صراع البيزنس والشائعات والنساء في الفضائيات الإسلامية

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٥ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


محمد الباز

منذ سنوات قليلة كان مصدر رزق الشيوخ الذي كتبه الله لهم وعلقه في رقابهم من بعض الكتب وشرائط الكاسيت التي تحمل مواعظهم و الدروس التي يلقونها في المساجد وبيوت الأثرياء وهي الدروس التي تطورت إلي أن أصبحت مثل «الدعوة بارتي»: قراءة قرآن وموعظة وبعض الأسئلة من المشاركين ثم بوفيه مفتوح فيه ما لذ وطاب من أنواع الطعام الفاخرة والقادمة رأسا من أغلي المحلات، ولا تنتهي «البارتي» إلا بعد أن يحصل سيدنا الشيخ علي مظروف مغلق فيه ما جاد به صاحب الدعوة، قد يكون المبلغ متفقاً عليه وقد يتركه الداعية لحسن تقدير من يدفع وفي الغالب كان صاحب الدعوة يقدر الداعية جيدا.



ظل الحال هكذا إلي أن اخترق عمرو خالد هذا الحصار وبدأ يقدم بعض البرامج علي الفضائيات وتقريبا كان الشيخ صالح كامل يحتكر كل جهوده، وجد الشيوخ أن عمرو خالد يكسب جيدا ثم إن الشهرة التي تأتي راكعة عبر شاشة الفضائيات أكبر ففي المساجد أو النوادي أو بيوت الأثرياء يكون الجمهور فيها قليلا أما القنوات الفضائية فهي تأتي لهم ليس بآلاف المشاهدين بل بالملايين وليس في مصر وحدها ولكن في دول العالم المختلفة، فبدأت برامج الشيوخ الفضائية تتسرب عبر أصابع القنوات، فظهر خالد الجندي وصفوت حجازي والحبيب علي الجفري، ثم دخل في السباق شيوخ الخليج مثل طارق سويدان وسلمان العودة وعائض القرني.

وكما الحال قبل مرحلة الفضائيات حيث كان الشيوخ درجات رفع الله بعضهم فوق بعض، فإنهم في مرحلة الفضائيات درجات أيضا رفع الله بعضهم فوق بعض، ظل الدعاة الجدد الذين ظهروا علي الشاشات بملابس عصرية غاية في الشياكة ويتحدثون في الإسلام بأسلوب جديد هم الذين يتصدرون المشهد وحدهم حتي ظهرت القنوات التي يمكن أن نطلق عليها القنوات السلفية التي أغلقت نفسها علي شيوخ السلفية الكبار أمثال محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو اسحاق الحويني، وقد غير هؤلاء شكل الشاشة تماما، حيث استبعدوا من قنواتهم الدعاة الجدد باستثناء الدكتور صفوت حجازي الذي لم يستطع أن يصنع له طريقا مميزا بين الدعاة الجدد، ثم إنه أقرب إلي فكر السلفيين بحكم تكوينه ودراسته وتلقيه العلم علي يد شيوخ المدينة المنورة، كما أنهم استبعدوا النساء من العمل، حدث هذا تحديدا مع الشيخ أبو اسحاق الحويني عندما نجحت إدارة قناة الناس في إقناعه بالظهورعلي شاشتها فاشترط أن تخرج النساء جميعا من القناة فلم تبق فيها امراة حتي في البوفيه.

القنوات الإسلامية بدأتها شركة سعودية هي البراهين التي يديرها عاطف عبد الرشيد، وتمتلك هذه الشركة قنوات الخليجية والناس التي يديرها هاني البنا، والبركة التي يديرها عبد الحميد توفيق والصحة والجمال التي يديرها عبد الله عبيد، والحافظ وهي قناة لقراءة وتلاوة القرآن الكريم، إلي جانب قناة الحكمة التي يديرها وسام عبد الوارث، وقناة الرحمة التي يديرها محمود حسان وهو شقيق الشيخ محمد حسان، وهي ليست ملكهما وحدهما حيث إن هناك شريكاً لهما هو يسري المغازي عضو مجلس الشعب السابق وصاحب مصانع سكر ببلقاس، وقد وضع في القناة مليوني جنيه نصيبه في الاستثمار.

هذه هي القنوات الاسلامية الأشهر التي يعرفها الناس وتثير حولها الصخب بما تقدمه من أفكار، لكن هناك بعض القنوات العاملة في المجال لكن أقل شهرة مثل: طيبة والفجر والمجد والأمة التي يملكها الشيخ أبو إسلام والذي قرر مؤخرا إنشاء قناة يعمل فيها وتديرها المنتقبات فقط وأطلق عليها اسم مارية القبطية، القنوات الشهيرة بالطبع مثل اقرأ والرسالة خرجت من السباق مبكرا لأنها في نهاية الأمر حافظت علي تقليديتها ثم إن الناس في النهاية يحبون التجديد حتي لو كان في الدعوة إلي الله.

في قلب هذه القنوات يحتل الشيخ محمد حسان مكان ومكانة نجم الشباك الذي يلتف حوله الجميع، فهو المنسق للأمر يحدد من يتحدث ومن لا يتحدث من يظهر ومن لا يظهر، الشيخ حسان يعرف جيدا أن كل ما يدور في كواليس هذه القنوات غير صحيح ولذلك كان من الطبيعي أن يقول لبعض المقربين منه: أن أكون ترسا صالحا في منظومة فاسدة خير لي من أن أترك هذه المنظومة لترس فاسد، ويعرف العاملون في المجال الدعوي الفضائي أن هذه القاعدة هي التي دفعته للاستمرار في قناة الناس رغم اختلافه مع عاطف عبد الرشيد الذي يتركز اهتمامه في جمع المال مهما كان السبيل اليه، بل إن هناك اختلافاً في المنهج فقد اعترض محمد حسان علي الاستعانة ببعض شيوخ الصوفية في القناة لكن عبد الرشيد لم يستجب له، وقد يكون هذا مفسرا لتأسيس الشيخ حسان قناة خاصة به هي قناة الرحمة التي يضع سياستها ويشرف عليها، وإن كان لم يخلع نفسه نهائيا من قناة الناس لأنه لا يستطيع أن يضحي بجمهوره منها.

هو الشيخ القوي إذن في هذه المنظومة الهائلة التي ترقد علي ملايين هائلة وعلاقات متشابكة ومصالح متعارضة وشائعات تنال من سمعة العاملين فيها وتحط للأسف الشديد من قدرهم، بل إنها قد تجبر بعضهم علي أن يقعوا فيما لا يجب ويتورطوا في أعمال لا تليق بدورهم في الدعوة، ولأن قدر الشيخ محمد حسان أن يكون كبيرهم فإن الخطأ يكون منه كبيرا، ففي أثناء أزمة الرسوم المسيئة للرسول كان حسان يتحدث وفي غمرة انفعاله قال بالنص: انصر رسولك الآن... انصره ولو برسالة، ولأن الشيخ مصدر ثقة فقد انهالت الرسائل علي القناة وظهرت علي النيوز بار، لام البعض علي الشيخ حسان هذا السلوك وسألوه عما يمكن أن تفعله هذه الرسائل وكيف يمكن أن ننصر الرسول بها وهي في النهاية منا وإلينا والإساءة وقعت هناك في الغرب ونحن هنا جميعا نحب الرسول ولا نطيق كلمة سيئة عليه، أقسم الشيخ حسان أنه لم يتقاض مليما واحدا من هذه الرسائل ورغم أن الكلام ليس منطقيا لكننا نصدقه فهو لا يكذب أو علي الأقل لا يوجد مبرر يجعله يكذب، لكن هذا لا ينفي أنه تم استغلاله من قبل القناة في تحقيق مكاسب هائلة، فسعر الرسالة يتجاوز الستة جنيهات دفعها المسلمون بنية نصرة الرسول، دخلت جيب القناة دون أن يتغير شيء.

ظل الشيخ محمد حسان مسيطرا علي ما يدور في القنوات السلفية حتي شهور قليلة، تحديدا حتي ظهر الشيخ محمد عبد الملك الزغبي، هو علي كل حال ليس مشهورا بما يكفي، لكنه الآن يشق طريقه في عالم الدعوة الفضائية، وقبل أن نعرف ما حدث لابد من النظر قليلا إلي خلفية هذا الرجل، فهو من قرية ديمشلت مركز دكرنس وهو نفس المركز الذي خرج منه محمد حسان فهو ابن قرية ديموه التي تتبع نفس المركز، وهو رجل صدامي كان يعيش في مشاكل دائمة مع الأمن بسبب خطبه التي كان يلقيها من علي منبر قريته حيث كان يصف رموز الحكم الكبار بالنفاق وسب رئيس الجمهورية وزوجته أكثر من مرة بشكل مباشر لا إخفاء ولا مواربة فيه، ولم يكن هناك مفر أمام الأجهزة الأمنية إلا طرده من مصر التي خرج منها إلي الكويت عام 1997.

عمل الزغبي داعية في الكويت حتي عام 2007، لكنه عاد منها مطرودا بعد أن دخل في مشاكل عديدة مع الشيعة هناك فاضطرت الأجهزة الأمنية في الكويت إلي طرده، خرج منها لأداء فريضة الحج في موسم 2007 وعندما أراد أن يعود رفضوا دخوله فظل علي الحدود بين الكويت والسعودية ثلاثة أيام كاملة لا يعرف كيف يتصرف إلي أن أجري بعض الاتصالات مع بعض المسئولين هناك حيث سمحوا له بالدخول ليصطحب زوجته وأولاده ليخرج من البلد التي احتضنته عشر سنوات كاملة بلا عودة.

عندما عاد الزغبي من الكويت وجد أن خريطة الدعوة قد تغيرت تماما ووجد أن نجم محمد حسان قد لمع وكعبه قد علا عليه وأصبح داعية الفضائيات الأول، لقد ظهر الزغبي وحسان في نفس الوقت تقريبا لكن شتان بين ما وصلا إليه الآن، حاول أن يخترق القنوات الفضائية عله يحظي ببرنامج هنا أو برنامج هناك لكنه فشل، ولم ينجح في ذلك إلا بعد أن احتضنه الاعلامي محسن الصباغ وهو مذيع بالأساس في القناة السادسة حصل علي بكالوريس تجارة من جامعة المنصورة ويعمل كذلك مذيعا في بعض القنوات السلفية، استضافه بشكل دائم في قناة البركة من خلال برنامج فتاوي اقتصادية، وكان من بين ما رصده محسن الصباغ أن الشيخ الزغبي قبل أن يظهر في البرنامج كانت له آراء متشددة وتحديدا في التعامل مع البنوك لكنه بعد أن صافحت الكاميرا وجهه أصبح أكثر لينا ومرونة في الحلال والحرام فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية، ومن قناة البركة إلي قناة الرحمة التي يملكها محمد حسان حيث قدم الزغبي برنامج ففروا إلي الله، وأغلب الظن أن محمد حسان استعان بالزغبي حتي يصل رحم القري المتجاورة فقرية الزغبي قريبة من قريته، فالعلاقة بينهما ليست علي ما يرام علي المستوي الشخصي، فعندما زوج الشيخ حسان ابنته وكان فرحا ضخما لم يدع إليه الشيخ الزغبي رغم أنه كان موجودا في قريته القريبة من مكان الفرح، ورغم أن محمد حسان دعا إلي فرح ابنته الكثيرين من كل مكان ومن كل الاتجاهات.

ويقول لي شاهد عيان إن الفنان وجدي العربي وزوجته أم بسملة كانا من ضيوف الشيخ حسان وقبل أن يذهبا إلي الفرح زارا الشيخ الزغبي في بيته، ولأن الشيخ الزغبي عرف أن وجدي العربي متيم بالصوفية ومشايخها وأهلها فقد دخل معه في وصلة مدح وثناء وإطراء جعلت وجدي ينصت للشيخ، وقبل أن ينصرف وجدي أهداه الزغبي بعضا من خطبه ومواعظه المسجلة علي شرائط كاسيت وأثناء عودة وجدي العربي من الفرح وضع أحد شرائط الزغبي في كاسيت السيارة فاذا به وصلة ذم وقدح تصل إلي درجة التكفير للصوفية وشيوخها، فتعجب من الرجل الذي كان منذ قليل متيماً عشقا وحبا وهياما بشيوخ الصوفية وأهلها.

قبل ظهور الشيخ الزغبي علي خريطة الدعوة الفضائية كان الجو صافيا لا مشاكل ولا أزمات فيه، لكنه بعد أن ظهر بدأت الشائعات تنتشر في كواليس هذه القنوات، ولا أستطيع أن أجزم أو يجزم غيري أن الشيخ الزغبي هو الذي أطلقها، لكنه مجرد ربط زمني بين ظهوره وظهور هذه الشائعات التي منها علي سبيل المثال وليس الحصر:

- أحد الشيوخ الكبار الذين يعملون في برامج الفتاوي يتقاضي شهريا من أحد البنوك الإسلامية الكبيرة 4 آلاف جنيه حتي لا يتعرض إلي فوائد البنوك وإذا جاءه سؤال عنها مصادفة لا يحرمها.

- أحد الشيوخ الكبار سعي لتفريغ المساجد من روادها حيث يترك الناس بيوت الله ليلتفوا حول القنوات الفضائية التي أصبح هذا الشيخ يسيطر عليها، وقد ردد أحد الدعاة عن هذا الشيخ الذي فرغ المساجد من روادها أنه يحب أن يلقي الله فاسقا خير عنده من أن يقول إن هذا الرجل داعية وهو ليس كذلك.

- الشائعة الأضخم والأصعب أن هناك داعية تزوج 37 مرة، يبقي زوجتين فقط علي ذمته حيث أنجب منهما والباقيات يتزوج منهن بعض الوقت ثم يطلقهن، ويقال إنه تزوج من سيدة اسكندرانية قضي معها ليلة واحدة ويبدو أنها لم تعجبه في الفراش فطلقها بعد أن أعطاها 200 ألف جنيه مقابل ليلة واحدة.

- يتردد أن اجهزة الأمن جندت سيدة من بنات الليل لتغوي المشايخ فيقيمون معها علاقات جنسية وبعد أن تقوم بتسجيلها تسلمها للأمن حتي تكون هذه التسجيلات أوراق ضغط في يد الأمن يسيطر من خلالها علي هؤلاء المشايخ فلا يقولون إلا ما تريده الأجهزة، ويتردد أنها استطاعت بالفعل اصطياد عدد من الشيوخ ويقال أيضا أن أحدهم قال في خطبة علنية موجها كلامه للأجهزة الأمنية إن الشريط الصوتي الذي لديكم ليس النسخة الوحيدة وقال: الشريط لا يزال في جيبي.

أحاطت الشبهات بالشيخ محمد الزغبي أنه هو الذي يقف خلف هذه الشائعات وكان لابد من المواجهة وقد حدثت بالفعل في استوديو قناة الرحمة الثلاثاء قبل الماضي، كان الشيخ الزغبي كان قد انتهي توا من برنامجه ففروا إلي الله، كانت المواجهة بحضور محسن الصباغ والداعية أحمد زكي الذي عمل لفترة مع الزغبي في الكويت ويعرفه جيدا ومحمود حسان الذي واجه الزغبي بكل ما يقال ويتردد حول المشايخ وأنه يقف وراء ذلك حيث إن هناك شهوداً عليه قالوا إنه قال هذا الكلام أمامهم في جلسات خاصة أكثر من مرة.

استأذن الزغبي ليدخل الحمام وهذا طبيعي فقد كان خارجا من الاستوديو والتكييف فيه عالٍ جدا، وبعد أن خرج سأله محمود حسان ففتح المصحف وأقسم عليه بأن هذا لم يحدث، وعندما وجهوا انتباهه بأنه كان في الحمام ولا يجب أن يمس المصحف قبل أن يعيد الوضوء تهرب منهم، وأراد أن يتهرب أكثر فقال لهم إن لديه موعدا الان مع وسام عبد الوارث مدير قناة الحكمة، وقبل أن ينهي كلمته دخل عليهم وسام وكأن القدر أراد ترتيب ذلك فقد سلم وسام علي الزغبي بحماس وحميمية في إشارة إلي أنه لم يره ولم يتحدث معه منذ فترة طويلة ولم يكن بينهما موعد كما قال الزغبي.

انتهت المواجهة بقسم الزغبي علي المصحف وعاد مرة ثانية لتقديم برنامجه علي قناة الرحمة، لكن الشائعات لم تنته بعد وهي شائعات ستظل مستمرة لأن الصراع بين المشايخ سيظل مستمرا علي الشهرة والأضواء والأهم من ذلك كله علي المال، والمال والحمد له لا يحصي ولا يعد.

اجمالي القراءات 2130
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق