كتاب نقد الاعتزال قراءة و تأسيس للاستئناف و التجاوز
المعتزلة - 5 -

عمر أبو رصاع في الأحد ١٣ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


الحلقة الخامسة

مدخل لثاني الأصول التوحيد


هو أصل الأصول جميعاً و اكرمها منزلة من الاعتزال و الدين بعامة ، فرسالة الإسلام لو اردنا وصفها لقلنا هي رسالة التوحيد ، على ان جل اشياخ الاعتزال إنما ابتدروا الأصول بالعدل نرى ان تقديم التوحيد اصوب و اوجب ؛ ذلك أن العدل اعظم صفاته عز وجل انما يلحق بوحدانيته و يشتق منها ، فالاعتقاد بالوحدانية يشتمل على معرفة الباري عز وجل ، و من كمال معرفته معرفة صفته ، لذا اعتقد بوجوب تقديم التوحيد كأصل أول و منه يسار إلى القول بعدله و صدق وعده و وعيده و منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتي الكفر و الإيمان إلى ان ينتهي الاعتزال اعتقاداً بأصله الخامس الذي يعكس موقفه الاعتقادي في التطبيق السياسي و الاجتماعي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

يبدأ طريق الاعتقاد عند المعتزلة بمعرفة الله و معرفة وحدانيته ، هذا ما عرف بالفكر الاعتزالي بمبدأ الضرورة في معرفة الله . لعل أبي الهذيل العلاف هو أول قال به من المعتزلة ، و المعرفة عند أبي الهذيل العلاف قسمين:
أولاً: معرفة اضطرارية : هي معرفة الله و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته.

ثاياً: معرفة اختيارية : هي العلوم التي تكون غير معرفة الله و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته و يكون منشؤها الحواس أو القياس.

نسب له القول :" المعرفة ضربان : احدهما بإضطرار و هو معرفة الله عز و جل و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته ، و ما بعدهما من العلوم الواقعة عن الحواس أو القياس فهو علم اختيار او اكتساب " (1)
أخذ عنه و اضاف البلخي البغدادي الذي اكد ضرورة المعرفة لجميع المكلفين لأن وجوبها الاضطراري يعين الانسان المكلف على اجتناب القبيح و فعل الحسن ؛ يقول :" انه تعالى كما يعرف دلالة في الدنيا فكذلك في الآخرة لأن ما يعرف دلالة لا يعرف إلا بها كما أن ما يعرف ضرورة لا يعرف إلا بها ايضاً "(2).

يذهب القاضي في مبدأ الضرورة في معرفة الباري مذهباً أكثر تمنطقاً ، فهو عنده انما يجب ابتداءً بالتفكر و التدبر و النظر و الاستدلال و "قد افاد القاضي من رأي ثمامة في تأكيد مبدأ الوجوب العقلي"(3) كما نلاحظ فإن تأخر القاضي عبد الجبار ادخل في رأيه شيء من الجبائية الاعتزالية فخالف فيها جمهور المعتزلة من بصريين و بغداديين في ان طريق المعرفة هو النظر العقلي المجرد ، و هنا ينبغي التنبيه على ما سيتبع بيانه لاحقاً من ان الكثير من الباحثين قد وقعوا في خطأ منهجي عندما درسوا آثار الاعتزال كوحدة واحدة متطابقة بم يطرأ عليها تطور و تبدل ، و بالتالي اختلط عليهم و وقعوا في تناقض كبير ، لكن لو احكم البحث و استبصرت الآثار بعقلانية فاحصة معتبرة لمسار التاريخ لأدركوا من اين يأتي الاختلاف ، فكما هو واضح في كل أثر اعتزالي متقدم طريق المعرفة يبدأ بالحاسة ، فكأن العلاف يقول يقوم الدليل المادي شاهداً بالضرورة على المصدر و هو الله ، اما عند القاضي عبد الجبار فالدليل الحسي و المعرفة الحسية بالجملة موضع شك و لا يصح الدليل عنده إلا بالنظر العقلي المحض!
من اين أتى هذا الاختلاف؟
القاضي عبد الجبار عاش في بلاط بني عباد من هذا نعرف تأخره و تأثره كما هو واضح في صياغة افكاره بالجبائية الاعتزالية ، حيث دخل اثر ارسطو الفلسفي ، و نعلم ان الدليل الحسي عند ارسطو ليس بحجة و لا يستقيم الدليل إلى بالتفكير المنطقي المحض ، من المهم هنا ان نلحظ ان تقدم المعتزلة في فهم و تمثل اطروحات ارسطو في المنطق جعلت لها قدم السبق و الفضل على ابن رشد و من كان بعده .
نجد معاً في المراجع التي بين ايدينا و نقلت إلينا عن القاضي عبد الجبار ما يثبت عمق تأثره بموقف ارسطو من الدليل ، فعنده " الحس لا يصلح لأن يكون اداة للمعرفة اليقينية و معرفة الله على وجه الخصوص " (4) ، و كذلك " إن الحواس لا يمكن أن تكون طريقاً للعلم " (5) ، و كذلك " إن العلم بالله و بمعرفته يستند إلى العقل نظراً و تأملاً و ليس اضطراراً أو حسياً " (6).
يقود هذا الخلاف بين المعتزلة الأوائل و البصريون منهم خاصة و بين القاضي عبد الجبار في مسألة الدليل الحسي إلى خلاف آخر حول طبيعة الانسان ، فنظرة المعتزلة المتقدمة إلى الانسان نظرة مادية فيزيائية مرتبطة بالبدن ، اما القاضي فقد اقترب في هذا من الفهم الاشعري و قال بثنائية التكوين الانساني البدن و الروح ، اذن التأثر بالفلسفة الاغريقية كما سبق و اشرنا جاء متأخراً في الفكر الاعتزالي و اطلاق القول بان الفكر الاعتزالي نتاج بهذا القدر او ذاك للتأثر بالفكر الفلسفي الاغريقي هو الخطأ الذي استغرقنا الكثير من الوقت و الجهد حتى نستظهره عندما تعارضت بين ايدينا الاثار التي وصلت عن متقدمي المعتزلة و هي القليلة و متأخريهم وهي الكثيرة لانها ما حفظ جله هذا الخطأ الذي وقع فيه نفر من كبار البحاثة و على رأسهم الشهيد حسين مروة عندما كتب عن الاعتزال (7).


ليس فقط نهتدي إلى ان القاضي نموذج لتأثر المعتزلة من متأخري بغداد و الاندلس بالفكر الاغريقي الفلسفي عامة و الارسطي منه خاصة و لكن و هو الاهم نهتدي لكون القاضي عبد الجبار حلقة وصل او جسر عبور بين المعتزلة و الاشاعرة و حلقة وصل كان قطباها القاضي عبد الجبار المعتزلي و الباقلاني الاشعري و الملفت ان المعتزلة الجبائية ممثلة بأبي علي و أبي هاشم هي النبع الذي نهل منه كلاهما و صدرا عنه خاصة في مسألة المعرفة و العلم و هذا ما يفسر شبه التطابق في هذه المسألة بين ما اورده القاضي عبد الجبار فيها و ما اورده الباقلاني في نفس المسألة في مقدمة كتابه التمهيد فهو الآخر قد اقترب من رؤية المعتزلة في القدرة معدلاً على ما قدمه الاشعري ، اما العلم فكلاهما اي القاضي و الباقلاني تأثرا بوضوح بالجبائية ، و لا شك انك تلاحظ في قراءة القاضي عبد الجبار انه خالف ما سار عليه جمهور المعتزلة من تقديم أدلة العقل على النقل فنهج في كتاباته على تقديم ادلة النقل على ادلة العقل .
قبل ان نستأنف في مبحث اطول و ادق في مسألة المعرفة هذه و ما تثيره من اشكاليات سنعرض لها في حينه لا بد ان نعرض لنقض القول بمصدر معرفة الله بالنقل او التقليد او القلة او الكثرة و كلها مصادر تجمع المعتزلة على فسادها إذ لا يصح عند المعتزلة معرفة الباري إلا بالدليل العقلي كضرورة لا محيص عنها و إن اختلفوا أيقوم الدليل العقلي على قاعدة الحس ام على قاعدة النظر العقلي المحض؟

ذكرنا أن منهاج الاستدلال العقلي هو الطريق المقبول عند اشياخ الاعتزال إلى معرفة الله ، و قلنا أنهم لا يقبلون بغير العقل طريقاً لتلك المعرفة و بينا كيف أن متقدميهم قالوا بأن معرفته بالعقل ضرورة يستخلصها الانسان من المشاهدة المادية و بالدليل المادي بينما مال متأخريهم والجبائية ابتداء و القاضي عبد الجبار على وجه الخصوص إلى القول بالاستدلال العقلي البرهاني المحض.

هنا نعرض إلى ما ذهبت إليه المعتزلة من فساد معرفة الله بغير طريق العقل :

أولاً : طريق التقليد :

التقليد هو قبول قول الغير بدون طلب الحجة أو البينة حتى يجعل كالقلادة في العنق.
لا يمكن بحال أن يحل التقليد بديلا للعقل في معرفة الله أو العلم به ، لأن ذلك لو وقع فبالضرورة هو إلغاء للعقل من جذره ، و هذا ما يجعلنا نرى كيف يهوي الإيمان النقلي عند التعرض لضربات أي منطق يستند إلى عقلانية غيرية ، و هذا تماماً هو السبب الذي جعل المعتزلة يرفضون دعوة التقليديين للإكتفاء بالاتباع و تعطيل العقل ذلك أنه

1) يبني إيمان وهمي بالوكالة لا يستقيم إلا باستقالة العقل من دوره وهو ما ينتفي عند العاقل الإنسان و الذي جعل عقله له مناط تكليفه.

2) لا يصلح حجة على من عارض الإيمان بالله و كفر به ، و تلك كانت المهمة الكبرى التي نذر المعتزلة لها انفسهم ، فانفقوا جل وقتهم في الدفاع العقلي عن الاسلام و بينوا لغير المسلمين و بالأدلة العقلية صحة الايمان بالله الواحد المنزه بالعقل و الدليل العقلي إذ لا تصلح الحجج النصية في مثل ذلك الجدل و لا بد بالضرورة أن يقوم الدليل العقلي عليه و هذا ما اخرجه المعتزلة بجهدهم و فكرهم من أن الإيمان بالله الواحد الذي ليس كمثله شيء ضرورة عقلية يستدل عليها بالدليل العقلي سواء كان المادي أو المنطقي .

أما التقليد فلا يصح أبداً طريقاً لمعرفة الله حتى إذا استبعدنا من حوارنا من كفر بالدين ، فهو إذ ذاك لا يستطيع استبانة صحة اتباعه و عليه فهو مضطر إما إلى اتباع كل الطرق في معرفة الله أي كل المذاهب لإنتفاء الاختصاص بشرط النص و الاعتماد على التقليد و إما أنه لا يقلد أحداً و يعتمد على عقله في النظر و الاستدلال و هو ما صح عند المعتزلة ، بهذا ينسف المعتزلة الاتباع من جذوره و ينفون الكهنوت في الدين و يقولون أن الانسان ليس بحاجة شيخ و لا طريقة و لا مذهب ليعرف الله ، لا يصلح عندهم أيضا الاحتجاج بزهد الزاهدين ، لماذا؟ لأنه ما من طائفة إلا و فيها زهادها و عبادها " فهو إما أن يقلد زهاد الطوائف جميعاً أو أن لا يقلد أيا منهم إذ لا معنى لتقليد بعضهم دون بعض لفقد المزية و الاختصاص"(8) .

كما رأينا فإن المتبع لا دليل بعقل لديه لذا فهو لا يدري مكمن الاتباع الحق و لا يملك قدرة التميز التي لا تقوم إلا بالعقل و لذا فإنه أمام أحد اختيارين إما أن يتبع الجميع بدون استثناء و هو ما لا يمكنه و إما أن لا يتبع و يعتمد على عقله و ذلك هو طريق المعتزلة في المعرفة .

ثانياً : طريق الأخذ بالكثرة على القلة (اتباع الاكثرية):
أي طريق اتباع ما لقينا عليه الكثرة و رفض ما وجدنا عليه القلة ، طبعاً هو فاسد ليس فقط لفساد الاتباع كطريق كما سبق بيانه و إنما أيضاً لفساد الاستدلال بالكثرة على الصحة ابتداء "فلا يأمن المقلد من أخطاء المقلدين" (9) و الله عز وجل يقول { و أكثرهم للحق كارهون }(10) و يقول :{ و قليل من عبادي الشكور }(11) ، و الأشد من كل الادلة ثقة في نكران الصحة فيما مالت له الأكثرية بالضرورة هو أن الأكثرية كانت تعارض الرسول صلى الله عليه و سلم حين كان فرداً في دعوته فهل كانت الأكثرية على الحق ؟! بل أن المشركين كانوا يحتجون عليه بالكثرة التي خالفها ، وكثيراً ما تجد اليوم من يقول لك هذا رأي أغلب المسلمين فمخالفتك له خطأ و خرق للإجماع ، تجد المعتزلة ايضاً بهذا لا تعترف بالاجماع شرط صحة و هو الاصوب بالضرورة -هناك خلط في وضع الاجماع عند القاضي كمصدر و هو يتناقض جذرياً مع رفض الاخذ بطريق الكثرة على القلة و لو كانت واحداً سنعود لهذا في حينه- لأن الابداع بذاته كسر اجماع في ذاته و لذا وصف المبدع باللامنتمي – كولن ويلسون - و لذا ايضاً تمسك الاتباعيون و اللا عقليون بشعار كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار فيما يرى أهل الاعتزال برأيي ما غاير ذلك تماماً كأني بقول المعري:



إني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تأت به الأوائل


إن جازت الكثرة في الأمر - الأمر هو المفردة الصحيحة كما أرى في الشأن العام لأنها وردت في القرآن دالة على سياسة للأمر العام و ليست مفردة حكم الخاصة بالقضاء و من شائع الاخطاء و قصور فهم القرآن أن تستخدم الآيات التي جاء فيها الكلام على الحكم للدلالة على سياسة الأمر العام و لنا في ذلك مقالات تطول- فهي لا تجوز في الرأي و الفكر و الاعتقاد لأن هذه إنما ترجح بالدليل و لا ترجح بالكثرة .

ثالثاً : طريق النقل:
في هذه الطريق أحد منازع خلاف المتكلمة الحاد خاصة المعتزلة و الاشاعرة فالمعتزلة ترى أن النقل لا يغني عن العقل و لا يقوم عنه بديلاً في معرفة الله تعالى ، أكثر من ذلك المعتزلة تستغني عن النقل في معرفة الله و تستوجبه في معرفة عبادته كما يرى القاضي بالتحديد ، فالدليل يقوم على العبد بعقله في معرفة الخالق و لا يقوم عليه دليل في عبادته إلا بالنص ، لذا قرر أن "المعارف بالله و رسوله و شرائعه اكتسابية"(12) و هذا ما رفضه الأشاعرة رفضاً قاطعاًً " ذلك أن البراهين العقلية المنطقية إنما تثير الشبهات عند العامة "(13) فالغزالي يرى قطعاً أن "كل اعتقاد ما جاء به رسول الله (ص) و استعمل عليه القرآن اعتقاداً جازماً فهو مؤمن و إن لم يعرف أدلته"(14) ، و هكذا فالاعتقاد يصح عند الغزالي من المؤمن و إن جهل الأدلة بينما لا يصح الاعتقاد إلا بالدليل عند المعتزلة ، للأسف وافق إبن رشد ذلك ضمنياً في رأيه في إيمان العوام و فرق بين وعي العامة و الخاصة أما المعتزلة فلا تفرق و تستوجب الايمان بالعقل و الدليل ، لأن الايمان بالاتباع باطل عندها ، و أرى ما تراه فلو كان الله ليقبله لقبله من الاتباعية في غير أمة الاسلام ، فبما يفضل الاتباعي المسلم غيره من الاتباعية إلا بصدفة وجوده متبعاً للحق؟! و لو حق ذلك لما عدل الله فيه ، و هذا انتقاص من عدل الذات الإلهية فكيف يكون الله غير عادل إذن؟! ذلك دليلي على فساد القول بصحة الاتباع و النقل ، فالعقل هو مناط التكليف لا يقبل إلا به و منه و لو قبل الاتباع من طريق لقبل من غيره و لانتفت حجة الله على الناس لأن دليله عليهم لا يقوم إلا بالعقل لا بالنقل و لا بالاتباع.
و القاضي عبد الجبار المعتزلي معنا يرى " أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل"(15) و أما ما عدا العقل "فليس إلا فرع على معرفة الله في توحيده و عدله و هو شأن المصادر الثلاثة الكتاب و السنة و الاجماع"(16).

العقل أعلى حجج الله على الانسان في معرفته و ما أقام عليه بقرآنه من دليل إلى قال ألا تنظرون و ألا تتفكرون ...الخ و لم يقل أبداً ألا تتبعون ألا تنقلون بل هو في جوهر رسالته ثائر على الاتباع و التقليد و على الغاء العقل و الكهنوت لو كنتم تعلمون،" أما حجة الكتاب ففي معرفة التعبد إليه و حجة النبي في معرفة العبادة" (17) "العقل المقياس الشرطي للحقيقة و هو الطريق الوحيد للمعرفة اليقينية "(18)

عند أبي الهذيل العلاف البرهان :"النظر في الحوادث من الاجسام و نحوه و ملاحظة التغيرات الناتجة عنها مما يؤكد حدوثها ، فالبنظر إلى المُحدَث لا يمكن أن يكون الانسان المُحدِث نفسه و لا مماثل له فهو بالضرورة مخالف لكل المواصفات الانسانية و المقياس المادي و هو الله". و لذا فإن الله قادر قدرة مطلقة لأنها لا تحدها اشراط المادة و لا تجوز عليها قوانين الطبيعة و ما يجب بقانون المادة لا يجب على الله و لا يحد قدرته فهي مطلقة ، و عملاً بقانون التداعي الذي أعمله المعتزلة هنا تتوالى الدلالات فبكون الله قادر فهو عالم بالضرورة ، و بما أنه قادر عالم فإنه لا آفة فيه و لا يعتريه نقص فهو سميع بصير بسمع و بصر لا يقبل تخيلاً مادياً إنما سمع و بصر مطلقان لا يحدان ولا يوصفان إلا بالإطلاق ، فهو مدرك للمدركات ما وقعت ، و لما كان قادراً عالماً بصيراً فهو قديم قدم لا يحده زمن لأنه صنع الزمن فلا يقبل هنا منك أن تبتدرني بسؤالك و متى يقع قدمه من الزمن فينتج أنه يحدث إذا لأنه هو الذي أوجد الزمن فلا يجوز إذن أن نخضعه للقياس بما خلق و هذا من ما يكثر أن يسأل فيه المتشككين و جوابه كما قلت أن الزمن من مادة الادراك حادث فهو مخلوق لله و كل مخلوق لله بعده لا يقع على الله حكمه و قياسه و العياذ بالله ، و بتقرير قدمه على الزمن فلا يكون جسماً أو عرضاً و لا يجوز عليه ما يجوز على المادة من صفات كالمجاورة و الحلول و سائر التغيرات كالصعود و النزول و الارتفاع و الهبوط و الحلول في المادة و الانحدار و الانتقال و لا تجوز عليه ايضاً الزيادة و النقصان و هو إذن الغني فلا تجوز عليه الحاجة ، و لا يبصر بأداة بصر لأنه لا تجوز عليه خصائص المادة القابلة للإدراك ببصر كما ذهب جمهرة من اتباع المذاهب ، و لا تجوز عليه التثنية لأنها لو وقعت لتمانع الاثنين و إن انتفى التمانع فلا تثنية له كما أن التثنية تضعف و الضعف لا يجوز على القديم القادر فلا يتفق إذاً إلا توحيده .

في حلقتنا القادمة نناقش مسألة في منتهى الاهمية هي مسألة المعرفة و ما قد ينتج من تعارض بين التوحيد و العدل.

 

- يتبع -

(1) البغدادي – الفرق بين الفرق – ص129
(2) القاضي عبد الجبار المعتزلي : شرح الأصول الخمسة ، ص52-60، ط مصر -1965 وكذلك ايضا القاضي: المحيط بالتكليف ، ص 24 ، ط مصر 1965.
(3)الخياط المعتزلي : الانتصار ، ص86-87 ، ط مصر الأولى 1925.
(4) القاضي : المغني – النظر والمعارف ، 12/325.
(5) نفس المصدر ، 12/16.
(6) القاضي : فضل الاعتزال ، ص 138 وكذلك : متشابه القرآن ،2/629 وكذلك : تنزيه القرآن
عن المطاعن
ص 131 ، طبيروت بدون تاريخ.
(7) أنظر النزعات المادية بجزئيه طبعة بيروت الثالثة القسم الخاص بالمعتزلة و كلامه على نشأتها و مصادر فكرها.
(8) القاضي : شرح الاصول الخمسة ، ص 60-61.
(9) القاضي شرح الأصول الخمسة ،ص63.
(10) المائدة 103.
(11) سورة ص 24 وسورة هود 40 وسورة سبأ 13.
(12)القاضي : متشابه القرآن 2/629.
(13) أبو ريان : تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ، ص396.
(14) الغزالي : فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة ، ص 204 ، ط. مصر 1961.
(15) شرح الأصول ، ص 88.
(16) فضل الاعتزال ، ص 138 ، ط. تونس 1974 راجع أيضا : الإمام يحيى ابن الحسين : رسائل
العدل والتوحيد – المقدمة 2/355، ط. مصر 1971 وكذلك : محمد عمارة : المعتزلة 1/30 ، ط. مصر
1971.
(17) وهذا رد من القاضي على من تساءل عن مكمن معرفة طريقة أداء العبادة حسب رأي القاضي عبد الجبار.
(18) شرح الأصول ،ص 88.

اجمالي القراءات 20796