آحمد صبحي منصور Ýí 2014-01-08
مقدمة
سبق القرآن الكريم الحضارة البشرية الراهنة بتشريع الميراث بكل ما فيه من رُقىّ وسُمُوّ . خصوصا عندما نتذكر أن القرآن الكريم خاطب فى البداية عربا صحراويين لا يقيمون وزنا للحقوق حيث قامت حياتهم على الصراع القبلى والتقاتل من أجل الماء والكلآ ، والعظمة عندهم مرتبطة ـ ليس برعاية الحقوق ـ ولكن بسلب الحقوق ، فالضعيف من الأشخاص ومن القبائل منهوب مظلوم ، والعظيم هو السالب الناهب الذى يسبى النساء . والمرأة سلعة للسبى بلا حقوق أصلا ، هذا ، إن عاشت بلا وأد ولم تكن ( موءودة ). إرتقى العرب فى دولة النبى عليه السلام الى درجة أن ينزل تشريع الميراث فى المدينة بكل هذا السمو الذى يتناقض مع حضيض الجاهلية فى الجزيرة العربية وخارجها فى ظلام القرون الوسطى .
ولكن ما لبث المسلمون بالفتوحات أن أشبهوا الفُرس والروم ، وسكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، وأقاموا امبراطوريات تعتنق السلب والنهب والاسترقاق والسبى والظلم على مشتوى الأمم والشعوب ، وليس كما كانت الجاهلية العربية التى إنحصر ظلمها على مستوى الأفراد والقبائل . وفى العصر العباسى إكتمل التناقض بين الاسلام والمسلمين بتأسيس أديان أرضية ، لا يزال باقيا منها ثلاثة : السُّنة ، والتشيع والتصوف . وتميّز دين السّنة بتعبيره عن الهيمنة والدولة ، لذا كان تميزه أكثر فى مجال التشريعات . وجاءت تشريعات السّنة التى إزدهرت فى العصر العباسى تُلغى تشريعات القرآن الكريم بمزاعم ( النسخ ) وتُحرفها بألاعيب أخرى مثل ( إختراع الأحاديث ) وتغيير مصطلحات القرآن ، واساطير ( أسباب النزول ) وخرافات ما يُعرف بالتفسير .
ولكن مع هذا التعامل السىء مع القرآن الكريم ، فإن تأثير القرآن فى العرب والمسلمين ( المحمديين ) فى العصر العباسى كان هائلا بالمقارنة بينهم وبين أوربا فى نفس العصر . وأبرز نواحى هذا التأثير فى التشريع ، والتأريخ . وتشريعات المسلمين فى الميراث شاهد على هذا ، فلم تصل تشريعات الميراث الغربية الى هذه الدقة والتفصيلات التى وصلها علم ( الفرائض ) أو ( المواريث ) لدى المسلمين . ومع هذا فإن تشريعات المسلمين فى الميراث أخذت بعض تشريعات القرآن وحرّفت البعض الآخر . وهذا يؤكد أن تشريعات الميراث القرآنية وصلت الذروة فى الرقى وتحقيق العدل .
و( كتاب الميراث ) يعرض لتشريع الميراث القرآنى ثم إختلافه عن تشريعات الميراث فى الفقه السّنى .
والله جل وعلا هو المستعان .
كتاب الميراث : الباب الأول : تشريع الميراث فى القرآن الكريم
الفصل الأول : مقاربة إصطلاحية : مفهوم : ورث
يأتى مصطلح ( ورث ) ومشتقاته فى القرآن بمعان مختلفة حسب السياق :
أولا : بمعنى وراثة النبوة والكتاب :
1 ـ وراثة الكتاب : فبنو إسرائيل توارثوا الكتاب ، من خلال الرسالات السماوية التى نزلت فى أنبيائهم ، يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) غافر ). ومع هذا تفرقوا وإختلفوا فى الكتاب الالهى او العلم الالهى بسبب البغى :( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى )، ومنهم من كان يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه بما يتفق مع أهوائهم فى أساطير الشفاعة: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) (169) الاعراف ). الذين يرثون الكتاب ثلاثة أنواع : سابقون وظالمون ومعتدلون مقتصدون. ينطبق هذا على ( أهل الكتاب ) الذين ورثوا التوراة والانجيل وما بينهما كما ينطيق على (أهل القرآن ) ورثة الكتاب الخاتم ، يقول جل وعلا عنه : ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)فاطر ) ، ويقول عن ورثة القرآن : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر )
2 ـ وراثة النبوة :نرى هذا فى ذرية ابراهيم وبنى اسرائيل . فابراهيم عليه السلام أنجب إسماعيل واسحاق ، وإسحاق أنجب يعقوب ، ويعقوب أنجب 12 ولدا كان من بينهم يوسف الذى أصبح رسولا . ثم كان موسى وأخوه هارون نبيين ،ودعا النبى زكريا عليه السلام ان يرزقه الله جل وعلا ولدا يرث النبوة ، واستجاب رب العزة لدعائه : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) مريم ) ، وقبله ورث سليمان النبوة والمُلك من أبيه داود عليهما السلام : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) النمل ). ويقول جل وعلا عن ابراهيم عليه السلام (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ )(27) ( العنكبوت ) ، أى توارثوا النبوة و الكتاب .
ثانيا : وراثة بمعنى الاستخلاف فى الأرض :
1 ـ البشر فى هذا الكوكب أمم يخلف بعضها بعضا ، أى يرث بعضها بعضا، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ ) (165) الانعام ) ( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ )(39) فاطر ).
2 ـ كان قوم نوح أكبر مجتمع بشرى ، وقد أغرق الله جل وعلا معظمهم بالطوفان لأنهم كذبوا بالرسالة السماوية ، وممن بقى مع نوح أصبحوا خلائف يتوارثون الأرض أمة بعد أمة . يقول جل وعلا عن نوح عليه السلام : ( فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ (73) يونس ).
2 ـ وورث قوم عاد قوم نوح ، وكذبوا مثلهم النبى هود عليه السلام ، فقال لهم : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) (69)( الاعراف ) وهددهم بأن يستخلف الله جل وعلا غيرهم بعد أن يهلكهم : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ ) (57) هود ) . وجاء بعدهم قوم ثمود الذين كذبوا نبيهم صالح عليه السلام ، فقال لهم يذكرهم بنفس ما قاله من قبل هود لقومه (عاد ) : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ ) (74) الأعراف ).
3 ـ وبنفس الطريقة أهلك الله جل وعلا فرعون موسى الطاغى وقومه ، وورث بنو إسرائيل جناته ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) ( القصص ). تطرف فرعون فى تعذيب بنى اسرائيل : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)( الاعراف ). وفى النهاية جاء التدخل الالهى بإغراق فرعون وقومه ، وورثهم بنو اسرائيل : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59 ) الشعراء )( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) الدخان ).
4 ـ وحذّر رب العزة العرب من أن يرثوا نفس المصير: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ( الأنعام 133 ). وقال مُذكّرا بما حدث للأمم السابقة : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس ).
5 ـ وكان المسلمون فى بداية عهدهم بالمدينة ضعافا يخافون أن يتخطفهم الناس فآواهم وأيدهم الله جل وعلا بنصره (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) ( الأنفال ) ، وكان قد وعدهم بالأمن والنصر بشرط التمسك بالاسلام :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور ) ووفوا بالشرط فى عهد النبى فأنجاهم من كيد اليهود المعتدين وأورثهم ارضهم وغيرها : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) الاحزاب ).
6 ـ وتبقى العظة من الاستخلاف أو وراثة أمة بعد أمة ، وهى أن الاهلاك يأتى بسبب الفسوق والعصيان والجحود والكفران ، و يتكرر هذا ، فتسير كل امة على نفس الطريق الضال فتهلك ، ترثها أمة بنفس الشرور فتهلك دون ان يتعلم أحد ، وانظر الى حال العرب اليوم الذين لا يأمنون مكر الله أو إنتقام الله جل وعلا ، يقول جل وعلا : ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) الاعراف ).
7 ـ إن ما لدينا من ثروة لسنا فى الحقيقة أصحابها ، إنما نحن مُستخلفون فيها ، ويجب علينا أن ننفق جزءا منها فى سبيل الله جل وعلا : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) الحديد ). موارد الدولة يتوارثها السكان جيلا بعد جيل ، هو ( ميراث ) وتنميته الحقيقية بالصلاح وليس بالفساد . ولكن الأغلب أن يسود الفساد كل عصر ، فيسكن اللاحقون الخلف فى مساكن الذين ظلموا انفسهم من السلف فتحيق بهم لعنة الهلاك : (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم ). وانظر الى البترول وكيف أصبح لعنة ، لأنه يحتكره المستبدون يأكلون ويدمرون حقوق الأجيال القادمة ، ويتحول عائد النفط الى سلاح يقتتلون به بكل حميّة وإخلاص ، وكل منهم يهتف ( الله أكبر . )!! وتدبر قوله جل وعلا : (أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ) الناجون من هذا المصير هم من يقول عنهم رب العزة فى الآية التالية:( قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) ابراهيم )، فكم عددهم بين العرب المسلمين؟ 8 ـ إن ميراث الانسان فى هذه الدنيا نوعان : ميراث مالى مادى، يرثه من الوالدين والأقربين وما يكسبه بعمله . هذا الميراث يتركه صاحبه بالموت . وهناك ميراث باق يصاحب الفرد بعد موته، وهو عمله إن كان صالحا او فاسدا . هذا العمل هو النوع الآخر من الإرث ، أو هو ( الآثار ) التى تتعلق بنفس صاحبها يسجلها له او عليه ملائكة تسجيل الأعمال: ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)( يس). وكل إنسان مؤاخذ بكل ذرة من عمله ، وبكل لفظة ينطق بها لسانه . وحدث أن تبجّح أحدهم فقال إنه سيأتى يوم القيامة بنفس الثراء الذى هو فيه وسيؤتى يوم القيامة مالا وولدا . هى كلمة تافهة ، ولكن تم تسجيلها عليه ضمن ( إرثه ) ، يقول جل وعلا يعلمنا تحمل المسئولية حتى فى الكلمة : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ). أى ورث ما قال ، وسيُعذّب بما قال .
9 ـ وبعد أن تكتمل وتتمّ دورة الاستخلاف والميراث فى هذه الدنيا تأتى القيامة ليكون الله جل وعلا هو الوارث الحقيقى ، يقول رب العزة : ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم ). ترث أمة ما سبقتها ثم تموت لترثها أمة أخرى الى أن يصير الارث لرب العالمين : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) القصص )، وكل ذلك بعلمه جل وعلا : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) الحجر ). وبالتالى فإنّ إرثنا المالى وهمى لأنه محدد للفرد بزمن حياته ، فالله جل وعلا هو خير الوارثين ، قالها زكريا عليه السلام :( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) الأنبياء ). الإرث الخالد الذى سيبقى بلا فناء هو : إرث الجنة .
10 ـ وراثة الجنة : وهى للمتقين فقط : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم )، لن يدخل الجنة أىّ مؤمن ، بل المؤمن المُفلح التقىّ الذى قال جل وعلا فى وصفه : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون ).
