أسامة قفيشة Ýí 2018-05-22
فهمي لسورة التوبة ( الجزء السابع )
يستمر الحديث عن من تخلف بالخروج من مكة مع النبيّ و امتنع عن النفير , مع لفت الانتباه ببدء الحديث عنهم قبل عودتهم لمكة , أي في الفترة التي عايشوها في المدينة و تحت إدارة الدولة الإسلامية .
( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) 48-49 التوبة :
1 - هؤلاء المتخلفين اليوم هم أنفسهم من كان كارهاً لقتال قريش حينما كانوا متواجدين مع النبيّ , فهم أنفسهم من دعا للفتنة حين جاء الأمر و الإذن بالقتال في سبيل الله , فلا خير فيهم و لا خير منهم .
2 - تخلفهم عن الخروج و طلبهم الأذن فيه , هو خوفهم من مقاتلة أهلهم و قبيلتهم بقولهم بأن هذا القتال هو قتال فتنه , فيبين الله عز و جل بأن تخلفهم هذا هو الفتنه الحقيقية و بأن تخلفهم هذه كفرٌ و تكذيبٌ لأمر الله عز وجل و يخبرهم بأن جهنم هي مصير الكافرين .
( إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ) 50 التوبة :
كانوا من قبل يتخلّفون عنك ( عن النبيّ ) , فإن أصابك خير يندمون على تخلفهم , و إن أصابك شر يفرحون و يقولون لقد أخذنا حيطتنا .
( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ * قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ) 51-53 التوبة :
هنا نلاحظ ورود ثلاث نقاط على النبيّ من قولها لهؤلاء المتخلفين عن نداء النفير ( الخروج و الاستعداد للمواجهة القادمة ) :
1 - قل لهم يا محمد بأن الله جل وعلا هو مولانا و لن يصيبنا إلا ما كتبه لنا .
2 - قل لهم يا محمد بأن يتربصوا ( و التربص هو الانتظار مع المراقبة ) في إشارة لانقضاء مهلة الأربعة أشهر , هذا الانتظار نهايته إما نصر المؤمنين على قريش و بالتالي فإن هناك ثمن لتخاذلكم ستدفعونه حينها يتمثل بعذابٍ لكم على أيدِ المؤمنين ( ليس قتلاً لهؤلاء ما لم يقاتلوا المؤمنين ) , و إما مقتل المؤمنين المجاهدين في سبيل الله جل وعلا و انتصار قريش و بالتالي فعذابكم على يد الله جل وعلا مؤجلٌ ليوم الحساب .
3 - قل لهم يا محمد بأن نفقاتهم التي ينفقونها ( الزكاة التي يؤدونها ) سواء عن طيب خاطر , أو بكراهيةِ أدائها فلن يتقبل الله جل وعلا أعمالهم , بل سيحبطها لأنهم فاسقين .
( وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ) 54 التوبة :
إعلان صريح بأن أيمانهم بالله و رسوله لا يعتبر إيماناً كاملاً بل هو إيمانٌ ناقص لتخاذلهم في تنفيذ أمر الله جل وعلا الموجه لهم و تقاعسهم عن واجبهم , لذا فإن الإيمان الناقص هو كما الكفر ناهيك عن تأديتهم لفرائض دينهم مكرهين و كسالى , و هذا يستدعي من الله جل وعلا لإحباط كل عباداتهم و أعمالهم .
( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) 55 التوبة :
1 - يبدو بأن جميع هؤلاء المتخلفين المتخاذلين هم أصحاب مالٍ كثير و جاهٍ كبير ( أموال و أولاد ) , و يبدو بأن المال و الأولاد يؤديان بصاحبهما بالركون للحياة الدنيا و تعلقه بها , و من عذاب الله جل وعلا لهؤلاء المتخاذلين الخونة بأنه سيصيبهم بعضاً من العذاب في الدنيا على يد ما تعلقوا به , ليتحول من نعمة إلى نقمة تطاردهم .
2 - ( فلا تعجبك أموالهم ) كلام موجه للنبيّ عليه السلام , حيث كان عليه السلام فيما يبدو أشد حرصاً في الحفاظ على هؤلاء الناس كي يسهم مالهم في اقتصاد الدولة الإسلامية .
3 - نلاحظ بأن الله جل وعلا قد صرح بكفرهم الديني و لم يصرح بكفرهم السلوكي العدواني .
( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) 56-57 التوبة :
1 - بعد هذا الفضح كله لهؤلاء القرشيون ( أتباع النبيّ ) نلاحظ إصرارهم على الكذب و ادعائهم الباطل بأنهم من المؤمنين الحقيقيين .
2 - فرقٌ شاسع و كبير بين المؤمن الذي ينصاع لأمر الله جل وعلا و لرسوله و بين مدّعي الإيمان الذي لا ينصاع لتلك الأوامر حباً و طمعاً في الدنيا و زينتها و يلهث خلف سرابها المؤقت و الزائل .
( وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) 58-59 التوبة :
1 – يتحدثون فيما بينهم حين توزيع النبيّ للصدقات من خلال التواصل بالإشارة و الحركات الخفية ( بالعامية من تحت لتحت ) , رغماً بأنهم يملكون المال كما تبين لنا , و لكنه الطمع و الجشع الذي لا حدود له , و هذا من خلال قولهم و ادعائهم الكاذب بأنهم لا يملكون مالاً , و لهذا كان النبيّ يعطيهم من تلك الصدقات في سابق عهدهم حينما كانوا في المدينة , فكانوا يرضون بأخذه , و إن لم يعطوا من تلك الصدقات فإنهم يسخطون ( أما بعد عودتهم لمكة فقد ظهر مالهم بشكلٍ علني و اتضح بأنهم كانوا يكتمون هذا المال بسبب بخلهم و رفضاً من إنفاقه في سبيل الله جل وعلا ) , و هنا نستذكر تلك الرشاوى التي كانت قريش تدفعها لهم و يأخذونها ( و أموال اقترفتموها ) .
2 - تعليل حالهم هذا و السبب وراءه هو الطمع و الجشع و حبهم للمال و عدم يقينهم و توكلهم على الله جل وعلا بأنه هو الرزّاق و هو صاحب الفضل في رزقهم .
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 60 التوبة :
بيان و تذكير من هم أصحاب تلك الصدقات , و من لهم الحق فيها .
حتى نكون أكثر دقه و مصداقية وجب علينا التركيز و الحذر الشديد ,
فسورة التوبة ليست كباقي السور على الإطلاق , حتى أنها الوحيدة بدون البسملة , و قلت رأيي في هذا سابقاً , لا نستطيع فهم تلك السورة بمعزلٍ عن كلام الله جل وعلا في كتابه الكريم ككل , كما يجب علينا من الانتباه بالدرجة الأولى للفظ و للجهة التي تخاطبها الآيات و مكانها .
لذا أكرر هنا سريعاً فحوى تلك السورة و أذكر الجهات التي تخاطبها سورة التوبة و تتحدث اليهم :
( تبدأ بتبرئة الله و رسوله , و هذا يعني بأن هناك جرمٌ يقترف بحقهم و يحضر له , و بما ان التبرئة لا تشمل المؤمنين بهذا الجرم لا يشملهم أيضاً , و بما أن التبرئة تنحصر بالله و رسوله فالموضوع يعني بأن هناك جرم سيتم لصقه بهما , أي انقلاب على الله و رسوله ) و الموضوع لا علاقة له بالاعتداء على المؤمنين أو بأن المشركين كانوا يعتدون على المؤمنين ,
و هي بتسلسل الحديث حتى الآن فهي تخاطب : ( قريش التي لم تؤمن لا قبل ما يعرف بفتح مكة و لا بعده , و تخاطب المشركين الواضح شركهم , ثم ينتقل الخطاب تجاه اتباع النبيّ القرشيون العائدون لمكة بعد ما يعرف بفتحها , و تطالبهم بالنفير أي الخروج مع النبيّ , و سرعان ما تبدأ الآيات بكشفهم و بتخلف معظمهم عن هذا الأمر , و من ثم تفضحهم بأنهم كانوا أيام ما كانوا في المدينة كانوا من ضمن المنافقين ) كما تحدثت عن مهله الأربعة أشهر كي يتوقف المشتركون في هذا الجرم عن جرمهم أو قتالهم .
وماذا لو امتلكت فلسطين قنبلة نووية !
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً
دعوة للتبرع
فصاحة القر’ن : السلا م عليكم دكتور احمد ، ارجو الاجا بة علي...
تزكية النفس أو الغير: ما معنى ان لا نزكي انفسن ا على الله ، هل يعني...
حساب الملائكة : الموض وع عذاب النار السلا م عليكم .. من...
ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : السل ام عليك دكتور احمد...
الخطيب يشتمك ايضا: انا اعيش فى اسوان ، وقرأت الفتو ى الساب قة عن...
more
السلام عليكم
اتابع معك الخوض في سورة التوبة مع ذكر وجهة نظري في بعض الامور.
يظهر لي حتى الآن أن السورة تتحدث عن ثلانة مجموعات من الناس: المجوعة الاولى هم المشركون الذين أعلنوا اسلامهم نفاقا (في مكة) ثم عادوا إلى شركهم، وهؤلاء تكلمت عنهم في التعليق السابق. المجوعة الثانية هم من أهل الكتاب، والسورة تتحدث عنهم وعن تصرفاتهم التي كانت نتاج عدم اكتراثهم بما يمليه عليهم كتابهم. الآية 36 (... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) جاءت في سياق الكلام عن هذه المجموعة من أهل الكتاب، وتعطي تصورا بأنها كانت لاتزال تقاتل الرسول وأنصاره، وأنه وجب لذلك قتالهم (قاتلوهم كما يقاتلونكم). المجموعة الثالثة هم من المؤمنين الذين تخلفوا عن النفير بحجج واهية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾). الآية تخاطب المؤمنين بصورة عامة وليس فقط القريشيين.
سورة التوبة توحي عموما بوجود اضطرابات داخل اطار الدولة، وتصف الصعوبات القائمة آنذاك وكيفية التعامل معها: ارتداد بعض الذين اعلنوا اسلامهم وعودتهم إلى شركهم وتآمرهم، استغلال الاحداث من جهة جماعات من أهل الكتاب، ثم خذلان المنافقين من المؤمنين للرسول.
ربط سورة التوبة بالغزوة التي اسموها غزوة تبوك، كما جاء في كتب التراث، لا يتفق مع المشهد الذي جاء في السورة. علاوة على أنه لا يتفق مع المنطق، إذ يخرج جيش قوامة 30000 مقاتل من المسلمين، ثم لا يحصل قتال، ناهيلك عن أن المراجع البيزنطية لم تذكر عن هذه الغزوة.