مغامرة جمال مبارك مع أهل البيزنس في مواجهة شبح المجاعة!

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٣ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


منال لاشين



انت وجوه المصريين في الإعلانات تنضح بالصحة والسعادة والأمل، شباب ونساء لم تجد مثلهم في شوارع القاهرة أو حواري المحلة أو أقاصي الصعيد، كان اعلان الحزب الوطني «مصر بتتقدم بينا» يقطع الحوار مع جمال مبارك علي القناة الأولي بوجوه لمواطنين «سوبر». مواطنون يصعب تصور أنهم عانوا في طوابير وخناقات رغيف العيش أو يخافون الاسعار أو يشعرون بالاكتئاب من شبح البطالة، بعد اعلان الحزب الوطني توالت الاعلانات اللطيفة في فواصل متعددة، إعلان عن أول ملعب جولف في الساحل الشمالي وآخر عن فيللات وقصور القاهرة الجديدة والشروق والتجمع الخامس، وثالث عن مزايا السفر مع الرحلات الجوية لشركة طيران وسياحة، ولكن بين فواصل الاعلانات اللطيفة كان جمال مبارك يتحدث للمواطنين في مصر الأخري يتحدث لمواطنين لم يسافروا «جوا» جدا مع شركة الطيران، ولم يسارعوا بالحجز في جولف الساحل الشمالي، ولا حتي هرولوا لشراء فيللا صغيرة في التجمع الخامس، لهؤلاء المواطنين الغلابة خصص جمال مبارك الجزء الأول من حواره مع رئيس قطاع الأخبار الإعلامي عبداللطيف المناوي في برنامجه وجهة نظر، ولكن السؤال المهم.. إلي أي من العالمين ينحاز جمال ويراهن علي من؟ أي من العالمين سيخرج منتصرا وحائزا علي دعم أمين السياسات وحزبه وحكومته؟

فقد قرر أمين السياسات بالحزب الوطني أن ينزل للساحة الاعلانية بنفسه ودون وسيط، وكان آخر حوار تليفزيوني لجمال مع المناوي في نفس البرنامج ومنذ أكثر من عام، كان جمال قد اكتفي خلال هذه الفترة بالتحدث في الجولات والمؤتمرات الحزبية خلال الانتخابات الداخلية للحزب ثم انتخابات المحليات.

ومن اللحظة الأولي للبرنامج كان واضحا أن جمال مبارك لديه رسالتان يريد ارسالهما عبر شاشة التليفزيون، أولاهما رسالة جماهيرية تبعث الأمان والأمل في نفوس المواطنين والأخري رسالة سياسية للرد علي هجوم المعارضة علي الحزب وسياساته. رسالة جمال الجماهيرية كانت شرحا للاجراءات التي اتخذها الحزب الوطني وحكومته للتخفيف عن المواطنين في مواجهة وحش الغلاء خاصة في مجال الطعام، وأن الحكومة مستمرة في دعم الفقراء تحت أي ظرف من الظروف.. من الموضوعية القول بأن جمال مبارك كان واضحا ومحددا في هذه الرسالة، ولكن الصعب أيضا القول بأن رسالة جمال مبارك قد وصلت أو حققت أهدافها، فالمواطن بعد اكثر من ساعة من الاستماع لجمال مبارك خرج يائساً أو علي الأقل مرتبكا تتخبطه أمواج الحيرة وتقترب به من شواطيء اليأس والخوف.

