مدرسة الشهيد بطرس

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٢ - سبتمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مدى مصر


مدرسة الشهيد بطرس

استقبل صابر عيسى، والد شهيد الوطن بطرس صابر، اتصالاً من سكرتير عام محافظة سوهاج يزف إليه صدور قرار من المحافظ بوضع أسماء شهداء سوهاج الخمسة في مذبحة الفرافرة الإرهابية على خمس مدارس بالمحافظة، منها مدرسة نجع الشيخ يوسف للتعليم الأساسي التي أصبح اسمها مدرسة الشهيد بطرس صابر عيسى، ثم قامت الوحدة المحلية لمدينة جرجا بالتنسيق مع الإدارة التعليمية بوضع لوحتين تحملان الاسم الجديد، على إثر ذلك قام عدد من شباب القرية المسلمين بتسلق سور المدرسة وإزالة اللوحتين ووضعوا بدلاً منهما الاسم القديم.

مقالات متعلقة :

فور حدوث ذلك التوتر، سارع كل مسئول لنفي التهمة عن نفسه..  نعم، وضع لافتة باسم مسيحي على مدرسة أصبح تهمة. قالت وكيل وزارة التربية والتعليم بسوهاج نادية موسى إن المحافظة اتخذت القرار بدون التشاور معها، وأضافت: "الشهداء الأقباط يمكن إطلاق أسماؤهم على مدارس مسيحية حتى لا تحدث فتنة".

وفي السياق نفسه تَهَرب محافظ سوهاج من المسئولية، أولًا بنفي صدور قرار نهائي وإدعاء أنه كان مجرد اقتراح من لجنة التسميات، هذا على الرغم من أن مكتب المحافظ أصدر في 12 أغسطس الماضي بياناً صحفيا نشرته الوكالة الرسمية للدولة ومعظم الصحف، متضمناً قراره بتغيير أسماء خمس مدارس منها مدرسة نجع الشيخ يوسف.

لم يكتف المحافظ بذلك، بل عدل عن قراره السابق بأن يطلق اسم الشهيد "المسيحي" على الشارع الذي كان يسكن به، علمًا بأن معظم شوارع القرى في الصعيد لا تحمل أسماءً أصلاً، بينما أبقى المحافظ على تغيير أسماء الأربع مدارس الأخرى التي تضمنها القرار.

وفي إطار المنافسة على الحصول على نجاح إعلامي، أرسلت مديرية الأمن بيانا صحفيا نشرته الصحف عن نجاح جهودها في وأد الفتنة الطائفية بأن عقدت جلسة صلح عرفي تم الاتفاق خلالها على "نبذ التعصب والفتنة وتحكيم العقل وإعلاء الصالح العام على المصالح الشخصية". هذا على الرغم من عدم وقوع أية اعتداءات طائفية في القرية، وعدم قيامها بأية خطوة سوى طلبها من الأقباط الرضا بالقرار الجديد وأن تكون المصلحة العامة أهم من إطلاق اسم على مدرسة.

لا أحد في مصر يعرف القواعد التي يتم على أساسها اختيار أسماء الشوارع والمدارس وغيرها من المنشآت والمؤسسات العامة، وما إذا كانت تخضع لمعايير موضوعية من عدمه، وهل يملك المحافظ أو غيره من مسئولي المؤسسات المحلية أن يقوموا بذلك بدون التشاور مع المواطنين.

ولكن من أين بدأ الخطأ فى هذه الحالة؟ بدأت سلسلة الأخطاء في التعامل مع تلك المشكلة من عند محافظ سوهاج، فالمحافظ قرر منفرداً تغيير اسم مدرسة الشيخ يوسف إلى مدرسة الشهيد بطرس صابر بدون التشاور مع أهالي القرية، وبلا أية جهود للتمهيد للقرار من أجل ضمان تنفيذه، وهى نظرة تعكس نمط التفكير السلطوي لدي المسئولين، لكن الطامة الكبرى كانت في رجوع المحافظ عن قراره وحذف اسم الشهيد المسيحي من القرار لهويته الدينية، لأنه بهذا السلوك مارس التمييز الديني علناً وأظهر الدولة بأنها عاجزة عن تنفيذ قراراتها، وأنها أضعف من ضغوط شعبية حُشدت على أساس ديني.

