آحمد صبحي منصور Ýí 2016-07-31
ملك اليمين فى الدين السنى : مالك فى ( الموطأ ) لا يعتبر الرقيق بشرا .!!
مقدمة :
1 ـ تشريعات الفقه السنى فى موضوع ملك اليمين تقنّن ظلم السبى والاسترقاق . وهو موضوع طويل ، قد لا نجد وقتا لتحليله ، ونعطى هنا عنه لمحة ، راجين أن يتابعها أبناؤنا من أهل القرآن . ونقتصر فى هذه اللمحة على ما جاء فى ( موطأ ) مالك ، رواية يحيى بن يحيى و الشيبانى ، فى ناحيتين : الطلاق ، والعزل .
2 ـ وغنى عن البيان أن تشريعات الدين الأرضى تأتى تعبيرا عن الهوى السائد والذى يريده الذكور المتغلبون على مقاليد الأمور . أما دين القسط الالهى فلا مجال فيه للهوى والظلم . وقد وصل الهوى فى التشريع الى إختلاف الروايات فى الموطأ ، فللموطأ أكثر من عشرين رواية ، اشهرها الموطأ رواية يحيى ، والموطأ رواية محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ أبى حنيفة . والاختلاف بين موطأ يحيى وموطأ الشيبانى واسع جدا فى عدد الأحاديث وفى الاسناد وفى متون الأحاديث ، وفى الآراء التى قيلت هنا وهناك .
3 ـ النظرة الشهوانية لنساء السبى كانت هى الحاكمة فى الفقه السنى . فالمقاتل الذى يأخذ نصيبه من الغنائم ( السحت الآتى من السلب والنهب ) يسارع بالتمتع به قبل أن يفقد حياته قتلا فى معركة قادمة . والذى يأخذ نصيبه من السبى ( إمرأة فاتنة ) يسارع بإغتصابها قبل أن يفقد حياته . ولقد كان التشريع الاسلامى فى ( العدة ) ــ اى الفترة التى تنتظرها المرأة لبراءة رحمها من حمل سابق ـ مانعا لهم من هذا ، فجاء الفقه السنى يجعل للمملوكة عدة أقل من عدة الحُرّة .
4 ـ ثم ظهرت قضية ( العزل ) . و( العزل ) هو أن الرجل فى ممارسته الجنس يُنزل ماءه بعيدا عن رحم المرأة حتى لا تحمل منه ولا تُنجب . فى عصر الخلفاء ( الراشدين ) و( الأمويين ) كان العرب هم جنود الحرب ، وكان إشتهاؤهم للمرأة من الشعوب المهزومة لا يعدله إلا خوفهم من الانجاب من هؤلاء النسوة السبايا ، حيث كان الاحتقار سائدا للموالى والأقباط والبربر ، فكان العربى ( السيد المنتصر ) يتملكه العار لو أنجب من مملوكته . لذا كان الحل المتاح هو العزل ، أن يستمتع بها دون أن تحمل منه . ومن هنا أصبح موضوع ( العزل ) من القضايا التشريعية التى بدأت فى الدولة الأموية ، ووصلت الى عصر مالك الذى عاصر الدولتين الأموية والعباسية . وبسبب أن الدولة العباسية قامت على أكتاف الموالى الفرس وصار للفرس نفوذ فيها ، وبسبب أن كثيرين من أبناء السبايا قد تفوقوا واشتهروا فقد تغيرت النظرة للعزل ، وبدأ إختلاف فيه . ونراه فى موطأ مالك بين كراهية العزل والقبول به .
5 ـ ثم كانت هناك ناحية أخرى هى الانحلال الخلقى المسكوت عنه فى عصر الخلفاء الراشدين والأمويين ، والذى ساد وأصبح معترفا به إجتماعيا فى العصر العباسى . كان العربى ينال شهوته من المملوكة ثم يعرض عنها لآخريات كثيرات يتملكهن ، أو يتزوجهن . ومن يراجع ترجمة كبار الصحابة فى الطبقات الكبرى لابن سعد يدهش من كثرة زوجاتهم ـــ فى شيخوختهم ــ من الحرائر ومن المملوكات ، بما يفوق قدرة الرجل الجنسية حتى فى أوج شبابه ، كما يلاحظ كثرة المواليد من هؤلاء النسوة الحرائر والمملوكات . بالتالى ما يكاد العربى ينال شهوته من المملوكة حتى يجرب غيرها أو يتزوج غيرها ، ثم يهملها فتصبح مطمعا للآخرين ، وقد تصير حاملا فيعترى مالكها الشك فى نسبة ولدها اليه . وعكست روايات مالك هذه القضية الاجتماعية .
7 ـ والعادة أن مالك ـ وهو يُملى ( الموطأ ) على تلاميذ مختلفين ـ كان يخترع الإسناد ، ويتكلم من دماغه يزعم أن فلانا أخبره عن فلان عن فلان عن الصحابى فلان أو عن النبى محمد عليه السلام . ثم بعد الاسناد يفترى الحديث المفترى الكاذب . وتأتى المواشى تصدق أكاذيب مالك ، وهكذا كانوا يفعلون ـ ولا يزالون .
8 ــ ونستشهد بما جاء فى موطا مالك : رواية يحيى ورواية الشيبانى
أولا : جاء فى الموطأ ( رواية يحيى ) عن موضوع العزل :
( .34 - باب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ1260:
- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْىِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ . فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ " مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ " .1261( - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ .1262 –: وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ، لأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ .1263 – وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ . 1264 –: وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ ابْنُ قَهْدٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي لَيْسَ نِسَائِي اللاَّتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَىَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ . قَالَ فَقُلْتُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ . قَالَ أَفْتِهِ . قَالَ فَقُلْتُ هُوَ حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ . قَالَ وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ . 1265 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ، يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ أَخْبِرِيهِمْ . فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ . فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ . يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ . قَالَ مَالِكٌ لاَ يَعْزِلُ الرَّجُلُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ فَلاَ يَعْزِلُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ . )
ثانيا : التحليل :
1 ـ حديث 1260 : فيه التصريح بالعزل ، منسوبا للنبى محمد عليه السلام . وجدير بالذكر أن ( "غزوة " بنى المصطلق ) كذبة كبرى لم تحدث . وقد صيغت لتحمل كذبين كبيرتين : السبى ، حيث نسبوا للنبى فى هذه (الغزوة المصنوعة أن النبى سبلى جويرية بنت الحارث ، وتزوجها . واتهام عائشة فى موضوع حديث الإفك الذى نفينا علاقتها به فى كتابنا ( القرآن وكفى ).
حديث 1261 : سعد بن أبى وقاص كان يعزل . ( ملاحظة : كان لسعد بن أبى وقاص ذرية من السبى ، يذكر ابن سعد فى ترجمته أن من اولاده : "إبراهيم وموسى وأم الحكم الصغرى وأم عمرو وهند وأم الزبير وأم موسى وأمهم زبد ويزعم بنوها أنها ابنة الحارث بن يعمر بن شراحيل بن عبد عوف بن مالك بن جناب بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أصيبت سباء ... وعثمان ورملة وأمهما أم حجير وعمرة وهي العمياء تزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وأمها امرأة من سبي العرب . " فكيف كان يعزل ؟ :
ـ حديث 1262 : أبو أيوب الأنصارى كان يعزل.
حديث 1263 : ابن عمر كان لا يعزل وكان يكره العزل .ولذا كان أشهر أولاده كانوا من نساء السبى وفقا لما جاء فى ترجمته فى الطبقات الكبرى لابن سعد ، يذكر منهم : (سالم وعبيد الله وحمزة وأمهمأم ولد وزيد وعائشة وأمهما أم ولد وبلال وأمه أم ولد وأبو سلمة وقلابة وأمهما أمولد )
ـ حديث 1264 : زيد بن ثابت يرى جواز هذا وذاك .ـ حديث 1265 : ابن عباس كان يفعل العزل .
رأى مالك : تحريم العزل بالنسبة للحرة إلا بإذنها . وجواز العزل بالنسبة للمملوكة لو كانت تحت مالكها ، أما إذا كانت مملوكة لآخر فلا يعزل إلا بإذن مالكها .
2 ـ والمستفاد مما سبق وجود إختلاف فى الموضوع ، وإعتبار المملوكة مجرد حيوان للجنس بلا حقوق .
ثالثا : مناقشة روايات ( العزل ) فى موطأ مالك رواية ( الشيبانى )
1 ـ تحت عنوان ( 16- باب العزل : ) أورد الشيبانى نفس الأحاديث عن سعد بن أبى وقاص وأبى أيوب الأنصارى والحجاج بن عمر وزيد بن ثابت. ثم قال معلقا على الحديث السابق وهو رقم 550 فى رواية الشيبانى : ( قال محمد : وبهذا ناخذ – لا نري بالعزل بأسا عن الامة – فاما الحرّة فلا ينبغي عنها الا باذنها ، اذا كانت الامة زوجة الرجل فلا ينبغي عنها الا باذن مولاها و هو قول ابي حنيفة ) أى إنه كرّر رأى مالك السابق ، ونسبه لأبى حنيفة ـ بعد موت أبى حنيفة .!.
2 ـ ثم أورد محمد الشيبانى أحاديث لم ترد فى موطأ يحيى ، وهى : ( 551- اخبرنا مالك اخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر ان عمر بن الخطاب قال : ما بال رجال يعزلون عن ولائدهم – لا تاتيني وليدة فيعترف سيدها انه قد الم بها الا الحقت به ولدها – فاعزلوا بعد او اتركوا. قال محمد : إنما صنع هذا عمر علي التهديد للناس ان يضيعوا و لائدهم و هم يطأهونهن. قد بلغنا انا زيد بن ثابت وطئ جارية له فجاءت بولد فنفاه . وان عمر بن الخطاب وطئ جارية له فحملت فقال : اللهم الا تلحق بال عمر من ليس منهم, فجاءت بغلام اسود فقرت انه من الراعي. فانتفي منه عمر. و كان ابو حنيفة يقول: اذا حصنها و لم يدعها تخرج فجاءت بولد لم يسعه فيما بينه و بين ربه ان ينتفي منه. فبهذا ناخذ. ). هنا رواية كاذبة فى إسنادها لأن مالك لم ير ولم يلق ابن شهاب الزهرى ، وقد أثبتنا هذا من قبل . وبالتالى فهى رواية صنعها مالك ردّا على إنحلال خلقى كان موجودا ، وعكسته هذه الروايات .
3 ــ (. 552 ) - اخبرنا مالك – حدثنا نافع – عن صفية بنت ابي عبيد قالت: قال عمر بن الخطاب : ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يدعونهم فيخرجن . والله لا تاتيني وليدة فيعترف سيدها انه قد وطئها الا الحقت به ولدها فارسلوهن بعد او امسكوهن. )
رابعا : تحليل ما جاء فى موطأ مالك رواية يحيى فى كتاب الطلاق :