المثير أن الرسالة الثانية السياسية لجمال مبارك قد ضربت الرسالة الجماهيرية الأولي، والنصف الثاني من الحوار قد هز أركان الأمل الذي منحه جمال للمشاهد في النصف الأول من الحوار، الرسالة الثانية لجمال مبارك أو النصف الثاني من الحوار كان مخصصاً للرد علي انتقادات المعارضة حول سياسات الحزب وتوجهاته وقد فضل جمال استخدام كلمة «هجوم» بدلا من انتقادات أو حتي وجهات النظر الأخري بحسم شديد كان جمال واضحا في رفضه الالتقاء مع الآخرين في منتصف الطريق أو حتي التخلي ولو بخطوة واحدة عن الطريق الذي يسير فيه حزبه وحكومته، رفض جمال الافكار الخاصة بزيادة الضريبة علي الاثرياء أو تعديل قانون الضرائب، بدأ جمال مقتنعا 100% بأن خفض الضريبة إلي حد 20% بدلا من 40% قد أتي ثماره وتضاعف الحصيلة ثلاث مرات ولم ينس جمال أن يذكر بوضوح اتهامات المعارضة لهم في قانون الضرائب الجديد «هاجمونا وقالوا لصالح رجال الأعمال»، وأضاف جمال أن كل مواطن أصبح يدفع ضريبة أقل، ولكن جمال مبارك نسي أن طلب رفع الضرائب علي الاثرياء بـ 5% جاء في أعقاب الأزمة الحادة في أسعار الغذاء وكان أصحاب الاقتراح يقدمون حلا لتمويل ارتفاع فاتورة دعم القمح والمواد الغذائية، جمال مبارك انحاز برفضه رفع الضرائب علي الاثرياء إلي مصر جولف الساحل الشمالي وفيللات وقصور التجمع الخامس، فليس من العدالة أن يدفع الغني والفقير نفس النسبة من الضريبة 20% يدفعها الموظف في أي شركة اتصالات، 20% يدفعها نجيب ساويرس!

القضية الاكثر خطورة هي استمرار جمال مبارك في الرهان والانحياز للقطاع الخاص ورفضه فكرة دخول الدولة كمنتج مباشر. جمال لايزال واقفا بأفكاره عند تدخل الدولة عبر أجهزة رقابية لضبط الاسواق، لم يغير جمال في رسالته ولا حتي مجرد حرف، وهذا مؤشر يجلب الخوف، ولايبعث بمنتهي الصراحة علي الأمل في اجراءات حزب جمال وحكومته علي المدي الطويل لمواجهة أزمة الغذاء، ويبدو أن اصداء الأزمة وتداعياتها لم تصل بقوة إلي جمال مبارك رغم تأكيده أن الحزب يتابع تطورات الأزمة العالمية. العالم الآن يعيش أزمة خطيرة في توفير أسعار الطعام، أزمة دفعت دولة رأسمالية قوية واقتصادات راسخة للفزع، ودفعت بعض خبراء البنك الدولي للتحذير من آثار العمولة الأفكار الاقتصادية التقليدية دول عديدة في النظام الرأسمالي تخلت عن فكرة «الدولة الحارسة» ونزلت الساحة بقوة الدولة للحفاظ علي بنوكها وشركاتها الوطنية، وفي ظل الأزمة الجديدة ليس من الصعب توقع ازدياد تدخل الدولة باشكال جديدة ومتنوعة لتوفير الطعام لمواطنيها والدول الصناعية الكبري تتخذ اجراءات حماية في أسواقها بالمخالفة لآليات السوق، أين نحن وجمال مبارك من هذه الأشكال؟ وهل تجدي يد الدولة الرقابية في مواجهة شبح المجاعة الذي يخيم علي العالم؟

ففي مصر لم تنجح الأجهزة الرقابية وآليات الاقتصاد الحر في إحداث أثار ملموسة في السوق نحن نعيش في ظل سوق عشوائي يرفع شعار «اكسب واجري»، وانخفاض الاسعار في العالم في الفترات السابقة لم يؤثر في الاسعار في مصر، وبالمثل لم يؤثر انخفاض سعر الدولار لأكثر من جنيه في أسعار السلع حتي القرارات الأخيرة التي أشار إليها جمال بوقف تصدير الأرز والأسمنت لمدة 6 أشهر لم تحدث انخفاضا حقيقيا في سعر الارز ولا الأسمنت، لاتزال أرباح الأسمنت نحو 100% وبالمثل أرباح الأرز الذي يزرع في مصر، ويدعم من أموالنا من خلال الدعم المقدم للمزارعين في الأسمدة والمياه والتقاوي أسعار الزيت في مصر أعلي من أسعاره في العالم، والاسعار ترتفع يوميا في مخالفة صريحة لآليات السوق الحر التي تفترض أن تسعير السلعة يحدد كل ثلاثة أو ستة أشهر، والاعتماد علي هذا القطاع في ظل شبح المجاعة الذي يهدد العالم سيؤدي إلي كوارث، واستمرار رهان جمال مبارك علي هذا القطاع في ظل الأزمة العالمية هو مغامرة خطيرة سندفع ثمنها غاليا، ليس لدي جمال مبارك ضمانة واحدة في ألا يستمر القطاع الخاص في رفع الاسعار حتي لو ذهب المجتمع للجحيم، ليس لديه ضمانة واحدة في ألا يبيع القطاع الخاص القمح الذي سنزرعه في السودان لأي دولة أو حتي شركة تدفع ثمنا اكثر من مصر؟ ليس لديه ضمانة حقيقية فعالة لمواجهة تحالفات رجال الأعمال في قطاعات عديدة لرفع الأسعار، لن تنتظر «معدة» المواطن الرحلة الطويلة لرقابة الدولة مثلما حدث في الأسمنت ولايزال يحدث في الحديد، رحلة تستغرق أعواما، بداية الرحلة ارتفاع مفاجيء وشديد ومتوال في سعر السلعة، ثم تبدأ الحكومة بعد عدة أشهر من الارتفاع بالاعتراف بوجود أزمة ويطلب وزير الصناعة والتجارة من جهاز المنافسة دراسة سوق هذه السلعة، وبعد كام شهر من الدراسة يقرر الوزير احالة الملف إلي التحقيق في جهاز المنافسة، وبعد اكثر من سنة يصدر الجهاز تقريرا - أو لا يصدر- وتحال الشركات المنتجة للسلع إلي النيابة ثم المحكمة وبعد كام سنة تصدر المحكمة حكمها بالغرامة.. أزمة الطعام العالمية لاتتحمل هذه الاجراءات الطويلة والفنية والمعقدة.

وبالطبع لا أطالب جمال مبارك وحزبه وحكومة حزبه بالعودة للوراء أو تطبيق النظم الاشتراكية البالية، لكن النظام الرأسمالي لايمنع من وجود استثمار مباشر من المال العام في شكل شركات مساهمة تعامل نفس معاملة القطاع الخاص، وتعمل وفق آليات النظام الرأسمالي، الأزمة الخانقة للطعام كان يجب أن تحفز جمال مبارك ومجموعته علي ابتكار حلول جديدة تضمن السير في النظام الرأسمالي ولكنها لاتفقد الدولة سيطرتها المباشرة علي المواد الاستراتيجية لتوفير الغذاء للمواطن الفقير، أفكار مثل الشراكة بين المال العام والخاص في المشروعات الغذائية واستصلاح الأراضي، شراكة يصبح فيها للمال العام السيطرة علي القرار وفق آليات الاقتصاد الحر من خلال السيطرة علي نسبة 60% من رأسمال الشركة أو إنشاء مشروعات مشتركة بين المحليات والقطاع الخاص في اطار لا مركزي لتوفير السلع الغذائية الرئيسية.

من المؤسف والمقلق معا أن جمال مبارك لايزال يفكر في اتجاه معاكس. منح التسهيلات.. كل التسهيلات للقطاع الخاص واطلق يده في تنفيذ خطة الدولة دون ضمانات ألا يرد القطاع الخاص جزءا من الجميل أو التسهيلات. وإذا كان جمال مبارك وحزبه مصرين علي هذه السياسة رغم الأزمة العالمية الخانقة فلن يتغير الوضع إلي الأفضل، ومن المتوقع أن يظهر جمال مبارك في التليفزيون بعد عام أو اكثر بنفس المنظومة رسالة تهدئة للمواطنين الفقراء تقطعها فواصل اعلانية عن مصر الأخري، مصر جولف الساحل الشمالي وفيللات التجمع الخامس ومزايا السفر الفاخر في حين يبحث المواطن عن تذكرة سفر بلا عودة لأي دولة أخري للبحث عن فرصة عمل أو يغرق في مراكب الهجرة غير الشرعية أو يفقد السيطرة علي أعصابه في الشارع علي غرار ما حدث في شوارع المحلة، وساعتها لن تجدي الأجهزة الرقابية للدولة ساعتها قد نحصد مرارة الرهانات الخاسرة للحزب الوطني وحكومته.

اجمالي القراءات 2060
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق