هل نحن نحتاج الى ما نسميه اليوم بالتنوير الاسلامي في مجتمعاتنا الاسلامية فعلا

مهدي مالك Ýí 2021-12-28




هل نحن نحتاج الى ما نسميه اليوم بالتنوير الاسلامي في مجتمعاتنا الاسلامية فعلا ؟
مقدمة متواضعة
يعيش عالمنا الاسلامي اليوم ازمة حقيقية مع الموروث الديني السلفي و ليس الدين الاسلامي بقيمه العليا و الانسانية حيث من الصعب ان نختزل الاسلام العظيم في الصور النمطية التي تم ترسيخها من طرف بعض الانظمة المعروفة و جل تيارات الاسلام السياسي تحت عناوين كبرى من قبيل اقامة الخلافة الاسلاممية او من قبيل تطبيق الشريعة الاسلامية كما فهمها فقهاء القرون الاولى من الاسلام فقط او من قبيل اقامة الدين الخ من هذه العناوين الكبرى لاي تنظيم سياسي اسلامي مثل الاخوان المسلمين بمصر و حركة التوحيد و الاصلاح بالمغرب و لاي تنظيم ارهابي مثل داعش و نصرة و طالبان التي اصبحت تحكم في افغانستان اليوم .
المزيد مثل هذا المقال :

ان ازمتنا الحقيقية مع الموروث الديني السلفي اخذت مساحات واسعة من النقاش بمختلف مستوياته الاكاديمية و الايديولوجية و المجتمعية لان الدين الاسلامي احب من احب و كره من كره هو يدخل في نطاق اهم مقومات مجتمعات شمال افريقيا و مجتمعات الشرق الاوسط منذ 14 قرن من تاريخ مختلف عليه الى حد التعارض بين من يرى ان التاريخ الاسلامي هو اسود على طول الخط و بين من يرى ان التاريخ الاسلامي هو مثالي مثل الملائكة اي ليس فيه ما يشين او يهين الاسلام و رسوله الاكرم عليه الصلاة و السلام اي ان هذا الاختلاف يعبر عن نسبية الفكر الانساني و اطلاق فكر خالق هذا الكون العظيم سبحانه و تعالى بمعنى مهما وصل الفكر الانساني فانه في نهاية المطاف هو نسبي للغاية و بالتالي فالموروث الديني السلفي هو فكر انساني نسبي و ليس بالمطلق الى يوم القيامة ...
ثم ان هذا الاختلاف يعبر ان المسلمين هم مختلفون على المستوى السياسي منذ فجر الاسلام بمعنى منذ وفاة رسول الهدى عليه الصلاة و السلام الى الان اي من احق بالخلافة كما يقال في تاريخنا الاسلامي اي ان مشكل الدولة مازال مطروح بإلحاح كبير لدى المسلمين حتى اليوم بين من يرى العودة المطلقة الى دولة الخلافة الاسلامية كما تسمى و بين من يرى ضرورة السير نحو الدولة الحديثة تفصل بين الدين و الدولة بشكل ايجابي اي احتفاظ بالقيم العليا للاسلام من قبيل العدل و الرحمة و المساواة بين المسلمين انفسهم و بينهم و بين اصحاب الديانات السماوية و من قبيل محاربة الغش و الاستبداد و الاستعباد الخ من هذه القيم العليا و المتواجدة في الدين الاسلامي اصلا ..
لكن هذه القيم العليا تم تعويضها بقيم الاعراب الجاهلية منذ نشوء الدولة الاموية ذات التوجه العرقي نحو تفضيل الجنس العربي على بقية الاجناس الاخرى التي امنت برسالة محمد صلى الله عليه و سلم فمنذ ذلك الحين اختفت قيم الاسلام العليا سياسيا و دينيا بفعل الزواج المشوه بين الدين و السياسة لان الارضية المعرفية لاعراب بني امية كانت تتماشى مع غرائز الحكم و التوسع و امتلاك الجواري و لم تكن تتماشى مع اهداف الاسلام الحقيقية من قبيل نشر الرحمة و العدل و المساواة الخ و لهذا عندما بدا عصر التدوين في الاحاديث النبوية اختلطت الامور
و دخلت الاسرائيليات على هذا العمل الانساني النسبي اي انه ليس مقدسا مع كامل الاجلال و الاحترام لهؤلاء الائمة.
و هكذا تم تشكيل ما نسميه اليوم بالموروث الديني السلفي اي وفق الارضية المعرفية لعصر الخلافة الاموية و الخلافة العباسية حيث ليس عيب ان تكون متدين في الحياة او ان تحب الاسلام و مقدساته الحقيقية او تذهب الى المسجد لاذاء الصلوات الخمس و للاستماع الى خطبة يوم الجمعة فنحن قد كبرنا على هذه التقاليد في المغرب كبلد اسلامي اي ان اغلب سكانه يدينون بالاسلام .
انما العيب كله هو التشبث الكلي بهذا الموروث الديني السلفي لدرجة التقديس و الشوق الى الوراء و افغال ان الاسلام هو صالح لكل الازمنة و الامكنة الى يوم القيامة لكن بشروط محددة في مجموعة من الاشياء من قبيل الارادة السياسية لدى انظمة دول العالم الاسلامي و من قبيل ظهور نخبة دينية متنورة من العلماء و الفقهاء الخ .
الى صلب الموضوع
عندما يؤسس هذا الموروث السلفي ببعده الوهابي و الاخواني مجموعة من الثوابت و القيم و المبادئ تتعارض كلها مع العقل السليم اولا ثم مع القيم العليا لديننا الاسلامي اعلاه ثانيا ثم مع سنة التقدم ثالثا لانني اؤمن بان التقدم هو سنة من سنن الله في هذا الكون منذ البداية الى النهاية و هناك مفهوم اخر للتقدم الا و هو التطور حيث كم من شيء قد تطور منذ بداية هذا الكون الى حدود اليوم ؟
اذن لا يمكن لاية امة مهما كانت ان تحقق اسباب التنمية و حقوق الانسان و الديمقراطية الا بالتقدم و بالتطور في كل شيء حتى المعتقد الديني و وعيه المجتمعي.
و للاسف الشديد فاصبحت مجتمعاتنا الاسلامية منذ سبعينات القرن الماضي مجتمعات متشبثة بالموروث السلفي اضعاف مضاعفة مع اتساع نفوذ تيارات الاسلام السياسي و مع رغبة الانظمة الحاكمة في اعتماد الخطاب الوهابي كاساس هام من اسس خطابها الديني الرسمي لحصار التيارات اليسارية و المد الثقافي الامازيغي كما هو الحال بالنسبة للمغرب .
ان سؤال هذا المقال المتواضع الا و هو هل نحن نحتاج الى ما نسميه بالتنوير الاسلامي في مجتمعاتنا الاسلامية فعلا؟ حيث ان هذا السؤال ينبغي طرحه بشكل دائم لان التنوير الاسلامي كما اسميه شخصيا هو الطريق الثالث بين التطرف الديني العنيف الذي يأطره الموروث السلفي بدون ادنى شك و الالحاد اي انكار موجود اي خالق لهذا الكون و بالتالي انكار موجود اي دين منزل من السماء حيث اعرف ما اقوله جيدا باعتباري تعرضت للاهانة لم اكن اتصورها ابدا انتهى الكلام عند هذه النقطة .
قد قلت في مقالي المنشور في موقع العمق المغربي بتاريخ اكتوبر الماضي فبعد اكثر من 40 سنة من ترسيخ المذهب الوهابي داخل دولنا الاقليمية مثل المغرب و الجزائر و مصر الخ من هذه الدول يصعب على دعاة التنوير الاسلامي اقناع عامة الناس بافكارهم التجديدية في الدين لان اغلب الناس يحبون الاستماع الى شيوخ الوهابية عبر الفضائيات الدينية المعلومة او داخل مساجدنا او داخل اذاعاتنا الخاصة بالمغرب باعتبارهم يتكلمون في كل شيء حتى في الجماع بين الزوجين و باعتبارهم يملكون الحقيقة الدينية المطلقة بالنسبة للعامة بمعنى ان هؤلاء يصدرون فتاوى تتعارض مع السياق المعاصر و مع البيئة الاجتماعية الخ من مظاهر نشر الفتن الواضحة ضد الاختلاف و التعدد بمعناه الواسع...
ان المقصود من التنوير الاسلامي برايي المتواضع هو مجموعة من الاهداف و الغايات من قبيل تقديم صورة جديدة لديننا الاسلامي و جعله يتماشى مع بنيات الدولة المدنية المنشودة لان اغلب تيارات الاسلام السياسي تريد في اعماقها العودة الكلية الى نظام دولة الخلافة بمختلف تفاصيلها الدقيقة تحت ذريعة الحفاظ على الاسلام كشعار بارق لكنه خبيث للغاية لان الاسلام هو دين صالح لكل زمان و مكان بشرط ان يجتهد الفقهاء وفق زمانهم و واقعهم المعاش بعيدا عن تأثيرات الفقه القديم و الميت في معظمه.
ان الدولة المدنية تعني المساواة في الحقوق و الواجبات و الحق في التدين باعتباره حقا من حقوق الانسان لكن عندما يتحول هذا الحق الاصيل الى وحش وهابي يكفر الجميع بلا استثناء و يقول في السياق المعاصر ان جهاد الطلب هو فرض عين على كل مسلم فان هذا الحق الاصيل اصبح يشكل خطر حقيقي على المسلمين قبل غيرهم في الغرب المسيحي كله .
ان مؤسساتنا الدينية الرسمية في دولنا الاقليمية مازالت عاجزة ان تقدم تنوير اسلامي كما يفعله زعماءه المعروفين في المغرب و في العالم الاسلامي على الاعتبار ان هذه المؤسسات محكومة من طرف الانظمة التي تعتبر الدين وسيلة لفرملة التقدم و الدمقراطية ........
ان حدود التاويل في النصوص الدينية هي متفاوتة حسب افكار اصحاب هذا الاتجاه الفكري فبعضهم يميل ان القران الكريم هو المصدر الوحيد للاسلام مثل تيار اهل القران برئاسة الاستاذ احمد صبحي منصور و اعتبر ضمن كتابه منذ سنة 2016 الى الان..
ان تيار اهل القران له افكار تنويرية و اخرى متشددة حسب راي البعض تجاه السنة النبوية الخ.
و بعضهم الاخر يميل الى اعادة قراءة القران الكريم قراءة معاصرة كما فعل المرحوم الاستاذ محمد شحرور منذ تسعينات القرن الماضي و التعامل مع التراث الفقهي مجرد اجتهاد بشري مرتبط بالارضية المعرفية لذلك الزمان الغابر حيث انني اميل الى افكار الاستاذ شحرور رحمه الله و اميل الى افكار الاستاذ اسلام البحيري المعروفة..
شخصيا اعتقد ان القطع مع التراث الديني بشموليته بصفة نهائية لا يمكن حدوثه حيث سيتساءل البعض لماذا لا يمكن حدوثه ؟
و الجواب هو لان هذا التراث الديني السلفي له ايضا جوانب ايجابية كالاحاديث التي توصي بالاحسان الى الوالدين و الى الجار و بالنظافة الخ من هذه الامور التي لن تقف امام التقدم و الديمقراطية و بناء دولا مدنية تعتز بالاسلام كقيم عليا و كاخلاق حميدة الخ.
و كما يتضمن هذا التراث الديني على شرح لفرائض الاسلام الخمس مثل الصلاة و الزكاة و صيام شهر رمضان و الحج كفريضة عظمى في ديننا الاسلامي و لها مكانة اعتبارية في وجداننا الاسلامي منذ طفولتنا الى الان حيث هذه الفرائض لا يتغير بتغير الزمان او المكان .
انني هنا لا ابحث عن العدوات مع احد لكنني ارى ان التطرف في الجهة المقابلة سيساهم في تقوية حجج التيارات المسماة بالاسلامية بدولنا الاقليمية ضد رموز التنوير الاسلامي عموما من خلال اتهامها انها تهدم اركان هذا الدين الخمس الخ من هذه المتاهات التي لا طائل لها حسب وجهة نظري المتواضعة.
و طبعا فان هذا التراث الديني السلفي له جوانب سلبية كذلك تسيء للاسلام و رسوله الاكرم صلى الله عليه و سلم للغاية كالاحاديث التي تتعارض كليا مع صريح القران الكريم او مع العقل السليم او مع مكارم اخلاق رسولنا الكريم حيث ان هذه الاحاديث المنسوبة للمقام النبوي شكلت و تشكل احد اهم العراقيل الكبرى امام الاسلام في شموليته اليوم داخل بلدان المسلمين قبل غيرهم باعتبارها السبب في تعميق التخلف في دولنا الاقليمية و كذلك السبب في تقوية النزعة السلفية لدى عامة
المسلمين منذ هزيمة العرب في حربهم مع اسرائيل سنة 1967 الى يوم الناس هذا ..
و خلاصة القول ان التنوير الاسلامي كما اسميه شخصيا هو مشروع كبير يتجاوز كل الاختلافات اللغوية و الثقافية و الايديولوجية داخل الدائرة الاسلامية الكبرى حيث اننا نوجه عدو مشترك الا و هو الوهابية و اخواتها من تيارات الاسلام السياسي حيث يستحق هذا المشروع الكبير مزيدا من الافكار المعقولة التي لا تصادم مع المقرر من طرف الله سبحانه و تعالى بخصوص اركان الاسلام الخمس ...
و كما ان التنوير الاسلامي هو وسيلة لانتقال الاسلام و المسلمين من اوهام السلف الصالح كما يسمى الى افاق دول مدنية علمانية تفصل بشكل ايجابي بين الدين و السياسة و ليس بين الدين و المجتمع من طبيعة الحال لان هذا الفصل لم يحدث في اوروبا و في امريكا المسيحيتان .......
المهدي مالك

اجمالي القراءات 2282

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   رضا البطاوى البطاوى     في   السبت ٠١ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[93066]

حراك بعض التراثيين كان سبب من اسباب ظهور القرآنيين


الأخ  مهدى :



بداية حركة التنوير أو الصحوة أو التصحيح أو التطوير ..أيا كان الاسم ليست جديدة ففى كتب التراث القديمة  آراء كالكثير من آراء القرآنيين وغيرهم وحتى من نسميهم التراثيين نحن خرجنا  جميعا من وسطهم ولم نكن لنخرج لولا أن بعض التراثيين قاموا بتقديم العديد من الأراء  الجديدة وهذه الآراء ليست موجودة فيما يسمى الكتب الإسلامية فقط بل نجدها مبثوثة فى الروايات والأشعار والمقالات التى تسمى اجتماعية وعلمية  فنحن لم نخرج من فراغ لأن من آمنوا بالتراث داخل كل منهم قناعة بان الحديث المنسوب للنبى منه كثير لا تصح نسبته للنبى (ص)وقد قامت معارك على حد علمى منذ عقود مثلا فى مصر داخل الحركة السلفية بسبب تكذيب بعضهم مثلا لحديث الذبابة  ووجدنا من يأتينا بأراء جديدة من رحم التراثيين كتفسير محمد عبده وككتاب أبى آدم وكتب مصطفى محمود  وغيرهم وهى آراء نجد أمثالها فى القرآنيين على صفحات الفيس بوك وكان بعضها محل جدل خاص فى موقع أهل القرآن



بقيت كلمة وهو أننا لم نقرأ كل ما كتب فى بلادنا من كتب وصحف ومجلات منذ قرن مضى مثلا  ولو راجعناها لن نستغرب أن نجد قرآنيين فيهم أو أراء قريبة من الأراء الحالية فى العديد من المسائل  وقد قرأت وأنا صغير منذ أكثر من35 عام مجلات كانت تصدر من 70أو 60 عام كانت فى مكتبة أحد أقاربى ووجدت فيها أبحاثا قيمة تنقد التراث



2   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   السبت ٠١ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[93067]

الأستاذ رضا البطاوى .


نعم هناك من انتقد بعض الروايات والإسرائيليات فى التراث ..ولكن لم يقل أحد بشجاعة ووضوح وبحزم ب(القرءان وكفى  مصدرا فى الإسلام ) إلا القرءانيين المعاصرين  وفى مقدمتهم الأستاذ الدكتور - أحمد صبحى منصور ....فما ندعوا إليه ليس تنقية التراث  كما يقولون ولكن  لفصل التراث عن الدين كُلية والعودة للقرءان الكريم وحده فى دين الله .



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 261
اجمالي القراءات : 1,248,668
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco