ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي : تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي:
فتوة اللاهين وفتوى المجاهدين

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-10-26


 

نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

 

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :  تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي

ثانيا : فتوة اللاهين :

كان يقابل الفتوة الشيعية السابقة فتوة اللاهين التي شاعت عند بعض خلفاء بني أمية واظهرهم في ذلك يزيد بن عبد الملك وابنه الوليد )[1] ، كما شاعت لدى (طبقة من الناس يعرفون باسم (الفتيان) يجتمعون للهو والسكر والغناء. وكان الغناء من أظهر لهوهم وقد حرمه الأمير خالد القسري بالعراق لما وليه في العصر المذكور ثم أذن فيه لحنين الحيرى وحده على شرط ألا يحضره سفيه ولا معربد...) . وجاء في أخبار حنين هذا أنه خرج من الحيرة إلى حمص يلتمس الرزق بها ، فسأل عن الفتيان بها فقيل له : إنهم يجتمعون به إلى الحمامات إذا أصبحوا . فوجد جماعة منهم في أحد الحمامات وذهبوا به إلى منزل احدهم فأكلوا وشربوا وطلب أن يغنى لهم فلم يستحسنوا غناءه ، وذكروا إنه كان في أول أمره يحمل الرياحين إلى الفتيان والموسرين بالكوفة وإلى أصحاب الفتيان المتطربين بالحيرة )[2].

وكان من خلق فتيان اللهو أن يأتوا قبر أبي الهندي غالب بن عبد القدوس من مخضرمي شعراء الدولتين الأموية والعباسية وأول من استفرغ شعره في وصف الخمر في الإسلام فيشربون الخمر ويصبون القدح إذا وصل إليه على القبر )[3].

ومن الذين عاشروا فتيان اللهو على بن الجهم الشاعر المشهور ، فقد روى الأصفهاني أن على بن الجهم كان يعاشر جماعة من فتيان بغداد لما أطلق من حبسه ورد من النفى ، وكانت تلك الجماعة تألف القيان في منزل رجل اسمه المفضل يسكن بالكرخ مركز تجمع السوقة والعيارين وكان من أرباب القيان . قال في ذلك على بن الجهم :

نزلنا بباب الكرخ أطيب منزل         على محسنات من قيان المفضل

اواني ما للضيف منهن حشمة         ولا ربهن بالجليل المبجــــــــل

يسر إذا ما الضيف قل حــيـاؤه         ويغفل عنه وهو غير مغــــفـــل

ويكثر من ذم الوقار وأهـلــــــه        إذا الضيف لم يأنس ولم يتبــذل

ولا يدفع الأيدي المريبة غيـــرة        إذا نال حظا من لبوس ومأكــل

ويطرق إطراق الشجاع مهابة          ليطلق طـــرف الناظر المتأمل

أشر بيد واغمز بطرف ولا تخـف      رقيبا إذا ما كنت غير مبخـــــــل

وأعرض عن المصباح والهج بمثله    فإن خمد المصباح فأدْنُ وقبـــل

وسل غير ممنوع وقل غير مسكت     ونم غير مذعور وقم غير معجل

لك البيت ما دامت هداياك جـــــمة      وكنت مليا بالنبيذ المعـــــــــــسل

فبادر بأيام الشبـــــــــــــاب فإنها        تقضى وتفنى والغواية تنجـــــلي

سقى الله باب الكـــــرخ متنزه الـ       حسان ومثوى كل خرق معــــــذل

لو أن امرأ القيس بن حجر يحلها      لأقصر عن ذكر الدخول فحـــومل

إذن لوأي أن يمنح الـــــود شادنا          مقصرا أذيال القبا غير مسـبــل

إذا الليل أدنى مضجعي منه لم يقل   عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل )[4]

وقد انغمس فتيان القرن الثالث الهجري في الرذائل فلم يحجموا عن رذيلة حتى اللواط ، ولذلك لما سأل بعضهم قاضي الفتيان أبا الفاتك عن دعوى الزناة أن اللواط ضرب من الزنا أجاب قائلا : ذلك من أراجيف الزناة ، فهو ــ فض فوه ــ بعد اللواط أشرف من الزنا فلا ينبغي أن يسوى بينهما . وكان حكم الفتيان في الفتى إذا تعرض لغلام الفتى أن تقطع أذنه )[5].

ثالثا : فتوة المجاهدين :

تأثر الجهاد في الحدود الإسلامية بانصراف المسلمين إلى الدنيا وما جرّ ذلك إلى قيام الحروب الأهلية في عهد عثمان وعلى ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك . وقد مر ثورات العلويين وأشير إلى ثورة المختار الثقفي وعبد الله ابن الزبير . وكان جراء ذلك أن توقفت فتوحات المسلمين في الشرق في أواخر عهد عثمان ـــ اللهم إلا انتصارهم في معركة ذات الصواري البحرية على الأسطول البيزنطي (32هـ) أو (35هـ) ــ وعهد على ) [6]. وقبل معاوية دفع جزية سنوية إلى الروم في انشغاله بقتال على )[7].

ولما استقر الأمر لبني أمية بسطوة الحجاج ، واصل المسلمون الفتح في الشرق والغرب والشمال فتقدموا من خراسان إلى كاشغر وما وراء النهر والهند بقيادة قتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم ، ومن شمال إفريقية إلى أوسط الأندلس بقيادة طارق ابن زياد ، ولمع اسم أبي أيوب الأنصاري الذي غزا مع يزيد بن معاوية واستشهد (50هـ) أمام القسطنطينية ودفن على أبوابها ، واسم عبد الله البطال (ت122هــ) واسم مسلمة بن عبد الملك بن مروان الذي حاصر القسطنطينية برا في عهد أخيه الخليفة سليمان (98هـ) ، في حروب المسلمين مع البيزنطيين في الشمال برا وبحرا )[8].

بيد أن بالمقارنة بين فتوح المسلمين فى عهد أبى بكر وعمر وفتوحهم عهد الأمويين يتضح ضعف الجهاد فلم يزد الأمويين على فتوحات سابقيهم طوال قرن تقريبا إلا قليلا ، وذلك لانصراف الفتوة بعض الشيء عن الهدف الذي حدده لها الإسلام وهو الجهاد إلى المنازعات والأثرة واللهو .  

  لئن كانت الدولة الأموية عربية وكان حاكمها يحكم كشيخ قبيلة أكثر منه سلطانا تدفعه العصبية القبلية لبني أمية على بني هاشم ولقريش على غيرها ولعرب الشمال على عرب الجنوب ثم للعرب عامة على الموالي ولئن أفادوا من حضارة البيزنطيين ، فلقد استقر  العباسيون بفضل الخراسانيين في بناء دولتهم ) [9].

فانتقلوا إلى حضارة الفرس المادية وبنوا حضارتهم على كثب منهم مبتعدين عن الكوفة الشيعية ودمشق الأموية ) [10]. وتعصبوا لهم على العرب واتخذوا رسوم أكاسرتهم واصطبغوا بصبغة الحضارات القديمة ) [11]. وعلى هذا فقد صار الغلو سمة الحكم العباسي فانقلب الضلال في العهد السابق إلى زندقة وإلحاد )[12] ، وزادت الأثرة وشاع المجون بحيث تعديا بعض الخلفاء ــ كما كان حال الأمويين ــ إلى أغلبهم ووزرائهم والمتصلين بهم وكُتابهم وشعرائهم وقضاتهم والتجار . وكما أحدث استئثار من لا يستحق بالخلافة وتغير نظام الحكم الاسلامي انقلابا في المسلمين فظهر التشيع الثائر والمتزهد ، أحدث استئثار غير العرب بالحكم على العرب وشعوبيتهم ومحونهم هزة في الناس أشد مما سبق ، فظهر التشيع الثائر بعد أن استأثر العباسيون بالحكم ــ مرة أخرى تدعمه قوة العامة وأرباب الحرف فى فتوة تسمى (فتوة العيارين) ، كما ظهر التشيع المتزهد في صورة الزهد والتصوف:

 

 

 



[1]
ــ راجع تفاصيل لهوهما في المروج 2 / 175 ، 185 ــ 7 ، والكامل 5 / 57 ، 136 ــ 7  ، وتاريخ الخلفاء 1 / 95 ، 97

[2]ــ مقدمة كتاب الفتوة 13 ــ 5 

[3]ــ نفسه 16

[4]ــ مقدمة كتاب الفتوة 20 ــ 22

[5]ــ نفسه 22 ــ 23

[6]ــ الكامل 3 / 48  وتاريخ الشعوب الإسلامية 1 / 144

[7]ــ الكامل 3 / 48  وتاريخ الشعوب الإسلامية 1 / 144

[8]ــ للتفصيل : الكامل 3 / 195 / 5 / 5 ــ 13 ، 81 ، 84 ، 116 ــ 7 والإمبراطورية البيزنطية 56 ــ 60

[9]ــ مروج الذهب في العصبية بين النزارية واليمانية (194 ــ 7) جـ2 وانظر أول خطبة للعباسيين يعترفون فيها بفضل الخراسانيين   الطبري 7 / 427 ــ 8

[10]ــ انظر كيفية بناء بغداد على النسق الفارسي والبيزنطي القديم في الكامل 5 / 272

[11]ــ في الكتب الفارسية والبيزنطية التي ترجمت للمنصور والمأمون راجع مروج الذهب 2 / 514 ــ 15

[12]ــ انظر في حركات الإلحاد كحركة سنباد المجوسي والراوندية والمقنع الخراساني وبابك الخرمي الطبري 7 / 495 ، 505 ــ 508 ، 8 / 83 ، 135 ، 9 / 11 ــ 52 ، والكامل 5 / 229 ، 238 ، 279 ــ 81 ، 6 / 16 ، 134 ، 168 ، 182 ــ 4 .. أيضا وصية المهدي للهادي بتعقب الزنادقة  الطبرى 8 / 230

اجمالي القراءات 5188

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more