فى هذه الدنيا الفانية نتنازع على شبر من الأرض ، سواء كانت زراعية أو للسكن ، ثم ينتهى بنا الأمر الى أن ندفن فى حفرة من هذه الأرض ، ونتحول الى تراب ضمن ترابها . ويأتى بعدنا من يرثنا يمارس نفس الصراع حول قطعة الأرض الى أن يموت ، وهكذا . ثم تأتى الساعة وتتدمر هذه الأرض والعالم كله . وتأتى أرض جديدة خالدة وسماوات جديدة خالدة بلا صراع بل بالسلام والنعيم : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ( ابراهيم ). هنا أرض الجنة التى تجرى من تحتها الأنهار ، يقول جل وعلا فيمن سيرثها يوم الدين : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ (105) الانبياء ). وسيقول ورثة أرض الجنة يحمدون ربهم جل وعلا : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر ). وسيُقال لهم وهم فى الجنة ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف ).( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) الزخرف ). لذا دعا ابراهيم عليه السلام ربه أن يجعله من وارثى الجنة : ( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) الشعراء ).
يبقى أن ندعو نحن نفس الدعاء متمسكين بملة ابراهيم حنيفا .
ثالثا : ميراث أو وراثة التركة:
1 ـ نأتى لموضوعنا عن الميراث المالى المستحق للورثة . ويكون حين ( يترك ) أحدنا ثروة . هذه الثروة تكون ( تركة ) ، ومن هنا يرتبط هذا الميراث بكلمة ( ترك ) ، ومنه قوله جل وعلا فى تشريع الميراث فى سورة النساء : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) (7).. ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9).. ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ ...) (11)( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) .. ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ) ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك..) (176)
2 ـ والتفاصيل بعون الله جل وعلا فى هذا الكتاب .
إن ميراث الانسان فى هذه الدنيا نوعان : ميراث مالى مادى، يرثه من الوالدين والأقربين وما يكسبه بعمله . هذا الميراث يتركه صاحبه بالموت . وهناك ميراث باق يصاحب الفرد بعد موته، وهو عمله إن كان صالحا او فاسدا . هذا العمل هو النوع الآخر من الإرث ، أو هو ( الآثار ) التى تتعلق بنفس صاحبها يسجلها له او عليه ملائكة تسجيل الأعمال: ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)( يس). وكل إنسان مؤاخذ بكل ذرة من عمله ، وبكل لفظة ينطق بها لسانه . وحدث أن تبجّح أحدهم فقال إنه سيأتى يوم القيامة بنفس الثراء الذى هو فيه وسيؤتى يوم القيامة مالا وولدا . هى كلمة تافهة ، ولكن تم تسجيلها عليه ضمن ( إرثه ) ، يقول جل وعلا يعلمنا تحمل المسئولية حتى فى الكلمة : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ). أى ورث ما قال ، وسيُعذّب بما قال .9 ـ وبعد أن تكتمل وتتمّ دورة الاستخلاف والميراث فى هذه الدنيا تأتى القيامة ليكون الله جل وعلا هو الوارث الحقيقى ، يقول رب العزة : ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم ). ترث أمة ما سبقتها ثم تموت لترثها أمة أخرى الى أن يصير الارث لرب العالمين : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) القصص )، وكل ذلك بعلمه جل وعلا : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) الحجر ). وبالتالى فإنّ إرثنا المالى وهمى لأنه محدد للفرد بزمن حياته ، فالله جل وعلا هو خير الوارثين ، قالها زكريا عليه السلام :( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) الأنبياء ). الإرث الخالد الذى سيبقى بلا فناء هو : إرث الجنة .10 ـ وراثة الجنة : وهى للمتقين فقط : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم )، لن يدخل الجنة أىّ مؤمن ، بل المؤمن المُفلح التقىّ الذى قال جل وعلا فى وصفه : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون
وسيقول ورثة أرض الجنة يحمدون ربهم جل وعلا : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر ). وسيُقال لهم وهم فى الجنة ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف ).( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) الزخرف ). لذا دعا ابراهيم عليه السلام ربه أن يجعله من وارثى الجنة : ( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) الشعراء ).يبقى أن ندعو نحن نفس الدعاء متمسكين بملة ابراهيم حنيفا .ثالثا : ميراث أو وراثة التركة: 1 ـ نأتى لموضوعنا عن الميراث المالى المستحق للورثة . ويكون حين ( يترك ) أحدنا ثروة . هذه الثروة تكون ( تركة ) ، ومن هنا يرتبط هذا الميراث بكلمة ( ترك ) ، ومنه قوله جل وعلا فى تشريع الميراث فى سورة النساء : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) (7).. ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9).. ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ ...) (11)( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) .. ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ) ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك..) (176
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5113 |
اجمالي القراءات | : | 56,725,405 |
تعليقات له | : | 5,447 |
تعليقات عليه | : | 14,822 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الاتحاد فى الشفاعة : هل شفاعة النبى عند الشيع ة أيضا ؟...
أسوأ خليفة .!: من هو أسوأ خليفة على الإطل اق ؟ ...
منافقو اهل الكتاب: هل كان هناك منافق ين من اليهو د فى عصر النبى...
صلاة الأنبياء : لقد قرأت كتابك الخاص بالصل اة القرآ نية ......
more
سبق القرآن الكريم الحضارة البشرية الراهنة بتشريع الميراث بكل ما فيه من رُقىّ وسُمُوّ . خصوصا عندما نتذكر أن القرآن الكريم خاطب فى البداية عربا صحراويين لا يقيمون وزنا للحقوق حيث قامت حياتهم على الصراع القبلى والتقاتل من أجل الماء والكلآ ، والعظمة عندهم مرتبطة ـ ليس برعاية الحقوق ـ ولكن بسلب الحقوق ، فالضعيف من الأشخاص ومن القبائل منهوب مظلوم ، والعظيم هو السالب الناهب الذى يسبى النساء . والمرأة سلعة للسبى بلا حقوق أصلا ، هذا ، إن عاشت بلا وأد ولم تكن ( موءودة ). إرتقى العرب فى دولة النبى عليه السلام الى درجة أن ينزل تشريع الميراث فى المدينة بكل هذا السمو الذى يتناقض مع حضيض الجاهلية فى الجزيرة العربية وخارجها فى ظلام القرون الوسطى .ولكن ما لبث المسلمون بالفتوحات أن أشبهوا الفُرس والروم ، وسكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، وأقاموا امبراطوريات تعتنق السلب والنهب والاسترقاق والسبى والظلم على مشتوى الأمم والشعوب ، وليس كما كانت الجاهلية العربية التى إنحصر ظلمها على مستوى الأفراد والقبائل . وفى العصر العباسى إكتمل التناقض بين الاسلام والمسلمين بتأسيس أديان أرضية ، لا يزال باقيا منها ثلاثة : السُّنة ، والتشيع والتصوف . وتميّز دين السّنة بتعبيره عن الهيمنة والدولة ، لذا كان تميزه أكثر فى مجال التشريعات . وجاءت تشريعات السّنة التى إزدهرت فى العصر العباسى تُلغى تشريعات القرآن الكريم بمزاعم ( النسخ ) وتُحرفها بألاعيب أخرى مثل ( إختراع الأحاديث ) وتغيير مصطلحات القرآن ، واساطير ( أسباب النزول ) وخرافات ما يُعرف بالتفسير .ولكن مع هذا التعامل السىء مع القرآن الكريم ، فإن تأثير القرآن فى العرب والمسلمين ( المحمديين ) فى العصر العباسى كان هائلا بالمقارنة بينهم وبين أوربا فى نفس العصر . وأبرز نواحى هذا التأثير فى التشريع ، والتأريخ . وتشريعات المسلمين فى الميراث شاهد على هذا ، فلم تصل تشريعات الميراث الغربية الى هذه الدقة والتفصيلات التى وصلها علم ( الفرائض ) أو ( المواريث ) لدى المسلمين . ومع هذا فإن تشريعات المسلمين فى الميراث أخذت بعض تشريعات القرآن وحرّفت البعض الآخر . وهذا يؤكد أن تشريعات الميراث القرآنية وصلت الذروة فى الرقى وتحقيق العدل .و( كتاب الميراث ) يعرض لتشريع الميراث القرآنى ثم إختلافه عن تشريعات الميراث فى الفقه السّنى .