كيف تركب باقي الأنظمة العربية "سفينة نوح" وتنجو؟
-1-
الأنظمة العربية التي لم يصلها قطار الثورة بعد، حائرة فيما يمكن أن تفعله لتفادي وصول هذا القطار. وهذه الحيرة مبعثها – بالدرجة الأولى – إلى أنها عاجزة، وليست لديها المقدرة السياسية على تفادي وصول هذا القطار والقيام بسرعة في الإصلاح والتغيير، الذي من شأنه أن يهدد وجودها ويحميها في الوقت نفسه من الانهيار السريع. فالأنظمة العربية – في معظمها – مسيطرة على الحكم منذ عقود ولم تفعل شيئاً يذكر فما بالك أن تفعل في شهر أو شهرين؟ ولكن لا بأس. فهذه بعض الأفكار التي يمكن أن تأخذ بها هذه الأنظمة لمحاولة تفادي وصول قطار الثورة إلى محطتها. فربما تنجح أو تفشل في ذلك:
-
عدم احتكار السلطة للحرية والديمقراطية والمساواة والحداثة والمدنية، كما هو القائم في معظم الأنظمة الدكتاتورية القروسطية. فعلى ما يبدو أن الجهات التي احتكرت موارد بلدان هذه الدكتاتوريات، هي نفسها التي تحتكر تلك الأهداف وتديرها وتطبقها كما تشاء وكما ترى.
-
الكف عن طرح السلطات في سوق القيم حزمة من الإجراءات، تحت مسمى الإصلاح، كقوانين للأحزاب وللانتخابات والإعلام. فهذه ليست سوى منتجات ممسوخة ومشوهة. ولا تكاد تشبه المنتج الأصيل بشيء وليس لها ذات الفعالية والجدوى. المهم فيها ضمان السلطات الحاكمة عدم إفساد ذوق المواطن وتعويده على نكهات مختلفة غير النكهة الواحدة التي اعتاد عليها دائماً وهي النكهة السلطوية. أو إنزياح هذا المواطن إلى أنماط حياة متطلبة ومنفتحة ترهق النظام وتبعده عن الانشغال بقضايا الممانعة والصمود والتحدي وسواها من القضايا الميتافيزيقية المقدسة إلى القضايا ذات الطبيعة المدنسة والتي تتمثل هنا بالحرية والرفاهية، كما يقول الكاتب السوري غازي دحمان في مقاله "طالب الحرية يعرف الثمن الذي ينبغي دفعه" (جريدة "المستقبل" اللبنانية، 7/8/2011).
-
من الملاحظ أن السياسيين في العالم العربي قد عجزوا تماماً عن إيجا رؤى مرحلية توافقية بين كافة الأطراف – كما يقول المفكر التونسي محمد الحداد. ومثل هذا الوضع يترتب عليه نتائج مخيفة ليس أقلها تواصل معاناة المحرومين من البطالة والفقر، وقد تتعمق الأزمات الاجتماعية وتزداد الخطابات والمطالبات راديكالية. كما هو الحال الآن في أزمة الثورتين التونسية والمصرية.
-
على الأنظمة العربية التي تريد ركوب "سفينة نوح" للنجاة أن تبدأ بتدريب نفسها وتدريسها وتعليمها كيفية التغيير والإصلاح. وأن تصبح قابلة لمثل هذا التغيير والإصلاح. ولا مانع من الاستعانة بالخبرة الدولية في هذه الأمور. فكما أن نستعين في النواحي الاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية بالخبرات الدولية فعلينا كذلك أن نستعين بهذه الخبرات في النواحي السياسية. فالمشكلة الكبرى والأزمة الحقيقية في العالم العربي أن معظم الأنظمة القائمة التي وصلها قطار الثورة والتي لم يصلها بعد هذا القطار أنها غير قادرة على التغيير والإصلاح، وليست لديها إمكانية هذا التعيير. والدليل على ذلك أن معظمها قد قضى في الحكم أكثر من ثلاثة عقود ولم يفعل شيئاً يذكر بالنسبة للإصلاح والتغيير.
-
إذا أرادت الأنظمة الحاكمة تحاشي الانهيار السريع كما تم في إمبراطورية الاتحاد السوفيتي فعليها أن تتخلى عن النظام الشمولي الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في 1989. لقد قيل وقتها إن هذا الانهيار السريع،لم يكن مفاجأة لمن يعرفون طبيعة النظم الشمولية التي كانت تحكم دول الكتلة الشرقية.ففي هذه النظم الشمولية تبتلع الدولة المجتمع، ويبتلع الحزب الإيديولوجي الأوحدالدولة ، ويصبح الفرد أعزل في مواجهة الدولة والحزب. فينكفئ على نفسه، أو على أسرتهالصغيرة، يحتمي بدفئها في مواجهة الكيانات الباردة الضخمة لكل من الحزبوالدولة. وكان الروائي الإنكليزي جورج أورويل، هو أول وأشجع من سبر أغوار هذه الظاهرة الجديدة في تاريخ البشرية في روايته الشهيرة 1984، التي ظهرت في بدايةالحرب الباردة العام 1949، فرغم أنه كان يدين بالاشتراكية في فكره السياسي، إلاأنه رأي كيف يمكن أن يتم استغلال الإنسان باسم العدالة . فباسم تحرير هذا الإنسانمن الاستغلال الاقتصادي يتم استغلاله، بل سحقه، إنسانياً وروحياً. وانهارت الكتلةالشرقية من داخلها بعد أن سحقت مواطنيها، فلم يدافع عن أنظمتها الشمولية أحد منأولئك المواطنين. كما قال عالم الاجتماع سعد الدين ابراهيم، ("المثقفون العرب والتخريب الحالي لمصطلح المجتمع المدني"، "الحياة" ، 31/3/2001)
-
عدم استبدال المجتمع المدني بالمؤسسة الأمنية كما هو قائم الآن في معظم الدول العربية. وكان ذلك نتيجة إيمان الأنظمة الحاكمة أن المؤسسة الأمنية هي الوحيدة القادرة على حماية النظام القائم. ولكن أثبتت الثورتان التونسية والمصرية أن هذه المؤسسات الأمنية قد انهارت بسرعة ولم تستطع حماية الأنظمة الحاكمة من السقوط وبسرعة أكثر مما كان يُعتقد ويُنتظر.
فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يلتقي فيه الناس، ويتفاعلون تفاعلاً حراً، ويبادرون مبادرات جماعية بإرادتهم الحـرة من أجل قضايا مشتركة، أو مصالح مشتركة، أوللتعبير عن مشاعر مشتركة. وهم يفعلون ذلك بشكل سلمي. ولا ينكرون على غيرهم أنيفعلوا الشيء نفسه. وبهذا المعنى، فإن المجتمع المدني أشبه بسوق كبيرة، يتغيرفيها الباعة والمشترون حسب حاجة أفراده، وحسب السلع المبتغاة، وحسب التراضي بينالمتعاملين. وهذا التغير حسب الحاجة، وحسب الموضوع، وحسب أطراف التعامل لا ينفياستقرار المعاملات بين أطراف بعينها، ولا ينفي استقرار أنماط التعامل وقواعدها،بحيث لا تكون هناك ضرورة لإعادة اكتشافها في كل مرة تكون هناك ثمة معاملات جديدة،أو أطراف جدد وافدون على الساحة.
إن المجتمع المدني – كما قال سعد الدين إبراهيم - لم يعد مجرد مفهوم يشير إلى مستوى من مستويات النشاط المجتمعي يتسم بالتعددية والتناقض والجزئية والمصلحة الخاصة ولكنه يشير إلى مجموعة من المنظمات النشيطة التي يمكن تعيينها وتحديد موقعها ومكانها والأدوار الكبيرة التي تلعبها، بموازاة الدولة أحيانا وأحيانا ضدها. لكن ما هو أهم من ذلك أن المجتمع المدني لم يعد ينظر إلى على أنه تجسيد للخاص والمصالح الجزئية في مقابل الدولة المجسدة للعام وللمصالح الكلية ولكن كدولة مقابلة، أي كمنظمات ذات نفع عام وأهداف كلية تخدم أهدافا عامة وتشكل مصدراً للنظام والعقلانية والترشيد والاتساق داخل نظام اجتماعي هجرت الدولة العديد من ميادينه أو أصبحت غير قادرة على بث النظام والسلام فيها.
-
ولو أن هذه الأنظمة الحاكمة أقامت ورعت واعتنت بالمجتمع المدني القائم على الأحزاب المختلفة والنقابات المهنية،ويضم مؤسسات تطوعية وهيئات تعاونية،لما انهارت هذه الأنظمة بهذه السرعة.
وكما قال الفيلسوف الإيطالي روبرت بوتنام، "فكلما تواجدت مؤسسات المجتمع المدني وأدت دورها، كانت الديمقراطية أقوى، وأكثر فعالية." لذا، كان المجتمع المدني عند هيجل هو "اللحظة الإيجابية والفعالة فى التطور التاريخي، وليس الدولة."
(للموضوع صلة).
اجمالي القراءات
9562