المزدكية والزورفانية..

سامح عسكر Ýí 2019-02-08


توجد ديانة قديمة اسمها (الزورفان) Zurvanism

منشقة عن الزرادشتية القديمة، وأهم معتقداتها (الزمن اللانهائي) أي لا وجود لخالق عندهم، وانشقاقها عن الزرادشتية بسبب قول الزرادشتيين أن "أهورا مازدا" رب النور والخير خلق "أهريمان" رب الظلام والشر..فاعترض الزورفانيون وقالوا أن كلاهما توأم متساوي القوة..وأبناء لقوة عليا تدعى "زورفان" هي أصل الوجود.

نشط الزورفانيون خلال العصر الهلليني، ويحتمل أن قولهم بلانهائية الزمن هو لاحتكاكهم مع الفلسفة اليونانية الهللينية بعد غزو الإسكندر بلاد فارس، لكن ظلوا في إيران مضطهدين ومعارضين لا يمثلون رؤية السلطة والدين والمجموع

لكن مع بداية العصر الساساني في القرن الثالث الميلادي سادت رؤيتهم تعاليم الزرادشتيين، وأصبحت شعوب ما وراء النهرين تساوي بين قوتي النور والظلمة، لاحظ أن فلاسفة إيران الإسلاميين هم أول من قالوا بلانهائية الزمن المشهور وقتها بعقيدة (قدم الكون) كالفارابي وابن سينا وأبو بكر الرازي، فهؤلاء لم يأتوا بعقيدة جديدة..ولكنها الدين المشاع في بلاد فارس وقتها..حتى مع دخول الإسلام بلاد فارس مزجوا بين تعاليمه وبين تعاليم الزورفان الزرادشتيين في السابق..

يوجد تطور لاحق للزورفان هو العقيدة "المزدكية" التي أسسها مزدك المنشق عن المانويين، فتساوي النور والظلمة عنده هو أصل الوجود..بمعنى أن تفاعل متساويين هو أصل نشوء وبقاء الحياه، وهو قول سياسي بالمناسبة ساوى فيه بين البشر جميعهم ، مما دفع بعض المعاصرين لوصف المزدكية أنها (أول دين اشتراكي) في التاريخ، ومُلهِمة جدا لفلسفة اليسار، ويقال أن يسار الثورة الإيرانية سنة 79 اتهم بعضهم بالمزدكية.

بحلول القرن السابع الميلادي وبعثة الرسول في مكة كانت بلاد فارس زورفانية مزدكية معا..أي أنها زرادشتية صحيح لكنها زرادشتية متطورة عن التي كانت سائدة في العصر الإخميني والهلليني، والتطورات التي لاحقتها سمحت بتفسير جديد للإسلام بعد دخوله في تقديري هو السائد في العصر العباسي الأول المشهور في التاريخ بعصر الموالي والفرس، وهو الذي شهد أول حركة فكرية روائية صنعت تراث المسلمين، ومن وجهة نظري لا يمكن فهم أفكار المذاهب المسلمة التي صيغت في هذا الزمان (فكريا ومنهجيا) دون فهم المزدكية والزورفانية معا.

ورأيي أن مبادرة علماء الفرس بفهم الإسلام عقليا قبل أي شعب آخر هو لطبيعة المزدكية بالأساس، فمصر كانوا أقباطا والعراقيين كلدان والشام سريان، وجميعهم مسيحيين محافظين وملزمين باعتقاد الكنائس، أما مزدكية فارس فكانوا مهتمين أكثر بالتواصل الاجتماعي والسعادة التي نتجت باتحاد النور والظلمة لإيجاد الكون، أي أن الكون عندهم سعادة بالأساس، والإنسان السعيد هو الأكثر قدرة على التفكير بشجاعة وحرية دون اعتبار لعامل الخوف..

كذلك فعلماء الفرس كانوا أقل اهتماما بالشكليات الدينية، ونظروا للدين على أنه طاقة عقل وتأمل وإصلاح اجتماعي – نفس المنهج المزدكي – وباعتبارهم حركة إصلاحية فارسية فهم كانوا ثوار على الظلم الطبقي وفساد رجال الدين كأي حركة إصلاحية في التاريخ..

الزورفانية انتهت لأسباب لا أعلمها..لكن المزدكية - ورغم أن أتباعها اندثروا ولم يبق منهم سوى قليل من الزرادشتيين - لكن أفكارهم ما زالت باقية ملهِمة ، ورأيي أن الصحابي "سلمان الفارسي" كان متأثرا بهم ، يحكي علي الوردي في كتابه "وعّاظ السلاطين" أن سلمان كان نصيرا للفقراء ليس فقط لفقرهم ولكن لأنه يعتقد أن الغنى الفاحش كالفقر الفاحش، كلاهما يؤديان لضياع الدين، وهي وجهة نظر مزدكية تعني أن تحسين حياة الناس الاقتصادية هي شرط ممارستهم للدين والفكر.
اجمالي القراءات 7450

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   السبت ٠٩ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90369]

فقرة مهمة .


من الفقرات المهمة فى المقال استاذ سامح هذه الفقرة . .



..(لاحظ أن فلاسفة إيران الإسلاميين هم أول من قالوا بلانهائية الزمن المشهور وقتها بعقيدة (قدم الكون) كالفارابي وابن سينا وأبو بكر الرازي، فهؤلاء لم يأتوا بعقيدة جديدة..ولكنها الدين المشاع في بلاد فارس وقتها..حتى مع دخول الإسلام بلاد فارس مزجوا بين تعاليمه وبين تعاليم الزورفان الزرادشتيين في السابق..... فلو فكرنا فيها بطريقة أخرى سنكتشف أنها تؤيد حقيقة أن (الرواة والحشوية والمُحدثين ) جعلوا من ديانات وعقائد اجدادهم القديمة جزءا لا يتجزأ من الإسلام فيما اطلقوا عليه (الحديث ) . والإسلام منه برىء ... 



 أما عن طبيعة شخصية (سلمان الفارسى ) فربما كان كذلك رجل يتحرى العدل الإقتصادى ،وربما تكون من ضمن المناقب التى كتبها فيه ابناء جلدته من اهل فارس . وعلى كل حال هذا لا يُهمنا فى الدين ولكن من باب النظر فى تاريخ الصحابة من خلال لا مع ولا ضد المناقب التى كتبوها فى بعضهم إلا غذا كانت كذبا مفضوحا ومخالفا لتاريخ افعالهم التى ذكرها التاريخ فى الإعتدائات على ألاخرين ..



2   تعليق بواسطة   صلاح الحريرى     في   الجمعة ٠١ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90545]

مقال جميل لكنه مختصر


مقال جميل يا أستاذ سامح، لكنه مختصر اختصار شديد.



 



أرجو متابعة هذا الموضع بمقال آخر، فيه إيضاح أكثر.



 



الموضوع مهم، يناقش الثنوية.



 



هل الشر أصيل في الوجود أم هو عارض وطارئ، ولغاية أسمى؟



 



هل يمكن أن يُولد شخص الشر أصيل فيه، ويُفضِّل أن يعبد إله للشر؟، بمعنى: هذا الشخص الشر أصيل فيه وليس ضعفاً يمكن علاجه؟.



 



الموضوع مهم، ويحتاج لقراءة فلسفية.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 8,085,061
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt