د. رفعت سيد أحمد يكتب عن مراجعات سيد إمام: الإسلاميون يراجعون «جهادهم

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٧ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصري اليوم


وسط اهتمام إعلامي مصري واسع النطاق، أطلق أحد منظري تنظيم الجهاد المصري مبادرة لإيقاف العنف، الذي هو متوقف أصلاً في مصر، وسماها بمبادرة (ترشيد الجهاد في مصر والعالم)، والمنظر هو الطبيب (الدكتور) سيد إمام الشريف، الذي اشتهر وسط الجماعات الإسلامية باسم حركي هو (الدكتور فضل)، والمبادرة أخذت شكل كتاب نشر علي حلقات في إحدي الصحف المصرية المستقلة (المصري اليوم)، وبعض الصحف العربية، ولاتزال حتي هذه اللحظة تنشر فصولاً منه، لقد أثارت المبادرة جدلاً ولغطًا شديدين، علي الأقل بالنسبة للحركيين الإسلاميين في بلادنا، إلي الحد الذي دفع أحد قادة تنظيم القاعدة في أرض الكنانة - كما يسمون أنفسهم - وهو محمد خليل الحكايمة لنقد المبادرة واعتبارها ظالمة لجهاد الإسلاميين، وأنها ركزت علي النواقص دون إبراز الإيجابيات، وواكبة مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن الناشط الإسلامي المعروف هاني السباعي، بنقد حاد للمبادرة ولأصحابها، واعتبرها بلا قيمة لأنها أتت من أناس قيد المعتقلات والسجون وغير أحرار، بالمقابل هاجمها وسفهها فريق من اليساريين المصريين واعتبروها غير كافية لتبرئة ذمة (هؤلاء الإسلاميين الجهاديين) مما اقترفت أيديهم من جرائم طيلة العقود الماضية علي حد قولهم!!

* وفي مواجهتهم جميعًا وجدنا كتابًا وباحثين إسلاميين أو مستقلين هللوا للمبادرة وكأنها تمثل فتحًا جديدًا للعمل وللفكر الإسلامي، وأنها ستزلزل حصون وقوي التطرف وفي مقدمتها (القاعدة)، وسيبدأ بها تاريخ جديد من الدعوة لدي التيارات الإسلامية!!

ولأن هذا الانقسام، واللغط الذي واكب نشر (الوثيقة - المبادرة) تعدي حدود المنطق والتحليل الرصين، فإننا كمهتمين بالتاريخ والتحليل الوثائقي الأكاديمي لهذه الحركات منذ ربع قرن أو يزيد قدمنا فيه إسهامات نحسبها مهمة، نجد أن هذه المحاولة الجديدة للإسلاميين الحركيين تحتاج إلي وقفة تأمل، وإلي وضعها في حجمها وسياقها الصحيحين دونما تهويل أو تقليل من قيمتها وهذا ما نحاوله في هذه السطور.

(١)

أولاً: لاشك أن مبادرة الشيخ سيد إمام الشريف مهمة وبلا جدال الرجل بذل فيها جهدًا فكريا وذهنيا كبيرًا في تقديم رؤيته الرافضة للعنف الأعمي الذي يسمي جهلاً أو قصدًا لدي البعض بالجهاد في سبيل الله، واستطاع أن يحرر العديد من القضايا من الأوهام التي تلبستها طيلة ثلاثة عقود من العنف الدامي بين جماعات الإسلام السياسي والنظام الحاكم في مصر.

ولكن هل قدم الرجل جديدًا ملفتًا يستدعي كل هذه الضجة إليه، قياسًا بالموروث الفكري والفقهي الإسلامي قديمه وحديثه بشأن قضية الجهاد وشروطها؟

نحسب أن الإجابة الموضوعية، المباشرة هي «لا لم يقدم جديدًا» فأغلب هذه الرؤي والأفكار، سبقه إليها آخرون حتي داخل الحركة الإسلامية المعاصرة ولنتذكر هنا (رسائل حسن البنا) والعديد من كتب الإخوان المسلمين التي أشهرها كتاب (دعاة لا قضاة) للمستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان إبان حكم عبد الناصر، بل لنتذكر الكتب الخمسة (كتب المراجعات) للجماعة الإسلامية المصرية الصادرة قبل سنوات قليلة، والتي بنت الجماعة، عليها مبادرتها الشهيرة لإيقاف العنف، وخرج بسببها قادة الجماعة وعدة آلاف من أعضائها من السجون، بل هي ذاتها (المراجعات) التي دفعت د. ناجح إبراهيم منظر الجماعة الإسلامية ومفكرها الأبرز إلي القول القاطع - طبعًا بعد الترحيب - أن مبادرة الشيخ سيد إمام (د. فضل) ما كانت لتصدر لولا مراجعات الجماعة الإسلامية!!

إذن.. لا جديد في جوهر ومضامين الوثيقة، وفي أصولها الفكرية الكبري، وإن كان هناك جديد، سنذكره لاحقًا فهو في تفاصيل وهوامش فقهية وسياسية صغيرة وإن اكتسبت مع تحولات الواقع الإسلامي أهمية استثنائية.

إذن.. ولأنه لا جديد في المضمون فإن السؤال الذي سيطرح نفسه بإلحاح: لماذا إذن هذا الصخب الإعلامي والسياسي، وهل بالفعل سيكون لهذه الوثيقة تأثيرها المباشر علي حركات الإسلام السياسي الأخري خارج مصر، تحديدًا القاعدة وأخواتها؟!

(٢)

ثانيا: الإجابة، وهذا هو المحور الثاني في رؤيتنا، أن السبب الرئيسي في الضجة التي صاحبت نشر هذه الوثيقة، ليس مضمونها بل صاحب الوثيقة ذاته، بمنزلته لدي الإسلاميين وتاريخه، الذي يضعه في مكانة مرموقة تؤهله لأن يثير بما يكتبه، أهمية، وأن يسمع له ليس لدي تنظيمه قليل العدد (لا يزيد الآن علي ٢٠٠٠ عضو أغلبهم داخل السجون أو مطاردون في الخارج)، إن صاحب الوثيقة، كان من مؤسسي تنظيم الجهاد في السبعينيات، ودخل السجن الذي لايزال فيه عقب اغتيال السادات عام ١٩٨١، ثم أفرج عنه عام ١٩٨٤، ثم اعتقل ثانية وكان قد أسس مع أيمن الظواهري (رفيقه وصديقه القديم قبل وقوع الطلاق السياسي بينهما عام ١٩٩٤) تنظيم الجهاد وتنظيمات أخري تناسلت عنه منها (طلائع الفتح) وغيرها من التنظيمات المسلحة التي استهدفت فيما سمته الجهاد في مصر، وعبر محاولات جريئة للقتل العلني كلاً من: (حسن الألفي وزير الداخلية الأسبق ود. عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق).

لقد كان الشيخ سيد إمام منذ البداية هو (المفكر) أكثر منه (الحركي)، فهو صاحب المراجع الأساسية، لدي حركة الجهاد حيث مثلت كتبه المصدر الرئيسي لاستقاء أبناء هذه الحركة أفكارهم المتطرفة، والمكفرة للمجتمع والنظام خلال الثلاثين عامًا الماضية ومن أشهرها كتب (العمدة في إعداد العدة - الجامع في طلب العلم الشريف - الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعوة والدعاة- تحقيق التوحيد بقتال الطواغيت - الرد علي الشيخ الألباني بشأن السكوت علي الحكام المرتدين - كشف الزور والبهتان عن حلف الكهنة والسلطان) وهي وثائق تغني عناوينها عن أي بيان أو تفصيل، حيث مثلت الركيزة الأهم لدي دعاة العنف والتكفير من أبناء هذا التنظيم، بل إن ابن الشيخ سيد إمام صرح لدي الصحيفة التي تنشر كتاب والده بأن أغلب كتب الدكتور أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، كتبها الدكتور سيد إمام نفسه، من هنا تأتي الأهمية ويعود سبب الضجيج، الذي صاحب نشر الوثيقة بل ربما سبقها، وقطعًا سيزداد بعد أن يكتمل نشرها.

(٣)

ثالثًا: بيد أن القراءة الموضوعية للمشهد الإسلامي الحركي خلال الربع قرن السابق، تحديدًا بعد اغتيال السادات (١٩٨١)، تقول لنا الكثير، خاصة بشأن مبادرات إيقاف العنف، ففي الوقت الذي ازدادت فيه وتيرة هذا العنف منذ (١٩٨٤ وحتي ١٩٩٧) كانت هناك في المقابل مبادرات تطرح لإيقافه أو تحجيمه، ولم تكن مبادرتا كل من الجماعة الإسلامية التي انطلقت يوم ٥/٧/١٩٩٧ واكتملت بعد ثلاث سنوات أو مبادرة الشيخ سيد إمام الشريف التي تطرح اليوم بقوة، لم تكونا هما أول المبادرات، بل سبقتهما علي الأقل سبع مبادرات هي علي التوالي:

* مبادرة الشيخ محمد متولي الشعراوي ونخبة من العلماء في أبريل عام ١٩٩٣ مع وزير الداخلية المصري وقتها عبدالحليم موسي.

* مبادرة محمد أمين عبدالعليم أحد قادة الجماعة الإسلامية (نيابة عن الجماعة) في يوليو ١٩٩٧ .

* مبادرة الشيخ عمر عبدالرحمن (مفتي الجماعة الشهير والمعتقل حالياً في أمريكا) في أكتوبر ١٩٩٨ .

* مبادرة (وبيان حاسم) من أعضاء مجلس الشوري بالجماعة الإسلامية داخل وخارج مصر بإيقاف العنف وذلك في ٢٤ مارس ١٩٩٩ .

* مبادرة القيادي الجهادي أسامة صديق أيوب الذي يعيش في ألمانيا في مارس ٢٠٠٠ والتي حملت عنوان (نداء لوقف العنف والتفرغ للعمل الدعوي).

* مبادرة كل من عبود لإيقاف العنف ودعوة الزمر وطارق الزمر من داخل السجون خلال عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٦ لإيقاف العنف ودعوة الدولة في البحث عن دور دعوي جديد للإسلاميين.

إذن لم تكن المبادرة الأخيرة للشيخ سيد إمام، هي الأولي من نوعها، ولكنها كانت حلقة من سلسلة طويلة من حلقات الدعوة لإيقاف مسلسل العنف في مصر، والتي أثمرت بالفعل إيقافاً واضحاً له إلا من شذرات محدودة من هنا أو هناك لتنظيمات سلفية جهادية صغيرة مدعومة من القاعدة أو منظمات أوفرتها بيئتها الاجتماعية والسياسية الخاصة (مثلما جري في تفجيرات سيناء الشهيرة).

(٤)

رابعاً: أما عن الأسباب التي دعت كلاً من قادة الجماعة الإسلامية أو تنظيم الجهاد وعلي رأسهم منظرهم (سيد إمام) إلي هذه (المراجعات)، ففي تقديرنا يعود ذلك إلي عدة أسباب أبرزها أن هؤلاء قد بحثوا أو نقبوا جيداً (فقه الجهاد) في الإسلام فخرجوا بأن ما سبق أن كتبوه كان خاطئاً وأنه من الشجاعة تصويبه والتراجع عنه، وهذه حسنة تحمد لهم، وهم هنا يشبهون، والقياس مع الفارق طبعاً الإمام الشافعي في اجتهاداته المتغيرة حسب المكان والزمان، فهو في الجزيرة العربية غير في مصر غيره في العراق، ولكنه لم يكن قطعاً تناقضاً بل إثراء وثراء وقراءة صحيحة لفقه الواقع ولجوهر الإسلام، وثانياً أنهم أدركوا جيداً مدي مخالفة ما سلكوه أو قالوه مع طبيعة المجتمع المصري و(العربي)، التي وقفت ضد ما آمنوا به من عنف أعمي يطال الأبرياء ويضر بجوهر القضايا العادلة التي يدافعون عنها.

وأن هذه الممانعة الشعبية لأفكارهم وسلوكهم العنفي لم تكن نتاج عمليات تزييف إعلامي وسياسي كما يصور البعض من أتباعهم، بل نتاج كراهية شعبية واسعة لآلية العنف المسلح كوسيلة لتحقيق الدولة الإسلامية أو حتي المطالب الإسلامية السياسية والحضارية في حدها الأدني، وثالثاًَ تأتي الضغوط الأمنية الداخلية (في مصر) وخارجها عبر شبكة الاستخبارات الأمريكية والغربية والعربية التي سعت وبقوة لتجفيف ينابيع هذه الحركات، لتمثل سبباً آخر من أسباب الدفع باتجاه إجراء مراجعات فقهية وسياسية تقي من بقي من أبناء الحركة، من شرور المقاصل المنصوبة لهم في أرجاء المعمورة.

(٥)

خامساً: لعل من الأمور الطريفة أو الغربية في توقيت صدور المراجعات خاصة مراجعة سيد إمام، أنها تأتي في توقيت توقفت فيه تقريباً أعمال العنف الجهادي في مصر، وزاد فيه العنف المدني (إن جازت العبارة)، وأنها لذلك لم تستدع اهتماماً شعبياً كبيراً بها كما كان الحال مع مبادرة الجماعة الإسلامية عام (١٩٩٧)، واعتبرها المراقبون من ثم مجرد تحصيل حاصل لاقيمة له في مجال التأثير الفعال في الأوضاع الأمنية والسياسية المصرية، فهل هذا صحيح أم أنها تكتسب أهميتها لأسباب أخري؟ ثم من الطرافة السياسية أيضاً في مشهد المراجعات الراهنة، أنها تتم من قبل تنظيمات إسلامية محسوبة علي أجنحة العنف المسلح في الحركة الإسلامية فتقبلها الدولة وأجهزتها الأمنية والإعلامية وترحب بها، في الوقت الذي تشن فيه ذات الأجهزة حملات اعتقال واسعة ومستمرة ضد حركة الإخوان المسلمين المحسوبة علي أجنحة الاعتدال في الحركة الإسلامية.

تري ما السبب هل هي لعبة توازن القوي بين النظام السياسي والإخوان؟ أم أن الأمر له علاقة بدور أمريكي محتمل لاستخدام الإخوان المسلمين بديلاً عن النظام الحالي في حكم مصر؟ أم هو الخطأ الأمني الدائم في التعامل مع الحركات الإسلامية بطريقة الاستخدام والتوظيف لضرب بعضها ببعض ليتفرغ هو لمهام أخري؟ ولكن دعونا نسأل ألا يعكس هذا الأسلوب الأمني إن صح عدم جدية أجهزة النظام بشأن الرغبة في فتح صفحة جديدة شاملة مع الإسلاميين المصريين، صفحة تخلق الاستقرار الحقيقي وليس الاستقرار المفتعل؟

(٦)

سادساً: يظل لمضمون الوثيقة في بعض تفاصيله الخاصة بالموقف من (العنف وعدم جدواه) والموقف المتلبس من القضية (الفلسطينية) والموقف الرافض لتكفير الناس وقتلهم بسبب المذهب (كما هو الحال بالنسبة لموقف القاعدة وبعض التنظيمات السلفية الجهادية من الشيعة)، والموقف الرافض لقتل الأجانب (سائحين أو غير سائحين) والموقف من أقباط مصر أو المسيحيين. تظل إسهامات الشيخ سيد إمام فيها مهمة رغم أنها ليست جديدة في مجال تكييفها الفقهي بالنسبة للفكر الإسلامي المستنير، بل حتي لفكر الحركات الإسلامية الواعي والمقاومة سواء في مصر أو خارجها في البلاد التي تعيش جدلية الاحتلال والمقاومة بمعناها النازف والمباشر مثل فلسطين أو لبنان أو حتي العراق.

* إن أهم ما ينبغي أن نوجه الأنظار إليه بشأن هذه المراجعات خاصة تلك التي قدمها منظر تنظيم الجهاد الإسلامي،أو غيرها مما سبق أن قدمته الجماعة الإسلامية أو الإخوان المسلمين التنظيم الأكبر والأكثر انتشاراً، يظل المهم هنا هو أهمية أن يتم التعامل معها سياسياً وثقافياً وفكرياً، وليس ـ كما هو حاصل ـ أمنياً فقط إذ لابد من نقل هذا التعامل من المربع الأمني إلي المربع السياسي المدني، وفي ذلك ينبغي أن يتنافس المتنافسون من صناع قرار إلي نخبة ثقافية وسياسية لا أن يتربصوا بالمراجعات بالنقد الحاد غير المبرأ من الهوي، أو أن يهللوا لها بروحية القبلية والانتصار لشيخها إن بالحق أو بالباطل، دونما أن يسعي الفريقان إلي بناء استراتيجية حقيقية للتعامل مع هذه المراجعات والبناء عليها، وذلك حتي لا نفاجأ بتنظيم إسلامي آخر يطل علينا بعد سنين عدة حاملاً بذور التكفير والرفض لأنظمة ومجتمعات لم تحسن التعامل مع سابقيه من المجاهدين ولم تحصن مدينتها (أي شعبها ودولتها) بالعدل والحرية.

والله أعلم...



 

اجمالي القراءات 2702
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more