«الدستور الأصلي» ينشر الدليل النموذجي للثورات.. «مراجعة ليلة الامتحان»

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الدستور


«الدستور الأصلي» ينشر الدليل النموذجي للثورات.. «مراجعة ليلة الامتحان»

محاولة إنهاء الثورة بحجة نجاحها.. وبث الفرقة والتخوين بين الثوار.. وانتخابات ثورية "صورية".. أهم وسائل ضرب الثورة

منذ ابتدع الله عز وجل الخليقة وأنزل آدم وحواء أرضاً أمرهما باستعمارها، ومنذ أن بدأت الجماعات البشرية تفكر في طرق وأنظمة تحكمهم وتنظم شئونهم وتُسيّر حياتهم بصورة أفضل، والإنسان في حالة انقلاب دائمة على تلك الأنظمة حتى يصل إلى صيغة أفضل يرتضيها لنفسه، ثم ينقلب عليها من جديد، وهكذا وعلى مدار قرون ظلت البشرية تبدّل أشكالا مختلفة من الأنظمة، فتعترض عليها مرة، وتثور عليها مرة، وتمحيها بصورة دموية مرة أخرى.

ولأننا نعيش تلك الأيام مرحلة ثورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أو ما يعرف بالربيع العربي، فقد رأينا أنه من الأنسب أن نفتح سوياً دليل الثورات، ذاك الدليل الذي يحمل في ذاكرته تأريخا لتصرفات الشعوب وردود أفعالها على أنظمتها ومن حكموهم في إطار تلك الأنظمة، لماذا ثارو وكيف ثارو وماذا كانت نتيجة ثورتهم؟ وكيف شاهد العالم تلك الثورة؟ وهل وجدوها مجزية محققة بالفعل لطموحاتهم؟ أم أن الوجوه تتبدل ويبقى الطبع غلاب؟.

وبمجرد أن شرعنا في استكشاف الصفحة الأولى من هذا الدليل الثوري، كان أبرز ما فيه واسترعى انتباهنا هو تلك الملامح الروتينية لمختلف المراحل الثورية، ولا تتعجب، فلطالما اتبعت الثورات نفس النموذج بنفس الخطوات ونفس الأخطاء ونفس العقبات ونفس النتائج فيما بدا وكأنهم لم يتعلمو من أخطاء بعضهم بعضا، وهنا يجب أن نشعل مصباح التاريخ لنعرف ويعرف الجميع حكام ومحكومين كيف تكون الثورات.

1- قمع أمني وتدهور اقتصادي

هكذا تكون البداية دائماً، أحوال اقتصادية متدهورة، خط الفقر يتوحش بصورة مخيفة، يأكل الجميع ويزحف من الطبقة الدنيا للوسطى حتى لا يبقي فيها ولا يذر، البطالة صفة تلتصق بالجميع، الفساد منتشر بين شريحة لا تحصى وتنهب أموال شريحة لا تعد ولا تحصى.

وفي مثل هكذا ظروف طبيعي أن يكون الغضب ممنوع والاعتراض مرفوع، اللهم لا اعتراض حتى على الجوع، لأن النتيجة ستكون سياسات قمعية في منتهى القسوة، يقابلها ردود رسمية في التليفزيون بأن معدل النمو مرتفع بشهادات تقارير البنك الدولي رغم أن الشعب لا يشعر بالنمو بقدر ما يشعر بالدنو، والمشكلة في الفجوة بين الحاكم والمحكوم، أحدهما يأكل والأخر في الفقر مردوم.

2- انتفاضة شعبية وخروج إلى الشارع

بالمعطيات السابقة نصل للمرحلة الثانية، عندما يبلغ الفقر مداه، والأحوال تصل حداً لا يمكن احتماله، والقهر والتعتيم يستفحلان، هنا يبدأ الناس "بالاستبياع" ويتساوى لديهم الموت بالحياة، لأن حياة مهينة هي موت بكل تأكيد، وينكسر حاجز الخوف عند شريحة من الناس تتشجع بالنزول للشارع، وتجرّ ورائها كثافات بشرية رهيبة كانت في انتظارالإشارة وكأنه المسيح المنتظر، ويخرجو إلى الشارع عازمين على عدم العودة إلا بعد زوال السبب.

النظام هو الأخر يرد بعنف واستغباء مقصود، حتى يصبح الدم للركب، فيرتبك ويخطأ أكثر، وخطأه يزيد الناس إصرارا ويزيل عنهم الخوف أكثر وأكثر ويزيدهم إصرارا على إتمام ما خرجو من أجله، لأنها فرصة تاريخية للتخلص مما يعانون وإلا فعلى المشانق سيعلقون وبالتالي باتت المواجهة يجب وأن تنتهي بغالب أو مغلوب، ولأن الكثرة تغلب الشجاعة ولأنه لا يمكن لأي نظام مهما بلغت قوته مداها ومهمها كانت عصاه الأمنية باطشة أن يهزم شعباً بأكمله، وعليه يسقط الأمن أو يدعي السقوط، ينسحب تحت ستر الهزيمة ومبررها.

3- سيناريو الفوضى.. اشربو يا ثوار

إن أي جهاز أمني في أي نظام قمعي بالتأكيد يشعر بكم القهر الذي يصبه فوق رأس المواطنين، وبالتالي فمواجهاته أمام بني وطنه من المتظاهرين لا تكون في حقيقة الأمر محاولات لدفعهم مصحوبة بفرضية حسنة النية بأنهم عن البلاد يدافعون بقدر ما تكون مواجهات من أجل البقاء "يا أنا يا أنت"، وبالتالي دائما ما يضعون في اعتبارهم تلك اللحظة التي فيها سيهربون وينسحبون، ويعاقبو المنتصر على هزيمتهم بأن يتركو زمام الأمور، ويفتحو السجون والأقسام ويطلقو ما فيها من بلطجية وأثمين، كي يعلم الثوار أنهم كانو مخطئين وعلى فعلتهم نادمين.

4- سقوط رأس النظام

جرى العرف على أن انكسار العصاة الأمنية للحاكم هي بداية انكسار الحاكم نفسه، لأن أحد أهم مظاهر سلطانه ومسوغات بقائه في الحكم قد زالت، وقد بات أعزلا بلا إرادة أمام إرادة الشعب، الذي يفرض عليه ما يريد ويملي عليه كل الشروط، ووقتها سيحاول التفاوض بصورة عبثية على ضمان الخروج الأمن أو الاحتفاظ بمميزاته كرئيس سابق، ولكن دائما ما يسبق السيف العزل، ودائما ما يكون الشعب قد قرر ونفذ قراره فيطيح به من منصبه، بل ويبدأ الحديث حول محاكمة الرئيس وإعدامه لو أمكن انتقاما للثورة والشهداء وفساد سنوات بدون جزاء.

5- محاولة إنهاء الثورة بحجة نجاح الثورة

وفي هذه المرحلة يتولى السيطرة على الأمور شخص من نفس الملة السياسية ولكن بوجه وخطاب جديدين يغازل الثوار وثورتهم العظيمة، يمجد شهدائهم، ويرفع من قدرهم ويلعن نظام قديم لم يترك لهم حتى قوت يومهم، ووقتها ستصاب مشاعر الثوار بالخدر ويفتنون بتلك الكلمات الرنانة وبلفظ ثورة الذي بات معترفا به رسميا بعد أن كان جل أحلامه أن يستجيب لهم مسئول، ويساعد على ذلك رغبتهم في الهدوء وإجهادهم من فرط ما عانون، وبالتالي يستجيبون لذاك السيناريو الشيطاني ويصدقون أنهم بالفعل قلبو وأسقطو النظام، بينما كانت تلك هي الرأسي التي بها أطاحون، والجسد ما زال باقياً يسيطر على كل شبر في أرض ظنو أنهم حرروها من طغاة عهدهم.أ

6- بث الفرقة وتخوين الثوار

تماما كما تخلص محمد علي من كل من كان له الفضل في توليه منصبه كوالي مصر والتخلص من كل مراكز القوة بخلافه في البلاد، هكذا يحدث في أعقاب الثورات، لا بد للحاكم الجديد أن يضمن لنفسه ألا يتكرر سيناريو الثورة المرعب من جديد، يجب أن يحصر الثوار ومراكز القوة في جماعات بعينها يمكن ضربها وتأليب الشعب ضدها، فيستمر اللعب على وتر الثورة والثوار الأبرار ولكن البعض لا يريد لثورتكم أن تكتمل ويحيد بها عن أهدافها الطاهرة الأصلية ولا يريد للاستقرار أن يعود وبالتالي تبدأ القطاعات الأوسع التي خدرت مشاعرها من مغازلة ثورتها تنقلب على تلك الشريحة التي كانت إلى جوارها في الشوارع والميادين وتعتبرها طامعة في السلطة ناسية للثورة متأمرة وخائنة، وتزداد الفجوة بين الطرفين وقد تتطور إلى حرب أهلية يغزيها ذلك النظام الجديد ببلطجية يدعون انتمائهم لصفوف الثوار ويحرقون ويقتلون ويخربون باسم الثورة ولكن في الحقيقة يكون ذلك باسم الخمسين جنيهاً أو بيزو أو دولار التي تقاضونها،  ويقضون على بعضهم بعضا لصالح النظام الجديد الذي ظنوه حلم الثورة المجيد.

7- انتخابات ثورية صورية

تبدأ بعد ذلك الانتخابات المفترض فهيا أنها ثورية ولكنها في حقيقة الأمر صورية، تظهر فيها قيادات الصف الثاني والثالث الذين لم يسبق أن تم تصدريهم للجمهور ولكن كانو يديرون الأمور، ويتبنون أفكارا جديدة تحمل شاعرية ورمانسية الثورة، وأسفل مظلات أحزاب تأسست لتوها وتخوض الانتخابات بدعم حكومي مدعومة بخبرة سنوات من العمل الرسمي، وتتحول من الانتخابات البرلمانية إلى النقابية حتى تحكم السيطرة على كل شبر في البلاد.

بعد سنوات من الركود والسكوت، سوف يشعر الناس أن شيئاً لم يتحقق وكل شئ كما كان، لا جديد، وكأن الثورة لم تكن، الثوار يهانون، الثورة نفسها تهان، بعد أن أحكمت القبضة من جديد وتم تفريق الجميع لجماعات وقبائل متفرقة ضعفهم في فرقتهم بعد أن كانت قوتهم في اتحادهم، وقتها سيخرج الناس إلى الشارع من جديد وكأنك يا أبو زيد ما غزيت ولا بالثورة رحت ولا جيت.

غدا نتابع سوياً تفاصيل الثورة الأرجنتينية 19-20 ديسمبر، كيف قامت ولماذا؟ والأخطاء التي ارتكبتها، وهل تشبه كثيرا ظروف نعرفها ونعيشها، وهل طبّقت هذا الكاتالوج الثوري؟

انتظرونا..

اجمالي القراءات 3863
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق