عمر أبو رصاع Ýí 2008-04-13
الحلقة الخامسة
مدخل لثاني الأصول التوحيد
هو أصل الأصول جميعاً و اكرمها منزلة من الاعتزال و الدين بعامة ، فرسالة الإسلام لو اردنا وصفها لقلنا هي رسالة التوحيد ، على ان جل اشياخ الاعتزال إنما ابتدروا الأصول بالعدل نرى ان تقديم التوحيد اصوب و اوجب ؛ ذلك أن العدل اعظم صفاته عز وجل انما يلحق بوحدانيته و يشتق منها ، فالاعتقاد بالوحدانية يشتمل على معرفة الباري عز وجل ، و من كمال معرفته معرفة صفته ، لذا اعتقد بوجوب تقديم التوحيد كأصل أول و منه يسار إلى القول بعدله و صدق وعده و وعيده و منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتي الكفر و الإيمان إلى ان ينتهي الاعتزال اعتقاداً بأصله الخامس الذي يعكس موقفه الاعتقادي في التطبيق السياسي و الاجتماعي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
ليس فقط نهتدي إلى ان القاضي نموذج لتأثر المعتزلة من متأخري بغداد و الاندلس بالفكر الاغريقي الفلسفي عامة و الارسطي منه خاصة و لكن و هو الاهم نهتدي لكون القاضي عبد الجبار حلقة وصل او جسر عبور بين المعتزلة و الاشاعرة و حلقة وصل كان قطباها القاضي عبد الجبار المعتزلي و الباقلاني الاشعري و الملفت ان المعتزلة الجبائية ممثلة بأبي علي و أبي هاشم هي النبع الذي نهل منه كلاهما و صدرا عنه خاصة في مسألة المعرفة و العلم و هذا ما يفسر شبه التطابق في هذه المسألة بين ما اورده القاضي عبد الجبار فيها و ما اورده الباقلاني في نفس المسألة في مقدمة كتابه التمهيد فهو الآخر قد اقترب من رؤية المعتزلة في القدرة معدلاً على ما قدمه الاشعري ، اما العلم فكلاهما اي القاضي و الباقلاني تأثرا بوضوح بالجبائية ، و لا شك انك تلاحظ في قراءة القاضي عبد الجبار انه خالف ما سار عليه جمهور المعتزلة من تقديم أدلة العقل على النقل فنهج في كتاباته على تقديم ادلة النقل على ادلة العقل .
قبل ان نستأنف في مبحث اطول و ادق في مسألة المعرفة هذه و ما تثيره من اشكاليات سنعرض لها في حينه لا بد ان نعرض لنقض القول بمصدر معرفة الله بالنقل او التقليد او القلة او الكثرة و كلها مصادر تجمع المعتزلة على فسادها إذ لا يصح عند المعتزلة معرفة الباري إلا بالدليل العقلي كضرورة لا محيص عنها و إن اختلفوا أيقوم الدليل العقلي على قاعدة الحس ام على قاعدة النظر العقلي المحض؟
ذكرنا أن منهاج الاستدلال العقلي هو الطريق المقبول عند اشياخ الاعتزال إلى معرفة الله ، و قلنا أنهم لا يقبلون بغير العقل طريقاً لتلك المعرفة و بينا كيف أن متقدميهم قالوا بأن معرفته بالعقل ضرورة يستخلصها الانسان من المشاهدة المادية و بالدليل المادي بينما مال متأخريهم والجبائية ابتداء و القاضي عبد الجبار على وجه الخصوص إلى القول بالاستدلال العقلي البرهاني المحض.
هنا نعرض إلى ما ذهبت إليه المعتزلة من فساد معرفة الله بغير طريق العقل :
أولاً : طريق التقليد :
التقليد هو قبول قول الغير بدون طلب الحجة أو البينة حتى يجعل كالقلادة في العنق.
لا يمكن بحال أن يحل التقليد بديلا للعقل في معرفة الله أو العلم به ، لأن ذلك لو وقع فبالضرورة هو إلغاء للعقل من جذره ، و هذا ما يجعلنا نرى كيف يهوي الإيمان النقلي عند التعرض لضربات أي منطق يستند إلى عقلانية غيرية ، و هذا تماماً هو السبب الذي جعل المعتزلة يرفضون دعوة التقليديين للإكتفاء بالاتباع و تعطيل العقل ذلك أنه
1) يبني إيمان وهمي بالوكالة لا يستقيم إلا باستقالة العقل من دوره وهو ما ينتفي عند العاقل الإنسان و الذي جعل عقله له مناط تكليفه.
2) لا يصلح حجة على من عارض الإيمان بالله و كفر به ، و تلك كانت المهمة الكبرى التي نذر المعتزلة لها انفسهم ، فانفقوا جل وقتهم في الدفاع العقلي عن الاسلام و بينوا لغير المسلمين و بالأدلة العقلية صحة الايمان بالله الواحد المنزه بالعقل و الدليل العقلي إذ لا تصلح الحجج النصية في مثل ذلك الجدل و لا بد بالضرورة أن يقوم الدليل العقلي عليه و هذا ما اخرجه المعتزلة بجهدهم و فكرهم من أن الإيمان بالله الواحد الذي ليس كمثله شيء ضرورة عقلية يستدل عليها بالدليل العقلي سواء كان المادي أو المنطقي .
أما التقليد فلا يصح أبداً طريقاً لمعرفة الله حتى إذا استبعدنا من حوارنا من كفر بالدين ، فهو إذ ذاك لا يستطيع استبانة صحة اتباعه و عليه فهو مضطر إما إلى اتباع كل الطرق في معرفة الله أي كل المذاهب لإنتفاء الاختصاص بشرط النص و الاعتماد على التقليد و إما أنه لا يقلد أحداً و يعتمد على عقله في النظر و الاستدلال و هو ما صح عند المعتزلة ، بهذا ينسف المعتزلة الاتباع من جذوره و ينفون الكهنوت في الدين و يقولون أن الانسان ليس بحاجة شيخ و لا طريقة و لا مذهب ليعرف الله ، لا يصلح عندهم أيضا الاحتجاج بزهد الزاهدين ، لماذا؟ لأنه ما من طائفة إلا و فيها زهادها و عبادها " فهو إما أن يقلد زهاد الطوائف جميعاً أو أن لا يقلد أيا منهم إذ لا معنى لتقليد بعضهم دون بعض لفقد المزية و الاختصاص"(8) .
كما رأينا فإن المتبع لا دليل بعقل لديه لذا فهو لا يدري مكمن الاتباع الحق و لا يملك قدرة التميز التي لا تقوم إلا بالعقل و لذا فإنه أمام أحد اختيارين إما أن يتبع الجميع بدون استثناء و هو ما لا يمكنه و إما أن لا يتبع و يعتمد على عقله و ذلك هو طريق المعتزلة في المعرفة .
ثانياً : طريق الأخذ بالكثرة على القلة (اتباع الاكثرية):
أي طريق اتباع ما لقينا عليه الكثرة و رفض ما وجدنا عليه القلة ، طبعاً هو فاسد ليس فقط لفساد الاتباع كطريق كما سبق بيانه و إنما أيضاً لفساد الاستدلال بالكثرة على الصحة ابتداء "فلا يأمن المقلد من أخطاء المقلدين" (9) و الله عز وجل يقول { و أكثرهم للحق كارهون }(10) و يقول :{ و قليل من عبادي الشكور }(11) ، و الأشد من كل الادلة ثقة في نكران الصحة فيما مالت له الأكثرية بالضرورة هو أن الأكثرية كانت تعارض الرسول صلى الله عليه و سلم حين كان فرداً في دعوته فهل كانت الأكثرية على الحق ؟! بل أن المشركين كانوا يحتجون عليه بالكثرة التي خالفها ، وكثيراً ما تجد اليوم من يقول لك هذا رأي أغلب المسلمين فمخالفتك له خطأ و خرق للإجماع ، تجد المعتزلة ايضاً بهذا لا تعترف بالاجماع شرط صحة و هو الاصوب بالضرورة -هناك خلط في وضع الاجماع عند القاضي كمصدر و هو يتناقض جذرياً مع رفض الاخذ بطريق الكثرة على القلة و لو كانت واحداً سنعود لهذا في حينه- لأن الابداع بذاته كسر اجماع في ذاته و لذا وصف المبدع باللامنتمي – كولن ويلسون - و لذا ايضاً تمسك الاتباعيون و اللا عقليون بشعار كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار فيما يرى أهل الاعتزال برأيي ما غاير ذلك تماماً كأني بقول المعري:
إني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تأت به الأوائل
إن جازت الكثرة في الأمر - الأمر هو المفردة الصحيحة كما أرى في الشأن العام لأنها وردت في القرآن دالة على سياسة للأمر العام و ليست مفردة حكم الخاصة بالقضاء و من شائع الاخطاء و قصور فهم القرآن أن تستخدم الآيات التي جاء فيها الكلام على الحكم للدلالة على سياسة الأمر العام و لنا في ذلك مقالات تطول- فهي لا تجوز في الرأي و الفكر و الاعتقاد لأن هذه إنما ترجح بالدليل و لا ترجح بالكثرة .
ثالثاً : طريق النقل:
في هذه الطريق أحد منازع خلاف المتكلمة الحاد خاصة المعتزلة و الاشاعرة فالمعتزلة ترى أن النقل لا يغني عن العقل و لا يقوم عنه بديلاً في معرفة الله تعالى ، أكثر من ذلك المعتزلة تستغني عن النقل في معرفة الله و تستوجبه في معرفة عبادته كما يرى القاضي بالتحديد ، فالدليل يقوم على العبد بعقله في معرفة الخالق و لا يقوم عليه دليل في عبادته إلا بالنص ، لذا قرر أن "المعارف بالله و رسوله و شرائعه اكتسابية"(12) و هذا ما رفضه الأشاعرة رفضاً قاطعاًً " ذلك أن البراهين العقلية المنطقية إنما تثير الشبهات عند العامة "(13) فالغزالي يرى قطعاً أن "كل اعتقاد ما جاء به رسول الله (ص) و استعمل عليه القرآن اعتقاداً جازماً فهو مؤمن و إن لم يعرف أدلته"(14) ، و هكذا فالاعتقاد يصح عند الغزالي من المؤمن و إن جهل الأدلة بينما لا يصح الاعتقاد إلا بالدليل عند المعتزلة ، للأسف وافق إبن رشد ذلك ضمنياً في رأيه في إيمان العوام و فرق بين وعي العامة و الخاصة أما المعتزلة فلا تفرق و تستوجب الايمان بالعقل و الدليل ، لأن الايمان بالاتباع باطل عندها ، و أرى ما تراه فلو كان الله ليقبله لقبله من الاتباعية في غير أمة الاسلام ، فبما يفضل الاتباعي المسلم غيره من الاتباعية إلا بصدفة وجوده متبعاً للحق؟! و لو حق ذلك لما عدل الله فيه ، و هذا انتقاص من عدل الذات الإلهية فكيف يكون الله غير عادل إذن؟! ذلك دليلي على فساد القول بصحة الاتباع و النقل ، فالعقل هو مناط التكليف لا يقبل إلا به و منه و لو قبل الاتباع من طريق لقبل من غيره و لانتفت حجة الله على الناس لأن دليله عليهم لا يقوم إلا بالعقل لا بالنقل و لا بالاتباع.
و القاضي عبد الجبار المعتزلي معنا يرى " أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل"(15) و أما ما عدا العقل "فليس إلا فرع على معرفة الله في توحيده و عدله و هو شأن المصادر الثلاثة الكتاب و السنة و الاجماع"(16).
العقل أعلى حجج الله على الانسان في معرفته و ما أقام عليه بقرآنه من دليل إلى قال ألا تنظرون و ألا تتفكرون ...الخ و لم يقل أبداً ألا تتبعون ألا تنقلون بل هو في جوهر رسالته ثائر على الاتباع و التقليد و على الغاء العقل و الكهنوت لو كنتم تعلمون،" أما حجة الكتاب ففي معرفة التعبد إليه و حجة النبي في معرفة العبادة" (17) "العقل المقياس الشرطي للحقيقة و هو الطريق الوحيد للمعرفة اليقينية "(18)
عند أبي الهذيل العلاف البرهان :"النظر في الحوادث من الاجسام و نحوه و ملاحظة التغيرات الناتجة عنها مما يؤكد حدوثها ، فالبنظر إلى المُحدَث لا يمكن أن يكون الانسان المُحدِث نفسه و لا مماثل له فهو بالضرورة مخالف لكل المواصفات الانسانية و المقياس المادي و هو الله". و لذا فإن الله قادر قدرة مطلقة لأنها لا تحدها اشراط المادة و لا تجوز عليها قوانين الطبيعة و ما يجب بقانون المادة لا يجب على الله و لا يحد قدرته فهي مطلقة ، و عملاً بقانون التداعي الذي أعمله المعتزلة هنا تتوالى الدلالات فبكون الله قادر فهو عالم بالضرورة ، و بما أنه قادر عالم فإنه لا آفة فيه و لا يعتريه نقص فهو سميع بصير بسمع و بصر لا يقبل تخيلاً مادياً إنما سمع و بصر مطلقان لا يحدان ولا يوصفان إلا بالإطلاق ، فهو مدرك للمدركات ما وقعت ، و لما كان قادراً عالماً بصيراً فهو قديم قدم لا يحده زمن لأنه صنع الزمن فلا يقبل هنا منك أن تبتدرني بسؤالك و متى يقع قدمه من الزمن فينتج أنه يحدث إذا لأنه هو الذي أوجد الزمن فلا يجوز إذن أن نخضعه للقياس بما خلق و هذا من ما يكثر أن يسأل فيه المتشككين و جوابه كما قلت أن الزمن من مادة الادراك حادث فهو مخلوق لله و كل مخلوق لله بعده لا يقع على الله حكمه و قياسه و العياذ بالله ، و بتقرير قدمه على الزمن فلا يكون جسماً أو عرضاً و لا يجوز عليه ما يجوز على المادة من صفات كالمجاورة و الحلول و سائر التغيرات كالصعود و النزول و الارتفاع و الهبوط و الحلول في المادة و الانحدار و الانتقال و لا تجوز عليه ايضاً الزيادة و النقصان و هو إذن الغني فلا تجوز عليه الحاجة ، و لا يبصر بأداة بصر لأنه لا تجوز عليه خصائص المادة القابلة للإدراك ببصر كما ذهب جمهرة من اتباع المذاهب ، و لا تجوز عليه التثنية لأنها لو وقعت لتمانع الاثنين و إن انتفى التمانع فلا تثنية له كما أن التثنية تضعف و الضعف لا يجوز على القديم القادر فلا يتفق إذاً إلا توحيده .
في حلقتنا القادمة نناقش مسألة في منتهى الاهمية هي مسألة المعرفة و ما قد ينتج من تعارض بين التوحيد و العدل.
- يتبع -
(1) البغدادي – الفرق بين الفرق – ص129
(2) القاضي عبد الجبار المعتزلي : شرح الأصول الخمسة ، ص52-60، ط مصر -1965 وكذلك ايضا القاضي: المحيط بالتكليف ، ص 24 ، ط مصر 1965.
(3)الخياط المعتزلي : الانتصار ، ص86-87 ، ط مصر الأولى 1925.
(4) القاضي : المغني – النظر والمعارف ، 12/325.
(5) نفس المصدر ، 12/16.
(6) القاضي : فضل الاعتزال ، ص 138 وكذلك : متشابه القرآن ،2/629 وكذلك : تنزيه القرآن
عن المطاعن
ص 131 ، طبيروت بدون تاريخ.
(7) أنظر النزعات المادية بجزئيه طبعة بيروت الثالثة القسم الخاص بالمعتزلة و كلامه على نشأتها و مصادر فكرها.
(8) القاضي : شرح الاصول الخمسة ، ص 60-61.
(9) القاضي شرح الأصول الخمسة ،ص63.
(10) المائدة 103.
(11) سورة ص 24 وسورة هود 40 وسورة سبأ 13.
(12)القاضي : متشابه القرآن 2/629.
(13) أبو ريان : تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ، ص396.
(14) الغزالي : فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة ، ص 204 ، ط. مصر 1961.
(15) شرح الأصول ، ص 88.
(16) فضل الاعتزال ، ص 138 ، ط. تونس 1974 راجع أيضا : الإمام يحيى ابن الحسين : رسائل
العدل والتوحيد – المقدمة 2/355، ط. مصر 1971 وكذلك : محمد عمارة : المعتزلة 1/30 ، ط. مصر
1971.
(17) وهذا رد من القاضي على من تساءل عن مكمن معرفة طريقة أداء العبادة حسب رأي القاضي عبد الجبار.
(18) شرح الأصول ،ص 88.
تاريخية المصحف -3- (في نقد المرجعية التراثية: أ- الأسس العقيدية)
تاريخية المصحف -2- (القطيعة المعرفية وعمى الزمن)
من سوء حظ شيخ الأزهر الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث في الأزهر الشريف
دعوة للتبرع
سبقت الاجابات: س 1 : سؤالي عن الآيا ت المحك مات و...
تربص : ما معنى كلمة تربص فى القرآ ن ؟ لأن المعن ى ...
أهلا ابنتى الغالية : انا اتولد ت بأسرة من اهل القرأ ن وعدم...
اجره على الله فقط : انت تقول ان لا اسالك م عليه اجرا الا المود ه ...
ثمانية أزواج: ارجو بيان المقص ود بالثم انية ازواج من...
more
الأستاذ الكريم عمر ابو رصاع ،
السلام عليكم ورحمة الله ،
أرجو من حضرتك أن تجيبني على ما يلي :
أولا ــ ورد في مقالتك ما يمكن ان يوهم يالتناقض فيما يخص ما كان عليه القاضي عبد الجبار من توافق / عدم توافق مع الأشاعرة في قضية الاستدلال على الله تعالى من جهة العقل والنقل . وهأنا أقتبس من مقالتك ما اوقعني في اللبس :
(و لا شك انك تلاحظ في قراءة القاضي عبد الجبار انه خالف ما سار عليه جمهور المعتزلة من تقديم أدلة العقل على النقل فنهج في كتاباته على تقديم ادلة النقل على ادلة العقل . )
(...والجبائية ابتداء و القاضي عبد الجبار على وجه الخصوص إلى القول بالاستدلال العقلي البرهاني المحض. )
( و القاضي عبد الجبار المعتزلي معنا يرى " أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل"(15) ).
ثانيا ــ أرجو ان توضح لي معنى العقل المذكور عند المعتزلة ، وهل يعنون به العقل النظري عند عمانوئيل كانط مثلا ، أم إنهم يقصدون بالعقل أنه النفس العاقلة ، وأنه الإدراك المصحوب برسالة او شيفرة أودعها الله تعالى فيه تجبره على الإيمان بالله تفكرا وتدبرا ، وبذلك لا يكون لعاقل حجة على الله ، وأنه لا مناص لكل عاقل إلا ان يعرف الله دون نقل أبدا ، أي دون نصوص منزلة؟ وإذا كان المقصود بالعقل هو العقل النظري ، فلماذا لم يؤمن بالله بعض الفلاسفة ؟
ثالثا ــ إذا جزمنا بأن الطريق إلى معرفة الله هي العقل ــ عقل كانط أو عقل أشياخ الاعتزال لا ادري ــ فهل كل العقول تمتلك ادوات التفكر والتدبر نفسها ؟ وهل عرف سيدنا آدم ربه بالعقل أم بطريق اخرى ؟ وهل عرف سيدنا إبراهيم ربه بالعقل أم بهدى من الله ؟ وهل هدى الله للناس يتم بطريق العقل أم بشيء آخر ؟ وما معنى : " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " ؟وإذا سلمنا مع المعتزلة بان معرفة الله تعالى تحصل بطريق العقل ، فما العمل مع ابي حامد الغزالي الذي بين لنا ان إيمانه سببه نور قذفه الله في قلبه ، وأن عقله لم ينفعه في ذلك؟تساؤلات مرت بخاطري تفاعلا مع مقالتك القيمة ، وأرجو من حضرتك ان لا تضيق بها ، فما انا إلاباحث عن الحق بكل وسيلة مشروعة .
باركك الله ونفع بك .