عبدالوهاب سنان النواري Ýí 2014-11-09
الفهرس:
المقدمة.
التمهيد: الفتح النورماندي لانجلترا (1066 م).
الفصل الأول: التطورات الدستورية في انجلترا خلال العصور الوسطى:
المبحث الأول: أسرة البلانتجنت وصراعها مع رجال الدين (1164-1215م).
المبحث الثاني: العهد الأعظم (الماجناكارتا) وما تبعه من تطورات دستورية (1215-1322م).
الفصل الثاني: الصراع حول السلطة (1500-1700م):
المبحث الأول: أسرة آل ثيودور والملكية شبه المطلقة (1485-1603م).
المبحث الثاني: أسرة آل ستيوارت والثورة الدستورية (1603-1688م).
المبحث الثالث: سيطرة البرلمان وظهور الأحزاب السياسية (1688-1700م).
الفصل الثالث: التطورات الدستورية في عهد المملكة المتحدة البريطانية العظمى (1707-1914م):
المبحث الأول: التطور الدستوري في القرن الثامن عشر.
المبحث الثاني: التطور الدستوري في القرنين التاسع عشر والعشرين.
الخاتمة.
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي خلق الأيام فجعاها دولا بين الناس, الملك الوهاب الهادي إلى الحق والصواب وبعد ... ونحن ندرس تاريخ أوربا الحديث نقف كثيرا عند تاريخ انجلترا / بريطانيا تلك المملكة التي لعبت دورا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وصناعيا ليس في تاريخ أوربا فحسب بل وفي تاريخ العالم كله حتى أصبحت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعند التأمل في تاريخ هذه المملكة للتعرف على الأسباب أو العوامل التي جعلت منها قوة عالمية عظمى نجد أن فضلا كبيرا يرجع إلى نظامها البرلماني الذي يعتبر اعرق نظام برلماني في العالم. فكان لا بد من دراسة تاريخية تحليلية لهذا النظام, وعليه توكلنا على الله عزوجل وتم اختيار هذا الجانب من تاريخ انجلترا / بريطانيا مجالا للبحث تحت عنوان: التطور الدستوري في انجلترا / بريطانيا خلال الفترة ( 1215-1914م ). والحقيقة أن الكثير من الدراسات أو المراجع المتوفرة بين أيدينا قد تحدثت كثيرا في هذا الموضوع ولكنها لم تعط الموضوع حقه كما أنها جاءت متناثرة بعضها مكثف يمل القارئ قراءتها وبعضها مقتضب قاصرة عن إشباع نهم القارئ أو الباحث. وعليه فقد حاولنا من خلال هذا البحث أن نقدم سردا تاريخيا تحليليا توضيحيا لهذه الفجوة التاريخية من تاريخ انجلترا / بريطانيا. يشمل هذا البحث على: تمهيد وثلاثة فصول, مقسمة بدورها إلى عدد من المباحث وينتهي بخاتمة. يحدثنا التمهيد عن: أحوال البلاد السياسية والحربية التي ساعدت النورمانديين على غزوها سنة 1066م ومن ثم إخضاعها لسلطانهم وما قاموا به من أعمال دستورية جديدة وما حملوا من عادات وأخلاق وأنظمة جعلت من الحكم مركزيا والبلاد أكثر أمنا من ذي قبل. وجاء الفصل الأول بعنوان: التطور الدستوري في انجلترا خلال العصور الوسطى وهو مقسم إلى مبحثين يتناول المبحث الأول: أسرة البلانتجنت وصراعها مع رجال الدين في الفترة (1164-1215م) وذلك سعيا منها لإخضاع جميع الطبقات لسلطة الملك. أما المبحث الثاني فيتناول: أهم النتائج التي تمخضت من ذلك الصراع المرير مع رجال الدين والنبلاء والمتمثلة في وثيقة العهد الأعظم (الماجناكارتا) سنة 1215م وتشكيل الجمعية الوطنية سنة 1264م وتشكيل البرلمان النموذجي سنة 1295م. وجاء الفصل الثاني بعنوان: الصراع حول السلطة (1500-1700م) يتناول المبحث الأول أسرة آل ثيودور (1485-1603م) موضحا الظروف الحربية والأوضاع التي مرت بها انجلترا في تلك الفترة مما جعلت الانجليز يقبلون بحكم هذه الأسرة شبه المطلق وما قام به ملوك هذه الأسرة من إجراءات في طريق تثبيت ملكيتهم والقضاء على سلطة البرلمان بل وتوظيفه لخدمة الملوك وبرلمان السنوات السبع اكبر شاهد على ذلك. أما المبحث الثاني فيتناول: أسرة آل ستيوارت ومعركة البرجوازية (1603-1688م) الرافضة للحكم المطلق والتي تمخضت عنها وثيقة ملتمس الحقوق سنة 1628م ثم انعقاد البرلمان الطويل الذي تزعم الثورة ضد الملك شارل. فيما يتناول المبحث الثالث: سيطرة البرلمان وظهور الأحزاب السياسية حيث أصبح البرلمان أكثر قوة وأصبحت الأحزاب تشكل محور السياسة الانجليزية فقد نجحت ثورته الجليلة ضد الملك جيمس الثاني وإصدار قانون الحقوق سنة 1689م وبهذا انتقلت السلطة من الملك إلى البرلمان. وجاء الفصل الثالث بعنوان: التطورات الدستورية في عهد المملكة المتحدة البريطانية العظمى (1717-1914م) يتناول المبحث الأول: صدور قانون الوحدة سنة 1707م وما كان في الدستور البريطاني من مثالب ومفاسد حيث هيمنت الطبقة الارستقراطية على الحكومة والبرلمان والانتخابات التشريعية. أما المبحث الثاني فيتناول: الحالة المزرية التي كانت تعيشها البلاد بسبب الحروب النابليونية وما رافق ذلك من فساد دستوري وأداري واقتصادي وما قام به البرلمان من إجراءات لإصلاح هذه الأوضاع بإصدار القوانين اللازمة والتي كان أبرزها قانون الإصلاح سنة 1832م. وجاءت الخاتمة: بأهم النتائج التي توصلنا إليها.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
تمهيد: الفتح النورماندي لانجلترا (1066 م) :
كانت أحوال انجلترا السياسية والحربية ذلك أن أوربا كلها ابتليت منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية بحالة من الفوضى والحروب مما ساعد الملك وليم الفاتح على غزو انجلترا وإخضاعها لسلطانه إخضاعا تاما وقد نجح وليم الفاتح في أن يأخذ جميع العصاة بشدة وفرض سيطرته على البارونات وجعل شؤون القضاء في أيدي رجاله كما ادخل نظام المحلفين في المحاكم مما اكسب العرش هيبة واحترام.([1])
وفي سنة 1083م أرسل وليم الفاتح عماله ليسجلوا اسم مالك كل قطعة من الأرض وحالها ومحتوياتها في سجل وكانت نتيجة هذا العمل هو كتاب الأحكام الذي أصبح الحكم الأخير في جميع المنازعات العقارية كما وضع دستور جديد للأديرة وهو المعروف بعادات كنتربري واصدر قرار بفصل المحاكم الكنسية عن المحاكم المدنية وتعهد بان تنفذ الدولة كل ما تحكم به المحاكم الكنسية من عقوبات.
جاء مع الفاتحين نظام الإقطاع وجاء الأشراف الجدد بعادات جديدة وأخلاق جديدة وتحسن النظام الإداري للدولة فقد أصبح الحكم مركزي وأصبحت الحياة والأموال أكثر أمنا من ذي قبل, وأقبلت انجلترا على عهد طويل من السلام الداخلي.([2]) وفي عهد هنري الأول (1100-1135)م تقرر أن تختار جمعيات رجال الكنائس والرهبان بحضور الملك نفسه -الأساقفة ورؤساء الأديرة- وان يقدم هؤلاء بدورهم مراسيم الولاء للملك بوصفه مصدر أملاكهم وسلطاتهم الإقطاعية.([3])
الفصل الأول: التطورات الدستورية في انجلترا خلال العصور الوسطى:
المبحث الأول: أسرة البلانتجنت وصراعها مع رجال الدين (1164-1215م):
في عام 1164م دعا هنري الثاني ملك انجلترا -من أسرة البلانتجنت- فرسان انجلترا وأساقفتها إلى اجتماع عقده في (كلاندن) وحملهم على أن يوقعوا دستور كلاندن الذي قضى على كثير من الحصانات التي كان يتمتع بها رجال الدين ( فقد كان محرما مقاضاة رجال الدين أمام المحاكم المدنية في الوقت الذي كانت فيه المحاكم الكنسية كثيرا ما تترك رجال الدين دون أن تعاقبهم على ما يرتكبونه من الجرائم) وكان هنري الثاني بهذا العمل يطمع في أن يبسط سلطانه على كافة الطبقات إلا انه اضطر إلى الخضوع لضغوط البابا اسكندر الثالث الذي أعلن الحرمان على جميع من أيدوا دستور كلاندن.
ولكن حجة هنري الثاني في إخضاع كل الطبقات لسلطة الملك هي التي وسعت اختصاص المحاكم المدنية وجعلتها تبسط سلطانها - في عهد كل ملك جاء بعده - على رعايا المملكة سواء كانوا من رجال الدين أو رجال الدنيا, ولقد حرر القانون الانجليزي من القيود الكنسية والإقطاعية ومهد السبيل لنمائه الذي جعله من أجّل الأعمال التشريعية التي ظهرت منذ عهد رومه الإمبراطورية.([4])
في سنة 1199م تولى العرش أبنه جون (1199-1216م) بعد أن أضطره (ولتر) كبير الأساقفة أن يقسم حين تتويجه أنه قد نال عرشه منتخبا من الأمة (أي الأعيان والمطارنة) وبنعمة الله عزوجل. ولكنه كثيراً ما أغضب الناس بمزاجه الحاد واستبداده وغطرسته وما فرضه من الضرائب الفادحة, وقد بذل البابا (انوسنت الثالث) كل ما في وسعه لمساعدة جون نكاية في (فليب أغسطس) ملك فرنسا, إلا أنه دب نزاع بين البابا وجون فأصدر البابا قرار الحرمان بحق جون وذلك سنة 1208م فردّ جون على هذا بمصادرة جميع أملاك الكنائس والأديرة وأعطاها لغير رجال الدين وانتصر على البابا في عدة وقائع حربية.
وفي سنة 1213م أصدر البابا مرسوما بخلع الملك عن العرش وأعفى رعايا جون من يمين الطاعة التي اقسموها له وأعلن أن أملاك الملك أضحت غنيمة مشروعة لكل من يستطيع انتزاعها من بين يديه النجستين. فقبل الملك فليب أغسطس الدعوة وحشد جيشا رهيبا وزحف به على شاطئ القناة الانجليزية فأستسلم جون لإرادة البابا.
أثار ذلك الأشراف فقد استاء النبلاء من فدح الضرائب المفروضة عليهم ومن خروجه على السوابق القديمة والقوانين المرعية واعتبروه خائناً باع البلاد للبابا ليشتري عفوه وتأييده فبعثوا أليه بوفد يطلب منه العودة إلى قوانين هنري الأول التي حمت حقوق الأشراف وحددت سلطات الملك فلما لم يلقوا جوابا مرضيا حشدوا قواتهم المسلحة وبعثوا برسلهم إلى لندن فنالوا تأييد حكومة المدينة وحاشية الملك. وقد عسكر جيش الأشراف مقابل مؤيدي الملك القلائل عند (رنيميد) على نهر التاميز. وهنا استسلم جون استسلامه الثاني الكبير ووقع وثيقة العهد العظم وهي أشهر وثيقة في التاريخ الانجليزي كله وذلك سنة 1215م.([5]) وكانت هذه خطوة هامة رغم أنها لم تؤدي إلى أن يشارك الأشراف الملك في بعض سلطاته التشريعية وأن يراقبوا أعماله.([6])
المبحث الثاني: العهد الأعظم (الماجناكارتا) وما تبعه من تطورات دستورية (1215-1322م):
من جون ملك انجلترا بعناية الله تعالى.... إلى كبار أساقفة, وأساقفة ورؤساء أديرة, وحملة ألقاب: إرل, وبارون... وجميع رعاياه الأوفياء تحية... أعلموا أننا بهذا العهد الحاضر نؤكد عنا وعن ورثتنا إلى ابد الدهر:
1- أن ستكون كنيسة انجلترا حرة لا يتعدى على شيء من حقوقها وحرياتها.
2- أننا نمنح جميع الأحرار في مملكتنا عنا وعن ورثتنا إلى ابد الدهر جميع الحريات المدونة فيما بعد.
12- ألا يفرض بدل خدمة أو معونة... إلا المجلس العام لمملكتنا.
14- لكي يجتمع المجلس العام المختص بتقدير المعونات وبدل الخدمة سنأمر باستدعاء كبار الأساقفة, والأساقفة, ورؤساء الأديرة وحملة ألقاب إرل, وكبار البارونات في البلاد... وغيرهم ممن هم تحت رياستنا.
15- لن نجيز في المستقبل لكائن من كان أن يأخذ معونة من مستأجريه الأحرار إلا إذا كان ذلك لافتدائه أو تنصيب أبنه الأكبر فارسا أو مرة واحدة لزواج أبنته الكبرى ولن تكون المعونة في هذه الحالة إلا معونة معقولة.
17- لن تعرض الشكاوى العادية على محكمتنا بل ينظر فيها في مكان محدد.
36- لن يعطى أو يؤخذ بعد الآن شيء نظير أمر يطلبه شخص ببحث حاله... بل يجب أن يعطى هذا الأمر بغير مقابل (أي أنه يجب ألا يطول حبس إنسان من غير محاكمة).
39- لا يقبض على رجل حر أو يسجن أو ينزع ملكه أو يخرج من حماية القانون أو ينفى أو يؤذى بأي نوع من الإيذاء... إلا بناء على محاكمة قانونية أمام أقرانه (أي المساوين له في المدينة) أو بمقتضى قانون البلاد.([7])
40- لن نبيع العدالة أو حقا من الحقوق لإنسان ما ولن نحرم منها إنسان ما.
41- يتمتع جميع التجار بحق الدخول إلى انجلترا والإقامة فيها والمرور بها برا أو بحرا سالمين مؤمنيّن للشراء والبيع... دون أن نفرض عليهم ضرائب غير عادلة.
60- كل العادات والحريات السالفة الذكر... يجب أن يراعيها أهل مملكتنا كلهم سواء منهم رجال الدين وغير رجال الدين فيما يخصه نحو أتباعه.
وقعناه بيدنا بحضور الشهود في المرج المعروف باسم اينميد في اليوم الخامس عشر من شهر يونيه من السنة السابعة عشر من حكمنا.([8])
يعتبر العهد العظم أساس الحريات التي يتمتع بها العالم الناطق باللغة الانجليزية في هذه الأيام والحق أنه خليق بهذه الشهرة. نعم أنه مقيد ببعض القيود فهو ينص على حقوق النبلاء ورجال الدين أكثر مما ينص على حقوق الشعب كله ولم تبين فيه الوسائل الكفيلة بتنفيذ ما جاء فيه, ولقد كان العهد انتصارا للإقطاع لا للديمقراطية. كل هذا صحيح ولكنه نص على الحقوق الأساسية وحماها وقرر عدم إطالة حبس إنسان بلا محاكمة كما أقر نظام المحلفين وأعطى البرلمان الناشئ سلطة على المال اتخذتها الأمة فيما بعد سلاحا لمقاومة الاستبداد وبدّل الملكية المطلقة بملكية دستورية مقيدة.([9])
وهكذا أصبح القانون الانجليزي قوميا للمرة الأولى فقد أصبح قانون البلاد وعاداتها, وبعد نصف قرن من ذلك الوقت (1250-1256م) أخرج (هنري ده براكتن) أول خلاص منظمة للقانون الانجليزي في كتابه المسمى (في قوانين انجلترا وعاداتها) وهذا الكتاب في خمسة مجلدات وهو مرجع من أهم المراجع في القانون الانجليزي.
أراد الملك هنري الثالث (1216-1272م) أن يحصل على المال أكثر مما يرغب الأعيان في أن يمدوه به ولم يصبر حتى يوافقوا على طلباته فاستدعى فارسين من كل مقاطعة لينضموا إلى البارونات والمطارنة في المجلس العظيم الذي عقد في عام 1254م وفي عام 1264م دعا أيضا اثنين من المواطنين البارزين من كل مقاطعة أو كل بلدة لينضموا إلى البارونات في (الجمعية الوطنية) وكان هدفه من وراء هذا أن يضم الطبقات الوسطى إلى قضية (إخماد ثورة النبلاء).
وعندما تورط الملك إدورد الأول (1272-1307م) في الحرب مع اسكتلنده و ويلز وفرنسا في وقت واحد اضطر أن يطلب المال من جميع طبقات الأمة فدعا لهذا الغرض البرلمان النموذجي في عام 1295م وهو أول برلمان كامل في تاريخ انجلترا وقال مرسوم الدعوة أن: (ما يمس الناس جميعا يجب أن يوافقوا عليه جميعا) وقد اتفق الجميع على المبدأ القائل بأن (القانون الذي يقره البرلمان لا يمكن أن يلغيه إلا البرلمان) ثم اتفق في عام 1297م على ألا تجبى الضرائب إلا بعد موافقة البرلمان. وزاد هذا المجلس بأن حرم أن تمنح الهيئات الكنسية أرضا بغير موافقة الملك. وبداء التشريع التجاري المستنير في انجلترا بـ(قانون التجارية) سنة 1283م و(عهد التجارة) سنة 1303م وهما عملان جليلان آخران من الأعمال التي تمت في عهد إدورو الأول.([10])
أقسم (إدورد الثاني) الملك السادس من أسرة آل بلانتجنت في 25 / فبراير / 1308م أثناء تتويجه الرائع أمام رجال الدين والنبلاء المجتمعين في دير وست منستر, القسم الذي تطلبه انجلترا في كبرياء من جميع ملوكها:
* كبير أساقفة كنتبري: سيدي هل تمنح أهل انجلترا وتحتفظ لهم وتؤكد لهم بقسمك القوانين والعادات التي منحها إياهم ملوك انجلترا الأقدمون, أسلافك الصالحون المتدينون وخاصة القوانين والعادات والامتيازات التي منحها لرجال الدين وللشعب سلفك الملك العظيم القديس إدورد؟
* الملك: إني امنحهم إياها واعدهم بها.
* كبير الأساقفة: سيدي هل تؤيد أمام الله وأمام الكنيسة المقدسة لرجال الدين وللشعب السلم والوئام في سبيل الله بكل مالك من قوة؟
* الملك: نعم سأؤيدهم.
* كبير الأساقفة: سيدي هل تعمل على أن تكون جميع أحكامك متصفة بالعدالة ألحقه والمساواة والحزم والرحمة والصدق وتسعى لها بجميع قواك.
* الملك: سأفعل ذلك.
* كبير الأساقفة: سيدي هل تعد بان تستمسك بالقوانين والعادات الصالحة التي قد تختارها بلادك وأن تحافظ عليها؟ وهل تدافع عنها وتقويها تكريما لله وتعظيما له بأقصى ما لديه من قوة؟
* الملك: أوافق على ذلك وأعد به.
وفي عام 1322م تقرر تحتم موافقة جمعية وطنية على كل قانون تسنه الحكومة كي يصبح نافذا مشروعا وكانت سنة الملوك الانجليز منذ زمن طويل إذا ألزمتهم الحاجة أن يدعوا للاجتماع (مجلس الملك) المؤلف من: كبار الأعيان ورجال الدين. و(الجمعية الوطنية) المؤلفة من: الفرسان والمواطنين الأحرار. ليتألف منهما جميعا برلمان انجلترا.([11])
كان البرلمان يجتمع في القصر الملكي بـ وست منستر. فيجلس عن يمين الملك الأعيان ورجال الدين, ويجلس عن يساره الفرسان ونواب المدن الأحرار, ولما تفتتح الجلسة يقف نواب المدن والفرسان -الذين عرفوا فيما بعد بالعموم- عراة الرؤوس أمام حاجز يفصلهم عن رجال الدين والأعيان, فأصبح البرلمان مكونا من مجلس أعلى ومجلس أسفل,([12]) ويستمع القسمان مجتمعين إلى الملك أو نائبه وهو يلقي خطابا أسمي فيما بعد (خطبة العرش) يشرح فيه الموضوعات التي سيدور فيها البحث والقرارات التي يراد إصدارها ثم يخرج رجال العموم ليجتمعوا في قاعة أخرى يناقشوا فيها اقتراحات الملك المعروضة عليهم ثم ينتدبوا متكلماً يبلّغ المجلس الأعلى ما وصلوا أليه من نتائج ليعرضوا ملتمسهم على الملك. ولما تنتهي دورة الانعقاد يجتمع المجلسان مرة أخرى ليستمعا إلى رد الملك وانفضاض الدورة.
كان للملك وحده حق دعوة البرلمان إلى الاجتماع وفض دورة اجتماعه وكان كلا من المجلسين يطالب لنفسه بحرية المناقشة والتي كانا يستمتعان بها في الأحوال العادية وكانا في كثير من الأحوال يرفعان إلى الحاكم ما يستقر عليه رأيهما بعبارات قوية منطوقة أو مكتوبة غير أن الملك في كثير من الأحوال كان يأمر بسجن من يشتط في نقده.
كانت سلطات البرلمان تشمل من الوجهة النظرية شؤون التشريع أما من الوجهة العملية فكان وزراء الملك هم الذين يعرضون على البرلمان مشروعات القوانين التي يقرها غير أن المجلسين كثيرا ما كانا يقدمان توصيات وشكاوى ويؤخرون الاقتراع على الأموال المطلوبة حتى تستجاب رغباتهم كلها أو بعضها.
لقد كانت (قوة المال) هذه هي كل ما في أيدي (العموم) من سلاح ولكن سلطتهم هذه زاد شأنها حين زادت نفقات الإدارة وثروة المدن فلم تكن الملكية والحالة هذه ملكية مطلقة أو دستورية فالملك مثلا لم يكن يستطيع تغيير سنة البرلمان أو سن قانون جديد بنفسه علنا وبطريقة مباشرة ولكنه كان خلال معظم العام يحكم دون أن يقيده البرلمان ويصدر قرارات تنفيذية لها أثر في كل ناحية من نواحي الحياة الانجليزية ولم يكن يرقى العرش عن طريق الانتخابات بل عن طريق الوراثة.([13])
الفصل الثاني: الصراع حول السلطة (1500-1700م):
المبحث الأول: أسرة آل ثيودور والملكية شبه المطلقة (1485-1603م):
بينما كانت أوربا سائرة في نظمها الاستبدادية نجد أن انجلترا قد بدأت تتخلص من تلك النظم وظهرت الملكية الانجليزية كمركز للوحدة القومية وقد ساعد على تطور النظم ظهور طبقة وسطى قوية اسهمت إلى حد كبير في تطور النظم بعيدا عن النزاع الاستبدادية.([14])
يعتبر هنري السابع (هنري لنكستر)(1485-1509م) المؤسس الحقيقي لأسرة ثيودور وقد تمكن من القضاء على منافسيه في السلطة وسيطر على الأمور في انجلترا ولقد استفاد من البرلمان فائدة كبيرة عندما استصدر من هذا البرلمان مجموعة قوانين وتشريعات برلمانية مكنته من تدعيم مركز الملكية في أسرة ثيودور وكان من أهم هذه القوانين: قانون خاص بتأسيس قاعة النجم سنة 1487م وهي محكمة لها سلطة واسعة تعمل على مراقبة النبلاء وإضعاف نفوذهم في انجلترا.
واستصدر قانونا آخر يسمح بتقديم المعارضين للعرش إلى محاكم خاصة تحاكم بتهمة الخيانة وقد سن هذا القانون سنة 1495م واستصدر قانونا ثالث حرم على النبلاء جمع الأتباع والاعتماد عليهم في مهاجمة الخصوم سنة 1504م واستصدر قانونا رابعا خاصا بفرض سيطرة الملكية على الشؤون الصناعية في العام نفسه وبهذه القوانين الأربعة استطاع هنري السابع أن يؤسس حكومة ملكية ذات سلطة تامة في انجلترا وأنهى بذلك عهدا من الحروب الإقطاعية والأسرية كانت قد أضعفت البلاد. لقد فتح هنري عهدا من الاستقرار الذي كان فاتحة لتقدم اقتصادي وحضاري في البلاد.([15])
كان هنري السابع معتدا بسطوته وقوته فتظاهر بالتمسك بقوانين البلاد وأنظمة البرلمان إنما كان ذلك في المظهر لا في الجوهر وقد سار ابنه هنري الثامن (1509-1547م) على نهج أبيه كلاهما لم يعبأ بأنظمة البرلمان ولكنهما كانا يسعيا إلى جعل السلطة كلها للملك عن طريق التسلط على أعضاء البرلمان وإغرائهم بشتى الوسائل ليكونوا أداة طيعة في يد الملك وبذلك ضعف الحكم النيابي في عهد أسرة ثيودور ولم يجد ملوك الأسرة معارضة لسلطانهم وساعدهم على التسلط أن الأسر الكبيرة انهارت خلال الحروب الطويلة التي كانت تقوم بينها وزال النظام الإقطاعي وبلغت انجلترا في عهد أسرة ثيودور درجة من الانسجام القومي لم تشهدها من قبل وهكذا استطاع هنري السابع أن يؤسس ملكية ذات سلطة تكاد تكون مطلقة ولكنها لم تكن تمثل الملكية الاستبدادية التي سادت أوربا في العصور الحديثة.([16])
ورغم هذا فقد نما دور البرلمان إلى جانب نمو السلطة الملكية وذلك لأن هنري الثامن كان بحاجة إلى مجلس العموم ليدعم سياسته الدينية وقد ساعدت هذه السياسة بدون اختيار منها على تقدم الفكر الاستقلالي وهذا التقدم ساعد على زيادة عدد النواب في مجلس العموم الذي كان (300) عند تولي هنري السابع العرش وقد احتفظ هنري الثامن أثناء الانفصال الديني بالبرلمان من (1529-1536م) فدشن بذلك الطريقة التي يمكن للبرلمان فيها عقد دورات متعددة إذ احتفظ به خلال سنوات وبهذه الصورة يستطيع أعضاء مجلس العموم أن يتعارفوا ويكتسبوا خبرة ويحدثوا طريقة وتقاليد برلمانية ثم أن انتخاب النائب على مرات متعددة في برلمانات متوالية يساعد على إيجاد أعضاء مختصين في قضايا معينة.([17])
أراد هنري الثامن فصل الكنيسة الانجليزية عن كنيسة روما ووضع كنيسة انجلترا تحت سيادته فسعى بمساعدة البرلمان لإنشاء كنيسة أهلية وطنية يكون الملك رئيسها وعند إذ تستطيع هذه الكنيسة المنفصلة تحقيق رغباته في مسألة الطلاق من زوجته (كاترين) ومن ناحية أخرى فان الانفصال من شانه أن يوحد السيادة التي كانت تتقاسمها في البلاد سلطتان سلطة الكنيسة المركزية في شخص رئيسها الأعلى وهو البابا وسلطة الملكية. وبهذا تمكن من تحقيق أهدافه الثلاثة الكبرى وهي:
1- الخلاص من كاترين الأرغونية والزواج من (آن بولين).
2- ملء خزائنه بالأموال التي كانت ترسل إلى روما... ووفقا للنظام الجديد سيحتفظ الملك بهذه الأموال.
3- توحيد سلطاته في الدولة الحديثة بفرض سيادته وسلطانه على كل رعاياه من العلمانيين ورجال الدين.
* برلمان السنوات السبع والإصلاح الديني:
كانت دعوت هذا البرلمان في نوفمبر 1529م وهو ما عرف ببرلمان السنوات السبع لاستمرار انعقاده سبع سنوات متصلة أو برلمان الإصلاح لإصداره قوانين الإصلاح فلقد اصدر هذا البرلمان عدة قوانين للإصلاح من جهة ولإخضاع رجال الدين في انجلترا لسلطة الملك من جهة ثانية. في سنة 1531م أعطى البرلمان الملك لقب حامي الكنيسة ورجال الدين والرئيس الأعلى للكنيسة ولرجال الدين في انجلترا بالدرجة التي تسمح بها قوانين المسيحية وكان هنري يقصد بذلك نبذ سيادة البابا على الكنيسة الانجليزية ومنع رجال الدين في انجلترا من معارضة رغباته.
وفي سنة 1532م اصدر البرلمان قوانين لمنع إرسال الأموال إلى روما ولمنع الكنيسة في انجلترا من استصدار أية قوانين أو أوامر أو تنظيمات متعلقة بالكنيسة من غير موافقة الملك. وفي سنة 1533م اصدر البرلمان قانونا لمنع استئناف القضايا في روما. وفي سنة 1534م اصدر البرلمان قانون السيادة العلياء الذي ينص على أن الملك هو الرئيس الأعلى للكنيسة الانجليزية وله كل السلطات الروحية والقانونية التي كانت للباباوات ومعاقبة كل من يتعرض لشخص الملك وحقوقه.
وفي سنة 1536م استصدر البرلمان قانون بحل الأديرة الصغيرة وعددها (376) ديراً استولى الملك على إيراداتها كما استصدر البرلمان قانون آخر بحل الأديرة الكبيرة وعددها (200) دير وكان مجموع الإيرادات التي حصل عليها الملك من حلّ الأديرة حوالي (135000) جنيه سنوياً.
وفي عهد ابنه (ادوارد السادس)(1547-1553) اصدر البرلمان في سنة 1549م القانون الأول للعقيدة الواحدة والمذهب الواحد وهو يقضي بضرورة التزام شكل أو نظام واحد للعبادة في أنحاء المملكة وفي 1552م اصدر البرلمان القانون الثاني للمذهب الواحد والذي ينص على معاقبة المخالفين من رجال الدين ومن العلمانيين على السواء كما اصدر قانونا آخر يتهم كل من يتصدى لمعارضة التاج ولو كانت هذه المعارضة شفوية وكان الهدف من هذا القانون هو تأييد سلطان الملكية.([18])
أما الملكة اليزابث (1558-1603م) فقلّ أن دعت البرلمان وعلى مضض منها لمساعدتها من الناحية المالية لأنها لم تكن تطيق المعارضة أو النقد أو المراقبة ولم تؤمن قط بنظريات سيادة الشعب أو البرلمان . كانت مؤمنة بأن رأسا واحدا هو الذي يجب أن يتولى الحكم وتمسكت بحقوق الملوك الإلهية فأودعت بعض الأفراد السجون بمحض إرادتها وبدون محاكمة أو سبب واضح وعاقبة أعضاء البرلمان الذين اعترضوا سبيلها في تحقيق أهدافها وأوحت إلى الأقطاب المحليين الذين يديرون شؤون الانتخابات النيابية ويؤثرون فيها أنه مما ييسر الأمور أن يختاروا مرشحين ليس لديهم نزعات صبيانية في حرية الكلام وقد استسلمت برلماناتها الأولى إلى هذا الوضع بلباقة وخضعت البرلمانات الغاضبة في أواسط عهدها أما بعد ذلك فقد قاربت البرلمانات أن تثور.([19])
المبحث الثاني: أسرة آل ستيوارت والثورة الدستورية (1603-1688م):
بعد انتهاء عهد أسرة ثيودور جاءت أسرة ستيوارت إلى الحكم وكانت هذه الأسرة ترى تقليد نظام الحكم في فرنسا وأن تكون لها حكومة ملكية انجليزية على نمط حكومة فرنسا إلا أن هذا الأسلوب فشل في انجلترا بسبب قيام الثورة الدستورية التي تؤيد النظام البرلماني فيها وقد نجحت هذه الحركة الدستورية في إدارة شؤون البلاد السياسية والمالية والتجارية والحربية وهكذا نلاحظ أن قضية جديدة ظهرت بوادرها في عهد أسرة آل ستيوارت وهي تطورات الحركة الدستورية في البلاد.([20])
أنها معركة البرجوازية التي تسعى للحصول على موضع قدم في الحكم بقدر النفوذ الاقتصادي الذي بدأ يؤول إليها فقد احتلت انجلترا مكانا مرموقا في مجال الفكر والعلم بدافع البرجوازية التجارية وأدى ذلك إلى تكوين مناخ سياسي عام رفض الحكم المطلق فبرزت طبقة اجتماعية تريد أن يكون لها نصيب في الحكم وتركزت أساسا في لندن والمدن الصناعية الحرفية وسط الطبقة الوسطى وبعض اللوردات الذين مارسوا الأعمال البرجوازية ولكن منهج الحكم المطلق كان موجودا فهناك طبقات اجتماعية لها مصلحة في ذلك الحكم وخاصة الأرستقراطيون وكبار ملاك الأرض وقد عبر بعض المفكرين عن تلك النزعة على أساس أن الحكم المطلق يقوي السلطة المركزية التي تقف ضد الفوضى ومن أشهرهم (ميكيافلي) الايطالي (1469-1527) صاحب كتاب الأمير, و(توماس هوبز) الانجليزي (1588-1679) فانفجر الصراع السياسي بين الطرفين.
في عام 1603م اعتلى عرش انجلترا جيمس الأول وحكم حتى عام 1625م وكان مؤمنا بنظرية التفويض الإلهي وحق الملك المقدس فهو القائل أن مقام الملكية هو أسمى شيء على الأرض لان الملوك يقومون مقام الله على الأرض ولا يجلسون على عرش الله فحسب بل أن الله نفسه يسميهم آلهة وأرباب وان الملوك يملكون بحق الآلهة لأنهم يمارسون شيئا شبيها بالسلطة الإلهية على الأرض وانه لو تدبرتم في صفات الله لوجدتموها مجتمعة ومتفقة في شخص الملك. أن الله قادر على الخلق أو التدمير والفناء وعلى البناء والهدم وفق مشيئته يبعث الحياة أو يرسل الموت يحاسب كل الناس ولا يحاسبه أحد وللملوك نفس القدرة أو القوة أنهم يصنعون رعاياهم أو يحطمونهم ولهم القدرة ولهم الكلمة العلياء على كل رعاياهم وفي كل الأمور ومع ذلك لا يحاسبهم أحد إلا الله وحده ولهم السلطة في أن يجعلوا من رعاياهم قطع شطرنج يحركونها كيف شاءوا ويرفعون أيا من رعاياهم إلى عنان السماء أو يخسفون بهم الأرض وكأنما يتصرفون في أموالهم.
ونتيجة لهذا الفهم كان جيمس يرى أن يصدر أي قانون دون استشارة البرلمان فهو فوق القانون لأنه هو الذي يصدر القانون والملك يستمد قوته من الله وليس من الشعب وهو مسئول أمام الله وحده وليس لأحد أي سلطة لمحاسبته لكن التطور الدستوري في انجلترا كان قد توصل إلى صيغة للحكم تتكون من ثلاث عناصر: الملك - مجلس الوزراء – البرلمان. مجلس الوزراء يشير على الملك, وهو في نفس الوقت وسؤول أمام البرلمان. فنما لدى أعضاء مجلس العموم اهتمام كبير بالشؤون العامة مثل السياسة الخارجية والمالية فكان من الطبيعي أن يصرح رئيس مجلس العموم للملك عام 1604م قائلا: أن امتيازاتنا وحرياتنا هي حقوقنا وتراثنا القانوني وليست بأي حال من الأحوال أقل من أراضينا ومتاعنا ولا يمكن انتزاعها من دون أن يكون في ذلك إساءة صارخة للمملكة بأسرها.
فقام جيمس بإبلاغ مجلس اللوردات ومجلس العموم أن امتيازاتهم ليست قائمة على حق وإنما هي منحة ملكية وأن كل السياسة القومية وتنظيم الكنيسة من المسائل العلياء التي يبت فيها الملك وليست من اختصاصهم. فرد عليه البرلمان باحتجاج شهير عام 1621م ذكر فيه: أن حرية البرلمان وامتيازاته واختصاصاته حقوق أصلية قديمة لا شك فيها توارثها الشعب الانجليزي وأن المسائل الخطيرة والشؤون العاجلة المتعلقة بالملك والدولة والدفاع عن البلاد وعن الكنيسة ووضع القوانين وصيانتها وإنصاف المظلومين كلها موضوعات ومسائل من اختصاص البرلمان يتشاور فيها أعضاؤه ويناقشونها.
تواصل الاحتكاك بين الملك والبرلمان وكان الصراع يسير بخطى سريعة ليتبلور حول قضية جوهرية وهي: من الذي يحكم ؟ الملك أم البرلمان ؟ مات جيمس وخلّف لابنه (شارل الأول 1625-1639م) من بعده مناخا سياسيا مشحونا بالتوتر وكان شارل شديد التمسك بالحق الإلهي والحكم المطلق تزوج أميرة فرنسية كاثوليكية, وفرنسا والكاثوليكية تتعارضان مع مشاعر الانجليز وقتها. على أن أخطر ما في تصرفاته كان فرضه ضرائب إجبارية على الأغنياء لحاجته للمال. رفض البرلمان فرض ضرائب عديدة طلبها الملك ما لم يتم إصلاح بعض المفاسد واصدر عام 1628م وثيقة ملتمس الحقوق وهي من أعظم وثائق التاريخ الدستوري الانجليزي والتي أعلنت عدم شرعية أربعة من أعمال الحكومة وهي:
1- التصريح بالأحكام العرفية.
2- تسخير الشعب لإيواء الجند والبحارة في المنازل الخاصة.
3- جباية الضرائب بدون موافقة البرلمان.
4- سجن أي فرد من ابنا الشعب الانجليزي سجنا تعسفيا إلا بما تقتضيه قوانين البلاد.([21])
نص وثيقة ملتمس الحقوق
إلى صاحب الجلالة الملك المعظم
أننا في خشوع واحترام نعرض على مليكنا وسيدنا.... أنه
من حيث أنه قد أعلن وطبق لقانون.... من ادوارد الأول أنه لا ضريبة ولا معونة يمكن أن توضع أو تفرض بغير الإرادة الخاصة لرؤساء الأساقفة, والأساقفة وكل إرل وكل بارون وكل فارس وممثلي المدن والجامعات والأحرار من العامة وورث رعاياك هذه الحرية أي أنهم لا يجبرون على الإسهام في أية ضريبة أو رسوم أو معونة أو أي تكليف آخر من هذا القبيل لا يكون قد وضع بموافقة البرلمان موافقة عامة.([22])
ورغم اعتراف الملك بما جاء في الوثيقة إلا أنه لم يعر تلك الإنذارات كبير اهتمام مما زاد من السخط الشعبي وتفاقم الصراع بسبب الصراع الديني بين الملك والبرلمان حيث أشيع أن الملك يميل للعودة للمذهب الكاثوليكي والبرلمان يعارضه وكان الشعب يؤيد البرلمان في هذا الصراع فأقدم الملك على حل البرلمان عام 1629م وجمع كل السلطات السياسية والدينية في يده وحكم البلاد حكما دكتاتوريا مطلقا واستعان بمستشارين يؤيدون سياسته واستمر هذا الوضع أحد عشر عاما.
وفي عام 1639م دخل الملك في حرب مع اسكتلندا انهزم فيها وعقد هدنة مع الاسكتلنديين ولكنه رأى ضرورة إقامة جيش قوي ولكن هذا يحتاج إلى المال الذي لا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق البرلمان فدعا البرلمان إلى الانعقاد عام 1640م فرفض البرلمان فرض المعونة المالية واخذ يناقش سياسة شارل ومساوئ الحكم وطالب بتطبيق قانون ملتمس الحقوق. فقام الملك بحل البرلمان بعد بضعة أسابيع وواصل حربه دون دعم مالي فانهزم للمرة الثانية وطالبه الاسكتلنديون بمبلغ من المال مقابل انسحابهم فأضطر لدعوة البرلمان للمرة الثانية واستمر البرلمان منعقدا من 1640م إلى 1653م وأصبح يعرف بالبرلمان الطويل وكان لابد لهذا البرلمان من وضع القوانين التي تحميه من تسلط الملك بتحديد سلطاته ورفع المظالم عن الشعب فقرر التالي:
1- عدم حل البرلمان إلا بإرادة النواب.
2- إلغاء الضرائب والعوائد الجمركية التي فرضت بدون موافقة البرلمان.
3- وضع نموذج للكنيسة العلياء وفرضه على الكنيسة الانجليزية.
4- فرض عقوبات على من يخالفه.
لقد وضع البرلمان الطويل حدا لاستبداد ملوك انجلترا مما كان له نتائج بعيدة المدى على نمو الحريات البرلمانية في العالم فقد أصبح البرلمان صاحب السلطة في مراقبة المالية والسيطرة على الكنيسة والجيش ومجلس الوزراء وبدأت من هنا مسيرة البرلمان ليصبح الحاكم الفعلي للبلاد ولكن الصراع بين الملك والبرلمان تصاعد وتعقد فقد استغل الملك الانقسام الذي وقع بين أعضاء البرلمان ووجدها فرصة لتسديد ضربة له مناطحا بذلك حركة التاريخ التي غاب عنه إدراك تدافعه فحاول اعتقال بعض أعضاء البرلمان القياديين وقد أثارت المحاولة غضب الشعب فهرب الملك إلى الشمال وانقسمت البلاد بين مؤيدين ومعارضين وتزعم المعارضة مجموعة من ملاك الأرض الارستقراطيين وعلى رأسهم الشاب كرومول. وتم إعدام الملك شارل في عام 1649م.([23])
أصبح كرومول الحاكم الفعلي وأصبحت انجلترا جمهورية وسميت بـ(الكمونولث) وكان عهد كرومول فترة فريدة في تاريخ البلاد أكدت سيطرة البرجوازية على الحكم. لم تكن هذه الجمهورية ديمقراطية رغم مطالبة البرلمان بإقامة أساس ديمقراطي فقد أصبح البرلمان كما قال كرومول: (أنه قد شتت البرلمان وغربله واختزله إلى مجرد حفنة من الرجال). وكانت سلطة هذا البرلمان تستند إلى الجيش وليس إلى الشعب ولمواجهة نفقات الحكومة ومتأخرات رواتب الجند اشتط هذا البرلمان في فرض الضرائب قدر ما فعل الملك الراحل, وفي صبيحة يوم 20 / ابريل / 1653م قام كرومول بحل البرلمان الطويل وطردهم من قاعة اجتماعهم وهكذا لم يعد هناك دستور بل جيش وملك غير ذي لقب أو ملك غير متوج.([24])
وقد انتهت الجمهورية بموت كرومول عام 1658م. يقول المؤرخ البريطاني فيشر: أنه بالرغم من أن عهد الجمهورية والدكتاتورية كان زاخرا بالمناقشات السياسية والتجارية الدستورية إلا أنه كان فترة فراغ في تاريخ الشعب الانجليزي الداخلي أكثر منه مساهمة في تقدمه.([25])
المبحث الثالث: سيطرة البرلمان وظهور الأحزاب السياسية (1688-1700م):
في عام 1660م وافق البرلمان على عودة شارل الثاني ملكا على انجلترا وكان الملك الجديد ميالا للحكم المطلق مثل والده إلا أنه كان حذرا في علاقته مع البرلمان وأعلن العفو العام والتسامح الديني. وفي عام 1661م انتخب برلمان جديد فاصدر قرارا بخضوع الجميع للكنيسة الانجليزية وحرم على أي مواطن احتلال أي وظيفة حكومية إلا إذا كان تابعا للكنيسة وأمر بترحيل من لا يخضعون لها إلى المستعمرات.
وعندما أعلن الملك كاثوليكيته تحداه البرلمان بإصدار تشريع عام 1673م والذي ينص على تبعية أصحاب المناصب العلياء المدنية والعسكرية للكنيسة الانجليزية كما اصدر قرار يحرم على الكاثوليك دخول البرلمان. لقد أصبح البرلمان أكثر رسوخا في السلطة.
وفي عام 1685م أصبح جيمس الثاني ملكا خلفا لأخيه وكان كاثوليكي فظهرت جماعة تعارضه وتنادي بإقصائه عن العرش وتؤيد الإصلاح وعرفوا باسم (الويل) وأصبحوا حزبا سياسيا تحول فيما بعد إلى حزب الأحرار وظهرت مجموعة أخرى من المحافظين تؤيد السلطة الملكية وتعارض الإصلاح عرفوا باسم (التوريز) وتحولوا فيما بعد إلى حزب المحافظين الذي بقي في المسرح السياسي الانجليزي حتى اليوم. فأصبحت الأحزاب محور الساسة الانجليزية, على أن الظاهرة الفريدة أنها تمحورت حول حزبين فقط وشهدت التطورات اللاحقة تداول السلطة بينهما. وعندما قويت الحركة العمالية وأصبح لها حزب سياسي كان ذلك الحزب يقوى على حساب حزب الأحرار الذي اخذ يتراجع إلى موقع هامشي وبقي تقليد الحزبين هو السائد.([26])
وعندما أسفر الملك جيمس الثاني في تحديه لأتباع الكنيسة الانجليزية حيث دفعه ميوله الكاثوليكي إلى تسليم الكاثوليك بعض المناصب العليا المدنية منها والعسكرية وإلى الإفراج عن السجناء ومنع إقامة الدعاوى القضائية في المسائل الدينية ولما كان المفهوم السائد عند الشعب الانجليزي بان أي تبدل في الفكر الديني سوف يقضي على الاستقلال السياسي وعندما طلب الملك من البرلمان إلغاء قانون الاختبار وتعديل قانون حق التحقيق في قانونية الاعتقال انفجر الصراع بينه وبين البرلمان فاجتمع عندها زعماء الحزبين وأرسلوا على حاكم هولندا (وليم اورنج) زوج (ماري) ابنة الملك الانجليزي البروتستانتية يطلبون إليه مهاجمة انجلترا وإنقاذهم من الملك الكاثوليكي.([27])
فقدما إلى انجلترا على رأس جيش كبير والتف حولهما الشعب وهرب جيمس إلى فرنسا وفي 1689م أثناء مؤتمر وستمنستر (الذي عرض تاج انجلترا على وليم أورنج وزوجته ماري) بهذا العرض: (قانونا يعلن حقوق وحريات الرعية ويسوي مسألة وراثة التاج) ( قانون الحقوق ) وقد أكد أن:
1- سلطة وقف القوانين أو تنفيذها بأمر ملكي دون موافقة البرلمان غير قانونية.
2- أن جباية المال للتاج أو لاستعماله بدعوى الحق الملكي الخاص دون إذن البرلمان عمل غير قانوني.
ثم أردف: ( ونظرا إلى الثقة الكاملة بأن... الأمير أورانج سوف يحمي البرلمان من انتهاك حقوقه التي أكدوها ومن أي اعتداءات أخرى على دينهم وحقوقهم وحرياتهم فان... اللوردات الروحيين والزمنيين ونواب... يقرون أن يكون وليم وماري أمير وأميرة وأن ينادى بهما ملكا وملكة على انجلترا ) ومعنى هذا أن وليم الثالث وماري الثانية بقبولهما العرش قد قبلا ضمنا القيود التي وضعتها الارستقراطية الانجليزية المزهوة القوية على سلطة الملك بهذا التصريح.([28])
بمجيء وليم الثالث إلى العرش الانجليزي زالت ملكية أسرة ستيوارت نهائيا من انجلترا وقد أكدت الثورة دعائم الحكم الملكي الدستوري ونظر الانجليز إليها بوصفها ثورة تمثل نجاحا سياسيا ودستوريا جعلت الشعب مصدر السلطات لان الشعب - ممثلا في البرلمان – هو الذي استدعى وليم وماري للحكم وهي ثورة مجيدة لأنها اتسمت بالتسامح وترفعت عن اضطهاد الفريق المهزوم ولم يتجرأ احد من ملوك انجلترا فيما بعد على رفض أي قرار يصدره مجلس العموم وبذلك انتصر مبدأ سيادة الشعب واكتمل انتقال السلطة من الملك إلى البرلمان.([29])
وهكذا انتقلت انجلترا إلى عهد الحكومات الحزبية البرلمانية التي ينتخبها الشعب وأصبحت ملكية دستورية حتى أصبح الملك في النهاية رمز يسود ولا يحكم أي أصبح رمز للأمة كما أصدر البرلمان ( قانون التسامح الديني ) الذي منح المخالفين حق العبادة العلنية ومنح الملك دخلا سنويا محددا وكان على الملك عرض ميزانيته سنويا على البرلمان لإقرارها فأصبح البرلمان يشرف إشرافا حقيقيا على الخزينة وعلى الحكومة كما بدأ يسيطر تدريجيا على الجيش ورفض البرلمان تجديد قانون المطبوعات القديمة الذي يخضع المطبوعات للرقابة الرسمية وتمتعت البلاد بحرية الصحافة.([30])
الفصل الثالث: التطورات الدستورية في عهد المملكة المتحدة البريطانية العظمى (1707-1914م)
المبحث الأول: التطور الدستوري في القرن الثامن عشر:
أغرى الانجليز, الاسكتلنديين بقبول الوحدة بما سوف يعود على اسكتلندا من الخير العميم باكتسابهم كل امتيازات الانجليز في المستعمرات وقوانين الملاحة وكل الفوائد الاقتصادية وأخيرا صدر قانون الوحدة وبموجبه أصبحت اسكتلندا وانجلترا مملكة متحدة سنة 1707م ومنذ ذلك العام تكونت المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وصار المصطلح (بريطانيا) يطلق على الانجليز والاسكتلنديين.([31])
وبينما كانت جميع دول أوربا تقريبا حتى سنة 1789م يحكمها ملوك مستبدون يضعون القوانين ويلغونها كان لبريطانيا حكومة دستورية امتدحها الفلاسفة وحسدها نصف العالم إلا أن الطبقة الارستقراطية هيمنت على الحكومة دون أن تلقى من المقاومة إلا القليل من المعارضة وذلك بفضل ثرائها وبروزها في الوظائف العلياء المدنية والعسكرية وكذلك بفضل هيبة عراقتها وهيمنتها على الانتخابات البرلمانية والتشريع.
كانت بريطانيا من ناحية النظام الانتخابي مقسمة إلى أربعين إقليما أو مقاطعة ريفية countiesو (203) مدينة ذات ممثلين boroughsوكان يستثنى من حق التصويت النساء والمعدمون والمجرمون المحكوم عليهم والكاثوليك والكويكرز واليهود وغيرهم ممن لا يستطيعون حلف يمين الولاء لسلطان الكنيسة الإنجيلكانية وعقائدها ولم يكن حق التصويت في الانتخابات مخولا في الأقاليم إلا للملاك البروتستانت الذين يدفعون ضريبة سنوية قدرها أربعون شلنا وكان مجموعهم نحو (160,000) ولما كان التصويت علنيا فان قليلين جدا من الناخبين كانوا يجرؤن على تأييد أي مرشح غير الذي رشحه كبار ملاك الإقليم ومن ثم لم يكترث بالتصويت إلا نفر قليل نسبيا من الناخبين. وكانت الكثير من الانتخابات تتقرر بترتيب يفق عليه الزعماء دون اقتراع على الإطلاق وكان كبار ملاك الأرض يرون أن من الإنصاف لهم - وهم يراهنون بالكثير في سياسة الحكومة ومصير الأمة - أن يكون تمثيلهم في البرلمان متناسبا مع ثروتهم وقد وافق على هذا الرأي معظم صغار الملاك.
أما المدن فقد تمثل فيها تنوع مريب من الأنماط الانتخابية ففي اثنتي عشرة مدينة كان التصويت من حق جميع الذكور وفي معظم المدن الباقية اقتصر على ذوي الأملاك وفي عدة مدن كان المرشحون ينتخبهم ( تكتل ) بلدي عرف بأنه ( أولجركية حضرية من المحامين والتجار والسماسرة وصانعي الجعة تحصنت في تكتل ينتخب ذاته وخولت له براءة ملكية الهيمنة وحده على أملاك المدينة ) وكان بعض هذه التكتلات يعطي صوته للمرشح أو ( المرشحين ) الذي يدفع راعيه أو (راعيهم ) أغلى ثمن وكان امتياز اختيار المرشح في بعض المدن يملكه بحكم العادة أفراد أو أسر معينة لا تسكن هناك بالضرورة.
من هذه الانتخابات المتباينة جاء أعضاء مجلس العموم البالغ عددهم (558) عضوا في سنة 1761م وكان مجلس اللوردات يضم آنئذ (224) عضو من كبار النبلاء. وكان الامتياز البرلماني يشمل (حق البرلمان في إقرار مشروعات القوانين المقدمة للتشريع وفي فرض الضرائب, وبهذا يملك ( قوة المال ) وفي الحكم على مسوغات الأشخاص الذين يطالبون بقبولهم في عضويته أن يتمتعوا بكامل حرية الكلام بما في ذلك الحصانة من العقاب على الألفاظ التي يتفوهون بها في البرلمان.
أما انقسام الأعضاء إلى محافظين tories, وأحرار whigs. فكانفي سنة 1761م قد فقد تقريبا كل دلالة وكان الانقسام الحقيقي بين المؤيدين والمعارضين للحكومة أو للوزراء أو للملك وكان المحافظون بوجه عام يحمون مصالح ملاك الأرض وكان الأحرار على استعداد بين حين وحين للنظر في رغبات طبقة رجال الأعمال وفيما خلا ذلك كان كلا من المحافظين والأحرار محافظين على السواء ولم يشرّع احد الحزبين قوانين لمصلحة الجماهير. والمشروع لا يصبح قانونا إلا إذا وافق عليه مجلسا البرلمان ووقعه الملك.
وكان الملك يملك ( الحق الملكي الخاص ) أي السلطات والامتيازات والحصانات الممنوحة له بحكم العرف والقانون البريطاني فكان له سلطات عسكرية: فهو القائد الأعلى للجيش والبحرية ويستطيع إعلان الحرب ولكنه يحتاج إلى المخصصات المالية من البرلمان ليخوضها ويستطيع التفاوض لإبرام المعاهدات وعقد الصلح وكان له بعض الحقوق التشريعية فهو يستطيع الامتناع عن الموافقة على مشروع اقره البرلمان وكان يستطيع الإضافة إلى القوانين بالتصريح أو بالأمر الصادر من مجلسه الخاص ولكنه لا يستطيع أن يشرع جريمة جديدة أو تغيير القانون العام. أما المستعمرات فيستطيع أن يشرع لها كما يشاء, وكان له أيضا سلطات تنفيذية: فله وحده أن يدعو البرلمان أو يؤجله أو يفضه وكان يعين الوزراء الذين يوجهون السياسة والإدارة.
في العقود الأولى من حكم الملك جورج الثالث (1760-1782م) كانت بعض الضجة قد اصطخبت حول مدى حق الملك في اختيار الوزراء وتقرير السياسة وقد ضيق حق الملك في التشريع ولم يكن ممكنا جعل المشاريع التي يقترحها وزراؤه على البرلمان قانونا إلا بإقناع مجلسي البرلمان كليهما بقبولها وكان هذا يتم بالمساومات السياسية أو بالوعد بالمنصب أو بالرشوة وكان بعض مال الملك يستخدم في شراء الأصوات في الانتخابات البرلمانية وبعضه لشراء الأصوات في البرلمان نفسه وفي حالات كثيرة كانت الإعتمادات التي يوافق عليها البرلمان للخدمات السرية ترد إلى البرلمان على هيئة رشاوى.
وينبغي أن نلاحظ هنا بعض التفاصيل الصغيرة للنظام البريطاني فقد فرضت الضرائب على جميع ملاك كبارا وصغارا وربما كان هذا عاملا من عوامل الاحترام الذي أبداه عامة الشعب نحو طبقة النبلاء كما أن البرلمان لم يسمح بجيش دائم وإنما سمح بمليشيات فقط وكان هذا عاملا صغيرا في ثراء بريطانيا المتفوق على أنه في زمن الحرب كانت القوات المسلحة تجند دون هوادة سواء بالتطوع أو بالإكراه.([32])
وفي رأي بلاكستون ( احد فقهاء القانون البريطاني ) في حوالي عام 1765م أن بناء بريطانيا السياسي كان خير ما سمحت به طبيعة الناس وتعليمهم في تلك الحقبة وقد استشهد بالرأي القديم القائل بأن خير أنواع الحكم هو ما جمع بين الملكية والارستقراطية والديمقراطية وقد وجد هذا كله في الدستور البريطاني يقول: ( فبما أن السلطات التنفيذية للقوانين عندنا مخولة لشخص فرد فان لها كل مزايا القوة والنجاز التي توجد في أكثر الملكيات استبدادا, وبما أن تشريع المملكة موكول إلى سلطات متميزة ثلاث مستقلة كل الاستقلال بعضها عن بعض, أولا: الملك. ثانيا: اللوردات الذين يؤلفون مجلسا ارستقراطيا من أشخاص اختيروا لتقواهم أو عراقتهم أو حكمتهم أو بسالتهم أو ثرائهم. ثالثا: مجلس العموم الذي يختاره أفراد الشعب اختيارا حرا من بينهم مما يجعله نوعا من الديمقراطية, وبما أن هذه الهيئة الكلية التي تحركها مختلف الدوافع والتي تعنى بمختلف المصالح... لها التصرف الأعلى في كل شيء فلا يمكن أن يكون هناك عمل مزعج يحاوله أي فرع من الفروع الثلاثة إلا حال دونه الفرعان الآخران لأن كل فرع مسلح بسلطة تكفي لصد أي بدعة تراها غير لائقة أو خطرة. هنا إذا تكمن سيادة الدستور البريطاني وتكمن على خير ما يمكن للمجتمع.([33])
المبحث الثاني: التطور الدستوري في القرنين التاسع عشر والعشرين:
أخذت بريطانيا في بطء تحس بمشكلاتها الضخمة الجديدة التي واجهها بها تطور الحياة في المصانع. في هذه الفترة كان ينبغي أن توجه الطبقة الحاكمة عقولها إلى تجهيز أهل المصانع الجديدة بالمدارس ووسائل الصحة العامة, وبالمنازل الصالحة وبالمدن الجيدة التخطيط وبالمتاحف والمكتبات وبالحدائق العامة وساحات الرياضة الشعبية, إلا أنه وبعد أن وضعت الحرب النابليونية أوزارها فقد عمرت عقلية الحرب سنين عديدة؛ هذه العقلية التي أشارت بالحذر, وسادها التهيب واشاعت سوء الظن وعدم الثقة, ووقفت حجر عثرة في وجه كل اهتمام نزيه ببحث حالة الأمة بحثا كاملا. بل عملت الحكومة على قمع جميع الحركات الحرة, ففي سنة 1817م عطل قانون الحرية الشخصية, كما خولت (القوانين الستة) حكام الأقاليم والقضاة الحق في سجن الأشخاص الذين توجه إليهم تهمة الحض على كراهية الحكومة, كما خولتهم سلطات جديدة لمنع عقد الاجتماعات, وتقييد حريتي الخطابة والكتابة تقييدا شديدا.
ولم تكن دائرة الحياة البرلمانية مقفلة وقتئذ, كما أنها لم تقفل في أي وقت آخر في وجه الثروات الطائلة مهما كانت طريقة كسبها, أو في وجه المواهب الرقيقة الممتازة التي يزكيها النبلاء, وعليه فعندما دعي البرلمان الأرستقراطي لأن يعالج علاجا ناجحا نظام اقتصاديا لم يكن لأي قطر آخر أية خبرة به, فإن المصانع بنظمها المشددة والمدن الصناعية الضخمة بسكانها المزدحمين, والازدياد السريع في عدد السكان, ونمو الثروات الطائلة في صناعة القطن؛ هذه كلها كانت في الواقع نذرا تنبئ بولادة عهد جديد في أساليب المعاملات البشرية؛ أساليب لم يتح للبرلمان القديم غير المصلح أن يستوعبها استيعابا تاما, إلا أنه في بطء وتأخر.
كان هناك الشيء الكثير من الشقاء غير المقصود وغير الضروري في بريطانيا خلال الأعوام التي جاءت بعد الحرب النابليونية. ذلك أن دول القارة المخربة لم تكن في حال تمكنها من شراء البضائع التي كانت بريطانيا تتوق إلى تصديرها. وبينما كانت الضرائب والرسوم في بريطانيا عالية, كانت الأجور فيها واطئة إلى درجة ضارة. أضف إلى ذلك ما يحدث من رد فعل بعد انتهاء حرب, أو عند تقدم اختراع علمي بسرعة خارقة. ولذا عمت في بريطانيا بطالة واسعة النطاق عولجت من غير فطنة وتدبر, فقانون مساعدة الفقراء الذي أسيء وقتئذ تطبيقه, فنظامه الخاص الذي شجع على منح هبات مالية خارج المنازل, وإعانة العائلات بقدر عدد أطفالها, قد شجع على الكسل خاصة في الجهات الريفية. كما رفع نظام مربك لحماية التجار ثمن الخبز للأهالي الجائعين. وأمسك بخناق التجارة الأجنبية نظام معقد للرسوم الجمركية.([34])
ولذا فكما أنه طبيعي أن يخلف الليل النهار, كذلك كان طبيعي أن ينمو التهريب نتيجة لنظام تقييد حرية التجارة, وأن تنبت من التهريب روح الخروج على القانون والعبث بالنظام. وكان القانون الجنائي البريطاني في حال يساعد على غرس روح الاستهتار والتحدي العابث للقانون إلى أن أصلحه البرلمان, فكان يحكم أحيانا على المذنب بالنفي إلى المستعمرات أو الإعدام لارتكابه ذنبا تافها كـ: سرقة بقرة أو حرق جرن أو قنص دجاجة برية في غابة بواسطة قروي دفعه يأس الجوع إلى ذلك الجرم.
أما من جهة عمال المصانع والسكان الجدد للمدن الصناعية, فقد خلقوا مشكلات جديدة بلغت حدا من التعقيد, فقد سمح بنمو مناطق فسيحة من الأحياء القذرة العفنة. في حين تمكن بعض أرباب الصناعة من جمع ثروات كبيرة في فترة وجيزة من ربوات المهاجرين السيئي التغذية الزهيدي الأجور.
وكان من بين جميع المظاهر المحزنة للحياة البريطانية في المصانع, أسوأها وأمقتها هو استغلال الأطفال الصغار استغلالا قاسيا خاليا من الرحمة, وأنه حتى حينما تحرك البرلمان أخيرا سنة 1819م وأجاز قانون امتاز بأنه أول القوانين المسماة (قوانين المصانع) لتنظيم عمل الأطفال بها, فإنه لم يفعل أكثر من تحديد ساعات عمل الأطفال باثنتي عشرة ساعة ونصف الساعة, وحضر تشغيل من يقل عمرهم عن تسع سنوات في مصانع معينة, ولكن هذا القانون المتواضع كان حبرا على ورق لقلة عدد المفتشين الذين يشرفون على تنفيذ بنوده.
ولكن رغم هذا كله, فقد كانت بريطانيا تستمتع بمزية ثمينة, ذلك أن الناس تركوا أحرار في أن يتذمروا ويرفعوا عقيرتهم بالشكوى. فكان البرلمان يجتمع والصحف تنتقد الوزراء والملك, ومحلفوا المحاكم يدينون العرش في القضايا المرفوعة أمامهم, وحتى في عام 1819م حينما بلغت الرجعية الذروة في النفوذ والبطش, نشطت معارضة برلمانية قوية صلبة لقوانين (سدموث الستة) التي كانت بغيتها تعطيل حريات الأمة.
وحددت سلسلة من القوانين - أجيز أولها سنة 1819م, وكان آخرها قانون العشر الساعات الذي أقر سنة 1847م بعد تهييج سياسي حاد - حددت هذه القوانين ساعات عمل الأطفال والغلمان دون الثامنة عشر في المصانع. وقرر المبدأ الجليل القيمة بأن واجب كل دولة صناعية يفرض عليها بأن تكفل شطرا من أوقات الفراغ لعمالها, فكانت هذه القوانين انتصارات باهرة وثمينة. وكذلك تأسست معاهد الفنون الميكانيكية العلمية بين أذكياء العمال الفنيين. وأصبح الناس في سني العشرين والثلاثين من القرن التاسع عشر يدركون أن التعليم مصدر القوة, وهو الدعامة الأساسية لحياة قومية سليمة. وفي سنة 1870م تقرر تعميم التعليم الأولي الإلزامي, وفي سنة 1891م جعل هذا التعليم بالمجان, وفي 1902م تقرر إعانة المدارس الثانوية من مال الدولة.([35])
وفي سنة 1824م صارت نقابات العمال مشروعة قانونا, وبسطت التعرفة الجمركية سنة 1824, ومنح المحتجون البروتستانت أولا, ثم الكاثوليك ثانيا حق التصويت وذلك سنة 1828, وأخيرا اجيز قانون الإصلاح سنة 1832م استجابة لطلب أغلبية كبرى من الرأي العام في البلاد, ومنحت الطبقة الوسطى حق الانتخابات, فتحرر بذلك مجلس العموم من سيطرة الطبقة الأرستقراطية, وكنتيجة طبيعية أدى هذا التغبير إلى اشاعة الديمقراطية في الحكومة المحلية, وإلى إصلاح قانون مساعدة الفقراء, وإلى إلغاء الرق, وإلى رفع القيود الجمركية عن طعام الشعب.
وفي سنة 1846م صدر أول قانون من قوانين الصحة العامة, كما الغي قانون الغلال, وما وافى عام 1848م على الانتهاء حتى كانت بريطانيا تمتلك قانونا جنائيا مصلحا, ووضعت نظاما ماليا للضرائب خفيف العبء على الفقراء, وتقرر الغاء قانون حماية التجارة, وبهذا فتحت بريطانيا أبوابها لواردات العالم أجمع.([36])
وفي سنة 1867م أعطى البرلمان للعمال الماهرين ذوي الأجور الحسنة الحق الانتخاب, وفي الأعوام (1868-1874) أعطت الحكومة بإقرار البرلمان - للبريطانيين التعليم العام الإجباري, ونظام الاقتراع السري, وفكت الأصفاد الدينية عن عنق الجامعات, وأصلحت الجيش, ووجهت الضربات الجسورة الأولى ضد المظالم التي نجمن عن سيطرت رجال الدين البروتستانت في إيرلندا, وقضت على مساوئها ومثالبها الشاذة. وفي 1884م منح الفلاحين والعمال البريطانيين حق الانتخابات.([37])
وفي سنة 1911م صدر قانون أنقصت بمقتضاه مدة العضوية في مجلس العموم من سبع سنين إلى خمس, وحرم مجلس اللوردات من سلطة رفض إقرار مشروعات القوانين المالية أو رفض أي مشروع قانون عام وافق عليه مجلس العموم ثلاث مرات في خلال دورتي انعقاد متتاليتين.([38])
إذن تقررت سرية الانتخابات حتى لا تتحكم العائلات الكبيرة في أصوات الناخبين, وأعيد تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث أصبح النائب بمجلس العموم يمثل 50000 من السكان. وفي عام 1914م تقرر مبدأ الاقتراع العام, وفي عام 1916م سمح للنساء بحق التصويت.([39])
الخاتمة:
مما سبق عرضه يتضح لنا أن:
1- التجربة الدستورية البريطانية قد تطورت بالتدريج اعتمادا على التجربة وعلى السوابق, وهذا هو مصدر رسوخها.
2- الدستور البريطاني على خلاف دساتير العالم, دستور غير مكتوب فهو عبارة عن أعراف وتقاليد راسخة تسير على هديها الحياة السياسية.
3- على الرغم من أن الدستور البريطاني كان يفوق سائر النظم في أوربا إلا أن به بعض العيوب, شأنه في ذلك شأن جميع القوانين الوضعية التي يضعها البشر.
4- يتكون البرلمان البريطاني من مجلسين: مجلس اللوردات الذي يضم نبلاء ورجال دين يعينهم الملك مدى الحياة؛ ومجلس العموم ويمثل كل الناس.
5- السلطة التنفيذية يرأسها في العادة رئيس الحزب الذي يتمتع بالأغلبية في مجلس العموم.
هذا ومن الله التوفيق
[1]- فائق طهبوب ومحمد سعيد حمدان: تاريخ العالم الحديث والمعاصر, القاهرة, 2008
[2]- ول وايريل ديورانت: قصة الحضارة – عصر الإيمان (15-16) الجزء الرابع من المجلد الرابع, ترجمة: محمد بدران, بيروت, دار الجيل, 1998, ص183-187
[3]- محمود سعيد عمران: معالم تاريخ أوروبا في العصور الوسطى, ط2, دار النهضة العربية, بيروت, د.ت, ص248
[4]- ول ديورانت, مرجع سابق, ص190-192
[5]- ول ديورانت, مرجع سابق, ص95
[6]- شوقي عطاالله الجمل وعبدالله عبدالرزاق إبراهيم: تاريخ أوروبا من النهضة حتى الحرب الباردة, القاهرة, 2000, ص68
[7]- ول ديورانت, مرجع سابق, ص196-200
[8]- ول ديورانت, مرجع سابق, ص 200-203
[9]- إبراهيم أحمد العدوي: المجتمع الأوربي في العصور الوسطى, دار المعرفة, القاهرة, 1961, ص140
[10]- ول ديورانت, مرجع سابق, ص205-206 ؛ هـ.ا.ل فشر: تاريخ أوربا العصور الوسطى – القسم الثاني, ترجمة: مصطفى زيادة والباز العريني, دار المعارف, ط3, القاهرة, 1966, ص297 ؛ نظير حسان سعداوي: تاريخ إنجلترا وحضارتها في العصور القديمة والوسطى, مكتبة النهضة المصرية, القاهرة, 1958, ص100
[11]- ول وايريل ديورانت: قصة الحضارة –النهضة – الإصلاح الديني, ج21-22, الجزء الأول من المجلد السادس, ترجمة: عبدالحميد يونس, بيروت, دار الجيل, 1998, ص56-58
[12]- كلوردلماس: تاريخ الحضارة الأوروبية, ترجمة: توفيق وهبة, بيروت, 1970, ص32
[13]- ول ديورانت, ج21-22, مرجع سابق, ص58-59
[14]- فاروق عثمان أباظة: دراسات في تاريخ أوربا الحديث والمعاصر, دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية, 1998, ص255
[15]- عبدالفتاح حسن أبو عليه وإسماعيل أحمد ياغي: تاريخ أوربا الحديث والمعاصر, ط3, دار المريخ, الرياض, 2004, ص136
[16]- عبدالحميد البطريق وعبدالعزيز نوار: التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر, دار الفكر العربي, القاهرة, 1997, ص180
[17]- نورالدين حاطوم: تاريخ عصر النهضة الأوربية, دار الفكر, سوريا, 1985, ص300
[18]- صلاح أحمد هريدي وآخرون: تاريخ أوربا الحديث, الإسكندرية, 2005, ص230-235
[19]- ول ديورانت: قصة الحضارة – الإصلاح الديني – بداية عصر العقل, ج27-28, الجزء الأول من المجلد السابع, ترجمة: محمد علي أبو درة وعلي أدهم, بيروت, دار الجيل, 1998, ص6
[20]- عبدالفتاح حسن أبو علية وإسماعيل أحمد ياغي, مرجع سابق, ص146
[21]- صادق ياسين الحلو: تاريخ أوروبا الحديث, ملزمة تدرس كمقرر لقسم التاريخ المستوى الثالث, الترم الأول, للعام الدراسي 2007/2008, اليمن, جامعة ذمار, ص17-18
[22]- ول ديورانت, ملخص قصة الحضارة, ج3, إعداد: سهيل ديب, بيروت, 2002, ص425
[23]- صادق ياسين الحلو, مرجع سابق, ص18-19
[24]- ول ديورانت: قصة الحضارة – عصر لويس الرابع عشر, ج31-32, الجزء الأول من المجلد الثامن, ترجمة: فؤاد أندراوس وعلي أدهم, بيروت, 1998, ص18
[25]- صادق ياسين الحلو, مرجع سابق, ص19 ؛ هربرت فيشر: أصول التاريخ الأوربي الحديث من النهضة الأوربية إلى الثورة الفرنسية, تعريب: زينب عصمت راشد وأحمد عبدالرحيم مصطفى, دار المعارف, القاهرة, ط3, 1970, ص294
[26]- صادق ياسين الحلو, مرجع سابق, ص19-20 ؛ روبرت بالمر: تاريخ العالم – الجزء الأول – أوربا من القرون الأولى حتى 1740, ترجمة: محمود حسين الأمين, مكتبة الوفاء, الموصل, 1964, ص269
[27]- محمد مخزوم: مدخل لدراسة التاريخ الأوروبي, دار الكتاب اللبناني – مكتبة المدرسة برقيا, كتالبان, 1983, ص220
[28]- ول ديورانت: قصة الحضارة – الإسلام والشرق الإسلامي – روسو والثورة, ج41-42, الجزء الرابع من المجلد العاشر, ترجمة: فؤاد أندراوس, دار الجيل, بيروت, 1998, ص36
[29]- ميلاد المقرحي: تاريخ أوروبا الحديث 1453-1848, دار الكتب الوطنية, بنغازي, 1996, ص170
[30]- صادق ياسين الحلو, مرجع سابق, ص20
[31]- عبدالحميد البطريق وعبدالعزيز نوار, مرجع سابق, ص212
[32]- ول ديورانت, ج41-42, مرجع سابق, ص36-41
[33]- ول ديورانت, ج41-42, مرجع سابق, ص42
[34]- هـ.ا.ل. فشر: تاريخ أوربا في العصر الحديث (1789-1950), تعريب: أحمد نجيب هاشم ووديع الضيع, دار المعارف, ط6, القاهرة, 1972, ص148-150
[35]- هـ.ا.ل. فشر: تاريخ أوربا في العصر الحديث, مرجع سابق, ص151-154
[36]- هـ.ا.ل. فشر: تاريخ أوربا في العصر الحديث, مرجع سابق, ص156-160
[37]- نفس المرجع, ص372-378
[38]- نفس المرجع, ص457
[39]- شوقي الجمل وعبدالله عبدالرزاق, مرجع سابق, ص77
انت رااااائع بجد يا استاذ عبدالوهاب بارك الله فيك يا أخي
دعوة للتبرع
التلفظ بالنذر: كنت عايز اعقب علي جواب حضرتك في اجابة السؤا ل ...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول من الاست اذة القرآ نية منيرة...
لقاء الرحمن والساعة: ارى فيه تناقض بين رجاء لقاء الله وبين الخشي ة ...
إتفاق فى الهجص: ما أسباب تطابق بعض الروا يات السني ة ...
دليل نجاحنا: منذ فترة ليست بالطو يلة وجدت هناك حملة منظمة...
more
ترحيبنا بك معروف سببه ، وهو هذه النوعية من الأبحاث الهامة التى نحتاجها فى الموقع .
أما الأسف فلأنك تأخرت سنوات عن الالتحاق بالموقع ــ موقعك أهل القرآن . أرى فيك أملا للتنوير فى المستقبل القريب ، ومن حق الموقع أن يفخر بك أيها الشاب المتألق فى بحثه.
واصل طريقك ، وننتظر منك المزيد . وجزاك رب العزة جل وعلا خيرا.