رقم ( 2 )
البحث كاملا

 

كتاب : ( شهد ومشتقاتها ) فى القرآن الكريم

 : أولا : ( شهد ) : بمعنى ( حضر )

تأتى ( شهد ) ومشتقاتها فى السياق القرآنى بالمعانى الآتية :

( شهد ) : بمعنى ( حضر ). فيما يخصٌّ الله جل وعلا

مقالات متعلقة :

1 ـ الله جل وعلا هو ( الشهيد ) على كل شىء عموما : يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ) (    إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج ). ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) سبأ )

2 ـ المؤمن يكتفى بالله جل وعلا شهيدا ، وكفى به جل وعلا شهيدا : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) النساء ) ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) الفتح ) (  أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت ) .

3 ـ وهى شهادة الاهية ( اى حضور الاهى ) مؤسس على العلم ، فعلمه جل وعلا يصاحب كل مخلوقاته ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة ). ولا يخفى عن علمه شىء : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) الاحزاب ).

4 ـ وهذه الشهادة العلمية بالحضور الالهى تتضمن أدق التفصيلات ، الى درجة الذرة وما أقل منها ، يقول جل وعلا  : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) يونس)

5 ــ وهذه الشهادة العلمية تتضمن التفصيلات فى الحالات الجزئية والفردية ، يقول جل وعلا : ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) الانبياء)، ( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس) .

6 ـ وبالنسبة لنا نحن نعلم جزءا من الذى نحضره ونشهده ، أى نعلم جزءا مما نشهده بحواسّنا. لا نعلم ما يغيب عنها ، ما يحدث بعيدا عنها فى المكان ، أو فى الزمان  فى الماضى ، أو ما سيحدث فى المستقبل . علمنا الجزئى محصور فى وجودنا الحسى وما نشهده بحواسّنا ، أو بوسائل صناعية تساعد حواسّنا مثل أجهزة الاتصالات الحديث . ولكن يبقى الجزء الأعظم غيبا بالنسبة لنا أو ( غيبا ) لا ندركه . الله جل وعلا هو وحده ( عالم الغيب والشهادة )، و( الشهادة ) هنا تعنى المرئى من المُشاهد . والله جل وعلا بقيوميته شاهد على مايكون غيبا بالنسبة لنا وما يكون مُشاهدا لنا ومشهودا لنا . يستوى هذا وذاك بالنشبة للشهيد على كل شىء . ويـأتى علمه بالغيب والشهادة مرتبطا ببعض أسمائه الحسنى.  يقول جل وعلا : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) الانعام ) ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) الرعد ).

 7 ـ وسيأتى يوم الحساب حيث يكون العرض أمام عالم الغيب والشهادة الشهيد على كل شىء ليخبرنا بما كنا نعمل :  ( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105 ) التوبة ). نحن سننسى ما عملنا ، ولكن الله جل وعلا الشهيد على كل شىء والذى يعلم كل شىء سينبئنا بكل ما عملناه وما نسيناه ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)  المجادلة )

8 ـ  وبهذا فإن الله جل وعلا لم يخلق العالم ثم تركه غافلا عنه كما يقول بعض الفلاسفة ، حاش لله جل وعلا ، وهو القائل : (وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17 ) المؤمنون ).

9 ـ وهذه الشهادة الكاملة والشاملة المؤسسة على العلم يجمعها إسم من اسماء الله الحسنى ، وهو ( القيوم ) أى القائم على كل شىء ، حتى على كل نفس بما كسبت  من عمل صالح أو شرير؛  نفسى ونفسك ونفسها ونفسه ..كل نفس من أول آدم الى آخر نفس فى هذا العالم ..!! يقول جل وعلا : (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) 33 ) الرعد ).

ويأتى إسم القيوم لرب العزة ضمن أسماء حُسنى جليلة جاءت فى الآية الكريمة : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة )، فهو جل وعلا الحى الذى لا يموت وهو القيوم الذى لا يغفل عما خلق ، وهو الذى تأخذه سنة ولا نوم .

10  ـ ولهذا فإن المؤمن التّقىّ  يعلم أن الله جل وعلا يراه فيتقى ربه بالغيب. أى لو كان خاليا بعيدا عن العيون  ويكون مُتاحا له العصيان ولا يراه أحد ، ولكنه لا يقع فى العصيان لأنه يعلم أن الله جل وعلا ( يرى ) وأنه جل وعلا شاهد حاضر يراه ، وأنه جل وعلا لا يغيب عن علمه وشهادته أحد . أما غير المؤمن فيقول عنه رب العزة بإستفهام إنكارى : (أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴿١٤﴾ العلق  ) . وبعض الصحابة تآمروا على عمل خسيس فعلوه فى الخفاء ، وخدعوا به النبى عليه السلام ليتهموا بريئا فقال جل وعلا عنهم : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴿١٠٨﴾ النساء  ).

11 ـ بعض الناس يقولون عند الشعور بالظلم : ( ربنا موجود ) يقصدون أنه جل وعلا شاهد حاضر يرى الظالم والظلم والمظلوم . ولكن وصف رب العزة بأنه ( موجود ) خطأ شنيع . لأن ( الموجود ) ليس من أسمائه الحسنى جل وعلا ، بل هو إلحاد فى أسمائه الحسنى ، لأن ( موجود ) يعنى ( اوجده غيره ) أى هناك ( واجد ) ( أوجده ) . والله جل وعلا هو خالق كل شىء ، هو خالق لكل ما عداه ومن عداه . لذا لا يُقال ( الله موجود ) ولكن يقال : ( الله الشهيد على كل شىء ) أو ( الله القيوم ) أو ( إن ربك لبالمرصاد ) أو ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) .!

 ( شهد ) أى : حضر ، بالنسبة للبشر :

1 ـ عن حضور الناس جميعا يوم القيامة يقول جل وعلا : ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) هود). ( يشهده ) أى يحضره الناس جميعا . ونفس المعنى فى قوله جل وعلا : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) مريم ).أى من حضور يوم عظيم .! ويقول جل وعلا :  ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) المطففين ) أى يحضره المقربون .ويقول جل وعلا وصفا ليوم الحساب:( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) البروج ). فيوم الحساب يوم العرض أمام الرحمن يشهده ويحضره الجميع ، ويكون فيه كل فرد شاهدا ومشهودا . لذا سيكون فضيحة وخزيا على رءوس ( الأشهاد ) أمام أعين البشر جميعا من آدم الى آخر نفس فى هذه الدنيا . نرجو من الله جل وعلا السلامة من هذا الخزى .

2 ـ ونجن كبشر وجودنا مؤقت ، له بداية وله نهاية . لم نشهد ما كان قبلنا فى هذا العالم ، وبعد موتنا لا نشهد ولا نحضر ما سيحدث بعدنا . كل ذلك غيب بالنسبة لنا . ومع ذلك فخرافات الأديان ألأرضية تقتحم الغيب الالهى وتصنع أساطير يؤمن بها المغفلون الضّالون . ومثلا فالجاهليون إفتروا أن الملائكة بنات الله ، فهل كانوا موجودين عندما خلق الله جل وعلا الملائكة ؟ يقول جل وعلا : ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) (19)الزخرف ). أى هل كانوا حاضرين وقتها ؟

وأولئك الضالون المُضلُّون  يتجادلون فى غيبيات خلق الله للكون ولمن فيه بلا علم ، ولم يكونوا موجودين وقتها ، يقول جل وعلا : (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ) ﴿٥١﴾ الكهف  ).

3 ـ والنبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم الغيب ، وكان القرآن ينزل ببعض غيوب الماضى فى قصص الأنبياء السابقين ، فيعرفها وتصبح معلومة له وللآخرين ، ولم تكن معلومة له من قبل ، لأنه لم يكن موجودا حاضرا شاهدا وقت حدوث هذه الأحداث ، لذا يقول جل وعلا له إنه لم يكن حاضرا وقت خطاب الرحمن لموسى عند جبل الطور فى سيناء ، وما كان مع أهل مدين : ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) القصص ). ولم يكن شاهدا موجودا حين كان أخوة يوسف يتآمرون عليه خفية : (  ذَ‌ ٰلِكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوٓا۟ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴿١٠٢﴾ يوسف ) ولم يكن شاهدا موجودا حين كان بنواسرائيل يختصمون أيهم يكفل مريم ، يقول جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام : (ذَ‌ٰلِكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴿٤٤﴾ آل عمران  )

4 ــ ونحن لم نكن موجودين عند موت يعقوب ووصيته لبنيه يوسف وغيره ، يقول جل وعلا : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)( البقرة ).

5 ــ والزمن الواحد يجمع البشر الذي يعيشون فى إطاره مع إختلاف المكان ، ولكن الزمن وحده لا يكفى لتحقق الشهادة بمعنى الحضور ، فقد تكون انت فى مكان وصديقك فى مكان آخر فى نفس التوقيت فلا يكون أحدكما شاهدا على الآخر ، اى حاضرا لما يفعله الآخر . وبعض المنافقين كان يبتهج إذا حدثت كارثة للمؤمنين ولم يكونوا موجودين فيها ، ويبتئس لو حدث للمؤمنين فضل وغابوا عنه :  ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) النساء )

والمتآمرون من قوم صالح تآمروا على قتله (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) النمل )، أى يقتلونه ثم يزعمون عدم وجودهم هناك .

6 ــ ويأتى معنى ( شهد ) أى ( حضر ) فى تشريع الصوم ، فمن ( شهد ) شهر رمضان أى من كان حيا موجودا وقت هذا الشهر عليه الصوم، يقول جل وعلا: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (185) البقرة ). وفى موسم الحج ( يشهد ) الحجاج منافع لهم : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )(28)الحج )، أى ليحضروا منافع لهم . لذا لا يجوز أن يحج أحد عن أحد ، ولا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد . لا يصح فى العبادة ( الاستنابة ) ، لأنها عمل شخصى ، فكما لا تزر وازرة وزر أخرى فلا ينفع أحدا عمل خير عمله غيره ، لأنّ لكل إنسان ما سعى من خير أو شرّ .

 ثانيا : (شهد) بمعنى قول الشهادة  

 يحتاج الناس فى تعاملاتهم الدينية الى قول الشهادة ، أى أن يشهد بعضهم على شىء رآه أو سمعه . وبالتالى فهذه الشهادة ( القولية ) مرجعيتها الى ( شهد ) بمعنى كان حاضرا . ونتعرض للشهادة فى هذا الجانب :

تشريعات الاسلام فيما يخص الشهادة فى التعامل بين الناس :

لتكون هناك عدالة فى الحُكم ( القضائى ) بين الناس جاءت هذه القواعد الاسلامية :

1 ـ وجوب قول الشهادة وعدم كتمانها ، ومن يكتمها فهو عند الله جل وعلا آثم فى قلبه ،  يقول جل وعلا:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة ). بدون شهود لا تُقام قضية من الأساس .والتحذير هنا أن الله جل وعلا عليم بما نعمل وشهيد عليه.

2 ـ  فماذا إذا كان الشهود كاذبين.

هنا يقول جل وعلا يأمر وينهى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائد"right"> 3 ـ ليس هناك أروع ولا أسمى من هذا ، خصوصا وأنه خطاب مباشر من الخالق جل وعلا للذين آمنوا ، وهو تحميل الاهى مباشر لهم بالمسئولية ،أى تعامل مباشر بين القلب المؤمن والخالق جل وعلا .  يستطيع الانسان خداع إخيه الانسان ، ويستطيع التحايل مستغلا ثغرات القانون وعدم علم البشر بالغيب وعدم إحاطتهم بكل ما يجرى . لكنه لا يستطيع خداع رب العزة . وإذا تخيل له أنه يخدع رب العزة فلا يخدع سوى نفسه ، يقول جل وعلا : (  إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمْ ) ﴿١٤٢﴾ النساء  ) (يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) 9 ) البقرة ).

4 ـ  ليس فى تطبيق الشريعة الاسلامية الحقّة تعويل كبير على الضبطية القضائية البشرية . التعويل الأكبر على التقوى ، أو بالتعبير المعاصر ( الضمير ) أو ( الانا العليا ). ولهذا بدأ القرآن الكريم بإرساء وتأسيس التعاليم الأخلاقية من خلال التقوى والتعامل المباشر مع الرحمن الذى يعلم خائنة العين وما تخفى الصدور . وفى إطار هذه القواعد التشريعية جاءت التفصيلات تالية فيما بعد ، مشفوعة أيضا بالتذكير بالتقوى ، والتنبيه على ان الله جل وعلا خبير بكل شىء عليم بكل شىء وشهيد على كل شىء . وأنه اليه المصير ، ولا فرار منه ولا مهرب ، فلا بد من مصيرنا اليه يوم القيامة ليُحاسبنا على ما فعلنا . 

فى الشهادة فى المعاملات التجارية :

1 ـ يقول جل وعلا فى أطول آية قرآنية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 282 ) البقرة ).

2 ـ هنا الأمر بكتابة الديون المؤجلة ، يكتبها كاتب عدل ، وعليه الامتثال لما يُملى عليه . أما الذى يُملى فلا بد أن يلتزم بالعدل فيما يُمليه على الكاتب . فإن كان صاحب الحق ( الدائن ) غير مؤهل فليقم ولى أمره بالاملاء عنه . ثم ليكن هناك شاهدان من الرجال ، أو رجل وإمرأتان . ولا بد من حضور الشهود ، ولا بد من كتابة التفاصيل فى الديون . إلا إذا كانت تجارة حاضرة متوالية فليس واجبا الكتابة عن طريق كاتب مستقل وشهود . أما البيع فيشترط فيه الاشهاد . ولا بد من حصانة الكاتب والشهود لأنهم محايدون . وإذا حدثت مؤاخذة للكاتب والشهود فهذا دليل فساد وفسوق فى المجتمع وفى جهازه القضائى .

3 ــ وواضح أن الآية الكريمة : ( 282 ) البقرة ) فيها أوامر ونواهى تشريعية لها مبرراتها ، وفيها أيضا مقاصد وأهداف تشريعية تعلو على تلك الأوامر والنواهى ، وتعمل فى إطارها الأوامر والنواهى . الأهداف التشريعية تسرى فى كل زمان ومكان أما الأوامر والنواهى فإمكانية تطبيقها تبعا للظروف فى إطار الالتزام بالأهداف التشريعية . أهم الأهداف التشريعية هو القسط والعدل ، وسبقت الاشارة الى ان إقامة القسط هى الهدف التشريعى لكل الرسالات السماوية . وفى هذه الآية الكريمة ــ  التى تتعرض بالتفصيل لموضوع كتابة الديون والاشهاد عليها ــ  نلاحظ تكرار الاشارة الى العدل ( المقصد التشريعى ) إما صراحة بالاتيان بنفس الكلمة ، وإما ضمنا بضمانة الحصانة للكاتب والشهيد . ولكن الأوامر التشريعية تأتى فيها التقييدات والحيثيات ففى شهادة المرأتين : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ) تأتى الحيثيات وهى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى )، أى بدونا يمكن أن تتساوى شهادة المرأة بالرجل . التطبيق بهذه الحيثيات يلائم مجتمعا فى درجة دُنيا من التطور ، ولا تزال تلك المجتمعات موجودة،  وستظل فى الأغلب موجودة . مقياس التطور هو فى مدى تفاعل المرأة فى الحياة وفى السوق وفى التعامل اليومى والتعليم . المرأة فى المجتمعات الأقل تطورا يلائمها هذا التشريع بحيثياته . ،. أما إذا بلغ المجتمع تطورا ينعكس تقدما على تفاعل المرأة فهذه الأوامر لا تصلح للتطبيق وتكون شهادتها كالرجل .  

الشهادة فى الوصى على مال اليتيم :

يقول جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ). إبتلاء اليتامى إذا بلغوا سنّ القدرة على الإنجاب ، يعنى إختبارهم جسديا بالكشف عليهم ، وعقليا لمدى رشدهم . ومفهوم أن هذا يتم بسلطة مختصة . إذا ثبت رشد اليتيم تسلم ماله . وعند تسلم اليتيم ماله يتم الاشهاد عليه .. إن لم يثبت رشده ظل ماله تحت إشراف وصىّ . وهذا الوصى تحت الرقابة حرصا على مال اليتيم .

الاشهاد فى الطلاق :

 يقول جل وعلا : ( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) الطلاق ).خلافا للشريعة السُّنّية فالآية الكريم تؤكد أن الطلاق يلزمه شاهدان من العدول ، وأن الطلاق ليس نهاية العلاقة الزوجية بل هو محاولة لاصلاحها . والتفصيلات فى بحث ( تشريعات الطلاق بين القرآن والفقه السُّنّى ) وهو منشور هنا .

الشهادة فى قصة يوسف عليه السلام :

1 ـ إمرأة العزيز راودته عن نفسه ثم إتهمته هو ، ودافع عن نفسه ، وأُحيلت القضية الى رجل من اهلها فأفتى ( أى شهد ) بأن قميصه لو تمزق من الامام فهى صادقة وإن تمزق من خلف فهى كاذبة ، يقول جل وعلا : ( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍۢ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿٢٧﴾ يوسف ).

2 ــ  وقرر الملك إطلاق سراح يوسف من السجن فصمم يوسف على إثبات براءته أولا ، فاستحضر الملك إمرأة العزيز ، التى صحا ضميرها فشهدت بالحق بعفّة يوسف و معترفة  أمام الملأ أنها هى التى راودته عن نفسه (  وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّـٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌۭ ﴿٥٠﴾ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَ‌ ٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ قُلْنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوٓءٍۢ ۚ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْـَٔـٰنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا۠ رَ‌ ٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿٥١﴾ ذَ‌ ٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى كَيْدَ ٱلْخَآئِنِينَ ﴿٥٢﴾ يوسف )

3 ـ لكى يحتفظ يوسف ــ عزيز مصر ــ بأخيه الشقيق إتهمه بالسرقة وإحتجزه . وأصبح الأخوة فى مأزق لأنهم وعدوا اباهم يعقوب بالحفاظ على أخيهم هذا ، وكانوا من قبل قد ألقوا بأخيهم يوسف فى الجُبّ . وصحا ضمير كبير الأخوة فقال لهم : ( ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)يوسف ). هنا تكون الشهادة على حقيقتها : (وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ  ).

الشهادة فى العقوبات:

لا تفريق هنا بين الرجل والمرأة فى الشهادة ، لأن المطلوب هو ( شاهد ) يكون ( حاضرا ) وقت حدوث الجريمة المُعاقب عليها شرعا ، ثم ( يشهد ) قوليا بما رآه بعينيه وبما سمعه بأذنيه ، فالشاهد هنا هو الحواس لدى الرجل أو المرأة  ، وكلاهما له نفس الحواس ، فكلاهما شاهد بلا تفرقة بين رجل أو إمرأة .

ويتطلب تنفيذ عقوبة الجلد فى جريمة الزنا ـ عدا الإقرار ـ شهادة أربعة من الشهود بإثبات يقينى بشهادة تفصيلية  عن التلبس بالزنا . وأربعة شهود أيضا فى جريمة قذف المحصنات. وتسقط العقوبة بالتوبة  العلنية الظاهرية .يقول جل وعلا : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)النور ) . وحين يُشاع عن إمراة ممارسة الفاحشة ويكون هذا معروفا عنها ولكن دون ضبطها متلبسة تقوم السُّلطة بإستشهاد أربعة يشهدون بهذا ، وعندها تقوم السلطات بإيداعها بيتا يرعاها ، مثل بيت المسنين تعيش فيه ،  تتطهر وتتوب فتخرج وتتزوج أو تظل فيه الى أن تموت إن لم تتُب ، وهذا لمنع إضرارها بنفسها وبالمجتمع ، يقول جل وعلا : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) النساء )

وفى التلاعن بين الزوجين يشهد كل منهما على الآخر خمس شهادات  ، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ (9)النور )

( شهد ) بمعنى الحضور وبمعنى الشهادة القولية معا :

 نفهم قوله جل وعلا :

1 ـ ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) الفرقان )، أى لا يحضرون الأعياد والموالد المُقامة على القبور المقدسة والأنصاب والأوثان ، وهذا هو معنى الاجتناب للرجس من الأنصاب والأوثان ، وأيضا لا يقولون منكرا من القول وزورا ، سواء كان هذا الزور شهادة فى محكمة أو ترديدا لأحاديث مفتراة يجعلونها نبوية أو قدسية أو ترديدا لأساطير المعجزات للأولياء والقديسين لدى أتباع الديانات الأرضية . كل هذا شهادة زور بالقول أو بالحضور  .

2 ـ ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل ). قالتها ملكة سبأ للملأ الحاضر ( بمعنى الحضور ) وليكونوا ( شهودا ) على قرارها .

3 ـ فى تكسير ابراهيم عليه السلام لأصنام قومه ، دعا الملأ الى محاكمة علنية له : ( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) الأنبياء ) . لعلهم يكونون حاضرين ويكونون شاهدين على ما يحدث .

 ثالثا :( الشهادة الايمانية ): شهادة الله جل وعلا

أعظم شهادة هى شهادة الرحمن جل وعلا : وقد جاءت فى القرآن الكريم على النحو التالى :

1 ــ شهادة الله جل وعلا أنه لا اله إلا هو، يقول جل وعلا:( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)آل عمران ) هذه هى شهادة الاسلام الواحدة الوحيدة على وحدانية الخالق حل وعلا وانه لا إله إلا هو ، لذا فالآية التالية يقول فيها رب العزة عن دينه:( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران ).

التشهد فى الصلاة الاسلامية هو آية التشهد هذه : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)آل عمران )، وليست تلك ( التحيات ) التى قالوا أنها مخترعة فى عهد ( عمر بن الخطاب )، وإختلفوا فى صيغتها .

التشهد فى الآية 18 من سورة آل عمران يؤكد أيضا أن شهادة الاسلام واحدة ( لا إله إلا الله ) فقط . وبالتالى فإن إضافة الشهادة برسالة محمد ووضعه الى جانب رب العزة ، تجعل الشهادة فى الاسلام مثناة ، وتؤسس الخلاف فى الدين ، كما أشارت الآية التالية ( 19 من آل عمران : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ، هى شهادة الاسلام ، وهو الدين العالمى للبشر جميعا ، وبالايمان بالاله الذى لا إله إلا هو ، وبكل وملائكته وكتبه ورسله بلا تفريق بين رسله ( البقرة   آل عمران النساء  ).

 ويلاحظ فى الآية الكريمة أنها الآية الوحيدة التى تكرر فيها ـ على قصرها ـ شهادة الاسلام ( لا إله إلا هو ) مرتين . وأنها الشهادة التى يشهد بها مع رب العزة الملائكة وأولو العلم قياما بالقسط . والمعنى أن من يجعلها شهادتين فليس من أولى العلم  ، وأن من لايقولها ( تشهدا ) فى صلاته فليس من أولى العلم .

 بالخروج عن هذه الشهادة تتأسس الأديان الأرضية . يضيف المحمديون محمدا ويجعلون انفسهم ( أمة محمد ) ثم يضيفون الى محمد كبار الصحابة ثم الأولياء والأئمة ، وتتكاثر الانقسامات والاختلافات ، ولا يزالون . وقبلهم المسيحيون ركزوا على عيسى ورفعوه فوق الأنبياء و ألّهوه ، وأضافوا الى دائرة التقديس من جعلوهم قديسين مقدسين ، وجعلوا أنفسهم أمة المسيح وإختلفوا ، ولا يزالون . والنجاة هى بالرجوع الى الآية 18 من سورة آل عمران .

2 ــ شهادة الله جل وعلا على أنه لا اله الا الله وأن القرآن كتاب الله :

عن أكبر شهادة يقول رب العزة جل وعلا : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الانعام ). هنا شهادة بأنه لا إله إلا الله ، وشهادة إلاهية أخرى بأن القرآن الكريم وحى إلاهى .

3 ـ شهادة الله جل وعلا  فى أن القرآن  نزل بعلم الله جل وعلا :

يقول جل وعلا : ( لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) النساء ). هنا شهادة الله جل وعلا أنه أنزل القرآن بعلمه ، ومعها شهادة الملائكة ، وكفى برب العزة شهيدا .

4 ـ شهادة الله جل وعلا بأن القرآن كاف وحده كتابا عن الاسلام : يقول جل وعلا ردا على طلبهم آية حسية : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت ). وبالتالى فإن من الكفر أن تؤمن بكتاب آخر فى الاسلام مع القرآن الكريم ، أو أن تؤمن بحديث آخر مع حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم .

 ومن ذلك قوله جل وعلا ردا على طلبهم آية حسية : ( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) الاسراء )

5 ــ شهادة الله جل وعلا بأن القرآن الكريم هو ( آيات الله ) لم يقم ( محمد بن عبد الله ) بإفترائه ، وأنه ليس سحرا . يقول جل وعلا  ردا على إتهاماتهم حين كان يُتلى عليهم القرآن : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنْ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) الاحقاف ). الله جل وعلا شهيد بينهم وبينه ، وكفى به جل وعلا شهيدا.

6 ــ شهادة الله جل وعلا بأن محمدا رسول الله ردا على المكذبين برسالته : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد ) الله جل وعلا شهيد بينهم وبينه ، وكفى به جل وعلا شهيدا.

7  ـ المؤمنون أولو العلم  تأتى شهادتهم تالية لشهادة رب العزة وشهادة الملائكة  :( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران )  والمؤمنون أولو العلم  تأتى شهادتهم تالية لشهادة رب العزة ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد ). أما الكافرون فلهم شهادة مغايرة يرفعون فيها البشر الى مكانة رب العزة ، ويقحمونهم فى الشهادة الاسلامية ( لا إله إلا الله ) فتصبح ثنائية ( لا إله الا الله محمد رسول الله ) ، ثم ثلاثية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وعلى كذا وكذا  ) . وبهذا يفسدون صلاتهم ويفسدون الأذان للصلاة   ، ويلوثون المساجد برجس يكتبونه فى تقديس البشر والحجر ، وهم فى كل ذلك أخوة متشاكسون متباغضون متحاربون .، حتى أصبحت مساجدهم مساجد ضرار ، واصبحت أهدافا حربية وأوكار أرهابية .!

شهادة الله جل وعلا على كذب الصحابة المنافقين :

1 ــ المنافقون إحترفوا الكذب والحلف كذبا بالله جل وعلا ، وإتخذوا من أيمانهم وسيلة وقاية لهم ، يقول جل وعلا عنهم : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) المنافقون ), كانوا يتآمرون وينفضحون فيقسمون بالله جل وعلا كذبا بأنهم أبرياء . ويرد الله جل وعلا يشهد بكذبهم . يقول جل وعلا عن كذبهم حين تخلفوا عن الخروج مع النبى للدفاع عن المدينة : (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة )  هنا ( العلم الالهى ) بكذبهم .

2 ــ وكانوا يأتون للرسول يشهدون أنه رسول الله ، وهم فى قرارة أنفسهم لا يؤمنون بما يشهدون ، أى يكذبون على أنفسهم ، يقول جل وعلا : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون ).

3 ــ ويقول جل وعلا عن تحالفهم مع أهل الكتاب المعتدين وعن وعودهم الكاذبة لهم :  (  أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الحشر ) وعن عدم وفائهم بهذه الوعود يقول جل وعلا عنهم : (  لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) الحشر ).

4 ــ  وعن تآمرهم بتأسيس مسجد الضرار الذى إتخذوه وكرا للتآمر ، وكان النبى يقيم فيه ، يقول جل وعلا ـ يؤكد مقدما ــ بأنهم سيحلفون بالكذب ، والله يشهد بكذبهم : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة )

5 ـ فى كل الحالات السابقة تأتى شهادة الله جل وعلا على الصحابة المنافقين تؤكد بنون التوكيد إن المنافقين كاذبون : (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة )( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الحشر )( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون ). (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة )  .

6 ــ المؤمن بالله جل وعلا وكتابه حين يُتلى عليه قوله جل وعلا :  (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة )( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الحشر )( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون ). (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة )  يقول : صدق الله العظيم ، وبالتالى يؤمن بتأكيد وبصدق رب العزة فى أن فريقا من الصحابة ( وهم المنافقون ) هم كاذبون ، وكافرون ومتآمرون . أما الذى لا يؤمن بالله جل وعلا ويكذّب بآياته فهو يصمم على أن كل ( الصحابة ) ( عُدول ) أو معصومون من الوقوع فى الكذب وفى الخطأ .

7 ــ الى اى فريق تنتمى عزيزى القارىء ؟ .

 

 الشهادة فى أخذ الميثاق

أخذ الميثاق ( الشهادة ) على البشر

1 ــ قبل وجودنا المادى ، وحين فطر الله جل وعلا الأنفس البشرية  فطرها أو خلقها من لاشىء على ( الفطرة ) ، هى ( فطرة الله التى فطر الناس عليها ) : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًۭا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾ الروم  ). مع هذه الفطرة كان العهد والميثاق الذى أخذه الله جل وعلا على الأنفس البشرية ، قبل وجودها داخل جسدها المادى ، يقول جل وعلا :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) الاعراف ). هنا الإشهاد عليهم بأنه جل وعلا ربهم ، لا ربّ لهم غيره ، حتى لا يأتوا يوم القيامة بعد تركهم الجسد المادى ويبرروا وقوعهم فى الشرك بأنهم كانوا غافلين ومتبعين لأسلافهم وثوابتهم الدينية . فالسلفية هى الارتباط بدين ارضى سار الخلف تابعا فيه للسلف. كما نرى سلفية عصرنا من المحمديين الذين ألفوا ىباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ( الصافات 69 : 70 ).

2 ــ ويوم القيامة سيقول جل وعلا لأهل النار يذكرهم بهذا العهد والميثاق : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64)  يس ). وهى حقيقة قرآنية أن كل الأديان الأرضية السلفية هى عبادة للشيطان ، فالقبور المقدسة رجس من عمل الشيطان ( المائدة  90) والأحاديث الضالة من وحى الشيطان ( الأنعام 112 ، 121  )

 ميثاق الأنبياء

1 ــ لا يجوز لنبى أن يزعم الألوهية ، يقول جل وعلا : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)آل عمران ) لأن الله جل وعلا أخذ عهدا وميثاقا على أنفس الأنبياء جميعا قبل وجودهم الحسى ، فكل رسالاتهم السماوية يؤكد بعضها بعضا  ويصدق بعضها بعضا مع إختلاف الزمان والمكان واللسان ، وشهدوا وشهد الله جل وعلا معهم ، يقول جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران )،  والذى يتولى فهو فاسق :  (  فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (82) آل عمران ) وليس الحق إلا دين الله جل وعلا الذى أسلم له كل مخلوقاته طوعا وكرها ، واليه جل وعلا مرجعهم يوم القيامة :( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)آل عمران ) لذا فإنه فى دين الله جل وعلا ( الاسلام ) يجب الايمان بالله جل وعلا وحده لا إله غيره ، والايمان بكل ما أنزل الله جل وعلا من كتاب ، وهذا يعنى عدم الايمان بشخص الرسول ولكن بالرسالة السماوية التى أُنزلت عليه ، وبالتالى لا تفريق بين الرسل لأننا هنا بصدد الرسالة وليس شخص الرسول ، يقول جل وعلا فى الاية التالية : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران ).

2 ــ ويوم القيامة سيسأل الله جل وعلا الأنبياء عن هذا الميثاق : (  وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8)  الاحزاب )

تطبيق العهد والميثاق فى أتباع الرسالات السماوية

فى بنى اسرائيل:

ذهب موسى عليه السلام الى ميقات ربه فى جبل الطور ليتلقى الألواح ، وفى غيبته عبدت بنواسرائيل العجل ، ورجع موسى فغضب ، ثم إختار سبعين رجلا من قومه لميقات مع رب العزة فى جبل الطور ن فأخذتهم الرجفة ، وطلب موسى الغفران ، ونزلت عليه البشارة بالرحمة بالنبى الأمى وأتباعه المتقين الذين يتبعون النور الذى سينزل عليه ( الأعراف 142 : 157 ) . وأخذ الله جل وعلا الميثاق عليهم ، رفع فوقهم جبل الطور ، ورأوه فوق رءوسهم يظنون أنه واقع فوقهم : ( وَإِذْ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٌۭ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُۥ وَاقِعٌۢ بِهِمْ خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍۢ وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( 171 ) الاعراف).

 يقول جل وعلا عن بنود هذا الميثاق : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)المائدة ) ونقضوا الميثاق فأصبحت قلوبهم قاسية يحرفون كلام الله جل وعلا : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة ) . وعن بعض مظاهر نكثهم بالعهد والميثاق يقول جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) البقرة )

أتباع المسيح

وأخذ الله جل وعلا الميثاق على أتباع المسيح أيضا ، فأنتهكه فريق منهم فوقعوا فى الشقاق والعداء والانقسام ، وموعدهم أمام الله جل وعلا يوم القيامة، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) ) المائدة ).

أتباع القرآن الكريم

1 ـ وفى نفس سورة المائدة إشارة الى عهد مع الله جل وعلا بالنسبة للمؤمنين بالقرآن فى حياة خاتم النبيين عليهم السلام ، يقول جل وعلا يذكّرهم بهذا الميثاق : (وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَـٰقَهُ ٱلَّذِى وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿٧﴾ )وفى الاية التالية التأكيد على القسط فى الشهادة حتى لو كانت فى مصلحة الخصوم : (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ‌ ٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ ۚ ٱعْدِلُوا۟ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾) ثم الجزاء بالجنة لمن يطيع ( وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌۭ وَأَجْرٌ عَظِيمٌۭ ﴿٩﴾ ) وبالجحيم لمن يعصى  ( وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ ﴿١٠﴾) ثم التذكير بنعمة الله جل وعلا بإنقاذهم من حصار الأحزاب فى موقعة الخندق:(  يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوٓا۟ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾ المائدة ). 2 ــ وفى الآيات التالية التى أشرنا لها من قبل ( المائدة 12 : 14 ) تذكيرهم بالميثاق الذى أخذه الله جل وعلا من قبل على بنى اسرائيل والذين قالوا انهم نصارى ، وما حدث لهم ، حتى لا يقع المؤمنون بالقرآن فيما وقع فيه ناقضو العهد من أهل الكتاب .وفعلا وقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب.

3 ــ والموقعة  المشار اليها فى الاية الكريمة: ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوٓا۟ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ  ) ﴿١١﴾ ) هى الموقعة التى أخذ فيها الله جل وعلا العهد والميثاق على أهل المدينة وهم يتعرضون لحصار يبغى تدمير المدينة وأهلها . وكان هذا الحصار محنة حقيقية قال جل وعلا عنها:(  ـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌۭ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًۭا وَجُنُودًۭا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩﴾ إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ﴿١٠﴾ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا۟ زِلْزَالًۭا شَدِيدًۭا ﴿١١﴾  ) وفى هذه المحنة ظهرت حقيقة الايمان وظهر أيضا زيف إيمان المنافقين ، وبالتالى إنعكس هذا على مدى الالتزام بالعهد مع الله جل وعلا . يقول بعدها جل وعلا عن موقف المنافقين: (وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌۭ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًۭا ﴿١٢﴾. ويقول عن العهد الذى خانوه : (وَلَقَدْ كَانُوا۟ عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلْأَدْبَـٰرَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْـُٔولًۭا ﴿١٥﴾ ). وعن المؤمنين صادقى الايمان قال جل وعلا  (وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَـٰنًۭا وَتَسْلِيمًۭا ﴿٢٢﴾( مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًۭا  ﴿٢٣﴾. وفى النهاية ويوم القيامة سينال كل منهم جزاءه :  ( لِّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا ﴿٢٤﴾ الاحزاب  )

البشر عموما :

وعموما يقسم رب العزة البشر جميعا الى فريقين ، فريق يحفظ العهد والميثاق وآخر لا يفى به ،  يقول جل وعلا  عن جزاء الفريقين يوم القيامة : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25  ) الرعد ).

عزيزى القارىء : لك أن تختار لنفسك الموقع الذى ستكون فيه يومئذ . هو إختبارك وإختيارك ، وحتى لا يقال لك يوم القيامة : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثًۭا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿١١٥﴾  المؤمنون )

( الشهادة الايمانية والكتب السماوية )

شهادة اهل الكتاب على كتبهم السماوية

1 ـ : التوراة :أنزل الله جل وعلا التوراة هدى ونورا بالاسلام دين الله جل وعلا الذى نزلت به كل الرسالات السماوية على كل أنبياء الاسلام ، وبالتوراة كان يحكم هؤلاء الأنبياء المسلمون من بنى اسرائيل بعد موسى ، وايضا الربانيون والأحبار ، وكان الحفاظ على التوراة موكولا اليهم ، وكانوا على ذلك شهودا ، ضمن شهادة أهل الكتاب على كتبهم السماوية ، يقول جل وعلا :  ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ  ) (44) المائدة )

2 ـ ونزل الانجيل على عيسى مصدقا للتوراة ، وقد علمه الله جل وعلا التوراة والانجيل ( المائدة 46 ، 110 ). وأوحى الله جل وعلا للحواريين بإعلان إسلامهم أيمانا بالله جل وعلا وحده وبرسوله ورسالته ، فاعلنوا شهادتهم واسلامهم : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة ). وتكرر هذا عندما أحسّ عيسى منهم الكفر بالانجيل فآمنت طائفة من بنى اسرائيل وكفرت طائفة ( الصف 14 ) بينما أكد الحواريون أنهم أنصار الله وأكدوا إيمانهم بالله جل وعلا وأعلنوا شهادتهم بالاسلام ، يقول جل وعلا : (  فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)) آل عمران ). وطلب الحواريون آية حسية ، مائدة تنزل عليهم من السماء . وطلبوها بصيغة غير مهذبة : (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ)، . لم يقولوا مثلا : أدع لنا ربنا أن ينزل علينا مائدة من السماء، ولكن قالوا : (هل يستطيع ربك) ولم يقولوا (ربنا ) وسألوا عن ( إستطاعة ) الرحمن جل وعلا تشككا فى قدرته وهو سبحانه على كل شىء قدير، لذا رد عليهم عيسى عليه السلام :  ( قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)، أعادوا الطلب بأن يكونوا شاهدين على هذه الآية  التى تطمئن بها قلوبهم . ( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ (113) المائدة ).هذه شهادة أخرى على معجزة حسية لعيسى عليه السلام. وكانت آخر آية حسية ، لأنه بعدها نزلت الرسالة السماوية الخاتمة بالقرآن الكريم رحمة للعالمين الى قيام الساعة.

الشهادة والقرآن الكريم

تميز القرآن الكريم بأنه آية عقلية ـ وليس حسية ، وعالمية للبشر الى قيام الساعة ، وليس آية مؤقتة لقوم بعينهم فى زمان ومكان معين ، وبأنه محفوظ من لدن الله جل وعلا ، وليس موكولا حفظه للبشر ، ثم مع أنه نزل مصدقا لما سبقه من رسالات سماوية فإنه مهيمن عليها ، أى هو المرجعية فيما توارث الناس من رسالات سماوية لحق التحريف بنصوصها . ولقد إشتهر العرب بالفصاحة فى اللسان ، وكان التميز بينهم بهذه الفصاحة . ونزل القرآن بلسان عربى مبين يجمع بين التيسير فى الفهم والعمق فى المعنى والفصاحة التى يستعصى على العرب الوصول اليها ، مع أنه ليس بالشعر ولا بالنثر ، بل أسلوب جديد وفريد . لذا إتهموه بأنه سحر ، واتهموا الرسول بأنه ساحر ، وتواصلت إتهاماتهم المتناقضة ، وأهمها إنكارهم أن يكون هذا القرآن من عند الله جل وعلا ، وأن محمدا هو الذى إفتراه . ومن هنا جاءهم التحدى ، بأن هذا القرآن لو كان من صناعة بشر فيأتوا هم بحديث مثله ، يقول جل وعلا :( أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُۥ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٣﴾فَلْيَأْتُوا۟ بِحَدِيثٍۢ مِّثْلِهِۦٓ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِينَ ﴿٣٤﴾ الطور ). وعجزوا عن الاتيان بمثله مع استمرارهم فى الاتهام بأن محمدا هو الذى إفترى القرآن ، فتحداهم رب العزة أن يأتوا بعشر سور فقط مثل سور القرآن   يقول جل وعلا : ( أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍۢ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَـٰتٍۢ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿١٣﴾ ،)،  وفى حالة عدم إستجابتهم فعليهم أن ( يعلموا ) أن هذا القرآن قد نزل ب (علم الله ) ، وأن ( يؤمنوا ) لا إله إلا الله وأن يعلنوا إسلامهم لرب العزة جل وعلا ، يقول جل وعلا : (  فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَكُمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٤﴾ هود ). ولم يحدث هذا ، واستمروا فى تكذيبهم للقرآن الكريم وفى إتهامهم بأن محمدا هو الذى إفتراه ،فردّ عليهم رب العزة بإستحالة أن يفترى مخلوق هذا القرآن الذى نزل من رب العالمين مفصلا و مصدقا لما سبقه من رسالات سماوية ، يقول جل وعلا : (  وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿٣٧﴾ ) ، ثم أعاد التحدى بأن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن الكريم ، وأن يستعينوا بمن يشاءون فى تأليف هذه السورة :( أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِسُورَةٍۢ مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿٣٨﴾. والواقع أنهم كذبوا بالقرآن الذى لم يحيطوا بعلمه ، ولم يعلموا بعدُ تحقيقه لأن تحقيقه ـ او تأويله ـ سيكون يوم القيامة :( بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٣٩﴾ يونس ) . وإستمر نفس الاتهام بأن محمدا هو الذى إفترى القرآن فاعاد الله جل وعلا نفس التحدى : أن يأتوا بسورة واحدة من شخص مثل محمد ، وجاء التحدى مشفوعا بالاتيان بشهداء على هذا التحدى . قال جل وعلا : (  وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة ). هنا إشهاد الكافرين على القرآن آية الاهية .

شهادة مؤمنى أهل الكتاب للقرآن الكريم

1 ـ هناك مؤمنون من أهل الكتاب ، آمنوا أنه لا إله إلا الله ، وكان معهم كتبهم السماوية ، وفيها التبشير بخاتم النبيين . ( آل عمران110 ، 113 : 115 ،   199)( النساء 162 ).

ومنهم من كان يعلم مسبقا بهجرته الى يثرب ، وأقاموا فى يثرب ينتظرون قدومه ، ونشروا التنبؤ بالنبى الخاتم ، وقوى تبشيرهم الى درجة أن بعض سكان يثرب آمنوا بنبى قادم ، آمنوا به قبل قريش ، وقبل مجىء المهاجرين ، لذا وصف الله جل وعلا الأنصار بأنهم سابقون فى الايمان : (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةًۭ مِّمَّآ أُوتُوا۟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌۭ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿٩﴾ الممتحنة ).

وكان بعضهم إذا سمع القرآن الكريم بكى خشوعا وأعلن إيمانه بالقرآن ، ودعا ربه جل وعلا أن يكون من الشاهدين يوم القيامة . يقول جل وعلا عنهم :  ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) ) المائدة ).

وإتخذ رب العزة من إيمان أولئك العلماء من اهل الكتاب بالقرآن الكريم حُجة على كفار العرب فقال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197  ) الشعراء ). وإتخذ من ( شهادة ) أولئك العلماء بالقرآن دليلا ضد الكافرين العرب ، قال جل وعلا : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) الاحقاف ). وقال لهم رب العزة : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)  الاسراء )

2 ـ  وبعض أهل الكتاب فى المدينة كانوا يستفتحون على أهل يثرب ( المدينة ) بالنبى القادم وأنهم سيتحالفون معه ضد الكافرين من اهل يثرب . ولما هاجر النبى الى المدينة وآمن به معظم أهل المدينة كفر أولئك الناس حقدا وحسدا ، يقول جل وعلا : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِعَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بما أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)  البقرة )

3 ـ إن الله جل وعلا دعا للإيمان بكل الكتب السماوية المنزلة : ( وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍۢ ۖ ) ﴿١٥﴾ الشورى )( ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّن رُّسُلِهِۦ ۚ وَقَالُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ  ﴿٢٨٥﴾ البقرة  ). فالمؤمن بالقرآن عليه أن يؤمن بكل الكتب وكل الرسل بلا تفريق بينهم ، وكذلك المؤمن من أهل الكتاب . لذا دعا رب العزة جل وعلا أهل الكتاب أن يؤمنوا بالقرآن الذى نزل مصدقا لما معهم من رسالات سماوية ، وأنه لا ينبغى لهم الكفر به ، قال جل وعلا : (وَءَامِنُوا۟ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًۭا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوٓا۟ أَوَّلَ كَافِرٍۭ بِهِۦ ۖ ) ونهاهم عن التجارة بالدين وعن تلبيس الحق بالباطل وكتمان الحق مع علمهم بالحق: ( وَلَا تَشْتَرُوا۟ بِـَٔايَـٰتِى ثَمَنًۭا قَلِيلًۭا وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ ﴿٤١﴾ وَلَا تَلْبِسُوا۟ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُوا۟ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴿٤٢﴾ البقرة ). وهذا ما إرتكبه المحمديون فيما بعد . وبهذا نفهم التركيز القرآنى على قصص أهل الكتاب وبنى إسلرائيل ، لأنهم منبع الديانات الأرضية للمحمديين . ونعود للكفرة من أهل الكتاب وقد كفروا بالقرآن ونبذوا الحق ، يقول جل وعلا : (وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌۭ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌۭ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌۭ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴿١٠١﴾ البقرة  ).

 وكان الكفرة من أهل الكتاب يكتمون الشهادة للقرآن الكريم ، أى يكتمون الشهادة بأنه الحق مع تمام علمهم بأنه الحق ، يقول جل وعلا : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146 ) البقرة ) ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) الانعام ). بل وكانوا يصدون الناس عن الحق القرآنى شاهدين على أنفسهم بالكفر ، قال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) آل عمران )  ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) آل عمران )

الضالون بعد نزول القرآن الكريم  :

مبكرا وفى عهد النبوة كان بعضهم يؤمن ويشهد أن الرسول حق ، ثم يعود الى الكفر ، هؤلاء إستحقوا اللعن لأنهم عرفوا الايمان وشهدوا بالحق ، ثم إختاروا الكفر بعدها ، يقول جل وعلا : ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) آل عمران )

ومن هذا الصنف من الناس من يخدع الناس بمظهره التقى ومعسول القول ، ويُشهد الله جل وعلا على ما فى قلبه وهو أسود القلب شديد الخصام ، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )(  204 البقرة )

الشهادة والبراءة من المشركين

والمؤمن يشهد بالحق معلنا براءته من أقوال المشركين ، هكذا فعل هود عليه السلام : ( قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) هود )

ويقولها المؤمن بالقرآن فى مواجهة من يتخذ أربابا من البشر : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) آل عمران )

ويجب أن يقال هذا الآن فى مواجهة المحمديين الذين إتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله جل وعلا ، فالمحمديون هم أيضا ـ أهل كتاب ..

رابعا :( الشهادة  يوم الحساب  / يوم الفصل )

مقدمة :

1 ــ يوم الحساب تنعقد المحاكمة الكبرى للبشر ، ومن يؤمن بها ويعمل صالحا لا يمكن أن يزعم إمتلاك الحقيقة المطلقة أو أنه مُخوّل عن رب العزّة مُتحدث باسمه جل وعلا . الداعية الاسلامى هو الذى يكتفى بتوضيح وجهة نظره بعرض مظاهر الكفر فى عهده على ميزان القرآن بغرض الاصلاح ، ثم يؤكد تأجيل الحكم عليه وعلى خصومه الى رب العزة جل وعلا يوم الفصل ، يوم الحقيقة المطلقة ويوم العدل المطلق .

2 ـ فى حياتنا الدنيا لا وجود للعدالة المطلقة مهما كان القاضى متحريا للعدل ، لأنه لا يعلم الغيب ولا يعلم سرائر القلوب ، وهو بشر مثل المتهم والشهود ، إمكانته قاصرة . هذا مع وجود الهوى ، ومع الحقيقة المُرّة ، وهى أن أكثر الناس ضالون مُضلّون، والظلم هو السائد ، والظالمون هم الأكثر تحكما فى معظم العالم وفى معظم الزمان  . ولذا يأتى التدخل الالهى فى هذه الدنيا بعقاب المجرم فى الدنيا، ومهما أفلت من القانون الجنائى ومحاكمات البشر فإنه لا يفلت من عذاب الدنيا ، يدفع فيه ثمن إجرامه ، وأن يُطبّق عليه فى الدنيا والآخرة قوله جل وعلا : ( مَن يَعْمَلْ سُوٓءًۭا يُجْزَ بِهِۦ  ﴿١٢٣﴾ النساء) ، وصدق رب العالمين القائل بصيغة التأكيد : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾ الفجر).

3 ــ  ،والأغلب أن يأتى الحديث عن اليوم الآخر بصيغة الفعل الماضى ، مع إنه سيحدث فى المستقبل، وهذا لتأكيد الوقوع  ولتأكيد أنه حقُّ لا مفر ولا مهرب منه .

4 ـ  العدالة المطلقة هى فى يوم الفصل،  فالذى يقضى بالحق يوم الحساب هو رب العزة مالك يوم الدين الذى لا يريد ظلما للعالمين ، الذى عنت له الوجوه يوم القيامة وقد خاب من حمل ظُلما ، يكفى أن تقرأ بتدبر قوله جل وعلا عن ذلك اليوم : (وَخَشَعَتِ ٱلْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًۭا ﴿١٠٨﴾ يَوْمَئِذٍۢ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِىَ لَهُۥ قَوْلًۭا ﴿١٠٩﴾  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلْمًۭا ﴿١١٠﴾ ۞ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًۭا ﴿١١١﴾ طه  ) .

 الله جل وعلا الذى يقضى بالحق هو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، فى يوم نقف جميعا أمامه بارزين لا يخفى على الله جل وعلا منّا شىء : ( يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌۭ ۚ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ٱلْوَ‌ ٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ ﴿١٦﴾ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴿١٧﴾  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْءَازِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍۢ وَلَا شَفِيعٍۢ يُطَاعُ﴿١٨﴾ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ ﴿١٩﴾  وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ ۖ )  ﴿٢٠﴾غافر ) .

 5 ـ و أيضا من مظاهر القضاء بالحق المطلق والعدل المطلق أنه جل وعلا يتيح  لكل نفس أن تجادل عن نفسها أمام ربها جل وعلا (يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍۢ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴿١١١﴾ النحل 111 )، وهو جل وعلا الذى يضع الموازين القسط  التى لا مجال فيها لأى ذرة من الظلم : (وَنَضَعُ ٱلْمَوَ‌ ٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌۭ شَيْـًۭٔا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ ﴿٤٧﴾ الأنبياء 47 ).

6 ـ وفى هذه العدالة المطلقة لا بد من الشهادة ، لأن الحكم يومئذ إما بالخلود فى الجنة وإما بالخلود فى النار . هو حكم بات وجازم ولا إستئناف فيه ولا هروب منه ولا واسطة ولا شفاعة من بشر لبشر .   .

شهادة الملائكة

 1ـ كل ما تقوله وما تفعله بل وما تفكر فيه ستكون مسئولا عنه يو الحساب ، أنت مسئول عن سمعك وبصرك وفؤادك (إنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًۭا﴿٣٦﴾ الاسراء ). كل ما تقول وكل ما تفعل وكل موجة تفكير تخرج من دماغك لا تضيع ، كل ما ( يطير ) منك وعنك يتم تسجيله فى كتاب أعمالك ، والذى سيكون معلقا بعنقك يوم القيامة ، حيث ستكون مجبورا على قراءته بنفسك ، لتكون شاهدا على نفسك ، وبالتالى فإنك لو إهتديت فلنفسك ، وإن ضللت فعلى نفسك ، ولا يتحمل أحد وزرك ، يقول جل وعلا :( وَكُلَّ إِنسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِى عُنُقِهِۦ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَـٰبًۭا يَلْقَىٰهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾ ٱقْرَأْ كِتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًۭا ﴿١٤﴾ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌۭ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًۭا ﴿١٥﴾  الإسراء ).

2 ـ هناك إثنان من الملائكة مُكلفان بتسجيل عمل كل فرد ، يتلقيان كلامه وعمله ويسجلانه أولا بأول . هما ( رقيب وعتيد ) ، وبعد الموت والبعث يؤتى بك بصحبة نفس الملكين ، احدهما يسوقك ، والآخر يحمل كتاب أعمالك ، ويصبح لهما إسمان جديدان ( سائق وشهيد ) لم تكن تراهما فى الدنيا ، ولكن ستراهما بعد أن زال عنك الحجاب الجسدى . يقول جل وعلا عنهما :  ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق ).

3 ــ يقف الجميع من البشر صفا واحدا يوم العرض أمام الواحد القهار : ( وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًۭا ﴿٤٧﴾وَعُرِضُوا۟ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّۭا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۭ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًۭا ﴿٤٨﴾ الكهف) ، يقف البشر جميعا ، ليؤتى بهم للحساب فردا فردا : (إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْدًۭا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّۭا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾  مريم )

4 ــ كل فرد يؤتى به للحساب ومعه السائق والشهيد . إذا كان عملك صالحا أصبح عملك شفيعا لك ، بشهادة كتاب أعمالك والملك الشهيد ، وهذا الملك الشهيد هو الذى يشهد بالحق وعن علم ، يقول جل وعلا فى شفاعة ملائكة تسجيل العمل ( الصالح ) :(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) الزخرف ). ولكن هذا لا يتم إلا بعد إذن ورضا الرحمن جل وعلا ، وهو القائل عن شفاعة ملائكة تسجيل الأعمال ( الصالحة ) : ( وَكَم مِّن مَّلَكٍۢ فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ لَا تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْـًٔا إِلَّا مِنۢ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰٓ ﴿٢٦﴾  النجم ) هذه الملائكة تقدم كتاب العمل ( الصالح ) أو شهادتها من بعد الإذن والرضى الالهى وهى خائفة مشفقة ، يقول جل وعلا عنهم : (  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِۦ مُشْفِقُونَ ﴿٢٨﴾ الانبياء ). شهادتهما لعملك  الصالح هى ( شهادة لك ) ، أى شفاعة لك . أمّا شهادتهما ( على عملك السيىء ) هى ( شهادة عليك ) أى شهادة خصومة . وهذه هى شهادة الملائكة . إما أن تكون شفاعة بعملك الصالح ، أو أن تكون شهادة عليك .

 الرسول شهيد (على)  قومه : ( خصم لهم وليس شفيعا لهم ) :

1 ـ خلافا لأوهام وخرافات الشفاعة للنبى ، يؤكد رب العزة العكس تماما ؛ فكل الرسل يؤتى بهم ويُسألون عن مدى هداية أقوامهم فيردون بعدم العلم ، يقول جل وعلا : (يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا۟ لَا عِلْمَ لَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ﴿١٠٩﴾ المائدة  ).

2 ــ وفى حساب كل رسول سيتبرأ من الكافرين ويعلن عدم مسئوليتهم عن عصيانهم . الذين ألّهوا عيسى هم أعدى أعداء عيسى ، لأنه بسببهم سيسأل الله جل وعلا عيسى عما زعموه:  ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ، وسيعلن عيسى براءته منهم :  ( قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117). ويكتمل تبرؤ عيسى منهم بقوله عليه السلام (  إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾ المائدة ). لم يقل ( وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ) كما يستدعى السياق ، ولكن قال: ( وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ) لنفى أى إحتمال بتعاطفه معهم .!

3 ــ وواضح من قول عيسى عليه السلام : (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ   ) شيئان : الأول : أنها شهادة خصومة ( شهد على ) (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) وأنها شهادة على من رآهم وعايشهم فى حياته (مَا دُمْتُ فِيهِمْ ). وهذا هو السائد فى شهادة الرسل ( على ) أقوامهم الذين عاصروهم وتعاملوا معهم ، بإعتبار أن الشهادة تعنى أيضا الحضور والرؤية العينية والسماع والتعامل بالحواس ، وبالتالى لا يمكن أن يكون الرسول شاهدا على قوم كانوا قبله أو بعده .

4 ـ هنا تُتاح الفرصة الشهادة لأولئك الدُعاة الذين يسيرون بعد موت الرسول على سنّة الرسول فى الدعوة الى الحق  ، هنا دور الأشهاد من المؤمنين على أقوامهم . يقول جل وعلا لخاتم النبيين: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41) النساء )، فهو عليه السلام سيكون شهيدا على قومه ، وسيكون هناك شهيد أو شاهد على كل أمة، يقول جل وعلا  : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) (84) النحل ) ( وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) (75) القصص ).

5 ــ ستكون مشكلة عيسى عليه السلام هى الزعم بأنه قال للناس أتخذونى وأمى إلاهين من دون الله ، وسيتبرأ من هذا . وستكون مشكلة ( محمد ) عليه السلام تلك السُّنّة والأحاديث التى إتبعها المحمديون وبسببها إتخذوا القرآن مهجورا . أولئك هم الأعداء الحقيقيون له عليه السلام . ولقد بدأ الكذب عليه فى حياته ، وبدأ إتخاذ القرآن مهجورا فى حياته ، قال له جل وعلا : (كَذَّبَ بِهِۦ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍۢ ﴿٦٦﴾ لِّكُلِّ نَبَإٍۢ مُّسْتَقَرٌّۭ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٦٧﴾ الانعام  )  ويوم القيامة سيعلن عليه السلام شكواه من قومه الذين إتخذوا القرآن مهجورا:( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان )

6 ــ بعد موته عليه السلام هناك شهداء على المحمديين الذين إتخذوا القرآن الكريم مهجورا الذين يزعمون أنه محتاج الى ( سنتهم ) لتبينه . لذا ستكون الشهادة هنا حول أن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شىء يحتاج تبيانا ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل ).

 موقع الشهداء يوم الدين مع النبيين :

1 ـ هم ( مع النبيين ) أو ( فى معية النبيين )، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) النساء )

2 ـ  ويبدأ الحساب بالنبيين والشهداء ، ثم بعدهم بقية البشر ، يقول جل وعلا :( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر ).

3 ــ وينتهى الحساب بأن  ينصر الله جل وعلا الحق (الأنبياء والأشهاد) ، يقول جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر )

الشهداء على أئمة الأديان الأرضية

1 ـ  وفى كل الأحوال ستكون شهادة الأشهاد يوم القيامة موجهة ضد أرباب الأديان الأرضية فى كل زمان ومكان ،  وهم الذين يصدون عن سبيل الله مستخدمين نفوذهم معتقدين أنهم معجزون فى الأرض . يقول جل وعلا :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) هود ).

2 ـ وكأنما نزلت هذه الآيات الكريمة فى يومنا هذا .!!

ودائما : صدق الله العظيم .!!

( شهادة الكافرين يوم القيامة  )

هى شهادة خاصة بهم وبمعتقداتهم ، ونعرض لها سريعا :

شهادة الشيطان بالتبرؤ من أتباعه وهو معهم فى الجحيم .

1 ـ أصحاب النار ينقسمون الى أتباع من العوام المستضعفين ، والملأ من الآلهة والأئمة والعلماء الفقهاء ، والشيطان مع الجميع  . المستضعفون سيطلبون من كبارهم أن يتحملوا عنهم نصيبا من النار فيرفض المستكبرون ، يعطون شهادتهم  ، يقول جل وعلا : (وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ جَمِيعًۭا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًۭا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍۢ ۚ قَالُوا۟ لَوْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَـٰكُمْ ۖ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍۢ ﴿٢١﴾ ابراهيم ) ويتجهون الى الشيطان فيتبرأ منهم جميعا ، شاهدا على نفسه أن الله جل وعلا وعدهم الحق ، وهو وعدهم بالباطل ، واخلف موعده ، ولكن لم يكن له عليهم سلطان ، ولم يقم بإكراههم وإجبارهم ، هو فقط دعاهم وهم بمحض إختيارهم إستجابوا له ، فلا داعى للصراخ إستنجادا به:  (  وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿٢٢﴾  ابراهيم  )

 شهادة الجوارح  للكافرين الظالمين :

1 ـ هذه شهادة خاصة بالظالمين الكافرين . إقترفوا الظُّلم بأيديهم وأرجلهم وألسنتهم وسمعهم وبصرهم وجلودهم . وستكون كلها شاهدة تنطق عليهم .

2 ـ فى البداية سيحتوى كتاب الأعمال   بالصوت والصورة على كل ما فعله الظالمون ، يرونه رأى العين شاهدا عليهم ، يقول جل وعلا : (وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًۭا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًۭا ﴿٤٩﴾ الكهف  ).

3 ــ ثم  سيستحضر رب العزة أجسادهم التى بليت لتشهد عليهم . يقول جل وعلا : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس )، أى بعد سماع دفاع الفرد الكافر يُجبر على الصمت لتنطق جوارحه شاهدة عليه .

ويقول جل وعلا عنهم : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) فصلت ) وسيسألون جوارحهم ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ) وترد عليهم بأن الله جل وعلا الذى أنطق كل شىء قد أنطقهم : ( قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) ) ، ويقال لهم تأنيبا إنكم كنتم فى الدنيا تتباهون وتفخرون بالعصيان وما كنتم تستترون منه تظنون أن الله جل وعلا لا يعلم ما تعملون : ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)  فصلت )

ويقول جل وعلا عمّن يقذف المحصنات العفيفات بالزنا ظلما وعدوانا : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور )، أى عليهم اللعنة ، وستشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .

4 ـ  فما يعمله الفرد لا يفنى ويراه :

4 / 1 : عند البعث بأدق تفصيلاته من الذرة فأقل منها : (وْمَئِذٍۢ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتًۭا لِّيُرَوْا۟ أَعْمَـٰلَهُمْ ﴿٦﴾فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًۭا يَرَهُۥ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ شَرًّۭا يَرَهُۥ ﴿٨﴾ الزلزلة ).

 4 / 2 : وعند العرض أمام الرحمن جل وعلا حيث لا تخفى منا خافية  (يَوْمَئِذٍۢ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌۭ ﴿١٨﴾ الحاقة ).

4 / 3 : غاية ما هناك أنه أن الغفران يكون للتائبين صادقى التوبة عند الحساب ( ابراهيم 41 ). والغفران ليس محو الذنوب نهائيا ، بل هو تغطيتها ، لأن ( غفر ) بمعنى غطّى . وبتغطية سيئاته أو بغفرانها يكون المؤمن صالحا لدخول الجنة . أما الكافر والذى مات فاسقا بلا توبة صادقة مقبوله فإن أعماله الصالحة تكون ( مُحبطة ) أى بلا قيمة . ولا يتم غفران ذنوبه ، فيكون بها تعذيبه فى النار ، وقبل تعذيبه بها تشهد عليه جوارحه بما عمل بها من فسوق .

شهادة الكافرين على أنفسهم

1 ـ  عند الموت سيسأل ملائكة الموت مروجى الأحاديث الضالة والخرافات ( المقدسة ) عن أوليائهم وأئمتهم المقدسين ، وهل ينفعونهم الآن عند الموت ، يقول جل وعلا : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) سيردون بأن يشهدوا على أنفسهم بالكفر :( قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) الاعراف )

2 ـ عند لقاء الرحمن يوم القيامة سيقول جل وعلا  لهم : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) سيردون يشهدون على أنفسهم بالكفر : (  قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) الانعام )

3 ـ ومنهم أولئك المجرمون الذين أحرقوا المؤمنين فى الأخدود ، وسيكونون بأنفسهم شهودا على أنفسهم بما إرتكبوه من جُرم . يقول جل وعلا : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)   البروج )

4 ـ ومنهم ذلك الذى آتاه الله جل وعلا المال والبنين فطمع فى المزيد واتهم القرآن بالسحر ، سيأتى أولاده شهودا عليه ، يقول جل وعلا : ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) المدثر )

5 ــ ومنهم المشركون المعتدون المسيطرون على البيت الحرام يزعمون أنهم القائمون على رعايته وخدمته ( خادم الحرمين ) وهم كافرون ظالمون يصدون عن سبيل الله جل وعلا من آمن ويبغونها عوجا . هى حالة من الفساد والظلم ، كانت تفعلها قريش ، ويفعلها اليوم آل سعود . والله جل وعلا يجعلها قضية عامة قابلة للحدوث فى كل زمان ،وانهم بما يفعلون شاهدون على أنفسهم بالكفر ، أى أن أعمالهم شاهدة على كفرهم ناطقة بظلمهم ، يقول جل وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)  التوبة )

شهادة الأتباع  فى النار بالتبرؤ من آلهتهم الكفرة

1 ــ هذه نوعية خاصة من الشهادة يوم القيامة  . هناك بشر دعوا الناس لتأليههم ، مثل أولياء التصوف وأئمة الأديان الأرضية ومروجيها . سيكونون مع أتباعهم فى جهنم ، ويبدأ الأمر بحشرهم معا فى الطريق بهم الى جهنم يقول جل وعلا : (ٱحْشُرُوا۟ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ وَأَزْوَ‌ ٰجَهُمْ وَمَا كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْجَحِيمِ ﴿٢٣﴾ الصافات ) ثم يوقفون للمساءلة تبكيتا : ( وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ ﴿٢٤﴾) ، إذ كانوا فى الدنيا يتخذون أولئك البشر شفعاء وناصرين لهم يوم الدين ، لذا سيقال لهم تعنيفا :( مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴿٢٥﴾ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴿٢٦﴾ الصافات ) ، ثم يقوم الأتباع بتقريع من إتخذوهم آلهة : ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿٢٧﴾ قَالُوٓا۟ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴿٢٨﴾ الشعراء ) ويتبرأ منهم آلهتهم يشهدون عليهم : ( قَالُوا۟ بَل لَّمْ تَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴿٢٩﴾وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍۭ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًۭا طَـٰغِينَ ﴿٣٠﴾ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ ۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ ﴿٣١﴾ فَأَغْوَيْنَـٰكُمْ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِينَ ﴿٣٢﴾ الصافات ) ويقول جل وعلا عنهم جميعا :  ( فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍۢ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿٣٣﴾ الصافات )

2 ـ ويدخلون جهنم معا ، يقول جل وعلا :(إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَ‌ ٰرِدُونَ ﴿٩٨﴾ لَوْ كَانَ هَـٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةًۭ مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّۭ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ﴿٩٩﴾ الأنبياء ) : ( واردون ) أى داخلون ، (يردونها ) أى يدخلونها خالدين فيها مع بعضهم ومعهم أئمتهم وعلماؤهم .

2 ـ ويُلقى بهم جميعا فى جهنم ، أو بالتعبير القرآنى : (كُبْكِبُوا۟ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُۥنَ ﴿٩٤﴾ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴿٩٥﴾ الشعراء ) .

في حمأة العذاب فى جهنم سيشهد الأتباع على أنفسهم بالضلال وهم يختصمون مع من إتخذوهم آلهة من البشر يرفعونهم الى مقام رب العالمين ويجعلونهم مساوين لرب العالمين :(قَالُوا۟ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴿٩٦﴾ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍ ﴿٩٧﴾ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿٩٨﴾ الشعراء ) ثم يلتفتون الى فقهائهم وعلمائهم وأئمتهم وشيوخهم المجرمين الذين أضلوهم فيقولون : ( وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴿٩٩﴾ الشعراء ) وحيث كان فقهاؤهم المجرمون يضلونهم بالشفاعات  الكاذبة ، وحيث لن توجد هذه الشفاعات ، فإن الأتباع سيندمون قائلين : ( فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ ﴿١٠٠﴾ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍۢ ﴿١٠١﴾ الشعراء ) وسيتمنون الرجوع فى الدنيا ليكونوا مؤمنين:(  فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةًۭ فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٢﴾ ( الشعراء ) .

تبرؤ المؤمنين من المشركين الذين إتخذوهم أولياء وآلهة

1 ـ  هذه أيضا نوعية خاصة من الشهادة يوم القيامة . هناك أشخاص مؤمنون ماتوا وإشتهروا بالصلاح وحازوا بعد موتهم على  التقدير ، فتدخل الشيطان ، وقام بتحويل هذا التقدير الى  تـقديس . فإفترى بعض شياطين الانس شخصيات وهمية إلاهية تحمل أسماء هؤلاء المؤمنين ، وأصبح أولئك المؤمنين آلهة رغم أنوفهم وبدون علمهم .

2 ـ ويوم القيامة عندما يرى المشركون أولئك المؤمنين المقدسين لديهم سينادون ربهم : (   وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ ) ويرد عليهم المؤمنون بالتبرؤ منهم ( فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وبالتسليم لرب العزة جل وعلا :  ( وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ )وينتهى الافتراء الى لا شىء : ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) النحل )

3 ــ ومثل الأنبياء ومنهم عيسى ومحمد عليهم السلام يوم القيامة ، سيتعرض أولئك المؤمنون  الى المُساءلة : هل دعوا الناس الى تقديسهم ، يقول جل وعلا : (  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)، وسيشهدون بالتبرؤ من أولئك المشركين ( قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) الفرقان ) عندها سيقال للمشركين : ( فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19)) الفرقان ).  وسيستشهد أولئك المؤمنون برب العزة جل وعلا أنهم لا شأن لهم بأولئك المشركين وضلالهم وعبادتهم : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)  يونس ).

4 ـ وكانت العرب تعبد الملائكة وتزعم أنها بنات الله ، تعالى عن ذلك رب العزة علوا كبيرا. ويوم القيامة سيقف الملائكة أيضا صفا واحد للحساب لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا ، يقول جل وعلا : (  رَّبِّ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًۭا ﴿٣٧﴾ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ صَفًّۭا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًۭا ﴿٣٨﴾ النبأ). وفى يوم القيامة سيسأل رب العزة الملائكة عن عبادة المشركين لهم ، وستقول الملائكة شهادتها بالتبرؤ منهم ، يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًۭا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ أَهَـٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ﴿٤٠﴾ قَالُوا۟ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ﴿٤١﴾ سبأ ) ويقال للمشركين :( فَٱلْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍۢ نَّفْعًۭا وَلَا ضَرًّۭا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿٤٢﴾ سبأ     )

أخيرا :

1 ــ كل ما سبق سيشهده المحمديون ، وسينطبق على المعتقدين فى الشفاعات البشرية والمقدسين للبشر والحجر والمكذبين للقرآن الكريم والمؤمنين بحديث آخر غير القرآن الكريم . يقول رب العزة:( وَيْلٌۭ يَوْمَئِذٍۢ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿٤٩﴾ فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَهُۥ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٠﴾ المرسلات  ) ، ويعظهم رب العزة مقدما بألا يؤمنوا بحديث آخر غير القرآن  قبل الموت وإقتراب الأجل فيقول لهم : (  أَوَلَمْ يَنظُرُوا۟ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍۢ وَأَنْ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَهُۥ يُؤْمِنُونَ ﴿١٨٥﴾   الأعراف ) .

2 ــ آه من يوم الدين .!!

كتاب : ( شهد ومشتقاتها ) فى القرآن الكريم
يتتبع هذا الكتاب كلمة ( شهد ) ومشتقاتها فى القرآن الكريم والمواضيع الخاصة بها فى العقيدة الايمانية والمعاملات .
more