تأملات حول بيعة الرضوان :
الذكر والاسوة ....وايات القتال الجزء العاشر

حسام علم الدين Ýí 2019-11-19


تأملات حول  بيعة الرضوان

تحدثنا في الجزء الثانى من هذه السلسلة عن ما يطلق عليه تاريخيا صلح الحديبية لكن اليوم اتأمل هذا الحدث الذي اثار اعجابى الشديد

ان قريش وحلفاءها من العرب واهل الكتاب قد اعدوا جيشا  لمهاجمة جماعة المسلمين في مقر اقامتهم في المدينة وفى هذا اليوم تخلى اهل الكتاب المتعاهدين مع الرسول عن عهدهم علانية وانضموا لحلف قريش وتقاعس الاعراب ومنافقى المدينة عن نصرة الرسول ولم تبق الا جماعة المسلمين وحدهم في مواجهة الاحزاب في هذه الاثناء  اصاب المسلمين الرعب حرفيا   ويصف القران حالة المؤمنين بانهم زلزلوا زلازلا شديدا ويحكى ايضا عن رعبهم بوصف ان القلوب بلغت الحناجر انهم بمقايس الدنيا مغلوبون  لا محالة ففى الوقت الذي تكاثر عليهم العرب اكتشفوا خيانة اهل الكتاب والمنافقين لقد وجدوا انفسهم بلا اي سند حقيقى تفرقت جماعتهم بينما توحدت صفوف اعدائهم

هنا تدخل الله وحده ورد الكافرين لم ينالوا خيرا من غزوتهم

الاكثر عجبا ان يقوم المسلمين بالذهاب الى مكة قلب العدو بدون سلاح وبشكل مسالم لأداء مناسك العمرة  ومن بعدها الحج اذا امنوا  البقاء في مكة  ( ۚفإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)

اننى اقف عند هذا المشهد طويلا  باعجاب واندهاش  لم يتغير شيئا كثيرا بل على العكس فبينما كان المسلمين في ديارهم في المدينة اصبحوا مكشوفين في الصحراء وبدون عتاد حربي سوي السلاح الشخصى

هل يمكن تفسير ذلك الا مغامرة غير محسوبة العواقب هل يمكن تفسير هذا الامر الا انه ايمان حقيقي ان النافع والضار هو الله

كان خروج الرسول ومن معه امرا الهى لا ريب  ولأننا نعلم ان نجاتهم قد حدثت قد لا نستشعر مدي المخاطر التي تحفها تلك الرحلة الغير محسوبة العواقب بالمقاييس الدنيوية .

لكن ما فعله الرسول ومن معه كان اشبه بالانتحار حتى ان المنافقين في المدينة وجدوا  هذا القرار  قرارا  ارعن ولم يخالجهم شك انهم مقضى عليهم لا محالة فيقول الله (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا) الفتح 12

نلاحظ في هذا الامر تغيير سلوك المسلمين في هذا الموقف عن موقفهم في غزوة الاحزاب فبينما كان المسلمين يظنون بالله الظنون في ذلك الوقت (اذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الاحزاب

نجدهم في بيعتهم للرسول  تحت الشجرة حين ظنوا انهم من المحتمل ان يقاتلوا (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10الفتح

يظهر من الاية ان المسلمين في هذا الوقت قد تغيرت نفسياتهم فبينما موقفهم وهم وحدهم في الصحراء على ابواب العدو بدون سلاح سوي السلاح الشخصى اضعف  بكثير وهم يحتمون على الاقل بمدينتهم

هذا التغير حقيقة جعل الله يقول ان هذه البيعة في حقيقتها ليست مع الرسول وانما هى مع الله هنا  كان الفتح للمسلمين هنا كان النصر الحقيقى نصرا داخليا ان الله وحده هو من يملك ضرك او نفعك ان الله وحده هو من يدافع عن الذين امنوا

ان المسلمين وفقا للقران كانوا يدافعون عن انفسهم من اضطهاد قريش لهم وفى هذه الحرب كان الرسول والمسلمين يخضون معهم خلافا شريفا بينما  بدأ الملاء القرشي هذا الخلاف منذ اللحظة الاولى  بالمكر والخديعة والخيانة والاعتداء  كان الرسول والمسلمين يدافعون عن انه لا اله الا الله ويتمسكون بمنظومة القيم الالهية  ولعل السبب الرئيسي لخروج المسلمين  للعمرة كما قال الله في القران هى ترسيخ حق الحرية في العبادة كما شرحنا ذلك في الجزء الثانى من هذه السلسلة  واستعدادهم للقتال  اذا ما قوتلوا من اجل منع هذه القيمة (  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة

هنا استحق المسلمين السكينة من الله التى انزلها عليهم واستحقوا الفتح والنصر

على خلاف سيرة ابن اسحاق ومن بعده ابن هشام التى رسمت تصويرا دراميا للمسلمين الابطال الذين لا يخافون الموت والتى انتشرت من بعدها المقولة الشهيرة على لسان خالد بن الوليد ( لقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون انتم الحياة )

يرسم القران صورة المسلمين البشرية التى بدأت بهم اذلة في بدر مستضعفين  مقهورين وكيف ان فريقا منهم يوم بدر كان خارجا كانه يساق الى الموت  ثم كيف اخطأو يوم احد وحالة انكسارهم ثم تلا ذلك حالة رعبهم يوم الاحزاب وحالة ثقتهم يوم البيعة

هذه الصورة المرسومة من القران صورة تتفق مع الحقيقة الانسانية التى نشعر بها جميعا وليست تلك الصورة للابطال الكرتونية التى تحاول معظم الادبيات بثها لخلق الابطال كما فعلت السيرة ومن هنا نلمس صدق القران وكذب السيرة .

ودائما صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 3280

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-05
مقالات منشورة : 13
اجمالي القراءات : 37,913
تعليقات له : 91
تعليقات عليه : 0
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt