د. نادر فرجاني: هل يعاني المجلس الأعلى للقوات المسلحة من الفصام؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٨ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


د. نادر فرجاني: هل يعاني المجلس الأعلى للقوات المسلحة من الفصام؟

د. نادر فرجاني: هل يعاني المجلس الأعلى للقوات المسلحة من الفصام؟

أزعم أنه ينطبق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة المثل الشعبي:”أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب!”

فمن منا لم يتملكه الإعجاب والفخر بإعلانات كثيرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، تعبر عن مواقف مبدئية رائعة، ثم صدمته بعد ذلك تصرفات وإجراءات تناقضها تماما.

والفصام هي حالة انفصام الشخصية، حيث يظن المصاب به أنه شخصية ما في وقت ما، وشخصية أخرى تماما في حين آخر.

 

وأعراض فصام المجلس عديدة، كما قد تزايدت مع مرور الزمن في المرحلة الانتقالية.

بداية، هناك إطالة أمد المرحلة لانتقالية من ستة شهور موعودة إلى ثلاث سنوات أو يزيد حسب التقدير المعلن وقت الكتابة.

ولكن أخطر أعراض الفصام هي تناقض قرارات المجلس، ومعاونيه، مع الإعلان الدستوري للمجلس الذي يحكم المرحلة الانتقالية وأصدره المجلس من دون أي استشارة شعبية فيما يتصل بالغالبية الساحقة من بنوده، وحتى تلك التي كان لها من الاستشارة الشعبية نصيب، فقد خضعت للتعديل والتبديل حسب مشيئة المجلس وحده. ومن ثم كان حريا بالمجلس أن يعض عليه بالنواجذ.

أولا، هناك استمرار إحالة المدنيين للقضاء العسكري، غير المستقل بالتعريف والمفتقر لضمانات المحاكمة العادلة في التطبيق الفعلي، والذي يتناقض مع نص أكثر من مادة في الإعلان، ناهيك عن الالتزام الدولي لمصر باحترام منظومة حقوق الإنسان.

وقد اعترف المجلس ضمنا بذلك الحق الأصيل من خلال وعد رئيسه بإيقاف إحالة المدنيين للقضاء العسكري وإصداره لعفو عن أعداد كبيرة ممن صدرت ضدهم أحكام عسكرية من المدنيين. ومع الترحيب بهذه الإجراءات التخفيفية إلا أنه يعيبها أنها لا تقر المبدأ الأصيل، وتصمم على انتهاك الإعلان الدستوري مبقية رخصة إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري والإعفاء من تنفيذ أحكامه، سلطة مطلقة للمجلس. وآخر تلك الانتهاكات هو ما تعرض له الشاب الرائع حقا، علاء عبد الفتاح، بناء على اتهامات بادية التلفيق (بدليل أن عرض عليه أحدهم أن يُعفى عنه فورا بشرط أن يتعهد كتابة بعدم إهانة “المشير”، ما يشي بكنه “التهمة” الحقيقية الموجهة إليه)، وخيرا فعل علاء بالإصرار العظيم على عدم الاعتراف بحق القضاء العسكري في محاكمته، وعلى رفض العفو المشروط بمنعه من حقه الأصيل في الرأي والتعبير، ما سيبقى شرفا له وقدحا وذما فيمن عاقبوه عليه.

وينتهك إحالة المدنيين للقضاء العسكري المواد التالية من الإعلان الدستوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة :

مادة21: التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.

مادة22: حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول.

وألا يعلم المجلس ومستشاريه وناصحيه أن القاضي الطبيعي للمدنيين هو القضاء المدني المفترض فيه الاستقلال ومقومات عدالة التقاضي؟ وهل غاب عن هؤلاء جميعا أن بعض محاكمات القضاء العسكري قد افتقرت فعلا إلى صيانة حق الدفاع، المكفول دستورا؟

ويزيد من غرم هذا الانتهاك الجسيم وظلمه إصرار المجلس العسكري المكابر على محاكمة مجرمي نظام الطاغية المخلوع أمام القضاء الطبيعي، بقوانين، وبتكييفات نيابة، وبإجراءات تقاض تضمن إفلاتهم من العقاب العادل، إن عوقبوا على الإطلاق، في النهاية.

إلا أن أفدح أعراض هذا الفصام المرضي هو نية المجلس المبيتة، والجهد الدءوب بتوظيف أعضاء المجلس وحكومته الذلول، على انتزاع حصانة غير مستحقة للقوات المسلحة ومكانة فوقية غير جائزة تضعها فوق الدولة وحتى فوق الشعب في الدستور القادم.

ولا شك في أن هذا المسعى غير الحميد يثير الريّب فيما يتحسب المجلس الأعلى للقوات المسلحة من احتمال المساءلة عليه من تجاوزات أو انتهاكات، من قبل مؤسسات الدولة ومن قبل الشعب صاحب السيادة المطلقة ومالك القوات المسلحة، ابتداء، ولو من خلال ممثليه، أو من خسارة مزايا غير مستحقة لو جرت مساءلة المجلس. وهل غاب عنهم أن كل الضمانات القانونية والبطشية التي ابتدعها الطاغية المخلوع، وجميع المزايا غير المستحقة التي اقتنصها تشكيله العصابي الساقط ومعاونيه، وبعضهم أعضاء في المجلس العسكري أو حكومته الذلول، لم تمنع الشعب من الإطاحة به عندما أراد صاحب السيادة المطلقة؟

لقد عبر اللواء ممدوح شاهين عن هذه الرغبة منذ شهور في اجتماعات “الوفاق الوطني”. وأكد عليها تسريب نائب رئيس الوزراء لنصوص تتوخى الغاية نفسها في الوثيقة التي اقترحها للمبادئ العامة للدستور القادم قبل إجراء الانتخابات التشريعية بأسابيع قليلة، بحيث ظهرت كوسيلة لاستباق المجلس التشريعي القادم والجمعية التأسيسية الناشئة عنه وغل يدهما في وضع الدستور الجديد، من أجل ضمان حصانة للقوات المسلحة وتسييدها على الدولة والشعب، وأثارت الريّب في أن هذا الغرض المشين هو القصد الأساس من الوثيقة وليس ضمان مدنية الدولة و حقوق المواطنة المتساوية كما كان أمل البعض الحريص على قيام الحكم الديمقراطي الصالح في مصر.

وغاب عمن اقترح هذه النصوص المعيبة، ومن وقف ورائه أو أمره بطرحها، أنها تتناقض مع الأسس الدستورية المستقرة في الحكم الديمقراطي الصالح، وتنتهك أكثر من مادة من مواد الإعلان الدستوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ذاته، وتضم هذه المواد المنتهكة:

مادة1:  جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة

مادة3 : السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها. مادة 25: رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، ويسهر على تأكيد سيادة الشعب وعلى احترام الدستور وسيادة القانون.

مادة 33 :يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع، ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

ولا يحتاج الأمر إلى كثير خبرة أو تخصص لتبين التناقض بين هذه المواد الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية، كما فرضها المجلس نفسه، وبين محاولة تحصين المؤسسة العسكرية وتسييدها في اقتراح السيد نائب رئيس الوزراء والمجلس، فليس الأول، كما رئيسه، إلا مأمورٍ.

وإن كان يمكن أن يرد على ملحوظاتنا هذه أن الشعب لم يقر نصوص الإعلان الدستوري تلك، ومن ثم فلا يصح أن يحتج بها على الشعب، ويظل للمجلس حق تعديلها. ولكن هذا التصحيح الوارد لا ينفي مرض الفصام عن المجلس إلا إذا استخلصنا أننا لا يجب أن نأخذ إعلاناته على محمل الجد. ويعني مد هذا الحجة إلى نهايتها المنطقية أن الإعلانات الدستورية للمجلس يجب ألا تلزم الشعب البتة.

ونتمنى على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حرصا على مكانة الجيش المتميزة في وجدان الشعب المصري، ألا يُصدر مثل هذه النصوص المعيبة بإعلان دستوري يكون واضحا فيه تضارب المصالح وشبهة الحرص على الاحتماء الشكلي من مساءلة واجبة وراء نصوص، لن تقف في طريق الشعب صاحب السيادة لو أراد، أو حين يقرر، مساءلة قواته المسلحة التي يملكها ابتداء.

 

ولكن، ماذا عن أسباب هذا الفصام البادي، والمدمر لسلامة مرحلة الانتقال إلى الحكم الديمقراطي الصالح في مصر بعد ثورة الفل؟

بداية، يمنعنا التقدير والمحبة لجيش الشعب العظيم، واحترام شرفه العسكري، من الظن بأن الاضطراب البادي هو قصدي لنوايا مبيتة بقصد التعمية على تجاوزات وأخطاء، أو الاحتفاظ بالسلطة المطلقة لأطول مدة ممكنة، أو التدبير لاقتناصها في النهاية.

ويعفينا الانضباط العسكري من مظنة تعدد الآراء داخل المجلس، فالانضباط هذا يلخص أي مجموعة عسكرية في الضابط الأعلى رتبة الذي تقع عليه، من ثم، مسئولية القرار المتخذ.

ولا يبقى لنا إلا الظن المرجّح بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد اصطفى مستشارين وناصحين، من الداخل والخارج، واصطنع معاونين ضعاف ومتملقين، تتضارب آراؤهم ونصائحهم ما ينعكس، بسبب ضعف خبرة المجلس في السياسة، وإصراره على الحكم المطلق، على تخبط المجلس في قراراته، ويفرض طابع التقلب واحتمال الفشل على مسار مستقبل مصر في التحول إلى الحكم الديمقراطي الصالح.

لعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينتبه للمرض، ويقبل العلاج، ففي الحكمة أن من لا يقبل العلاج لا يتماثل للشفاء!

والخشية أن مغبة استمرار المرض لن تتوقف عند المجلس، بل سيعاني منها شعب مصر كله، ما يخوّل للشعب العظيم الحق في الإصرار على علاج المجلس أو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوقي شرور المرض الذي يعانيه

اجمالي القراءات 3719
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق