نظريّة الترتیب غیر المتکافئ في الدعوة إلى وحدة الامّة الإسلاميّة

د .رضا جلالى   في الجمعة ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً


 

نظريّةالترتیب غیر المتکافئ[1] في الدعوة إلى وحدة الامّة الإسلاميّة

الدکتور رضا جلالي

مقالات متعلقة :

باحث الایراني

Rezajalali43@gmail.com

 

القضيّة

إنّ الميزة الأساسيّة لمنطقة غربيّ آسيا (الشرق الأوسط) خلال العقود الماضية وبعد تنفيذ خطّة سايكس بيكو کانت عدم تماثلها؛ ذلك لأنّ هذه المنطقة كانت تضمّ أراضي وبلادًا تختلف عن بعضها من حيث عدد السكّان والقوّة العسكريّة والاقتصاد والمصادر الطبيعيّة والمدى الجغرافيّ والمنتجات والنخب وإجمالي الناتج المحلّي ومتوسّط دخل الفرد والهُويّة التاريخيّة وتعدّد الأديان واللغات والقوميّات. هذه الخطّة الاستكباريّة كانت مترافقة مع دعم التفرقة في المنطقة بعنوان البارادايم المتماثل (أو المتکافئ).

لكنْ أمامَ هذا الوضع غیر المتماثل، انصبّت جهود أصحاب النوايا الحسنة في الأمّة الإسلاميّة خلال المئة سنة الأخيرة فی سبیل توحيد الأمّة وتكاملها، وذلك في المراكز الرسميّة للدين الإسلاميّ مثل النجف، وقم، والأزهر وأمثالها بصورةٍ متماثلة. كانت خطّة دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في القاهرة وظهور رجال رفيعي المستوى في المذاهب الإسلاميّة مثل الشیخ سلیم بشری، والعلّامة السیّد عبد الحسین شرف ‌الدّین، وآیة ‌الله بروجردي والشیخ محمود شلتوت و... والتفاعل والتفاهم في ما بينهم كبيرًا لدرجة أنّ الشیخ محمّد تقي القمي انتُخب بصفة به عنوان الأمين العام لمدى الحياة لدار التقریب في القاهرة وتزامنًا انتُخب أيضًا الشيخ الدكتور محمّد محمّد المدني بصفة رئيس تحرير المجلة الرسميّة لدارالتقریب؛ كلّ ذلك يدلّ على النشاط المتماثل للمراكز الرسميّة الداعية للوحدة وفقًا لمقتضيات زمانها؛ كذلك كان ترجيح الحوار بين المذاهب على الحوار داخل المذاهب بحيث كان الحوار الإسلاميّ في مجالات التفسير والعقائد والأدب والفقه يشتمل على مؤلّفات لعلماء المذاهب الإسلاميّة المتنوّعة جنبًا إلى جنب في مجلّة رسالة الإسلام في القاهرة، التابعة لدار التقريب، وهذا تأكيد علميّ على الحوار المتماثل بين المذاهب في الظلِّ غیر المتماثل المسيطر على الجيوبوليتيك (الجغرافيا السياسيّة) في المنطقة.

مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين الميلاديّ، ظهرت تحوّلات كثيرة في البلدان الإسلاميّة فقد أوشك أن يتزامن الوضع غیر المتماثل طوال عشرات السنوات في المنطقة مع مشاركة الشعوب الإسلاميّة على رأس الحركات المناهضة للاستبداد والاستكبار، ومع الوضعيّة المتماثلة المطالبة بالوحدة في تاريخ الامّة الإسلاميّة طوال عدّة عقود؛ لکن فجأة قطعَ قطّاعُ الطرقِ هذا الطريق وبدّلوا الاتّجاه. والفيضانُ الذي كان يتوقع أن جرف، معَه، الحكّامَ المستبدّين والظالمين والمستكبرين، وانتشلَ الشعبَ المظلوم وقد غرقهم في أماكن عدّة! في أثناء التحوّلات، بدأت الحروب فجأة؛ وانهزمت الوطنيّة والقوميّة العربيّة القديمة المتفكّكة والمنهزمة في القرن العشرين الميلاديّ، أمام دُعاة التفرقة والعصبيّات القوميّة-والمذهبيّة. تشكّلت ائتلافات واتحادات دول وتيارات، حول القوميّة والمذهبية؛ ودخل في جدول الأعمال هجوم المسلمين على جيرانهم المسلمين وقتل الأخوة وتجزئة البلدان. وعُرِّفَت المقاومة الإسلامیّة - التي کانت قبل ذلك أكثر القوى الإسلاميّة-العربيّة شعبيّةً في المنطقة - کتیارٍ طائفيٍ في ظلّ الإعلام الطائفيّ-المذهبيّ! وفي النهایة أصبحت نظریّة الخلافة الإسلامیّة عمليّةً بشکل منحرف وغدت آداةً فاعلة بأيدي مثيري التفرقة المستكبرين وأذنابهم. مجمل القول إنّ المنطقة الإسلاميّة اليوم هي مكان خطير، وواقعنا هو نفسه الزمن الذي سمّاه القرآن الكريم "يومَ يفرُّ المرءُ من أخيه". في بداية الأزمة، وأمامَ التطوّرات المتسارعة في المنطقة وحتّى ذلك الاغتراب ونفور الأخوة المسلمين من بعضهم البعض، تحوّلت المراکز الوحدويّة المتماثلة، مثل الأزهر أو النجف وقم والزیتونة، وبلا مبرِّرٍ، إلى مراكز دعمٍ للتيارات المتصارعة. وسرعان ما ضعف الحوارُ بین المذاهب عن طريق إنشاء مؤسسات طائفیّة-مذهبیّة. على سبيل المثال، تأسيس مجلسُ حکماء المسلمین بصفته مجلسًا عربيًّا إسلاميًّا –الذي تأسّسَ في الإمارات في العام 2014 بزعامة الأزهر، أو الكلام المعادي للشیعة بتأثيرٍ من التفکیر السلفيّ الوهابيّ الذي تعزّز مؤخّرًا في بیابات الأزهر! في حين خفّت مع مرور الوقت حدّة التأجّج في مواقف هذه المراجع الرسميّة.

حاليًّا تتّجه هذه التحوّلات لتحويل شكل المنطقة غیر المتماثل، على أساس خطّةٍ استكباريّة يهوديّة ماسونيّة وصهيونيّة[2]، إلى شكل متماثل ذي أهداف قوميّة-مذهبيّة، هي أيضًا من النوع التكفيريّ-الجاهليّ، ولو بالحرب وسفك الدماء وزرع الرعب وأيضًا تهديم مأثورات والمواريث الأمّة الإسلاميّة الواحدة.   

هنا توصّلَ العاملُ العرقيّ-العربيّ (الجاهليّ) والعرقيّ-المذهبيّ (التکفیريّ) علی روح الأمّة الإسلاميّة، مع الميل الترکيّ-العثمانيّ إلى السلطة، الذي كان يعتقد من خلال الترکیز علی جانبه العثمانيّ-المذهبيّ بإحیاء الدولة العثمانیّة، للاتحاد مع العامل العربيّ-المذهبيّ.

الجمیع يسعون لهیمنة متماثلة محليّةً ضدّ روح الأمّة الواحدة الإسلامّي والمقاومة الإسلامیّة وتفکیر أهل البیت (ع). وعلى هذا الدرب استقطبوا جميعَ المؤسسات والمجامع الدينيّة الرسميّة، مثل الأزهر وغيره، سرًا وعلانیةً، عن قصد أو من دون قصد.

في ظلّ التغییرات والتحوّلات ذات الميزة غیر المتماثلة التي استندت علی المذهب أو بعبارة أخری علی الطائفیّة والقوميّة العربيّة- الترکيّة في المنطقة، ومحو آثار محاولات الکبار في المراکز المتماثلة الوحدویّة خلال عقودٍ في سبيل تحقیق الوحدة الإسلامیّة – علی الأقل من الناحیة النظریّة -، تورّطت المنطقة في حروب شاملة، ضخمة، طویلة المدی وواسعة النطاق. إنّها حرب الانقسام بدلًا من الاتفاق، والتفرقة بدلًا من الوحدة. تؤدّي هذه الحروب - التي سوف تنتهي إلی فوضی دينيّة، بعد دخول لاعبین غیر متوقّعین مثل التیارات التکفیريّة ومجموعات من الجهادیّین العنیفین، ولا یقدر حتی النظام المتماثل تحالف البلدان العربيّة-الترکيّ أن يضبطها أو يسيطر عليها- إلى: أوّلًا صدور فتاوی الجهاد من قبل الحوزات الشیعيّة في مواجهة الهجمات علی بلدانهم وشعوبهم ورموزهم وعلى الأماکن المقدّسة لدى الشیعة، ثانیًا عدّوا فتوی السید علي السیستانيّ في أواسط أهل السنّة مثل الأزهر علی الرغم من معرفتهم بخطورة التیارات التکفیریّة و علی الرغم من فتاوى الأزهر المخالفة لهذه التیارات، لکن في ظلّ تأثیر السیاسات الوهابیّة المسيطِرة، بأنّها فتوی للجهاد ضد أهل السنّة؛ وأمام دخول الحشد الشعبيّ إلی مدینة تکریت لتحریرها أصدروا بیانًا! وعند دخول المقاومة الإسلامیّة بلبنان إلی ساحات الحرب مع التکفیریین في سوریا ولبنان أو في معارک الحوثیین و أنصارالله ضدّ القاعدة المرتزقة لدى السعوديّين، وقد عدّوها حروبَ الشیعة والسنّة أو حروبًا بالنيابة عن إیران الشیعية والأعراب السنّة، فیُسمَون هذه المحاربة للشیعة من خلال فتاوی الجهاد بـ "المعركة المقدّسة"! والآن یتحوّل الواقع غیر المتماثل في المنطقة إلی الواقع المتماثل العرقي- المذهبي (على صورة الجاهليّ- التکفیريّ).

مشروعنا

دائمًا يُعاد بناء المنطقة الإسلاميّة؛ منذ العصور القديمة حتی الآن، منذ صدر الإسلام إلی القرن العشرین وحتی الآن أیضًا. بشكلٍ عامّ، علی أساس الروایات القدیمة من العهد العتيق حتی الیوم يتمُّ ترسيمُ الحدود بناء علی المصالح السیاسیّة الاقتصادیّة أو العقائدیّة. المهم هو شکل المنطقة علی أي شكلٍ اصطناعي ومزيّف. لا شکّ أنّ المعاهد الفکریّة الأمیرکیّة والإسرائیلیّة هم تلامذة وأبناء مدرسة الوضّاعین الزنادقة، المسلمون الجدد والکذّابون في صدر الإسلام، لا سيّما کعب الأحبار وسیف بن عمر التمیميّ. الأساس في التزوير والکذب في سبيل بناء الشکل الجدید للمنطقة الإسلامیّة في غربيّ آسیا هو أن لا یبقی فيها أثرٌ لوحدة الأمّة الإسلاميّة. کذلک منذ السقیفة وما بعدها، لم تكن مهمة واضعي الأحادیث -التي حتّى الجغرافيا زُيِّفَت فيها- سوى أن لا يكون للأمّة الإسلاميّة مصيرٌ غير التفرقة.

یواجه الیوم دوام الجهاد المقدّس ل "دعوة وحدة أمة الإسلام"، مع تحدّي العصبیّة المذهبیّة- العرقیّة، وتصبح المراکز الحاليّة للعمل المشترک للتقریب جزءًا من نزعة إضفاء الشرعیّة علی منظمات القوة العرقية – المذهبيّة المتماثلة في بلدان المنطقة. انطلاقًا من هذا لا یمکن بعد الآن استمرار العمل الوحدويّ بالأسلوب المتماثل السابق، من حيث الإنجاز والفاعلیّة. ولم يَعُد تنسيق الوحدة الإسلامیّة في شکل الاتحاد الدولي للعلماء المسلمین أو المجمع العالمي للتقریب أو دار تقریب المذاهب أو علماء المقاومة و...، مؤثِّرًا كما في السابق، ولا عاملًا حتّى؛ أو یمکن أن تکون النتیجة عکس ذلک. ولا یمکن أن یُقبَل الأزهر أو أمثاله محاورين في الحوار بين المذاهب.

يجب أن نعرِّف من جديد مشروع الوحدة على أساس الحقائق الراهنة، والاتجاهات الأساسيّة والمقتضيات الحتميّة في المنطقة. علینا أن ندرس ونختار بدقّة کلّ المکونات، والعناصر والأجزاء المؤثرة في مشروعٍ منجز وفاعل للدعوة لوحدة الأمّة الإسلاميّة، في الطریق الوعر الذي صنعته التطورات الجدیدة في المنطقة. في البدایة نحن نحتاج مشروعًا تخطیطیًا للمراکز، والتیارات، والحرکات، والجماعات والأفراد في مجتمع المسلمین الوحدويّ. الآن تشتمل الأراضي الإسلاميّة على بلدان وأراضٍ التي یعاني المسلمون فیها من الحروب أو من عدم الدولة المركزيّة القادرة ومن الفقر والفوضی؛ أو تكافح الحکم المطلق، أو التي تتورط في الطائفیّة أو بعض الاستغلاليّين الذين لا يهمّهم شيء إلّا تطویر علاقاتهم مع أعداء المسلمین، غیر مبالين بمصیر المسلمین في البلدان الأخری!

القضیّة الأساسیّة في مشروع "تخطیط إقلیم الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلاميّة"، نظرًا إلی الأوضاع المسيطرة علی الأرض والجغرافيا الإسلامیّة هي تنظيم العلاقات والأنشطة التفاعلیّة المنجزة والمؤثرة لدعوة وحدة الأمّة في ما بین المسلمین؛ في حین لا بدّ من الانتباه إلی البارامترات الاقتصادیّة والبیئیّة والموارد الطبیعیّة في کل بلد. وهذا ما يؤدّي إلی إقامة نظام من التفاعلات والتفاهمات الوحدویّة، علی أساس السکان المسلمین من المذاهب المختلفة، ورأس المال والموارد الطبیعیّة عندهم في کل أرض أو إقلیم. یجب أن یرکز المشروع علی إمکانیات البلدان التي يقطن فيها المسلمون وعلى القدرات الاقتصادیّة، والاجتماعیّة، والبیئیّة، والروحیّة؛ من أجل تعرّف جغرافية النشاطات الوحدویّة بشکل متوازن ومتناسق، وتوزيع نشاطاته هناک بشكلٍ متوازن. لذلک نحتاج کل إقلیم إسلاميّ إلی تقییم منظّم للعوامل الطبیعیّة، والاجتماعیّة، والاقتصادیّة، والثقافیّة، و... المؤثرة علی الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلاميّة، كي نتمكّن من الوصول إلی الخیار الملائم والأنموذج المؤثر علی هذه الدعوة.

المفروض علينا، في ظلّ تماثل التحالفات المعادیة للوحدة الإسلامیّة، لا سيّما في مواجهة الانشقاقات والتفرقة الناجمة من وجود التیارات التکفیریّة وأفعالها وداعميهم المستکبرين، أن لا يكون لدینا خیارٌ سوی الترتیب غیر المتماثل في جوّ المحادثات المتحرّکة الدفاعیّة والهجومیّة على مستوی العالم والمنطقة. بغض النظر عن الزمان والمکان وحجم القابضة: کلّ منبر یکون منبرًا للدعوة إلى وحدة أمّة الإسلام، وکل اجتماع یکون مؤتمرًا لوحدة أمّة الإسلام، وکلّ قاعة درسٍ تکون محاضرةً للدعوة إلى وحدة أمّة الإسلام، کلّ مكتب خبراء يکون مكتبًا للدعوة إلى وحدة أمّة الإسلام، وکلّ مؤسّسة تکون معهدًا بحثيًّا وفکريًّا لوحدة أمّة الإسلام، وكلّ منتدی يکون منتدًی للحوار في سبيل وحدة أمّة الإسلام، وفي النهایة کلّ بیت يکون بیتًا لوحدة أمّة الإسلام. ففي مشروع تخطیط الإمکانیات الوحدويّة في البلدان الإسلامیّة يمكن أن نجد عدّة توجد منابر، ومؤتمرات، وقاعات دروس، مکاتب، وغُرف وأُسَر ومنتدیات ومعاهد للدعوة إلی وحدة أمّة الإسلام، حيث تكون متاحةً في أي مستوی المتاحة أو حيث یمکن توفيرها. من ثم المؤسسات ذات الوضعيّة المتماثلة سابقًا، مثل المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامیّة ونظائرها، التي على الرغم من أنّها تُعدّ رموز القدرة أو السلطة الإسلامیّة، إلّا أنّها سرعان ما أظهرت عدم الکفاءة وفقدت حاليًّا أيَّ نوع من التأثیر؛ لأنّ الیوم الموقف المثاليّ لمقارعة الإنقسامات المتزایدة والمتفشّیة في المنطقة هو تبنيّ التنسيق غیر المتماثل.

 

نظریۀ الترتیب غیر المتماثل في الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلاميّة

الیوم لقد مضى زمن الحركات الرمزيّة الکبیرة والمتماثلة، مثل المؤتمرات الدولیّة؛ وولَّت فترة البروتوکولات والمجاملات بين المنظمات المذهبیّة الکبیرة مثل: الأزهر والنجف وقم ونظائرها، أو زمان الانزعاجات والاسترضاءات وکذلک انتقادات سلوک الشیعة في الأوساط المذهبیّة الرسمیّة وغیر الرسمیّة لدى أهل السنّة. كما ولّى الآن أیضًا زمن الردّ علی الشبهات، في زمان الاضطرابات والهجمات القاسية والدامیة ضد الشیعة والسنة، بشكل منفصل أو كلٌّ على حِدى. حالیًا کل المنظمات المعنیّة بالحوار بین المذاهب والترتیب المتماثل سابقًا، بقصدٍ أو بغیر قصد وفي ظلّ تأثير التیارات، قد تحوّلت إلى منابر لإضفاء الشرعیّة على التحرکات العرقیّة – المذهبیّة.

طبعًا كان هذا أمرًا لا بدَّ منه؛ لأنّ هذا المشروع لم يكن شیعيًّا ولا سنيًّا، بل هو مشروع أمیرکيّ - إسرائیليّ ينفّذونه بالتحالف مع عملائهم في المنطقة. تُعِدُّ المنظماتُ الحواریّة السنیّة غیرفاعلة والمتأثّرة بالقدرة السياسيّة والاقتصاديّة المسيطرة على التحالف، هذا المشروعَ "مشروعًا إسلاميًّا"؛ حتّى وإن كانوا قلبيًّا لا يعتقدون بذلك. أمام نتائج وإفرازات هذا المشروع الذي تعتبره المنظمات الحواریّة الشيعيّة مدمِّرًا، تقف علی مواقفها وتثبت في مقاومتها.

تنطلق المنطقة بشكلٍ غير مسبوق نحوَ تعدیلات جغرافیّة، وسیاسیّة، وعرقیّة، ومذهبیّة، وثقافیّة، وبشریّة واقتصادیّة. والطاقة الدافعة لهذه التعدیلات هي قوّة المال والسلاح في بلدان المنطقة التي تدّعي دعم حقوق السنّة والتکفیریّین، وهم ينفّذون الخطط الیهودية والماسونیّة والصهیونیّة بحذافيرها، ولن یخلِّفون سوى المذابح، والاحتلال، والنهب، والتهدیم، والتشريد، والخوف والأراضي المحروقة للشیعة والسنّة.

إنّ تلازمَ مصالحهم، يدفعُ بالمنطقة بشكل غير مسبوق، نحو الاضطراب، والخراب، وانعدام الأمن لمدة طویلة ويسبّب ضعف الأمّة الإسلاميّة، فیحبط کل المحاولات والنداءات الداعية إلى وحدة أمّة الإسلام. الیوم تحوّلت قضیة الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة إلی الدعوة إلى وحدة الأمّة العربیّة، وحدة أهل السنّة، الوحدة العربيّة – العثمانيّة أو العربيّة – الترکيّة وأمثالها. وهذا یعني المواجهة بين الشیعة والسنّة في جميع أرجاء المنطقة. نحن نحتاج في مقارعة هذا المشروع الاستكباريّ، إلی تبنی الترتیب غیر المتماثل في موقف الدعوة إلى الوحدة الإسلامیّة. الآن وخلافًا لما حدث في الماضي، من أجل خطّة الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة، علینا أن نعرف کیف وبأيّ جهوزیّة ندخل في مجتمع المسلمین، وکیف ومع أيّ دقّةٍ نخرج منه؟

حالیًا وبالنظر إلی موقف متماثل التحدّيات والأزمات التي تهدّد الوحدة في المنطقة الإسلاميّة ومع كثافة ظلال تفرقة التي تسود الأمّة وانشقاقها، نعرضُ خصوصیّات ومتطلبات الترتیب غیر المتماثل في الدعوة الى الوحدة الإسلامیّة، وهي على الشكل التالي:

1- تعمیم الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة، بحيث تنتشر هذه الرسالة في نطاق فكريّ واسع وفي جغرافیّةٍ أوسعَ من المجموعات والأفراد المسلمین، وبالاشتمال على مجتمع لنخبة والجامعيّين المسلمين تجذب مجموعات اجتماعيّة أكبر ومتنوّعة أكثر من أجل الاستماع إلى رسالة الدعوة لوحدة الأمّة والانسجام معها.

2- تجنّب إقامةَ مؤتمر دوليّ للوحدة الإسلامیّة بطهران والمنتدیات الفرعيّة، أو التغییر الجذري فيها، بصفة التکتیکات والتقنیّات الوحدویّة في زمان الدعوة المتماثلة لوحدة أمّة الإسلام؛ في وقت یسود فيه الانشقاق المتماثل المدعوم بالمال واستخدام القوّة والتزییف.

3- یجب أن تکون المؤسسة الجدیدة للدعوة إلى وحدة الأمّة مرنةً؛ بحيث تجد، لا سيّما في ظلّ ظروف التهديدات والأزمات قابلیّةَ "الدفاع المتحرّک" عن الدعوة، حیثما دعت الحاجة، في حدّ ذاتها أو من قبل المجتمعات المحلیّة الإسلامیّة الوحدویّة. کل هذا لا یمکن إلّا عن طریق خطّة طوارئ، والتنظیم المناسب، والمصادر الملائمة والسیطرة القویّة في کل مکان وکل زمان، وهذا يعني إيجاد "الحالة الانحیازیّة" في نظام الدعوة.

4- الدعوة لوحدة أمّة الإسلام تصبح محلیًّةً في کلّ أرجاء العالم وبین الأفراد والمجموعات الاجتماعیّة المسلمة بحيث تنشر المجموعاتُ والأفراد المحلیّين هذه الرسالة انطلاقًا من معرفة الذات وإدارة الذات ومن خلال استقلال العمل عن کل المؤسّسات المرجعيّة. بعبارة أخری یجب أن توسَّع الدعوة لوحدة الأمّة في المنظمات المحلیّة المتوفرة – على شکل NGO- ومن خلال مبدأَ الاعتماد على الذات واستقلاليّة العمل.

5- نشر الدعوة لوحدة أمّة الإسلام في نطاق جغرافيّ غیر متوقع وفي بلدان حيث لا یتوقع مسببو الانقسامات نشرها فيها أبدًا.

6- الاطّلاع والإحاطة بمعلومات حول نوايا واستراتیجیات التفرقة ومساعي أعداء الوحدة للقضاء على رسالة الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة.    

7- اکتشاف وتحدید نقاط الضعف وجوانبه في الدعوة إلی الانقسام.

8- الاستجابة السریعة عن طریق وسائل الإعلام لتغییر طبیعة التفرقة ونشاطات ضد الوحدة في مجتمعات المسلمین في أي وقت وفي أي زمان.

9- إعداد أنظمة تواصليّة- ثقافیّة بین الأفراد في مجتمعات المسلمین الوحدویین وأیضًا تعزیز مهارات اتخاذ القرار في ظلّ قطع الارتباط بین مجتمعات المسلمین مع بعضها البعض؛ لا سيّما في ظروف الحروب والاحتلالات وما شابه.

10- بناء قدرات التوصل والإمکانیات التدریبیّة والثقافیّة لمقارعة التهدیدات الانقسامیّة في ما بین الأفراد والمجتمعات غیر المتواصلة عند المسلمین، من حیث الجغرافیا، في الحالات الطارئة والخطيرة.

11- ضرب الاحتکار في سوق الرسائل أو ضرب التفوق المطلق عند أعداء الوحدة ومسببي التفرقة، عن طریق عرض الرسائل والمشروعات المباغِتة، لأعداء الوحدة عند أمّة الإسلام.

12- تدبير نشاطات غیر منهجیّة وغیر منتظمة، حيث لا یمکن لأعداء وحدة الامة أن يتّخذوها نمطَ سلوکٍ وأنموذجًا محدّدًا؛ ویجب أن يکون کل ذلك علی أساس السیاسة المعقولة، بهدف تفشيل أفكار الأعداء أو تشویه خططهم الانقسامیّة.

13-إعادة تعریف الدعوة إلى الوحدة بطریقة غیر عادیّة واستثنائیّة وتثير الإعجاب، من أجل سلب الأعداء قدرتهم على التفكير وعلى التدمير.

14- الحؤول دون إمکانیّة التلائم والتوافق بین قدرات وإمکانیات الدعوة لوحدة الأمّة الإسلامیّة وقدرات الدعوة إلى التفرقة والطائفیّة التي يسعى إليها الأعداء، كي يفقد العدو كلّ قدرة  على إيجاد التوازن.

15- إعادة تعریف نصّ الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة، بحيث يمكن أن تعمل، من خلال التحکّم والتوازن ونبذ الطائفیّة، کجزء من إستراتیجية الوقوف في وجه تهدیدات التفرقة، في ظل الأجوّ والظروف الخاصّة والفریدة (مثل لبنان).

16- یجب أن یکون للدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة، لا سيّما في مجال استراتيجيّة مقارعة مخاطر التفرقة، أدبٌ جدید وعامّ ومجهول ومبهم.

والآن ووفقًا للمتطلبات والخصائص المذکورة أعلاه، یمکن أن تُصاغ هذه النظریّة علی النحو التالي:

"في ظلِّ التحالفات القائمة في وجه الوحدة الإسلامیّة التي تتشکل بشکل غیر متماثل وعلی أساس حماية بلدان المنطقة من الإرهاب والتطرّف التکفیريّ الهادِف إلى تمرير الأهداف العرقیّة – المذهبیّة والسیاسیّة – والاقتصادیّة في هذه البلدان، وتندرج في إطار مشروع الشرق الأوسط الکبیر الذي رسمته السلطات الاستکباریّة، یجب أن تُنسّق الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلاميّة بشکل غیرمتماثل.

يرتكز أساسُ الترتیب غیر المتماثل في الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة علی عمل الأفراد والمجتمعات الإسلاميّة وقدراتهم في البلدان الإسلامیّة وغیرها في ظلّ کل الظروف، ومن ضمنها الحروب، الاحتلال، التشرّد، التدمیر، الخوف و الیأس. في الحقیقة یبدأ هذا التنسيق من خلال إعداد أرضيّة الدعوة إلى وحدة الأمّة وإعداد قوّاتها الوحدويّة، ویستمرّ من خلال معرفة باثولوجیا أعداء الوحدة، ويتوسّع مع تمکین قدرات مجتمعات المسلمین المحلیّة في كلّ مكان أكانت مترابطة أو غیر مترابطة في کل مکان. بحيث تقودُ هذه المجتمعات الدعوةَ إلى وحدة الأمّة على أساس وعيها وقدراتها في إدارة الامور بشكل منفصل عن المنظمات المرکزیّة للدعوة. یقدر هذا النظام، بأقصی درجة من المرونة، وفي أسوء الظروف، من خلال خطّة ملائمة وتنظیم مناسبة و مصادر المتوافقة ورقابة قویّة، أن یفوّض تصریفَ الأمور  في الجغرافیا الواسعة إلی الأفراد والمجتمعات المسلمة المحليّة. فهم قوات الردّ السریع  في الدعوة إلى وحدة الأمّة الإسلامیّة.

هذا یعني تعمیم رسالة الدعوة بین جمهور أوسع، وضمن جغرافیا أشمل، أو أقلَمَة الدعوة في مجتمعات المسلمین المحلیّة. بینما تُترَک الإستراتیجیات والتکتیکات والتقنيّات المتماثلة السابقة تمامَا، مثل المجمع العالميّ، والمؤتمر الدوليّ و...، أو تتمُّ إعادة النظر في بعضها بجدّیّة."



[1]
. الترتیب غیر المتکافئ أو الترتیب غیر المتماثل= آرایش نامتقارنAsymmetry Arrangement=

[2]. بُحثت حتی الآن عدّة خطط لتفکیک منطقة غربي آسیا (الشرق الأوسط) في مراكز الأبحاث الأميركيّة، والأوروبیّة والإسرائیلیّة. وکانت آخر خطّة وَضعتها قبل سنة آکادیمية الدراسات الأمنیّة المحلیّة لإسرائیل. البحث بعنوان "الحدود الجديدة للشرق الأوسط "، ویظهر فیه أنّ مشروع تقسيم بلدان مثل العراق وسوریا ولیبيا واليمن يجب أن یکون مشروعًا طویل الأمد.  

اجمالي القراءات 5050
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق