أزمة الدولار ليست السبب الوحيد.. مصانع حديد مصرية تكتفي بالتوريد لشركات الحكومة وركود بالقطاع الخاص

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٧ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


أزمة الدولار ليست السبب الوحيد.. مصانع حديد مصرية تكتفي بالتوريد لشركات الحكومة وركود بالقطاع الخاص

وصلت أزمة انخفاض القدرات الإنتاجية المصرية في مجال الحديد إلى ذروتها مطلع شهر يناير/كانون الثاني الجاري، بعدما أوقفت مصانع حديد عقود توريدها إلى شركات القطاع الخاص، واكتفت فقط بتلبية احتياجات الشركات الحكومية والتابعة للجيش المصري، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة يعانيها قطاع البناء والتشييد المصري القائم على شركات المقاولات الخاصة التي مازالت تعمل بعيداً عن هيمنة الحكومة.

وقال مصدر مطلع بشركة حديد المصريين لـ"عربي بوست" إن الشركة قررت مع بداية هذا الشهر عدم بيع أي كميات من إنتاج "خام بليت"، على أن يتم توجيه الأطنان المنتجة لتصنيع الحديد الخاص بالشركة وعدم بيعه لشركات الحديد المحلية، وذلك مع زيادة الإقبال على شراء الخام من أربعة مصانع مصرية تعمل على إنتاجه وهي (حديد عز الدخيلة وحديد المصريين والسويس للصلب وحديد بشاي)، إلى جانب استمرار أزمات شح الدولار وعدم القدرة على توفير سيولة من العملة الصعبة لاستيراده من الخارج.

وأضاف المصدر ذاته أن الشركة واجهت ضغطًا كبيراً من التجار ومصانع الحديد للحصول على خام بليت، وكذلك الحديد المصنع، خلال الشهرين الماضيين. لكن هذا الإقبال فاق إمكانيات الشركة، وهو ما كان سبباً في وقف تسليم شحنات الحديد إلى الموزعين الذين يوردون إلى الشركات العقارية الخاصة، والاكتفاء بسد احتياجات الشركات العقارية العاملة مع الحكومة، والتي مازالت تعمل بكامل طاقتها في العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المدن الجديدة في المحافظات والأقاليم المختلفة.

عدم القدرة على الاستيراد
وشدد المصدر على أن سوق الحديد يعاني أزمة تتمثل في زيادة معدلات الطلب في الوقت الذي يتناقص فيه المعروض بشكل كبير. ويعد ذلك أحد أبرز العوامل التي قادت للارتفاعات التي بلغت نسبة 100% خلال الأشهر الستة الماضية، وأن شركات الحديد "الاستثمارية" التي لا تقوم بإنتاج خام بيليت وتعتمد على الاستيراد من الخارج أو الشراء من المصانع المحلية أصبحت لديها أزمة كبيرة، وقد يتعرض بعضها للتوقف خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم توفير الدولار اللازم.

ورفعت شركة حديد المصريين أسعار الطن مرات عديدة منذ بداية هذا الشهر، ووصل آخر سعر لها إلى 27 ألفاً و300 جنيه للطن الواحد، وهو السعر الخاص بالمصنع، ويتم إضافة إليه مبلغ يتراوح ما بين 1000 إلى 3000 جنيه ضريبة قيمة مضافة ورسوم نقل حتى وصوله للمستهلكين.

ويشير المصدر ذاته إلى أن ارتفاع الأسعار لا يرتبط فقط بتراجع قيمة الجنيه، بل إن زيادة الإقبال خلال الأيام الماضية تعد عاملاً رئيسياً.

ويصل متوسط سعر طن الحديد بالأسواق للمصانع الاستثمارية لـ28 ألف جنيه، وخلال أقل من شهر ارتفع سعر الحديد في مصر 10 آلاف جنيه من 18 ألف جنيه، كان قد سجله طن التسليح في مصر الشهر الماضي، بعدما ارتفع الدولار في البنوك، ومع تحريك سعر الفائدة عالمياً ومحلياً.

وبحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، تنتج مصر حوالي 7.9 مليون طن من حديد التسليح، وحوالي 4.5 مليون طن بليت، بينما تستورد 3.5 مليون طن بليت من الخارج.


العاصمة الإدارية الجديدة لمصر/رويترز
مصانع الحديد تعمل بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 30%
ويشير أحد موزعي الحديد بالقاهرة –رفض ذكر اسمه- إلى أن الطاقة الإنتاجية للمصانع "الاستثمارية" التي تستورد خام بليت من الخارج تعمل بكفاءة لا تتجاوز 30%.

يرجع ذلك لعدم توفر الدولار في البنوك الحكومية، وفي ظل حالة من الركود يشهدها السوق الموازية التي توقف العمل فيها بشكل شبه تام خلال الأيام الماضية مع زيادة الحملات الأمنية التي تشنها الحكومة على تجار العملة، وفي ظل انتظارهم مزيداً من الانخفاض في قيمة الجنيه بما يمكنهم من بيع الدولار بسعر أعلى.

ولفت في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن تلك الشركات تعاني أيضاً من مشكلة صدور قرارات داخلية بالمصانع الأربعة الكبرى التي تنتج خام بليت بعدم بيع الخام إلى شركات الحديد وتوفيره كاملاً لتصنيع الحديد الخاص بها، وأن تلك الشركات اتخذت قراراتها منذ بداية هذا العام، ومن المقرر أن تستمر فيها لمدة شهرين لحين التعرف على طبيعة السوق، ومدى القدرة على توفير الدولار من عدمه لتخفيف الضغط عليها.

وأوضح أن "حديد المصريين" الذي قرر عدم توزيع شحنات الحديد التي ينتجها إلى موزعي القطاع الخاص، لم يكن بالأساس يشهد إقبالاً كبيراً عليه، وتركزت مبيعاته على الشركات الحكومية وبعض الموزعين. لكن تبدلت أوضاعه مع انخفاض المنتج من الحديد المحلي، مشيراً إلى أن البعض يرى بأن تخفيض معدلات الإنتاج والتوجه نحو تلبية احتياجات الشركات الحكومية فقط لا يخلو من أبعاد سياسية تتعلق بالرغبة في مضاعفة عمليات البناء في المدن الحديثة والمشروعات القومية، على حساب العاملين في مجال البناء والتشييد بالقطاع الخاص.

وتنقسم مصانع الحديد والصلب في مصر إلى 3 أنواع، على رأسها المصانع المتكاملة، وهي تنتج من الخامات الاستخراجية وحتى المنتج النهائي، وأبرزها عز الدخيلة.

النوع الثاني هي الشركات نصف المتكاملة التي تنتج المنتج النهائي من صهر الخردة أو الحديد الإسفنجي. والنوع الثالث هو مصانع الدرفلة التي تقوم بشراء عروق الصلب من مصدر محلي أو مستورد ودرفلتها إلى حديد التسليح.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية المتاحة من حديد التسليح في مصر حوالي 15 مليون طن، فيما يبلغ الاستهلاك الفعلي 7.5 مليون طن، بحسب تقرير المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، وهو أعلى رقم وصل إليه الاستهلاك المحلي في عام 2021 بزيادة قدرها 7% عن عام 2020، والذي سجل 6,865 مليون طن، وذلك مع بدء العمل في مشروع حياة كريمة بالقرى المصرية.

وبلغ حجم التصدير من الحديد المصري 1.78 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة زيادة 145%، بحسب تقرير المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، ويعمل في مصر نحو 24 شركة حديد تسليح، أبرزها: "حديد عز"، و"بشاي"، و"السويس للصلب"، و"حديد المصريين" و"المراكبي للصلب".

زيادة هائلة في التكلفة ومخاوف من الركود
ويذهب محمود عبد السلام، أحد موزعي الحديد بالقاهرة، لتأكيد أن حالة الركود تسيطر على شركات المقاولات الخاصة التي تراجعت معدلات عملها بالأساس منذ صدور اشتراطات البناء في المدن القديمة. وأوقفت العديد من الشركات عملها لحين اتضاح الصورة، لأن وصول سعر طن الحديد إلى ما يقرب من 30 ألف جنيه يعني زيادة هائلة في تكلفة البناء، وأن بعض الشركات التي ليست لديها تعاقدت وليست بحاجة لإنجاز أعمالها بسرعة قررت التوقف منذ بداية الشهر الجاري.

وأضاف لـ"عربي بوست" أن مصانع الحديد ستعاني خلال الفترة المقبلة من أزمة كساد متوقعة نتيجة تراجع الإقبال على الشراء من جانب القطاع الخاص. لكن ذلك لن يؤدي لانخفاض الأسعار ما لم يتم توفير الدولار، وفي ظل عدم القدرة على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج.

وأشار إلى أن أزمة انخفاض الإنتاج تحمل أبعاداً احتكارية، لأن الشركات الأربع الكبرى تقوم بتخزين كميات في مخازنها انتظاراً للتعرف على سعر طن الحديد في حال تراجع سعر الجنيه مرة أخرى، وتستهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب.

الأمر ذاته بالنسبة لبعض الموزعين والتجار الذين يسعون لتأمين أنفسهم من أي تراجع أكبر في كميات الإنتاج قد يترتب عليه زيادة أسعار الحديد أو اختفاؤه على نحو أكبر من الأسواق.

وهناك قناعة بأن أسعار الحديد الحالية ليست حقيقة. وفي ظل حالات الضبابية، فإن الجميع يختار التوقف أو التقليل من كميات البيع لحين اتضاح الصورة، وفقاً لما أكده عبد السلام، والذي أشار إلى أنه لا يوجد من يتوقع ارتفاع أو انخفاض أسعار المعادن أو الحديد الفترة المقبلة، وقد يخضع الأمر لتأثيرات خارجية إذا ما استمر الصراع الدائر حالياً بين روسيا وأوكرانيا تحديداً، وأن الدولتين ضمن أربع دول تورد إلى مصر خام بليت إلى جانب الصين وتركيا.

وتتأثر أسعار الحديد العالمية بمجموعة من العوامل، على رأسها سعر المواد الخام وأسعار النفط والشحن، وهو ما تسبب في زيادة أسعار الخردة عالمياً بنحو 42% خلال الربع الأول من عام 2022، في حين زادت أسعار خام "البيليت" التركي بنحو 39% في الفترة ذاتها.

لكن بالنسبة للحالة المصرية، فإن قيود البنك المركزي فيما يخص فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، وانخفاض القدرة الشرائية، وشحّ السيولة، كانت عوامل مؤثرة بشكل أكثر فداحة على أرض الواقع.

ومن المتوقع أن تترك كل هذه العوامل آثاراً سلبية على إحدى الصناعات التي تتميز بها مصر وتعد عنصراً مهماً لجلب العملة الصعبة، وبالفعل تراجعت صادرات مصر من الحديد والصلب 23% لتسجل نحو 1,146 مليار دولار خلال الأشهر الـ10 الأولى من 2022 مقابل 1,481 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

أزمة الدولار في مصر
أزمة الدولار في مصر
زيادة أسعار الغاز الطبيعي
وقال مصدر بشعبة البناء والتشييد إن بعض مصانع الحديد اختارت أن تقلل من هامش ربحيتها خلال الفترة الماضية بما يضمن عدم وصولها إلى مرحلة الكساد، فهي تدرك أن الزيادات السريعة في أسعار الطن ستؤثر على قطاع العقارات الذي سيشهد ارتفاعاً موازياً في أسعاره، وأن شركات التطوير العقاري والإنشاءات تباطأ استهلاكها بالفعل.

لكن في الوقت ذاته فإن تلك الشركات تضع في حسبانها أنها ستكون أمام زيادة جديدة في الأسعار خلال الشهر المقبل إذا ما قررت الحكومة زيادة أسعار الغاز الطبيعي الذي تورده إلى المصانع.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن الحكومة تبيع الغاز الطبيعي لمصانع الحديد والصلب والصناعات كثيفة الاستهلاك بنحو 5.57 دولار لكل مليون وحدة حرارية.

وبالتالي فإن ذلك يفرز عن حالة التفاوت في الأسعار بين المصانع المختلفة، وقد يصل الفارق إلى 2000 جنيه في سعر الطن مع وصوله إلى المستهلك، لأن بعضها يتوقع زيادة القيمة الرئيسية لمدخلات الإنتاج، والبعض الآخر يحسب سعر الدولار وفقاً لما كان سائداً في السوق السوداء خلال الفترة الماضية التي وصل فيها إلى 37 جنيهاً قبل تراجعه، إلى جانب غياب الرقابة من جانب وزارة التجارة والصناعة أو من الجهات المختصة.

وصعدت أسعار الأسمنت أيضاً خلال اليومين الماضيين وبلغ سعر الطن بين 1900 إلى 2000 جنيه للمستهلك، حسب تكلفة النقل، وفقاً لأحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، وهي الزيادة الثالثة منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ كان سعر الطن الواحد ما بين 300 إلى 400 جنيه خلال نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم عاد ليرتفع 100 جنيه للطن خلال منتصف الشهر الجاري، وذلك بسبب تراجع قيمة الجنيه.

ويتوقع أيمن مرسي، وهو صاحب إحدى شركات المقاولات الخاصة، أن يمر سوق العقار في تلك الأثناء بحالة من الترقب وعدم الاستقرار نظراً للارتفاعات المستمرة في أسعار المواد الخام، والتي تتراوح ما بين 30 إلى 40%، ما سيكون له تأثير كبير على التكلفة التنفيذية للمشروعات، وأن تلك الحالة من المتوقع أن تستمر طيلة هذا العام، وسيؤدي ذلك لارتفاع أسعار الوحدات المعروضة بنسبة تتراوح ما بين 25% إلى 30%.

وأضاف لـ"عربي بوست" أن الزيادات الفعلية التي كان من المقرر زيادتها على أسعار الوحدات تصل إلى 60% مع استمرار ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج بشكل متتالي طيلة الأشهر الماضية، لكن ذلك في ظل إجراءات مواجهة التضخم التي اتخذتها الحكومة سيؤدي لحالة من الكساد العام، وإن الشركات تعول على أن العقار هو الوعاء الأمثل للاستثمار في ظل تدهور قيمة الجنيه، لكن الوضع قابل للتقييم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

وتشير تقديرات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء إلى خسائر للقطاع في حدود 40 مليار جنيه (1.34 مليار دولار)، بسبب إجراءات خفض الإنفاق العام على المشروعات القومية.
اجمالي القراءات 620
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق