البيّنة على من ادعى: بين دينا والفقى
سعد الدين ابراهيم
Ýí
2009-08-15
. مُصطفى الفقى صديق قديم، جمعتنى به أنشطة ومواقف عديدة. وقد شارك معنا فى عضوية مجلس الأمناء بمركز ابن خلدون لعدة سنوات وفى هيئة التدريس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، خلال الفترة التالية لخروجه من عمله كسكرتير معلومات رئيس الجمهورية.
وظلت علاقتنا الشخصية ودية، يسودها الاحترام، رغم اختلاف المواقع والمواقف، فهو جزء من السُلطة القائمة (موظفاً) ونائباً عن الحزب الوطنى الحاكم، أما أنا، فمُستقل، وناشط حقوقى، وداعية ديمقراطى، ومن الناقد&iacutacute;ن لهذه السُلطة، حينما يكون هناك ما يستحق النقد من وجهة نظرى.
إن الفقرة أعلاه هى مُقدمة ضرورية لما سيتضمنه بقية هذا المقال من مؤاخذات وانتقادات للدكتور مصطفى الفقى، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب. فقد زار الرجل الولايات المتحدة منذ أسابيع. وضمن ما فعله فى العاصمة واشنطن، كان لقاؤه بحشد كبير من الأقباط، بكنيستهم الرئيسية، وهى كنيسة القديس مُرقص (سان مارك)، بضاحية فير فاكسى.
إننى لم أكن فى واشنطن، ولا حتى فى الولايات المتحدة، أو القارة الأمريكية كلها، أثناء زيارته، حيث كنت فى المغرب لحضور مؤتمر عن الأمازيغ، وبالتالى لم أشارك فى لقاء د. مصطفى الفقى بالأقباط المصريين ـ الأمريكيين. ورغم ذلك دأب د.الفقى على إقحام اسمى، تصريحاً أو تلميحاً، فى عدة مقالات وتصريحات ومُقابلات تليفزيونية.
أما سبب ذلك فهو اشتباك فكرى بينه وبين مُحامية مصرية شابة، ونشطة فى صفوف الجالية المصرية ودوائر صُنع القرار بالعاصمة الأمريكية، وهى دينا جرجس.
وقد عدت زائراً منذ أيام للعاصمة الأمريكية، فوجدت أن سيرة مصطفى ودينا على ألسنة المصريين، التى هى بالكاد من عُمر ابنته سارة، تلميذتى السابقة. ولكن تواتر القصة هو بسبب ذلك الاشتباك الفكرى بين المُحامية الشابة والسياسى العجوز. ولما لم أكن شاهد عيان، فقد جمع لى ضابط مباحث سابق ولاجئ سياسى لاحق، هو السيد عُمر عفيفى، بناء على طلب منى، كل ما تيسر من معلومات عن الواقعة.
ففى ذلك اللقاء بين السياسى العجوز وجمهرة من أقباط المهجر، تحدث عن مكارمه الشخصية فى التعاطف مع الأقباط منذ رسالة الدكتوراه، التى كانت عن أشهر شخصية قبطية فى العصر الليبرالى، وهى شخصية «مكرم عبيد»، قطب حزب الوفد، والذى ذهب إلى المنفى مع سعد زغلول.
ثم تحدث الفقى عن مآثر الرئيس محمد حُسنى مُبارك، وحُبه الشديد للأقباط، والذى دلّل عليه، بأن من يحرسه ليلاً، هو ضابط قبطى اسمه فوزى شامخ، وأن مصر تعيش أزهى عصور ديمقراطيتها، والأقباط يعيشون عصرهم الذهبى الثانى فى عهد الرئيس مُبارك، الذى جعل من عيد الميلاد الأرثوذكسى (٧ يناير) إجازة رسمية لكل مصر.
واستمع له جمهور الكنيسة بأدب جمّ. وكان يمكن للّقاء أن ينتهى بسلام ووئام عند هذا الحد، ولكن السياسى العجوز، وافق على أن يُفتح باب النقاش، بعد حديث المكارم والمآثر، وليته ما فعل. فقد جاء سؤال المُحامية الحسناء مُفاجأة للرجل، وجاءت إجابته هذياناً غاضباً. فما هو السؤال الذى ما زال يُحاول الإجابة عليه، بعدما يقرب من شهر على لقاء كنيسة القديس مُرقص؟
ما هى العلاقة بين طول بقاء الرئيس مُبارك فى السُلطة، واستمرار قانون الطوارئ وغياب الديمقراطية، والزيادة الفلكية فى حوادث الفتن الطائفية؟»
قضى د. الفقى نصف حياته المهنية موظفاً دبلوماسياً، وكان مُستشاراً لسفارتنا بالهند ردحاً من الزمن، وسفيراً لمصر فى النمسا ردحاً آخر. وفى تدريب الدبلوماسيين، ولا يجوز أن يفقد الشخص أعصابه أو ينفعل انفعالاً ظاهراً، يوحى للمُتعاملين معه بأنه فقد توازنه. لم يُجب د. مصطفى على سؤال دينا ـ ذى المقاطع الثلاثة: طوال البقاء فى السُلطة، وغياب الديمقراطية، وتزايد الفتن الطائفية.
وحينما أجرى مُقابلة مع الصحفى مجدى سمعان، نشرتها صحيفة «الشروق»، (٣٠/٧/٢٠٠٩) حول نفس الموضوع، لم يرد على لسان الفقى: لا نص سؤال دينا، ولا الإجابة عليه. ثم فى حديثين تليفزيونيين على قناة «OTV» و»الفراعين»،
وأخيراً فى مقاله الأسبوعى بصحيفة الأهرام (١١/٨/٢٠٠٩). وقد بدأ هجومه الإعلامى على دينا، بتعمد الاستخفاف بها، حيث قال نصاً فى أول تعليق له على ذلك اللقاء، فى صحيفة الشروق (٣٠/٧/٢٠٠٩) «تحدثت فتاة لا أتذكر اسمها الآن بهجوم شديد على مصر، وغلب على لهجتها عداؤها لمصر أكثر من كراهيتها للنظام. وهنا كان لابد من القلق من هذا النوع من التعبيرات ولفت نظرها إلى أن ما تقوله هو جزء من أجندة مُعادية للوطن لأن كلامها فيه تحريض الأقباط.
وتحريض البهائيين والنوبيين، والتحريض على قطع المعونة. وهذه لهجة من الصعب أن يتحملها أحد.. فهى تحاملت على مصر فى حديثها وقالت إن حديثك (أى ما قاله) عن الأقباط مُضلل رغم أننى كنت شديد التوازن والعدالة... وقلت لها إن حديثك يضعك تحت طائلة القانون... ولاقى موقفها لوماً من الحضور، ووجّه الأب بيشوى اعتذار له مُشيّداً بموقفه من الأقباط»
هذا كلام الفقى بين علامات تنصيص، أى أنه منقول عن لسانه وقلمه، بالحرف الواحد. وليته فى ادعاءاته، أى اتهاماته، الواردة على لسانه للمُحامية دينا جرجس، اقتبس نصاً واحداً مما قالته «الفتاة» النكرة التى لم يتذكر اسمها!، للتدليل على ما ادعاه عليها.
فالقاعدة الفقهية الشرعية هى «أن البيّنة على من ادعى» والبيّنة هى الدليل، والادعاء هو الاتهام. وأهم بيّنة هى القول المُحدد الذى يعترف به صاحبه أو يشهد عليه آخرون. وضمن الملف المعلوماتى حول لقاء كنيسة القديس مُرقص، فيلم بالصوت والصورة، طلبت من الناشط مجدى خليل الاطلاع عليه، قبل أن أدلى بدلوى فى الجدل الدائر بين د.مُصطفى ودينا. ولم أكن لأفعل لولا أن د.الفقى أقحم اسمى، بادعاء إضافى فى أحاديثه التليفزيونية والصحفية، وهو أن «دينا جرجس سكرتيرة سعد الدين إبراهيم»، ثم ادعى ادعاءً آخر فى تبرير مبدأ عدم تولى مصرى قبطى منصب رئيس الجمهورية، وهو أن الدستور الأمريكى ينص على أن يكون الرئيس مسيحياً، (أى من الأغلبية)، بما أن الأغلبية مسيحية.
وفيما يلى تعليقاتى، فى نقاط مُحددة، حتى لا يُضيع القراء الذين يُتابعون هذا السجال بين د. مصطفى ودينا.
١ـ أنه لا يوجد فى الدستور الأمريكى أى مادة تنص على دين الرئيس، فمنطوق المادة (١١) من الدستور الأمريكى تقول «لا بد أن يكون المُرشح لمنصب الرئاسة قد وُلد على الأرض الأمريكية، ولا يقل عُمره عن ٣٥ سنة». ولا يذكر الدستور شرطاً دينياً أو طائفياً أو لغوياً أو عرقياً، من قريب أو بعيد. ولا أدرى من أين أتى د.مصطفى بهذا الادعاء. وكان الجدير به، وهو حامل للدكتوراه فى العلوم السياسية أن يطّلع على المصدر مُباشرة، وبنفسه، بدلاً من الاعتماد على «السماع» أو «العنعنات».
إن خطأ فادحاً، مثل هذا، وفى سياق هذا الجدل الذى يُصرّ د. الفقى على الاستمرار فيه، لابد أن يُقوّض مصداقيته، ويُلقى ظلال الشك على روايته وعلى بقية ادعاءاته، واتهاماته للمحامية الشابة، والتى كانت أكثر حرصاً فى اختيار كلمات سؤالها.
٢ـ إن دينا جرجس ليست «سكرتيرة» سعد الدين إبراهيم. وحتى لو كانت كذلك، فإن هذا يُشرفنى من ناحية، ولا يُحط من قدرها. ووصفها بهذه الصفة، ربما كان من وجهة نظره، يُعفيه أمام القُرّاء من الرد الموضوعى على سؤالها، أو تفنيد حُججها. إن دينا جرجس مُحامية لامعة، وهى خريجة أعرق الجامعات الأمريكية، وهى جامعة فندر بلت (Vander Belt) وهى ترأس الآن مُنظمة «أصوات من أجل مصر ديمقراطية».
وهى بهذه الصفة أصبحت أشهر ناشطة حقوقية مصرية فى واشنطن. وعلاقتها تاريخياً بسعد الدين إبراهيم هى مثل علاقة د.مصطفى الفقى نفسه، حيث كانت من خلال مركز ابن خلدون، فمنذ عشر سنوات كان هو عضوا فى مجلس أمناء المركز، وكانت هى باحثة فى نفس المركز!.
٣ـ شاهدت وقائع اللقاء على الفيلم الذى وصلنى من كنيسة القديس مُرقص. وليت إحدى القنوات المُستقلة تقوم بإعادة بثه. وطبقاً لما شاهدت فإن د. مصطفى كان الأكثر غضباً وانفعالاً، وتهديداً لدينا بأنه يمكن أن يُقاضيها على ما تقوله، رغم أنها كانت تسأل، ثم أبدت رأياً شخصياً وبأسلوب مهذب للغاية.
٤ـ خلط د. مصطفى خلطاً شديداً بين وطنية دينا جرجس ونقدها لسياسات وأوضاع تخص المصريين عموماً، والأقباط خصوصاً. واعتبر هو ذلك «هجوماً على مصر». وهذه مُمارسة عفى عليها الزمن، وتعود إلى مُمارسات خمسينيات وستينيات القرن الماضى حيث كانت تهمة «الخيانة» جاهزة لكل من يختلف مع النظام. ولأننى أعرف دينا كما أعرف مصطفى فإننى أشهد أن وطنيتها لا تقل عن وطنيته قيد أنملة.
٥ـ فى المقطع الذى اقتبسناه أعلاه من كلام د. مصطفى فى صحيفة «الشروق»، اتهم الرجل دينا صراحة «بتحريض الأقباط وتحريض البهائيين والنوبيين، والتحريض على قطع المعونة». وهذه الادعاءات غير صحيحة بالمرة، حيث لم يرد على لسان دينا فى لقاء الكنيسة كلمة واحدة عن البهائيين أو النوبيين أو المعونة.
فمن أين أتى بكل هذه الافتراءات على المُحامية الشابة. صحيح قد يكون للبهائيين والنوبيين والشيعة مظالم تستحق التنويه. ولكنا هنا فى موقع التدقيق والتحقيق فيما حدث. ومرة أخرى، يُذكّرنا ما يفعله د.مصطفى فى ادعاءاته على دينا بمُمارسات الأنظمة الاستبدادية التى تُكيل لأى خصم سياسى كل ما يمكن لتشويه سُمعته، للتنكيل به (أو بها)، استعداداً لافتراسها..فأعوذ بالله من الظلم والظالمين.
اجمالي القراءات
10526