سوريا: لكى يكتمل ربيع الديمقراطية العربية

سعد الدين ابراهيم Ýí 2011-04-02


 

ونحن نتابع تضحيات الشعب الليبى ضد عميد الطُغاة العرب، معمّر القذافى، لا يُخالجنا شك أن نهايته قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وهو ما يعنى أن المغرب العربى مع مصر، يجعل الكتلة الديمقراطية هى الأغلبية فى الوطن العربى.

ولكن يبقى المشرق العربى والخليج، يتأرجحان بين الاستبداد والحُرية. صحيح أن لبنان فى المشرق، والكويت فى الخليج، هما أقدم ديمقراطيتين عربيتين. فالأولى ولدت واستمرت ديمقراطي&sh;ية، منذ استقلالها فى أوائل أربعينيات القرن العشرين.

والثانية ولدت واستمرت ديمقراطية منذ استقلالها فى أوائل سبعينيات نفس القرن، ربما باستثناء سنتين، خلال حرب الخليج الأولى (بين إيران والعراق) فى الثمانينيات، أما العراق، فرغم عدة سنوات من الملكية الدستورية، فى عهد الملك فيصل (الهاشمى)، فقد أجهضت تلك الديمقراطية، منذ ثورة ١٩٥٨، التى قادها عبدالكريم قاسم، وظل العسكريون يتبادلون السُلطة، حتى الغزو الأمريكى فى مارس عام ٢٠٠٣، واستحدثت «ديمقراطية برلمانية توافقية»، فى ظل الاحتلال.

والشىء نفسه يُصدّق على الأردن، الذى يقول المسؤولون فيه إن نظامهم هو ملكية دستورية، ولو أن المُعارضة الأردنية تتحدى هذا الادعاء. ولكن الدولة المركزية الأهم فى المشرق العربى هى سوريا، فهى الأكبر مساحة وسكاناً وموقعاً. فلها حدود مع خمسة بُلدان مهمة فى المنطقة: تركيا، والعراق، ولبنان، والأردن، والسعودية. وكانت المصدر الأيديولوجى لأهم الحركات السياسية، التى شكّلت أهم أحداث المنطقة، خلال العقود الستة الأخيرة، حتى عندما قاد آخرون، مثل عبد الناصر، وصدام حسين، وجورج حبش، وياسر عرفات، حركات تحرير كُبرى.

ولكن سوريا مثل مصر والعراق وليبيا والجزائر وتونس، وقعت تحت سطوة نظام مُستبد، استخدم كل الوسائل للاستيلاء على السُلطة، والانفراد بها. بل يُعتبر النظام السورى فى ذلك هو الرائد والنموذج.

فقد استخدم أيديولوجية قومية عربية وحدوية، كمُبرر للوصول إلى السُلطة. ولكنه لم ينجح فى إنجاز أى وحدة عربية، مع أى من جيرانه، حتى حينما يحكم بعضها نُخبة تدين بنفس الأيديولوجية «البعثية»، رغم أنه يحكم سوريا منذ أواخر الستينيات.

ثم لجأ نظام آل الأسد، الأب حافظ، ثم ابنه بشار، إلى تبرير الانفراد والاستمرار فى السُلطة، بأنه يقود جبهة «الرفض» لإسرائيل، و«المُمانعة» للهيمنة الأمريكية فى المنطقة. هذا فى الوقت الذى لم يُطلق فيه النظام طلقة واحدة فى اتجاه إسرائيل منذ عام ١٩٧٣.

فالنظام السورى لم ينهج نفس النهج المصرى أو الأردنى فى إقفال الملف الإسرائيلى، بتوقيع مُعاهدة سلام. ولم ينهج النهج الفلسطينى فى الاستمرار فى الكفاح المُسلح. فهو يستفيد من حالة اللا حرب واللا سلم، وابتدع مُصطلحاً لها، وهو «المُمانعة»، التى هى مصدر للفعل «مانع». فنظام بشّار الأسد، «يمتنع» عن الكفاح المُسلح، لتحرير بقية أراضى سوريا المُحتلة من إسرائيل منذ عام ١٩٦٧، وهى هضبة الجولان. و«يمتنع» عن التفاوض مع إسرائيل لتحرير الجولان سلمياً- مثلما فعلت مصر لتحرير سيناء، ومثلما فعلت الأردن لتحرير وادى الأردن.

والذى لا يقوله النظام صراحة هو أنه أيضاً «يُمانع» فى ترك السُلطة سلمياً، و«يُمانع» فى إشراك قوى سياسية أخرى فى هذه السُلطة، ويُمانع فى إطلاق حُرية تكوين الأحزاب والجمعيات، ويُمانع فى إطلاق سراح آلاف المُعتقلين السياسيين، الذين مضى على بعضهم خلف القضبان أكثر من رُبع قرن.

وحقيقة نظام آل الأسد هى أنه حُكم عائلى طائفى. فعائلة الأسد تنتمى إلى طائفة دينية، مُنشقة من إحدى فرق الشيعة، وهى العلويين النصيرية. ولطول اضطهادها ظلّت محرومة من التمتع بالمُساواة فى الفرص فى الالتحاق بمواقع فى مؤسسات الدولة، إلى أن حصلت سوريا على الاستقلال فى أربعينيات القرن العشرين. وكانت إحدى هذه المؤسسات الكُليات العسكرية. فأقبل عليها شباب العلويين، وكان منهم صلاح حديد، وحافظ الأسد.

وحينما لاحت لكل منهما كضابطين فرصة الالتحاق بحزب البعث، وكان إحدى المؤسسات المدنية القليلة، هو والحزب الشيوعى والحزب القومى السورى، التى رحّبت بأبناء الأقليات- وحينما لاحت الفرصة لصلاح حديد، بصفته ضابطاً فى الجيش السورى وناشطاً فى حزب البعث، فإنه قام بانقلاب عسكرى. وكان أول علوى يصبح رئيساً للجمهورية. وقد أغرت تلك السابقة ضابطاً آخر فى سلاح الطيران السورى، وهو حافظ الأسد، لتدبير انقلاب ثان، وأيضاً باسم حزب البعث، وذلك عام ١٩٧٠.

وتحالف حافظ الأسد مع الرئيس المصرى أنور السادات فى شن حرب أكتوبر ١٩٧٣، التى حررت جزءاً، وليس كل الأراضى السورية المُحتلة (منذ ١٩٦٧). وأثبت حافظ الأسد أنه داهية سياسية لا يُشق له غُبار، فقد جنّب سوريا مُمارسة الانقلابات العسكرية، التى كانت تحدث كل ١٨ شهراً فى المتوسط، منذ أول انقلاب لحسنى الزعيم، فى أعقاب هزيمة فلسطين، فى أبريل ١٩٤٩.

فاستمر حافظ الأسد فى الحُكم ثلاثين عاماً (١٩٧٠-٢٠٠٠) متواصلة.

وكانت وسيلته فى تأمين نفسه فى الُحكم، هى تولى أفراد عائلته، وعائلة زوجته (آل مخلوف) كل المناصب الحساسة فى القوات المُسلحة، والمُخابرات، والأمن العام والمكتب الثانى (مباحث أمن الدولة).

من ذلك أن شقيقه، رفعت الأسد، ظل الرجل الثانى فى النظام عشرين عاماً، إلى أن أقصاه لصالح أحد أبنائه وهو باسل حافظ الأسد. وحينما قُتل باسل فى حادث سيارة، غير معلومة تفاصيله الحقيقية، استدعت الأسرة الابن الثانى، وهو بشّار، الذى كان يدرس فى لندن، للحصول على الدكتوراه فى طب الأسنان. وأدخله أبوه الكلية الحربية، حتى حصل على رُتبة عسكرية، أهّلته لأن يصبح ضابطاً، ثم رُقّى بسرعة، إلى أن وصل إلى رتبة «فريق»!

وبالتالى حينما رحل الأب فى أول يوليو ٢٠٠٠، اجتمع حزب البعث الحاكم بعد أسبوع، وضم بشار الأسد إلى الحزب، ثم عيّنه أميناً للحزب، ثم مُرشحاً عن الحزب لرئاسة الجمهورية. وهكذا أصبح الأمر «جملوكياً» أى «جمهورية» اسماً، و«ملكية» وراثية فعلاً.

ووقتها لم أجد اسماً مُناسباً لتلك الظاهرة الجديدة إلا مُصطلح «الجملوكية». ولأننى رأيت أن تلك المُمارسة المُبكرة يمكن أن تتكرر فى عراق صدام حسين (لابنه عُدىّ) وفى ليبيا مُعمّر القذافى (لابنه سيف الإسلام)، وفى يمن على عبدالله صالح (لابنه أحمد)، وفى مصر حسنى مُبارك (لابنه جمال)- فقد سارعت بنشر مقالين حول هذا الأمر ، أحدهما فى صحيفة «الحياة» اللبنانية، والآخر فى مجلة «المجلة» اللندنية. وفى اليوم الذى ظهرت فيه هذه الأخيرة، ووصلت إلى الأسواق المصرية، كان هو نفس اليوم (الجمعة ٣٠/٦/٢٠٠٠) الذى صدر فيه أمران من رئاسة الجمهورية: الأول لجمع كل نسخ مجلة «المجلة» من الأسواق المصرية.

 والأمر الثانى هو إلقاء القبض علىّ، وإيداعى الحبس، ثم مُحاكمتى وسجنى لسبع سنوات، بعدة تُهم، ثبت بعد ذلك فى محكمة النقض، أنها كانت مُلفقة، فحكمت ببراءتى فى (مارس ٢٠٠٣) من كل التهم، بل وأدانت المحكمة النظام لتلفيقه تُهماً أساءت لسُمعة مصر فى الخارج. لذلك فقد أحسست أن ربيع الديمقراطية العربية الذى بدأت نسماته فى تونس، ورياحه فى مصر، لتنتقل إلى البحرين واليمن والأردن- لن يكتمل إلا مع تغيير الأوضاع فى سوريا.

فمنها بدأ أول الانقلابات العسكرية على الحكومة المدنية المُنتخبة، ولا بد أن نودّع فى سوريا آخر هذه الحكومات المُغتصبة للسُلطة. ومن هنا وجبت التحية للثوار فى مدينة «دِرعا» بجنوب سوريا. فكما بدأت انتفاضة تونس فى الأطراف بالجنوب (بوعزيز)، فكذلك انتفاضة سوريا. إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 9421

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,324,926
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt