- أصبحناوأصبح الملك لله !
استيقظ العجوز كعادته مع آذان الفجر، فقدأصبحت ساعته البيولوجية متزامنة مع ميقات الصلاة . توضأ فصلى ركعتين ثم أخذ السبحة وأخذ يذكر الله ! يستغفره تارة ويحمده أخرى !
كان العجوز يعرف في قرارة نفسه ان الاستغفار لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة وبأنه لا يمكنك استجداء العفو عن ذنوبك بالتمتمة والهمسات ! ولكن استعمال السبحة كان يطمئنه نفسيا ويساعده على النوم وأحيانا يعفيه من سماع زوجته !
لقد اكتشف منذ زمن أن الذنوب لا يمكن أن تُمحى بجرة قلم ! فمن المضحك ان يعادل ذنبك ثقل عقيقة ، إذ كيف للمظلوم أن يأخذ حقه إذا كان يكفي للظالم التكفير عن ذنبه بعقيق سبحة وعدد من الكلمات الخالية من أي خشوع ولا إحساس بالذنب ؟
الظلم ، وما أدراك ما الظلم ! كان يعرف ذلك الإحساس بالقهر جيدا فقد عانى منه الأمرين !
ومع ذلك ، فإنه لم يسمع في حياته كلمة اعتذار واحدة من ظلامه ولم يلمح في دنياه الطويلة شيخا ولا فقيها يبكي ندماوهو يمسك سبحته بل غاية ما رآه أناسا يرقصون الدبكة ويديرون السبحة بدل العصا. ومع ذلك ، فإن هذا ما كان يظنه في شبابه ! ولم يستيقظ من غفوته إلا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها هو وأبناؤه من أصحاب السبحة وموسومي الجباه . فقد روِي له بأن لكل منزلة في الجنة عدد من الكلمات ولكل ذنب مجموعة من الصلوات على النبي ولكل هفوة عدد معين من العقيق. وبعدها يهدأ ضمير الظالم ويصبح نقيا مستعدا لظلم أشد واستغفار أطول !
كان ذلك يذكره بصكوك الغفران التي كانت تبيعها الكنيسة في القرون الوسطى وكان يضحك من نفسه قائلا، إن ذنوبنا نحن على الأقل لاتكلفنا سوى ثمن سبحة !
كانت الكلمات تخرج من فمه بتلقائية فيما اصابعه تدفع العقيقة تلو الأخرى وكان الهدوء يخيم على المكان ، فقد كان الشيخ وحيدا لأن زوجته ذهبت لزيارة أبنائها في المدينة لبضعة أيام، أما هو، فلم يعد قادرا على تكبد عناء السفر !
غفا قليلا ثم استيقظ على نباح كلبه الذي استقبل بفرح جارة الشيخ التي جاءت تحمل صينية فطور .تلك كانت عادة الناس في الارياف ، وربما من هنا جاء مثل " الناس لبعضيها" .
لم يكن البسطاء من الناس يتكلفون في كلامهم ولا يحاولون ايجاد حديث نبوي يتلاءم مع وضعية ما لإضفاء الشرعية على مواقفهم ! او التفاخربارضاء الله عند اطعام معوز او مسكين أو افساد صدقاتهم بالمَنّ! فقد كان كل شيء تلقائيا وبسيطا.
كان المفتاح مع الجارة، كي لايضطر الشيخ للنهوض من مكانه ، ومع ذلك فقد عدَّل جلسته وهمَّ بالقيام حين سمع صوت الباب لكن الجارة باغتته بقولها ، " والله مانت قايم يا حج، هو دا كلام برضو ، خليك مكانك، د وجودك بيننا بالدنيا كلها وربنا يخليك لينا" !
شكر الشيخ جارته على العناء ثم طلب منها بلطف ان لا تتعب نفسها بعد ذلك، فما أتت به سيكفيه لأسبوع كامل نظرا لضعف شهيته للأكل ولكون زوجته لن تطيل سفرها اكثر من يومين !
- " انا هاجي اشأَّر عليك من وقت للتاني، يمكن تحتاج حاجة "
- - " مافيش داعي تتعبي نفسك يابنتي ، انا كويس الحمد لله ، بس ابعتيلي الواد حمادة ياخد بإيدي لغاية الساقية، انا بقالي زمان مطلعتش من البيت ونفسي أشم شوية هوا".
