نظرات فى المفاهيم والقيم الصوفية من قصة لقاء موسى (ص)مع الخضر(ص)
نظرات فى المفاهيم والقيم الصوفية من قصة لقاء موسى (ص)مع الخضر(ص)
المؤلف محمد أسامة محى الدين وقد استهل حديثه بإنكار السلفيين العلم اللدنى بثبوت وجود العلم اللدنى وتعريفه فقال :
"أولا ثبوت حقيقة العلم اللدنى:
لطالما أنكر من يدعون أنهم أصحاب مذهب السلف ذلك العلم الذى يسميه الصوفية العلم اللدنى
ويعرف العلم اللدنى بأنه العلم الخاص الذى لا يعلم إلا من جهته تعالى وهو المثبت بقوله تعالى: [فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما] {الكهف:65} ومن قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا" أخرجه بن حبان فى صحيحه (وصححه الحافظ العراقى) وأخرجه الغزالى فى حاشية الإحياء كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى، فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى فلا تحقروا عالما آتاه الله تعالى علما منه، فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه" أخرجه الدليمى فى سند الفردوس والجامع الكبير للحافظ السيوطى وكنز العمال للمتقى الهندى وروى الإمام البخارى هن سيدنا أبى هريرة أنه قال: حفظت عن رسول الله (ص)وعاءين من العلم فأما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (صحيح البخارى كتاب العلم) "
وأما وجود العلم اللدنى فهذا ثابت بكتاب الله لا ريب فيه ولكن تعريفه هو الخاطىء فلا وجود لعلم لدنى بمعنى أنه مختص بأفراد قلائل
فالعلم اللدنى هو نسبة للدن والمراد أنه من مصدر واحد وهو الله والعلم كله وهو الدين هو من لدن الله أى من عند الله ومن ثم فكل مسلم هو عالم لدنى من خلال علمه بكتاب الله كما قال تعالى :
" وقد أتيناك من لدنا ذكرا"
وقال :
"إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم"
ومن ثم سقط ما يقوله الصوفية من وجود علم لدنى مخصوص بطائفة دون بقية الناس فالعلم موجود ممثل فى كتاب الله وتفسره الإلهى
ذك ذكر أسماء العلم اللدنى عند الصوفية فقال :
"والعلم اللدنى عند الصوفية له أسماء عديدة فيطلق عليه علم الأسرار وعلم المكاشفات وعلم الغيوب وعلم المكاشفات وعلم الموهبه وعلم الحقيقة والعلم المكنون وعلم الباطن
ويقول العلامة الزمخشرى فى كتابه الكشاف فى العلم اللدنى هو علم الأخيار عن الغيوب، ويقول الإمام فخر الدين الرازى هو العلم الذى يتم الحصول عليه من عند الله من غير وساطة (مفاتيح الغيب - التفسير الكبير - للإمام فخر الدين الرازى) "
وهذا الكلام كله عن علم الغيب هو افتراء على الله لأن لا أحد يعلم الغيب سوى الله كما قال :
" إنما الغيب لله"
وقال :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
فهذا نفى لعلم المخلوقات كلها بالغيب وأن الإله هو الوحيد المختص به وحتى لو أخذنا قوله تعالى على ظاهره:
عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم"
فعلماء الغيب الذين يطلعهم الله على الغيب هم الرسل(ص) فقط ومن ثم سقط كله ما يقوله الصوفية أو غيرهم مع أن ألآية تتحدث عن الغيب بمعنى الوحى وهو الرسالات ومن ثم لا علم لأحد بالغيب أيا كان سوى الله
وتحدث عن تخاريف اسمها الاستعداد لتلقى العلم اللدنى الغيبى ضاربا أمثلة ليست فى وحى الله فقال :
"إن النفس البشرية المشرقة النورانية تكون قليلة التعلق بالجوانب البدنية والنوازع الجسمانية لذلك فإنها تكون على استعداد لقبول وتلقى التجليات القدسية والأنوار الإلهية والتى تفيض على هذه النفس من عالم الغيب أما النفس البشرية المشغولة بالأمور الدنياوية والشهوات الجسمانية لا يمكنها تحصيل المعارف اللدنية الغيبية والوهبية لأنها مشغولة بالمعارف الكسبية فى عالم الشهادة مستعينة بالعقل والحواس بل أنها فى كثير من الأحيان تنكر تلك العلوم اللدنية الوهبية والتجليات النورانية، والصنف الأول من النفوس بالنسبة إلى الصنف الثانى كالشمس بالنسبة إلى الأضواء الجزئية، أو كالبحر بالنسبة إلى الجداول الجزئية
ويقول الإمام ابو القاسم القشيرى: إن العلم اللدنى هو ما يتحصل بطريق الإلهام، وقيل: ما يمن الحق سبحانه وتعالى على الخواص من صلاح عبادة – وقيل: هو ما يعرف به الحق أوليائه فيما فيه صلاح عباده - وقيل: هو ملا لا يعود نفعه إلى صاحبه بل يكون نفعه لعباده مما فيه حق الله سبحانه وتعالى وقيل: هو علم غيبى يتعلق بعالم الأفعال، واختص منه: الوقوف على بعض سر القدر قبل وقوعه، وأخص من ذلك: علم الأسماء والنعوت والصفات، وأخص منه علم الذات، فالعلم اللدنى قطرات من فتوحات من الله لها مراتب من السمو والترقى من بحار العلوم الإلاهية لا وليس ولن يكون فى قدرة أحد أن يعرف لها شاطئا أو أعماق فهى هبة ومنة من الله للصادقين والصادقين من عباده وأوليائه الصالحين الذين اصطفاهم لمحبته وقربه فسبحانه ذو المنة والفضل ويقول الشيخ نجم الدين داية الصوفى الجليل: إن العلم اللدنى هو علم معرفة ذاته وصفاته الذى لا يعلمه أحد إلآ بتعليمه إياه "
وهذا حديث باطل فى اختصاص أفراد بعلم الغيب لأن البشر مخلوقين جميعا كنفس واحدة لا فروق بينها كما قال تعالى :
" وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة"
ومن ثم سقط وجود الفروق بوجود استعدادات ومواهب عند البعض
وزعم المؤلف أن الخضر علم الإشارة والوراثة والباطن والحقيقة فقال:
" وقد أوتى سيدنا الخضر (ص)علم الإشارة والوراثة والباطن والحقيقة ولذلك عبر عنه بلفظ العلم بناء على التعبير المطلق على الفرد الكامل بين أفراده حيث أن العلم الباطن من العلم الظاهرى بنتزلة الروح من الجسد أو المعنى من الصورة، وكلاهما أى العلم الظاهر والباطن له كماله الذاتى الحقيقى والفارق بينهما من ناحية التعيين فلا يلغى أحدهما إثبات الأخر "
ولا وجود بمن سماه الخضر فى كتاب الله فهو حديث من غير عالم فإنما سماه الله العبد الصالح(ص) وهو رسول من رسل الله لا يعلم شىء إلا من خلال وحى الله
واطلاع الرسل(ص) ومنهم موسى (ص) على بعض علم الغيب وهى بعض الأخبار وقع لكل منهم فمثلا يوسف (ص) علم بالمجاعة المصرية وكيفية علاجها ومثلا عيسى(ص) علم بأكل الناس ومدخراتهم فى البيوت كما قال تعالى:
" وأعلم ما تأكلون ما تدخرون فى بيوتكم"
ومثلا محمد(ص) علم بانتصار وهزيمة الروم فى أدنى ألأرض قبل وقوعهم كما قال تعالى :
"غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"
ومثلا موسى(ص) علم بانشقاق البحر وعبوره مع القوم قبل حدوثه كما قال تعالى :
"ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى"
وحتى صالح(ص) علم بهلاك قومه قبل ثلاثة أيام من هلاكهم كما قال تعالى :
"ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب"
‘ذا لا يوجد نبى إلا وقد علم بعض أخبار الغيب من لدن الله ومن ثم ليس العبد الصالح(ص) مخصوص بعلم من بينهم حتى يقال بوجود من يعلم الغيب من البشر
وحدثنا محمد اسامة ‘ن أن علم الباطن يكون بالإشارة أى المكاشفة فقال:
"إن العلم الظاهرى يكون تعلمه بطريق العبارة من معلم إلى طالب علم وهكذا، بينما العلم الباطن يكون تعلمه بطريق الإشارة ومنه ما يكون بطريق المكاشفة ولما كان سيدنا موسى (ص)يرغب فى تلقى العلم من سيدنا الخضر بطريق العبارة حيث قال: " [قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا] {الكهف:66} بينما سيدنا الخضر علمه بطريق الإشارة وليس بطريق العبارة ولذلك قال اسيدنا موسى " [قال إنك لن تستطيع معي صبرا] [وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا] {الكهف 68:67} "
وهذا تخريف تام فعلم بعض أخبار الغيب يكون بقول وليس إشارة كما قال تعالى " غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"
وقال الله لموسى(ص) نفسه قبل حدوث الخروج والعبور باشقاق البحر:
"ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى"
وينقل الرجل من كتب ابن تيمية كلاما فى الخوارق وكلامه ليس وحيا فقال :
"ويقول بن تيمية فى مبحث بعنوان قاعدة شريفة فى المعجزات والكرامات وهى ضمن مجموعة الفتاوى له: من الخوارق أن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره أو بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة أو مناما أو أن يعلم ما لا يعلمه غيره وحيا أوإلهاما، أو أنزل علم ضرورى أو فراسة صادقة، ويسمى كشف ومشاهدات ومكاشفات ومخاطبات فالسماع مخاطبات والرؤية مشاهدات، والعلم مكاشفات ويسمى ذلك كشفا ومكاشفة، أى كشف له عن هذا الأمر
ويطلق بن تيمية على هذه الخوارق الواقعة من الأولياء إسم المعجزات ومن المعجزات لغير الأنبياء من باب الكشف والعلم: قول سيدنا عمر فى قصة سارية وإخبار سيدنا أبو بكر الصديق بأن ما فى بطن زوجته أنثى وأخبار عمر على من سيخرج من ذرية والده من زوجه بنت بائعة اللبن بأنه سيكون عادلا، وفى قصة سيدنا الخضر فى علمه بحال الغلام الذى قتله "
وهذا الكلام الذى نقله الرجل وصدقه هو تكذيب للقرآن الذى نفى نزول الخوارق وهى ألايات أى المعجزات فقال :
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
قم قال أنه بناء على القصة يثبت وجود العلم اللدنى فقال :
ومما تقدم يتبين من قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر (ص)تأصيل ثبوت العلم اللدنى ويسلم للسادة الصوفية الحقيقيين المتحققين الإخبار عنه والعمل بمقنضاه والعمل بالطاعات والمجاهدات طالما لا يوجد أدنى منافاة بينه وبين ظواهر النصوص الشرعية المحكمة ومن ثم لا يلتفت مطلقا إلى إنكار المحجوبين المتعصبين ظلما على أولياء الله تعالى المقربين إثباتهم العلم اللدنى وعلوم المكاشفات والمشاهدات مادام الجمع بينها وبين ظواهر النصوص الشرعية ممكنا"
وكما سبق الحديث العلم اللدنى ثابت لكل من قرأ القرآن وليس مخصوصا بأفراد
وتحدث عن أن اللدن أنواعه كثيرة فى القرآن فقال :
"والجدير بالذكر أن عطاء الله سبحانه وتعالى من لدنه ليس العلم فقط وإنما يوضح القرآن الكريم أن الله يعطى من لنه الكثير ومميزات أخرى
1 – أن القرآن من لدن الله إذ يقول: [وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم] {النمل:6}
2 – ويهب الله سبحانه رحمة من لدنه إذ يقول: [ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب] {آل عمران:8}
3 – يجعل الله سبحانه لنا من لدنه وليا وذلك فى قوله تعالى: [واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا] {النساء:75}
4 – ويجعل الله لنا سلطانا نصيرا كما فى قوله: [وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا] {الإسراء:80}
5 – والله يهب من لدنه أجرا عظيما كما فى قوله تعالى: [وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما] {النساء:67}
6 – يهب الله من لدنه حنانا كما فى قوله تعالى: [وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا] {مريم:13}
7 – ويهب الله من لدنه رزقا من لدنه كما فى قوله نعالى: [أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون] {القصص:57}
ومنه يتضح ان هبات الله سبحانه وتعالى وعطاءاته من لدنه تشمل القرآن الكريم والرحمة والولاية والسلطان والنصر والأجر العظيم والحنان والرزق ومن بينها العلم كما فى قوله: [فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما] {الكهف:65}
فالعلم اللدنى أمر ثابت بالقرآن والسنة لا مجال لإنكاره لمن يسمون أنفسهم السلفية، ومن هذا العلم تتأصل المعجزات والكرامات والمكاشفات والمشاهدات والمخاطبات والعم من لدن الله لأهل الله لأولياءه الصالحين الذين لهم تواجد فى دار الدنيا إلى يوم الدين ولا مراء ولا ريب فى ذلك"
وكما سبق القول فالعلم اللدنى ثابت بكتاب الله ولكنه ليس ثابت لأفراد مخصوصين وإنما ثابت لكل من قرأ أو سمع القرآن فهو علم عام
وتحدث عن أن طريق الوصول لهذا العلم هو الصدق مع الله والقرب منه فقال :
"ثانيا: إن طريق الوصول إلى العلم الذى هو صدق العبودية لله تعالى والقرب يتحقق بالإلتزام بمنهج الله واتباع صراطه المستقيم، وقد ثبت أن سيدنا الخضر أول ما وصف به هو صدق العبودية _ يقول سبحانه وتعالى: [فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما] {الكهف:65}
وللسالك لطريق الله تعالى ثلاث مراتب للعبودية
عبودية العامة وهى التزلل لله تعالى، وعبودية الخواص بالتزام الصدق فى طريق الله، وعبودية خواص الخواص وهم الذين شهدوا نفوسهم قائمة به سبحانه فى عبوديتهم
ولذلك يقول العارفون بالله أن العبودية لله أشرف الأوصاف واعلى المراتب وبها يفتخر المحبون
يقول أبو القاسم الأنصارى أنه قال: لما وصل النبى (ص)إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة فى مقام قاب قوسين أو ادنى أوحى الله سبحانه وتعالى إليه يا محمد بم نشرفك؟؟ قال بنسبتى إليك بالعبودية فأنزل الله تعالى: [سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير] {الإسراء:1} إن حق العبودية إلتزام كامل بشرع الله قدر ما تسعه طاقة العبد دون تفريط فى حق من حقوق الله سبحانه وتعالى حتى تتحرر ذاتية العبد وأنيته من كل من سوى الله سبحانه وتعالى، هنالك تصدق عبودية العبد لله وينتسب إليه عبدا ربانيا وبذلك لا يلتفت إلى أى دعاوى تدعو للتحلل من قيود الشريعة وإسقاط التكاليف والتخلى عن ظواهر نصوص الكتاب والسنة وهذه دعاوى وهذه دعاوى إباحية ما قصد منها النيل من الصوفية وأولياء الله تعالى الصالحين بقدر ما قصد منها النيل من الإسلام ذاته
وقد تصدى أئمة التصوف لتلك الدعاوى ومنهم الإمام الجنيد إذ قال: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام، (وقال الصوفية بذلك مقيدة بأصول الكتاب والسنة)
وخلاصة القول أنه ليس هناك علم لدنى إلا بالتعبد والإلتزام شرع الله تعالى، وليس هناك ولاية لله إلا بمتابعة سيدنا رسول الله (ص) فكما " أنه لا يخرج الزبد إلا من اللبن " فلا علم لدنى ولا ولاية إلا بالتمسك بالكتاب والسنة، ويشير الله سبحانه وتعالى موضحا أن العلم اللدنى هبة منه لمن اتقاه إذ يقول: اتقوا [ واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم] {البقرة:282}"
وهذا الكلام المنقول هو كلام صحيح وهو لا يقول بأن العلم مختص بأفراد وإنما هو مختص بمن قرأ القرآن أو سمعه فاتبعه ومن ثم فالجنيد فى كلامه لا يقول بأن العلم اللدنى مختص بالغيوب
ثم تحدث عن كون العبد الصالح(ص)ليس نبيا أى رسولا وإنما ولى فقال :
"ثالثا: إن أكثر العلماء وأئمة الصوفية يقولون بأن سيدنا الخضر ولى وليس بنبى أو رسول وقد أتى بهذه الكرامات الثلاث أثناء مرافقة سيدنا موسى له وهذا يثبت أن الاولياء لهم كرامات مختلفة بإرادة الله وفيض منه حث لم يرد فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة أن هذه الكرامات مقصورة فقط على سيدنا الخضر وإنما هى باب مفتوح من الله لجميع أوليائه، وهى عطاءات ربانية لا حدود لها تختلف من ولى إلى اخر وتمتد على مر الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها وذلك لكل عبد يتصف بأنه عبدا ربانيا إذ الأمر يتلخص فى تحقيق إرادة الله ومراده على يد أو لسان هذا العبد الربانى ويكون ظاهر الأمر أن الحدث تم بمعرفة هذا العبد، والحقيقة أن الفاعل والإرادة الحقيقية لله وحده"
وهو خطأ فاحش فالوحى المنزل المتتابع مختص بالرسل (ص) وليس مختص بأفراد من خارجهم كما قال تعالى :
"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب"
ولو قرأ الرجل قوله تعالى :
"لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون"
لعلم أن الوحى منزل على كل الناس
وتحدث عن ثبوت تبعية المريد للشيخ فقال :
"رابعا: ثبوت مشروعية تبعية المريد للشيخ المرشد فى طريق الله عز وجل والسعى إليه ليسلك به سبيل التحقيق، ويعلمه علوم المواهب والأسرار ويطلعه على بواطن الالأشياء وحقائقها فى نفسها بعد تصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب من العلائق الجسمانية واستغراق الروح فى الأنوار الربانية وهذا يستقى من قوله تعالى: [ هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا] {الكهف:66}، كما يؤخذ من حديث رسول الله (ص)حيث قال: قام موسى (ص)خطيبا فى بنى إسرائيل فسئل: أى الناس اعلم؟ فقال أنا اعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم غليه سبحانه، فأوحى الله إليه: أن لى عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أى رب كيف لى به ؟ "
لو عقل الرجل لقال ثبت اتباع الكل للمنزل من الله كما قال تعالى:
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
وأما اتباع المريد للشيخ فلا ذكر له فى القصة والمذكور اتباع المتعلم للمعلم وللأسف فإن التلميذ موسى(ص) اعترض على معلمه فى مرات التعلم الثلاثة ولم يطعه مرة واحدة وهذا لا يثبت شىء أو ينفيه لأن الغرض من القصة هو تعليم موسى(ص) أن فوق كل ذى علم عليم أعلم منه
وتحدث عن هدف القصة فقال :
"خامسا: مهما بلغ علم الإنسان فإن علمه قاصر، وعليه ألا يظن أنه لا يوجد من هو اعلم منه مهما بلغت درجة علمه فلقاء سيدنا موسى بسيدنا الخضر لقاء الأكمل وهو سيدنا موسى لأنه نبى بالكامل وهو سيدنا الخضر لأنه ولى فكيف للكامل أن يعلم الأكمل، وذلك لأن الله تعالى قد يطلع الكامل على اسرار يخفيها عن الأكمل وإذا أراد الله أن يطلع الأكمل عليها أيضا فقد يطلعه بالذات وقد يطلعه بواسطة الكامل، ويلزم من توسط الكامل أن يكون أكمل من الأكمل أو مثله فالكامل كامل مطلقا والأكمل أكمل مطلقا وكما يقال " المزية لا تعطى الأفضلية "
فمن العلم ما هو علم بظواهر الأشياء يمكن تحصيله بناء على معرفة الشرائع الظاهرة وعلم ببواطن الأشياء يمكن تحصيله بناء على تصفيته الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب من العلائق الجسمانية ولهذا قال الله تعالى فى صفة ذلك العلم: [فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما] {الكهف:65}، وقد وهب الله تعالى سيدنا موسى كمال المرتبة فى علم الشريعة إلا أن كمال الدرجة فى أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على البواطن والتطلع إلى حقائق الأمور، ومن ثم كان من الضرورى سلوط طريق الله عز وجل للوصول إلى العلم الدنى بإتخاذ شيخا مرشدا وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة: [فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما] {الكهف:65} "
والخطأ وجود شريعة ظاهرة وباطنة فالقصة لا تتحدث عن شرع ظاهر أو باطن لأن الشرع واحد وإنما الغرض منها تعليم موسى(ص) أن هناك من هو اعلم منه فلا يفتخر بكونه الأعلم
وتحدث عن شروط التعلم بين المريد والشيخ فقال :
"سادسا: لابد من الشيخ المربى فى سلوك الطريق إلى الله تعالى ومنهج الأتباع التمثل فى قوله تعالى: [ هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا] {الكهف:66} ولابد أن يتحقق فى الشيخ المربى شروط ثلاثة هى: 1 - التحقق بالعبودية الكاملة التى ينتسب بها إلى جناب الله الحق تعالى فيصير عبدا ربانيا، 2 - نيل رحمة الولاية والقرب الإصطفائى، 3 - تلقيه للعلم اللدنى من الله عز وجل وبدون هذا الشيخ المربى البصير بمعالم الطريق إلى الله تعالى (هيهات أن يتحقق الوصول لله وسلوك مسلك الرجال بدون الشيخ المربى كما لا يتسنى لسفينة إلى شاطئ الأمان بدون ربان مرشد)"
وهو حديث باطل فكما سبق القول المطلوب اتباع الله وليس اتباع بشر والقصة لا تتكرر فى حياتنا ولا بعدها ولا حتى قبلها لأن القصة تتحدث عن أن العبد الصالح(ص) اتبع كلام الله
ثم تحدث عن الانصياع التام للمعلم فقال :
"سابعا: إن شروط وشرعية التبعية للشيخ المرشد فى طريق الله تتمثل فى قوله تعالى: [قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا] {الكهف:69} وقوله تعالى: [قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا] {الكهف:70}
ومن ذلك يتضح أن هذه الشروط هى:
1 - الصبر والثبات
2 - الطاعة وعدم العصيان
3 - التسليم وعدم الاعتراض، وعدم المبادرة بالسؤال عن شىء حتى يحدث الشيخ لمريده ذكرا منه "
والقصة تبين عدم الانصياع من قبل التلميذ لمعلمه فى كل المرات ومن ثم لا يمكن الاستشهاد بها على الانصياع التام أو التبعية لأنها تبين فى المقابل التمسك بوجوب إنكار المنكر من قبل التلميذ فموسى(ص) لم يخطىء فى المرات الثلاث بإنكار المنكر فالغرض من القصة ليس سوى تعليم التواضع لأن الوحى هو تعليم الأحكام والوحى قد انقطع فكيف سنعرف تلك المرادات التى يقال عنها باطنة
ثم تحدث مرة أخرى عن ثبوت العلم بالغيب والخوارق لأفراد فقال :
"ثامنا: ثبوت كرامات الأولياء ومكاشفاتهم بالغيبيات والمغيبات التى سترها الله تعالى عن المحجوبين من عامة الخلق، ومن هذه الكرامات ما أخبر الله تعالى به فى حق مريم بنت عمران عليها السلام من ظهور الشتوية فى الصيف والفواكه الصيفية فى الشتاء وأمرها للنخلة التى كانت يابسة فأثمرت، (ومريم ليست نبية)، وما أظهر سيدنا الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، وجميعها لأسباب سوف تحدث مستقبليا، قد أعلم الله تعالى بها وليه وألهمه بها وأطلعه على خفايا الأمور الحاضرة والمستقبلية لتنفيذ امره ومراده إذ قال الله تعالى: [ وما فعلته عن أمري ذلك تاويل ما لم تسطع عليه صبرا] {الكهف:82} أى ما فعلته عن اجتهاد منى ولكن بأمر الله صاحب الأمر وهناك كرامات القدرة للأولياء مثل مسح سيدنا الخضر الجدار بيده فأقامه، وفى الخبر أن سمك هذا الجدار ثلاثين ذراع وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون ذراع يقول سبحانه وتعالى: [ فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا] {الكهف:77} ومن كرامات سيدنا الخضر أنه كان عبدا لا تراه العيون إلا تلك العيون التى يريد الله سبحانه وتعالى أن يراه، فلم يره وهو يخرق السفينة إلا سيدنا موسى عليه السلام، ولو رأه القوم لمنعوه وحالوا بينه وبين خرق السفينة أو حالوا بينه وبين قتل الغلام "
وكما سبق انتهى عصر الآيات وهى المعجزات وهى الخوارق بمنع الله لها منذ عهد محمد(ص) بقوله :
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وهدم الرجل كل كلامه السابق عن الظاهر والباطن بعدم وجود خلاف بين الشريعة والحقيقة فقال :
"تاسعا: لا توجد مخالفة بين الشريعة والحقيقة ولا بين الظاهر والباطن
فحقيقة العلاقة بين الشريعة والحقيقة إنما هى التلازم أو الإتحاد فالشريعة آمر بالتزام العبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى والحقيقة مشاهدة أثار الربوبة فى تمام العبودية
فالشريعة جاءت بتكليف الخلق بالعبودية التامة والحقيقة إنباء عن تصريف الحق فى الخلق
فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده فى كمال العبودية
فالشريعة القيام بما أمر الله لتحقيق العبودية والحقيقة شهود ما قضى وقدر وأخفى وأظهر
أى أن الشريعة معرفة السلوك إلى الله تعالى والحقيقة مداومة النظر إليه فالشريعة ظاهر الحقيقة، والحقيقة باطن الشريعة
فالشريعة والحقيقة متلازمتان لا يتم أحدهما إلا بالآخر وهذا هو منطلق الصوفية العارفين بالله تعالى آهل الشرع والتحقيق "
وذكر الرجل لأن هدف الصوفية هو الوصول لله وليس للعلم اللدنى فقال :
"عاشرا: إن غاية السالكين لطريق الله تعالى ليس هو حصول العلم اللدنى والمكاشفات والمشاهدات أو الأحوال والمقامات إنما غايتهم الوصول إلى الله تعالى، (إعرف الله تعرف من تعبد) والرضا عن الله وبالله ولله هو المقام المنشود الذى لا يتحقق إلا بتمام العبودية وكمال العبودية لله حيث يجمع العبد بين علم اليقين وعين التعبد ليصل إلى حق اليقين، فيعرف الأشياء كما هى لا يصورها ولا يعللها بل يتركها على علتها التى خلقها الله عليها، وعرف أن القدرة مستورة خلف الحكمة وأن الحكمة مستورة فى الأسباب، وان رفع الأسباب لا يكون إلا بالله تعالى مسبب الأسباب "
وهذا الكلام تكذيب للقرآن فهدف المسلم واحد وهو رجاء رحمة الله وخوف عذابه
" يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه"
وأما الوصول لله بمعنى الاندماج فيه والحلول به فهو تخريف وجنون
اجمالي القراءات
1837