المثقفون والثورة

د. شاكر النابلسي Ýí 2011-12-09


المثقفون والثورة

 

لم تقم الثورات في التاريخ، من أجل إزالة الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية فقط، وإنما كان هدفها أن تحقق إقامة المجتمع المدني، أساس وقاعدة الديمقراطية الصحيحة والسليمة. ولنا من الثورة الإنجليزية (الثورة المجيدة) (1658-1689)، والثورة الفرنسية عام 1789، والثورة الأمريكية عام 1776 ، والثورة الروسية عام 1917 ، خير الأمثلة على ذلك.

 

دور المثقفين

ولم يكن الغوغاء، أو "ثوار الشارع" هم فقط من أشعلوا الثورات. فالثورة التي تبدأ من الشارع، تنتهي إلى الشارع. ولكن لعب المثقفون دوراً كبيراً في كشف مستور الدكتاتوريات، وفساد الأنظمة السياسية، وثمن الحكم الدكتاتوري الغالي، الذي يدفعه المواطن من نفسه، ومن وأولاده، وأحفاده، وأولاد أحفاده، وحاضره، ومستقبله، ولنا ما جرى في تونس، ومصر، وليبيا، والبحرين، وما يجري في اليمن، وسوريا، خير دليل على ذلك.

ومن هنا، كان المثقفون الأحرار الجبهة القوية المساندة للثورات، وخط الدفاع الأول والأطول عن الثورات. وعندما تخلّى المثقفون الأحرار عن الثورات، أصبحت الثورات مجرد انقلابات عسكرية، يستفيد منها من قام بالانقلاب. بينما ليس شرطاً أن يستفيد الثوار من الثورات. وكثير من الثورات استُغلت من قِبل غير الثوار كالثورة الفرنسية، التي قام بها الشارع الفرنسي، واعتلاها، وقطف ثمارها الضابط نابليون بونابرت، فيما بعد.

 

واجب المثقفين العرب

على المثقفين العرب، أن يكونوا شجعاناً مقدامين.

على المثقفين العرب، أن لا يركنوا إلى مدح القراء، فيما يقولون، وفيما يعلّقون.

على المثقفين العرب، أن لا يلتفتوا إلى شتائم الغوغاء، من الجهلة، والأغبياء، الذين لا يفكرون إلا بيومهم، وسلامتهم، ومعدتهم.

على المثقفين العرب، أن لا يمضغوا الكلام المعاد، والمعروف، والمعلوم.

على المثقفين العرب، أن لا يكون (كراكوزات) لتسلية القراء، وإضحاكهم، والترويح عنهم، بدل هذه المسلسلات التلفزيونية الغبية، المضجرة.

على المثقفين العرب، أن لا يخشوا الجوع والتشرد والطرد من الحلبة والسجن والتعذيب والمنع من الكتابة ، إذا تطلَّب الأمر أن يكشفوا المستور، ويفضحوا المُخبَّأ.

 

المثقفون والخيارات الصعبة

إن قيمة وأهمية المثقفين الأحرار، المدافعين عن الحرية والفاضحين للفساد والفاسدين، كأهمية الجنود في أرض المعركة، فإما أن ينتصروا، وينصروا أهلهم، ووطنهم، وإما أن يموتوا دفاعاً عن ذلك.

أما أن يتملقوا الأنظمة، ويداهنوا الحكام، ويرقصوا في الميادين كالقردة والثعابين، فهذا لا يليق لا بالثقافة الحرة ولا بالمثقفين الأحرار. وعليهم أن يكسروا أقلامهم، وينصرفوا إلى سوق الخضار، لبيع الفجل والبصل، فذلك بهم ألطف، ولهم أشرف.

 

لنكف عن الثرثرة الفارغة!

99% مما يُكتب، ويقال اليوم في الإعلام العربي عن الثورة العربية، كلام مُعاد، وممجوج، لأرض محروثة حتى القاع.

والشطارة أن نحرث في الأرض البكر لزراعة الثورة، وليس في الأرض التي قلبتها (تراكتورات) الثوار، مئات المرات.

 

مأزق المثقفين الأحرار

صحيح، أن الأرض الجديدة، ذات الثورة المحتملة مليئة بالصخور، والأشواك، والألغام، والأسلاك الشائكة، والحراسة الشديدة، المدججة بأفتك أنواع الأسلحة العصرية، إلا أن المثقفين في هذه الظروف الصعبة، مطالبون بأن يتحوّلوا إلى طيور مُحلِّقة، أسطورية، ترمي السلطة الدكتاتورية الفاسدة، والسارقة، والناهبة، بحجارة من سجيل، وتجعلها كعصف مأكول.

 أنظمة دكتاتورية لا مثيل لها

على المثقفين العرب، أن يدركوا أن الأنظمة الدكتاتورية، التي يلوكون الكلام بشأنها الآن، هي أفظع، وأقسى، وأحط أنظمة شهدها العصر الحديث في القرن الماضي، وفي هذا القرن.

صحيح، أن التاريخ العربي، شهد نماذج رهيبة، لطغاة، وقساة الخلافة الإسلامية (أنظر: كتاب "الطاغية"، لإمام عبد الفتاح إمام) ولكن ذلك كان من الماضي.

وصحيح، أن تاريخ الغرب، شهد نماذج فظيعة لطغاة وقساة من ملوك الحق الإلهي (أنظر: كتاب "المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين"، لجورج قرم)، ولكن ذلك كان في القرون الوسطى المظلمة.

أما بعد عصر الأنوار (القرن الثامن عشر) فقد رأي المواطن النور، وخشي الحكام نور ونيران المواطنين، فاستقاموا وعدلوا، ومن لم يستقم ويعدل، كان مصيره الثورة عليه، والاختباء في الحُفر، أو أنفاق مياه المجاري ، أو دهن يديه ووجهه بالزيت، للشفاء من حريق الثورة.

 

وعورة طريق المعارضة

أصبح طريق المعارضة صعباً جداً في العالم العربي.

والمعارض الحر، سوف تتلقفه ذئاب وضباع كثيرة، لتنهش لحمه، و(تقرقش) عظامه، لأن الأنظمة الدكتاتورية وصحبها، ينعمون بأموال، ومميزات، وصولجانات، لا قِبلَ لحكام التاريخ الآخرين، وصحبهم بها.

وبالتالي، فإن مهمة المثقف الحر، تكاد تكون انتحارية. فالمتربصون به من قراء وهميين، وحراس مقابر الأحياء من الممسكين بلجام الإعلام، وضباط المخابرات في المطارات العربية، والواقفون في حلق المثقفين، يعدون على المثقفين الأحرار أنفاسهم، ويعلمونهم ما يجب وما لا يجب، وما يقال وما لا يقال، وما الرذيلة والفضيلة السياسيتان، وحدود العيب في ذم الذات السياسية العليّة. 

ومن هنا، راح 99% من المثقفين يكتبون كلاماً معاداً وممجوجاً، لملء الفراغ فقط، ولكنه لا يُفزع خمس دجاجات، ولا يهز ذنب كلب من الكلاب. وبات المثقف أمام الثورة التي اشتعلت إما مطبلاً، وإما راقصاً في زفة الشارع، وبات أمام الثورة التي لم تشتعل بعد، كـ (خيال المآته) لا يخيف حتى فراشات المساء!

 

اجمالي القراءات 10318

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   غالب غنيم     في   الجمعة ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62875]

لماذا شطبتم تعليقي على التغريض بالقرآن يا اهل القرآن.

أوليس تغريض الكاتب بكلمة "أبابيل" على أنها أساطير الأولين تغريض بالقرآن يا اهله؟


أوليس من الأحرى الإجابة بدل الشطب؟

اليس هذا سم بين السطور؟

وتشطبون تعليقي وتبقون على المغرض ؟؟؟

والله يعلم ما تخفيه الصدور وخائنة الأعين




2   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الجمعة ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62876]

الأخ غالب غنيم

الأخ غالب غنيم . يبدو أنك لم تفهم بعد رسالة ومنهج الموقع . يا سيدى الموقع له رسالة دينية إصلاحية ،وهنا تقع مسئوليتها على (كُتاب أهل القرآن ) ورسالة إصلاحية سياسية وإجتماعية ،يشاركهم فيها كُتاب (أصدقاء أهل القرآن ) بغض النظر عن إنتمائهم الدينى والمذهبى ، فيشرفنا أن يكون لدينا منهم (المسيحيون ) و( المسلمون العلمانيون ،والمسلمون المحايدون ) . وكلهم والحمد لله يحترمون رسالة الموقع ومنهجه ولا يكتبون فى الإصلاح الدينى (إذا كتبوا ) بما يخالف المنهج ،وشروط النشر على الموقع. ولذلك نرحب بهم ونتمنى مزيدا منهم ، ولا نسمح بالتطاول عليهم أبدا أبدا . ومن هنا أقول لحضرتك . إذا كانت هناك خصومة ما بينك وبين د- شاكر النابلسى ،سواء كانت شخصية ،او بسب أراءه التى نشرها على مواقع أخرى ، فلن يكون الموقع ساحة للتعريض به أبدا أبدا . فإذا أردت أن ترد عليه فيما يكتبه (على الموقع ) فأهلا وسهلا . وأما أن تشهر به فهذا غير مقبول ولن يسمح به أبدا على هذا الموقع ... ونقول لحضرتك . من حقك أن تكتب ردودا على كل كتاباته التى يكتبها خارج الموقع سواء كانت فى الماضى أو الحاضر ، وتنشرها على صفحات تلك المواقع وليست هنا ... فرجاء أن تتفهم جيدا رسالة الموقع الإصلاحية والتى لابد أن نبدأ نحن بها فى إصلاح انفسنا .. ولا تنسى قول الله تعالى (وكذلك كنا من قبل فمن الله علينا ) . فكل منا كان له ماض مذهبى ،يتأرجح تارة بين أهل السنة وتارة بين الصوفية وتارة لا هذا ولا ذاك ولا أى شىء ..


وشكرا على سعة صدرك وتفهمك لرسالة الموقع ومنهجه ونظامه وشروط النشر عليه .


3   تعليق بواسطة   احمد العربى     في   السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62883]

مقال يشبه اخبار الجزيرة

اذا لم يستطع المثقف ان يفهم وان يدرس القوى الحقيقية في الشارع وتحالفاتها وتوجهاتها فانما كتاباته تكون صراخ وعويلا مكملا لصراخ الرجعية التاريخية بل هو اخطر منها اذ انه يعطي الرجعية التاريخية غطاء مستقبليا يخفي عورتها ويسميها باسماء تلقى قبولا لدى الغرب كالاسلاميين المعتدلين مثلا


كل الثورات التي ذكرتها انما كانت بين القوى المختلفة في الصراع على وسائل الانتاج واسلحة المستقبل  التي انتجتها القوى المستقبلية في تلك الدول فاصبحت في ايدي الطبقات المسحوقة


تلك الطبقات التي حوربت من كل القوى الداخلية والخارجية ولم يكن سلاحها الوحيد الجزيرة والعربية و اموال نفط بن الكعبة انما سواعدها وعقلياتها الثورية التي مكنتها من التحكم في وسائل الانتاج فيما بعد


ثورات رفعت شعار من لا يعمل لا ياكل لا من لا يشحد  لا ياكل ومن لا ينافق لا ياكل


عن اي قمع تتحدث للمثقفين ونفط ابن الكعبة قلمه جاهز ليوقع الشيكات لمن يكتب مقالا ينافق فيه المعتدلين ويروج لهم


4   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62885]

سلمت يداك أستاذ شاكر نابلسي

هذه الجملة معبرة بحق عن أحوال نسبة قد سيطر الجبن ومداهنة من بيده السلطة على سلوكه وتصرفاته وأقواله


(على المثقفين العرب، أن لا يلتفتوا إلى شتائم الغوغاء، من الجهلة، والأغبياء، الذين لا يفكرون إلا بيومهم، وسلامتهم، ومعدتهم).


وهذه مهمة المصلحين الذين يريدون  لبلدانهم الخير وأن تسود العدالة وترك الخوف من الحكام المستبدين وأعوانهم من شياطين الإنس الذين يلقون الرعب بوسائلهم الشيطانيه لخدمة أولياء نعمتهم .


5   تعليق بواسطة   غالب غنيم     في   السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62899]

قمة التناقض في المنهجية المتبعة لأهل القرآن! - رد الأخ عثمان

الأستاذ عثمان الفاضل:



السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كان الموقع هو أهل القرآن, وللقرآن قدسية لا تسمح شروط النشر بمخالفتها.......الخ, فكيف تسمح للكاتب أن يدعى بكل صفاقة ان كلمات الله سبحانه وتعالى هى من أساطير الأولين؟و هل يسمح موقع اهل القرآن للكتاب أيا كانت خلفياتهم بالمساس بقدسية القرآن والتشكيك فيه؟


والمسالة ليست في النظرات السياسية، فلك أن تكون مع اسرائيل او ضدها، ولك أن تكون مع أمريكا أو ضدها، ولك أن تكون مع اللامبارك أو ضده، ولن يؤثر كل ذلك في من أنت عليه، ولكن ليس لك إقحام الدين لتبرير أفعال أمريكا أو اسرائيل أو غيرهم، فتصبح كالإخوان المسلمين، وكذلك ليس لك شتم القرآن والتغريض به في موقع يحمل صفة المدافع عن القرآن... وتسمحوا له بذلك بحجة الحرية الثقافيه! وفي نفس الوقت تشنون هجومكم على أحاديث تفصلونها تفصيلا من أناس ماتوا قبال أكثر من ألف عام... فما هذا التناقض العنيف؟!





6   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62905]

شكرا استاذ غالب غنيم .. وشكرا د عثمان

قمت بحذف العبارات المسيئة والتى إنجرف اليها صديقنا د شاكر النابلسى ربما بدون قصد . وحذفها لا يخلّ بالسياق وبمحتوى المقال ، وهو مقال جيد كعادة د النابلسى.


حق التدخل بالتعديل معى فقط . ولهذا تدخلت ، ولم أكن قرأت المقال من قبل. لذا أكرر الشكر للاستاذ غالب وللدكتور عثمان الذى تصرف فى حدود إمكاناته . ونحتاج الى كل جهد يساعدنا فى الرقى بالموقع .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-16
مقالات منشورة : 334
اجمالي القراءات : 3,450,914
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 361
بلد الميلاد : الاردن
بلد الاقامة : الولايات المتحدة