- " من عنيّا يا عمي الحج ، فُتَّك بعافية "
وبمشقة وعناء كبيرين قام الشيخ، فغير ثيابه وجلس على عتبة الباب ينتظر الطفل حماده كي يأخذه للنهر المجاور لحقله ، فقد كان هذا النهر الذي لم ينضب قط، رفيق صباه وشبابه ، وكان كلما ضاقت به الدنيا واشتدت به الآلام ، يذهب اليه ليحكي له ما ألم به ! فكما كان يقول ! النهر لاذاكرة له، فمياهه ترحل ولا تعود أبدا ، كما الحياة !
- "إنك لا تستحم في نفس النهر مرتين أبدا " كما قال أفلاطون . لذلك فإن أأمن صديق تروي له حكاياتك، هوالصديق الذي لن تضطر لرؤيته مرة اخرى حتى لا يعَيِّرك بعيوبك يوما ما ! لهذا فقد اتخذ النهر صديقا وقرر ان يفضي له بهمومه ثم ينساها تماما كما يفعل النهر!
لقد أراد أن يخرج اليوم لزيارة صديقه، لأنه أحس أن أيامه قد أصبحت معدودة في هذه الدنيا و رغب في رؤيته ربما لآخر مرة ! وماهي إلا دقائق معدودة حتى جاءه الطفل حمادة راكضا ثم انحنى على احدى يديه وقبلها !
ربّت الشيخ عل كتف الطفل وشكر له سرعته في الوصول ثم نوَّه بخفته !
توجه الاثنان نحو النهر،فسأل الطفل الرجل العجوز عن سر هذا الحب الذي يكنه لهذا النهر الذي كان أحيانا نقمة على القرية بفياضاناته القاتلة في الشتاء !
تردد الشيخ في الاجابة ثم تبسم وقال : أي بني ، إن النهر لا يفعل ذلك متعمدا بل إن الطمع يدفعنا للاقتراب منه اكثر من اللازم ، وعوض شكره على تخصيب الأرض، فإننا نلعن فيضاناته التي وان جلبت المآسي أحيانا، إلا أنها تأتي دوما بالخير الوفير !
أومأالطفل برأسه موافقا ولكن ظل السؤال عالقا على طرف لسانه! فالجميع يستفيدون من النهر ولكنني لم أر أحدهم يكن له هذا الحب او يعتبره صديقا ! توقف الشيخ ثم قال للطفل : "هل لديك متسع من الوقت لتسمع حكاية ام انك ستعود الى البيت فور وصولنا؟"
تردد الطفل في الاجابة ، فقد كان يريد العودة الى المنزل بسرعة لأن والدته وعدته باستعمال هاتفها المحمول ان هو أوصل الشيخ إلى النهر ، ثم فكر قليلا، ورأى بأن الشيخ يسير ببطئ فعزم على ان يقتل الوقت بسماع الحكاية !
- نعم ياجدي ، (فهكذا كان الطفل ينادي الشيخ حتى وان لم تكن تربط بينهما تلك القرابة )
- ارجو ان تكون قصتك ممتعة، وإلا سأنام منك في الطريق !
ابتسم العجوز ثم استهل حكايته.
- كان يا ما كان في سالف العصر والأوان حلاق ذكي وكتوم ، عُرف عنه الاخلاص و التفاني في عمله ، وقد كان أصحاب الجاه والنفوذ يحلقون عنده فذاع صيته حتى اصبح مشهورا في البلدة ! ولكن قاضي المدينة كان يتحرج من الحلاقة عنده خوفا من ان يذيع سر أذنيه الكبيرتين اللتين كان يخفيهما تحت عمامته المزخرفة ! ولكن كان لابد له من التأسي باصحاب الجاه والصولة ، ولم يكن له من بد سوى اتخاذ نفس الحلاق للاهتمام بشعره ولحيته كباقي أغنياء البلدة ! ولكنه تردد كثيرا قبل أن يقرر استدعاء الحلاق !
وفي إحدى الليالي جاء له الحرس بالحلا ق تحت جنح الظلام ،فطلب منه ان يحلق له شريطة ان لا يفشي سره لأي مخلوق مؤكدا ان مادفعه للاتصال به به هو صيته في كتمان اسرار الغير وليست طريقته في الحلاقة ! شكر الرجل للقاضي ثقته واخذ يشتغل بقص الشعر الكثيف الذي كان يغطي رأسه ! وسرعانما صرخ من الدهشة عندما اكتشف حجم أذني هذا الأخير وكاد يقطعهما بمقصه الحاد ! لكنه تدارك فعلته واعتذر للقاضي ثم وعده ان سره في بئر !
كانت أذني القاضي كبيرتين جدا لدرجة أن الحلاق اصبح لايفكر إلا فيهما ! كيف لشخص ما أن يستحمل أذنين كهاتين دون أن يثقل رأسه؟
ظل الحلاق يفكر ويفكر ، ولأنه وعد على كتمان السر ، لم يستطع أن يحدث أحدا بما رآه. ثم إنه سيعرض رأسه للمقصلة في حالة إفشاء السر . لذلك قرر أن يخرج من المدينة ويبحث عن رزقه في مكان ناء حتى يبتعد عن هذا كله !
وفي طريقه ، وجد بئرا مهجورة يابسة ثم صرخ داخلها بأعلى صوته ذلك السرالدفين الذي بقي جاثما على صدره ثم مضى لحال سبيله !
مضت الأيام والسنون،وفي يوم من الأيام هطل المطر بغزارة لدرجة أن البئر فاضت ثم أفضت بالسر الذي أودعه فيها الحلاق !
ذاع سر القاضي في البلدة إلى درجة أنه شعر بالخزي والعار فندم ندما شديدا على ثقته العمياء وقرر الانتقام من الحلاق الغادر .
ابتسم الطفل ثم قال للشيخ، إذن، فتعبير "سرك في بئر " أتت من هنا! مع أن البئر كما ترى لم تستطع الاستمرار في كتمان السر!
ضحك الشيخ بدوره ثم استطرد ، لابد أنهم لم يسمعوا هذه القصة !
- ها نحن ذا قد وصلنا ، فلنجلس قليلا .
- وماذا حصل بعد إذ ؟
- رحل القاضي من بلدته وراح يبحث عن الحلاق الخائن ، وحين وجده، كان هذا الأخيرقد أصبح عجوزا لا يقوى على الحركة !
فكر القاضي ثم قرر أنه لا معنى للانتقام الآن ، فما الذي سيضير شيخا عجوزا مقعدا أكثر مما هو فيه ! ولكنه مع ذلك عزم أن يستفسر كيف ذاع سره .
روى الحلاق قصته للشيخ ، ثم اعتذر لما بدر منه قائلا أنه لم يستطع كتمان السر وحين صرخ داخل البئر، لم يخطر بباله أبدا ان ذلك البئر سيتحدث يوما !
- إذن لو أنني أودعت سري شخصيا في البئر لتحدث وحكى !
- يبدو أن الآبار لا تخفي شيئا هي الأخرى ، وإن أراد المرء أن يحافظ على سر ما ، عليه أن يدفنه في صدره !
-ولكن ياجدي ، كيف للبئر ان تتحدث هل كانت مسحورة؟
- لا يا بني، انها حكاية للعبرة فقط ، لا يوجد سحر ولا سحرة، هناك فقط مغفلون وكذبة !
- ولكن أمي قالت بأن السحر مذكورفي القرآن !
- طبعا هو مذكور في القرآن، ولكن يابني ، كثير من الناس يضحكون علينا ببعض الأقوال التي يستغلون بها الدين للضحك على ذقوننا . فمجرد ذكرالسحر في القرآن لايجعل منه شيئا حقيقيا لأن ذلك يتعارض مع قدرة الله!
- كيف ياجدي ؟
- أي بني ؟ إنك حين تقول الله أكبر يجب أن تعي المعنى العميق منها !
- كيف!
- حين تقول الله اكبر ، فإن الله أكبر من كل شيء ومن كل أحد، أليس كذلك؟
- طبعا ياجدي .
- إذن فهل تظن أن أحدا يستطيع أن يلوي ذراع الله ( استغفر الله ) ويجعله يُقدِّر على الناس شيئا آخر غير ما أراده هو؟
- طبعا لا
- لقد تقاتل المسلمون دهورا طويلة لمجرد أنهم أخرجوا آية مثل " إن الحكم إلا لله " من سياقها.فلا تصدق كل مايقال لك يابني ! فحين ذكر الله السحر في القرآن ، قال بأن كل شيء يتم بإذنه ، فهل تظن أنه يساير هوى من اتبع الشيطان؟
- لا أظن ، ولكن الم يقل بأن الشيطان يعلم الناس مايفرقون به بين المرء وزوجه ؟
- أين سمعت كل هذا الكلام يافتى ؟
- انه الفقيه يا جدي ، لقد قرأ علينا الآية وفسرها لنا حين صلينا الجمعة في المسجد !
- اسمع يا ولدي ، انك لايمكن ان تفهم القرآن إذا لم تربط الآيات ببعضها في تناسق وتناغم تام !
- كيف ؟
- ألم يقل الشيطان : " فبم أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم "؟
- بلا يا جدي
- إذن فإن الشيطان يهزأ بالناس ويزين لهم أعمالهم، ويعلمهم السحر ولكنهم لا يضرون به أحدا إلا بإذن الله ، وإذا أذن الله فمعنى هذا أن مايقع للإنسان قدر وليس سحر ولا أحد يرُدُّ قدر الله !
- "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ "
فما معنى هذا ياجدي؟
- معناه أنه لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا !
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
الآن فهمت معنى " لايفلح الساحر حيث أتى " ولكن مازال هناك شيء آخر ، إذا لم يكن هنالك سحر ، فكيف استطاع سحرة فرعون تحويل عصيهم إلى حيات تسعى !
أي بني ، هل تعرف الفكاهي الذي يخرج أرنبا أو حمامة من طربوشه ؟ كذلك كان سحر سحرة فرعون، كان مهارة يدوية تعتمد على التمويه فقط تماما كبهلوانات السرك !
مازلت لا أفهم ! ولكن كيف تحولت عصا موسى الى حية؟
تلك كانت آية من الله ، لذلك خر السحرة ساجدين، فهم كانوا واعين تماما بأن سحرهم مجرد مهارات يدوية لذلك ، عجبوا حين رأوا معجزة فعلية ، وهي عصا موسى ، تلك آية من آيات الله ليهدي بها من يشاء!
"حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
هل انتبهت يا بني إلى الآية " سحروا أعين الناس؟ "
آه، نعم نعم، تماما كما يسحر البهلوان عيوننا حيث لا نرى كيف يخرج الحمامة من جيبه !
هو ذاك يا ولدي ، ولكن كيف جرنا الحديث إلى هذه المتاهة، وقد كان كل ما أردته بقصتي تلك أن أشرح لك لماذا أعتبر النهر صديقي ولماذا أفضي له بأسراري !
-لماذا يا جدي ؟
-لأن النهر يمشي في اتجاه واحد ولا يعود أبدا تماما كالحياة .
- ولن يرجع ليحكي ، أليس كذلك ؟
ضحك الشيخ ثم قال ، هو ذاك يابني !
دمعت عيني الشيخ وارتعشت شفتاه ،فقد كان يعرف بأنها قد تكون آخر مرة يرى فيها صديقه ، ذلك النهر الذي اقتسم فرحه وآهاته ، نهر جلب له الرزق أحيانا والدمار والخراب للقرية أحيانا أخرى !
قطع الطفل على الشيخ حبل أفكاره قائلا ، ماذا لو أن النهر كان يحمل أخبارك للقرية المجاورة ؟
ضحك الشيخ حتى ترددت قهقهته في الشعاب ثم قال ، هل سمعت، إن الشعاب والأغوار هي من ردّدت ضحكي، أما النهر، فإنه لم يأبه لي وظل سائرا في خطه دون أن يبالي !
وماذا عن اقتتال المسلمين ذاك ياجدي؟
تلك قصة أخرى يا ولدي ، قد أرويها لك إذا جئت معي مرة أخرى !
انك تقلد الآن شهرزاد وتشوقني لسماع القصة، وانسيتني لعبتي على الهاتف !
لم يكن هذا قصدي ...
في طريقهما إلى البيت،فكر الرجل في تلك الكذبة التي اخترعها لانهاء قصة القاضي والحلاق، فقد قُطعت رأس الحلاق المسكين،ولكن الشيخ لم يقو على جرح مشاعر الصبي فغير نهاية القصة ، ففي آخر المطاف كانت تلك مجرد قصة ومن حقه أن يتحكم في نهايتهاولن يستعمل سبحته للاسغفار عن ذلك!
فكر مليا في مسألة الاستغفار تلك ، ثم تذكر سبحته التي كانت قد سقطت منه بجانب النهر دون أن ينتبه ! فابتسم ثم قال لنفسه " علي أن أفكر في طريقة أخرى لجلب النوم إذن " وشكر النهر في أعماقه ، فلربما كان هذا فضل آخر من أفضال النهر عليه أن جرده من ذلك الوثن الذي أبعده عن التوجه مباشرة لله!
اجمالي القراءات
4587
وردت كلمة (بلى) والتى تعنى (نعم) بالألف والصواب أن تكون بالياء
وردت عبارة (دمعت عينى الشيخ) والصواب (دمعت عينا الشيخ) أما الأقصوصة فهى نقد بناء لما توارثناه من تدين صورى وغفلة عن أساسيات التوبة الحقيقية برد المظالم وترضية من ظلمناهم واستبدلنا بذلك ترديد عبارات جوفاء تخرج من أطراف ألستنا لا تسمن ولا تغنى من جوع وليس لها أى صدى فى قلوبنا ،.