بسم الله الرحمن الرحيم
د . أحمد صبحي منصور
لك يوم يا طبلاوي !
أولا
1 ـ
* " لك يوم يا ظالم" تنهيدة يقولها المصريون ، وكثيرا ما قالوها عبر تاريخهم الطويل , وهم في العادة يقولونها للظالم في موقفين : حين يتجبر عليهم بظلمه, فيقولون له على سبيل التهديد : لك يوم يا ظالم !! وحين يرون مصرعه ونهايته فيقولونها على سبيل التفلسف لا التشفي : لك يوم يا ظالم !!
* وكم شهد المصريون مصرع الكثيرين من الظلمة وصاغوا منها تلك الحكمة الخالدة , ومع ذلك فلم يتعظ أحد الظلمة ويرجع عن ظلمه , ولو فعل لعاش عمره في أمن وأمان وسعادة واطمئنان ، ولكن الظالم ينسى ربه المنتقم وهو في أوج نفوذه , وحين يتخلى عنه نفوذه يصبح عبرة لا يستفيد منها الظلمة اللاحقون .
وكم في التاريخ المصري من عبرة .. وكم منا من لا يعتبر !!
* في العصر المملوكي كان الظلم لا يعرف الحدود لأنه كان يعيش تحت حماية شعار تطبيق الشريعة , والشريعة الإسلامية بريئة من هذا الإفك ..
وكان السلطان المملوكي يتخير زبانيته من أرذل الناس ويستخدمهم سوطاً يلهب به ظهر المصريين , فإذا اشتد ألمهم وصراخهم عاقب السلطان بعض الزبانية وأرضى الناس بتعيين آخر يكرر نفس الظلم بعد قليل ، وهكذا يكسب السلطان دائما, ويصرخ الناس أبداً , ويتعاقب على ظلم الناس أعوان السلطان, كل منهم ياخذ دوره وينتهي وسط لعنات المظلومين الغافلين عن الظالم الأكبر ،أى السلطان المملوكي نفسه، الذى يدعون له بالنصر وطول العمر و البقاء فوق ظهورهم وعلى أعناقهم.
ونتصفح موسوعة المؤرخ المقريزى ( السلوك ) لنأخذ مثالاً لبعض الظلمة من زبانية السلطة المملوكية ؛ إنه شهاب الدين أحمد بن الطبلاوي، وأخوه علاء الدين على بن الطبلاوى.
2 ـ
وهذه هى المواضع التى أشار فيها المقريزى لابنى الطبلاوى : أحمد وعلى :
* في 21 رجب 810هـ أمر السلطان فرج بن برقوق باعتقال والي القاهرة حسام الدين وصادر أمواله وعين مكانه أحمد بن الطبلاوي ( السلوك جزء 4 قسم 1 ص 62 ).
* في 15 ذي القعدة 811 هـ .. كان أحد الظلمة السابقين يعيش أيامه الأخيرة يقاسي الذل في محنته ويقوم بإذلاله ظالم جديد هو جمال الدين الاستادار . وذلك الظالم السابق هو ابن غراب الذي كانت له صولة في أيامه حين كان وزيراً يتحكم في السلاطين, وبعد أن غربت شمس نفوذه أمر السلطان بأن يتسلمه صاحبنا أحمد ابن الطبلاوي والي القاهرة ليقوم بتعذيبه , وقام ابن الطبلاوي بالمهمة خير قيام إلى أن لفظ الوزير السابق ابن غراب أنفاسه تحت التعذيب, وأخرجوه ميتاً من دار ابن الطبلاوي يوم الأربعاء أول ذي الحجة 811هـ .( السلوك 4 / 1 / 85 ، 87 )
* وبعد أن أدى ابن الطبلاوي المهمة المطلوبة منه عزله السلطان في 10 ذي القعدة 812 هـ وولى مكانه أحد الأمراء المماليك, ولكن استطاع ابن الطبلاوي أن يقنع السلطان بأنه لا تزال لديه المقدرة على الظلم فأعاده السلطان واليا للقاهرة. ( السلوك 4/ 1 / 124 )
واجتهد ابن الطبلاوي في إرضاء السلطان وانهمك في مصادرة أموال الناس فعينه السلطان كاشفاً، أي حاكماً ـ على الشرقية ، ولكن ما لبث أن مل السلطان من ظلمه فأمر باعتقاله وعزله وسلمه للوزير ابن البشيري ليتولى تعذيبه وعقابه !!
* وفي ليلة الخميس 27 ذي القعدة 814 هـ ضرب السلطان فرج بن برقوق بنفسه عنق ابن الطبلاوي , بل قتل السلطان امرأة ابن الطبلاوي لأنها كانت تأتي إليه في السجن , وأمر السلطان أن يوضعا في لحاف واحد وأن يدفنا معاً في قبر واحد !! ويعلق المقريزي على مقتل ابن الطبلاوي – وكان يعيش في عصره – فيقول إن الناس استراحت من ظلمه وفسقه وعتوه .. !! ( السلوك 4 / 1 / 196 )
* ولم يعتبر بنهاية أحمد بن الطبلاوي أقرب الناس إليه ؛وهو أخوه علاء الدين (علي بن الطبلاوي) .. فقد سعى لأن يكون والياً على القاهرة هو الآخر، فتولاها في 2 ربيع الآخر 821 هـ فى سلطنة المؤيد شيخ . ( السلوك 4 / 1 / 441 )
وأدمن علاء الدين على بن الطبلاوى الظلم وتطرف فيه حتى منع الناس من دفن موتاهم إلا بإذنه , وازداد ظلمه حتى ضربه السلطان المؤيد شيخ بالمقارع ، ثم عزله وضربه في 11 جمادى الآخرة 823 هـ وأشهره في القاهرة عاري البدن على حمار إلى أن تسلمه زبانية السلطان ليعذبوه ويستخلصوا منه أمواله .( السلوك /4 / 1 / 530 ).
*وعاش على بن الطبلاوى حوالى خمسة عشر عاما خاملا يقتات على بعض ما تبقى لديه من أموال نهبها بظلمه وتعذيبه للناس حين كان فى السلطة .
* ونما إلى علم السلطان الأشرف برسباى أنه لا تزال أموال لدى على بن الطبلاوي, وأنه لن ياخذها منه إلا بالحيلة فأوعز إليه أن يتولى ولاية القاهرة في نظير رشوة, ودفع ابن الطبلاوي رشوة قدرها 1200 دينار للسلطان فأعاده واليا للقاهرة فى 15 جمادى الأولى عام 838، يقول عنه المقريزى ( وكان له منذ عزل من الولاية بضع عشرة سنة يتشحط فى أذيال الخمول ) ( السلوك 4/2/ 936 ).
*جاء على بن الطبلاوى واليا للمرة الثانية للقاهرة وهو يمني النفس بأن يسترد ما دفعه من رشوة باغتصاب أموال الناس كالعادة , ولكن سرعان ما عزله السلطان برسباى بعد عدة شهور،أى فى 15 شوال 838 . فعاش فقيرا مقهورا ملعونا، بينما نعم بالسلطة وولاية القاهرة ظالم آخر هو تاج الدين الشوبكى .
*بعد موت الأشرف برسباى تولى السلطنة ابنه يوسف وكان فتى ضعيفا ، وكان تعيين أبناء السلاطين المماليك فى أغلبه يعتبر فترة انتقالية حتى يظهر أقوى قائد مملوكى ليعزل ابن السلطان ويتولى السلطنة مكانه. وفى هذه الفترة عاش على بن الطبلاوى أحلك أيامه فى الفقر و الضعة إلى أن ولاه السلطان الضعيف يوسف بن برسباى ولاية القاهرةيوم الخميس الخامس من ربيع الآخر عام 842 . وكان ابن الطبلاوى ـ على حد قول المقريزى : ( قد بلف الغاية من الفقر والفاقة و الضعة )( السلوك 4/3/1094 )
*ولم يلبث أن إستطاع القائد المملوكى جقمق انتزاع السلطنة من يوسف بن برسباى ، وتولاها مكانه ، وكان هذا من سوء حظ على بن الطبلاوى الذى عزله السلطان الجديد جقمق ضمن حركة تغيير وتعديل فى الوظائف الكبرى ، أى لم يتمتع ابن الطبلاوى بالسلطة سوى عدة أشهر، فعزل فى يوم الخميس الثالث من شوال عام 842. ويبدو ان شهر شوال هو شهر النحس لهذا الظالم المنحوس .!!
* وأفلح ابن الطبلاى فى سرقة ما يكفى خلال هذه الأشهر القليلة لذلك استطاع بعد أقل من عام أن يصل بالرشوة الى تولى منصب جديد هو كاتب الجيش ـ إذ ولاه السلطان جقمق هذا المنصب فى 28 رمضان عام 843 . ( السلوك 4/3/ 1183 )
* وفى عام 844 أنهى المؤرخ العظيم تقى الدين أحمد بن على المقريزى كتابه ( السلوك ) وهو أعظم موسوعة تاريخية لمصر و الشام والحجاز خلال العصر المملوكى ، حيث كان المقريزى يسجل أحداث عصره باليوم و الشهر، ينقل نبض الشارع شاهدا على ما يحدث ، وما لبث المقريزى أن مات فى العام التالى 845 ( الموافق 1442.)
وعاش على بن الطبلاوى ( علاء الدين ) بعد موت المقريزى حيث ظل ابن حجر العسقلانى المشهور بلقب ( أمير المؤمنين فى الحديث ) ، يؤرخ للعصر على طريقة المقريزى ، وذلك فى تاريخه ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) ولكن ابن حجر لم يذكر شيئا عما حدث لابن الطبلاوى بعد عام 843.
أى إختفى ابن الطبلاوى من سطور التاريخ ، وعاد للخمول و الفقر تلاحقه لعنات المظلومين الى أن مات مجهولا.
ثانيا
1 ـ
نشرت معظم هذا المقال الإثنين 23 صفر 1412 هـ 2 سبتمير 1991م فى جريدة الأحرار المصرية ضمن مقال اسبوعى تحت عنوان دائم هو (قال الراوى ) كنت أقصد به الوعظ بالقرآن و باحداث التاريخ لعل المفسدين فى مصر المحروسة وغيرها يتعظون. ولم يتعظوا ، بل قابلوا الاصلاح السلمى الهادىء بالمطاردة البوليسية و القهر و الاعتقال . وأعيد الان نشره مع وضع كثير من النقاط على كثير من الحروف.
2 ـ
المقال السابق تتبع أحمد وعلى إبنى الطبلاوى بين سطور تاريخ السلوك للمقريزى الذى حفل بآلاف الشخصيات وآلاف الأحداث و التواريخ، ولكن تلك العدسة التاريخية التى استخلصت تاريخ إبنى الطبلاوى من بين ركام الأحداث التاريخية الأخرى لا تكفى للحكم على سلوك أحمد وعلى إبنى الطبلاوى ، إذ لا بد من التعرف على المناخ الذى عاشا فيه وتأثرا به بحيث كان كل منهما يمارس الظلم و التعذيب بضمير مستريح ، ولا يعتقد أنه قد ارتكب منكرا من الفعل ، عندما نفهم المناخ السائد الذى عاش فيه إبنا الطبلاوى يمكن أن نعرف من هو الضحية ومن هو المجرم الجانى .
3 ـ
واقع الأمر إن إبنى الطبلاوى كانا أبناء العصر وثقافته ، وقد تصرفا طبقا لثقافة هذا العصر و لم يخرجا عن إطاره القانونى و الشرعى و الاجتماعى فكانا الضحية والمجرمين أيضا .
فالدين الأرضى الذى سيطر على العصر المملوكى كان مزيجا من التصوف ـ من حيث العقيدة ـ و السنة من حيث الشريعة ، وبالحقيقة الصوفية آمن الناس وقتها بأولياء التصوف و أضرحته و كراماته ، وطبقوا الشريعة السنية فى قضائهم حيث تنوع القضاء وتوزع على المذاهب السنية الأربعة ، وحيث كان كتاب البخارى يتلى فى ليالى رمضان فيما كان يعرف بالميعاد ، وعند ختم صحيح البخارى فى نهاية رمضان كانت تقام احتفالات رسمية وشعبية ، وتوزع السلطات المملوكية فيها الهدايا و الهبات و( الخلع ) أى ثياب التكريم على العلماء و الفقهاء.
وسيطر الدين السنى الصوفى على الحياة المملوكية ، فكان عماد التعليم فى الأزهر و المؤسسات العلمية و الصوفية ، كما كان كل من يتخرج فى تلك المعاهد الدينية دارسا لعلوم الفقه و السنة و التصوف ، كما كان أولئك الفقهاء هم عماد الدولة المملوكية فى وظائفها الديوانية و الدينية ، فى مقابل السلطة العسكرية المملوكية.
كان من الوظائف الديوانية (كاتب السّر) أى سكرتير السلطان ـ مثل هيكل لعبد الناصر و أسامة الباز لحسنى مبارك ، ومنها الاستادار والوالى وناظر الخاص والوزير وكاتب الجيش والحاجب ، وسائر الوظائف المدنية والكتابية والادارية . اما الوظائف الدينية فقد كان أهمها القضاء و التعليم و الاشراف على مؤسسات الوقف ( ناظر الوقف ) والعمل فيها حيث دارت الحركة العلمية والتعليمية وقتها.
وبسبب السيطرة الدينية على الحياة الاجتماعية و العقلية للعصر اللملوكى فقد كان لكل فقيه لقب دينى بجانب اسمه وكنيته ـ فيقال له ( تقى الدين ) ( شمس الدين ) ( مجد الدين ). ولهذا كان لقب أحمد بن الطبلاوى : شهاب الدين بينما كان لقب أخيه على هو علاء الدين.
التدين السطحى الظاهرى من أهم سمات الدين الأرضى بجانب اللحية و العمامة و الحجاب و النقاب و الجلباب ، وهكذا كان العصر المملوكى. وتحت هذا هذا المظهر الدينى كانوا يمارسون أفظع أنواع المجون و الانحلال ، كما كان الظلم يعيش أزهى عصوره.
المستفيد الأكبر من هذا كانت السلطة المملوكية العسكرية الغريبة التى قامت بالحكم و استخدمت قوتها و انفرادها بالقوة فى ممارسة أفظع أنواع الظلم ـ يعاونها فى هذا الظلم الفقهاء العاملون فى الوظائف الدينية كالقضاة و المحتسب أو العاملون فى الوظائف الديوانية الادارية مثل الوزير ووالى القاهرة.
4 ـ
وللعصر المملوكى مصطلحاته الخاصة والتى بدون معرفتها لا تستطيع فهم ما تقرؤه من مصادر التاريخ المملوكى ، فمثلا حين يقال ( القاهرة ) فانها تعنى الجزء الخاص بالقاهرة الفاطمية التى تقع الان فى منطقة الدراسة، أما حين يقال ( مصر و القاهرة ) فانها تعنى القاهرة و الفسطاط ، بما يقترب الآن من مفهوم ( القاهرة الكبرى ).
وحين يقال ان ابن الطبلاوى كان واليا للقاهرة أو القاهرة ومصر فلا يعنى هذا أنه كان واليا مثل عمرو بن العاص أو ابن طولون أو ابن الخصيب أو الاخشيد من سائر مشاهير الولاة الذين حكموا مصر عليها من قبل الأمويين و العباسيين ، فقد تغير مفهوم الوالى فى العصر المملوكى ليصبح مجرد المسئول عن الأمن أو مدير أمن القاهرة فى مصطلحاتنا المعاصرة.
5 ـ
وطبقا لشريعة العصر المملوكى السنية فقد كان من حق السلطان أن يقتل من يشاء من المدنيين و العسكريين ، وأن يعذّب من يشاء وأن يصادر من الأموال ما شاء. وكان يفعل ذلك بنفسه مباشرة و من خلال منصب الحاجب الذى يتبعه ، أو بطريق غير مباشر من خلال قضاة الشرع ( الشريف ) الذين يقتلون من يشاء السلطان قتله ( بحكم الشرع ).
أما التعذيب فقد كان شائعا ومعروفا ومألوفا يمارسه السلطان بنفسه وبأعوانه على الجميع من العلماء و الفقهاء وكل أصحاب الوظائف العسكرية و الديوانية و الدينية. كان معتادا أن يتعرض للتعذيب إذا دارت بأحدهم الدوائر وفقد نفوذه ، أو إذا أراد السلطان عزله لمجرد مصادرة ماله حيث يعلم السلطان أنه يجمع تلك الأموال باستغلال النفوذ و السرقة، أما إذا ترأف السلطان بأحدهم فانه يكتفى بعزله وقد يعيده الى منصبة إذا دفع رشوة يشترى بها المنصب.
6 ـ
وطبقا للشريعة فى العصر المملوكى كانت الرشوة و شراء المناصب مشروعة ولها ما يعرف بديوان ( البذل و البرطلة ) ولكل منصب ثمن معلوم ، والفائز بالمنصب مباح له أن يسترد أضعافه بالسرقة و الفساد ، الى أن يطمع السلطان فى أمواله فيعزله ويصادر المعلوم من أمواله ـ ثم يأمر بتعذيبه ليعترف بما خبأ من مال ، والمسكين يتحمل العذاب الى أن يموت أو يقتنع السلطان ببراءته ، ومقياس البطولة وقتها فى أن يتحمل أحدهم العذاب دون أن يعترف بكل ما لديه من مال حرصا على استبقاء شىء ينفعه فى أيام البطالة ويعينه على دفع رشوة أخرى لمنصب آخر. وكان يحدث لأحدهم بعد العذاب والتجريس أن يرضى عنه السلطان بعد دفع المعلوم فيطوفون به فى موكب تكريم. وهكذا دارت حياة أولئك الكبار بين مواكب التجريس ومواكب التكريم طبقا لتقلبات السلطان .
هذا هو المناخ الذى عاش فيه احمد شهاب الدين وعلى علاء الدين إبنا الطبلاوى. تولى كل منهما منصب والى القاهرة أى مدير الأمن فيها ، أى تخصص فى التعذيب بأمر السلطان مباشرة او بطرق ضمنى. وبالتعذيب كان يستصفى ثروات المغضوب عليهم لصالح السلطان فيعطى السلطان جزءا و يخفى أجزاء يدخرها للمستقبل ، و يستعد لأن قع هو نفسه تحت طائلة التعذيب و المصادرة فى إطار طاحونة التعذيب المملوكية التى لا ترحم.
ولأن تلك الطاحون الظالمة كانت تدور تحت مسمى الشريعة فلم يكن هناك من يعترض على ما يحدث لأنه (الشرع الشريف ) طبقا للدين السّنى ، ولأنه طبقا للتصوف و السنة معا فان شفاعة النبى والأولياء والأئمة تضمن للجميع الجنة مهما ارتكبوا من آثام .
7 ـ
أى إن الجانى الأكبر ليس السلطان المملوكى وأتباعه ولكن تلك الشريعة السنية التى تنسب نفسها ظلما وزورا للاسلام. تلك الشريعة ليست سوى أقاويل من أحاديث وفتاوى حملت اسم الشريعة الاسلامية لكى يستخدمها المماليك أداة لقهر الناس.
وإذا كانت تلك الشريعة مجرد أقاويل فان الجناة الحقيقيين هم من قالها و من أفتى بها ومن طبقها. ونحن هنا نتحدث عن فقهاء لا عذر لهم فى تشويه شرع الله تعالى الذى ينسبون أنفسهم له ، وهم كانوا يقرءون القرآن و يعرفون أن الظلم لا يرضاه رب العالمين ، ومع ذلك كانوا أعوانا للظالمين وقضاة يحكمون باسمهم و شيوخا يخدمون فى مؤسساتهم التعليمية .
ونحن هنا نتحدث عن أعلام السنيين فى العصر المملوكى أمثال البوصيرى والذهبى و ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن خلدون والصفدى والنويرى وابن الحاج والسبكى وابن الشحنة والقلقشندى وابن حجر العسقلانى و ابن حجر الهيثمى و العينى و السخاوى والبقاعى و السيوطى والزركشى وابن رجب الحنبلى والشعرانى وزكريا الانصارى ..الخ ..
هؤلاء الذين ساندوا الظلم المملوكى بالتشريع السنى الذى ينسب نفسه زورا الى الاسلام العظيم دين العدل والاحسان .
ومن هنا لا يصح أن نلوم ابن الطبلاوى .. وحده ..
ثالثا
واذا تركنا العصر المملوكى حيث كان العسكر المملوكى يحكمون بفقهاء ( الشرع الشريف ) وقفزنا الى عصرنا البائس حيث يحكم العسكر المصريون منذ انقلاب يولية 1952 فاننا نجد ملامح للتشابه تستحق مقالا خاصا مستقلا .
ولكن يظل التعذيب هو السمة المشتركة الموجودة فى كل نظام عسكرى سواء كان غريبا عن الشعب ( المماليك ) أو من نفس أبناء الشعب .
ويظل نفس التساؤل .. كيف يقتنع من يمارس التعذيب بأنه لا يفعل منكرا ؟ كيف يمارس التعذيب مبتسما دون أن يؤنبه ضميره؟
المسئول هنا هو الشريعة السائدة التى يؤمن بها ذلك الضابط فى عصرنا أو ذلك الشيخ الفقيه فى العصرر المملوكى . كلاهما وجد من يقنعه بالدين أنه لا ضير عليه مهما فعل ، فالاقناع يكون أقوى إذا صيغ فى فتوى أو إذا استشهد بحديث أو إذا تدثر بتأويل فاسد لآية قرآنية ، وهذا هو مدار التشريع السّنى الذى مورست فيه أفظع حالات التعذيب و البطش والفساد والاستبداد ، والذى عاش فيه أئمة الفقه و الحديث و التفسير.
هنا قد ترى من يقوم بالتعذيب متدينا ، بل قد يحافظ على الصلاة فى مواعيدها ، وكنت أعجب عند دخولى مبنى مباحث أمن الدولة فى لاظوغلى بالقاهرة أن أرى صفوف الصلاة تقام عند كل أذان للصلاة ، وأرى الضابط الذى يحقق معى محتفظا بسجادة الصلاة الى جانب مكتبه. ولا يجد تعارضا بين هذا وذاك . وهى نفس النظرة السنية التى تجعل الصلاة وسيلة لتكفير الذنوب ، أى طالما تصلى فليس عليك إن ظلمت وقتلت وسرقت وبغيت، وهذا يخالف تشريع الاسلام الذى يجعل كل العبادات وسيلة للتقوى و العدل و الاحسان و الرقى الخلقى .
ليس عجيبا حينئذ أن تجد مشهورى التعذيب فى العصر المملوكى يتمتع بألقاب دينية مثل شهاب الدين وعلاء الدين ( الطبلاوى ) كما ترى ضباط التعذيب فى مصر يحملون أسماء من نوعية محمد وأحمد واسلام..نفس التدين السطحى المظهرى الذى يظلم الله تعالى قبل أن يظلم البشر.!
المشكلة الكبرى فى المستقبل حين يحكم الأخوان المسلمون بتلك الشريعة التى يرفعون لواءها و يطالبون بتطبيقها وفق ما قرره أئمة الشرع فى العصر المملوكى من ابن تيمية الى ابن حجر.
عندها سيأتى فقهاء تربوا على الشريعة المملوكية ليقوموا بالوظائف الدينية و الدنيوية معا ، وقد يصبح القائم بالتعذيب شيخا وقورا مهابا يصعق الضحية بالكهرباء وهو يحوقل و يقرأ الاوراد ، ثم يأتى عليه يوم يتعرض لنفس التعذيب من زميل له ..تماما كما حدث لابن الطبلاوى ..
ولهذا نناضل ـ سلميا ـ حتى لا يحدث هذا فى مصر..
أخيرا
منبع الظلم وأفظعه أن تظلم رب العالمين بأن تفترى عليه كذبا و تكذب بآياته ، وهذا ما فعله أرباب الدين الأرضى فى كل زمان ومكان ، يقول تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) (يونس 16 ).
من هذا الظلم تنبع شرائع مناقضة لدين الله تعالى ولكن تحمل إسمه وهى تؤسس الظلم بين البشر ، وتجعلهم يمارسونه وهم غائبون عن الوعى فى حالة تخدير. ومع اعترافهم بأن شرع الله تعالى الحقيقى يناقض الظلم إلا أن المخدرات الدينية التى تربوا عليها و تشربوها تجعلهم يمارسون الظلم والتعذيب باخلاص وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
اجمالي القراءات
24740
والغريب اننا نزداد يقينا يوما بعد يوم بأن البخارى هو سبب كل بلاء وكل نقيصة حلت بالمسلمين فكما قلت حضرتك (وحيث كان كتاب البخارى يتلى فى ليالى رمضان فيما كان يعرف بالميعاد ، وعند ختم صحيح البخارى فى نهاية رمضان كانت تقام احتفالات رسمية وشعبية ، وتوزع السلطات المملوكية فيها الهدايا و الهبات و( الخلع ) أى ثياب التكريم على العلماء و الفقهاء)..فإننا نجده يروى رواية تبيح للإنسان ان يفعل كل ما يريد من موبقات بنفس راضية وضمير مستكين حيث يقول فى باب التوحيد روايه رقم 6953
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)..
وإنظروا إلى خاتمة الروايه حيث يقول فليفعل ما شاء ..
اى انه يقر انك من حقك ان تعصى ربك ثلاث مرات وتتوب إليه وانت متأكد انه غفر لك وبعد ذلك فلتفعل ما تشاء وما عليك سوى الإستغفار باللسان او بالقلب ولك الجنه يا أخى ...طيب بزمتكم الواحد يقول للراجل ده إيه ؟؟؟
على كل حال نقول له لك يوم يا بخارى.....