الكنوز الضائعة.. هكذا انتقلت أشهر المخطوطات العربية إلى مكتبات العالم المختلفة

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٣٠ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


الكنوز الضائعة.. هكذا انتقلت أشهر المخطوطات العربية إلى مكتبات العالم المختلفة

عاشت الدول العربية في حقب تاريخية كثيرة أوضاعًا سياسية صعبة تراجعت فيها قيمة الفكر، ولم تتمكن من المحافظة على تراثها ووثائقه النادرة ففقدت كنوزًا معرفية كثيرة، وكما يذكر كوركيس عواد  في كتابه «أقدم المخطوطات العربية في العالم » فإن عدد المخطوطات العربية التي كُتبت في الـ500 سنة الأولى للهجرة فقط يُقدّر بالملايين، وكان محفوظًا في خزائن الكتب في المساجد والمدارس ودور العلم وقصور الخلفاء وأعيان الناس لكن ما سلِم منها لم يتعد بضع مئات فقط.

وتزخر الكتب القديمة بعناوين كتب لم يُعثر على أصولها وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية، لكن الأوروبيين وغيرهم ممن فُتنوا بحضارة الشرق حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، ما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في عدة دول نعرضها في هذا التقرير.

المكتبة البريطانية تزخر بالمخطوطات

تعكس محتويات المكتبة البريطانية الاهتمام الأوروبي بالدراسات الشرقية إذ تضم المكتبة ما يقرب من ١٥ ألف مخطوطة تنوعت محتوياتها بين مخطوطات نفيسة للقرآن الكريم ونسخ من الأعمال التاريخية والأدبية والعلمية في علوم القرآن والتفسير والحديث وعلم الكلام والفقه والتصوف والفلسفة والنحو والشعر والتاريخ والسير والموسيقى، فضلًا عن الفنون والعلوم والطب وحتى تفسير الأحلام.

تكوّنت هذه المجموعة في بداية القرن الثامن وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، في البداية بفضل نمو التجارة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ولاحقًا ودون مجهود كبير استحوذت بريطانيا – وكانت المستعمِر الأول للدول العربية- من خلال قناصلها ومسؤوليها على مخطوطات متنوعة من كل من الدول العربية ومن دول أخرى كان بها جاليات عربية وإسلامية مثل الهند والصين وآسيا الوسطى وإندونيسيا وماليزيا وغرب أفريقيا.

وكانت المخطوطات تنتقل إلى المكتبة عن طريق الهدايا أو عن طريق شرائها من الأشخاص الذين عملوا في الهند أو في الشرق الأوسط لصالح بريطانيا بصفة رسمية وجمعوا خلال وجودهم في هذه الدول المخطوطات التي تمكنوا من الحصول عليها، بحيث أصبحت المكتبة البريطانية موردًا غنيًا للتعرف على الثقافة العربية والإسلامية.

أقدم المخطوطات العربية المحفوظة في المكتبة البريطانية هي نسخة من المصحف الشريف تعود إلى أواخر العصر الأموي وكُتبت على الرق بخط مائل، اشترتها المكتبة من المتحف البريطاني ويُرجّح أن  القس غريفيل جون تشيستر هو من حصل عليها في القرن الثامن عشر الميلادي أثناء وجوده في مصر، وكان تشيستر عالم آثار مرموق مهتمًا بالمصريات والتاريخ، ويُرجّح أن تكون النسخة قد كُتبت في القرن الثامن الميلادي في منطقة الحجاز، ولم يُعثر عليها كاملة، وقد أتاحت المكتبة البريطانية نسخة رقمية منها مؤخرًا.

إلى جانب نسخة أخرى تعود إلى القرن الرابع عشر أوصى بنسخها السلطان المملوكي بيبرس الثاني وكتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» لزكريا بن محمد بن محمود القزويني التي يعود تاريخها إلى الفترة نفسها، وكتاب «تقويم الصحة» وهو كتاب طبي لابن بطلان يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر الميلادي. كما تضم المكتبة نسخة من ديوان المتنبي يعود تاريخ كتابته للعام 393 هـ، ونسخة من العهد القديم «أسفار موسى الخمسة» يعود تاريخها إلى عام 415 ه.

مخطوطات مختلفة في إسبانيا

تجمعت في إسبانيا مخطوطات عربية في المدن الإسلامية الأندلسية؛ غرناطة وقرطبة وإشبيلية وبلنسية ومرسية وغيرها،  وتتضمن المكتبة الوطنية في مدريد ما يزيد على الستمائة مخطوط  تتنوع بين المجلدات الكاملة والكتب والوثائق وتعود إلى تواريخ مختلفة، أكثرها شهرة هي أعمال ابن رشد المكتوبة في القرن الثاني عشر، وكتاب عن الموسيقى للفارابي.

ويميز مجموعة المخطوطات العربية في إسبانيا أن بعضها كُتب بلغة الألخميادو وهي كتابات استخدمها سكان الأندلس العرب الذين بقوا في أراضيهم بعد سيطرة الملوك الكاثوليك عليها، فتحدثوا القشتالية القديمة التي استخدمها سكان إسبانيا في ذلك العصر، وكتبوها بحروف عربية حفاظًا على هويتهم ولتبقى سرية، وعُثر على الكثير منها في مخابئ داخل الجدران أو فوق الأسقف أو تحت الأرضيات بمنازل سكان الأندلس، حيث أخفوها عن السلطات المدنية ومحاكم التفتيش الدينية ووجدها عند تجديد بناء المنازل أصحابها الجدد من الإسبان، فجمعوا كنزًا تاريخيًا يشمل وثائق من الحياة اليومية للأندلسيين مثل عقود الزواج والعقود التجارية وغيرها مما يكشف الكثير عن أسلوب حياتهم.

اقرأ أيضًا : آخر حصون الأندلسيين.. لغة «الألخميادو» السرية

كما تضمنت المكتبة مخطوطات من منطقة المغرب العربي تعود إلى الحقبة الأندلسية لكن أغلب المخطوطات تعود لما بعد سقوط الأندلس، بسبب التدمير والضياع الذي تعرضت له المخطوطات مع نهاية العصر الأندلسي وخروج كثير من الكتب والمخطوطات مع أصحابها في هجرتهم  من الأندلس إلى شمال أفريقيا.

أما أكبر المكتبات التي تحتوي على المخطوطات العربية فهي مكتبة دير الإسكوريال شمال مدريد التي خصصت قسمًا للمخطوطات العربية تضمّن ما يقرب من أربعة آلاف مخطوط عربي بينها نسخة من «شرح الموطأ» لابن مالك، ونسخة من «نسب عدنان وقحطان» للمبرد، و«جمع القوانين المقدسة» وهي نسخة قديمة لا يُعرف مؤلفها تعود إلى العام 480 ه وجُمعت فيها قوانين كنسيـة، ونسخة من «مختصر ابن سينا في استعمال الترياق والسكنجبين» تعود إلى عام 473 هـ، وكتاب «منافع الحيوان» لابن الدريهم الموصلي، وقد أهدت ملكة إسبانيا السابقة الملكة صوفيا ميكروفيلم يتضمن مخطوطات الإسكوريال إلى مكتبة الإسكندرية في مصر.

الجزء الأهم من المخطوطات النادرة التي تتضمنها مكتبة الإسكوريال يعود إلى السلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي السعدي الذي عُرف باقتناء الكتب وامتلك خزانة عظيمة بلغ ما بها حوالي  أربعة آلاف مخطوط في مختلف العلوم والمعارف، واضطُر ذات مرة للفرار من مؤامرة حاكها أحد أقاربه فجمع أملاكه ومنها الكتب في صناديق، وأبحر إلى فرنسا فقاطعه في الطريق قرصان إسباني استولى على ما معه ظنًا منه أن الصناديق تحمل كنوزًا وحين اكتشف أن بها كتبًا ومخطوطات، أهداها إلى ملك إسبانيا الذي حفظها بدوره في دير الإسكوريال، وهي مخطوطات طالب المغرب مرارًا عبر التاريخ باستعادتها من إسبانيا، ولم يحدث.

تركيا.. تنافس السلاطنة في اقتناء المخطوطات

النفوذ الواسع للخلافة العثمانية سمح لها بجمع المخطوطات في مختلف العلوم والفنون الإسلامية في المكتبات التركية، وتنافس السلاطين العثمانيون في جمع المخطوطات وإنشاء المكتبات  في المدن التركية وخاصة في إسطنبول، رغبة منهم في أن يكون لها مكانة تماثل مكانة دمشق عاصمة الأمويين، وبغداد عاصمة العباسيين، وتُقدر المخطوطات العربية بحوالي 160 ألف مجلد تعود أصولها إلى المكتبات الأموية والعباسية والسلجوقية والمملوكية.

إن هذا المصحف الشريف كتبه الإمام الشهيد ذو النورين، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، إملاء من أفواه الصحابة القراء في عصره، الذين أخذوا القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

عبارة كُتبت على نسخة المصحف الموجود بإسطنبول

بين ما تحتفظ به تركيا نسخة من مصحف عثمان كُتبت بالخط الكوفي، وقطعة خشبية نُحتت عليها أوائل سورة النجم بالخط المدني يُقدّر أنها تعود إلى القرن الثاني الهجري، إلى جانب نسخة من «بقية الأصمعيات التي أخلت بها المفضليات» تعود إلى القرن الثالث الهجري، وهي مختارات من شعر العرب الذي رواه الأصمعي، ونسخة نفسية من «المعلقات السبع»  تعود إلى عام 338 هـ .

كانت المخطوطات العربية في تركيا تتوزع في أكثر من خمس وثلاثين مكتبة قبل أن يصدر قرار بجمعها في مكتبة السليمانية التي تُعدّ أحد أهم مراكز المخطوطات والكتب العربية، إذ تُقدر محتوياتها العربية بحوالي من 70 إلى 80 ألف كتاب، تشمل مخطوطات القرآن الكريم وعلومه، والحديث الشريف وعلومه والفقه وأصوله وكتب الأدب والنحو، والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، والطبّ البشري، والبيطري، والفيزياء والكيمياء، والرياضيات والفلك، وخُزنت المخطوطات وفُهرست لتكون مرجعًا يجتذب المؤرخين والباحثين والعلماء.

إيران .. علوم العرب في المكتبة الفارسية

تضم المكتبة الوطنية الإيرانية نسخًا فريدة ونادرة لمخطوطات لكبار المؤلفين في مجالات الفلسفة والفقه والأصول والطب وعلم الفلك، أبرزها «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي ومجموعة رسائل ابن سينا وعدد من رسائل السهروردي و«فصوص الحكم» لابن عربي، كما تتضمن مجموعات من الرقع والمخطوطات لكبار الخطاطين، فضلًا عن الكتب المطبوعة حجريًا وتبلغ 13 ألف مجلد منها 4025 نسخة باللغة عربية.

كانت بلاد فارس محط أنظار المسلمين الأوائل، وتجمّع في إيران لهذا السبب حوالي 200 ألف مخطوط عربي كما يذكر جيوفري روبر في كتاب «المخطوطات الإسلامية في العالم» الذي صدر في أربعة أجزاء وترجمه الدكتور عبد الستار الحلوجي، تتوزع المخطوطات العربية في 19 مدينة إيرانية وصدر لها حوالي 200 فهرس، لخّصها للدكتور حسين علي محفوظ في كتاب  «المخطوطات العربية في العالم: نفائس المخطوطات العربية في إيران».

وبين أبرز المخطوطات الموجودة، نسخة من المصحف الشريف مكتوبة على الرق بالخط الكوفي كُتب  في آخرها «كتبه علي بن أبي طالب سنة أربعين من الهجرة»،  وكتاب «المرصع» لابن الأثير مكتوبة بخط يد المؤلف، ونسخة من  «آداب الفلاسفة» لحُنين بن إسحاق تعود لعام 249 هـ، والجزء الأول من كتاب  «العقد الفريد » لابن عبد ربه  الأندلسي.

40 ألف مخطوطة عربية في ألمانيا

انتقلت إلى المكتبات الألمانية مجموعة قيّمة من المخطوطات العربية جمعها أمراء ألمان من أجل مكتباتهم. واستكمل المجموعة علماء ألمان حرصوا على جمع أعداد كبيرة منها أثناء رحلاتهم، منها مصاحف نفيسة تعود إلى القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، وبين أشهر الكتب كتاب «الجامع الصحيح» للبخاري ونسخة من «تاريخ الرسل والملوك» للطبري ونسخة من «ديوان أبي العلاء المعري».

وتبلغ المخطوطات العربية في ألمانيا أربعين ألف مخطوطة تتوزع في مكتباتها المختلفة، وأبرزها مكتبة جامعة توبنغن المتخصصة في دراسات التراث الشرقي والإسلامي، ومكتبة الدولة في برلين التي  كانت تقتني حتى عام 1887 ما يزيد عن ستة آلاف مخطوطة عربية ازداد عددها ليصل حاليًّا إلى 11730 مخطوطة

إسرائيل تستحوذ على مخطوطات قديمة وحديثة

امتلأت المكتبات الإسرائيلية أيضًا بالمخطوطات العربية، وأقدمها مصحفان يعود تاريخ نسخهما إلى القرن الثاني للهجرة، كما انتقلت إليها بعض مقتنيات المستشرق المعروف أبراهام شالوم يهودا الذي جمع  الكثير من المخطوطات حصل على أغلبها من مصر وبلغت حوالي  1055 مخطوطة، نُسخت في الفترة الممتدة من القرن الثالث وحتى القرن العاشر الهجري،  وكان بين مجموعته مصاحف تعود إلى القرن التاسع الميلادي والثاني عشر من أنطاليا والأندلس وبلاد فارس، وتُعدّ من أجمل النسخ بأنماطها الزخرفية المميزة المطليّة بماء الذهب.

أما أحدث الخسائر في المخطوطات العربية، فكانت المجموعات الخطية الفلسطينية في القدس وفلسطين بشكل عام، وكانت تتناول تاريخ وتراث المدينة المقدسة وبلغ عددها 50 ألف مخطوطة لم يسلم منها سوى حوالي ثمانية آلاف مخطوطة، إذ خلت القدس خلال تاريخها الطويل من المجامع العلمية أو الخزانات الكبرى – وحتى من القصور- التي تحفظ أمهاتُ الكتب والنسخ الخطية النفيسة.

ولم تتأسس مكتبات في القدس بشكل منظم إلا في بدايات القرن العشرين، وأدى تأخر فهرسة هذا الكنز المعرفي إلى استيلاء الإسرائيليين عليه في العقود الأخيرة، وهناك الكثير من المخطوطات التي لم يُعرف على وجه التحديد كيف وصلت إلى المكتبات الإسرائيلية، كما بقيت بعض المخطوطات غير معروفة إذ لم تتضمنها الفهارس، وفي عام 2006 عرضت مؤسسات علمية إسرائيلية مخطوطات القدس للبيع عبر الإنترنت في غياب أي رد فعل عربي يُذكر.

اجمالي القراءات 6714
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق