عودة مواطن مصري من الجبهة

محمد عبد المجيد Ýí 2011-06-12


الوطنُ من الخارج صورةٌ يتم رسمُ الجزءِ الأكبرِ منها بريشةِ الحنين، وألوانِ الغـُربة، وظلالِ حُلمِ العودةِ، ورتوشِ الحيرةِ بين مكانيّن: الوطن الأم و .. الوطن المضيف

في الغربةِ نعيدُ قراءةَ مشهدِ الماضي، ونضيفُ إليه، ونحذف منه، لكنه سيظل، كما قال شاتوبريان، مجموعةً لا متناهية من الأشياء الصغيرة التي لا تتوقف عند قطعة موسيقية أو أغنية كان الوالد يحب الاستماعَ إليها أو رائحة الطعام التي تختلط بضوضاء المطبخ قبل أن تنادي ربةُ البيت على الجميع ليلتفوا حول مائدة متواضعة أو طبلية مستديرة يتزاحمون حولها، ثم تختار ست الحبايب الخبزَ الجاف الذي يزيحه جانباً كل فرد من الأسرة

في الغربةِ تترعرع المشاعر القومية، ويكبر الوطن، ونكتشف صورا جديدة من التسامح ، ونعرف أن عدوَّنا واحد، وحتى لو لم نكن غادرنا مِصرَنا بسببه، فوجودُه كان مانعاً للعودة

الدكتور أسامة رشدي واحدٌ من وجوه الثورة المجيدة وله باعٌ طويل في النضال، وكان من أهم خُصوم الطاغية السفاح حسني مبارك

هل هناك كاره للطاغية لم تمر عيناه على موقع ( جبهة انقاذ مصر ) فازدادت كراهيته لكل صنوف الظلم التي مارسها أعتى طغاة وطننا العربي الكبير؟

ثلاثة وعشرون عاماً والمناضل الكبير محرومٌ من الاقتراب من أرض الوطن، فكلابُ القصر لا تُفـَرّق إذا افترستْ بين قريب و .. وبعيد، ومبارك كان يعلم أن قلمَ الدكتور أسامة رشدي كحنجرتِه تماماً، إذا قرأتَ له أو استمعت إليه يختصر لك عذابات مصر تحت حُكم الديكتاتور بصورة دقيقة، ومعلومات تفصيلية موثقة، ولغة عربية سليمة، ومعرفة بالقانون فيبدو كأنه يترافع في محكمة الشعب عن أمة بأكملها

لا ينكر إلا مكابر فضل جبهة إنقاذ مصر على دفع ثورة 25 يناير إلى الأمام، واعطاء شبابها جرعات من الشجاعة، ولم يتنازل المناضل العبقري قيد شعرة، ولم يقدم ولو مرة واحدة اقتراحا على استحياء يسمح للمجرم أن يغادر مكان الجريمة دون عقاب

تاريخ طويل من النضال صبغ حياة الدكتور أسامة رشدي واختلطت الغربة بالخوف على الوطن الأم، ورصدت أجهزة أمن الطاغية تحركاته، وآذته في اقامته الهولندية، وتربصت به في اقامته اللندنية، لكنه كان يُطل على المهمومين بعشق مصر في ( قناة الحوار)، ويستضيفه خالد الشامي في ( أوراق مصرية) فتتحول بين يديه إلى مستندات تدين النظام البائد، ثم يُطل مرات أخرى في فضائيات مختلفة ، فيُزيد حماسَ الكارهين للطاغية، ويتضاعف مَقْتُ النظام عليه

وأخيرا يطوي الدكتور أسامة رشدي صفحةَ الغـُربة بالعودة إلى مصر التي كانت معه في يقظته ومنامه، في قلمه ولسانه، في فرحه وحزنه، حتى سقط الطاغية، وانفتح الأبواب، وتنفس الأحرار، وبدأنا رحلة العودة لاحتضان وطن لم يغب عنا لحظة واحدة.

في الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهر الخامس عشر من يونيو تهبط طائرة الخطوط السويسرية في رحلتها القادمة من زيوريخ، وعندما تلمس عجلاتها مدرج مطار القاهرة الدولي يلمس قلب أحد ركابها تراب الوطن ويتخضب به، فالمناضل يحصد أفراح الثورة، ولكن عاشقي كتاباته، والذين تابعوا رحلة النضال عبر ( جبهة انقاذ مصر) أمام امتحان الوفاء، واختبار الاخلاص، فاستقبال الدكتور أسامة رشدي ينبغي أن يكون يوما من أيام ثورة 25 يناير، ومهمة مُحبيه الأوفياء قد لا تستغرق ساعتين أو أكثر في مشهد خروجه من مطار القاهرة الدولي، والساعتان في عمر الزمن تعادلان ثلاثاً وعشرين سنة في عمر الغربة الطويلة الأكثر إيلاماً من مطاردة طاغية لأحد أهم رموز المقاومة المصرية في الخارج

القرار الآن بين أيدي الأوفياء المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم، وأحزابهم، وأطيافهم، فكل قوى المعارضة وشباب الثورة وائتلافها وكل من حمل ذرة بغضاء للصوص الوطن مطلوب منهم أن يحملوا رسالة الوفاء، ويستقبلوا الدكتور أسامة رشدي ، فهذا أقل واجب يمكن أن يقدمه مصري لهذا المناضل الرائع

أيها المصريون الأوفياء

إن استقبال الدكتور أسامة رشدي تعادل، معنوياً وأدبياً ووطنياً، محاكمة الطاغية مبارك

هل أنتم قادرون على القيام بمظاهرة حب في الخامس عشر من يونيو في مطار القاهرة الدولي للتعبير عن عِرفان بالجميل للمناضل الغائب .. العائد؟

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو في 11 يونيو 2011

Taeralshmal@gmail.com

 

اجمالي القراءات 10099

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الإثنين ١٣ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[58452]

مرحبا بالدكتور أسامة رشدي في وطنه الأم .

شكرا لك أستاذ / محمد عبد المجيد أن أعطيتنا فكرة عن ميعاد قدوم  الدكتور أسامة رشدي إلى بلده مصر.


ولكن أستاذنا الفاضل لوحدث ما قلته من أنه "كل من حمل ذرة بغضاء للصوص الوطن مطلوب منهم أن يحملوا رسالة الوفاء، ويستقبلوا الدكتور أسامة رشدي".


لو حدث هذا فسوف لا يتسع مطار القاهرة لاستقبال الكارهين والغاضبين لآن غالبية الشعب المصري  - إن لم يكن جميعهم يحملوا هذا البغضاء والكراهية للصوص مصر وناهبي ثرواتهم  وأقواتهم .


فبغض النظر عن كل الاعتبارت والاختلافات يجب على كل  المصريين الأحرار الأوفياء استقبال الدكتور أسامة رشدي الذي حٌرم من بلده الحبيب مصر منذ 23 عاما .


وهذا أقل شيء ممكن أن نقدمه له بعد هذا الغياب الطويل والبعد الاجباري عن وطنه مصر..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 6,247,452
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway