رقم ( 8 ) : الباب الأول : منهج القرآن الكريم فى التأكيد على التقوى غاية ومقصدا لفريضة الحج :
الفصل السابع : التقوى وعمومية فريضة الحج على كل البشر

 

الفصل السابع : التقوى وعمومية فريضة الحج على كل البشر

  مقدمة : كما إن الأمر بالتقوى يأتى عاما لكل البشر فإن عبادة الحج تأتى أيضا عامة لكل البشر ، فالحج من وسائل التقوى . ومن مظاهر التعصب لدى الدين السّنى إنهم قصروا الحج على المسلمين دون غيرهم من الناس . فأصبح من شروط الحج أن يكون الحاج مسلماً ، وأصبح من التقاليد المرعية منع غير المسلمين من دخول "الأماكن المقدسة ". هم بذلك حوّلوا الاسلام دين الله جل وعلا الى دين محلى لا يسع لغيرهم ، واحتكروه لأنفسهم ، وتناسوا عالمية فريضة الحج ، وعالمية الأشهر الحرم وعالمية البيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا مثابة للناس جميعا وامنا ، ومن دخله من الناس ـ أى ناس ـ كان آمنا .

مقالات متعلقة :

أولا : القرآن الكريم يرفض ذلك .

1 ـ فالحج اوثق العبادات بملة إبراهيم ، ولم تكن ملة إبراهيم مقصورة على فئة معينة من الناس ، وإنما هي دعوة عامة لجميع الناس مهما اختلفت تسمياتهم ، يقول تعالى يخاطب جميع البشر: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) النساء)، ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130) البقرة). ودعا الله تعالى اهل الكتاب لإتباع ملة إبراهيم ومنها الحج لبيت الله الحرام:( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) آل عمران).فالبيت الحرام هو أول بيت وضع للناس . وهو هدى للعالمين ، ومن دخله من كل الناس ينبغي ان يكون آمناً . ولله على الناس ـ جميعاً ـ حج البيت من استطاع إليه سبيلا.وهكذا فالنسق القرآني في الآيات يدل على عموم فرضية الحج على كل الناس .

ثانيا : كلمة الناس فى تشريع الحج تعنى البشر جميعا

1 ـ كلمة (الناس) قد تنحصر فى طائفة معينة محددة بالزمان والمكان مفهومة بالقرينة، كقوله تعالى عن قوم إبراهيم عليه السلام:(قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)الأنبياء)،ومدين فى عهد موسى عليه السلام:(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ(23)القصص)، والمصريين في عهده أيضا : (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه)،وحكام مصر في عصر يوسف عليه السلام: (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) يوسف)، وأهل الكتاب: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل)، وقد تفيد العرب في عهد محمدعليه السلام:( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حولهم ) (67) العنكبوت ) . وقد تتكرر كلمة الناس لتدل على أناس مختلفين فى زمان معين ومكان معين وموقف معين :(الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً)(173)آل عمران).

2 ـ وقد تكون كلمة "الناس" عامة تشمل البشر في كل زمان ومكان ، والقرينة أيضاً تدل على ذلك ، مثل قوله تعالى عن يوم الدين :(رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ َ)آل عمران: 9 )، (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُالنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)هود: 103 )(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج )،وقوله عن ذاته جل وعلا : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)). وتكررت في القرآن عبارات(ومن الناس) و(أكثر الناس)، ( يا أيها الناس)، وهي قرينة تدل على عمومية كلمة الناس وتحررها من الزمان والمكان.، مثل قوله جل وعلا : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ )(165) البقرة )، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً )النساء:1 ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات: 13 ).ومن الأوامر العامة التي جاءت للناس أو البشر جميعاً قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة)، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (168) البقرة )، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ً) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)النساء 170 ، 174 ). ومن ( كل الناس ) فى كل زمان ومكان يقول رب العزة عن ( بعض الناس ): (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف : 103)( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)الرعد: 1 ).( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ)الحج: : 3 )

3 ـ ومن استقراء كلمة الناس في القرآن وجدنا النسق القرآني في الحج يدل على أنها تعني عموم البشر في كل زمان ومكان وهذه امثلة : ـ

ا ـ يقول تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران). الفاظ : (العالمين) تفيد الشمول العمومية،والقرينة في:(أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) و(وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )،(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) تفيد شمول الأمر كأنه جلّ وعلا قال:(يا أيها الناس).  ب ـ يقول تعالى:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة). فالبيت مثابة للناس ـ كل الناس ـ وأمناً لهم.وما احوج البشر في هذه الغابة إلى مكان يكون لهم جميعاً مثابة وامناً. وأمر الله جلّ وعلا إبراهيم واسماعيل عليهما السلام أن يطهرا بيته لجميع الطائفين والعاكفين والركع السجود لكل الناس .

جـ  ـ ويقول سبحانه وتعالى: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) (97)المائدة )، فالبيت الحرام جعله الله جلّ وعلا قياماً للناس جميعاً ، وكذلك الشهر الحرام للناس جميعاً ، والزمن عام للناس جميعاً والشهر الحرام يمر على الناس جميعاً وليس على طائفة دون أخرى ، فالحرم الزماني عام ومثله الحرم المكاني .

د ـ ويقول تعالى عن مشركي قريش حين صدوا المسلمين عن المسجد الحرام: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (25) الحج ). فالله تعالى جعل المسجد الحرام لجميع الناس سواءاً، لا فرق بين من يقيم فى مكة أو من يقطع البوادي سفراً إليه .. والذى يصدّ الناس عن القدوم لبيت الله الحرام فقد وقع في جريمة الصّد عن سبيل الله ومسجد الله الحرام . والجريمة التى وقعت فيها قريش حين صدّت المسلمين المسالمين عن المسجد الحرام مالبث أن صارت تشريعا فى الدين السّنى تقوم السعودية على تطبيقه اليوم ، تجعل من بيت الله الحرام ملكية خاصة بآل سعود .!! .

أخيرا :

وقد نشرنا مقالا هنا يدعو الى تحرير البيت الحرام من سيطرة الأسرة السعودية . نعيد نشره للتذكير.

إلى متى يظل المسجد الحرام وفريضة الحج رهينة لدى السعوديين ؟ والى متى تستمر هذه المخالفة لشرع الله جل وعلا؟

أولا :

فى كل موسم حج تحدث وفيات بالمئات نظرا  لتكدس ملايين الحجاج فى أسبوع واحد لقضاء فريضة الحج ، و قد كتبنا فى تأكيد قوله جل وعلا (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) ( البقرة 197) مقالا قلت فى بدايته :(يمكنك أن تحج خلال أربعة أشهر ، من أول ذى الحجة الى نهاية ربيع الأول.) . ومع أن هذا التيسيرالالهى القرآنى فى فريضة الحج أصبح ضرورة ملحة الآن إلا إنه من المستحيل على الدولة السعودية تطبيقه وجعل موسم الحج مفتوحا من بداية ذى الحجة الى نهاية ربيع الأول ، لأن الوهابية يقوم شرعها على التزمت و التعقيد عكس دين الاسلام القائم على التيسير والتسهيل و التخفيف ورفع الحرج ، ولأن الوهابية السلفية تقدس ما وجدنا عليه آباءنا وما تعارف عليه السلف ، وطالما إختار السلف لظروف سياسية تجميع كل الحجاج فى موسم واحد هو افتتاح موسم الحج لحراستهم من غارات القبائل النجدية وغيرها فلا بد ان يظل الوضع كما هو عليه . وبالتالى فإذا كانت القبائل النجدية ـ التى كانت تقطع الطريق على قوافل الحج لتسلبهم وتقتلهم ـ هى المسئولة فى الماضى عن تركيز الحجاج فى قوافل محمية بجيوش وأمير للحج ،فإن الوهابية النجدية الآن هى المسئولة عن نهب ملايين الحجاج سنويا بفرض تلك الرسوم الباهظة عليهم بزعم حراستهم وتذليل الصعاب ، بينما يحشرونهم بالملايين فى اسبوع واحد ، يموت فيه المئات إختناقا وتحت الأقدام . وكل ذلك بالمخالفة لدين الاسلام .

ثانيا :

ليست هذه هى المخالفة الوحيدة التى تقع فيها الوهابية السعودية فى فريضة الحج .

لقد كتبنا فى التسعينيات فى أن الحج فريضة مفتوحة لكل الناس ، وأن البيت الحرام ـ شأن الأشهر الحرم ـ لكل الناس ، فكما للناس رب واحد جل وعلا ، فإن له جل وعلا بيتا واحدا هو المسجد الحرام فى هذه الكرة الأرضية ، وله جل وعلا زمن حرام هو الأشهر الحرم ، ويجب على الناس أن يحجوا الى رب الناس فى بيته الحرام فى أشهره الحرم ، وعند البيت الحرام يجب أن تصفو النفس من كل الشرور ومن كل الأهواء ومن كل النوايا السيئة وتترفع عن الغرائز حتى لو كانت رفثا مع الزوجة ، وأن تتسامى عن الجدل ، وأن يتمتع بالأمن كل من فى الحرم وكل من يقصد الحرم مسافرا ( المائدة 2 ) ، يستوى فى ذلك الانسان مع الطير و الحيوان ، وهذا هو معنى الاحرام الذى حرفته أديان المسلمين الأرضية وحولته من التقوى الى لباس فاضح يكشف سوأة الرجال تشجيعا على الانحلال .!!وكالعادة لم يلتفت لنا وقتها ـ أحد . ولذا نعيد ونؤكد هنا :

1 ـ ليس البيت الحرام والحج اليه مقصورا على من يسمون بالمسلمين فقط . البيت الحرام هو أول بيت وضعه الله جل وعلا للناس جميعا ، ومن دخله كان آمنا ، والحج لهذا البيت فريضة على المستطيع من الناس جميعا : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  ) ( آل عمران 96 ، 97 )

2 ـ البيت الحرام ـ بيت الله جل وعلا هو المكان الذى يأتى و يثوب اليه كل الناس ،ويجب أن يتمتع فيه الناس بالأمن ، وهذا هو موجز الأوامر التى جاءت لابراهيم واسماعيل عليهما السلام (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ) ( البقرة 125 ).

3 ـ كل البشر سواء وسواسية فى هذا المسجدالحرام ، يستوى فى ذلك المقيم فى مكة العاكف فى البيت الملازم له طيلة حياته بذلك الذى يقطع البوادى سفرا له . ولو جعل أحدهم لنفسه أو قومه أو دولته سلطة عليا يستطيل بها على المسجد الحرام وضيوف الرحمن بحيث يمنع الناس من دخوله أو يتحكم فيه بغير حق فهو ممن يصدّ عن المسجد الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس سواء ، يقول تعالى (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( الحج 25 ).ونلاحظ فى الاية الكريم استعمال صيغة المضارع ( ويصدون ) إشارة الى امكانية أن يأتى بعد نزول القرآن الكريم من يكرر جريمة قريش فى التحكم فى بيت الله الحرام وتحويل الحج الى تجارة. وهذا ما نشهده الان فى تحكم الدولة السعودية فى موسم الحج وفى بيت الله الحرام مخالفة لدين الاسلام .ونلاحظ أيضا أن الله جل وعلا يعاقب هنا على مجرد النيةالسيئة ـ أو إرادة السوء ـ فقال جل وعلا ( بتعبير المضارع أيضا ) : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ).

4 ـ بعدها يقول جل وعلا عن صفة من يأتى للبيت الحرام :(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) ( الحج 26 ـ ) فالبيت الحرام هو لكل الناس ، من يرغب فى الطواف والصلاة ، ويأتى اليه من كل فج عميق من كل أنحاء الكرة الأرضية .

5 ـ ولأنه بيت الأمن والأمان و السلام لكل الناس وحتى الطير و الحيوانات بحيث يحرم الصيد فيه فلا مكان فيه للمعتدين الذين يعكرون أمن الناس و يعتدون عليهم ويهددون حياتهم .

إن للاسلام معنيين : معنى عقيدى فى التعامل مع الله جل وعلا هو الاستسلام والانقياد و الخضوع لله جل وعلا وحده لا شريك له (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( الأنعام 162). وهذا الجانب العقيدى خاص بعلاقة كل فرد من البشر بالله جل وعلا ، ويرجع لحريته فى الايمان و الكفر ، وليس لأحد أن يتدخل فى هذه العلاقة بين الانسان وربه ، وكل انسان مسئول عن اختياره أمام الواحد القهار يوم القيامة . أما المعنى السلوكى فالاسلام هو السلام ، وكل إنسان مسالم فهو مسلم ظاهريا بغض النظر عن عقيدته و دينه الرسمى و مذهبه . وللناس هنا الحق فى الحكم علىأى إنسان طبقا لسلوكه ، هل هو مسالم أم معتد مجرم ، وهناك من القوانين الالهية و الوضعية التى تحافظ على حقوق الانسان من تعد يقع عليه من أخيه الانسان .

ولذلك فللكفر و الشرك أيضا معنيان ، فى التعامل مع الله تعالى هو تغطية الفطرة السليمة بالاعتقاد فى شريك مع الله جل وعلا واتخاذ أولياء و شركاء مع الله ، وتلك العلاقة مع الله تعالى فى العقيدة و العبادة مرجعها الىالله تعالى ليحكم فيها بين الناس لأن كلواحد من الناس يرى نفسه على الحق ويرى مخالفيه على الباطل . الذى يهمنا هو الكفر السلوكى بمعنى الاعتداءو الظلم الذى يقع من إنسان على أخيه الانسان . هذا الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم و القتل للبشر حق الحكم عليه ومحاسبة الواقع فيه حفظا لحقوق الانسان وحق المجتمع .

 صلة هذا بموضوع الحج فى الآتى :

 إن كل إنسان مسالم  من حقه الحج بغض النظر عن دينه الرسمى ، ويمتنع على كل وافد للحج أن يحمل سلاحا ، ولا بد من توفير الأمن لضيوف الرحمن ، ومن هنا نفهم السياق الذى نزلفيه قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة 28 ) ،فالحديث هنا عن مجرمين معتدين إعتادوا الهجوم على الحجاج ـ وأدمنوا نقض العهود فكان لا بد من مواجهة حازمة لهم بدأت باعلان البراءة منهم وإعطائهم مهلة للتوبة قدرها أربعة أشهر حرم ، وبهذا بدأت سورة التوبة ( التوبة :1ـ  ) ، ومنها قوله جل وعلا عن أولئك الكفار بالسلوك والاعتداء : (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ  ) فإن كفوا عن الاعتداء أصبحوا إخوة للمؤمنين :( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) وان عادوا للاعتداءونقض العهد فقد وجب قتالهم دفاعيا (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) ( التوبة 10 : 12 ) .وبالتالى لا بد من منعهم من الحج طالما يواصلون إعتداءاتهم على الحجاج وضيوف الرحمن ،بل لا بد من منعهم من الاقتراب من المسجد الحرام الذى جعله الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا ، من هنا نفهم قوله جل وعلا فى هذا السياق : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة 28 ) .الحديث هنا عن المشرك الكافر بالاعتداء و القتل وسفك دماء الأبرياء .

ثالثا : نظام السعودية الوهابى يخالف الاسلام فى كل ما سبق .

1 ـ أجدادهم فى نجد إعتادوا قطع الطريق على الحجاج طوال التاريخ الأموى و العباسى والمملوكى ، فى حملات ( علمانية ) أى لا تستند الى تسويغ دينى . وحين كانت تستند الى تسويغ دينى تكون الكارثة أعظم إذ يتحول القتل وسفك الدماء و انتهاك الأعراض و سلب المال جهادا ، وهذا ما فعله أسلاف السعوديين تحت شعار القرامطة ، والقرامطة هم الذين لم يكتفوا بقطع الطريق على الحجاج بل هاجموا مكة وقتلوا من فيها و ألقوا بجثث الضحايا فى بئر زمزم ، واقتلعوا الحجر الأسود،وكل ذلك منشور و مشهور فى التاريخ . ثم بعد قرون تجددت النحلة القرمطية تحت إسم جديد هو الوهابية بزعامة الأسرة السعودية التى كررت جرائم القرامطة من حيث القتل و السلب و النهب و انتهاك الأعراض باسم الجهاد ، حدث هذا فى الدولة السعودية الأولى ( 1745 : 1818 ) والتى استولت على الحجاز والمسجد الحرام عام 1805 وقامت بنهب المدينة المنورة ومنع قوافل الحج  من المجى  فى عام 1806 ، مما دفع بالدولة العثمانية لاصدار أمر للوالى محمد على باشا فى مصر باستخلاص الحجاز والأماكن المقدسة عام 1807 ، ونهض محمد على للتنفيذ عام 1811 ، وانتهت الحرب بتدمير الدرعية عاصمة السعوديين وقتها فى سبتمبر 1818 . ثم أقام عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الثالثة الراهنة فيما بين عامى 1902 : 1932 . وفى سبيل إقامة دولته ارتكب مذابح هائلة فى الجزيرة العربية و العراق و الشام ، وكان جل الضحايا من المدنيين سكان القرى فى العراق والشام ، وتفانى الإخوان ( جنود عبد العزيز ) فى الاغارات على القرى العراقية و الشامية وقتل كل من يعثرون عليه ، فقتلوا ما يقرب من مليون إنسان على أقل تقدير. ولم ينج الحجاز من مذابحهم . فى طريقهم لغزو الحجاز ارتكبوا مذبحة تربة فى يونية عام 1919 حيث كانت دماء الضحايا من سكان تربة تجرى كالنهر بين أشجار النخيل حسبما يروى الشريف عون الذى فرّ من المعركة وكان وقتها صبيا فى الخامسة عشر من عمره . وتلتها مذبحة الطائف فى سبتمبر عام 1924 ، بقتل معظم أهل الطائف المدنيين من الرجال و النساء و الأطفال ، وأدت وحشية السعوديين الى تسليم أهل مكة و المدينة و جدة بعد اقل من شهر واحد .!!ولنتذكر  أن الاعتداء على البيت الحرام عام 1979 ارتكبه وهابى عريق هو جهيمان العتيبى وصحبه ، وهو أحد تلامذة الشيخ بن باز .أى إن كل ما فعلته قريش الكافرة والذى شجبه القرآن الكريم ليس بشىء مقارنة بما فعله السعوديون ..

2 ـ وبسيطرة السعوديين الوهابيين جرى تعذيب الناس وترويعهم ومطاردتهم عن طريق المطوعة ، ولا يزال هذا ساريا  فقد أصبح نمط الحياة اليومية  ، لا فارق بين سكان الحرم وضيوفه وبين بقية السكان فى المملكة . أما أفراد الأسرة السعودية فلا يجرؤ أعتى رجال الهيئة ( المطوعة ) من الاقتراب منه مهما بلغ انحلاله وفسوقه وعصيانه .

3 ـ بالنسبة للحج والحجاج ، فلا بد  للنظام السعودى أن يتثبت من إسلام  من يرغب فى الحج ، خصوصا إذا لم يكن عربيا  ، وهو بذلك يعطى نفسه سلطة الاهية حين يبيح لنفسه التفتيش على عقائد الناس . إن مناط  الإشراف على الحج ليس التفتيش على العقائد والدين ولكن التفتيش الأمنى الظاهرى كمايحدث فى أى مطار فى العالم ، لا شىء أكثر من ذلك .

4 ـ الأسوا فيما تفعله الدولةالسعودية فى السعى الى فرض دينهاالوهابى على الناس بما تقوم به من دعاية  ، ثم فى نفس الوقت تستغل سلطتها على الحج والبيت الحرام وغيره فى اضطهاد الحجاج الشيعة و الصوفية والأحمدية وغيرهم من غير الوهابيين . وتستغل الحج وسيلة للدعاية الهابطة و الفجة لبيت آل سعود تتحدث بالمنّ والأذى عما يقدمونه رياء للاسلام و المسلمين من مكرمات وتبرعات ، وهى أولا لا تساوى شيئا مقارنة بما تقدمه المؤسسات الغربية والكنسية لفقراء المسلمين ، وهى ثانيا لاتقارن بما يجب عليها أن تتبرع به من عوائد النفط تحت مسمى زكاة المال ، وهى ثالثا لا تقارن بما تحصل عليه سنويا من رسوم وضرائب على الحجاج،وأخيرا لا تقارن بما ألحقوه بالاسلام من خسائر و سمعة سيئة  فى العالم كله.

5 ـ  بهذا ينطبق على آل سعود قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( الحج 25 ). ينطبق عليهم بأعمالهم ، ولا شأن لنا بعقائدهم .

6 ـ إن تاريخ آل سعود وسلوكياتهم الحالية ووهابيتهم تتناقض مع الاسلام ، فكيف يكونون أمناء على بيت الله الحرام وفريضة الحج ؟ والى متى يسكت أحرار المسلمين على هذا الوضع  المخالف للاسلام ؟وهل البيت الحرام حكر على الوهابيين السعوديين وحدهم ؟ وهل لديهم من دليل من القرآن ـ أو من حتى دينهم الأرضى الوهابى يعطيهم شرعية تحكمهم فى بيت الله الحرام ؟ أم أن استيلاءهم عليه بالقوة  عام 1924 يعطيهم حقا شرعيا فى ادارته و التحكم فيه وإدارة فريضة الحج وفق شريعتهم المخالفة للاسلام ؟ ألايكفى المذبحة الهائلة التى اقترفوها فى الطائف فى طريقهم للاستيلاءعلى مكة وقتها لارهاب أهل مكة وارغامهم على الاستسلام ؟  وهل يصح الاعتداء ليكون وسيلة شرعية اسلامية للتحكم فى بيت الله الحرام و التحكم فى ضيوف الرحمن . أم أن هذا الاعتداء لا بد من شجبه اسلاميا و المطالبة بالغاء كل ما ترتب عليه من تحكم أولئك الناس فى بيت رب الناس؟

أخيرا :

1 ـ إن تحرير المسجد الحرام من إحتلال آل سعود  هو جهاد لاعلاء دين الله جل وعلا الحق . ولنبدأ هذا الجهاد السلمى بتوعية المسلمين خلال مؤتمرات وندوات تحكى المسكوت عنه من التاريخ ومن حقائق الاسلام ... ).

انتهى المقال ، ولكن لم تنته المأساة ، فستظل جاثمة طالما ظل آل سعود محور الشّر فى العالم ..!!

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
يوضح كيفية الحج فى الاسلام وكيف زيفت قريش والمحمديون شعيرة الحج للبيت الحرام ، ويقع الكتاب فى ثلاثة أبواب تتضمن 34 فصلا .
more