليه السلام، وأنه يقوم على عموميات لا يختلف عليها اثنان مثل صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وإخلاص العقيدة لله تعالى.
وبانتقال الدعوة الوهابية إلى مصر وإجهاضها المشروع الإصلاحى التنويرى لمحمد عبده فقد تم قطع خط الرجعة على الدعوة، بحيث كان عليها أن تسير فى اتجاه واحد يمحو الاتجاه القديم للإصلاح والتنوير وبدلا منه يقوم بتجميع المسلمين نحو هدف واحد هو الحكم الاسلامى – فى الظاهر – والوهابى فى الواقع. وبدأ حسن البنا فى رفع لواء التجميع لكل المسلمين من صوفية وسنيين وقال كلمته المشهورة "هى رسالة سلفية وطرق سنية صوفية" وإذا كان مستحيلاً الجمع بين عقائد السنة والصوفية فإن البنا خرج من هذا المأزق بتأجيل البحث فى الخلافات على أساس تربية القيادات على المنهج السنى الوهابى وأثناء ذلك تظل الرايات مرفوعة عن شمولية الدعوة لكل الطوائف فى اتجاه هدف واحد هو الحكم بطبيعة الحال.
ومن طبيعة الحركات الدينية السياسية التقية، وأهم وسائل التقية رفع الشعارات المقدسة، فكذلك فعلت الدعوة الدينية السياسية التى تمخضت عن قيام الدولة العباسية، إذ كان شعارها "الرضى من آل محمد" وكذلك فعل ويفعل الإخوان حين يرفعون شعارات سياسية مقدسة مثل "القرآن دستورنا والرسول زعيمنا" ومثل "تطبيق الشريعة" ثم "الإسلام هو الحل" وبعد هذه الشعارات التى لا خلاف عليها ليس لديهم اجتهاد فقهى يناسب العصر وليس لديهم منهج فكرى للحكم أو برنامج سياسى لعلاج المشاكل السياسية والاجتماعية لأنهم طالما أجهضوا حركة الاجتهاد الفكرى والإصلاح الدينى فى سبيل الوصول للحكم فلم يعد أمامهم إلا استرجاع الفقه التراثى ومحاولة إخضاع العصر لمقولاته، بينما ينبغى أن يكون العكس هو الصحيح،أى الاجتهاد الفقهى لمقتضيات العصر بمثل ما اجتهد الفقهاء السابقون لعصرهم. ولو كانت تلك الحركة الدينية السياسية مصرية فى جذورها لأثمرت اجتهاداً فقهياً يناسب العصر حتى مع تركيزها على الثورة والهدف السياسى، فتلك هى الطبيعة المصرية التى ترغم بعض العناصر فى الأزهر على الإتيان بجديد، مع كون الأزهر أعرق مدرسة فى الجمود العقلى.
ولكن لأن جذور تلك الحركة ترجع إلى نجد فإنه ليس أمامها إلا اتباع الفقه الحنبلى التيمى الذى لم يجد ابن عبد الوهاب غيره أقرب إلى منهجه وإلى طبيعته المتشددة . صحيح أن هناك بعض التعديلات بين السطور كالذى نراه لدى محمد الغزالى والقرضاوى والشعراوى، ولكن هذه التعديلات القشرية لا تصل إلى المنهج الفكرى نفسه. والمنهج الفكرى للدعوة السلفية وحركتها السياسية هو تحويل الفكر إلى دين عن طريق التأويل، وهذه هى أولى الملامح الفكرية للحركة السلفية بالإضافة إلى الملمح الآخر وهو الثورية العنيفة الدموية. وبذلك يمكن أن نوجز ملامح تلك الحركة فى كلمتين، إنها "حركة ثورية معصومة" أو هكذا يعتقدون. ونتوقف قليلاً مع التأويل الذى جعل الحركة معصومة وجعل إطارها الفكرى ديناً يعاقب من يخرج عليه أو يناقشه بالقتل.
وهذا هو التراث الحنبلى الذى تحمله الدعوة الوهابية، ويضاف إليه تراث ابن تيمية الفقهى والحركى فى الهجوم على خصومه من الصوفية والشيعة، مع أنهم كانوا فى عهده أصحاب سطوة ونفوذ، خصوصاً الصوفية. ومع ذلك فإن عنف ابن تيمية تجلى فى فتاويه التى تبيح قتل الزنديق بدون محاكمة، والزنديق ليس هو المرتد ولكنه المسلم الذى يؤمن بالله ورسوله والكتاب والسنة ولكنه يخالف المذهب السلفى فى بعض آرائه. وقد نقل هذه الآراء فقهاء الاخوان المسلمين المشهورين بالاعتدال مثل أبى بكر الجزائرى فى السعودية وسيد سابق فى مصر. (ابو بكر الجزائرى: منهاج المسلم 537،سيد سابق: فقه السنة 2، 391.) وعليه فكل من أنكر أو ناقش مقولة سلفية أو شعاراً أساسياً للاخوان المسلمين مثل تطبيق الشريعة أو الشعار الغامض "المعلوم من الدين بالضرورة" فجزاؤه القتل بدون محاكمة وبدون استتابة عندهم. والتفاصيل فى كتابنا: ( حد الردة: دراسة أصولية تاريخية ) ، وبالتالى فإن الحديث عن تداول السلطة إذا وصلوا للحكم ليس له محل من الإعراب.
ان نفى الآخر ( المسلم غير الاخوانى وغير الوهابى ) يأتى ضمنيا فىتسمية أنفسهم بالاخوان المسلمين، فمن عداهم وليس منهم لا يكون عندهم من المسلمين ، وقد جعلوا أنفسهم ( اسلاميين ) وتجاهلوا نسبتهم للوهابية ، وبذلك فالمسلم المخالف لهم هو زنديق وليس اسلاميا. والمشكلة ان العصر يوافقهم على كونهم ( اسلاميين ) فيظلم الاسلام ويظلم الحقيقة أيضا. ولو أنصف المعاصرون لوصفوهم بوصفهم الحقيقى وهو أنهم وهابيون ، وأنهم ضد الاسلام فى فكرهم وسلوكهم وفى خلط الدين بالسياسة وفى استغلال الاسلام مطية لوصولهم للحكم، وفى تآمرهم ونفاقهم.
وحتى فى عملهم السياسى فهم يمارسون أردأ انواع السياسة التى لا تتورع عن التآمر على الخصم والحليف معا ، ويصل التآمر الى القتل ، وقد قتلوا كل من قدروا على قتله ممن تعاون معهم ، ونآمروا على كل أحسن اليهم. تآمر الاخوان على الدولةالسعودية نفسها. استضافت السعودية الاخوان بعد أن انقلب عليهم عبد الناصر، فوفرت لهم المأوى والعمل داخل المملكة وخارجها شريطة ألا يمارسوا العمل السرى داخل المملكة ـ طبقا لسياسة عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية. ولكن مالبث الاخوان أن أقاموا لهم بدعوى التثقيف حركة معارضة قوية للسلطة السعودية من بين أبناء الممللكة السعودية، وقد عبرت هذه الحركة عن نفسها بعد حرب الخليج ، وقابلتها السلطات السعودية بالعنف فهرب بعض زعمائها للخارج ومنهم المسعرى والفقيه، ومن رحم تلك المعارضة السعودية خرج أسامة بن لادن أكبر ارهابى فى هذا العصر.
ضحايا الاخوان من السياسيين بدأ بأحمد ماهر والنقراشى ، ولم ينته بالسادات وأحمد شاه مسعود والملك يحيى فى اليمن. ومؤامراتهم الفاشلة ضمت كثيرين من الملوك والرؤساء ، من حسنى مبارك وأعمدة دولته ، وحتى الأمير عبد الله ـ ملك السعودية الآن، حيث تآمر على قتله الدكتور عبد الرحمن العمودى ، واحد من أكبر عملاء السعودية فى أمريكا ، ولكنه فى الخفاء تآمر على اغتيال عبد الله باتفاق مع معمر القذافى ، ويقضى الآن العمودى عقوبة السجن مدى الحياة فى أمريكا.
وهل ننسر الراحل فرج فودة الذى واجههم بالقلم فأسكتوه بالمدفع الرشاش ؟؟!!
ضحايا الاخوان المسلمين من الأقباط والمصريين والسياح يصل الى الآلاف . صحيح ان من يقوم بالقتل هم من جماعات مختلفة من الجهاد الى الجماعة الاسلامية وغيرها، الا انه توزيع أدوار أرساه حسن البنا الذى جعل له جهازا سريا للاغتيال ، وكان يسارع بالتبرؤ من الجناة اذا اكتشف أمرهم.فالاخوان يمثلون واجهة الاعتدال بينما يمثل الشباب الارهابى العصا التى تخيف النظام وتحمى بطريق غير مباشر شسوخ الحركة من الاعتقال أو أن يغتالهم النظام. وتلك الجماعات مع وجود اختلاف ظاهرى بينها الا انه لا يصل الى العقائد والأهداف ، فقد خرجت تلك الجماعات من عباءة الاخوان ، ونشأوا على تربيتها. والخلاف طبيعى داخل تلك النوعية من الحركات ، وقد اختلف الأخوان النجديون مع سيدهم ومنشىء حركتهم عبد العزيز وحاربوه . وتلك الجماعات بشبابها وعملياتها الارهابية تؤدى دورا محسوبا بدقة فى حركة الاخوان السياسية فى اللعب مع النظام فىالداخل والقوى السياسية الأخرى فى الخارج.
لو جاءت الانتخابات بعرش السلطة للاخوان اليوم ما رضوا به. معنى وصولهم بالديمقراطية للحكم انهم سيكونون عرضة للمساءلة الديمقراطية ، وهذا يوقعهم فى مأزق حاد لا يستطيعون معه الا الفشل ، فليسوا مؤهلين للحكم والمساءلة ، وليست لديهم حلول للمشاكل ، بل مجرد شعارات براقة دون مضمون واقعى أو خطة علمية عملية للاصلاح.بل هم ضد  الاصلاح أساسا. لذا يركز الاخوان على التربية لاعداد المجتمع للايمان بالحاكمية التى تعنى البيعة للحاكم بالسمع والطاعة المطلقة ، حتى يحكم باسم الله تعالى دون أن يكون مسئولا أمام (الرعية ) بل فقط أمام الله تعالى يوم القيامة. وهذه هى أسوأ أنواع الديكتاتورية.
يحتاج الاخوان الى حوالى عشرة سنوات ليصلوا بالشعب المصرى الى هذه الحالة من الغيبوبة العقلية حتى يركع لهم طائعا ليركبوا ظهره باسم الحاكمية.
 عندها قل على الديمقراطية وحقوق الانسان والأقباط .. ومصر  .. السلام.
السؤال الأخير : الى متى ننتظر؟
 المفجع أن الزمن يعمل لصالحهم طالما نظل ساكتين متفرقين ..





الملاحق    مقالات منشورة للمؤلف عن الاخوان : فى موقع أهل القرآن                                                         
1 ـ الاخوان واهل القرآن
ـ فى البداية فان تحديد الاخوان المسلمين فى كل ما أكتب هو الثقافة وليس الأشخاص. ليس بينى وبينهم كأشخاص أى مشكلة ، المشكلة هى مع فكرهم الوهابى المناقض للاسلام والذى يستخدمونه للوصول للحكم فيظلمون الله تعالى ورسوله ودينه قبل أن يظلموا المسلمين وغير المسلمين. ليس ما أكتبه حكما مسبقا على النيات حين أقول ان حكم الاخوان المسلمين الآتى هو "أسفل السافلين " الذى سنترحم فيه على الحضيض ـ وهو حكم مبارك البوليسى الاستبدادى . 
اننى أقرر هذه الحقيقة بناء على التخصص العلمى فى تاريخ الاخوان وعقلياتهم وانتمائهم الفكرى والفقهى ، وبناء على ما عانيته منهم ومن أتباعهم منذ 1977 وحتى الآن. انها شهادة على العصر يؤكدها أشخاص لا يزال بعضهم على قيد الحياة ، كما تؤكدها وثائق وأحداث وقعت ولا تزال تقع . اضطهاد مستمر ودعوات للقتل واستعداء للنظام ضدى وتلفيق للاتهامات وتأليف لأكاذيب وافتراءات تدمر السمعة الدينية والوطنية بالتكفير والتخوين والتحقير. انه الاغتيال المعنوى للشخصية الذى يمهدون به للتصفية الجسدية كما حدث مع صديقى الراحل فرج فودة . الاغتيال المعنوىيأخذ طابع الاستمرارية والالحاح على القارىء بالاصرار على تكرار الكذب وترديد نفس البهتان دون ملل أو خجل مهما تم الرد وظهر الحق، الى أن يتم الاغتيال المادى. بعده لا يسكتون وانما يستمرون فى تشويه الضحية ولعنه وأكل لحمه ميتا ليكون مستحقا لما فعلوه به وليكون عبرة لغيره . اذا خاف وتراجع فى منتصف الطريق ـ كما حدث لبعض الأصدقاء ـ لم يغفروا ولم يصفحوا عنه ، بل تظل محاكمته قائمة لا يرفعها الندم ولا تخففها التوبة. فاذا كان الله تعالى يغفر فهم لا يغفرون ، واذا كان الله تعالى يصفح فهم لا يصفحون ، واذا كان جل وعلا قد وسعت رحمته كل شىء فان ظلمهم قد شمل كل شىء ، ظلموا رب العزة حين زعموا أنه اختارهم من دون العالمين ليحكموا الناس باسمه وليمثلوا دوره فى التحكم فى البشر ، وظلموا البشر بالتعالى عليهم واعتبار أنفسهم المؤهلين وحدهم للتحكم فى الناس ومن عارضهم فمصيره القتل فى الدنيا والجحيم فى الآخرة. وهكذا فانه اذا كان محمد عليه السلام ـ خاتم النبيين ـ ليس له من الأمر شىء كما جاء فى القرآن الكريم فان أولئك زعموا لأنفسهم كل شىء بالتحكم فى الدنيا وفى الآخرة معا. هذه الثقافة الدينية الاجرامية هى التى تحول من يقتنعها الى شيطان مريد مهما تخفى خلف كلام معسول وابتسامة ساحرة وعمامة ولحية . ان الشيطان يحلو له دائما أن يتخفى خلف كثير من العمائم واللحى ،فاذا اشتقت اليه فانظر الى بعض العمائم واللحى وابتعد عنهم مستعيذا بالله العزيز العليم من الشيطان الرجيم. 
2 ـ أتذكر بكل أسى ما فعلوه مع الراحل فرج فودة . أعاشوه فى خطابات وتليفونات لا تنقطع من الشتائم والتهديدات فأرعبوا أولاده وأصابوا السيدة زوجته بمرض نفسى عاشت معظم وقتها فى المستشفى من الهلع ، واختطفوا ولده الثانى وكان فى الرابعة عشر من عمره ، وأطلقوا سراحه بعد ضرب مبرح ، ولولا همة البحث البوليسى وخوف القبض عليهم ومعرفة المتورطين فى الخطف والتعذيب لصبى برىء ما أطلقوا سراحه. هذا هو الجانب الخفى الذى شهدته فى صحبتى لفرج فودة ، والذى أبت كرامته الشخصية الحديث عنه أوالشكوى منه . يرتبط بذلك أزماته المالية المستمرة بعد أن حاربوه فى رزقه ـ كمستشار اقتصادى ـ فى الوقت الذى يؤلفون فيه الروايات المفتراة عن الملايين التى تصل اليه من الغرب . كان فى سعة من الرزق قبل أن ينغمس فى العمل السياسى والفكرى، كان له مكتب وسيارة وعملاء كثيرون لا ينقطع توافدهم على مكتبه. فلما أصدر كتابه " قبل السقوط " بدأت ضده الحرب الضروس فهرب عملاؤه وأقفر مكتبه الا من زوار الفكر والفقر من أمثالى ، نجلس سويا نحكى همومنا ونحلم بمستقبل افضل لمصر. رشح نفسه عن دائرة شبرا وفيها تجمع كبير من الأقباط ، كان يحمل همومهم يريد أن يصل بها الى مجلس الشعب، وكمسلم كان يريد أن يعبر عن كل المصريين جميعا.كان واضحا تفوقه واكتساحه الجميع بما فيهم مرشح الحزب الوطنى. أسقطه الاخوان المسلمون بطريقتهم الشيطانية: قبل الانتخابات بيومين امتلأت شوارع شبرا عن آخرها بمنشور يزعم أنه يعرض لمؤلفات فرج فودة. ويفترى أنه فى كتابه كذا قال كذا فى الطعن فى القرآن ، وفى سب النبى محمد عليه السلام قال كذا ، وفى الاستهزاء بالصحابة قال كذا .. الخ. يذكر الكلام كأنه نصوص منقولة من كتب فرج فودة. فوجىء فرج بهذه الأكاذيب السامة التى لم تخطر على باله ، تحرك بسرعة يعقد الندوات حاملا كتبه يثبت أنه لم يذكر أى حرف من ذلك ذلك الافك المنسوب اليه ، ولكن كان السهم قد نفذ، ولأننا شعب الثقافة السمعية فقد تناقل الجميع كل ما جاء به البيان كحقائق مؤكدة خصوصا مع الهجوم المستمر عليه من خطباء المساجد الذين روجوا لهذا الافتراء يتهمون فرج بالكفر وعداء الاسلام والطعن فى الله تعالى ورسوله والعمالة للغرب ، فرسب فرج فى الانتخابات بتلك الحيلة التى تعبر عن"الافتراء" وهو أهم سلاح (شرعى) للاخوان. 
مع أزماته المالية ـ التى كانت أحيانا تعوقه عن اصلاح سيارته المتهالكة ـ الا أنه كان كريما سخيا. مرت على ّ أوقات غاية فى الفقر فكتبت مقالا ساخرا بعنوان " فان مع العسر يسرا" أمتدح فيها صديقى الدائم طبق الفول وأتحسر على زمن اللحم الذى ولى ولم يعد. كنت أنشر مقالا اسبوعيا فى الأحرار بفضل توسط فرج فودة وعلاقته بوحيد غازى رئيس تحرير الأحرار وقتها مقابل مائة جنيه كانت تشكل بندا أساسيا فى قوام معاشى. وقتها كان ينشر فيه الأخوان المسلمون وأعوانهم ـ ولا يزالون ـ أكاذيب ضخمة عن ملايين تأتى لى من اعداء الاسلام!!. بعد نشر مقالى المشار اليه فوجئت بفرج فودة ـ يرحمه الله تعالى ـ يستدعينى على عجل من تليفون البقال ـ وكان أقرب تليفون لبيتى حيث لم يكن لدى المقدرة وقتها على ادخال تليفون فى بيتى ـ ويطلب منى أن ألقاه على عجل. قابلته فى مكتبه ألهث لمعرفة السبب فى هذا الاستدعاء العاجل ، طمأننى واصطحبنى الى مطعم كباب وأقسم بكل عظيم أن أقبل دعوته على الغذاء مع ان موعد الغذاء لم يكن قد حل بعد. لم يتركنى أتساءل عن السبب اذ شغلنى بمشكلة فقهية أثناء الطعام زعم أنها تؤرقه وهى السبب فى دعوتى.استيقظت لنفسى بعدها وأنا فى بيتى وقد عرفت السبب فجأة أذ كان يومها الاثنين وكانت الأحرار قد نشرت مقالى اياه بعد كتابته وارساله بشهر سابق ونسيت أمره ، فلما نشرته الأحراروقرأه فرج فودة بادر بهذا التصرف النبيل . 
هو نفسه فرج فودة الذى دافع عنى وأنا فى سجن طرة دون معرفة سابقة بيننا فى مقاله:"أحمدك يا رب " المنشورفى " ألاهالى "، وكان موقفه النبيل منى أساس صداقتنا فيما بعده ، ولقد حكى هذا فى كتابه " نكون أو لا نكون" ، وحكيت نفس الحادثة فى نقابة الصحفيين فى أول مناسبة لتأبينه بعد اغتياله. وأحكيها هنا أيضا للتحذير من عصر أسفل السافلين القادم ان لم نتكاتف لانقاذ مصرنا ومصيرنا ومصير أولادنا.
3 ـ منذ بداية الثمانينيات بدأ الفكر الوهابى يسيطر على جامعة الأزهر ، بعد انحسار الوصاية الصوفية عنه. كان لى الفضل فى مواجهة الفكر الصوفى وقهره خلال رسالتى للدكتوراة وصراعى مع النفوذ الصوفى فى الأزهر بسببها فيما بين 1977 الى 1980، ثم فى كتبى اللاحقة 1982 ـ 1984 ، وكنت سنيا معتدلا وقتها أطمح الى اصلاح الفكر السنى أسوة بما فعلته فى التصوف. واندلعت الحرب بينى وبين شيوخ الأزهر السنيين سنة 1985 حين أحالتنى جامعة الأزهر للتحقيق بعد تأليفى خمسة كتب للترقية لأستاذ مساعد وقمت بتدريسها للطلبة ، كان أهمها كتاب :"الأنبياء فى القرآن الكريم ".لم تكن تهمة "انكار السنة " قد جالت بخاطرهم بعد . لذا اتهمونى بانكار شفاعة النبى محمد عليه السلام وانكارعصمته المطلقة وانكار تفضيله على الانبياء السابقين عليهم السلام. وطلب مجلس التأديب الذى أحالونى اليه تقريرا عن كتبى من بعض الأساتذة ومن الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية وقتها وكان الشيخ عبد الجليل شلبى. جاء تقرير عبد الجليل شلبى أكثرها رفقا بى اذ اختلف معى فكريا الا انه أشاد بمشاعرى الاسلامية واجتهادى وشدد على عدم الاضرار بى وبسمعتى ومعالجة الأمر بهدوء داخل الجامعة. 
طبقا لقرارتهم جلست فى بيتى عامين محروما من الترقية لاستاذ مساعد ومن السفر للخارج ومن العمل داخل الجامعة، بل صادروا معظم مستحقاتى المالية السابقة واللاحقة حتى اتراجع عن عقيدتى فلم أرضخ. أحس بمشكلتى صديق فاضل يعمل رئيسا لقسم التاريخ وقتها فى جامعة المنصورة فجعل رئيس جامعة المنصورة يخاطب جامعة الأزهر للموافقة على نقلى الى قسم التاريخ هناك حلا للمشكلة، فأرسلوا اليه انذارا يأمره بالابتعاد عنى، وعزز الأمر بتأييد من مباحث أمن الدوله فاضطر عميد القسم ورئيس الجامعة فى المنصورة للانسحاب خوفا.
لأنه كان هينا فى تقريره ضدى فقدعوقب الشيخ عبد الجليل شلبى بعدم التجديد له فى مجمع البحوث بينما تمت ترقية الشيخ سيد طنطاوى رئيس اللجنة التى كانت تحاكمنى فأصبح مفتى مصر لموقفه المتشدد معى. خلال العامين قدمت استقالتى فرفضوها فرفعت ضدهم دعوى لارغامهم على قبول استقالتى فاضطروا الى اصدار عزلى من الجامعة. 
أعطواالفرصة للشيخ عبد الجليل شلبى ليكفر عن خطئه فاسندوا له وظيفة جديدة هى كتابة العمود اليومى "قرآن وسنة" فى الجمهورية بعد موت الشيخ محمد سعاد جلال. قام الشيخ عبد الجليل بالهجوم على شخصى يتهمنى بكل ما يسىء لدينى وشرفى وخلقى وعلمى. نسى الشيخ ـ وكان وقتها يقترب من الثمانين من عمره ـ ما كان أوصى به زملاءه الشيوخ من عدم الاضرار بى ومعالجة الأمر بهدوء بعيدا عن الصحافة ، فكان هو الذى استمر فى الهجوم الصحفى علىّ بطريقة كانت لا تخلو أحيانا من سفاهة ، كأن يقول عنى اننى أتهمت النبى محمدا فقلت " ووجدك ضالا فهدى" ناسيا أنها آية قرآنية. الا أنه كان يلح دائما على اتهامى بتلقى الملايين من الخارج لأخرب الاسلام ، حتى يفلت من مناقشة آرائى القرآنية.
بعد تركى الجامعة فى مارس 1987خططوا للقبض علىّ وعلى أخوانى القرآنيين بتهمة جديدة هى انكار السنة، فتوالت مقالات الشيخ شلبى فى عموده اليومى "قرآن وسنة " تتهمنى بتلقى الملايين من الخارج فى الوقت الذى كنت عاجزا فيه عن شراء ملابس العيد لأولادى. ان انسى لا أنسى أن كنت يوما بصحبة ابنى الأكبر محمد نسير فى شوارع العتبة وأسواقها التجارية. كان محمد قد ازداد طولا ويرتدى الملابس القديمة التى تقاصرت عليه ، وكانت آخر ملابس اشتريها له منذ تركت الجامعة. طافت بى عواصف الأسى وتساءلت فى نفسى : ما ذنب أولادى فى الذى يجرى لى ؟ وهل عليهم دفع الثمن لمجرد انهم ابنائى ؟ وأين خصومى وافتراءاتهم لينظروا حالنا؟ أقول هذا الآن لأحمد الله سبحانه وتعالى وأنا أرى أولادى قرة عين لى ولعائلتى برجولتهم وثقافتهم بما تعلموه معى من الصبر على الشدائد !! كنت قد خرجت من الجامعة محالا على المعاش وأنا فى الثامنة والثلاثين من عمرى بعد عمل فى جامعة الأزهر استمر خمسة عشر عاما فقط استحققت عليه معاشا شهريا لم يبلغ فى سنته الأولى 86 جنيها لا تكفى نفقة اسبوع ، بينما ينعم الشيوخ الأفاضل حتى بعد السبعين من أعمارهم بمعاشات ومكافآت بكل العملات الصعبة والسهلة من الوظائف المختلفة فى اللجان الشرعية فى البنوك الاسلامية و الجمعيات المختلفة الحكومية والشعبية والرسمية وشبه الرسمية. 
ليلة القبض على كنت أكتب الجزء الثانى من موسوعة لم أتمها كانت بعنوان " شريعة الله وشريعة البشر " اناقش فيها التناقض بين سريعة القرآن والفقه السنى. الجنود البواسل الذين قبضوا على صادروا كل ما كتبته فى تلك الموسوعة وما أعددته من مادة علمية كما صادروة حوالى الف نسخة من آخر كتاب لى طبعته على حسابى وبمعونة أصدقائى ، وهو " المسلم العاصى ". تركونى أصلى ركعتين وأودع زوجتى وأولادى وأترك معهم اربعين جنيها محتفظا لنفسى بكل ما تبقى لدى من مال وكان ثمانين جنيها ، وخرجت معهم الى المجهول.
فى سجن طرة كنت انظر فى حسرة الى الثمانين جنيها مؤنبا نفسى لماذا لم أتركهم لأولادى وهم وحدهم فى تلك المحنة.لا أنسى أننى فى موقف ضعف بينى وبين نفسى اجتاحنى الغم والوساوس تأكلنى حول حال أولادى وكيف يعيشون بالقليل الذى تركت معهم وأتهم نفسى بالأنانية . سمعت صوتا ينادينى وكان أحد المساجين يقرأ فى الجمهورية يقول لى مبتسما أن الشيخ عبد الجليل شلبى يتحدث عنك هما. أعطانى " الجمهورية " لأقرأ فيها مقال الشيخ يتشفى فى سجنى ويتحدث عن الملايين التى تأتينى وكيف أنها ما أغنت عنى شيئا. لأول مرة فى تجربة السجن تلك غلبتنى دموعى من القهر ونظرت الى السماء أطلب المزيد من الصبر. لم يكن اهلى قد عرفوا بعد اين أخذونى ، وطاف أهلى يبحثون عنى فى أقسام البوليس بينما تطاردهم الصحافة المصرية فى شهامتها المعهودة تهاجمنى وتفترى أكاذيب عنى. كانت الصحف القومية هى المسموح بها فقط فى السجن دون صحف المعارضة. وقد عشت أوقاتا كئيبة وأنا أقرأ ما تكتبه الصحف القومية عنى من افتراء وهجوم دون وازع من ضمير أو شرف أو محاولة لاستطلاع رأى الطرف الآخر المسجون الذى لا حول له ولا قوة. فى هذه الأثناء ظهر فى "الأهالى "مقال فرج فودة " أحمدك يا رب " وكان الوضع قد تحسن اذ عرف أهلى اننى فى طرة ، فجاءوا فى أول زيارة لى ومعهم ما لذ وطاب من الطعام ، تسلمته عبر الأسلاك وسمعتهم يؤكدون على أهمية ورق الجرائد الذى يغلف أوانى الطعام. فتحت أوراق الجرائد فاذا بها "الأهالى " وفيها مقال فرج فودة الذى يدافع عنى بكل قوة ويهاجم مباحث أمن الدولة وتلفيقها تلك التهمة لى قائلا انه يقتنع بنفس الفكر ، وان الامام أبا حنيفة قد قال نفس ما قلته من قبل . نزل مقال " أحمدك يارب " على قلبى بردا وسلاما ، وأكد لى أن فى مصر رجالا مهما تكاثر فيها الأشرار والخصيان والأنذال. وطفقت اقارن بين فرج فودة وعبد الجليل شلبى . الأول كاتب علمانى لا يعرفنى ويندفع للدفاع عنى وكل ما قرأه لى هو الاتهامات الواردة فى الأهرام وغيرها عن كتاباتى وهى كلها دلائل اجتهاد علمى ولكن تحولت فى الزمن الأغبر الى جرائم تستحق السجن . الثانى شيخ جاوز الثمانين قرا كتبى وعرفنى وقال شهادة حق ثم تنكر لها وواصل الهجوم بالأكاذيب لمن لم يسبق له أن اساء اليه ، بل حتى لم يترفق به بعد تركه الجامعة او حين وضعوه فى السجن مظلوما. فارق هائل بين شهامة ونبل فرج فودة وموقف عبد الجليل شلبى الذى أترك تقييمه لحكم القارىء. توالت مقالات الشيخ عبد الجليل شلبى تهاجمنى بنفس الأكاذيب بعد الافراج عنى ، لم يعد الهدف هو القبض على بل دفع الارهابيين لقتلى . 
4 ـ حضيض النظام العسكرى الاستبدادى كان أكثر رحمة بى منهم. ليس فى القانون المصرى عقوبة على الاتهام المنسوب لى وهو" انكار السنة" ولو كانت دولة الاخوان المسلمين لكانت التهمة "حد الردة " وعقوبتها القتل بدون محاكمة كما يرون فى عقوبة " الزنديق " التى قال بها ابن تيمية فى رسائله ، وسيد سابق فى كتابه " فقه السنة" وابو بكر الجزائرى . كل ما فعله الاستبداد العلمانى المصرى هو السجن لمواجهة ضغط سياسى هائل قادته السعودية وأعوانها من الشيوخ الأزهريين السنيين الوهابيين. وبعدها بأكثر من عشر سنوات حين ازداد نفوذ الوهابية فى مصر وازداد ضعف النظام فى مصر وازداد حنقه على ما نفعله بالتعاون مع مركز ابن خلدون فقد قرر معاقبة القرآنيين بتهمة ازدراء الأديان ، وبذلك حكم على بعض الرفاق القدامى بالسجن بضع سنين.
احقاقا للحق فى شهادتى هذه لابد أن أذكر بعض الايجابيات لبعض ضباط ومسئولى أمن الدولة دون ذكر اسماء. لقد تعاملت معهم متهما يستدعونه للتحقيق وللترويع منذ عام 1986 طبقا لأوامر عليا من الوزير زكى بدر ثم من جاء بعده . ولا زلت أذكر غرفة النشاط الدينى فى لاظوغلى التى دخلتها عشرات المرات فيما بين 1986 الى 1997 ثم بعدها فرع أمن الدولة فى المرج ودار السلام. خلال تلك السنين عايشت ضباطا كبارا أنهوا خدمتهم ، وضباطا صغارا كبروا أمام عينى مثل أطفالى وترقوا من ملارزم أول الى مقدم ، وكنت اسميهم بينى وبين نفسى ساخرا " الظباط بتوعى ". كانت مهمتهم التخفيف من غضب الشيوخ وضغوطهم المستمرة التى تلح على اعتقالى وسجنى لتسهيل إغتيالى فى السجن بعد أن صرت مشهورا ومعروفا ومطلوبا .أفهمنى أولئك الضباط أن إستدعائى هى مجرد أوامر ، وبهدف حمايتى . 
قبل القبض على بأيام قال لى رئيس النشاط الدينى ، وكانت أمامه مذكرة القبض علىّ كما عرفت فيما بعد :"يا دكتور أحمد أنا لا أنام الليل من أجلك ، لماذا لا تقعد فى حالك ولا تخطب فى المساجد". قبلها طلب هو نفسه من الشيوخ عقد مناظرة بيننا فى أى موضوع يختاره الشيوخ ولا يحضره سوى كبار ضباط أمن الدولة لأنهم مقتنعون بأننى مسلم حريص على دينه ولست كافرا كما يقول شيوخ الوهابية. رفض الشيوخ بالطبع. قبلها وفى سنة 1985 طلب رئيس نادى جامعة الأزهرالدكتور عويضة عقد نفس المناظرة بينى وبينهم داخل الجامعة فرفضوا. إنهم لا يجرأون على مواجهتى فى مناظرة، ولا يستريحون إلا بتغييبى فى سجن أو فى قبر. 
هذه هى نظرة الشيوخ الأخوان لكل من يختلف معهم فى الرأى. فهل ستتسع صحراء مصر للقبور الجماعية التى سيقيمها الأخوان المسلمون لكل من يعترض عليهم ؟ 
5 ـ فى مواجهة الآخوان وغيرهم من المتطرفين الذين شوهوا الاسلام العظيم سينطلق قريبا موقع (أهل القرآن ) الذى سينقل للقراء كل مؤلفاتى ومنها ( الصلاة بين القرآن والمسلمين ) . وسيكون موقع ( أهل القرآن ) بعونه تعالى بيتا فى فضاء الانترنت لكل المسلمين المستنيرين. 
6 ـ والحمد لله تعالى رب العالمين
الملحق الثانى
يسألونك عن الاخوان المسلمين
مقدمة 
1 ـ كل المصريين يعرفون السيد البدوى وابراهيم الدسوقى وأبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى .. الخ ، ومعظم المصريين يعتبرونهم أولياء مقدسين. 
الذى لا يعرفه معظم المصريين ان السيد البدوى ورفاقه كانوا فى الحقيقة زعماء لتنظيم سرى لقلب نظام الحكم فى مصر منذ سبعة قرون ، وقد امتد هذا التنظيم من مكة الى العراق والمغرب واتخذ قاعدته فى مصر، واعتمد هذا التنظيم سياسة النفس الطويل فى تربية الاتباع واعداد القادة ، وبعد قرن تقريبا كان البدوى والرفاعى والدسوقى والشاذلى والمرسى هم قادة المرحلة الأخيرة من التنظيم، فلما فشلوا فى قلب نظام الحكم بقوا حتى الآن فى العقيدة لمصرية كبار الأولياء الصوفية المقدسين حسبما كانوا يقدمون أنفسهم للناس. 
الذى لا يعرفه معظم المصريين ان كلا منهم كان له اسمه الحقيقى المختلف عن اسمه الحركى ، وكانت لهم شفرة للاتصالات ، وعندما فشلوا فى اقامة دولتهم انتقموا من الدولة المملوكية القائمة باحراق كل الكنائس المصرية ـ ما عدا الكنيسة المعلقة ـ فى وقت واحد من الاسكندرية الى القاهرة الى اسوان ، وبطريقة واحدة .

2 ـ هذا ما أثبته فى كتابى "السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة " الصادر سنة 1982 ، وقد نبهت فى خاتمة الكتاب على التشابه بين حركة الاخوان المسلمين وتلك الحركة التى قامت منذ سبعة قرون وفشلت سياسيا ولكن لا تزال آثارها الدينية قائمة ، ودعوت الى اصلاح الفكر الدينى للمسلمين ومناقشة التراث حتى لا يؤمن به الشباب وتسيل الدماء. كالعادة لم يلتفت أحد لتحذيرى وبعد عشر سنوات تقريبا من صدور الكتاب والضجة التى صاحبته دخلت مصر فى مواجهة بين الارهابيين والأمن لا تزال مستمرة.
أثناء حركة البدوى كان العالم الاسلامى يرزح تحت حكم عسكرى ويواجه الاستعمار الصليبى ، والمسيحيون ضحية الصراع الدينى المسلم الصليبى. والعرب المسلمون يحلمون بدولة عربية اسلامية قوية بدلا من الحكام المتفرقين . هى نفس الظروف تقريبا التى نعيشها الآن والتى أدت الى نشأة الاخوان المسلمين . حركة السيد البدوى اعتمدت على النفس الطويل فى التربية والاعداد الثقافى والدينى ونشر التنظيمات السرية والعلنية، وكذلك يفعل الاخوان المسلمون الآن. 
هذا التشابه بين الاخوان وحركة البدوى يؤكد أن الاخوان ليسوا مجرد تنظيم سياسى بل هم ثقافة دينية يجرى اعداد المجتمع على مهل للايمان بها وللتضحية فى سبيلها باسم الاسلام وبها يتم تقسيم الوطن والعالم كله الى معسكرين معسكر الاسلام ومعسكر الكفر لتتحول الحرب المحلية الى حرب عالمية بدأنا نحس بها الآن بعد الحادى عشر من سبتمبر . 
3 ـ الكتابات عن الاخوان لا تغوص فى الجذور التاريخية والاصولية. وهذا ما نحول تقديمة فى ايجاز فى هذه المداخلة .
سأضع الموضوع على شكل سؤال وجواب ليكون أكثر تبسيطا.

1) هل الأخوان المسلمون يمثلون الاسلام ؟ 
بالقطع لا. الاسلام دين ، أى نظرية ومبادىء، وأوامر ونواهى تشمل العقائد والسلوكيات. الاخوان المسلمون فى عقائدهم وسلوكياتهم يتناقضون مع دين الاسلام . أبسط تناقضهم مع الاسلام أن القرآن الكريم يؤكد ان من يستغل الدين لمطامع دنيوية فهو عدو لله تعالى . أى أنهم أعداء الله حين يستخدمون الاسلام مطية للوصول للحكم.
2) هل الاخوان المسلمون يمثلون المسلمين ؟ 
بالقطع لا. المسلمون الآن ثلاث طوائف كبرى : سنة وشيعة وصوفية. بالاضافة الى طوائف صغرى كثيرة كالقرآنيين والاباضية والبهائية والمعتزلة.
ينتمى الاخوان المسلمون الى طائفة السنة، وهى أكثر المسلمين تعصبا.
3) هل يمثل الاخوان المسلمون كل الطائفة السنية ؟ 
بالقطع لا . السنيون أربعة مذاهب مشهورة : الالأحناف ، المالكية ، الشافعية ، ثم الحنابلة. 
الحنابلة هم اشد المذاهب السنية تعصبا. ينتمى الاخوان المسلمون الى المذهب الحنبلى.
4) هل يمثل الاخوان المسلمون كل الحنابلة السنيين ؟ 
لا . الحنابلة مدارس متنوعة . اكثرهم تشددا مدرسة ابن تيمية. وينتمى الاخوان الى مدرسة ابن تيمية.
5) هل يمثل الاخوان المسلمون مدرسة ابن تيمية ؟
لا. مدرسة ابن تيمية فيها تيارات مختلفة، وأشدها تعصبا الوهابية. والدولة السعودية الراهنة التى أنشأها عبد العزيز آل سعود هى التى أنشأت تنظيم الاخوان المسلمين فى مصر على يد الشيخ رشيد رضا وصديقه الشيخ محب الدين الخطيب وتلميذهما المصرى الشاب حسن البنا سنة 1928 .
6) اذن الاخوان ينتمون الى الوهابية وهى أقلية دينية، فلماذا اكتسبوا كل ذلك النفوذ ؟
بسبب الدولة السعودية التى أنشأت حركة الاخوان المسلمين ، وبتعاونهما معا فى ظل ظروف اقليمية ودولية مواتية اقتنع العالم بأنهم الممثلون للاسلام مع التناقض بين ثقافتهم الدينية وبين الاسلام
7) كيف أنشأ السعوديون الوهابيون حركة الاخوان المسلمين ؟.
عبد العزيز آل سعود هو المنشىء للدولة السعودية الثالثة الراهنة فيما بين 1902ـ 1932 بعد استيلائه على الرياض سنة 1902قام بتجميع شباب البدو وتعليمهم الوهابية وتلقينهم ان الجهاد هو تكفير الآخرين وغزوهم واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم واحتلال أرضهم ، وان كل من ليس وهابيا من المسلمين فهو مشرك ، وكل يهودى ونصرانى فهو كافر، ولا بد من جهاد الجميع. هؤلاء البدو الوهابيون اشتهروا باسم "الاخوان " وكان اسمهم يرعب الجميع فى الجزيرة العربية والشام والعراق بسبب المذابح التى اعتادوا ارتكابها. وبهم استطاع عبد العزيز توسيع ملكه فضم معظم الجزيرة العربية وهزم اليمن وخرب جنوب العراق والأردن واستولى على الحجاز سنة 1926 . 
أراد الاخوان السعوديون الوهابيون بقيادة زعمائهم فيصل الدويش وابن بجاد وابن حيثيلين استمرار غزو العراق ولكن بريطانيا حذرت عبد العزيز وهددته أن لم يكف الاخوان عن الهجوم على العراق، وبنى البريطانيون حصونا على الحدود لتحمى العراق من هجمات الاخوان. اعتبر الاخوان بناء تلك الحصون الدفاعية فى الاراضى العراقية مانعا لهم من استمرار الجهاد وطالبوا عبد العزيز بالتحرك معهم ضدها فرفض خوفا من البريطانيين، فاتهمه الاخوان بموالاة الكفار " الانجليز ". 
كان عبد العزيز قد ضم اليه الحجاز بسيوف الاخوان ومذابحهم، وسيطر على موسم الحج والحجاج، فانتهزها فرصة لتكوين تنظيمات اخوانية خارج الجزيرة العربية عوضا عن الاخوان البدو المشاغبين ، ولينشر الوهابية فى بلاد المسلمين مع التركيز على مصر والهند . وعن طريقه تحولت الجمعية الشرعية فى مصر الى الوهابية بدلا عن التصوف، وأنشئت حركة الشبان المسلمين كتنظيم شبه عسكرى نبغ فيه حسن البنا، ثم جماعة أنصار السنة وهى حركة وهابية خالصة يقودها الشيخ الأزهرى حامد الفقى صديق عبد العزيز آل سعود . وفى النهاية أنشئت حركة الاخوان المسلمين بديلا عن اخوان عبدالعزيز وتحمل اسمهم . وكان هدفها المعلن هو التربية الاسلامية ، وهدفها المستتر هو الوصول للحكم لاقامة دولة وهابية. اقامة تلك الجمعيات الوهابية فى مصر قام بها اثنان من الشوام هما رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.
8) هذا عن الاخوان المسلمين فى مصر. فماذا حدث للاخوان البدو الوهابيين فى الجزيرة العربية مع عبد العزيز ؟
ثاروا عليه وحاربوه وانتصر عليهم فى معركة السبلة سنة 1929 ، وبعدها وفى سنة 1932 اعطى دولته الجديدة اسم أسرته فأصبحت تسمى المملكة العربية السعودية.

9) كيف سارت العلاقات بين الاخوان المسلمين والسعودية ؟
عن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع انشاء الجهاز السرى العسكرى الى جانب التنظيم الدولى للإخوان ، وكان من أعمدته الفضيل الورتلانى الجزائرى المساعد الغامض لحسن البنا، وهو الذى فجر ثورة الميثاق فى اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة فى قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية، ورفضت استقبال الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى فى سفينة فى البحرمع الذهب الذى سرقه من اليمن ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره فى اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان المسلمين تهريبه فى أحد موانى لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثانى فى قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها فى القاهرة سنة 1955 وكان بن بيلا فى ذيل القائمة. 
واكتشفت الحكومة المصرية ـ بعد ما حدث فى ثورة اليمن سنة 1948ـ خطورة حسن البنا وتنظيمه السرى والدولى وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة فى اليمن بالريموت كنترول. وبالصدفة وقعت فى ايديهم الوثائق السرية للاخوان المسلمين فيما يعرف بقضية العربة الجيب التى أظهرت الجانب الارهابى السرى للاخوان مما سهل القضاء على حسن البنا سياسيا وجسديا سنة 1948 .
ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة والخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وهروب معظمهم الى السعودية وخدمتهم للوهابية ونشرها فى العالم الاسلامى. ثم تحالف السادات مع الإخوان، فعادوا للسيطرة على أجهزة الدولة المصرية فى التعليم والثقافة والحياة الدينية والأزهر والمساجد والإعلام تعززهم ثورة السعودية النفطية وسيطرتها الاعلامية والتليفزيونية ، وأفرزوا تنظيمات مختلفة على نسق التنظيم العسكرى فى عهد حسن البنا كان أهمها الجهاد والجماعة الاسلامية. ثم اختلفوا مع السادات، وقتلوه، واستمرت سيطرتهم فى عصر مبارك الذى آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع تدعيم النفوذ السعودى والفكرالاخوانى الوهابى وتقديمه على أنه الإسلام.
10) ماذا قدم الاخوان للوهابية والسعودية ؟
عن طريق الاخوان المسلمين المصريين انتقلت الوهابية والنفوذ السعودى إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام شرقا والى الجاليات الاسلامية فى الغرب وأمريكا. كما استطاع الاخوان تقديم الفكر الوهابى للمثقفين المسلمين والطبقة الوسطى فى اسلوب عصرى مفهوم يختلف عن اسلوب محمد بن عبدالوهاب الفقهى الاصولى الجاف.ثم صاغوا الوهابية فى شعارات سياسية مقبولة لجماهير المسلمين مثل الاسلام هو الحل وتطبيق الشريعة، دون الدخول فى تفصيلات. أهم من ذلك كله ان الاخوان المسلمين أجهضوا المشروع الإصلاحى التنويرى للشيخ محمد عبده لصالح الهدف السياسى وهو الحكم الاسلامى – فى الظاهر – والوهابى فى الواقع. وبذلك استطاعوا تغيير المناخ لصالحهم فأصبح أكثر تطرفا وتعصبا ضد الغرب والمسيحيين واليهود والمرأة . الدليل على ذلك ان ما كان محمد عبده يقوله منذ قرن من الزمان فى دعوته الاصلاحية أصبح هرطقة وكفرا فى عصرنا الحالى يستوجب القتل.
11 )ما الذى سبب الوقيعة بين الاخوان والدولة السعودية مع اتفاقهما فى العقيدة الوهابية ؟
منذ البداية رفض عبد العزيز منشىء الدولة السعودية الراهنة ومنشىء الاخوان المسلمين ان تعمل حركة الاخوان داخل بلاده محددا عملها فى الخارج فقط. ولكن أدى تطور الأحداث الى هروب معظم الاخوان الى السعودية هربا من اضطهاد عبد الناصر يحملون معهم تربيتهم السياسية القائمة على النفاق وسياسة الوجهين والتقية. تلك هى خلفيتهم الثقافية التى أرساها حسن البنا طبقا لظروف الاخوان فى مصر والمخالفة للطبيعة البدوية فى الجزيرة العربية والتى ظهرت فيها الدولة السعودية. ومن الاختلاف حدث الاحتكاك وأدى الى نمو المعارضة الوهابية داخل المملكة وضد الاسرة السعودية. الاخوان بفكرهم المتطور ساعدوا فى ولادة المعارضة السعودية، فأخذ النظام السعودى وشيوخه الرسميون يهاجمون سيد قطب وجماعته والاخوان، يبينما تمتدحهم المعارضة الاصولية الوهابية.
11) ما هى نقطة الخلاف بين الاخوان والسعوديين ؟
ظروف نشأة الدعوة الوهابية والدولة السعودية تختلف عن ظروف نشأة الاخوان المسلمين تبعا لاختلاف مصر عن نجد. الاخوان النجديون الصحرايون لهم وجه واحد يتميز بالصراحة والجرأة واستباحة الدم علنا. وهذا ما كان مستحيلا على حسن البنا الجهر به ، لذا اتبع سياسة المداهنة وادعاء الاعتدال .عندما ظهر حسن البنا فى مصر بدعوته كانت أغلبية المسلمين المصريين بزعامة الأزهر صوفية يمقتون الوهابية. تسلل حسن البنا الى المجتمع المصرى المسلم المتدين بفكرة تجميع المسلمين حول هدف واحد هو الحكم الاسلامى مع نبذ الخلافات المذهبية وتأجيلها، وعاونه فى فكرته سقوط الخلافة العثمانية وحنين المسلمين الى استعادتها فى ثوب عربى أصيل. واستغل الليبرالية المصرية وافتقارها الى العدل الاجتماعى بأن تسلل للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى وأوساط الأفندية المتعلمين الحالمين بالعدل والساخطين على التفاوت الطبقلى فاجتذبهم الى فكرة الحل الاسلامى بديلا عن العلمانية الشيوعية والغربية.كان يتحدث لكل فريق باللغة التى يؤثرها متبعا طريق التقية الشيعية ، وكان يرفع لواء التسامح والاعتدال محتفظا فى نفس الوقت بتنظيمه السرى المسلح ليتخلص من خصومه فاذا افتضح امر بعضهم تبرأ منهم على الملأ قائلا : "ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين". هذا ما تربى عليه الاخوان على يد حسن البنا طيلة عشرين عاما {1928 ـ 1948 }. وبهذا الفكر تسللوا الى الأحزاب السياسية المعلنة والتنظيمات الشيوعية السرية وخلايا الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب 1952 . وكان لا بد ان يحدث الاصطدام بينهم وبين عبد الناصر وهو الأعرف بهم حيث كان منهم يمارس نفس اللعبة. تغذى بهم عبد الناصر قبل ان يتعشوا به فهاجر معظمهم للسعودية التى كانت تواجه عبد الناصر ومشروعه القومى اليسارى. 
فى السعودية عملوا فى خدمة الوهابية فاكتشفوا تسلط الأسرة السعودية وعنصريتها وفسادها. العادة فى الدولة الدينية أن الحاكم يستمد سلطته السياسية من الفقيه. وهذا ما حدث فى الاتفاق المشهور بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب. ابن عبد الوهاب الفقيه أعطى الشرعية الدينية لابن سعود أمير الدرعية ليغزو ويحتل ويحكم باسم الشرع. وبذلك أصبحت الوهابية هى مصدر الشرعية للسلطة السياسية للأسرة السعودية. وصارت أسرة الشيخ {ابن عبد الوهاب } تسير فى ركاب الأسرة السعودية الحاكمة. الاخوان الوهابيون الذين ثاروا على سيدهم عبد العزيز قالوا ان مصدر السلطة هو الوهابية وليس الأسرة السعودية، لكنهم كانوا مجرد جنود غير مؤهلين للجدل الفقهى فىمواجهة فقهاء عبد العزيز. عبد العزيز فى خلافه مع الاخوان الثائرين عليه حسم الموضوع بأن شرعيته فى الحكم ليست مستمدة من الوهابية ولكن من حقه فى استرداد ملك أسلافه الذين أقاموا الدولة السعودية الأولى والثانية . عبد العزيز بهذا أعلى أسرته السعودية على الدعوة الوهابية نفسها ثم أعطى الدولة اسم اسرته. برز هذا الاستعلاء الملكى السعودى أكثر بعد موت عبد العزيز ودخول مملكته عصر النفط وزعامة أسرته للعالم الاسلامى وتحالفها مع امريكا. تجلى هذا الاستعلاء فى تعامل الدولة السعودية مع العرب الوافدين ومنهم الاخوان المسلمون، مما أعاد التفكير فى الفجوة بين الحكم السعودى ومبادىء الوهابية التى ينبغى على الاسرة السعودية الانصياع لها. لم يكن الاخوان المسلمون وحدهم الذين يشعرون بالدونية داخل المملكة السعودية، شعر بها أيضا المتعلمون من أبناء المملكة الذين تخرجوا فى جامعات الغرب ففوجئوا عند التوظيف انهم ليسوا من أهل الثقة مهما كان نبوغهم لأن الدرجات العليا مقصورة على الاسرة السعودية و تحالفاتها القبلية. تقارب الساخطون من الاخوان المسلمين ومن الشباب السعودى المثقف المتدين بالوهابية، ونشأ جيل جديد من الوهابيين السعوديين متأثر بسيد قطب وآرائه الحادة اكثر من تأثره بالفقهاء الرسميين فى النظام السعودى. هذا الجيل السعودى الوهابى أخذ التقية عن الاخوان المسلمين وتحرك فى هدوء تحت السطح ، ومع تراكم الفساد والانحلال فى الاسرة السعودية وتحالفها مع امريكا أثمرالطرح الاخوانى تطورا فى العقلية الوهابية لدى هذا الجيل فأخذ يهمهم بتكفير الحكام السعوديين طبقا للتكفير العام الذى نادى به سيد قطب. جاءت الفرصة لهم بالجهر بالمعارضة بعد احتلال صدام للكويت وصرخةالأسرة السعودية تستنجد بأمريكا لتنقذها من غزو صدام لتؤكد عدم أهليتها للحكم بعد عجزها عن حماية الشعب بعد كل ما أنفقته من بلايين فى شراء السلاح بالملايين . تولدت المعارضة السعودية من رحم حرب الخليج متأثرة بالانفتاح على الاخوان. 
هوجم الاخوان من شيوخ الوهابية الرسميين السعوديين، الا ان هؤلاء الشيوخ انفسهم تعلموا النفاق والتظاهر بالاعتدال فى مدرسة الاخوان. يقابلون الغرب بالحديث عن سماحة الاسلام والتبرؤ من ابن لادن ثم يتحدثون عن استمرارية الجهاد بالمفهوم الوهابى.
12) هل يؤثر هذا الخلاف على العلاقة بين السعوديين والاخوان ؟
لم يؤثر فى الثقافة المتفق عليها بينهما وهى الوهابية. هما يعملان معا فى نشر وتعميم الوهابية كممثل للاسلام.. يقدم الاخوان الفكر والخبرة البشرية ويقدم السعوديون النفوذ السياسى والامكانات غير المحدودة فى السيطرة على القنوات الفضائية والصحف ودور النشر والانتاج الدرامى والثقافى والمساجد والمعاهد ومراكز البحوث والدعوة والتنظيمات العلنية والسرية والرسمية داخل وخارج العالم الاسلامى. وبجهدهما معا تم تغيير المناخ فىمعظم بلاد المسلمين ليكون اكثر ميلا للعنف والتعصب وكراهية الغرب وغير المسلم ورفض الاصلاح الدينى للمسلمين من داخل الاسلام ورفض الديمقراطية.
13) ما هى الاستراتيجية السياسية للاخوان ؟
تتلخص فى كلمة واحدة هى التربية الثقافيةالدينية للفرد والمجتمع وصولا الى اخضاعه للسمع والطاعة بدون مناقشة لولى الأمر وفق مبدأ الحاكمية الذى يؤمنون به كعقيدة دينية وسياسية. لو قيل للاخوان الآن تعالوا احكموا لرفضوا الحكم ، لأنه سيكون امتحانا يعرفون مقدما انهم سيخسرون فيه. فى موقع الحكم سيكونون فى متناول النقد والمعارضة ومطالبون بتنفيذ الوعود السياسية فى كيف يكون الاسلام هو الحل وكيف يتم تطبيق الشريعة .هم ليسوا مؤهلين للحكم الديمقراطى اذ لا يعرفون الا الحاكمية التى تعنى أن يكون الحاكم مسئولا فقط أمام الله تعالى يوم القيامة باعتباره الراعى والشعب هو الرعية او الاغنام.
14) ولكن بعض الحركات الاسلامية السياسية وصلت للحكم وتركته وفق تبادل السلطة وقواعد الديمقراطية.. لماذا لا يكون الاخوان كذلك خصوصا وهم يعلنون رضاهم بالديمقراطية ؟
الحركات السياسية الاسلامية التى تقبل الديمقراطية وتتعامل معها ايجابيا تنتمى الى التدين الصوفى المنتشر فى بلادها من تركيا الى ماليزيا واندونيسيا وسنغافورة وبنجلاديش. قلنا ان المسلمين طواف ثلاث كبرى سنة وشيعة وصوفية. السنة أكثرهم تشددا والوهابية هم الأكثر من السنيين تشددا. الصوفية المسلمون اكثر مسالمة واكثر اعترافا بالتعددية ، بل ان التصوف يقوم على اساس التفرق الى طرق صوفية تتفرع وتتفرع الى طرق أكثر وأكثر. ولهذا فالديمقراطية واردة فى تدين التصوف الذى يعترف بالتعددية ويتسامح مع المختلف فى الدين . 
15) ولكن الاخوان المسلمين يشجبون الارهاب يعلنون تمسكهم بالديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الأقباط وحرية الرأى والمعتقد وحقوق المرأة .
هى نفس سياسة النفاق التى كان يخدع حسن البنا بها المصريين فى عهده.
16) كيف نتأكد انهم مخادعون ؟ أو كيف نكشف توجهاتهم الحقيقية؟
بأن لا نكتفى بالسؤال، أى نحول السؤال الى استجواب ونقاش علنى أمام أعين الناس فى الاعلام والتعليم والمساجد والمقاهى والنوادى والشوارع وعلى المصاطب ـ وحتى حفلات الزفاف ومناسبات العزاء. 
يقولون انهم يؤمنون بحرية المعتقد .. فماذا لو ارتد مسلم عن دينه واصبح مسيحيا أو يهوديا ؟ هل يطبقون عليه حد الردة قتلا، وحينئذ لا يخالفون الاسلام فقط بل يخالفون مبدأ حرية الفكر والعقيدة.؟ ام يقررون فعلا حرية كل انسان فى اختيار ما يشاء من دين والخروج عما يشاء من دين وحريته حتى فى الكفرو والالحاد وفقا لأكثر من خمسمائة أية قرآنية؟ واذا وقفوا مع حقائق الاسلام وحرية المعتقد فعليهم حينئذ اعلان كفرهم بالسنة والفقه السنى لتأكيدهما على قتل المرتد.
يقولون بأنهم ضد الارهاب. وتعريف الارهاب هو قتل المدنيين المسالمين ، أو الاعتداء على من لم يقم بالاعتداء علينا. هذا جميل .. ولكن ماذا يقولون فى الفنوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا واعتدت على أمم لم تهاجم المسلمين ؟ وماذا يقولون فى الصحابة الذين ارتكبوا هذا الاثم الفظيع المخالف لشرع الله تعالى فى القرآن ؟ وماذا يقولون فى الحديث الضال القائل " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. الخ ؟ وهو الحديث المخالف لتشريع القرآن الكريم؟ وماذا يقولون فى البخارى الذى رواه؟ وماذا يقولون فى الأعمال الارهابية التى ارتكبها الأخوان ومنظماتهم السرية والعلنية فى الماضى؟ أليس الأجدر بهم الاعتذار عنها والاعلان بعد العودة لها والتبرؤ ممن يرتكبها ؟
يقولون انهم يؤمنون بالمساواة والعدل وحقوق المواطنة بلا تفرقة على أساس الدين والمذهب والمعتقد. فماذا يقولون عن معاملة أهل الذمة فى تاريخ المسلمين وتراثهم، وماذا يقولون عن الأحاديث التى تدعو لتحقير أهل الكتاب وازدرائهم؟ وماذا يقولون عن التفسيرات المذهبية التى تسىء فهم معانى القرآن الكريم فى هذا الاطار ؟ اليس من الواجب عليهم اعلان التبرؤ من هذا الفقه السلفى وتجريمه واعلان عدائه لحقوق الانسان وحقائق الاسلام ؟ ثم تصريحات مرشدهم الأسبق مصطفى مشهور عن منع المسيحيين من التجنيد وتطبيق أحكام أهل الذمة عليهم... ماذا يفعلون بها؟ ألا يجب عليهم التبرؤ منها ودحضها والاعتذار عنها؟ وماذا يقولون فى ولاية غير المسلم ؟ يعنى تولية مسيحى أو يهودى رئاسة الدولة؟ الفقه السلفى يمنع ذلك ولكن تجيزه الديمقراطيات الحديثة التى يعلن الاخوان توافقهم معها؟ اذا وافقوا الفقه تناقضوا مع الاسلام والديمقراطية ، واذا وافقوا الديمقراطية والاسلام فعليهم التبرؤ من الفقه السلفى وأحاديثه الكاذبة المتعصبة.
يقولون بحق المرأة ، فكيف يفعلون بالفقه السلفى الذى ينتمون له وهو ينتهك حقوق المرأة ويجعل النساء ناقصات عقل ودين ومادة للتشاؤم والتطير؟ وماذا يفعلون مع النص القرآنى القائل " واضربوهن " وما قاله الفقه السلفى فى شرح وتقعيد ضرب الزوجة ؟ وهل يقولون بولاية المرأة للقضاء والرئاسة للدولة كما يقول بعض المستنيرين من الفقهاء؟ واذا أيدوهم فلا بد من التبرؤ من أعيان الأئمة المتعصبين من الحنابلة ..
ماذا يقولون فى تطبيق حد السرقة وحد الحرابة ؟ ماذا يقولون فى عقوبة الاعدام خارج القصاص فى القتل مثل حد الرجم الذى ينفذ فى السعودية وايران وقتل الشواذ { وهذا ما حكمت به ايران وتخشى السعودية تطبيقه خوفا من قتل معظم السكان ) وقتل تارك الصلاة طبقا للفقه السنى، وعقوبة شرب الخمر؟ وماذا يقولون فى قتل المخالف للسلطان وحق الراعى فى قتل من يشاء من الرعية .. الى آخر تلك المنكرات المخالفة للقرآن والاسلام؟
اذا أعلنوا تبرأهم من كل هذا التراث وأحاديثه والسنة التى تدعمه وتلصقه زورا بالاسلام فعليهم أيضا التبرؤ مما كتبه شيخهم سيد سابق فى كتابه المشهور " فقه السنة " وهو الكتاب الذى كتب مقدمته حسن البنا ، وهو التشريع الحقيقى للاخوان وهو الذى يجيز قتل الزنديق ، والزنديق عندهم هو المسلم السنى العارف بدينه ولكن يخالف الحنابلة فى آرائهم . يقولون بوجوب قتله دون محاكمة أو استجواب أو نقاش ، يقتلونه حال العثور عليه. هذا ما قاله ابن تيمية وسيد سابق والشيخ ابو بكر الجزائرى ، والمكتوب فى مناهج الأزهر أضل سبيلا. فاذا كان الاخوان مخلصين فى توجههم الديمقراطى ـ اى فى تمسكهم بحقائق الاسلام ـ فلا بد من التبرؤ من كل تلك المؤسسات وأولئك الأئمة وكل ذلك التراث الحنبلى السنى وكل من طبقه ودعا اليه. ولا بد لهم بالتالى من الاحتكام للقرآن الكريم واعادة قراءته من جديد قراءة عصرية موضوعية. اذا فعلوا ذلك ـ وهم لن يفعلوه ـ فسيكتشفون أن الأولوية ليست للوصول للحكم ولكن لاصلاح المسلمين بالاسلام. 
سيرفضون بالقطع ليس فقط لأنهم طلاب سلطة وليسوا طلاب اصلاح ، وليس فقط لأنهم لا علم لهم بالاسلام وتاريخ المسلمين وطوائفهم ومعتقداتهم الواقعية وتراثهم واختلافه عن الاسلام. سيرفضون لكل تلك الاسباب ولسبب آخر أهم هو أنهم لن يرضوا مطلقا أن يكونوا تابعين للقرآنيين وشيخهم كاتب هذا المقال.
أرجو أن يوافقوا على التوبة وتغيير جلدهم والوقوف بحسم مع الديمقراطية وثقافتها الاسلامية ومواثيقها الدولية. حينئذ سأكون معهم فى نفس الطريق ومعنا كل مسلم حريص على دينه. عندها سيقدم الاخوان أكبر خدمة للاسلام حين يستخدمون قدرتهم التنظيمية ونفوذهم فى اصلاح المسلمين بالاسلام ليس رغبة فى حطام الدنيا والتحكم السياسى ولكن ابتغاء مرضاة الله تعالى واعلاء لشرعه ودينه بالدعوة السلمية التى تعلى من شأن الانسان وحقوقه حتى لو اختلف معك فى المعتقد. على أن الاخلاص هنا يعنى التفرغ لتغيير المناخ الى الأفضل وهذا يستلزم عملا مضنيا مستمرا فى التنوير والتوضيح والتثقيف للخلاص من الثقافة المتعصبة التى أرساها الاخوان أنفسهم منذ أكثر من نصف قرن .
الواقع يقول انهم على مكانتهم يعملون. ينشرون فكرهم متمسحين بالاسلام، ويعملون على تربية الشباب على أساسه بأناة وتؤدة، وينتظرون الثمار على مهل.
17)ولكن تغيير المناخ كلية وفق ما يشتهيه الاخوان يستلزم وقتا طويلا.
ولكنه هو الخيار الأكثر ضمانا ، ثم هو نفس السياسة القديمة للحركات السياسية الدينية فى العصور الوسطى ، سياسة النفس الطويل وتغيير المناخ على مهل أو بتعبيرهم تربية الفرد ثم تربية المجتمع، فاذا وصل الفرد والمجتمع الى اعتناق الفكر الوهابى مستعدا للتضحية بنفسه كما يفعل الانتحاريون اليوم تهيأ لهم المناخ للحكم بدون معارضة. 
18)ولكن الاخوان سعوا للحكم وكادوا ان يصلوا له ، وأحيانا وصلوا له لفترة أو فترات ؟
حدث فعلا وفشلوا ، فتعلموا من أخطائهم ولن يكرروها.
حاول الاخوان الوصول للحكم عن طريق دبابات الجيش فوقعوا ضحية للعسكر. 
حاولوا استخدام عبد الناصر فاستخدمهم عبد الناصر ولعب بهم. 
فى الجزائر كانوا قواد الحركة الوطنية فى مقاومة المستعمر الفرنسى ولكن بنفوذ عبد الناصر صار العسكريون فى المقدمة ووصلوا للحكم دونهم، حاولوا تعويض ذلك بالسيطرة على التعليم منتهزين فرصة التعريب فى الجزائر، فقام بالتعريب أئمة الاخوان وشبابهم من الغزالى الى الشعراوى وغيرهم ، وبالتعريب تحول الجيل الجديد الى التطرف ، وفى الانتخابات كادوا أن يصلوا للسلطة ولكن عسكر الجزائر وقف لهم بالمرصاد وألغى الانتخابات فى ظل سلبية عامة من جماهير الشعب الجزائرى، فأقام المتطرفون مذابح دموية للاطفال والنساء والأبرياء الجزائريين انتقاما من الحكام العسكر. 
فى السودان وصل الترابى الى الحكم تابعا للبشير فما لبث البشير أن ألقى به فى السجن. بسبب الاخوان والحركة السلفية انقسمت الهند الى باكستان والهند، وبالنفط السعودى أنشئت المدارس الوهابية والجامعة الاسلامية فى اسلام أباد. قامت الحركة السلفية والاخوان فى باكستان بتجميع ابناء الفقراء ويتامى الحروب وتعليمهم فى المدارس وكلية الشريعة فى اسلام أباد, وأطلق عليهم الطالبان. أصبح الطالبان قوة عسكرية ضاربة بانضمام أقرانهم من الأفغان على الحدود بين باكستان وافغانستان. انتهى الأمر بوصول الطالبان لحكم أفغانستان ثم انهزموا بعد أن أعطوا نموذجا مفزعا للحكم السلفى الاخوانى. 
فى كل الأحوال تبين للاخوان أن العصر الآن ليس ملائما لهم ، لذا هم يعملون بصبر وأناة للمستقبل مستغلين كل ما يحدث الآن لصالح استراتيجيتهم الرامية الى غسيل مخ الأفراد بالثقافة الوهابية وعقيدتها فى الحاكمية. عندها تأتيهم السلطة راكعة وبدون معارضة أو نقاش بل السمع والطاعة . 
19) اذا كانت هذه هى استراتيجيتهم ، فما هو التكتيك الذى يتبعونه. ما هى خططهم ؟ 
المساعدات المجانية تأتى للاخوان المسلمين بلا مشقة ومن الجميع بلا استثناء . 
من مصلحة الاخوان تأكيد العداء بين المسلمين واليهود، وقد استغلوا الصراع العربى الاسرائيلى فى هذا. عن طريق حماس تحول النضال السلمى السياسى الى ارهاب يقتل المدنيين اليهود فى الشوارع والفنادق ودور العبادة والنوادى ومحطات المواصلات.مما جعل الوصول لحلول وسطى أكثر تعقيدا. من مصلحة الاخوان تأكيد العداء بين المسلمين والمسيحيين ، وهذا تتكفل به السياسة الأمريكية فى العراق والشرق الأوسط، اذ يسهل تحويل الصراع السياسى الى صراع دينى وفق المفهوم الاخوانى. يريد الاخوان تأكيد العداء بين المسلمين والأقباط فى مصر فيتبرع بعض المتعصبين من الأقباط بالهجوم على الاسلام نفسه عبر مواقع الانترنت فيثيرون المعتدلين المسلمين المتعاطفين مع الاقباط والمناوئين للاخوان. العسكر المستبدون بالسلطة فى الشرق الأوسط هم الأعداء التقليديون للاخوان فى مصر وسوريا وغيرها وهم أيضا الأكثر فائدة للاخوان لأن العسكر يحاولون المزايدة دينيا على الاخوان برعاية أكثر للثقافة السنية الوهابية. وهناك ناحية أخرى اذ يجمع بين الاخوان والاستبداد العسكرى الخوف من الاصلاح الدينى والسياسى ، لذا يتبارى العسكر فى مطاردة دعاة الاصلاح ليبقى الحال على ما هو عليه ولصالح الاخوان. 
الاستفادة الكبرى تأتى للاخوان مجانا من جهتين : الأولى دول النفط ونشرها للفكر الوهابى بالقنوات الفضائية ومواقع الانترنت والانتاج الفكرى والثقافى والدرامى والدينى. الجهة الأخرى هى التنظيمات المسلحة المختلفة وعملياتها الارهابية فى كل أنحاء العالم. الهدف الأساسى لهذه العمليات هو شغل الغرب وأمريكا وكل من يهمه الأمر بهذه الضربات الارهابية المتفرقة عن ما هو أخطر، وهو "التمكين". 
التمكين فى مصطلحاتهم هو التوغل شيئا فشيئا فى السيطرة على الأفراد عقائديا ، بحيث يكون الفرد مستعدا لتفجير نفسه عندما يؤمر. فاذا تمكنوا من السيطرة على أفراد المجتمع قلبا وقالبا فقد تحقق لهم التمكين والسلطان المقيم. اذا وصلوا الى تربية نصف مليون فرد على السمع والطاعة والاستعداد بحيث يكون كل فرد منهم متحمسا لأن يكون انتحاريا فسيبدأون المرحلة الأولى فى التمكين، وهى الارهاب العام لكل الأقباط والعلمانيين والمعارضين السياسيين والمفكرين لطردهم من مصر. وعندها تخلو لهم مصر بملايينها المستضعفين ليصبحوا رعايا خاضعين لهم وفق ما كان سائدا فى العصور الوسطى.
20) اذن كيف نواجههم ؟
المواجهة هنا فكرية ثقافية تسندها وتؤازرها مواجهة قضائية فى ساحات المحاكم .
قبل التوضيح لا بد أن نبدأ هنا بالممنوعات وهى 
أولا: المواجهة بالعنف مرفوضة. اذا واجهت الفكر بالسلاح انتصر الفكر حتى لوكان فكرا سيئ السمعة. اذا قضيت على الدولة الايدلوجية بالسلاح تاركا أساسها الايدلوجى فانها ـ اى الدولةـ لا تلبث أن تنهض طالما بقى بناؤها الايدولوجى قائما وقادرا على خلق الأنصار والأتباع . قضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية فى هدوء بموت الخليفة العاضد الفاطمى . ولأن الدولة الفاطمية دولة ايدولوجية عقائدية تقوم على التشيع فان صلاح الدين حارب التشيع من داخل الثقافة السائدة لدى المسلمين ، وكانت التصوف وقتها. استورد صلاح الدين الأيوبى متصوفة الى مصر وخصص لهم خانقاة سعيد السعداء وجعل لهم طقوسا فى الذهاب لصلاة الجمعة ومنحهم وغيرهم الامكانات حتى حولوا المجتمع المصرى من النشيع الى التصوف ، فظل التصوف هو التدين العملى للمصريين الى أن قلص الوهابيون نفوذه أخيرا عن طريق الاخوان المسلمين.
محمد على باشا هزم دمر الدولة السعودية الأولى سنة 1818 واكتفى بهذا الجهد العسكرى تاركا الوهابية دون مواجهة فكرية مع وجود الأزهر وقتها عدوا لدودا للوهابية ،فازدهرت الوهابية وتضاعف أنصارها حتى خارج الجزيرة العربية مما مكن الأسرة السعودية من اعادة ملكهم فى الدولة السعودية الثانية ، ثم الثالثة. 
عبد الناصر واجه الاخوان المسلمين بالعنف والتعذيب دون مواجهة للفكر الوهابى الذى تقوم عليه ايدلوجيتهم . ربما أراد باصلاح الأزهر أن يقوم بهذه المهمة ولكن اصلاح الأزهر لم يكتمل وانشغل عنه عبد الناصر بمعارك أخرى ومات تاركا المناخ موائما للاخوان بعد أن اكسبهم شهرة وتعاطفا بسبب ما فعله معهم من تعذيب واضطهاد . استفاد الاخوان من سياسة عبد الناصر العنيفة معهم وخسر عبد الناصر فى صراعه معهم لأنه استخدم السلاح غير المناسب. 
المشكلة هى فى نظام مبارك الذى يتفوق دائما على نفسه بالفشل. يدافع بضراوة عن الفكر الوهابى ويجعله ممثلا للاسلام ، ويعاقب القرآنيين المصلحين ويتهمهم بازدراء الدين لأنهم يناقشون الوهابية والفقه السنى بالقرآن والتراث نفسه. وفى نفس الوقت يضطهد الاخوان ويقوم بتعذيبهم ، يعاند الاصلاح الديمقراطى والاصلاح الدينى ويصل بالبلاد الى الحضيض فى كل الميادين، ويحاصر الأحزاب الشرعية فى مقراتها ، ويمنع العمل السياسى فى الجامعات بينما يترك المساجد والأزهر مقصورا على تدعيم فكر الاخوان السياسى والعقائدى مما يجعل الاخوان هم البديل المتاح بعد مطاردة كل المصلحين وتهميش منظمات المجتمع المدنى الممثل الحقيقى للتقدم والاصلاح والديمقراطية. بكل هذا الحمق من النظام نجح الاخوان وكان نجاحهم متوقعا . 
ان المواجهة مع الاخوان لا تكون الا ثقافية فكرية عقلية مسالمة. التعامل معهم بالعنف هو الممنوع الأول.
ألممنوع الثانى :هو دخول شخصيات مسيحية أو أفكار مسيحية أو علمانية فى هذه المواجهة الثقافية الدينية و القضائية . لا يقوم بهذه المواجهة الا مسلمون متدينون لهم تاريخهم فى النضال ضد التطرف والارهاب وخبرتهم فى المواجهة ونبوغهم فى الاسلاميات وولاؤهم لحقوق الانسان وحقوق المواطنة والديمقراطية.هم فقط الذين يستطيعون مواجهة الاخوان من داخل الاسلام ومن داخل عقيدتهم وثقافتهم وبنفس اسلوبهم وأدواتهم.هم فقط الذين لا يستطيع الاخوان المزايدة عليهم فى التدين الاسلامى أو فى التبحر فى علوم الاسلام وتاريخه وتراثه.
المواجهة الثقافية :
دعاة التطرف والارهاب ليسوا فقط شيوخا وأئمة ومقدمى برامج دينية ، ولكن أخطرهم هم كاتبو الدراما العادية والدراما التاريخية الاسلامية ، اذ يتم الترويج لأفكار التطرف وثقافة الارهاب بطريق فعال – وغير مباشر – من خلال الدراما التى تتسلل الى عقل المشاهد ووعيه الباطنى وتصيغه وتؤثر فيه وهو مستمتع لما يشاهد دون مناقشة أو احتجاج . لقد أفلح الوهابيون وعملاؤهم فى انتاج دراما من تاريخ المسلمين وتراثهم أسهمت فى نشر التعصب والتطرف.
لا بد من انشاء قنوات تليفزيونية تواجه الوهابية ببرامج ثقافية تناقش المسكوت عنه فى الفكر السلفى الوهابى فى ضوء الاسلام وحقائقه لتثبت ان ثقافةالوهابية والاخوان تناقض الاسلام . وتقدم أيضا مسلسلات درامية مكتوبة بطريقة مدروسة تبتعد عن الغوغائية والوعظ المباشر ، بل تتسلل الى عقل المشاهد فى سهولة ويسر. 
هذه القنوات لا بد لها من شركات انتاج للدراما والبرامج تغذيها وتملأ ساعات ارسالها بما يعزز رسالتها ويحقق الغرض منها.. علينا ان نقدم دراما تاريخية واقعية من حاضر المسلمين وتاريخهم توضح وتناقش المسكوت عنه وتشغل المتطرفين بالدفاع عن تراثهم وأكاذيبه. ونفس الحال مع البرامج التليفزيونية التى ستجد مجالات هائلة من المسكوت عنه فى التراث والتاريخ والماضى والحاضر.
هذه الحرب الفكرية بالقنوات الفضائية لا بد من تعزيزها بمواقع على الانترنت .
هذه الحرب الفكرية ستساعد المواجهة القضائية بالدعاية والتنوير وتسليط الضوء على القضية المطروحة امام المحاكم لاجتذاب الرأى العام للحقائق المطلوب اثباتها قضائيا. 
المواجهة القضائية
نحتاج الى مراكز قانونية متخصصة لرفع دعاوى ضد سياسات الدولة واجهزتها مثل الأزهر والأوقاف وبقية المؤسسات فى تأكيد العدل وحقوق المواطنة وفى اصلاح التعليم واصلاح الأزهروفق ما يمليه قانون الأزهر نفسه والدستور بل واصلاح الدستور. هناك الكثير من المتاح لنا استغلاله والبناء عليه فى ارساء الاصلاح عبر آليات التقاضى. وتقوم البرامج التليفزيونية بالتعليق عليها لتشرك المجتمع فى المناقشة ولتخلق رأيا عاما مستنيرا يقوم بدوره بالتوعية ونشر ثقافة الديمقراطية وآداب الاختلاف فى الرأى دون تخوين وتكفير ودون اطلاق المفتريات والأكاذيب ، وبذلك يمكن اصلاح المناخ شيئا فشيئا.
الخاتمة
كل مصلح يعلن آراءه وخططه على الملأ ،لأنه لا يريد الا الاصلاح ابتغاء مرضاة الله تعالى فقط . هذا ما أفعله بكل وضوح حين أكتب ما أومن به حتى لو أتعب الكثيرين. لا أهتم برد الفعل لأننى لا أريد شيئا من أحد. ليست لى أجندة سرية لأنه ليس لى أى طموح سياسى ولا أرضى بالحلول الوسطى فيما يخص دينى ووطنى . آمل أن يقوم المخلصون لمصر بتنفيذ ما قلت لانقاذ أم الدنيا . 
ان مصرـ بسكانها وبحضارتها القديمة وبحاضرها وبمستقبلها وبتأثيرها ـ توشك أن تقع فى قبضة أشد طوائف الحنابلة تعصبا وتطرفا وانغلاقا وأكثرهم دهاءا.
لقد جرت مصر فى طرق عديدة من القومية العربية الى الاشتراكية، وقد رأينا ارهاصات مما فعله التيار الوهابى الاخوانى قبل أن يصل للسلطة فى مصروفى العراق والجزائر وباكستان و غيرها. . وشهدنا حكم الوهابيين فى الجزيرة العربية وافغانستان . لم يعد لمصر المزيد مما تفقده بعد ان أفقدها نظام مبارك كل شىء . لا نريد ان تكون مصر جثة بين يدى الأخوان يجربون فيها تخلف الفقه السنى الذى لم يكن مناسبا لعصره ، فكيف يكون مناسبا لعصرنا؟
انه نداء لكل مصرى وكل مسلم ـ حتى من الاخوان المسلمين ـ تعالوا الى كلمة سواء نضع فيها كثيرا من النقاط فوق كثير من الحروف قبل أن نقفز بمصر فى الظلام .
لا نريد أن يأتى اليوم الذى يتحسر فيه المصريون على أيام حسنى مبارك الذى وصلنا فيه الى الحضيض . 
تسألون عما هو أسفل من الحضيض ؟ سترونه بأعينكم اذا ظللتم على سلبيتكم جثة هامدة تنتقل من عسكر مبارك الى شيوخ الاخوان . عندها اذكرونى بخير فقد صرخت فى البرية أحذركم ناصحا فلم أسمع الا سبا وشتما آتيا من أسفل الحضيض الذى أخشى عليكم منه. 
والله تعالى المستعان

الملحق الثالث


مقدمة 
السائد خطأ بين الناس أن للإسلام دولة دينية، والوهابيون السلفيون والاخوان المسلمون يناضلون لاقامة تلك الدولة الدينية على أنقاض دول الاستبداد العسكرى والحزبى الحالية. ومن قبل نجح السعوديون بمذهبهم الوهابى فى اقامة دولة دينية تحكم طبقا للحاكمية التى تجعل الحاكم يحكم باسم الله تعالى ويستمد منه السلطة وليس مسئولا الا أمام الله تعالى يوم القيامة، وهذه الحاكمية شر أنواع الاستبداد الذى ساد فى العصور الوسطى فى العالم بأسره ، وكان تعرفه أوربا وقتها بمبدأ الحق الملكى المقدس. وبعد نضال استمر قرونا تخلص الغرب من الاستبداد الدينى وأرسى الديمقراطية. ثم تسللت رياح الديمقراطية والاصلاح الى مصر منذ عصر اسماعيل الى جهود محمد عبده الاصلاحية لولا ان الدولة السعودية أنشأت حركة الاخوان المسلمين فى مصر فنشرت ثقافة الاستبداد الدينى المنتمية للعصور الوسطى وعطلت الاصلاح السياسى والدينى وقامت بتغييب الديمقراطية كفريضة اسلامية. والمؤسف ان يحدث هذا ويستمر فى عصرنا الحديث ؛عصر الديمقراطية. 
وهكذا فبينما تغزو رياح الديمقراطية دول أفريقيا فان الشرق الأوسط ـ مهد الحضارات والرائد الطبيعى والملهم لأفريقيا ـ لا يزال بعيدا عن الديمقراطية بسبب ثقافة التخلف السنى الوهابى التى نشرها الاخوان المسلمون على أنها الاسلام مع تناقضها مع الاسلام. وبينما تنادى كل حركات المعارضة فى كل دول العالم بالديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الفكر والعقيدة فان المعارضة السنية السلفية الوهابية الاخوانية تقف ضد الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الأقليات الدينية والمذهبية والعنصرية وحقوق المرأة .وبينما تتطلع حركات المعارضة ـ وأحيانا النظم الحاكمة نفسها ـ الى المستقبل وتستعد له فى ظل ثورة المعلومات والاتصالات وقفزاتها الهائلة فان الاخوان والوهابيين يريدون العودة بنا الى العصور الوسطى واكاذيب البخارى وتفاهة أبى هريرة وتخلف الشافعى وتحجر ابن حنبل والارهاب الدموى لابن عبد الوهاب .وبينما تحول الكفاح فى عصرنا الى الوسائل السلمية والسياسية فان الجهاد السلفى أصبح قتلا للمدنيين فى الشوارع والمساجد والكنائس والمقاهى والبيوت. 
ما أتى الاسلام الا للقضاء على الدولة الدينية وكهنوتها ، لذا كانت دولة النبى محمد دولة علمانية ديمقراطية لا تزال ملامحها فى القرآن الكريم، ومع القضاء على كل ملامح هذه الدولة فلا يزال باقيا من معالمها أنه ليس فى الاسلام كهنوت أو مؤسسة دينية أو رجل دين، هذا مع أن المسلمين أقاموا كهنوتا ومؤسسات دينية ودولا دينية.
يزيد المشكلة تعقيدا أن العلمانيين العرب يعتبرون أن الأزهر وتنظيمات الاخوان المسلمين السرية والعلنية هم الممثلون للاسلام، وأصبح من الأخطاء الشائعة تسميتهم بالاسلاميين ،مع أنهم سلفيون وهابيون وليسوا اسلاميين . ويعتبر العلمانيون مشروع الاخوان السياسى فى الدولة الدينية أنه الدولة الاسلامية مع التناقض الهائل بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية. الذى لا يعرفه العلمانيون ان الاسلام دين علمانى وأن دولته الاسلامية دولة علمانية . صحيح انه توجد خلافات بين علمانية الاسلام وعلمانية الغرب التى تأثر بها العلمانيون العرب ، ولكن الصحيح أيضا ان هناك خلافا فى داخل العلمانيات الغربية ذاتها ، منها العلمانية الشيوعية التى ترفض الدين مطلقا وتعتبره افيونا للشعوب ، ومنها العلمانية الرأسمالية بانفتاحها وقبولها للمسيحية . وهناك خلافات محلية داخل العلمانية الشيوعية، كما توجد خلافات نوعية داخل العلمانية الغربية حول مدى الفصل بين الدين والدولة والدين والسياسة. وهكذا فمن الطبيعى ان توجد خلافات بين علمانية الاسلام وعلمانيات البشر المختلفة فيما بينها . ولكن لا بد من التذكير والتأكيد على التنافض بين الاسلام وثقافة الاخوان المسلمين والسلفية حتى نستريح مقدما من ذلك الخلط المؤلم بين النقيضين. نحن هنا نتحدث عن حقائق الاسلام التى جاءت فى القرآن ، والتى يمكن فهمها بسهولة اذا قرأنا القرآن الكريم قراءة موضوعية وفقا لمفاهيمه ومصطلحاته بعيدا عن مفاهيم التراث وسمومه.

أن قيم الاسلام العليا - وهى العدل والحرية المطلقة فىالفكر والعقيدة والدين - هى مهمة الدولة وعليها توفيرها للافراد.. تطبيق معظم تشريعات القرآن موكول للفرد وحريته فى الطاعة أو الرفض دون اكراه أو تدخل من الدولة، وهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى . لا يتدخل المجتمع ـ ممثلا فى الدولة ـ الا ما يتعلق بحقوق الأفراد وحق المجتمع -أى العقوبات ، وهى تسقط بالعفو و بالتوبة. والتوبة تعنى ارجاع الحقوق للأصحابها والتعهد بعدم العودة للجرم والاعتداء. وعموما معظم تشريعات القرآن تفصيلات فى قوانين الأحوال الشخصية والميراث ، وبعضها قواعد عامة أو احتكام للعرف أو المعروف- وهو ما يتعارف الناس على انه عدل وتيسير . وعموما فان المذكور فى تشريعات الاسلام فى القرآن لا يتعدى مائتى آية بالمكرر والتفصيلات والقواعد ، ومعناه أن هناك مساحة هائلة متروكة لسن التشريعات البشرية فى ضوء العرف أو المعروف المتعارف على انه عدل وخير وفيه مصلحة للمجتمع . وبهذا يمكن تطبيق كل القوانين العصرية بما يلائم حركة المجتمع ومصالحه . وأى قانون يحقق مصلحة المجتمع ويتماشى مع العرف أو المعروف فهو تشريع اسلامى ، كما أن أى دولة تحقق العدل وحقوق الانسان والديمقراطية هى دولة اسلامية بغض النظر عن جنسيتها وخلفيتها الحضارية والثقافية.
وواقع الأمر أن النبى عليه السلام أقام دولة مدنية ديمقراطية علمانية فى أشد العصور الوسطى اظلاما . لم يلبث المناخ المظلم للعصور الوسطى أن أطفأ نورها الا أنه بقى منها أصولها القرآنية وما تواتر فى السيرة النبوية عن إقامة تلك الدولة فى الجزيرة العربية. دولة الإسلام المدنية العلمانية الديمقراطية ما لبثت أن تحولت إلى الاستبداد السياسى والحكم القبلى بعد الحروب الأهلية بين الصحابة أو ما يعرف بالفتنة الكبرى وتأسيس الدولة الأموية، ثم تحول الحكم الاستبدادى القبلى إلى حكم دينى سياسى فى الدولة العباسية، واستمر هذا النظام سائداً إلى سقوط الدولة العثمانية تحت اسم الخلافة. وقد اصطلح المؤرخون على تسمية الدولة المدنية الإسلامية بعد النبى محمد بالخلافة الرشيدة أو الراشدة، وأطلقوا على الدول التالية مسمى الخلفاء فقط، أى لم يكونوا خلفاء راشدين. وهذا فى حد ذاته دليل على تحول هائل فى نظام الحكم دفع المسلمون ثمنه غالياً ولا يزالون. وقد تم تدوين التراث فى عصر الخلفاء العباسيين غير الراشدين، وذلك التدوين تجاهل كتابة التاريخ الحقيقى لدولة النبى محمد وفق الاشارات التى جاءت فى القرآن الكريم ، بل على العكس قام باضافة ما يتفق وأيديولوجية الاستبداد فى الدولة الدينية العباسية.
وسنناقش سريعاً التناقض بين الدولة الإسلامية فى عصر النبى والدولة الدينية فى العصر العباسى وما تلاه.
أساس التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية:
سبق العلامة ابن خلدون فى الإشارة إلى الاختلاف بين الدولة الدينية والدول التى نعرفها الآن بالعلمانية، ففى فصل فى المقدمة بعنوان "معنى الخلافة والأمامة" يقسم النظام الملكى إلى نوعين وهما الملك الطبيعى وهو الذى يحكم بالهوى والشهوة، ويراه فجوراً وعدواناً، والملك السياسى وهو الحكم بالعقل فى جلب المصالح ودفع المضار. ويراه أيضاً مذموماً لأنه ينظر بغير نور الله. وفى النهاية يرى ابن خلدون أن نظام الخلافة هو الأفضل، لأنه إرغام الكافة بالشرع للنظر فى مصالحهم الدنيوية والأخروية "أى هى خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به".
باختصار يرى ابن خلدون أن أساس الدولة الدينية هواكراه الناس فى الدين وإلزامهم بإقامة الشرع،ليس شرع الله تعالى الحقيقى ولكن الشرع الذى يكتبه فقهاء السلطة الاستبدادية. ولكن هدف الدولة غير الدينية إذا كانت عاقلة هو جلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم. وابن خلدون باعتباره قاضياً شرعياً ينحاز للدولة الدينية التى يعيش فى كنفها ويسيطر عليه تراثها، ونحن هنا نختلف معه ومع الآخرين.
فليس إدخال الناس الجنة وهدايتهم إلى الحق هو الأساس فى إقامة الدولة الإسلامية. لأن الهداية مسئولية شخصية لكل إنسان ﴿مّنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ﴾ (الإسراء 15) بل إن الهداية ليست وظيفة النبى حتى حين كان حاكماً، يقول تعالى له ﴿لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ (البقرة 272) ويقول له ﴿إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ (القصص 56) ويقول له يؤكد عدم الإكراه فى الدين ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ﴾ (البقرة 256) ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99).
أما اٍلأساس فى إقامة الدولة الإسلامية فهو إقامة القسط بين الناس، أو بتعبير الفقهاء رعاية حقوق العباد أو بتعبيرنا رعاية حقوق الإنسان.والفقهاء المستنيرون أكدوا على أن حقوق الله تعالى من الإيمان به جل وعلا وعبادته هى مسئولية شخصية والحكم فيها مرجعه لله تعالى يوم القيامة، أما حقوق العباد فهى مسئولية الدولة فى هذه الدنيا. والله تعالى يقول ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد 25) أى أن الهدف الأساسى من إنزال الكتب السماوية وإرسال الأنبياء والرسل هو أن يقيم الناس القسط فيما بينهم. والقسط نوعان، القسط أو العدل فى التعامل مع الله تعالى بحيث لا نشرك به أحدا، والله تعالى يقول ﴿إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان 13). والحكم فى هذا الموضوع مرجعه لله تعالى يوم القيامة فى كل ما يخص تصورات البشر عن ربهم جل وعلا، يقول تعالى ﴿قُلِ اللّهُمّ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (الزمر 46) أما النوع الثانى فهو القسط أو العدل فى التعامل مع البشر وذلك يستلزم نظام حكم، ويقدر نجاح ذلك النظام فى إقامة العدل تكون إسلاميته، وذلك معنى قوله تعالى ﴿لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ ولذلك فان العقوبات فى تشريع القرآن تهدف أساساً لحقوق العباد أو حقوق الإنسان فى الحياة والمال والعرض والشرف. ومن إقامة القسط تتفرع كل حقوق الفرد وحقوق المجتمع والتوازن بين العدل والحرية فى منظومة رائعة تفتقدها البشرية المعاصرة.
أما فى الدولة الدينية فالأمر مختلف.
فكل دولة دينية تتبنى مذهباً دينياً ترغم الناس على قبوله وتستخدمه فى تدعيم سلطتها، وفيها يتمتع الحاكم وحده بالسلطة والثروة ويعاونه رجال الدين فى اخضاع الشعب لاستبداده ، بحيث يصير انتقاده خروجاً على الدين. وبطبيعة الحال تعاونه قوة عسكرية يستخدمها لارهاب الناس ، وبالكهنوت الدينى والعسكر يصير الحاكم المستبد المتأله فى اعتقاد الناس متحكماً فى الدين والدنيا والآخرة . وبينما يكتفى الاستبداد العادى بقتل المعارضين فإن الاستبداد فى الدولة الدينية يصادر حق الخصوم فى الدنيا وفى الآخرة أيضاً ، اذ يقتلهم باسم الشرع متهما اياهم بالكفر وحد الردة، ويزعم انهم أيضا من أهل النار منتزعا سلطة الله تعالى فى الآخرة بعد أن انتزع سلطة الشعب فى الدنيا.. وكل ذلك تحت لافتة الشرع وإقامة الدين. وفى ذلك ظلم عظيم لله تعالى ورسوله ودينه. وهذه هى خلاصة التاريخ الواقعى للدول الدينية فى الشرق والغرب فى كل العصور القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة فى تاريخ المسيحية والاسلام ـ كلها استغلت دين الله تعالى فى ظلم الناس وارهابهم وأكل أموالهم بالباطل . وهذا ينافى إقامة القسط، وهو الهدف الأساسى للدين الالهى الحقيقى.
التناقض فى حقوق الإنسان بين الدولتين:
أولاً: فى الدولة الإسلامية:
إقامة القسط بين الناس فى الدولة الإسلامية تتوازن فيها حقوق الفرد مع حقوق المجتمع، كما يتوازن فيها العدل مع الحرية، أما فى الدولة الدينية فلا يحتاج الأمر إلى هذا التشابك والتداخل، حيث يتمتع فيها فرد واحد بكل الحقوق وهو الحاكم، وتنتهى الأمور عند هذا الحد.
ونأتى إلى التفصيل:
فللفرد حق مطلق فى الدولة الإسلامية فى شيئين وهما القسط وحرية الفكر والاعتقاد. وللمجتمع حق مطلق فى ثلاثة أشياء، وهى السلطة والثروة والأمن. وللفرد حقوق نسبية فى هذه الأشياء الثلاثة.
(1) حق الفرد المطلق فى القسط:
لن نتوقف بالتفصيل مع الآيات القرآنية التى توجب إقامة العدل والقسط فى التعامل مع العدو أو الصديق مثل قوله تعالى ﴿إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ (النحل 90) ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ (النساء 58) ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ﴾ (الأنعام 152) ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ﴾ (النساء 135) ﴿يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة 8).
لن نتوقف مع هذه الآيات الكريمة إلا فى تقرير حقيقة قرآنية واحدة، وهى أن الحكم المقصود فى الآيات هو الحكم القضائى، أو الحكم بين الناس، وإقامة ذلك الحكم بالقسط يعنى أن الوظيفة الأساسية للدولة الإسلامية هى إقامة العدل والقسط، أو الحكم بين الناس بالعدل، وليس حكم الناس أو التحكم فيهم. والمعنى المقصود أن يقتصر تدخل الدولة بين الناس على إقامة القسط فى الداخل. ولكن إلى أى حد؟ نقول إلى حد القسط المطلق للأفراد، أى بنسبة مائة فى المائة، وتتعرف على ذلك من التفرقة الدقيقة بين كلمتين قرآنيتين وهما "المقسطين"، و"القاسطون" والمقسط هو تعبير مبالغة يفيد تحرى القسط دائماً، أى القسط بنسبة مائة فى المائة.
ويتكرر فى القرآن قوله تعالى ﴿إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (المائدة 42، الحجرات 9، الممتحنة 8) فالذى يراعى العدل بنسبة 100% يحبه الله، أما القاسط الذى يراعى العدل بنسبة أقل من 100% فمصيره جهنم، يقول تعالى ﴿وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾ (الجن 15).
(2) الحق المطلق فى الفكر والعقيدة:
فى القرآن الكريم أكثر من خمسمائة آية قرآنية تؤكد حرية العقيدة وحرية التعبير عنها وحرية الفعل العقيدى إيماناً وكفراً، وإرجاع الحكم فى العقائد لله تعالى يوم القيامة، وأن ذلك يسرى على النبى نفسه. ونكتفى من مئات الآيات القرآنية التى تؤكد حرية العقيدة ببضع آيات قلما يستشهد بها الناس.
فالله تعالى يقول للبشر ﴿إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ﴾ (الزمر 7) إذن هى حرية مطلقة فى الإيمان والكفر، ومسئولية شخصية والحساب عليها أمام الله تعالى يوم القيامة.
والله تعالى يقرر أيضاً حرية الفعل الإلحادى مع آيات الله، ويجعل العقوبة عليه يوم القيامة، ويؤكد حفظ كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول تعالى ﴿إِنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىَ فِي النّارِ خَيْرٌ أَم مّن يَأْتِيَ آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمّا جَآءَهُمْ وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت 40: 42).
يوم القيامة يكون البشر حسب تصوراتهم عن الله وعقائدهم فيه قسمين كل منهما خصم للآخر، وأحدهما فى النار والآخر فى الجنة، والله تعالى يقول ﴿هََذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ ﴾ (الحج 19) والملفت للنظر أن القرآن الكريم ساوى بينهما فى وصف الخصومة، ولم يجعل أحد الخصمين حكماً على الآخر، إذ كيف يكون الشخص خصماً وحكماً فى نفس الوقت، هذا مع أن أحد الخصمين سيكون ناجحا وفائزا يوم القيامة، بل أن النبى محمدا سيكون يوم القيامة خصماً لأعدائه الذين اضطهدوه فى مكة وماتوا على كفرهم وبغيهم دون توبة ، والله تعالى يقول للنبى محمد وخصومه ﴿إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ. ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ (الزمر 30: 31) فالنبى عليه السلام سيختصم معهم أمام الله تعالى، والآية تساوى بين النبى وبينهم فى الخصومة واستحقاق الموت. 
وهكذا فإن الفرد يتمتع فى الدولة الإسلامية بحق مطلق فى العدل وحق مطلق فى حرية الرأى والعقيدة فى الإيمان أوالكفر، فى الهداية أوالضلال طالما لا يتعرض فى حريته القولية والفعلية الى سب الأشخاص واهانتهم ، هنا يقع فى عقوبة القذف وهى من حقوق الأفراد أو حقوق الانسان وليس من حقوق الله تعالى. حسابه عن عقيدته عند ربه فقط يوم القيامة وليس لأى بشر أن يتدخل فى تلك الحرية الدينية بأىحال من الأحوال ، والا كان مدعيا للالوهية متقمصا دور الله تعالى ، وهذا ينافى عقيدة الاسلام فى أنه لا اله الا الله.
(3) حق المجتمع المطلق فى السلطة السياسية: أو "الشورى"{الأمة مصدر السلطة }
الله تعالى وحده هو الذى لا يُسأل عما يفعل، وما عداه يتعرض للمساءلة (الأنبياء 23) وعليه فإن المستبد بالسلطة والذى يتعالى عن المساءلة من الشعب إنما يجعل نفسه مدعياً للألوهية، ولذلك فإن الاستبداد يقترن بادعاء الألوهية صراحة أو ضمنا، وهذا ما يؤكد التناقض بين الاستبداد والاسلام فى مجال العقيدة، وفى نفس الوقت يوثق الصلة بين الشورى ـ أو الديمقراطية الاسلامية وعقيدة أنه لا اله الا الله تعالى. وقد جعل الله تعالى من فرعون موسى مثلا للمستبد الذى أوصله استبداده لادعاء الالوهية، وتكررت قصته فى القرآن للتأكيد على هذا المعنى للأجيال القادمة بعد نزول القرآن الكريم.. وهذا هو موقع الشورى فى عقيدة لا إله إلا الله الإسلامية، يعزز ذلك أنه إذا كان النبى محمدعليه السلام مأموراً بالشورى فى قوله تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ (آل عمران 159) فإن أى حاكم يستنكف من الشورى يكون قد رفع نفسه فوق مستوى النبى، أى يكون مدعياً للألوهية.
على أن الآية الكريمة ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ تؤسس حق المجتمع المطلق فى السلطة، أو أن الأمة مصدر السلطات، وهذا يشمل كل الأمة من رجال ونساء وأغنياء وفقراء على قاعدة المساواة. تقول الآية فى خطاب النبى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ﴾. أى بسبب رحمة من الله جعلك ليناً معهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، وإذا انفضوا من حولك فلن تكون لك دولة ولن تكون لك سلطة، لأنك تستمد سلطتك من اجتماعهم حولك، وإذن فهم مصدر السلطة والقوة لك، وبهم تكونت لك دولة وانتهت قصة اضطهادك فى مكة، ولأنهم مصدر السلطة فاعف عنهم إذا أساءوا إليك واستغفر لهم إذا أذنبوا فى حقك وشاورهم فى الأمر لأنهم أصحاب الأمر، فإذا عزمت على التنفيذ فتوكل على الله.
إذن فالنبى حين كان "حاكماً" للدولة الإسلامية فلم يستمد سلطته من الله كما يدعى أصحاب الدولة الدينية، وإنما يؤكد القرآن على أنه كان يستمد سلطته من الأمة ومن اجتماعها حوله، ولذلك جعله الله تعالى برحمته ليناً هيناً معهم، ولو كان فظاً غليظ القلب لتركوه وانفضوا عنه وانهارت دولته. وهذا هو النبى وتلك دولته الإسلامية..!!
والدولة الإسلامية تتفق مع الدولة العلمانية فى أن الأمة أو المجتمع هو مصدر السلطات. وتختلف الدولتان (الإسلامية والعلمانية) عن الدولة الدينية فى ذلك الأمر، إلا أن الدولة الإسلامية تختلف أيضاً مع الدولة العلمانية فى تطبيق مبدأ "الأمة مصدر السلطات" الذى يعبر عن حق المجتمع المطلق فى السلطة.
فالدولة العلمانية فى تنفيذها هذا المبدأ تعتنق نظرية العقد الاجتماعى، وهو أن الأمة تتنازل عن جزء من سيادتها لحاكم ومجموعة من الناس لكى تحكم بالنيابة، وتنتخب الأمة مجموعة تمثلها فى البرلمان وتنوب عنها فى التشريع ومساءلة الحاكم، باختصار فالأمة فى الدولة العلمانية لا تحكم وإنما تنيب عنها من يحكمها وتنيب عنها من يمثلها ويتحدث باسمها، وهذه نقطة الخلاف بين الدولة المدنية الإسلامية والدولة المدنية العلمانية.
فالخطاب السياسى والتشريعى فى القرآن لا يتوجه إلى حاكم مسلم أو سلطة حاكمة مميزة تختص بالحكم والتشريع والتطبيق. وإنما يتوجه إلى الأمة التى تحكم فعلاً نفسها بنفسها وفق ما يسمى بالديمقراطية المباشرة والتى يكون فيها الحاكم موظفاً بعقد وبأجر ولمدة محدودة لينفذ المطلوب منه باعتباره أجيراً وخادماً للأمة، فإذا انتهى عقده رجع إنسان عادياً يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق.
ولكى تمارس الأمة هذا الحق المطلق لها فى السلطة فإن القرآن قام بتحويل هذا الحق إلى فريضة ملزمة واجبة وقرنها بالصلاة والزكاة، وذلك فى سورة "الشورى" قبل أن يقيم المسلمون لهم دولة، وسورة الشورى مكية، وفيها يقول تعالى يصف المجتمع المسلم المدنى فيقول من ضمن ملامحه ﴿وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (الشورى 38) فجاءت الشورى بين الصلاة والزكاة لتؤكد أنها فريضة كالصلاة تماماً، فإذا كانت الصلاة فرض عين فالشورى كذلك، وإذا كانت الصلاة تؤدى فى المسجد فكذلك كانت الشورى، وإذا كانت الصلاة لا تصح فيها الاستنابة والتمثيل النيابى فالشورى أيضاً كذلك. كما أن الحديث عن الشورى جاء وصفاً للمجتمع القوى الذى يمسك زمام أموره بنفسه، فقال تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ﴾.وكون أمرهم شورى بينهم يؤكد على اشتراكهم جميعا فى مسئولية القيام بالأمر على قاعدة المساواة، بلا فرق بين غنى أو فقير ، رجل أو امرأة.
وهنا يتأكد نفس الخطاب القرآنى فى التوجه للمجتمع بأسره دون حاكم. فى التشريع الإسلامى فى الدولة الإسلامية يأتى الخطاب دائماً للمجتمع وعن المجتمع عندما يكون التشريع عاماً وغير مختص بعصر النبى وحده، واقرأ مثلاً ﴿وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ﴾ (الأنفال 60) ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ (البقرة 178) ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ﴾ (النساء 35) ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ﴾ (النساء 5،6).
وعندما انتقل المسلمون إلى المدينة وأقاموا لهم دولة "مدنية" كانت مجالس الشورى تعقد فى المسجد وينادى على الناس بأذان يقول "الصلاة جامعة". وفى بداية الأمر تثاقل بعض الأنصار عن حضور مجالس الشورى، وبعضهم كان يعتذر للنبى قبل الحضور، وبعضهم كان يعتذر بعد الحضور وبعضهم كان يتسلل لواذاً بعد الحضور دون استئذان. وذلك التثاقل يعنى أن ينفرد بالأمر قلة لا تلبث أن تحتكر السلطة، وتتعطل فريضة الشورى ويضيع حق الأمة بسبب تهاون أبنائها وتحولهم إلى "أغلبية صامتة"، من أجل ذلك نزلت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النور، وهى من أوائل السور المدنية، نزلت الآيات تجعل حضور مجالس الشورى فريضة إيمانية تعبدية وتهدد وتحذر من يتهاون فى الحضور، والتزم المسلمون بعدها فى حضور مجالس الشورى، وتحدثت سورة المجادلة عن مكائد المنافقين وإشاعاتهم فى تلك المجالس (المجادلة 7: 13).
ولأنه ليس فى الدولة الاسلامية حاكم فرد ـ ديمقراطى أو استبدادى ـ ولأن المسلمين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم وفق نظام محدد أشار اليه القرآن وفصلناه فى مؤلفات لنا سابقة فإن النبى محمدا عليه السلام حين مات لم يرشح بعده حاكماً بل ترك الأمة تحكم نفسها بنفسها وفق ما تعودوا عليه فى عصره . وأول خروج عن تعاليم الاسلام حدث حين أقام المهاجرون أبا بكر حاكما بسبب ظروف استثنائية كانت لمواجهة هجوم المرتدين على المدينة فاحتاجوا الى قائد حربى ما لبث أن تحول الى حاكم فردى ديمقراطى. ثم تزايد العصيان لتشريع الاسلام بالفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا لتعتدى على من لم يعتدوا على المسلمين ويحتلوا بلادهم ، وأدى الوضع الجديد ـ الفتوحات ـ الى الحروب الأهلية، والتى أدت بدورها الى تدمير الحكم الديمقراطى للخلفاء الراشدين وتحوله الى حكم استبدادى وراثى قائم على القهرهو الحكم الأموى العسكرى القبلى ، وهو الذى أسلم الراية الى الحكم العباسى الدينى الذى شهد تدوين التراث للمسلمين ليبرر الدولة الدينية ويؤكد زورا انتماءها للاسلام بالأحاديث المنسوبة كذبا للنبى محمد عليه السلام والفتاوى التى أصدرها علماء السلطان المستبد . 
الشيخ على عبد الرازق الذى قال بالفصل بين الإسلام والدولة أساء فهم الآيات القرآنية التى كانت تخاطب مجتمعاً ولا تخاطب حاكماً أو رئيساً. ولأن العقول عاشت على وجود رئيس يستأثر بالسلطة ويتوجه إليه الخطاب فإن الشيخ على عبد الرازق فهم خطأ أنه ليس فى الإسلام دولة،لآن القرآن لا يخاطب حاكما. وفعلاً فإنه ليس فى الإسلام دولة ثيوقراطية أو حتى دولة رئاسية، وإنما هى دولة يحكمها شعبها بالديمقراطية المباشرة وفق نظام الدولة السويسرية فى عصرنا. إن أساس قوة هذه الدولة فى قوة أفرادها وقوة المجتمع، والشورى فى مصطلح القرآن وشريعته هى فن ممارسة القوة. وكل فرد مفروض عليه أن يمارس الشأن العام بحيوية وفعالية. وليس من حق أحد أن يستأثر بالسلطة. وإذا حدث ذلك فإن الشورى تصبح فريضة غائبة.
(4) حق المجتمع المطلق فى الثروة:
الثروة فى الأصل ملك لله تعالى، وقد جعلها حقاً مطلقاً للمجتمع، وهى حق نسبى للأفراد بحسب العمل وحسن الاستغلال والاستثمار، وهى حق للورثة طالما أحسنوا الاستغلال والاستثمار، فإذا تصرفوا بسفاهة قام المجتمع بالحجر عليهم والالتزام بالإنفاق عليهم وحسن معاملتهم. نستفيد هذا من قوله تعالى ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً. وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء 5: 6) فالمال حق مطلق للمجتمع ولهذا كان الخطاب للمجتمع فى الإشراف على الثروة ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ والمجتمع هو القائم على تنمية الثروة ﴿الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾ فإذا أحسن الفرد القيام على تنمية ثروته كانت حقاً له ﴿فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ويتجلى هذا فى الفرق بين كلمتى "أموالكم" و"أموالهم" فى الآية.
وبالنسبة لمن يعجز عن الكسب فإن له حقاً فى ثروة الأمة، والقرآن يؤكد على "حق" السائل والمحروم وحق المسكين واليتيم وابن السبيل فى الصدقات الفرية والصدقات الرسمية كقوله تعالى ﴿وَالّذِينَ فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ. لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج 24: 25)، ﴿وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات 19) ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ﴾ (الإسراء 26) ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ﴾ (الروم 38) ﴿وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (الأنعام 141).ويلاحظ هنا ان حقوق الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل لا شأن لها بالعنصر والدين والايمان والكفر والملة والطائفة والذكورة والأنوثة. يكفى أن يكون أحدهم فقيرا أو مسكينا أو ابن سبيل أو يتيما ليأخذ حقه . 
(5) حق المجتمع المطلق فى الأمن:
الوظيفة الأساسية للدولة الإسلامية نحو أفرادها هى إقامة القسط وضمان حرية العقيدة وحمايتهم داخليا وخارجيا بتوفير الأمن الداخلى والخارجى. الأمن ضد الخطر الخارجى يعنى أن يكون للمجتمع جيش قوى يرهب الأعداء من الاعتداء عليه ﴿وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ﴾ (الأنفال 60) وهذا الاستعداد لإرهاب العدو يعنى ردعه عن التفكير فى الاعتداء وبالتالى حقن الدماء ـ دماء العدو ودماء أبناء الدولة الاسلامية ـ وهذا يقع ضمن مشروعية القتال فى الدولة الإسلامية. انها دولة تعتنق السلام كفريضة دينية فى تعاملها الدولى، اذ لا مجال فى شريعة الاسلام للاعتداء على أحد بل مجرد رد العدوان بمثله. وشان الدولة المسالمة أن يتشجع المعتدون على الاعتداء عليها اذا اقترن السلام عندها بالضعف، ولذا كان لا بد من أن يقترن السلام بالقوة الحربية لتخويف المعتدين وردعهم. وبذلك فان القرآن الكريم فى تشريعاته قد سبق سياسة الردع النووى الى استعملها المعسكران الغربى والشيوعى فى النصف الثانى من القرن السابق. 
مشروعية القتال فى الدولة الاسلامية تتفق والقسط والعدالة، فكل الآيات التى تحض على القتال هى أوامر تشريعية تخضع لقواعد تشريعية تحصر القتال فى الدفاع ورد الاعتداء بمثله ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ﴿فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة 190،194) ثم المقصد النهائى للقتال هو أن يكون لمنع الاضطهاد والإكراه فى الدين، والمصطلح القرآنى هو الفتنة وتعنى الإكراه فى الدين، يقول تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للّهِ﴾ (البقرة 193) ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله﴾ (الأنفال 39) ومعنى أن يكون الدين كله لله أى بدون كهنوت، وأن يكون الناس أحراراً فى اختيار ما يشاءون من عقائد حتى لا تكون لأحدهم حجة أمام الله تعالى يوم القيامة.
إذن فالعدل والقسط هما أساس التعامل مع العدو الخارجى ويكون بتكوين دولة قوية بجيشها وأهلها، لتؤكد حق المجتمع المطلق فى الأمن. 
كما أن من حق الأفراد النسبى أن يعيش كل منهم آمناً وعلى أساس التساوى وبحيث لا يستأثر فرد واحد بالحماية دون الآخر، حتى لو كان ذلك الفرد هو رئيس الدولة، وفى الدولة الدينية والدولة المستبدة العلمانية والعسكرية ، وحتى فى الدولة الديمقراطية التمثيلية نرى نصيب الحاكم فى الأمن يفوق ما للفرد العادى من الحماية. بل ان الدول المستبدة ـ علمانية أو دينية ـ تنفق على الأمن السياسى الذى يعنى أمن الفرد الحاكم وزمرته أضعاف ما تنفق على الأمن الجنائى الذى يحمى المجتمع كله. 
ان الأمن هو مقياس مدى ما يتمتع به الحاكم من سلطات. فى دول الديمقراطية المباشرة يكون الحاكم أجيرا حقيقيا للمجتمع لا يتميز عن الشخص العادى بشىء ، وهكذا كان النبى محمد عليه السلام فى حياته فى مكة والمدينة ، يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق بدون حراسة، شأن كل شخص عادى. عندما يزداد نفوذ الحاكم فى الديمقراطية التمثيلية يكون ذلك على حساب الشعب الذى تنازل عن جزء من سلطته للحاكم وأعوانه، وبالتالى يحتاجون الى حماية أمنية وحراسة بوليسية ظاهرة ومستترة تتساوى وما أخذوه من حقوق الناس بالرضا أو بالظلم. اذا وصلنا الى الحاكم المستبد الذى يسرق حقوق شعبه الاقتصادية والسياسية والانسانية نجده فى حالة رعب من الناس اعترافا منه بما ارتكبه فى حقهم . لا بد له من ارهابهم وتعذيبهم ليسكتوا عن المطالبة بحقوقهم خوفا من هيبة الدولة التى هى هيبة الحاكم الفرد نفسه. وبزيادة الظلم والتعذيب يزداد خوف الحاكم أكثر وتطارده صرخات ضحاياه ، فيحاول التخلص من تلك الكوابيس بالمزيد من اجراءات الأمن فيزداد الارهاب على المواطنين ويزداد بالتالى هلع الحاكم من انتقام منتظر قادم لا محالة ، وهكذا يدور المستبد فى حلقة مفرغة متزايدة من الظلم والارهاب والخوف من الانتقام القادم أو احتمال الثورة بحيث لا تكفى قوى الجيش والبوليس وأجهزة الأمن المختلفة فى أن تجعل المستبد المذعور الملعون يحس بالأمن. ولو أنصف لأعطى الناس حقوقهم بالعدل والمساواة وتمتع معهم بالأمن والحرية ، وعاش حياته بين الناس متنمتعا بالحب والاحترام أثناء فترة عمله رئيسا وبعد تركه العمل شأن كل خادم للشعب أو حاكم فى نظام الديمقراطية المباشرة حيث لا يمتاز عن غيره من المواطنين فى الحراسة والأمن.
ثانياً: فى الدولة الدينية فى تاريخ المسلمين:
الشورى الاسلامية وحقوق الانسان ضاع فى الدولة الأموية القائمة على العسف والقوة الظالمة فى سياستها العملية، ثم جاءت الدولة العباسية وقامت بتشريع ذلك الابتعاد عن شرع الله تعالى عن طريقين: (1) إسناد أحاديث زائفة للنبى تشرع ذلك الخروج عن شرع الله تعالى. (2) إلغاء التشريع القرآنى الذى يخالفهم بدعوى أنه منسوخ، مع أن النسخ فى مصطلح القرآن يعنى الإثبات والكتابة وليس الحذف والإلغاء، والأهم من ذلك كله أن الدولة العباسية التى شهدت تدوين التراث تجاهلت تدوين السنة الحقيقية للنبى فى إعداده للأمة وتربيته لأفرادها، والقرآن الكريم أشار إلى مهمة النبى فى المدينة ومنها أن يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، أى يسمو بهم، وكان ذلك يتم عن طريقين، الأولى فى خطب الجمعة والأخرى فى مجالس الشورى، ولقد عاش النبى فى المدينة عشر سنوات، وخطب أثناءها الجمعة أكثر من خمسمائة مرة، ومع ذلك تجاهل التدوين العباسى تسجيل تلك الخطب. كما أهمل تسجيل ما كان يدور من حوار سياسى ونقاشات فى مجالس الشورى، وظلت الآيات التى تحدثت عن هذه المجالس فى سورتى النور والمجادلة بدون روايات تاريخية حقيقية تعززها.
والواقع أن الدولة الأموية كانت تحكم بقانون القوة، ولم تكن تهتم كثيراً باستصدار فتاوى تبرر ما تقوم به من فظائع بلغت قتل الحسين وآله وانتهاك حرمة الكعبة والحرم واستباحة المدينة ثم قتل مئات الألوف فى ولاية الحجاج على العراق. ولعل خطبة عبد الملك بن مروان سنة 75 هـ أمام أهل المدينة توضح هذه السياسة، إذ قال "أما بعد، فلست الخليفة المستضعف- يعنى عثمان- ولست الخليفة المداهن- يعنى معاوية- ولست الخليفة المأفون- يعنى يزيد بن معاوية- ألا وأنى لا أداوى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم، فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا وبينكم، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه" ومن يتأمل هذه الخطبة لا يصدق أن حاكماً مسلما يمكن أن يقولها علنا للمواطنين.
وجاءت الدولة العباسية تكرر نفس السياسة ولكن تقوم بتبريرها وتشريعها عن طريق فقهائها، ولذلك كان أبو جعفر المنصور يخطب فيعلن فى عرفات للناس "إنما أنا سلطان الله فى أرضه أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه". وهذا هو المبدأ الأساسى للدولة الدينية فى الخلافة العباسية والفاطمية والعثمانية، وهو أيضاً نفس المبدأ للإمبراطورية الرومانية المقدسة. أن يحكم الخليفة أو الإمبراطور بالسلطة الإلهية ويملك بها الأرض ومن عليها، ويعاونه فى ذلك رجال الدين وفقهاء السلطة، ومن هذه السياسة نبتت تعبيرات مختلفة منها "الراعى والرعية" و"أهل الحل والعقد". وتعنى أن الحاكم المتآلة هو الراعى وأن المجتمع مجموعة من القطعان يتصرف فيهم الراعى كيف يشاء باعتبار أنه يملك هذه الرعية ومسئول عنها أمام الله وحده، ولا يمكن لأحد من القطيع أن يسائل الراعى. ولكن الذى يعاون الراعى فى قيادة القطيع هم الملأ الذين يستشيرهم الراعى وهم أهل الحل والعقد.
ومن العبث هنا أن نتساءل عن القسط أو عن الحق فى حرية العقيدة والتعبير أو سائر الحقوق النسبية، فقد احتكرها شخص واحد وصار بها مستبداً مدعياً للألوهية.

التناقض بين حقوق المواطنة بين الدولتين:
إذا كان هذا هو حال الأفراد المسلمين داخل الدولة الدينية، فما هو وضع غير المسلمين فيها.. ثم ما هو وضعهم فى الدولة الإسلامية.
(1) نبدأ بالدولة الإسلامية:
هنا نشير إلى أن مصطلح الإيمان والإسلام فى التعامل البشرى بين أفراد الأمة والمجتمع يعنى الأمن والأمان والسلم والسلام. فالمؤمن هو المأمون الجانب مهما كانت عقيدته، والمسلم هو المسالم مهما كان دينه. والجميع مهما اختلفت أديانهم هم مسلمون مؤمنون طالما لا يرفع أحدهم السلاح ضد الآخر، والجميع مهما اختلفت دياناتهم وعقائدهم ومذاهبهم موعدهم أمام الله تعالى يوم القيامة ليفصل بينهم فيما كانوا مختلفين. وإلى أن يأتى هذا اليوم فالجميع يعيشون فى إطار العدل والقسط والمساواة ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. والآيات فى ذلك بالمئات فى القرآن، ولكن نستشهد بآية واحدة جاء فيها الإذن بالقتال، ونصت على حيثيات الإذن بالقتال واختتمت بالمقصد التشريعى للقتال وهو حماية دور العبادة من صوامع وبيع وصلوات لليهود والنصارى ومساجد للمسلمين وفيها جميعاً يذكر أصحابها الله تعالى كثيراً (الحج 40).
ثم نستشهد بآية أخرى يتحدد فيها مفهوم المواطنة، يقول تعالى ﴿إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ﴾ (القصص 4) فالطائفة المستضعفة كانوا بنى إسرائيل، والقرآن يعتبرهم ضمن أهل مصر مع اختلافهم العرقى والدينى. أى أن تشريع القرآن يجعل الوطن للجميع بدون أقلية أو أكثرية. وفى نفس الوقت فإن الدين كله لله تعالى بلا كهنوت فى الدنيا، ومرجعه لله تعالى يحكم فيه فى الآخرة، أى أن مقولة "الدين لله والوطن للجميع" هى تشريع قرآنى.
ولكن ذلك التشريع القرآنى خالفته الدولة الأموية حين تعصبت عنصرياً ضد غير العرب من الموالى والأقباط المصريين والأنباط فى الشام والبربر فى شمال أفريقيا. ثم جاءت الدولة العباسية منذ خلافة المتوكل العباسى وتعصبت ضد غير المسلمين من النصارى واليهود وضد غير السنيين من الشيعة والصوفية. وفرضت زياً معيناً لتحقير أهل الكتاب، وقبل ذلك تم فرض الجزية على غير المسلمين خلافاً للتشريع القرآنى واعتبروهم مواطنين درجة ثانية فى إطار أنهم أهل الذمة. وتبارى فقهاؤهم فى التعقيد الفقهى لذلك التشريع المخالف للقرآن الكريم.

وفى النهاية:
نقررالحقائق التالية:
1- أن الدولة الإسلامية ليست يوتوبيا خيالية، بل قد أمكن تأسيسها من لا شىء فى عصر النبى محمد وصمدت بعدها، وكان نتيجة انهيارها فى الفتنة الكبرى حروباً طوالاً، أى لم تسقط بهدوء، ولكن قاومت بشراسة حتى أن المقاومة استطاعت إنهاك الدولة الأموية وإسقاطها فى عنفوان شبابها. ثم جاءت الدولة العباسية بعد أن خدعت المسلمين بشعار "الرضى من آل محمد" وزعم إعادة الدولة الإسلامية للنبى محمد . ولكنهم ما لبثوا أن أقاموا دولة تتمسح بالاسلام وتناقضه فى نفس الوقت.
2- برغم التحريف وإرساء قواعد تشريعية للدولة الدينية فى العصر العباسى فإن حقائق القرآن المنزه عن التحريف لا تزال تحتفظ بأسس الدولة الإسلامية وتناقضها مع الدولة الدينية التى عرفها المسلمون والغرب على السواء.
3- "الاسلام هو الحل" شعار يرفعه الاخوان المسلمون لخداع الناس واتخاذ الاسلام مطية يصلون بها للسلطة. ونحن نقول " الاسلام هو الحل " فعلا فى تعرية الاخوان المسلمين واثبات عدائهم للاسلام الذى يتمسحون به. الاخوان المسلمون هم ثقافة دينية تنتمى للعصور الوسطى المظلمة بتعصبها وتطرفها واستبدادها ، وهم أكبر من أن يكونوا مجرد تنظيمات سرية وعلنية. أى اننا لا يمكن أن نواجههم الا بثقافة اسلامية مستنيرة من داخل الاسلام. ومن حسن الحظ أن الاسلام يناقضهم على طول الخط عقيديا وتشريعيا وسلوكيا وأخلاقيا وثقافيا. ومن هنا نقول ان " الاسلام هو الحل " فى مواجهة الاخوان المسلمين . لا بد من مواجهتهم بالاسلام .
4- أن الدولة العلمانية الحديثة هى الأقرب للدولة الإسلامية، ولكن أقرب النظم الحديثة للدولة الإسلامية هو نظام الديمقراطية المباشرة فى الاتحاد السويسرى.واذا كانت الدولة الاسلامية فى عصر النبى محمد قد سقطت لأنها كانت ضد المناخ السائد فى العصور الوسطى فان مبادئها تتسق مع المناخ السائد فى عصرنا، وهى فعلا موجودة على أرٍض الواقع فى الاتحاد السويسرى ، وبصورة أقل فى الديمقراطيات الغربية النيابية التمثيلية.
5- إن نظام العقوبات أو ما يعرف بالحدود فى الدولة الإسلامية جرى تحريفه فى التطبيق التاريخى للمسلمين كما جرى تدوين ذلك التحريف فى تشريعات الفقه التراثى. وهذا يستلزم بحثاً خاصاً فى إطار التشريع القرآنى واختلافه عن تشريع الدولة الدينية وتراثها.

جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
ا لوهابية السعودية والاخوان المسلمون

د. أحمد صبحى منصور
يوني ة 2007
more

اخبار متعلقة