يذكرني هذا التدخل المهزوم من المحافظ بتدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يحكم مصر في أبريل 2011، عندما قرر تعيين قبطي محافظًا لقنا، وشهدت المحافظة على إثر هذا القرار عدة مظاهرات واحتجاجات ترفع شعارات دينية لرفض تعيينه، فما كان من الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء أنذاك، إلا إصدار قرار بإيقافه عن العمل قبل أن يتسلم منصبه، وبذلك حكم بنهاية تجربة تعيين مسيحي محافظاً. كرر محافظ سوهاج الخطأ نفسه وبدلا من اختيار مدرسة أخرى وإقناع المواطنين بموضوعية القرار وعدالته قرر اللجوء إلى الحل السهل، طالما أن غضب الأقباط لن يترتب عليه مشاكل.

نأتي إذن إلى تصريحات وكيل وزارة التربية والتعليم التي تنضح بالتعصب والطائفية. تريد وكيل الوزارة على ما يبدو تقسيم ضحايا الوطن حسب معتقداتهم: فهذا يخص المسلمين وذاك يخص المسيحيين. مثل هذه التصريحات تكشف عن أسباب الوضع الذي أصبحنا فيه من تشدد ورفض للآخر، فالمسئولة قيادية بالوزارة التي يفترض أنها تقوم بتربية النشء وتعليمهم قيم العدالة والمساواة والتعددية واحترام حقوق الأخرين. فماذا تعلمهم هي إذن؟!

هذه الواقعة وما تبعها تعد مثاﻻً نموذجيًا على فشل المسئولين السياسيين والتنفيذيين الذين تغيروا عدة مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة فى إيجاد حلول عادلة لبعض المشاكل الطائفية، وإهمال قضية التمييز الديني، وعدم التعامل الجدي معها بشكل عام. وعلى الرغم من النص صراحة في الدستور الحالي على إنشاء مفوضية لمنع التمييز وتجريمه في قانون العقوبات، إلا أن المسئولين أنفسهم أصبحوا يمارسون التمييز الديني، والذى يصدر تارة عن رؤية متعصبة يعجزون عن إخفاءها وتارة أخرى عندما يفشلون في إيجاد حلول عادلة لبعض المشاكل الملتهبة، فلا بأس من مزيد من الضغوط والانتهاكات على الجانب  اﻷضعف، وأقصد هنا الأقليات الدينية والأقباط تحديداً، فلم يحظ تدخل مسئولي محافظة سوهاج الطائفي والتمييزي للتعامل مع التوتر بقرية نجع الشيخ يوسف، على خلفية تغيير اسم المدرسة، باهتمام القيادة السياسية في القاهرة التي صدعتنا بالحديث عن المساواة والمواطنة والعدالة. فمر أكثر من أسبوع، ولم يتدخل وزيرا التنمية المحلية والتربية والتعليم، الأول يتبعه المحافظ ويبدو أنه غير مهتم بمتابعة مرؤوسيه، والثاني تحدث كثيرا عن  تطوير التعليم ووضع مناهج للأخلاق والقيم.

على الرغم من النص صراحة في الدستور الحالي على إنشاء مفوضية لمنع التمييز وتجريمه في قانون العقوبات، إلا أن المسئولين أنفسهم أصبحوا يمارسون التمييز الديني.

إن خطورة ما حدث تكمن في الرسالة التي تقدمها الدولة لمواطنيها، بأنها تقف في صف التمييز الديني بلا خجل أو مواربة، وعندما تبدو أنها مُنصفة تعجز عن تنفيذ قراراتها. فهل يتدخل وزيرا التنمية المحلية والتربية والتعليم لمعاقبة من أخطأوا في التعامل مع هذه المشكلة، لإرساء قيم المساواة والعدالة؟

اجمالي القراءات 1778
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق