رقم ( 33 ) : الباب الثالث : الحج فى الدين الصوفى
الفصل التاسع : أغراض الحج الصوفى ..

 

 الفصل التاسع : أغراض الحج الصوفى ..

مقدمة :

1 ـ فى الحث ّ على الحج الى الأنصاب الصوفية ترددت أقاصيص صوفية عن متوسلين بالأضرحة قدموا إليها من أماكن بعيدة، ثم ناموا عند أعتابها يشكون همومهم فيأتيهم صاحب الضريح فى المنام يحل مشاكلهم، فيستيقظ أحدهم فإذا الحلم حقيقة .. على أساس هذا الهيكل دارت معظم أساطير التوسل بالأضرحة [1].

مقالات متعلقة :

2 ـ وبسبب سيطرة دين التصوف فقد اعتاد العصر المملوكى الحج إلى الأضرحة، وإمتلآت القرافة ( أو مكان الدفن فى القاهرة ومصر ) بقبور أصبحت أوثانا مقدسة تشاع حولها أساطير الكرامات ، غدت القرافة بتلك القبور المقدسة أهم المزارات يحج اليها آلاف الناس من القاهرة وخارجها حتى من القادمين لمصر أو ( السيّاح ). وقد حرص ابن بطوطة فى كتاب رحلته على تسجيل معالم القرافة وقبورها المقدسة ، ومثله فعل آخرون كالعلوى وابن ظهيرة دليلا على إزدهار ما يعرف الآن بالسياحة الدينية فى العصر المملوكى . بل أصبحت القرافة مقصدا للنزهة ، تأتى اليها العائلات للمبيت فى أيام محددة ، وتكون مناسبات للفسوق والعصيان مرتبطة بالتزاحم أمام الضريح والطواف حوله .

3 ـ هذا التوافد على القبور المقدسة فى قرافة القاهرة أسفر عن تخصص نفر من شيوخ الصوفية فى مهمة ارشاد الزوار،وأصبحت لهم مهنة مربحة ، فتكاثر العاملون بها من الشيوخ، وأصبحوا طبقة سميت بمشايخ الزيارة. ومن أعيان هذه الطبقة من ألَف فى طقوس الحج أو ترتيب الزيارة ، مثل ( ابن الزيات ) صاحب كتاب "الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة"، وتلميذه (السخاوى ) صاحب كتاب"تحفة الأحباب" . وحفلت هذه النوعية من الكتب بأساطير الكرامات للأولياء الموتى تعزّز من الاعتقاد فيهم ، ومن جدوى الحج الى أنصابهم . بل وتجعل للحج اليهم مكافأة ، أصبحت هذه المكافأة أغراضا للحج لتلك الأنصاب .

ونكتفى هنا بما كتب ابن الزيات وتلميذه السخاوى الصوفى  فى التعرف على أهم أغراض الحج الصوفى فى العصر المملوكى . وما ذكراه هو صادق فى تصوير عقلية العصر ومعتقداته ، وإن كانت هذه المعتقدات فى حد ذاتها خرافات دين أرضى كاذب فاجر .

الحج للضريح لأجل التداوى :

1 ـ عن طريق الأساطير والكرامات الصوفية والتى يذيعها سدنة الأضرحة اشتهر بعضها بترابها الشافى أو بمائها الذى يقال فى الأساطير أنه يبرئ المرضى ، وكان هذا نوعا من التخصص والتميز لتلك الأضرحة ، فكانت تلك الأضرحة مقصودة بالحج طلبا للتداوى إيمانا وتصديقا من الناس بتلك الخرافات . وقد ذكر السخاوى فى تحفة الأحباب كثيراً من الأمثلة منها ( مسجد الرعينى )  قال عنه "من المساجد الشريفة المقصودة بالدعاء وبه بئر يستشفى بمائها، وكان مستفيضاً عند المصريين أن من أصابته الحمى فيأخذ من هذا البئر ويغسل به فيذهب عنه الحمى "[2].  ، أى نحن أمام ( عيادة طبية متخصّصة ) مشهورة إستفاض عند المصريين شهرتها فى شفاء الحمى ،وبها بئر فيه ( شفاء للناس ).!

2 ـ ويهون الشرب من الماء إذ لم يكن ملوثاً، أما الذى لا تحمد عقباه فهو تناول تراب المقبرة والاكتحال به للتداوى فى علاج العيون.!. يقول السخاوى عن قبر على بن صالح الكحال : (لاحظ ارتباط اللقب بمهمة الضريح ) : "قيل من كراماته أن من أصابه رمد وجاء إلى قبره، وقرأ شيئاً من القرآن الكريم ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم ويحسِن ظنه( لاحظ أثر الإيحاء هنا ) ويمسح على عينيه من تراب القبر فإنه ينفعه ذلك .. وقد جربه جماعة ووجدوا عليه الشفاء "[3]. .. وربما كانت هذه مؤامرة صوفية لإصابة المصريين بعمى البصر بعد عمى البصيرة !!

3 ـ وقال السخاوى عن قبر ذى النون المصرى "ما أخذ أحد من تراب مقبرة ذى النون قدر درهم أو أكثر وسأل الله حاجته وهو معه أو كان مريضاً وعلقه وسأل الله تعالى الشفاء إلا قضيت حاجته وشفى بإذن الله ، وقد جرب ذلك جماعة "[4]. أى إن تراب مقبرة ذى النون المصرى فيه إجابة لأى دعاء ، وشفاء لأى مرض.

وواضح التركيز هنا على التجربة، والتجربة مبنية هنا على الإشاعات والأساطير شأن كل إفتراءات الصوفية .

4 ـ وكما عاقب الصوفية المصريين بتكحيل عيونهم بتراب الأضرحة فإنهم اخترعوا نوعاً آخر من التعذيب والاذلال وامتهان الكرامة، حين أرغموهم على التشبه بالحيوانات التى تتمرغ فى التراب، تراب الأضرحة طبعاً .. يقول السخاوى عن مشهدين فى القرافة " ومن الناس من يأتى إلى هذين القبرين ويتمرغ بخده ويقصد بذلك الشفاء "[5]

وفى المصادر التاريخية ما يؤيد صاحب تحفة الأحباب فيذكر المؤرخ المملوكى أبو المحاسن بن تغرى بردى فى ( المنهل الصافى ) أن قبر الأمير المملوكى تمان تمرى  ت764 كان "يُزار" أى يحج اليه الناس ، ويتبرّكون بتراب القبر ، يقول :" ويؤخذ من ترابه للتبرك "[6].

وحتى يتم التبرّك بالتراب فلا بد من وضعه بكل إحترام على الوجه ومواضع المرض .

الحج لقضاء الدين :

1 ـ واشتهر بذلك ضريح عبد العزيز الدرينى شيخ الطريقة الرفاعية فى مصر العصر المملوكى . يقول  ابن الزيات فى ضريح الدرينى إنّه " مشهور بإجابة الدعاء فى قضاء الدين " ويقول فيه السخاوى " عُرفت هذه البقعة بإجابة الدعاء وأن من عليه دين إذا قال :"اللهم بما بين بينك وبين صاحب هذا القبر عبدك الردينى إلا ما وفيت دينى " إلا استجيب له"[7]. .. أى هم يعتقدون بالصلة الوثيقة بين الله جل وعلا والدرينى ، ويراهنون على متانة هذه الصلة فيقسمون بها على الله جل وعلا .!!

ورويت أساطير كثيرة فى هذا الشأن [8].

الحج للضريح توسلاً للحج إلى مكة :

1 ـ لم يترك الصوفية الحجّ لبيت الله خالياً من تدخلهم ، طبقاً لما أرسوه فى عقائد العصر المملوكى من اعتبارهم واسطة بين الناس ورب الناس . فلم يتركوا حجاج البيت الحرام دون الإلحاح بأن يستعينوا على الإستعداد للحج بالذهاب للأضرحة والتوسل بها كى تعينهم على الحج لمكة المكرمة .

ينقل ابن الزيات رأى شيخ صوفى وصفه بأنّه : (الإمام العالم العلامة ابن غزال الحضرمى )، يقول هذا الحضرمى فى تشريع جديد إفتراه : ( من أراد الحج إلى بيت الله الحرام فليغتسل فى آخر أربعاء فى الشهر ، أى شهر كان، بعد صلاة الفجر ، ويلبس ثوباً ، ويتطيب بطيب إن كان عنده، ويأتى إلى قبر الشيخ أبى الحسن الدينورى ، ويصلى عنده   أربع ركعات ، يقرأ فى الأولى بفاتحة الكتاب وأية الكرسى، والثانية بفاتحة الكتاب، وإنا أنزلناه فى ليلة القدر، وفى الثالثة بفاتحة الكتاب وألهاكم التكاثر، وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وسورة الإخلاص، ثم يسلم ويقول : يا فرد لا يزدوج ، يا مالك الأشباح والمهج ، يا ودود يا ودود ، ويا ذا العرش المجيد ، يا مبدى يا معيد ، يا فعال لما يريد .. يا مغيث أغثنى  يا مغيث أغثنى، ويشير بأصبعه إلى القبر. ويكون ذلك قبل طلوع الشمس، ثم يقول الله أجعل ثواب هذه الصلاة للشيخ أبى الحسن الدينورى صاحب هذا القبر.. ثم تنزع ثيابك وتجعل فى وسطك سروالاً، وتتمرغ على القبر، وتجعل رجليك خارجاًعن القبر، فإنك تحج فى سنتك .. وإياك أن تجعله على وجه التجربة فإنك لا تنتفع به "[9]. )

2 ـ وبدراسة النص السابق يظهر منه أن الصوفية حرصوا على إيقاع من يريد الحج لبيت الله فى جريمة الشرك قبل أن يحج للكعبة . فأرغموه على أن يصلى إلى قبر ويتوسل به ويشير إليه بإصبعه متوسلا حين يدعو،ثم يبدأ الإحرام عند ذلك القبر بنزع ثيابه ولبسه سروالا ، بل يتمرغ كالحيوان فى تراب القبر ، ويتجه برجليه بعيدا عن الفبر تقديسا للقبر . وفى النهاية يحذره من أن يفعل ذلك على سبيل التجربة . بل لابد أن يقوم بكل هذا الذلّ والهوان وهو فى تمام الخشوع والإيمان .

3 ـ وهذه النصائح الثمينة وجدت لها المنفذين فى العصر المملوكى بدرجات متفاوتة، يقول ابن الزيات عن قبر فاطمة العابدة " من أراد الحج يطوف حول قبرها سبعاً وينوى بذلك تسهيل الحج فإنه يحج فى  سنته" [10].  ويقول السخاوى عن قبورأخرى " ومن خصائص زيارتهم أن من زارهم سبعة سبوت على نية الحج أو قضاء الدين أو حاجة، قضى الله حاجته، وقد جرب الناس ذلك فوجدوه كذلك . فينبغى لمن عزم على زيارتهم وغيرهم أن يخلص نيته"[11].

وهذا إصرار على أن يخلص الحاج لبيت الله الحرام فى توسله  بالأضرحة قبل أن يسافر إلى مكة ، كأنما يخافون أن تسرقه الكعبة منهم ..

خاتمة

فى الوقت الذى سيطر فيه دين التصوف الأرضى على المصريين وجعلهم يتمرغون بتراب الأضرحة طلبا للتداوى كانت أوربا تتحرّر من دينها الأرضى وتبدأ منهج البحث التجريبى ، كأنما تستجيب لقوله جلّ وعلا (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) ( العنكبوت ) وبدأت أوربا تسير فى الأرض وتفتح عصر الكشوف الجغرافية كأنما تستجيب لقوله جل وعلا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج ) (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)( الملك ) .

تحررالغرب من سيطرة أديانه الأرضية فدخل بالعالم وقتها الى عصر المخترعات والكشوف الجغرافية ، ويدخل الغرب بنا الآن يبحث فى فضاء النواة داخل الذرة وفى فضاء النجوم والمجرّة . بينما لا يزال المسلمون يقتتلون فيما بينهم فى صراع لا يهدأ، بين أديان أرضية شيطانية ثلاثة : السنة والتصوف والتشيع .

ثم يتهمون الاسلام بأنه هو السبب فى تخلف المسلمين السنين والصوفيين والشيعة .!! وحين نجتهد فى تبرئة الاسلام ونشير لأدينهم الأرضية بأصابع الاتهام يتهموننا بإزدراء الأديان .

نحن فعلا نزدرى تلك الأديان الأرضية . ونتقرب الى الله جل وعلا بإزدرائها ..

وموعدنا امام الواحد القهّار ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .



[1]
الكواكب السيارة 43، 132، 133، 180.مجرد أمثلة.

[2]تحفة الأحباب 318.

[3]تحفة الأحباب 260.

[4]تحفة الأجباب 359، 360.

[5]تحفة الأحباب 332.

[6]المنهل الصافى جـ2/478.

[7]الكواكب السيارة 302، تحفة الأحباب440، 441.

[8]الكواكب السيارة 148،180،تحفة الأحباب 356.

[9]الكواكب السيارة 287، 288.

[10]الكواكب السيارة 122.      

[11]تحفة الأحباب 487.

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
يوضح كيفية الحج فى الاسلام وكيف زيفت قريش والمحمديون شعيرة الحج للبيت الحرام ، ويقع الكتاب فى ثلاثة أبواب تتضمن 34 فصلا .
more