الماعز و الطبيب البيطرى
1- فى منتصف التسعينيات كنت فى زيارة أخوالى فى فاقوس والحسينية فى شرق الدلتا المصرية فاصطحبونى معهم لتأدية واجب العزاء فى أحدى القرى . كنت أرتدى الجلباب العادى مثل مجموعة الشباب من أسرة والدتى التى كانت تصحبنى ، لم تكن تنقطع مناقشتهم معى فى الحديث والسنة والتراث طلبا للمعرفة أو لمجرد النقاش على عادة مثقفى الأرياف اذا جاءهم ضيف من أقاربهم من القاهرة. رأيت فى الذهاب معهم الى العزاء فرصة لالتقاط الأنفاس والراحة من النقاش. نسيت عادتنا أهل الريف المصرى فى تحويل مناسبات العزاء الى جلسات سمر ونقاش يسيطر عليها متحدثون مهرة يتنافسون فى فن الحكى والسيطرة على المستمعين . بعض المتحدثين من شيوخ الأرياف والوعاظ ، وقد يتفوق أحدهم فى الجهل على أعتى شيوخ الأزهرولكن يستر عورة جهله أن المستمعين أجهل منه.
بعد جلوسنا مباشرة ـ وقد عقد كل منا جبينه مكشرا يتصنع الحزن حسب العادة ـ رأيت رجلا مهابا يتفرس فينا كمن عثر على صيد ثمين من المستمعين وقد قرر ان يستعرض عليهم موهبته فى الكلام. أخذ الرجل يفرك يديه متأهبا للكلام. قلت فى نفسى : مصيبة قادمة فى الطريق لك يا شيخ أحمد .اذا تكلم هذا الرجل فى الدين تبقى ليلته طين !!.
وحدث ما خفت منه. انطلق الرجل فى الوعظ ، يدخل من اساطيرعذاب القبر والثعبان الأقرع الى خرافات شفاعة النبى الى أكاذيب المنامات وكرامات الأولياء الصوفية. كل ذلك وأنا مجبر على الاستماع اواسى نفسى بأنه سينتهى عما قليل ويفرج عنا . طال كلامه فأقمت حفل عزاء حقيقيا داخل قلبى وجلست حزينا مجبرا على السكوت بينما ينظر لى أقاربى فى ابتسام وشفقة. أخيرا فاض بى الكيل وانتهزت فرصة ثوانى قليلة توقف فيها ذلك الشيخ المتحدث ليلتقط أنفاسه وقبل أن يعود للكلام اندفعت أقول له :" لقد سمعناك الى النهاية فعليك أن تسمعنى الى النهاية والا كانت اهانة لنا ونحن ضيوف هنا نسمع كلاما يتم فرضه علينا دون مناقشة". آزرنى الحاضرون وقد رأوها فرصة لتسلية أكبر وللاستماع الى جديد من ذلك الضيف الذى لا يعرفونه.
بدأت بالرد المنطقى على كل ما قاله الشيخ والجميع فى انصات الى أن انتهيت . وقع الشيخ ـ كما يقول الأزهريون ـ فى "حيص بيص"- "اى فى شدة يصعب التخلص منها". لم يدر ماذا يقول. فقد تعود أن يستمع له الناس دون جدال، وأن يخطب الجمعة ويتكلم بجهله كيف شاء وهو فى حماية ذلك الحديث الكاذب القائل: اذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ومن لغا فلا جمعة له".فوجىء هنا أن عليه أن يرد وهو ليس مؤهلا للرد والنقاش. أثناء حديثى كان يتأملنى فى ثيابى العادية متسائلا من أكون . بعد أن انتهيت من كلامى سأل بوجل وتوجس: حضرتك مين وبتشتغل ايه ؟ قلت له : "أنا الدكتور أحمد صبحى منصور وأعمل طبيب بيطرى أعالج البهايم"
كتم أقاربى ضحكاتهم بكل ما يستطيعون وقد فهموا قصدى. الا أن الشيخ الخائف التقط أنفاسه وحاول الاستظراف فقال : اذا أنت الطبيب الوحيد الذى يركب زبائنه"، قلت مبتسما: أركبهم ازاى .. العفو يا شيخ لم يصل الأمر الى هذا الحد." انطلق اقاربى فى الضحك بينما كان الحاضرون ينظرون لهم دون فهم ما أقول.
قبل هذا اللقاء كنت أتحدث مع أقاربى عن رب العزة جل وعلا وهو يشبه المشركين بالانعام لأنهم – اى المشركين ـ لا يستعملون عقولهم . بل جعلهم أضل سبيلا من الأنعام لأن الأنعام معذورة اذ لاعقل لديها لتستعمله بينما اولئك المشركون أوتوا العقل ولكن صمموا على تعطيله وعدم استعماله. كنت وقتها أقول لأقاربى طالما أن هذا هو التوصيف الآلهى لهم فليس على حرج ان استعمل نفس الوصف لمن يصمم على التمسك بعقائد المشركين وأفعالهم فى تكذيب القرآن والتالقرآن والتمسك بمفتريات السنة والأحاديث، الا اننى سأترفق بهم واستعمل وصف الماعز بدلا من الجاموس أو البقر أو الحمير، لأن الماعز أهون وصفا ولأنه أخف الأنعام ظلا وظلفا..
2 ـ رويت هذه القصة للتاكيد علي ان المصلح الاسلامى لا عليه اذا قارن مهمته فى علاج الضالين بمهنة الطبيب البيطرى ، فالتشابه قائم بين المهنتين فى نواحى كثيرة منها انهما معا قد يعانيان من رفس ونطح وعض الزبائن. الا ان الطبيب البيطرى الحقيقى يمتاز على شخصى الضعيف بأنه يجوز له أن يركب زبائنه أوأن يأكل لحومهم أما أنا فلا أحصل منهم الا على وجع القلب..
أتلقى منهم الأذى والآضطهاد والسب والشتم وفتاوى الأغتيال ولكن غاية ما أرد به عليهم هوذلك التوصيف القرآنى لهم وهو من قول رب العزة وليس منى ، وهم بأفعالهم وسلوكهم استحقوا أن ينطبق عليهم هذا التوصيف . كل ما أفعله كباحث ومصلح مسلم أن أعرض أعمالهم وأقوالهم على القرآن وأقارنها بالحكم ليأتى التطبيق عليهم حيث لا لوم على فيما أنقل من كلام مصادرهم وتراثهم هم ، وحيث لافضل لى في توضيح تناقضهم مع القرآن ، وانما الفضل لهم هم لأنهم يثبتون - فيهم - أعجاز القرآن الكريم المتجدد حتى بين اولئك الذين يزعمون الايمان به.
انها عادة سيئة لبعض الناس أن يعلنوا الايمان خداعا وتقليدا دون التوقف مع أنفسهم وعقائدهم المتوارثة وعرضها على القرآن الكريم. بعضهم فى عصر خاتم النبيين عليهم جميعا السلام أعلنوا له ايمانهم خداعا لأنفسهم وليس لله تعالى ورسوله ، ففضحهم رب العزة الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ يقول تعالى:" ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آ منوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون. فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" "البقرة 8-10 " ولذلك فان من أعجاز القرآن الكريم أنه ميزان الاهى يكشف أحوال العقائد والسلوكيات مهما تخفت خلف اسماء وشعارات. ويجب على المسلم الحريص على تدينه ان يراجع نفسه وينظف قلبه بالرجوع الى القرآن والاحتكام اليه والاهتداء به. اذا فعل ذلك كان مؤمنا حقا. ان لم يفعل وركن الى التراث وما وجد عليه السلف وتجاهل القرآن فقد انطبقت عليه ملامح الشرك العقائدى والسلوكى. وفى كل الأحوال فهو حر فيما يختار لنفسه.
3 ـ المؤمن الحق يخر لله تعالى ساجدا اذا قرىء عليه – مثلا - قول الله تعالى"فبأى حديث بعده يؤمنون "ويصحح عقيدته على أساس ان لا يؤمن بحديث آخرخارج القرآن، ويزداد ايمانا حين يقف على التعارض بين تلك الأحاديث الكاذبة والقرآن ويتعرف على مدى عدائها لكتاب الله تعالى ، ويهب ليدفع شرها عن الله تعالى ورسوله الكريم ودين الاسلام العظيم.
أما المشرك بقلبه وسلوكه فيتجاهل تلك الآية الكريمة ومئات الآيات الأخرى وينصب اهتمامه فى الدفاع عن أئمته الذين يقدسهم ويؤلههم ، وهم الذين أفنوا أعمارهم فى ظلم الله تعالى ورسوله ودينه . وفى سبيل الدفاع عن أولئك الأئمة ينكر ذلك المشرك حقائق القرآن ، ويتجاهل الرد على من يستشهد بها ، ولعجزه عن الرد العلمى بالحجة والبرهان يرد بالسب واللعن والتهديد بالقتل وافتراء الأكاذيب، ويحولها من قضية فكرية موضوعية الى هجاء شخصى ، مع عدم وجود علاقة شخصية بينى وبينهم .
هو بذلك يكرر بالضبط ما كانت تفعله قريش التى كانت تلقب محمدا بن عبد الله بالصادق الأمين فلما أصبح نبيا يتلو عليهم القرآن كرهوه وسبوه واضطهدوه ولقبوه بالساحر والكذاب . والسبب ليس كراهية شخصية للصادق الأمين الذى صحبوه وعايشوا كرم أخلاقه ، ولكنها الكراهية للقرآن الذى يتمسك به خاتم النبيين بينما هم يصرون على انكاره والتكذيب به . اقرأ فى ذلك الآيات التالية:"واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لايرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أوبدله" .
كانوا اذا تلا النبى عليه السلام عليهم القرآن صرخوا فيه يطالبونه بتغيير القرآن أو استبداله بقرآن آخر يتصالح مع ما وجدوا عليه آباءهم و "سلفهم الصالح ". ويأتى الأمر من رب العزة للرسول ان يقول لهم :" ... قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى، ان أتبع الا ما يوحى الى، انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم " يونس 15" اى لا يستطيع تبديل القرآن لأنه متبع له ولأنه يخاف ـ ان فعل ـ ان يقاسى من عذاب أليم. ونلاحظ كيف قام التراث السنى بتحقيق أمنية الجاهليين اذ أشاعوا اكذوبة النسخ بمعنى الحذف لتبديل معانى القرآن بعد أن عجزوا عن النيل من ألفاظه ونصوصه التى تعهد رب العزة بحفظها الى يوم الدين. ونلاحظ الحقيقة القرآنية التى ترددت كثيرا فى القرآن وهى انه عليه السلام كان متبعا لما يوحى الله تعالى به اليه فى الكتاب العزيزممنوعا من أى اضافة أو كتمان . وأخيرا نلاحظ انه كان يخاف من عذاب ربه اذا عصى، وقد تكرر هذا المعنى ثلاث مرات فى القرآن لينفى اسطورة الشفاعة. وتأتى الآية التالية بحجة أخرى للنبى عليهم اذ أنه عاش بينهم عمرا طويلا قبل القرآن وخبروا صلاحه وسمو خلقه ولا يزال متمتعا بذلك الخلق السامى بعد القرآن ولذلك يتلوه عليهم صادقا فيما يخبر عن ربه جل وعلا: " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ، أفلا تعقلون ؟ " يونس 16- " ثم تأتى الآية التاية تؤكد ان أظلم الناس هو من يفترى على الله تعالى كذبا ويقوم بتكذيب آياته :" " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا وكذب بآياته؟ انه لا يفلح المجرمون" يونس 17 " ومعنى هذه الآية تكرر كثيرا فى القرآن الكريم ،وينطبق على من يقدس التراث وأئمته وفى سبيلهم يكذب بآيات الله تعالى فى القرآن الكريم. واجدر بالسلفيين ان يتفكروا ـ فى تأكيده تعالى أنه لا ايمان الا بحديث واحد هو القرآن الكريم ـ قبل ان يمضى بهم قطار العمر الى الهلاك. ألا يكفيهم قوله تعالى :" أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء ، وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ، فبأى حديث بعده يؤمنون ؟ الأعراف 185 ٍ"
أيضا كان الجاهليون يكادون يسطون ويعتدون على من يقرأ القرآن كراهية للقرآن؛ يقول تعالى:" واذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا." الحج 72 " .
هذا هو الميزان القرآنى الذى تتعرف به على كل مشرك ، اذ أن مشاعره الكارهة للقرآن تدفعه دفعا للعدوان والتعدى ، وتقفز الى ملامح وجهه فينظر الى قارىء القرآن شذرا كما يقول تعالى " وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر "القلم 51". وأشهد الله تعالى اننى كنت أرى فى وجوه بعضهم نفس ذلك الوصف وهم ينظرون لى فى كراهية يكادون يسطون بى حين كنت أعرض فى بعض ندواتى أحاديث البخارى على القرآن لأثبت التعارض بينهما. لم تكن فى الحقيقة كراهية لشخصى فليست هناك علاقة بيننا ، ولكنها كراهيتهم للقرآن اذا تعارضت آية من آياته مع ما يؤمنون به من احاديث. لايستطيعون البوح بتلك الكراهية أو اعلانها صراحة فيصبون جام غضبهم على من يعرض عقائدهم على القرآن، يردون عليه بالسب والشتم والتهديد بالقتل.
4- ليس قصدى تكفيرالاشخاص كما يفعلون معى ولكن تكفير الأفعال . اننى أتحدث عن صفات وعقائد وعقليات وطريقة فى التفكير توجد فى كل زمان ويمكن تغييرها فى مهدها قبل أن تتحكم فى صاحبها ويستحيل العلاج منها. الاشخاص الأحياء الذين يتصفون بهذه الصفة وتلك العقلية قد تكون امامهم فرصة لمراجعة النفس والتوبة وتصحيح المساراتباعا لهدى الله تعالى فى القرآن الكريم . ومن واقع الأمل فى هداية بعضهم لا بد من التحذير والتذكير.
العقائد والعقليات هى محل بحثى ، وحين أعرضها على القرآن الكريم لا أقصد الا الوعظ والتذكير وليس السب والتكفير. هل رأيت طبيبا يسب المريض؟ انه فقط يصف الداء بأمانة , وليس فى وصف الداء سبا للمريض بل ان التشخيص الصحيح للمرض هو نصف الشفاء، وهو الذى يعين على تقديم الدواء المناسب.
5 ـ لقد جاء مصطلح المرض فى القرآن الكريم بمعنيين : المرض الحسى ، مثل قوله تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام " واذا مرضت فهو يشفين " الشعراء 80 " وكقوله تعالى " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ."النور 61"
والمرض القلبى أى الشرك اوالاصرار القلبى على الفاحشة ، وبالاثنين معا وصف القرآن الكريم فريقين من الصحابة فى عصر النبى محمد ، منهم : منافقون كانوا يعلنون الايمان خداعا فقال تعالى عنهم " : فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا " البقرة 10 " وفريق آخر كان يدخل بيوت النبى يحمل فى جوانحه نية سيئة نحو نساء النبى فقال تعالى لهن :" يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض " الأحزاب 32".
ونتوقف مع مرض العقيدة .
المشكلة أنه ليس مرضا عضويا يجعل المريض يحس به ويتعاون مع الطبيب فى العلاج منه . المشكلة أن المرض هنا "فكرى دينى" يهيىء لصاحبه ـ اذا تحكم فيه وسيطر عليه ـ أنه على الحق، وان غيره على الباطل بغض النظر عن الأدلة والبراهين. هذا الصنف الذى تحكم فيه المرض العقيدى ـ او الشرك ـ يتمسك بمرضه مهما تتلو عليه من آيات ومهما تذكر له من أدلة من تراثه هو ومن مصادره المقدسة عينها. يهاجمك مع انك تنقل له ما كتبه أئمته المقدسون أنفسهم ومن كتبهم المقدسة ذاتها. يثور عليك ويتوعدك بالقتل ، ولا يفعل ذلك عاقل على الاطلاق. لا يفعل هذا الا المرضى المتمسكون بمرضهم. المريض بجسده يلعن مرضه ويتمنى الشفاء منه، اما المريض بعقله وعقيدته فهو حريص على مرضه شديد الفخر به والدفاع عنه بالباطل ، بل يقذف بجسده فى الهلاك انتحارا ـ أو على حد زعمهم ـ جهادا فى سبيل هذا المرض .
هنا أيضا يتجلى اعجاز القرآن الكريم فى وصف هذه الحالة بكلمات قرآنية غاية فى الدلالة والايحاء، منها انه"زين له سوء عمله فرآه حسنا " فاطر 8" أو يصفه رب العزة بأنه "طبع على قلبه" وفى ذلك يقول تعالى فيمن شرح بالكفر صدره "اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ."النحل 108" هم الذين اختاروا الضلال وجعلوا حاجزا بينهم وبين الحق ، أو بالتعبير القرآنى عن اولئك الرافضين للقرآن:"كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون" أى أن الذين يعلمون فقط هم الذين يمكنهم فهم منهج القرآن فى التفصيل وليس اولئك الذين يسعون فى آيات الله معاجزين قائلين هات لنا كذا وكذا من القرآن ، ثم تقول الآيات التالية عن القرآن وموقف خصومه منه:"بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون. وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا اليه ، وفى آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب." فصلت 3-5".
المرض هنا استولى على العقل فجعل حاجزا سميكا يمنع وصول الحق الى المريض . لذا مهما استشهدت له بالقرآن فلن يسمعك ، بل حتى لن يراك وأنت أمامه تحادثه ، وما أروع قول الحق تعالى فى هذا الصنف المريض بعقله وعقيدته : " وان تدعوهم الى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون . الأعراف 198" يعنى تواجهه بالكلام تدعوه للهدى فلا يسمعك وتحدق فى وجهه فينظر اليك ولا يراك. والمعنى أن حواسه الظاهرة من سمع وبصر ترى وتسمع ولكن المرض العقلى العقيدى الشيطانى وقف حاجزا يمنع وصول الحق الى النفس ، أى حدث انسداد فى شرايين الهداية فتعطلت فلم يعد المريض يسمع أو يرى مع قدرة اذنه على السمع وعينه على الرؤية، والله تعالى يصف أولئك المرضى بعقولهم وعقائدهم بأنهم كالحيوانات التى ترى وتسمع ولكن لا تعقل ما ترى وما تسمع : " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ؟ ان هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا." الفرقان 44"
6 ـ ان القاعدة الآلهية القرآنية فى الهداية تجعل المبادرة الأولى للانسان ، فهو الذى يختار الهدى أو يختار الضلال ، فمن يشاء من الناس الهدى يهده الله تعالى، أما من يشأ منهم الضلال يضله الله تعالى وهنا يتأكد الحاجز الذى بنوه هم فاصلا بينهم وبين الحق، يقول تعالى" واذا قرات القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالاخرة حجابا مستورا . وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفى آذانهم وقرا، واذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا"الاسراء4645 " تأمل قول الله تعالى " واذا ذكرت ربك فى القرآن وحده " فهى أساس القضية المختلف فيها بيننا وبينهم.
نحن نذكر الله تعالى وحده اى نقدسه وحده لا شريك له من أولياء او أنبياء أو صحابة أو ائمة. وهذا التقديس لله تعالى وحده لا يكون الا فى القرآن وحده وليس من خلال كتب أخرى . وعليه فاذا ذكرت الله تعالى أى قدسته وحده وفى القرآن وحده، أى اذا رفضت فى دين الله تعالى اى كتاب آخر وأى حديث آخرغير القرآن هجروك وولوا على ادبارهم نفورا. يقول تعالى فى استحالة هدايتهم : "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه ، انا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا، وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا أبدا . " الكهف 57
7 ـ وكما أن مرضهم غريب فان الدواء أيضا غريب. الدواء يكون ترياقا شافيا للمؤمن ويكون فى نفس الوقت سما زعافا للمشرك يدفعه للتمسك بمرضه وتقوية الجدار العازل بينه وبين الحق أو الدواء. فما هو هذا الدواء الذى يتحول الى سم زعاف ويتغير حسب حالة من يتناوله ؟
انه القرآن الكريم. أذا وعظت مؤمنا بحقائقه المخالفة لما وجدنا عليه السلف والآباء تجد المؤمن قد تلقى العلاج بقبول حسن وشفى من المرض الكامن فى داخله. اما اذا كان المرض قد تحكم فيه وأسس جدارا عازلا يمنع الهداية من الوصول فان تناوله للدواء القرآنى يزيده كفرا وطغيانا، وتكرر قوله تعالى مرتين فى سورةالمائدة عن بعضهم " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا " المائدة 64،68 " هذا بينما تجد المؤمن اذا تليت عليه آيات القرآن ازداد ايمانا "الأنفال 2"
أن القرآن الكريم هو شفاء المؤمن وهو أيضا السم الزعاف للمصاب بمرض الشرك والكفر العقيدى والسلوكى. يقول تعالى عن القرآن الكريم كشفاء وكسم زعاف :" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا" الاسراء 82 " ويقول تعالى أيضا " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء. والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى ." فصلت 44"
كان السلف ضالا فزادهم الله تعالى ضلالا . السبب هو احتقارهم للقرآن الكريم .ازداد السلف السابقون ضلالا بالقرآن فاتخذوه مهجورا بما ابتدعوه من تأويل وتفسير وناسخ ومنسوخ وأحاديث وسنن ومفتريات من كل لون ازدادوا بها طغيانا وكفرا. وجاء اللاحقون على أثارهم يهرعون : " انهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون " الصافات 68، 69 " وهذا ما سيقوله رب العزة يوم القيامة عن كل المرضى المشركين الذين أضاعوا أعمارهم فى عبادة الثوابت وما ألفوا عليه السلف {غير } الصالح. واليوم اذا وعظتهم بالقرآن واستشهدت عليهم بتراثهم المقدس ذاته ازدادوا طغيانا وكفرا واتهاما للقرآن بان محتاج لسنتهم المفتراه التى تنسخ أى تلغى بزعمهم القرآن ، ويحتاج لها القرآن وهى لا تحتاج له .. الى آخر هذا الكفر والخبل والمرض العقيدى الذى تتنزه عنه الأنعام.
8 ـ المضحك ان هذا الصنف الذى وصفه رب العزة بالمرضى والأنعام يريد أن يركب اكتافنا باسم الاسلام .. ان من أعتى المصائب أن يطمح السلفيون لحكم المسلمين وهم أشد الناس عداوة للاسلام والذين آمنوا. اذا كانوا وهم خارج السلطة يردون على الحجة بالسب والشتم والقتل والاغتيال والارهاب والترويع فكيف بهم اذا وصلوا للحكم ؟
ثم فى أى عرف وفى أى شرع يجوز للماعز أن تحكم البشر العقلاء ؟
9 ـ و .. يا عطارين دلونى ؟؟؟
اجمالي القراءات
21250
مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)