رقم ( 4 )
الفصل الأول : تأسيس التناقض بين الاسلام والمسلمين في عهد الخلفاء ( الراشدين ) (11-40هـ)(632-661م):

الفصل الأول : تأسيس التناقض بين الاسلام والمسلمين في عهد الخلفاء ( الراشدين ) (11-40هـ)(632-661م):

الخريطة العقائدية للمسلمين بين عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين

مقدمة :

مقالات متعلقة :

1 ـ بموت النبى محمد عليه السلام برزت فجأة القوى الكامنة المتمثلة فى  زعامات قريش التى أحنت رأسها مؤقتا فى أواخر حياة النبى بعد هزيمتهم فى حركة الاسترداد لمكة والتى نفهم حدوثها من سورة التوبة ، ورضيت مدة قصيرة بأن تكون من ( الطلقاء ) ، وبموته عليه السلام تحالفوا مع زعماء القرشيين المهاجرين من قبل، وأعادوا سطوة قريش بإسم الاسلام ، وهمّشوا الأنصار فى المدينة ، وتصارعوا مع الأعراب فيما يعرف بحرب الردة ، ثم أعقبتها الفتوحات ثم الحروب الأهلية أو لقبها المهذب : (الفتنة الكبرى ) والتى أدت فى النهاية الى تأسيس المُلك الأموى الاستبدادى الوراثى ، والذى أدى الى فتنة كبرى ثانية بموت يزيد بن معاوية .

2 ــ التحول للكفر بعد موت النبى ليس غريبا فى تاريخ الأنبياء . فى نبوة عيسى عليه السلام كانت المواجهة قاسية بينه وبين الكهنوت اليهودى القائم فى فلسطين، وحاولوا قتله وما قتلوه وما صلبوه ، ولكن يعتقد المسيحيون بقتله وصلبه . والمهم لدينا أن المعارضة لآخر نبى قبل خاتم النبيين كانت بهذه القسوة ، وفى التراث المسيحى أن بعض الحواريين خان المسيح وبعضهم أنكره وتبرأ منه . ثم أعقب ذلك تأليه المسيح على يد بولس . خصوم المسيح لم يكونوا قوة حربية بل كانوا خاضعين للوالى الرومى . إختلف الحال فى الصحراء العربية حيث التقاتل هو لغة التعامل بين القبائل وحيث تحترف قريش الثروة والسيطرة على الحياة الدينية للقبائل العربية . وبسيطرتها إضطهدت النبى وأصحابه وتآمروا عليه ليقتلوه ، ونجا منهم فتابعوه وأصحابه بالحروب ، وانتهى الأمر بإنتشار المعرفة بالقرآن الكريم وإقتناع القبائل العربية بعبثية عبادة الأصنام وعبثية خضوعهم لقريش التى ما أغنت عنها آلهتها شيئا ، واصبحت تجارة الشتاء والصيف القرشية فى خطر فأسرعت قريش تلحق بقطار الاسلام ، ثم نقضت العهد وانهزمت ، فركنت الى السلام ، وبذلك دخل العرب فى دين الله جل وعلا أفواجا ، أى دخلوا فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام . ولكن هذا الاسلام أو السلام الظاهرى كان يخفى تيارات داخلية تنتظر فرصة الوثوب ، وبموت النبى محمد وثبت على السطح ، فتبدد السلام ، وإشتعلت الحروب بين قريش والأعراب ، ثم كانت الفتوحات العربية القرشية .

3 ــ وهذا هو الفارق بين التحول العقيدى دون قتال الذى حدث بعد موت المسيح والتحول العنيف الذى حدث بعد موت النبى محمد . هو الفارق بين العرب المسلحين الذين يتعيشون من الغارات والسلب والنهب والسبى ثم جعلوه جهادا إسلاميا وبين بنى إسرائيل فى فلسطين الذين خضعوا لقوة حربية بيزنطية ، وإستسلموا لها ، وبموت المسيح كان التحول فى العقيدة بتأليه المسيح مع المسالمة . ثم ما لبث أن خضعوا للعرب الفاتحين . 

نعطى لمحة عن جذور هذا التحول فى حياة الصحابة الذين لا يزالون آلهة فى عقيدة معظم ( المسلمين ) .

 

 فكرة سريعة عن الخلفاء ( الراشدين )

1 ـ تكون مجتمع المدينة من الأنصار ـ وهم أهل المدينة الحقيقيون من قبيلتى الأوس والخزرج ـ والمهاجرون  من مكة وغيرها. وفى أول عهده آخى النبى محمد بين المهاجرين والأنصار. مات النبى محمد فاجتمع الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة وبحثوا فى إختيار من يخلف النبى محمدا، وكان زعيم الأنصار سعد بن عبادة هو المتحدث فى الاجتماع والمرشح باسم الأنصار لخلافة النبى. أسرع الى الاجتماع أبوبكر وعمروأبو عبيدة بن الجراح، بينما إنشغل (على) بتجهيز دفن جثمان النبى محمد. إستغل أبوبكر وعمر وأبو عبيدة التنافس القديم بين الأوس والخزرج وأعلنوا أن العرب لا يمكن أن تخضع إلا لقريش ، وانتهى الاجتماع بانتخاب أبى بكر خليفة لأنه أقدم الناس صحبة للنبى محمد.

2 ــ فى خلافة أبى بكر (11 ـ 13 هجرية ) ( 632 ـ 534 ) هزمت قريش أعراب حركة الردة المتمردة على عودة السطوة القرشية ، وبعد إخضاعهم إستغلوهم جنودا فى الفتوحات ، وهجموا على أكبر قوتين فى العالم وقتها ـ الفرس والروم ـ يفتحون أملاكهما فى العراق والشام.ومات أبو بكر أثناء الفتوحات.

3 ــ قبل موته عهد أبوبكر بالخلافة بعده الى عمر بن الخطاب الذى حكم فيما بين (634 ـ 644 ) فى عهده توطد الفتح فى الشرق الأوسط . وتميز حكمه بالحزم والعدل ( مع العرب ) وظلم أهل البلاد المفتوحة ونهب أموالهم بالجزية والخراج وسبى ذراريهم ونسائهم ، وإغتاله أبو لؤلؤة المجوسى. وقبيل موته أوصى ستة من أقدم المسلمين القرشيين المهاجرين بأن يختاروا من بينهم حاكما يخلفه ، وهم على بن أبى طالب ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبى وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف، وجعل معهم إبنه عبد الله ليقوم بالانتخاب والترجيح دون أن يكون له حق الترشيح. إجتمع الستة ولم يصلوا الى نتيجة ، أخيرا رضوا باقتراح عبد الرحمن بن عوف ، وهو أن يتولى الخلافة مؤقتا مدة أيام معدودة يستطلع فيها رأى الناس فيمن يرونه الخليفة بعد عمر فيقوم باختياره. ووضح إنقسام الرأى العام بين إختيار على أو عثمان. وفى الوقت المحدد وبتدبير من الأمويين تم إختيار عثمان ( الأموى ) بدلا من على ( الهاشمى ) .

4 ـ تولى عثمان بن عفان وحكم فيما بين ( 644 ـ 656 ) . وقد أكمل بعض الفتوحات فى الشرق ، وبسبب ضعف شخصيته سيطر عليه أهله الأمويون كما سيطرت على ثروات البلاد المفتوحة التى فتحتها قريش بسيوف أولئك الأعراب وبدمائهم ، فقامت عليه ثورة الأعراب فحاصروه فى بيته وقتلوه، وقام الثوار بتعيين (على ) خليفة.

5 ـ وحكم على بن أبى طالب خمس سنوات ( 656 ـ 661 ) كانت كلها حروبا أهلية ، انتهت بانفضاض أنصاره عنه وخروج بعضهم عليه وقتله.وكان كل ذلك لصالح معاوية بن أبى سفيان الأموى .

6 ـ وبويع الحسن خليفة بعد أبيه على بن أبى طالب ، ولكنه أدرك عجزه عن مواجهة معاوية فتنازل له عن السلطة فيما عرف بعام الجماعة ، وتولى معاوية الخلافة فحولها الى ملك قائم على القهر والتوارث العائلى.

7 ــ كيف إنتهى الأمر بالمسلمين الى أن يحكمهم الأمويون الذين كانوا أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ هذا ما نحاول توضيحه بايجاز هنا.

 

  الخريطة العقائدية للمسلمين بين عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين .

 

1 ــ أسّس عصر الخلفاء ( الراشدين ) التناقض مبكرا بين الاسلام والمسلمين فى العقيدة والشريعة ، ثم تم تأليف أديان أرضية فيما بعد تزعم الوحى الالهى لتستر عورة هذا التناقض . وهذا يستلزم تفسيرا قرآنيا تاريخيا للصحابة ، أو القوى السياسية والاجتماعية التى أحاطت بالنبى معه ، ثم استمرت فاعلة بعده. لم يكن الصحابة ملائكة وانما هم بشر ، واذا كان النبى محمد بشرا يخطىء ويصيب ويأتيه اللوم والعتاب فكيف بأصحابه؟

2 ــ نزلت سورة التوبة ( من أواخر ما نزل من القرآن ) تحوى خريطة عقيدية لأهل المدينة فى أواخر حياة النبى ، نزلت وفى مقدمتها اعلان الاهى بالبراءة أو التبرؤ من المشركين المعتدين القرشيين الذين لا يرقبون فى مؤمن عهدا ولا عقدا ، والذين أدمنوا الاعتداء ونقض العهود ، والذين أخرجوا النبى والمسلمين من قبل من مكة وألجأوهم للهجرة الى المدينة ، فلما دارت الأيام وانتصر عليهم المسلمون وفتحوا مكة وعفوا عنهم وعقدوا معهم عهودا ومواثيق فقاموا بنقض تلك العهود واستمروا فى الاعتداء. لذلك نزلت سورة التوبة أو براءة تعلن تبرؤ الله تعالى منهم ، وتعطيهم مهلة أربعة أشهرـ هى الأشهر الحرم ـ  حتى يتوبوا ويرجعوا الى المسالمة وعدم العدوان ، فإن تابوا وأصبحوا مسالمين فهم أخوة فى الدين وإلا فلا مناص من قتالهم ، ولا مناص من منعهم الدخول للبيت الحرام الذى جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا ، وجعل أمانا لكل من دخله، ولا بد فى استتباب الأمن من ردع أولئك المعتدين الذين استمروا فى الاعتداء على المسلمين فى البيت الحرام وغيره . هذا ما جاء فى الجزء الأول من سورة التوبة ( 1 : 28 ) التى لم تبدأ ببسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بسبب شدتها فى الانكار على أولئك المعتدين ، ودعوة المسلمين الى التصدى لهم.

3 ــ بالتدبر فى تلك الآيات نجدها تتحدث عن زعماء مكة القرشيين فقط .  فالتوصيف القرآنى لا ينطبق الا عليهم ، فهم أئمة الكفر، والذين بدءوا العدوان أول مرة ،وهم الذين زعموا التميز بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وهم الذين لهم مصلحة فى إفساد أمور الحج بعد أن سيطر المسلمون على مكة وتبعيتها للمدينة ودولة النبى فيها ، لذا قام أولئك القرشيون بقتال الحجاج وبقية المسلمين المسالمين فى مكة وما حولها.

4 ـ ولأن لهم قرابة داخل المؤمنين الذين هاجروا من قبل مع النبى فقد تحالف معهم بعض المؤمنين بينما تكاسل البعض الآخر عن رد عدوانهم ، ولذلك وجّه الله تعالى لوما قاسيا لأولئك المؤمنين الذين ألهاهم فرحهم بعودة العلاقات مع القرشيين من قومهم ، وانتصر داخلهم تعصبهم القبلى لقريش على انتمائهم للاسلام ، فنزل الوحى يؤنبهم ويهددهم بأن يكونوا مثلهم فى الكفر والعدوان إذا استمروا فى ممالأتهم وموالاتهم فى اعتدائهم على بقية المسلمين فى الحرم ــ بعد أن صارت على النبى مسئولية الحفاظ على الحرم وتأمين الحجيج .  ما نقوله هنا ليس سوى قراءة منهجية لمضمون الآيات الكريمة من سورة التوبة ( 1 : 28 ) وفهمها ضمن السياق القرآنى السابق عن مشركى قريش واعتداءاتهم. .

5 ـ لم يقم الرواة القدامى واللاحقون بتغطية تلك الأحداث الهائلة التى استوجبت نزول سورة التوبة بهذا الخطاب العنيف.  ومن المنتظر أن يتحرج الرواة الأوائل فى العصر العباسى الأول من أهل مكة والمدينة من ذكر ما حدث لأنه يفضح آباءهم وأجدادهم. فظلت عشرات الآيات القرآنية التى تتحدث عن المنافقين وغيرهم من أهل مكة والمدينة بدون روايات تاريخية توضح من هم بالضبط أئمة الكفر وماذا فعلوا ومتى وكيف ، ومن هم المنافقون ومن هم المروجون للاشاعات و من هم المعوقون ومن هم بطانة السوء ، ومن هم الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم إزدادوا كفرا ، ومن هم الذين كانوا يسارعون فى الكفر.. الى آخر ما حفل به القصص القرآنى عن الصحابة فى عصر النبى محمد ، وتحرج أحفادهم الرواة من التعليق عليها تاريخيا. وفى النهاية فهذا منتظر ومفهوم إنسانيا ، فمن منّا يستسيغ أن ينشر العار عن آبائه وأجداده الذين يحمل نسبهم وينتمى لهم ؟  وهذا أيضا منتظر ومفهوم عربيا ، حيث تميز العرب بحفظ الأنساب والفخر بالحسب والنسب ، ومن الطبيعى أن تتلون روايتهم للتاريخ بهذا التعصب للقبيلة والأسرة والسلف . وهذا ما حدث ، وما لبث أن تغلف بالتدين الفاسد فتحول الذين لعنهم الله تعالى ولامهم وأنّبهم وعاب عليهم الى صحابة عدول معصومين من الخطأ ، أو أنصاف آلهة. وتحول أبناؤهم التابعون لهم على نفس الطريق سلفا صالحا له حظ ونصيب من التقديس. وبالتالى ظلت آيات القرآن الكريم التى تتحدث عن المنافقين والكافرين من الصحابة  ـ تتحدث فى فراغ ، لا يعرفها معظم المسلمين. والدليل فزع المسلم العادى حين يقرأ هذا الكتاب ، مع أننا لا نقوم إلا بعرض الآيات القرآنية فقط فى سياقها الموضوعى وبمفاهيمها .

6 ــ إن منهج القصص القرآنى هو التركيز على العبرة دون اهتمام بذكر أسماء الأشخاص ، ودون تحديد الزمان والمكان ، ليظل الحدث دائرا فى مجال الوعظ فوق الزمان والمكان. ومهمة التأريخ ان يملأ تلك الفراغات بتوضيح أركان الحدث بالأسماء والمكان والزمان... و بتجاهل الرواة لما حدث بعد فتح مكة من اعتداءات قام بها زعماء قريش فإنه لا يبقى معنا الا ما جاء فى سورة التوبة ، وهو ما يجب الايمان به على كل حال ، سواء ذكر الرواة تفاصيله أم تجاهلوه.

7 ـ طبقا للقرآن الكريم فان زعماء القرشيين دخلوا الاسلام بعد عداء استمر طيلة البعثة، ثم ثاروا على النبى والمسلمين بعد فتح مكة ونقضوا العهد والميثاق مما استلزم نزول سورة براءة أو التوبة. ثم مات النبى محمد وانقطع القرآن الكريم نزولا. فهل أصبحوا بعد موت النبى محمد ملائكة أطهارا ؟ وهل نسوا حياتهم السابقة وثاراتهم ضد الاسلام والمسلمين ؟

8 ــ نحن هنا نتحدث بالتحديد عن بنى أمية الذين ما لبثوا ان دخلوا فى الاسلام مؤخرا بعد طول عداء وقتال ليحولوا دفته الى نحو ما اعتادوه من قبل من عدوان واعتداءات ، خرجت عن نطاق الجزيرة العربية لتغزو تحت راية الاسلام أمما وبلادا لم يسبق لها ان إعتدت على المسلمين . بهذا الغزو (الاستعمارى  الاستيطانى ) تأسست امبراطورية قرشية عربية ، واستوطنت قبائل العرب ما بين حدود الصين الى جنوب فرنسا ، وحكمها فيما بعد أحفاد آخر من دخل فى الاسلام، وهم ابناء الأمويين وأبناء العباسيين . 

9 ـ وفى النصف الأخير من سورة التوبة  وقبلها سور المائدة والنساءوالمنافقون والحشر والأحزاب والمجادلة  نجد حديثا مركزا عن مكائد المنافقين واتهاما لهم بالكفر ، ثم نفاجأ بأن هذا الحديث لا يشمل الا المنافقين الظاهرين الذين فضحوا أنفسهم بالتآمر. ولكن هناك صنفا من المنافقين مرد على النفاق ، كتموا كفرهم خداعا فلم يعرفهم النبى محمد لأنه لا يعرف غيب القلوب، وقد تحدث عنهم رب العزة مؤخرا فى أواخر ما نزل فى سورة التوبة متوعدا اياهم بعذاب شديد مرتين فى الدنيا ثم العذاب العظيم فى الآخرة، ومعنى ذلك انهم سيموتون على نفاقهم بدون توبة، وبينما عرض الله تعالى التوبة على المنافقين الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأعمالهم ( 4 / 145 ـ 155 ) (9 /74 ) الا ان أولئك الذين مردوا على النفاق أنبأ رب العزة باستمرارهم فى الكفر دون توبة الى حين موتهم فيما بعد. كما أخبر أن الله تعالى لن يقبل توبة فريق آخرمنهم مهما استغفر لهم النبى لأنهم لن يتوبوا و لا فائدة فيهم ( 9 / 80 ) ( 63 / 1 : 6 ). كلها اشارات ربانية الى أنهم بعد موت النبى وبعد انتهاء القرآن نزولا سيفسدون فى الأرض وهم آمنون من نزول القرآن يكشف مكائدهم كما كان يحدث من قبل .

10 ــ الى جانب المنافقين الظاهرين والسريّين كان من الصحابة فى المدينة من تآمر وخان النبى ( 4 / 80 ـ & 105 ـ ) وكان منهم المعوقون والمرجفون فى المدينة والذين فى قلوبهم مرض والذين يؤذون الله تعالى ورسوله (33 / 18 ـ ، 53 ،57 ، 60 ـ ) ( 9 / 61)،  ومنهم مؤمنون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ومنهم من تأرجح موقفه وأمره مؤجل الى الله تعالى هل سيكون من أهل الجنة أم من أهل النار . ولكن كان منهم أيضا من كان سابقا بايمانه وسلوكه . وهؤلاء السابقون بتقواهم هم الذين لا يريدون عُلوّا فى الأرض ولا فسادا ( 28 / 83  ) وبذلك لم يسجلهم التاريخ الذى يحلو له أن ينام فى أحضان الطُّغاة سفّاكى الدماء من الخلفاء والسلاطين . 

11 ــ فاذا خرجنا الى المنطقة المحيطة بالمدينة وما حولها من صحراء وجدنا الأعراب ، منهم من كان أشد الناس كفرا ونفاقا ، ومنهم مؤمنون صادقو الايمان ( 9 / 97ـ )، وبعض الأعراب كان أشد عداء للمؤمنين من غيرهم ، وكانوا يتربصون بالمدينة ينتهزون فرصة للاغارة السريعة عليها فأنزل الله تعالى كيفية التعامل مع من يزعم منهم الاسلام ويأتى الى المدينة نهارا يتعرف على مواطن الضعف ويتصل بالمنافقين  ثم يهاجم المسلمين ليلا ، ففرض الله جل وعلا عليهم الهجرة والاستقرار فى المدينة وأن ينعموا بحريتهم الدينية والسياسية بدون رفع السلاح شأن بقية المنافقين ( 4 / 88 : 91 ) . وقبيل موت النبى كان هناك أعراب على حواف المدينة يتحينون فرص الإارة عليها فأمر الله جل وعلا رسوله والمؤمنين أن يكونوا على استعداد لمواجهتهم بكل حزم اذا أغاروا على المدينة ( 9 /123 ).

12 ــ مكائد المنافقين المقيمين فى المدينة كانت تحت السيطرة حيث يعيشون فى ظل شريعة القرآن التى كفلت لهم الحرية المطلقة فى القول والفعل طالما لا تحمل السلاح. واكتفى منافقو المدينة بتلك الحرية القولية والفعلية،وخافوا من الحركة الحربية ضد دولة النبى محمد عليه السلام لأنهم أقلية لا تستغنى عن الأهل والوطن، ثم أن من طبيعة النفاق الحذر والتوجس وعدم الثقة فى بعضهم البعض وفى غيرهم من المشركين. لذلك لم يكونوا حلفاء صادقين مع أحد من المشركين المعتدين خارج المدينة ، كما لم يستطيعوا تكوين حزب متماسك . وقد وصف القرآن الكريم هلعهم وخوفهم من المؤمنين ولجوءهم للحلف كذبا بعد كل مكيدة يقومون بها أو بعد كل تخلف عن واجب يتعين عليهم فعله. ( 9 / 56 : 57 ،62 ، 74 ، 94 : 96 ) ( 63 / 2 )

13 ــ خطورة الأعراب الصحراويين المنافقين تتجلى فى أنهم لم يكونوا تحت السيطرة ، كانوا يدخلون المدينة جهارا على أنهم مسلمون ، وهم فى حقيقتهم أشد الناس كفرا ونفاقا ، ومكّنهم هذا من التعرف على خفايا المسلمين والتجسس عليهم لصالح الكفار المعتدين ، أو كانوا يتحالفون معهم للهجوم على المؤمنين . لذلك نزل تشريع بتخييرهم بين المواجهة الحربية اذا استمروا على عدوانهم، أو أن يهاجروا الى المدينة ويعيشوا فيها إذا كانوا مسلمين فعلا أو ظاهريا ليتمتعوا بالأمن وليضمن المسلمون تمسكهم بالسلم ( 9 /73) ( 66 /  9) ( 4 / 88 : 91 ).وفعلا فإنه بعد موت النبى محمد كان أسرع الناس بالردة هم أولئك الأعراب المنافقون المحيطون بالمدينة والذين بادروا بالهجوم عليها.

14 ــ بالتعبير الأصولى فى الدين السّنى فكلهم صحابة ، لأن الصحابى هو كل من أدرك النبى محمدا ولقيه وأسلم بغض النظر عن مواقفه من الاسلام والمسلمين.وهكذا يتنوع الصحابة وفق مواقفهم التى تنطلق من عقيدتهم مع أو ضد الاسلام.منهم مثلا من رضى الله تعالى عنهم من أصحاب البيعة عند الشجرة ومنهم الانتهازيون طالبو المغانم فقط ( 48 / 18 ـ ، 10 ـ ).

وفى النهاية فالصحابة المؤمنون الذين أحاطوا بالنبى محمد، من حيث المظهر تراهم ركعا سجدا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود، ولكن من حيث القلوب فقد وعد الله تعالى المؤمنين منهم فقط بالجنة( 48 / 29 ).أى ليسوا كلهم من أهل الجنة .

كانت هذه ملامح الخريطة الاعتقادية القلبية للصحابة فى عهد النبى وقت نزول القرآن الكريم.

أخطر  طوائف الصحابة :

*القرشيون المكيون ( الطلقاء ) وزعماؤهم الأمويون:

1 ــ كل منهم أمضى معظم حياته فى العداء للاسلام ثم دخل فيه متأخرا ليحقق استفادة منه فى الوقت المناسب ، وجاءه الوقت المناسب بعد موت محمد عليه السلام . هم فى حقيقة الأمر لم يعايشوا النبى محمدا أو الاسلام سوى فترة قصيرة من الزمن لا تصمد أمام عداء مستحكم ساروا فيه قبل اسلامهم ، وبالطبع لن يتخلوا عنه بعد اسلامهم الظاهرى فى عهد النبى ، ولا بد أن يؤثر فى سلوكياتهم بعد موت النبى محمد ، خصوصا وان قلوبهم كانت لا تزال تحمل الثأر للنبى محمد وآله الهاشميين لما قتلوه من شيوخهم فى بدر، ولما ألحقه بهم الاسلام عموما حين سوّى بينهم وبين عبيدهم السابقين الذين سبقوهم فى الاسلام ، وصارت لهم بالسبق فى الاسلام مكانة عالية تنغص قلوب السادة السابقين لقريش.

2 ــ الدليل على هذا أن أولئك القرشيين اضطهدوا عمار بن ياسر و ابن مسعود وغيرهم مرتين ، الأولى حين كانوا فى مكة مستضعفين فى بداية البعثة النبوية ، والثانية فى خلافة عثمان الأموى الذى سيطر عليه آله الأمويون ، فاعترض عمار وابن مسعود وغيرهما فتعرضوا لاضطهاد عثمان ، بضغط من آله الأمويين ، الذين لم ينسوا ثأرهم وحقدهم على الأوضاع الجديدة التى جاء بها الاسلام ، وعزموا على تغييرها ، أو إعادة الأمور الى نصابها وفق عقليتهم ، وهذا ما تحقق لهم أولا فى خلافة عثمان ، ثم حين صاروا ملوكا يحكمون معظم العالم المعروف فى العصر الأموى.

* أعراب منافقون انتهازيون

وهؤلاء لا يمكنهم العيش بدون سلب ونهب وإغارة على الآخرين ، ولا يمكن إخضاعهم لدولة مركزية إلا بالشدة والحزم .

 *مجموعات معروفة من منافقى أهل المدينة

فضحهم القرآن الكريم، ثم تنفسوا الصعداء بانتهاء القرآن نزولا وموت النبى محمد ، وكانوا ـ حسب وصف القرآن ـ يكرهونه ويكرهون المسلمين أشد الكراهية ( 3 / 118 : 121 ) ومنهم من كان يدخلون عليه يقدمون له فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يكذبون عليه ويتآمرون عليه( 4 / 81) أو يتندرون به ( 47 / 16 ، 26 ـ)

 * مجموعات من ضعاف الايمان وصفهم الله تعالى بأنهم خونة وآكلو ربا هددهم الله تعالى باعلان الحرب عليهم ،ومنهم المتقاعسون عن الجهاد وعن الهجرة والمعوقون عن الدفاع عن المدينة والمرجفون بالاشاعات فى المدينة ومن كان فى قلبه مرض ويتطفل على بيوت النبى ويتحرش جنسيا بنساء المسلمين ، ومنهم الذين سارعوا فى الكفر أو الى طاعة أهل الكفر ، والذين كانوا سماعين للمنافقين وأتباعا لهم ، وأولئك الذين يحبون المنافقين بينما يبادلهم المنافقون كراهية وبغضا وغيظا.( 2 / 278 ـ ) (3 / 100 ـ 118 ـ ، 130  ، 176 ، 179 ـ ) (4 /77 ـ ، 88 ،95 :97 ، 105 ـ ،140 ، 144 ) ( 8 / 20: 27 ، 45 ـ ) ( 9 /13ـ ، 23ـ ،38 ـ ،47 ،) (33 / 18 ـ ،32، 53 ـ ، 59 ، 60ـ 69 ـ ) وهى مجرد أمثلة.

* ثم هناك أخطر عدو للاسلام والمسلمين :

وهم تلك الطائفة المجهولة التى مردت على النفاق ، أى جماعات سرية لم يصفها الله تعالى بأنهم أنصار أو مهاجرون ، وانما كانوا فقط من أهل المدينة  ليشمل الوصف المهاجرين والأنصار معا. وتمعن قوله تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) 9 /101 ) أى عاشوا فى المدينة أو وفدوا اليها ولم يفارقوها حتى بعد انتهاء القرآن نزولا وموت النبى محمد عليه السلام. كانوا معه عليه السلام ولم يعرف نفاقهم ، واستمروا بعده فى المدينة آمنين من نزول القرآن يكشف عداءهم. وبالتالى لا بد أن يتحركوا ضد الاسلام والمسلمين فى أمن من انكشاف مكائدهم ، بل قد كان لديهم رصيد من الثقة حيث عاشوا الى جانب النبى وهو آمن لهم  مطمئن لتقواهم حيث لم يكشفهم الوحى ، ولم تكشفهم أحقادهم وأعمالهم. ولذلك استمروا فى نفاقهم وطوروه الى تأسيس هذا التناقض بين الاسلام و ( المسلمين ) فيما يعرف بالفتوحات القرشية والتى آلت ثمارها الى بنى أمية فى النهاية .وليس لدينا سوى التاريخ المعروف نتعرف عليهم ، فهم كانوا الأقرب للنبى فى حياته ، وهم الذين حكموا بعد وفاته . عن كبار الصحابة المهاجرين نتكلم خصوصا أبا بكر وعمر وعثمان . أو صحابة الفتوحات . هؤلاء هم الذين مردوا على النفاق وخدعوا النبى طيلة حياته ، ثم كانوا مطية لأبى سفيان زعيم الأمويين . 

 

أثر صراع الأعراب وقريش فى تأسيس التناقض بين الاسلام والمسلمين فى عصر الخلفاء ( الراشدين)

مقدمة :

 الدور السرى لتلك القوى الكامنة والمتربصة فى تشكيل سياسة الخلفاء الراشدين

وأثره فى التمهيد لإنشاء أديان أرضية للمسلمين تخالف الاسلام

1 ـ مع انقطاع الوحى فان غياب النبى محمد بالموت أظهر الكثير من القوى المعارضة التى كانت كامنة متربصة، خصوصا من الأمويين والمنافقين والذين أمر الله تعالى من قبل بجهادهم معا( 9 / 73) ( 66 / 9 ). وعليه فاذا كانت خريطة العقيدة القلبية للصحابة بهذا الشكل الذى تردد فى القرآن فى عهد النبى محمد عليه السلام فان الوضع تعقد وازداد سوءا بعد موت النبى محمد وانتهاء القرآن نزولا وأمن المنافقين من نزول الوحى يفضحهم ويُعرّيهم أمام الناس.

2 ـ  والعجيب أنه مع تلك النبرة العالية فى هجوم القرآن الكريم على المنافقين فى اواخر ما نزل من القرآن الكريم ،الا أن الحديث عنهم انقطع تماما بعد موت النبى محمد وتمام القرآن الكريم نزولا . فهل قدم النفاق استقالته؟ وهل تحول المنافقون فجأة الى ملائكة أطهار؟. بالطبع لا ، فما حدث من اعتداءات حربية على الأمم الأخرى وحروب أهلية دليل على أن تلك القوى الكامنة المتربصة قد ظهرت فجأة بعد موت النبى وحوّلت دفة المجتمع الى طريق يناقض الاسلام ، وهو نفس الطريق الذى اتبعته تلك القوى من قبل داخل الجزيرة العربية من تقاتل وغارات وسبى ونهب ، تزعمتها قريش ، والذى من أجله كرهت الاسلام ، وكرهت ما أنزل الله تعالى حسبما وصف القرآن ( 47 / 9 ، 16 ، 26 ـ ).

3 ـ ولكن أُتيح لها فى عصر الخلفاء أن تمتد بالغزو الى الخارج فى عصر ضعفت فيه القوتان العُظميان بسبب تناحرهما ودخولهما معا فى عهد الترف والخلل مما سبّب سقوط إحداهما بالكامل ( الامبراطورية الفارسية الكسروية ) وإقتطاع أهم أجزاء من الامبراطورية البيزنطية . كان هذا فى وقت قياسى ، هاجمت فيه قريش بأعرابها هاتين الامبراطوريتين العُظميين فى نفس الوقت ، فكان تغييرا هائلا فى تاريخ العالم إستمر بعده . أى إن هذه القوى لعبت دورا قياديا اسهم فى تشكيل السياسة الخارجية لدولة الخلفاء ( الراشدين )  فأحدثت انقلابا فى التاريخ العالمى بالفتوحات العربية وتكوين الامبراطورية العربية المنسوبة للاسلام وأدت فى نفس الوقت الى تفريغ الاسلام من حقائقه الكبرى فى السلم و العدل وعدم الاكراه فى الدين.

4 ــ قريش بقيادة أبى بكر بدأت بفرض سيطرتها على الأعراب بإلزامهم بدفع ( الزكاة ) ، ولم يكن هذا مألوفا أو مشروعا فى عهد النبى محمد عليه السلام . فدفع الصدقة لا إلزام فيه إسلاميا ، إنما هو عمل من أعمال الصالحات التطوعى ، والدعوة القرآنية فيه تأتى بصيغة عالية التأثير ، ترغيبا : مثل قوله جل وعلا الذى تكرر فى سور البقرة والحديد والتغابن والمزمل : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً )، وترهيبا كقوله جل وعلا : (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ).وفى كل الأحوال فهو تعامل خاص بين المؤمن وربه حين يرجو هذا المؤمن اليوم الآخر.

المنافقون الذين لا يرجون اليوم الآخر تثاقلوا عن التبرع فى المجهود الحربى فكان عقابهم بمنع النبى من أن يأخذ منهم تبرعاتهم ، قال جل وعلا :( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة )، وهو نفس الموقف حين تقاعسوا عن الخروج للقتال الدفاعى عن المدينة ، كان عقابهم هو منعهم مستقبلا من شرف القتال التطوعى فى سبيل الله ، ومنع النبى من الصلاة على قبورهم وتأبينهم، قال جل وعلا :( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة ).

5 ــ المدينة كانت بالنسبة للأعراب الكافرين المعتدين هدفا ثابتا ، يسهل هجومهم عليه من الصحراء المحيطة بها من كل الجهات ، لذا كانت حماية المدينة تستلزم وجود عيون للنبى من المؤمنين فى الخارج تحذّر من تلك الغارات ، وعندها كان يتم إرسال قوات حربية لمقاتلة المعتدى فى زحفه نحو المدينة حتى لا يفاجئها بالغارة او بالحصار . وتقاعس المنافقون عن ( الخروج ) لهذا القتال .  وتوزعت قبائل من الأعراب المنافقين والكفار المعتدين بالقرب من المدينة تتحين فرصة الغارة عليها ، ونزل الأمر بقتالهم فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة ). وكان مُرهقا الخروج لملاقاتهم بجميع الجيش ، فكان الحلّ الأمثل هو خروج فرقة إستطلاعية تستكشف الأمر وتتيقن من صحة الإخباريات الواردة ، وجاء هذا فى قوله جل وعلا :( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة).

6 ــ بعدها دخل الأعراب وقريش وبقية عرب الجزيرة وأهل الكتاب فيها فى الاسلام بمعنى السلام أفواجا قبيل موت البنى محمد عليه السلام . وعرفت الجزيرة العربية هُدنة مؤقتة ، مالبث أن أنهتها قريش حين إستفزّت الأعراب وأمرتهم بدفع الصدقة نوعا من فرض السّلطة والابتزاز ، فكان لا بد أن تشتعل الحرب .وعليه ، فالأعراب الذين حول المدينة ارتدوا ، وحتى من كان منافقا منهم انتقل من النفاق الى اعلان الكفر والهجوم على المدينة، وانتقل الشّغب الى بقية القبائل فاشتعلت حرب الردة فى معظم الجزيرة العربية.

7 ـ كانت قريش الأمويين ( الطُّلقاء ) أكبر المستفيدين من نشوب حركة الردّة ، وهم الذين دقُّوا إسفينها ، إذ أعطى هجوم المرتدين الفرصة للقوى القرشية الكامنة فرصة التحرك والقيادة ، فكان قادة المسلمين فى مواجهة حركة الردة من القرشيين الذين أسلموا حديثا.

8 ـ نجحت قريش فى إخضاع الأعراب وإرجاعهم الى بيت الطاعة القرشى  ، وقام أولئك القادة القرشيون الجدد بعقد الصلح مع المرتدين بعد هزيمتهم ، واتفقوا على توجيه حركتهم الحربية معا ضد الخارج بزعم نشر الاسلام.

9 ـ  ومع إفتراض حُسن النية لدى قادة الصحابة المهاجرين السابقين فى الهجرة  كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى فقد أصبحوا أقلية فى الوضع الجديد ، وليس لهم طاقة بمواجهة قريش والأعراب المرتدين سابقا والمتحمسين للجهاد فى الخارج حاليا. ثم إن توجيه قوة الأعراب الحربية الى الخارج هو الحل الأمثل للتخلص من  متاعبهم وحياتهم القائمة على الغارات والسلب والنهب. إذ كان إخضاعهم وهزيمتهم غاية فى الصعوبة ، ومن الممكن عودتهم للثورة وليس مضمونا هزيمتهم ثانيا . وهذا الوضع الجديد أتاح لأولئك الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة أن يلعبوا دورا لا شك فيه فى قبول الحل الجديد، أى الفتوحات الخارجية.

10 ـ  هذه الفتوحات الخارجية كانت بمقياس القرآن الكريم ردة حقيقية عن الاسلام وتشويها لشريعته وجهاده. وهذه الفتوحات أدت الى خلاف حول توزيع الغنائم ، وتحول الخلاف الى حرب أهلية ، وانقساما بين المسلمين لا يزال قائما ومستعصيا على الحل، وتحول هذا الانقسام الى أديان أرضية للمسلمين تحت مصطلحات السنة والشيعة ، ثم التصوف فيما بعد.

11 ـ  المؤسف أن القرآن الكريم كان ولا يزال يحذر من وقوع المسلمين فى التفرق فى الدين ويجعله مظهرا أساسيا من مظاهر الكفر العقيدى والكفر السلوكى. ( 30 /31 32) ( 3 / 19 ـ ، 103 ، 105) ( 6 / 153 ، 159 ). هذا التفرق فى الدين أنشأ أديانا أرضية للمسلمين لا تزال هى السائدة باسم الاسلام ، والتى تسىء اليه وتتناقض معه فى نفس الوقت.

12 ــ فى تفرق المسلمين  ـ وتحولهم الى أديان أرضية أو الى طوائف وملل ونحل ـ يتمثل الكفر العقيدى فى تقديس كل طائفة لأئمتها و اعتبار كتبهم وحيا الاهيا. كما يتمثل الكفر السلوكى فى اعتداء المسلمين ظلما وعدوانا على شعوب لم تحاربهم واحتلال أراضيهم واسترقاق بنيهم ، ثم حرب المسلمين فيما بينهم طلبا لحطام دنيوى. بهذا الانقسام السياسى  والدينى والصراع الحربى مع الآخرين وداخل المسلمين اتسعت الفجوة بين الاسلام والمسلمين لتصبح تناقضا أساسيا. وبدأ هذا مبكرا فى عصر الخلفاء ( الراشدين ).!!

13 ـ  الخلفاء الراشدون الاربعة( أبو بكر ـ عمر ـ عثمان ـ على ) كانوا ـ كأشخاص ـ اقل شرا ممن جاء بعدهم من الخلفاء الأمويين والعباسيين ، خصوصا وأن أولئك ( الراشدين ) لم يتوارثوا الحكم ، لذلك أطلق عليهم المؤرخون لقب الخلفاء الراشدين تمييزا لهم عن الخلفاء الاخرين (غير الراشدين )المستبدبن المفسدين . وحين ظهر عمر بن عبد العزيز ظاهرة نادرة في الدولة الاموية المستبدة الجائرة الحقوه بالراشدين مع مرور حوالي نصف قرن بينه وبينهم . 

14 ـ التطور الجديد يكمن فى التيارات السياسية تحت السطح وفوقه والتى فرضت نفسها على الأحداث وشكلت أهم ملامح هذا العصر ، وهى حركات كبرى ثلاث : الردة و الفتوحات و الفتنة الكبرى أو الحرب الأهلية بين الصحابة.  وتلك الحركات الثلاث هى التى حوّلت المسلمين مبكرا الى فرق سياسية ثم الى  تفرق فى الدين لم يكن موجودا بين المسلمين فى عصر النبوة .

 نعيد التأكيد :

1 ـ كان الاعراب يقتتلون فيما بينهم فى إغارات مستمرة ، بينما يتركون قوافل قريش فى رحلتى الشتاء والصيف تتمتع بالأمن حيث ضمنت قريش سكوت قبائل الأعراب عن طريق إحتفاظها بصنم لكل قبيلة فى الحرم المكى ، وحيث كانت قريش تسيطر على الحج الذى يفد اليه العرب من كل فج عميق. وهكذا عاش الأعراب فى جوع  وإنعدام للأمن بينما نعمت قريش بالأمن والرخاء بسبب الايلاف ( سورة قريش ) (29 / 67 ) ( 28 / 57 ).

2 ـ بظهورالاسلام حاربته قريش وقادتها من الأمويين ، وعلى هامش الصراع بين المسلمين والقرشيين أسلم بعض الأعراب ، وثار جدل حول عبادة الأصنام ، ومدى ربح تجارة قريش ببيع هذه  الأوهام ، واستغلالها للعرب فى الحج. وحتى من ظل على كفره من الأعراب أدرك كيف إستغلته قريش ، وادرك عجز آلهة قريش عن حمايتها. ورأى أن مصلحته فى التحرر من النفوذ القرشى. والكهنوت فى كل وقت يتعّيش على جهل الناس ، ولذلك يعادى التنوير ويكره النقاش فى الثوابت وما وجدنا عليه آباءنا.

3 ـ أدى ظهور الاسلام وانتشاره سلميا الى تعرية قريش وانهيار سطوتها المعنوية ، فقام الأعراب بتهديد القوافل القريشية في رحلتي الشتاء والصيف. وأخيرا رأت أغلبية قريش أن مصلحتهم التي كانت تحتم عليهم محاربة المسلمين تستوجب عليهم الآن الدخول في الاسلام ،وهكذا كان فتح مكه سلميا بعد فترة الهدنة .

4 ــ و طبقا لما جاء فى سورة التوبة فقد ثار أئمة الكفر من القرشيين بعدها فى مكة وتم إخضاعهم وعادت مكة وقريش الى تبعية دولة النبى محمد قبيل موته، حيث حكمت قريش نفسها بنفسها وكذلك الاعراب .وكانت الزكاة تؤخذ منهم لتوزع فيهم دون قسر او اكراه .لأن تشريع الزكاة يمنع اخذ الزكاة عنوة ،بل ان الله تعالي منع النبى من اخذ الصدقات من المنافقين لأنهم كانوا يقدمونها كارهين بدون طيب خاطر (9 / 54) والتغيرالجديد الذي نعم به الاعراب هو المساواة والعدل بلا تفوق للقرشيين كالذي كان ،وذلك طبقا للقاعدة القرآنية فى المساواة بين البشر جميعا لأنهم أبناء لأب واحد وأم واحدة ، وأنه خلقهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتقاتلوا.( 49 / 13). اضاعت قريش تشريعات الاسلام الأخلاقية وأضاعت قيم الاسلام فى العدل والسلام والحرية والاحسان ، فتسببت فى إشعال حرب الردة ثم قادت الفتوحات .

5 ـالقوة الفاعلة المؤثرة تحت السطح كانت قريش ( الطُّلقاء) من الأمويين وغيرهم . الرئاسة الشكلية الفوقية كانت لأبى بكر وعمر وعثمان ثم علىّ . لذا كان سهلا أن تُصبح تلك الرئاسات الشكلية مجرد تمهيد لحكم قريش ( الُطّلقاء ) الأمويين . منعت قريش الطُّلقاء من توارث للحكم فى ذرية أبى بكر وعمر وحتى عثمان الأموى . وكات تعيين (على ) فى الخلافة رغما عنهم وبقوة خصومهم الأعراب ، لذا ثاروا ضده لأنّ وصول (على ) للخلافة يعنى توارثها فى ذريته ، وهذا ما ترفضه قريش الأمويين ، لأنهم خططوا للوصول للحكم ثم توارثه . وهذا ما نجحوا فيه ، وتم هذا عبر حرب الردة ثم الفتوحات ثم إدخال الصحابة فى الفتنة الكبرى. بعدها حكم الأمويون .

 

من الردة الى الفتوحات الى الحرب الأهلية فى لمحة سريعة

 

 حركة الردة

وبمرض النبي ثم وفاته وتولى أبى بكر الخلافة وعودة النفوذ القرشى للظهور إمتعض الأعراب

من الاتحاد الجديد بين المهاجرين القرشيين السابقين فى الاسلام و القرشيين الداخلين فى الاسلام حديثا ، وفهموا أن هذا الاتحاد القرشى سيكون على حسابهم فى ظل الوضع الجديد.

فى وقت مرض النبى محمد الأخير أراد أعراب نجد مسبقا تأكيد وضعهم في مرحلة ما بعد النبي، ولأنهم فهموا النبوة امتيازا قرشيا فقد تحولت معارضتهم السياسية الي إدعاء دين جديد اقترنت فيه حرب الردة السياسية بادعاءات مضحكة للنبوة والوحى قام بها مسيلمة الكذاب في وادي حنيفة (مقر الدعوة الوهابية فيمابعد) وهو الذى كتب رسالة الى النبى محمد وهو فى مرض الموت يقول له فيها: (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك ، فإني قد أشركت في الأمر معك،وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون ) (تاريخ الطبرى 3 : 146). وبعد موته عليه السلام ثارت حركات أخرى للردة منها حركة طلحة الاسدي من قبائل اسد وطئ .وربما كان الأعراب حول المدينة أسرع من بدأ حرب الردة ، وجاء فى روايات التاريخ أن المرتدين بدءوا بالهجوم على المدينة ، فقام أبو بكر بتنظيم الدفاع عنها ،   (تاريخ ابن كثير ط .بيروت 6/312:311) . وفهم الأمويون وسادة قريش حركة الأعراب على أنها  ثورة على السيادة القرشية فكانوا قادة المسلمين فى مواجهة حركة الردة.

وادت حركة الردة الي تطورات داخلية فى نظام حكم الدولة فى المدينة كما أدى تطورات عالمية بالفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام.

  حركة الردة أدت الى الفتوحات :

فالتهديد الذي واجهه المسلمون في حركة الردة فى مرض النبى وبعد موته مباشرة أعطى قريش  وضعا استثنائيا يستوجب احكاما عرفية ، فكان سهلا تعيين قائد حربي ثم بيعته بالقتال مثل ما تم سابقا من مبايعة المسلمين للنبى تحت الشجرة. وفي هذه الظروف الاستثنائية جرت بيعة السقيفة لاختيار قائد يخلف النبى محمدا ، يكون ( خليفة ) له.وفي بيعة السقيفة ها تكتل القرشيون ضد الأنصار أصحاب البلد الأصليين ،وتم نفي زعيمهم سعد بن معاذ وقتله فيما بعد. (الطبقات الكبري لابن سعد ت  (222)هـ. 3/145. القاهرة دارالتحرير1968)

 ووافق الامويون قادة قريش المكيون علي بيعة ابو بكر خليفة دون علي ابن عم النبى محمد ، وعلى هو الأقرب لديهم إذ أنهم جميعا أحفاد عبد مناف ، ولكن الأمويين والقرشيين المكيين كانوا يبغضون عليا فهو الذى قتل زعماءهم  فى بدر، كما أن عليا بإعتبارات شتى كان الأحق  بالحكم السياسى طالما إختاروا قائدا سياسيا وعسكريا ، ولكنه أضاع فرصته خوف الأمويين وزعماء قريش من أن وصوله للحكم فسيظل فيه وفى ذريته من دونهم .

والواضح طبعا أن الأمر هنا لم يعد إختيار مجرد قائد حربى يبايعونه على القتال الدفاعى ولكنه أصبح أمر سياسة وحكم لحاكم يتولى السلطة مدى الحياة وفق الثقافة السائدة فى العصور الوسطى. وإن كان الأمر هنا فى عصر الخلفاء الراشدين لم يتحول بعد الى الاستبداد الكامل وتوارث الملك فى أسرة واحدة كما فعل معاوية فيما بعد حين أقام دولته الأموية. .

وليرد الجميل لأصحابه و حلفائه قام الخليفة الجديد أبوبكر بتعيين الشاب الصغير يزيد بن ابي سفيان الأموى قائدا في حروب الردة، وتدعم هذا الاتفاق فيما بعد فى عصر عمر حين جعل يزيد بن أبى سفيان مع اخيه معاوية حكاما على الشام بعد فتحه ، ثم بعد موت يزيد بن أبى سفيان  ضم عمر كل الشام الى معاوية. وظل معاوية أميرا على الشام لم يعزله  عمر بينما عزل آخرين ، مما أعطى لمعاوية الفرصة لأن يمهد الأمر لاقامة الدولة الأموية بعد ان ظل أميرا على الشام طيلة عشرين عاما. والشام هو الحُبُّ الأكبر لأبى سفيان والأمويين ، فهم كانوا قادة رحلتى الشتاء والصيف بين الشام واليمن ، وهم اصحاب حلف مع قبائل (كلب ) اليمنية التى كانت تسيطر على الطرق التجارية فى جنوب الشام واليه . من هنا كان توجيه الفتوحات نحو الشام والعراق معا لضمان السيطرة على التجارة ( الشرقية ) . أى إذا كان الأعراب قد هددوا قوافل قريش وجعلوها تضطر للدخول فى الاسلام لتعيد تسيير قوافلها فإن قريش إستعملت نفس الأعراب لفتح الشام والعراق للسيطرة الكاملة على التجارة الشرقية عبر البحر المتوسط والخليج .

 

ونعود الى خلافة ابى بكر ، وقد استطاعت قريش فى مكة والمدينة اخماد حركة الردة ،و حتي لا يعود الاعراب الي الردة ثانية وحياتهم تقوم علي السلب والنهب والتقاتل فقد قامت قريش بتصدير شوكة الاعراب الحربية الي خارج الجزيرة العربية في الفتوحات . وبهذا تم إسكات الأعراب ، وتم التحالف بينهم وبين قريش ، ورضى الأعراب ـ المرتدين الثائرين سابقا على سيادة قريش ـ أن يكونوا جندا تحت قيادة أمراء من قادة قريش الجدد ، خصوصا الأمويين. .

استمرت الظروف الاستثنائية الحربية، ومات ابو بكر ميتة غامضة ، واضح منها أنه كان مجرد جملة إعتراضية فى تخطيط بعيد المدى فتم اختيار عمر بسرعة غريبة وبنفس ظروف البيعة . واثناء استمرار الفتوحات اغتيل عمر واختير عثمان بن عفان الأموى خليفة بنفس البيعة ليحقق أكبر أمل للأمويين فى التحكم فى الدولة الجديدة من خلال ابن عمهم الأموى ضعيف الشخصية . وكان الرأى العام مع إختيار على بن أبى طالب ولكنه يحظى بكراهية الأمويين و المنافقين . وحينما فرضت الظروف تعيين على  خليفة بعد الثورة على عثمان ومقتله فإن تلك القوى الجديدة من الأمويين و المنافقين وقفت ضده وحاربته .

 

 أربع تطورات خطيرة أتت بها حركتا الردة والفتوحات

 

تلك القوى الجديدة أدخلت المسلمين فى أربع تطورات خطيرة تناقض الاسلام:

الاول :تعيين حاكم مستمر طيلة العمر تحيط به دائرة مستشارين عرفوا فيما بعد بأهل الحل والعقد. وليس فى الديمقراطية الاسلامية المباشرة تعيين حاكم طيلة العمر. وبعد ان كانت البيعة تعني مبايعة القائد علي القتال دفاعا عن النفس اصبحت تعني المبايعة بالطاعة لحاكم يظل يحكم مستبدا طول العمر.

والثاني تحول الجهاد من القتال الدفاعي وفق شرع الاسلام الي اعتداء  وتوسع حربي وإستيطان في البلاد المجاورة ،بعد تخييرها او بالاصح -ارغامها علي قبول واحد من ثلاث :الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب .وبالتالي ضاعت القاعدة الاساسية القرآنية (لا اكراه في الدين )(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا  يحب المعتدين ) (2 /  256/190).

أقنع الأمويون جحافل الأعراب بفكرة نشر الاسلام بالسيف وجعلوه جهادا، والأعراب قامت معيشتهم على السلب والنهب ، وجاء التسويغ الدينى للسلب والنهب باسم الاسلام والجهاد ملائما لهواهم  فاقتنعوا بأنهم فائزون إما بالنصر والغنائم وإما بالشهادة والجنة ، فحاربوا باخلاص وأنجزوا أكبر نصر عالمى فى العصور الوسطى حين هزموا أكبر قوتين فى العالم وقتها. وكسبت قريش بسيوفهم أعظم خزائن العالم وقتها ، من فارس ومصر والروم وغيرهم..

والثالث :الخطورة الحقيقية لحركة الردة إنها كانت ردة حقيقية عن السلام جوهر الاسلام فى  التعامل مع الناس. وأدت هذه الردة عن الاسلام السلوكى الى وقوع المسلمين فى نفس القرن فى ردة أخرى أفظع وأضل سبيلا جمعت بين الكفر القلبى والكفر السلوكى ، وهى الفتوحات التى كانت تهدف حُطام الدنيا ، وبالاعتداء كانت كفرا سلوكيا عمليا ، ولكن عضّده الكفر القلبى  بنسبة هذه الفتوحات الى الاسلام ، وتبريره بأن أولئك المسالمين الذين لم يعتدوا على العرب هم كفار يستحقون الغزو وإحتلال أراضيهم وإسترقاق شعوبهم وسبى نسائهم وذراريهم وفرض الجزية والخراج عليهم .

والرابع ، هو الحروب الأهلية : وطالما أصبح المال هو المعبود الأكبر والهدف الأسمى للفتوحات فإنه ــ أى المال ـ كان السبب فى الصراع حوله ونشوب الفتنة الكبرى . أدت الفتوحات الى الاختلاف على الغنائم ، وأدى الاختلاف الى انقسام المسلمين وحربهم الأهلية وتمسح كل فريق بأحاديث كاذبة ينسبها للنبى محمد بعد موته، وبهذا الوحى الزائف بدأ شفهيا ومبكرا وضع أسس الأديان الأرضية للمسلمين. أى أن الفتوحات العربية هى التى ظلمت الاسلام قبل أن تظلم الملايين من الشعوب التى قهرها المسلمون من الصحابة.

كبار الصحابة المهاجرين وشكوك فى عمالتهم للأمويين

1 ـ الغريب هو موقف كبار الصحابة مثل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف، فهم الذين يعرفون أكثر من غيرهم أن نشر الاسلام لا يكون مطلقا بالاكراه فى الدين ،وأن الله تعالى لا يحب المعتدين ، وان النبى محمدا إكتفى فى آخر أيامه بمجرد إرسال رسائل سلمية لتبليغ حقائق الاسلام لكل الحكام من حوله ، وتحميلهم المسئولية امام الله تعالى يوم القيامة عن تبليغ شعوبهم، دون الاعتداء عليهم أو غزو بلادهم. لأنه عليه السلام ـ وفقا لما جاء فى القرآن الكريم ـ لم يقم مطلقا باعتداء حربى على من لم يعتد على دولته، ولم يبدأ حربا ضد الآخرين.

2 ـ وهذا يرجّح أن معظم هؤلاء كانوا من الذين فى قلوبهم مرض ، أو من المنافقين الذين مردوا على النفاق خداعا للنبى محمد فى حياته ، او أن بعضهم كانت له تحالفات سرية مع الأمويين ، أو عملاء لهم ، أى خلايا نائمة ، جهزتها قريش الى جانب النبى لتتحرك فى الوقت المناسب لتستثمر الاسلام لصالحها ـ لو نجح النبى ، ثم يأتون لجنى ثمار نجاحه بعد موته .

3 ــ ليس هذا مستبعدا فى ضوء وصف رب العزة جل وعلا  ـ فى سورة مكية ــ لمكر قريش بأنه تزول منه الجبال (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)ابراهيم ) . وليس هذا مستبعدا فى ضوء قراءة كاشفة للأحداث وجنى الأمويين الثمرة فى النهاية بعد طول معاداة للاسلام والرسول عليه السلام . قريش كان بإمكانها قتل النبى محمد فى مكة لو أرادت ، ولكن هذا سيهدد التحالف بين العباس وأبى سفيان زعيما بنى عبد مناف ( الأمويين والهاشميين ) . الحل الوسط هو الذى إختاره المكر الأموى ـــ الذى تزول منه الجبال ـــ وهو السماح له الهجرة ، مع إحاطته بالعملاء والجواسيس بحيث لو نجحت ( حركته ) يستفيدون منها فيما بعد. وهذا بالتالى هو ما حدث . وهم ( الأمويون ) كانوا المستفيدين مما حدث .

 

النزاع حول الغنائم وتحوله الى حرب أهلية بين الصحابة بتخطيط أموى

 

نتتبع قبله التخطيط الأموى الذى أسفر فى النهاية عن إسقاط دولة الخلفاء الراشدين وإقامة الملك الأموى الوراثى.

1 ـ بدأ الأمويون فى وضعهم الجديد بعد موت النبى محمد بعزل الأنصار مبكرا عن ساحة التأثير ، وتعززت صلتهم بأبى بكر وعمر وابن عمهم عثمان على حساب على بن أبى طالب.وكانت الفتوحات والنزاع والحروب الأهلية أساس وصول الأمويين للحكم.

2 ــ الأمويون بخبرتهم فى رحلة الشتاء والصيف وبعلاقاتهم بقبائل كلب القحطانية المسيطرة على طرق القوافل فى الشام كانوا عنصرا أساسا فى نجاح فتوحات الشام. وأبوسفيان مع شيخوخته شارك مع ابنه يزيد فى موقعة اليرموك الفاصلة التى دحر فيها العرب المسلمون الروم البزنطيين. وانتهى الأمر بتعيين معاوية بن أبى سفيان حاكما على الشام كله. خلال عشرين عاما ركز معاوية سلطانه فى الشام ، تزوج ميسون بنت بحدل الكلبى زعيم قبائل كلب وأنجب منها إبنه يزيد ، فضمن سيوف قبائل كلب معه، كما أن اهل الشام عرفوا من الاسلام ما أراد لهم معاوية أن يعرفوه، عرفوا الطاعة المطلقة لمعاوية أسوة بما إعتادوه مع الحكام السابقين.

3 ــإزدادت عزلة على بن أبى طالب بإختيار عثمان بن عفان بن العاص بن أمية خليفة ، وهو الأحق منه بالخلافة حسبما رأى الكثيرون، وبدا واضحا إنقسام كبار الصحابة بين حزبى على وعثمان. أصابع الأمويين لم تكن بعيدة عن إختيار عثمان، فهو الشخصية المناسبة لهم لأن يحكموا المسلمين فترة إنتقالية من وراء ستار.

4 ــ كان عثمان فى السبعين من عمره حين تولى الخلافة ، واشتهر باللين وضعف الشخصية فوقع تحت السيطرة الكاملة لابن عمه مروان بن الحكم بن العاص بن امية، الذى كان كاتب عثمان والحامل لخاتمه والمتحكم فى شئونه. فى عهد عثمان تحكم الأمويون أبناء عمه فى الولايات، واشترى الأمويون بعض كبار الصحابة بالضياع والأموال واعترض آخرون فعاقبهم الأمويون بالاضطهاد ،وكان منهم ابن مسعود وأبو ذر الغفارى و عمار بن ياسر. 

5 ــ عثمان كان العتبة الأخيرة التى صعد عليها أقاربه الأمويون للسلطة ويحتكرونها. كان لا بد من إشعال ثورة على عثمان تتيح لهم إدخال المسلمين فى حرب تسفر فى النهاية عن وصولهم للحكم. ولم تؤت سياسة الأمويين فى خلافة عثمان عن إشعال هذه الثورة برغم تأليب الصحابة بعضهم على بعض ، مع على أو مع عثمان ، وإغراق بعضهم فى الثروات واضطهاد البعض الآخر. لذا كانت الخطوة الحاسمة هى فى التحرش بالاعراب وسيوفهم الحادة وسرعتهم الى الشر.

6 ـ لم يكتف الأمويون في عهد عثمان بالتحكم فى بيت مال المسلمين والخزائن التى حصل عليها المسلمون من الفتوحات، فطمعوا فى أرض السواد الزراعية الواقعة علي حدود نجد والعراق ، والذى كان يعتبره الاعراب ملكا تقليديا لهم في الجاهلية ثم فتحوه بسيوفهم بعد الاسلام. رضوا به تاركين كل ما فتحته سيوفهم فى الشام ومصر وفارس وشمال أفريقيا للأمويين يستاثرون به. ولأن الغرض الأساسى إشعال ثورة وليس مجرد الطمع فى أرض على حدود الصحراء بعيدة عن متناول وإهتمام الأمويين ، فقد صمم الأمويون على تملك السواد وإعتباره ( بستان قريش ) .

هنا تطور النزاع وتدخل فيه عبدالله ابن سبا الذي رفع شعار التشيع لعلي ابن ابي طالب .وكعب الاحبار الذي يوالي عثمان والاموييين ،وكلاهما (عبد الله بن سبأ وكعب الاحبار )من يهود اليمن (تاريخ الطبري :ط4.ابو جعفر محمد بن جرير(224-310هـ)تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم القاهرة 4/317-،330-،283،326،340-349،493-،500-191-،202،255،284 )

وانتهت الثورة بأن حاصر الاعراب عثمان فى بيته فى المدينة ، ثم قتلوه وعينوا (عليا بن أبى طالب ) خليفة مكانه.

7 ــ حين حوصر عثمان فى بيته حاول (على) التوسط والاصلاح وكاد أن ينجح لولا تآمر مروان ابن الحكم ، وبعد فضح تآمر مروان رفض عثمان عزله ، كما رفض التنحى عن الحكم ، كأنه مصمم على الانتحار ؛ وقبيل إقتحام الثوار لبيت عثمان وقتله هرب إبن عمه مروان بن الحكم تاركا عثمان فى شيخوخته ليقتله الثوار الأعراب وهو يقرأ المصحف. وأثناء استمرار الحصار رفض معاوية فى الشام نجدة إبن عمه فى محنته، وكان هذا فى إستطاعته لو أراد . ولكنه انتظر الى أن قتله الثوار ، وكل ما اهتم بالحصول عليه هو ( قميص عثمان ) الذى رفعه على مسجد دمشق داعيا للثأر من الخليفة الجديد على بن أبى طالب ، متهما إياه بالتحريض على قتل عثمان.

8 ــواضطر الخليفة الجديد للاستعداد لمحاربة معاوية ، ولكن الأمويين كانوا يعدون لعلى مفاجأة قاسية ، إذ ما لبث أن إنشق عن (على) أقرب أصدقائه من كبار الصحابة وهم الزبير وطلحة ، وهما من كبار السابقين فى الاسلام ، ومعهما السيدة عائشة أم المؤمنين زوجة محمد عليه السلام. وبجهود مروان بن الحكم بن العاص بن أمية اشتعلت الحرب بينهما في موقعة الجمل والتى حارب فيها مروان بن الحكم الى جانب خصوم على. وأخذ الأمويون ثأرهم بقتل الزبير وطلحة فى هذه الحرب  لم يبق أمام الأمويين من كبار الصحابة إلا الخليفة على بن أبى طالب ومن معه من الأعراب.

9 ــ وبعد إجهاد الخليفة على فى حرب الجمل التى أضعفته كان معاوية يواصل استعداده لمعركة فاصلة يأمل أن يصل بها الى الخلافة بحجة أنه أقرب الناس لعثمان المقتول ظلما، وأنه ولى أمر المطالبة بثأره.واشتعلت معركة صفين ، وقد كاد النصر فيها يتحقق لعلى لولا أن لجأ عمرو ابن العاص رفيق معاوية لخدعة التحكيم ، ، فأمر معاوية جنده برفع المصاحف على الرماح طالبين وقف الحرب والاحتكام للقرآن الكريم. رفض على هذه الدعوة مدركا أن غرضها الخداع والنجاة من هزيمة محققة، ولكن الأعراب من جند على أكرهوه على قبول التحكيم ووقف الحرب ، وهددوه إن لم يفعل سيقومون بتسليمه الى عدوه معاوية!!.بل وأكرهوه على إختيار أبى موسى الأشعرى ممثلا له فى التحكيم ، وهو ليس ندأ للداهية عمرو بن العاص .

وفشل التحكيم بخديعة عمرو ـ (ممثل معاوية )ـ لأبى موسى الأشعرى (ممثل على )، وتحقق لجند (على ) من الأعراب أن (عليا) كان على الحق حين رفض التحكيم وانه مجرد خدعة، إلا أن أولئك الأعراب بدلا من طاعة (على) خرجوا عليه ـ تحت اسم الخوارج ـ وقاتلوه ثم قتلوه. ثم واصلوا ثورتهم على الأمويين.

 

هؤلاء الأعراب .!!

1 ـ  من يقرأ تاريخ (على) فى المصادر التاريخية الأصيلة يعجب من إصرار الأعراب من جند (على ) على التثاقل عن نصرته حين يحتاج اليهم ، ومن الاسراع الى مخالفته وعصيانه حين يأمرهم. وهم الذين أفشلوه وهزموه فى صفين.

2 ــ التعليل الوحيد هو كراهيتهم لقريش وكون عليا بن أبى طالب قرشيا ، وقد رأوا أنهم لا يزالون أتباعا لقريش فى صراع جناحيها الأموى والهاشمى . ولذلك إختاروا فى النهاية الخروج كليا عن سيطرة قريش. ولكى يكونوا ندّا لقريش فقد زايدوا فى التدين بالصلاة وقراءة القرآن ، فالتصق بهم لقب ( القرّاء ) بمفهوم العبادة، ولكن تطرفوا أيضا فى قتل كل المسلمين من غيرهم. إبتدعوا دينا أرضيا يعبر عن التدين السطحى والتطرف فى الارهاب وسفك الدماء ، كان باعثه الأكبر الحقد على قريش.

2 ــ ولم يكن كل الأعراب خوارج، إذ إختار فريق آخر من قبائل الأعراب التبعية للأمويين.خصوصا من قبائل كلب اليمنية القحطانية التى كانت تعيش فى الشام ، بينما كان أغلب الخوارج من القبائل التى تعيش فى نجد من القبائل اليمنية والعدنانية.

3 ــ وبهذا الصراع مع قريش كان الأعراب كفارا ضد الاسلام ثم تحولوا  الى الاسلام والسلام في أواخر عهد النبي ، ثم الي مرتدين ، ثم عادوا لسيطرة قريش (مسلمين لهم )  ،ثم الي جنود فاتحين تحت إمرة قريش . كل ذلك فى عصر أبى بكر وعمر. ، ثم أصبحوا ثوريين علي عثمان ،ثم الي خارجين علي عليّ بن أبى طالب . كل ذلك التقلب حدث فيما بين موت النبي (11هـ،سنة 632م )الي مقتل علي علي ايديهم (40هـ،661)أي خلال اقل من ثلاثين عاما تقلبوا من الكفر الى الاسلام الى الردة ثم الى الفتوحات باسم الاسلام ثم الى الثورة على عثمان ثم الرجوع الى على ثم الخروج عليه وقتله، ثم الثورة على الأمويين.

4 ــ واصطبغت حركتهم بالعنف المرتبط بغطاء ديني ،يسري هذا علي قبولهم المتحمس للاسلام السلمى في عهد النبي ،ثم خروجهم عليه في حركة الردة تحت زعامة مدعي النبوة ،ثم انغماسهم في الفتوحات علي انها جهاد يغنمون منه النصر والشهادة والغنائم في الدنيا و الاخرة ،ثم حين ثاروا علي عثمان رفعوا لواء العدل ،وحين رفع الامويين المصاحف علي اسنة الرماح في موقعة صفين خداعا ارغموا عليا علي الموافقة علي التحكيم لكتاب الله ،ثم حين ظهر ان التحكيم خدعة خرجوا علي (علي ) لأنه وافق علي التحكيم واتهموه بالكفر ثم قتلوه .

 

وهؤلاء الأمويون .!!

وخلال نفس المدة تقلب الامويون في مواقع شتي حسب مصلحتهم وسعيهم الدائم الى امتلاك القوة والاحتفاظ بها ،كانوا أعداء للاسلام في مكة، ثم دخلوا فيه مرغمين ، ثم ثاروا عليه ، ثم عادوا اليه انتظارا لموت النبى محمد ، ثم أصبحوا قادة حربيين ومستشارين لأبى بكر وعمر بما لهم من مقدرة حربية وتحالفات قديمة منذ رحلتى الشتاء والصيف مع قبائل كلب الى تسيطر على الطرق التجارية للشام ،فقادوا المسلمين في حرب الردة ثم في الفتوحات ،وبعد توطيد الفتوحات اصبحوا امراء البلاد المفتوحة، وحين تولى ابن عمهم عثمان الخلافة سيطروا عليه وانتهى الامر بأن توارثوا الملك في ذريتهم خلال{الدولة الاموية} .

وهؤلاء هم الصحابة.!! هم الذين جعلهم الدين السُّنّى آلهة معصومة من الخطأ .

أخيرا :

1 ـ الاسلام لم ينته، لأنه باق ببقاء القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله جل وعلا
2
ـ قلنا إن تطبيق النبى للاسلام كان أروع تطبيق بشرى ، ونجح فى نشر ( السلام ) بين العرب المتقاتلين . ولكن لأن أكثر الناس لا يؤمنون ( قلبيا ) فهذا الاسلام الظاهرى السلوكى ما لبث أن غلبته القوى المتربصة من قريش والأعراب
3
ــ فترة تطبيق النبى للاسلام كان جملة إعتراضية فى زمانها ومكانها . الثقافة السائدة وقتها هى ثقافة الاستبداد والفساد وعبادة المال والغزو والاستعمار . لا خلاف بين قريش أو الفرس أو الروم أو الصين أو الهنود الحمر والنود السُّمر . أعظم إنجاز للنبى مجمد أنه أخرج القبائل العربية من هذا المستنقع مدة قصيرة ، ثم ما لبث أن طفت العوامل الأصيلة الى السلطه وأمسكت بزمام الأمور ، وتوارى الصحابة السابقون إيمانا وعملا ليأخذ زمام القيادة المجرمون . والذين تحولوا بالأديان الأرضية الى آلهة مقدسة
4
ـ التآمر هو العملة الوحيدة والسائدة فى دنيا الاستبداد والفساد . خصوصا إذا كان الاستبداد والفساد هى لُغة العصر . وهنا لدينا نوعان : أعراب يسهل التلاعب بهم ، وتجار قريش الذى أتقنوا لُعبة التلاعب بالأعراب . وبينهما دار تاريخ الخلفاء الراشدين والأمويين

لمحة تاريخية عن نشأة وتطورأديان المحمديين الأرضية : ج1 : من الخلفاء الراشدين الى العثمانيين
هذا الكتاب :
تمت كتابته الأولية عام 2006 ، وتأخر نشره ، وكان بذرة لآبحاث متخصصة تم نشرها فيما بعد مثل ( وعظ السلاطين ) و ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) و ( الفتنة الكبرى الثانية ) و ( مذبحة كربلاء ) و ( الحنبلية أم الوهابية وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . بالإضافة الى كتاب لم يكتمل عن مسلسل الدم فى عصر الخلفاء وتقسيم العالم الى معسكرين . هذا الكتاب يقدم لمحة عن الأرضية التاريخية التى نبعت فيها الأديان الأرضية المحمدية من سنة وتشيع وتصوف .ونقسمه الى جزئين : الأول عن عصر الخلفاء من الراشدين الى العثمانيين . والآخر عن نشأة وإنتشار الدين الوهابى الحنبلى السنى الذى ينشر التدمير فى العالم اليوم حاملا إسم
more