3من هو الشهيد؟
السبت 10 / 5 / 2008
لـواء ـ مـحـمد شـبل
موسم استشهاد المسلمين, في أكثر من موقع علي الأرض تري المسلمين يقتلون ويقتلون, جري بيننا العرف أن كل مسلم يقتل فهو شهيد, وكل غير مسلم يقتل فهو قتيل, وهذا اعتقاد ثابت عند المسلمين, حين يتحادثون وحين يكتبون.
فكيف نشأ هذا الاعتقاد؟ وعلي أي درجة من الصواب هو؟
هيا بنا إلي النص الصحيح القرآن الكريم:
ليس في القرآن شواهد علي أن كلمة شهيد لها معني: من يقتل في سبيل الله, إنما وردت كلمة الشهيد في القرآن بمعناها الأصلي وهو: الشاهد, وكذلك كلمة الشهداء فقال تعالي:وأشهدوا إذا تبايعتم لا يضار كاتب ولا شهيد( البقرة282).
وقال:والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة( النور4), إلا أنه قد جاء في القرآن أيضا ما يدل علي وجود منزلة عالية في الجنة للشهداء, فقال سبحانه:ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا( النساء69), الشهداء هنا ليسوا بطبيعة الحال الشهود علي البيع والشراء, وإنما لابد أن يكونوا أناسا آخرين, ويكون للكلمة معني آخر.
قال المفسرون إن الشهداء في هذه الآية هم: من يقتلون في سبيل الله, وأجد في هذا القول استخراجنا لمعني لم يقصده القرآن, حيث ذكر القرآن من يقتلون في سبيل الله بفعلهم فقال تعالي:ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون, فرحين بما آتاهم الله من فضله( آل عمران169 ـ170), وهكذا بشرهم بالفضل والجنة..فما المعني الآخر لكلمة الشهيد ـ إذن ـ غير معني الشاهد؟ ولماذا جعله الله مع النبيين والصديقين؟ قد يمكننا أن نصل إلي هذا المعني بقراءة الآيتين التاليتين.
1ـ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا( النساء41).
2 ـ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( البقرة143).. وبهاتين الآيتين أعلمنا الله أن كل رسول شهيد علي أمته( ممن سبقوا محمدا), كما أن محمدا شهيد علي أمته: يشهدون جميعا بأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة..كما تعلمنا الآية الثانية أن أتباع محمد سوف يكونون شهداء علي الناس ويقول المفسرون إنهم سيشهدون علي الذين من قبلهم ومن بعدهم, وفي هذا تعسف في فهم الآية لأن من جاء قبل أمة محمد يشهد عليهم رسلهم, أما أتباع محمد فسوف يشهدون ـ فقط ـ علي الذين من بعدهم ذلك لأنه لارسول بعد محمد إنما هي رسالة محمد يحملها هؤلاء الأتباع إلي الأجيال المقبلة جيلا بعد جيل إلي أن تقوم الساعة, فهم بذلك يقومون بدور الأنبياء بشرط أن يكونوا أمة وسطا لا يتطرفون يمينا ولا يسارا ولا تهوين ولا تهويل, ولن يكون ذلك إلا بإعلائهم للقرآن, يتدبرونه ويعلمون به, ويبلغونه للناس بالحكمة والموعظة الحسنة ومن طبيعة الأشياء أنهم لن يكونوا كلهم كذلك, فمنهم الصالحون ومنهم الطالحون لكن من هدي الله منهم إلي هذا الصراط المستقيم, فهو من الشاهدين, لذلك أخبرنا الله بأن ندعو بقوله تعالي:ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين( آل عمران53).. الخلاصة أن كلمة الشهيد في القرآن تعني: الشاهد, أو المؤمن المستقيم الداعي إلي سبيل الله.. فماذا عن الروايات( الأحاديث المنسوبة للنبي) وما جاءت به؟ لقد صرحت الأحاديث بأن الشهيد هو الذي يقتل أثناء منازلة الذين يحاربون المسلمين ليردوهم عن دينهم أو يخرجوهم من ديارهم وذكرت أن ثوابهم الجنة..فروي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وقال:الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة..كما بينت الأحاديث أن الشهداء أيضا هم من يتصدون للمعتدي فروي أن النبي قال:من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون دمه فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو شهيد وهذه الأحاديث توافق القرآن نصا وروحا..بيد أن ثمة أحاديث أخري( أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما) تشير إلي نوع من الشهداء يقف العقل أمامها متحيرا, وتخالف القرآن وإليكم رواية البخاري:الشهداء خمسة: المطعون( الذي يموت بالطاعون) والمبطون( من يموت بمرض البطن) والغرق( الغريق), وصاحب الهدم( من يهدم عليه بناء) والشهيد في سبيل الله, وروايات أخري أضافت: من يموت محروقا, والمرأة التي تموت عند الولادة والعلماء المعاصرون أضافوا: من يموت بسبب عملية جراحية, وهكذا فتح باب الشهادة علي مصراعيه حتي صار كل قتيل شهيدا!!
ولأن هذه الروايات صارخة بعدم المعقولية فقد وقف أمامها فقهاء السلف, أنهم لم يقبلوا المساواة بين هؤلاء القتلي وبين الشهداء( الذين ذكرهم القرآن) وحاولوا أن يرفعوا التناقض لكنه جاء رفعا شكليا يتناول بعض الإجراءات في الدنيا, بينما أبقي لهؤلاء القتلي علي أهم ما يناله الشهيد وهو ثوب الجنة..فقالوا في هذا الصدد:المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله ـ أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء, أما في الدنيا فيغسلون ويصلي عليهم( باعتبار أن الشهيد لا يغسل ولا يصلي عليه) ونحن لا نوافق علي هذا الرأي جملة وتفصيلا وسندنا القرآن والعقل..ما الفضل الذي يحوزه من يموت بالطاعون ومن يغرق ومن يموت بعملية جراحية حتي يفوز بمنزلة الشهداء؟ولنتخيل رجلا جمع الكثير من المال الحرام وذهب يتمتع بالمصيف في الإسكندرية أو مطروح أو الساحل الشمالي, وقضي الليل في المعصية وظهيرة اليوم التالي نزل إلي البحر فابتلعه الموج الهائج وغرق, فكيف يكون شهيدا يدخل الجنة؟! هذا كلام له خبيء معناه ليست لنا عقول!! ولك أن تعجب أن هناك حديثا آخر جعل من شروط الشهيد أن يكون مستقيما حسن الخلق, فقد روي مسلم أن عمر بن الخطاب قال:لما كنا يوم خبير أقبل نفر من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد, حتي مروا علي رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها( أي بسبب عباءة أخذها من الغنائم خفية)..ونفهم من هذا الحديث أن مرتبة الشهيد لا تنال من الكيفية التي يموت بها الإنسان أو يقتل, إنما هي درجة من الإيمان والعمل الصالح إذا لم يصل إليها المرء قبل وفاته فلا يصعد إلي مرتبة الشهيد حتي لو قتل وهو يقاتل بجوار رسول الله وفي غزوة من غزواته!!في النهاية, ثمة سؤال أكثر أهمية: ما الرأي فيمن يقتل من غير المسلمين مدافعا عن قضية عادلة؟
يوما كتب الأستاذ أحمد بهجت في زاويته بالأهرام مقالا عن فتاة أمريكية غير مسلمة وقفت في طريق البلدوزر الإسرائيلي لتمنعه من هدم بيوت الفلسطينيين وبدلا من أن يتوقف سائق البلدوزر هدمها ودفنها في التراب..كان المقال بعنوان الشهيدة الأمريكية واستنكر البعض وقال: إنها غير مسلمة(!!) وأنا أقول بكل الإيمان: قطعا هي شهيدة, ولو كره المتنطعون!!
اجمالي القراءات
35645