الدكتور محمد ابو الغار يكتب غرق مركب رشيد.. ماذا حدث لمصر؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٧ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


الدكتور محمد ابو الغار يكتب غرق مركب رشيد.. ماذا حدث لمصر؟

ما حدث على المركب البدائى الذى خرج من رشيد على متنه مئات من الشيوخ والشباب والأطفال هرباً من مصر وهم يعلمون علم اليقين أن فرص الوصول إلى إيطاليا أقل بكثير من فرص الغرق فى البحر. ماذا يدفع المصريين لهذه الهجرة المخيفة؟. هؤلاء المصريون الذين لم يعرفوا الهجرة فى التاريخ من آلاف السنين إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين وانقسمت الهجرة إلى الهجرة النهائية لمئات الآلاف من المهنيين والمفكرين والعلماء والعمال المهرة ذهبوا إلى أمريكا الشمالية وأوروبا وقلة ذهبت إلى أستراليا. أما المجموعة الثانية فقد هاجرت لبلاد الخليج وليبيا هجرة مؤقتة ولكنها طويلة وكان يغلب عليها الطابع العمالى وبعض المهنيين، وتكونت من عدة ملايين وعاد الكثير منهم بأموال ليست هائلة ولكنها كثيرة بالنسبة لفقراء الفلاحين وسكان العشوائيات، وعادوا بثقافة وبملابس مختلفة ولهجة أخرى وتفكير مختلف وصاحبت عودتهم ظهور صناعة جديدة وهى الدعوة الإسلامية يقوم بها الدعاة أصحاب الصوت العالى لتخويف وتكفير كل مخلوقات الأرض. وهى مهنة مربحة ولها تأثير سياسى على ملايين الفقراء وآلاف من معدومى الثقافة من أنصاف المتعلمين.

فقدنا العقول المفكرة وصانعى الحضارة والمؤمنين بثقافة التصنيع والإبداع والتكافل المجتمعى والتسامح الدينى والمؤمنين بأهمية الفن والشعر وعادت العقول البسيطة الجميلة للمصريين بعد أن تشربت بروح دخيلة مدمرة فانهارت الثقافة والفكر وانتصر الجهل.

لماذا هاجر كل هؤلاء وهؤلاء؟ المجموعة الأولى هاجرت حين شعرت بأن حجم الحرية الفكرية والشخصية التى كانت تتمتع بها أخذت فى الانحسار، وأحوالهم الاقتصادية وطموحاتهم بدأت فى الانكسار، وشعر بعض من الأقباط والمسلمين بخطر الفكر المتطرف وتأثيره على المجتمع وأن المستقبل ليس فى صالحهم. المجموعة الثانية خرجت بغرض الرزق والعودة بتحويشة العمر. والجميع خرجوا بطريقة رسمية.

ما حدث الآن شىء مذهل. هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين خرجوا للموت لأنه يبدو أنه أحسن من الحياة التى يعيشونها. ما هى المشكلة التى تؤدى إلى انتحار جماعى متتالى من أهالى الدلتا؟.

يبدو أن أحداً لا يعلم بدقة الأحوال فى مصر! كلنا نعلم أن هناك فقراً شديداً ونعلم أن هناك معاناة كبيرة ولكننا لا نعلم أن الأمر وصل إلى الانتحار الجماعى. الطبقة المتوسطة تنقرض بسرعة كبيرة وإذا كان دخلك ثلاثة آلاف جنيه وتعتبر أنك من الطبقة المتوسطة فإنك واهم فأنت لا تستطيع دفع إيجار وأكل ومصاريف طفلين وأجرة مواصلات وأنا أتحدث مع أحدهم فقال إنه مرعوب من رفع سعر المترو والميكروباص لأنه يركب ثلاث مواصلات للوصول إلى عمله ورفع سعر المواصلات معناه أن يستغنى عن وجبة طعام وأساسيات أخرى. فما بالك بفقراء الريف والعشوائيات.

الغريب فى الأمر هو الاستخفاف بالحادث، فقال أحد النواب إنهم يستاهلوا وكثيرون أبدوا عدم التعاطف معهم، بل اعتبروا أن وضعهم فى السجن هو الحل الأمثل.

هذه الحادثة الطارئة أيقظت الكثير من الشجون عند الناس والغضب واليأس عند البعض، فمن يرمى بنفسه مع أولاده فى المحيط بالتأكيد مستعد أن يفعل أى شىء كارثى آخر فى المجتمع. يبدو أننا جميعاً نعيش فى برج عاجى ولا نعرف بدقة حجم المأساة. هل هناك ستار حديدى يحيط بالرئيس الآن ويقول له كله تمام يا أفندم وتحت السيطرة.

أنا لا أعرف ماذا يمكن أن يفعله الرئيس بمشاكل بهذه الضخامة! أنا لا أعرف ولا أستطيع أن أطلب منه طلبا محددا لأننى أعلم أننا فى طريق غلاء كبير سواء أردنا أم لم نرد، فالأمر لم يصبح بأيدينا تماماً. إننا نزيد أكثر من ٢ مليون نسمة كل عام ولا أحد يفعل شيئاً.

الحل الوحيد الذى قد يؤدى إلى الخروج من النفق المظلم هو أن يتوقف الرئيس عن استشارة القوات المسلحة فقط ويعود إلى الخبراء الوطنيين المدنيين لعلهم يخرجون بفكرة عبقرية تخرج أحسن ما فى المصريين وتفجر طاقاتهم للعمل والصبر والتفانى، ويلزم لنجاح أى مشروع حماس الشعب كله. المناقشة المجتمعية للمستقبل أمر ضرورى، وطريقة إعلان قرارات بدون أخذ وجهات النظر المختلفة وإطلاع الشعب عليها أمر كارثى. مشكلة تيران وصنافير سببها أننا أخذنا قراراً منفرداً وطلبنا من الجميع عدم النقاش فى هذا الأمر، ونريد الآن أن نلتف على حكم مجلس الدولة بتحويل الأمر إلى محكمة صغيرة، يقول أساتذة القانون إنها غير ذات صفة فى نظر القضية. مشكلة العاصمة الإدارية أننا نقوم بمشروع كبير الضخامة، والمصريون أصحاب البلد لا يعلمون عنه شيئاً. لن نستطيع تفجير طاقات هذا الشعب وتحفيزه وراء القيادة مع وجود الآلاف فى السجون بدون ذنب بسبب وجود قوانين غير دستورية.

الأزمة أكبر من شخص أو مجموعة، ولا بد أن نتكاتف كلنا لمحاولة حل المشاكل المتراكمة بطريقة علمية. نحن نخاف على مصر أن تسقط فى فوضى – لا قدر الله – وسوف تكون نهاية الوطن الغالى. نحن لا نريد أن نسقط فى أيدى نظام فاشى دينى يعود بنا إلى القرون الوسطى.

رئيس الجمهورية عليه أن يلم الشمل ويبدأ فى الحل الحقيقى ونحن معه نساعده ونعضده ونشترك كل قدر استطاعته وطاقته وعمره.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

اجمالي القراءات 815
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more