آحمد صبحي منصور Ýí 2015-04-29
أولا :عن السيسى والاستبداد الشرقى
1 ــ صاحب السلطة مؤقت فى سلطته ، يأتى اليها ثم لا بد أن يرحل عنها ، لا فارق إن كان سلطانا أو رئيسا ، لا فارق بين أن يموت مستبدا متبجحا أو مستبدا يبتسم و يخفى أنيابه ، أو رئيسا منتخبا فى نظام ديمقراطى . فى كل الأحوال هو صاحب سلطة يعلو بها على الناس ، ويمارس سلطته ثم يتركها ويصبح أسير كلمة ( كان ) : ( كان عظيما ، كان حقيرا ، كان حكيما ، كان حمارا ، كان عارا ..).
2 ــ فى النظم الديمقراطية تدخل السجن لو قمت بالإساءة العلنية لشخص مغمور ، ولكن لك أن تسُبّ من يعمل فى العمل العام ( خادما للجمهور ) أو ( Public service) ، من رئيس الجمهورية الى رئيس الولاية ، من القاضى الى المدعى العام الى رئيس الشرطة . فطالما صعد الى السلطة وعلا فوق الناس فمن حق الناس بل من واجبهم إنتقاده . لو أراد تحصين نفسه من النقد والسّب والشتم فليكن مغمورا بعيدا عن التأثير فى حياة الناس . تأثيره فى حياة الناس يجعل من حق الناس إلتهام عرضه بالحق أو بالباطل . العكس تماما فى بلاد المحمديين . تدخل السجن لو تعرضت بالنقد للمستبد وأجهزته الحاكمة من أصغر فرد الى أحقر شخص . بينما من حقك أن ( تمرمط ) باى إنسان غلبان الأرض . فى مصر كانوا يتفننون فى تكفيرى وتخوينى وإتهامى بتلقى أموال من الخارج وأنا أعيش على حافة الجوع وليس لى حساب فى أى بنك . وقيل لى مرارا أن أرفع دعوى ضد الصحف والشيوخ ، وكنت أقول : اخشى أن اذهب شاكيا فيضعوننى فى السجن بتهمة التطاول على ( الأسياد ) . هذا هو ما يعتقدونه فى أنفسهم : ( الأسياد ) أو ( الالهة ) الذين يحرُمُ إنتقادهم . إسلاميا كل البشر خطّاءون حتى الأنبياء . ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم بشرا مثل الأنبياء ومثل الرؤساء فى النظم الديمقراطية . لذا تخفت أصوات النقد طيلة مدة سُلطتهم ويتراقص فى مواكبهم الرقيق الأبيض من الشيوخ والكهنة وحملة الأقلام وحملة البخور . وبموت المستبد وإنتهاء نفوذه وإختفاء طغيانه يلعنه من كان يقدسه ، وينقلونه فجأة من سدرة التقديس الى حضيض التنجيس ، من التأليه الى التحقير ، لا توسط .
ثانيا :
1 ـ بعد اقل من عام قفز السيسى ــ سريعا ــ الى قائمة المستبدين . فى بداية عهده بدأ ناعما يُنافس عبد الحليم حافظ فى أغانيه الرومانسية ، كان يخفى مخالبه وأنيابه ثم ــ سريعا جدا ــ أظهرها ، فأعاد ــ سريعا ـ دولة العسكر ودولة البوليس معا بصورة تفوق عهد عبد الناصر ( العسكرى ) وعهد مبارك البوليسى .
2 ــ كان مبارك يحكم ( ممثلا ) للعسكر ، ويستخدم الأمن ، وينهب البلايين لنفسه وأسرته وعصابته . جاء السيسى بدولة العسكر الى الصدارة وبكل بجاحة وصراحة ، وجعل نفسه فى القلب فى مؤسسة العسكر ، وبه أصبح العسكر هم التاجر الأول والصانع الأول والمقاول الأول والمسيطر الأول على الأرض المصرية والشعب المصرى . بالسيسى أصبح العسكر المصرى يحتل ( مصر ) . من حق العسكر مصادرة أى أرض ، ولو إقترب شخص صادر العسكر أرضه من أرضه التى صادرها العسكر وجد نفسه فى السجن بالقضاء العسكرى . لا يستطيع الشعب الجائع مساءلة قادة العسكر عن إمبراطوريتهم الواسعة التى يحتكرونها لصالحهم ، والتى بها يحتكرون مصر ويحتلون مصر .لا يستطيع أحد أن يتساءل عن أرباحهم أو عن الصفقات التى يعقدونها أو العمولات التى يحصلون عليها ، والمساعدات التى تأتى اليهم ، وما هى الحدود بين ميزانيتهم وميزانية الدولة . أسئلة خطيرة محظورة ، لكن لا يجرؤ أحد على إثارتها لأنه سيجد أمامه النائب العام والسجن .
3 ــ إن مصر ــ بعد التجريف والنهب الذى إستمر ثلاثين عاما ــ تحتاج الى إصلاح فورى ومستمر عقدين من الزمان على الأقل ، فجاءها مستبد يجمع أطياف الإستبداد العسكرى والأمنى من عبد الناصر الى السادات ومبارك . ولقد بدأ السيسى بتصريحات عن الاصلاح الدينى والتعليمى أثارت إعجابنا فكتبنا نشجعه ، ثم تبين لنا سريعا أنه يتلاعب بالألفاظ ، وأنه وصل بالاستبداد والقمع وإنتهاك حقوق الانسان خلال عدة أشهر بما يتفوق به على مبارك . مبارك من أسوأ من حكم مصر، والسيسى مرشّح لأن يتفوّق على مبارك نفسه . على الأقل فإن فساد مبارك لم يظهر جليا إلا بعد سنتين من عهده من الحكم .
ثانيا : وما هو الحل :
1 ــ الثورة المصرية التى أطاحت بمبارك جعلت دولة العسكر تتراجع خطوة وتعطى الفرصة للإخوان ليكونوا بديلا لها لتفضحهم ، ثم تعود بعدهم لتقبض بيد من حديد على السلطة وتعاقب الثوار . وهذه هى مهمة السيسى التى نجح فيها حتى الان . وسياسة السيسى هى محاصرة المعارضة وقمعها ، وشغل الناس بمشروعات طويلة الأمد ( قناة السويس والعاصمة الجديدة ..الخ )، وبعض مشروعات قصيرة فى بعض المرافق والطرق مع الإبقاء على هامش ضيق من الانتقاد ، وهو إنتقاد مُهدد بالنائب العام ووحشية البوليس . ولكنها كلها مُسكّنات لن تصمد مع إقتصاد يعيش على المعونات ، وغلاء أسعار ينهش عشرات الملايين مقابل حفنة من المترفين المُتخمين المتنعمين . وبالتالى فإن ما تنبأنا به منذ عام 2012 من ثورة قادمة تبدأ إرهاصاتها فى الأُفُق من الآن .
2 ــ وما يحدث وسيحدث فى مصر فى تحولها الديمقراطى حدث من قبل فى أوربا بصورة أطول واشنع . التحول الديمقراطى من الاستبداد الى الديمقراطية إستهلك فى فرنسا عقودا طويلة ، من الثورة الفرنسية ( 14 يولية 1789 : 1799 ) وإعدام لويس السادس عشر( 1793 ) ، ومجىء إستبداد اليعاقبة وارهابهم ( وهم أشبه بالاخوان المسلمين فى حُمقهم ودمويتهم واستبدادهم ) ثم وصل نابليون الى منصب القنصل الأول عام 1800 ، ثم صار إمبراطورا مستبدا عام 1804 ، وسقط ( 1815 : 1818 ) فعادت أسرة البوربون ( 1815 : 1830 ) الذين ( لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا ) على حد قول وزير الخارجية الفرنسى الشهير وقتها ( تاليران )( 1754 : 1838 ) ودخلت فرنسا فى مخاض طويل الى أن وصلت الى الديمقراطية الشكلية فى الجمهورية الثانية فى حكم نابليون الثالث الذى كان رئيسا من عام :1848 الي 1852 ثم إمبراطورا( 1852 : 1870 )...وأخيرا شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة ( 1959 : 1969 ) . نضال إستمر من 1789 الى 1959 حتى نعمت فرنسا بديمقراطيتها الرئاسية .
3 ــ مصر تحتاج الى إصلاح تعليمى يؤسس وعيا ديمقراطيا يبدد ثقافة العبيد السلفية الوهابية . وهذا الاصلاح سيتم رغم انف المستبد بثورة الانترنت وتسارع ثورة الاتصالات الخرافية .
4 ــ حين كنت فى مصر كنت أقول بأن الاصلاح فى مصر يأتى من قمة السلطة ، لأننى كُنت أعانى من إضطهاد قمة السلطة . كنت أعرف فسادها وإستحالة أن يتحول المفسد الى مُصلح ، ولكننى كنت إريد إحراج السلطة الفاسدة وفضح وقوفها ضد الاصلاح . الإصلاح الحقيقى هو إصلاح الأغلبية الصامتة الخانعة الساكتة الساكنة لتقف تطالب بحقوقها وتستعد للتضحية من أجل حياة كرة كريمة ، ولا تسمح للأفّاقين بركوب موجة ثورتها وإعادة إنتاج الاستبداد . هذا الاصلاح يقوم بالدعوة له المفكرون الحقوقيون والمثقفون على إختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية ، بالاتفاق على النضال من أجل تحقيق العدل بكل أنواعه : العدل السياسى بالديمقراطية ، العدل الدينى بحرية الدين والفكر والرأى ، العدل الاجتماعى بالتكافل الاجتماعى وحقوق الفقراء . إصلاح الأغلبية المصرية والعربية يجعلها تكشف سريعا كل الأفاقين العسكريين والذين يخلطون السياسة بالدين ، وتُنهى نفوذ رجال الدين . هذا هو دور المفكرين والمثقفين والحقوقيين فى التوعية والتنوير . هم أبطال هذه المرحلة لتقصير فترة التحول الديمقراطى وتقليل المعاناة وعدد الضحايا .
5 ــ إن النكوص عن هذا يعتبر خيانة للدور المأمول منهم ، بهذا النكوص يتحولون الى رقيق أبيض يرقص فى موكب السلطان ، ولن يرحمهم التاريخ . ولن يرحمهم ايضا رب العزة القائل فى كتابه الكريم : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ) 112 ) هود ) . الذى يثق فى ظالم ويركن اليه يكون ظهيرا له مساعدا له فى ظلمه ، ولا يستحق سوى الاحتقار من الناس وعذاب رب الناس .
أخيرا
1 ــ لقد عشت عصر عبد الناصر . كنتّ أقدسه ثم صحوت على سقوطه عام 1967 ، وشهدت السادات وهو يدمر مصر بتبعيتها لأمريكا والسعودية ، ثم عانيت من مبارك . والآن يأتى السيسى وأنا على وشك الرحيل من الحياة بعد عقود كنت فيها مؤرخا شاهدا على العصر . ليس فى العُمر متسع لآنتظار أمل كاذب من السيسى . لذا أرجو ألّا أضطر للكتابة مجددا عن خيبة الأمل فى السيسى .. فلم يعد يستحقُّ إهتمامى ، إلا إذا تحول الى إصلاح حقيقى ، وهذا يبدو مستحيلا . مستحيل أن يغيّر الانسان جلده وهو فى الستين ، مستحيل على من أرتكب جريمة ( كشف العذرية ) وبررها علنا أن يصبح مصلحا مهما تلاعب بالالفاظ . السيسى خدم مبارك ورضى عنه مبارك وترقى فى دولة مبارك مشاركا فى فساد مبارك ، لذا قام بالعفو عن مبارك وسجن زعماء الثورة على مبارك . السيسى مثل مبارك ولكن السيسى أكثر دهاءا وأقصر قامة من مبارك .!! مستحيل على من يقتل الآلاف ويعذب الآلاف ويسجن الآلاف أن يصبح مُصلحا . السيسى ومبارك والسادات من محافظة المنوفية .. متى تُعلن المنوفية توبتها ؟!
2 ــ السيسى يذكرنى بهذه القصيدة الرائعة الرمزية لأمير الشعراء أحمد شوقى :
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرينا
و يقول الحمد لله إله العالمينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا فإن العيش عيش الزاهدينا
و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه و هو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا
بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوى التيجان ممن دخلوا البطن اللعينا
أنهم قالوا و خير القول قول العارفينا
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا.
3 ــ ويا أيها السيسى : وداعا ..الى أن نلتقى خصوما أمام الواحد القهار ..!
ملاحظة :
هذه هى المقالة الأخيرة فى السيسى ، والتى ستتحول مع ماسبقها من مقالات عنه الى كتاب منشور فى موقعنا ( اهل القرآن ) عن ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى ).
أغلب الظن أن السيسى لا علم له بهذه المقالات ، ولكن الأجيال القادمة ستعرفه من خلال هذه الشهادة التاريخية عنه ، ويقولون عنه : ( كان ..) .
| تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
| مقالات منشورة | : | 5322 |
| اجمالي القراءات | : | 65,610,142 |
| تعليقات له | : | 5,519 |
| تعليقات عليه | : | 14,916 |
| بلد الميلاد | : | Egypt |
| بلد الاقامة | : | United State |
طنطاوى شيخ الأزهر ( 4 ) شيخ الإرتياب وإمام المرتابين .!
صدق الله العظيم وكذب طنطاوى شيخ الأزهر الأثيم
ضحايا مناهج الازهر الشيطانية ب2 مناهج الازهر الشيطانية .كتاب الأزهر عدو الإسلام الأكبر.
دعوة للتبرع
إقرأ كتابك ..: نظريت ك في تدبر القرآ ن حسب ما فهمته من خلال...
النقاب: ما معني كلمة ( نقاب او النقا ب )؟...
أول المسلمين : إبراه يم عليه السلا م ومن آمن به كانوا...
القرآن وفقط .!: أحمد الله تعالى أن هداني على يدكيم منذ سنتين...
القرآن والمسلمون: الصدي ق القرآ ني اتمن ى عليك ان توافي ني ...
more
رائع جدا .